المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * تتمة لأبنية الكثرة وما تكون جمعا له * ما - شرح ألفية ابن مالك للحازمي - جـ ١٢٤

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * تتمة لأبنية الكثرة وما تكون جمعا له * ما

‌عناصر الدرس

* تتمة لأبنية الكثرة وما تكون جمعا له

* ما يحذف لأجل صيغة التكسير ، والمفاضلة عند الحذف.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:

قال النَّاظم - رحمه الله تعالى -:

وَبِالْفَعَالِي وَالْفَعَالَى جُمِعَا

صَحْرَاءُ وَالْعَذْرَاءُ وَالْقَيْسَ اتْبَعَا

أي: من أمثلة جمع الكثرة (فَعَالِي) بفتح أوله وكسر رابعه، كذلك:(فَعَالَى) بفتح أوله وفتح رابعه: صحارى، وصحاري، وأمَّا (الْفَعَالِي) فقد ذكر النَّاظم هنا أنَّه جمعٌ لـ: صَحْرَاء وكذلك: عَذْرَاء، ويُجمع كذلك على:(فَعَالِي) يعني: يأتي بالجمعين، وقدَّم (فَعَالِي) بالكسر، لأنَّه أصل:(فَعَالَى) بالفتح، ولذلك قال بعضهم أن قوله:(وَالْقَيْسَ اتْبَعَا) مراده: أنَّ (عَذْرَاء) هذا مقيسٌ على (صَحْرَاء) وليس أصلاً فيه .. (الْعَذْرَاء) مقيسٌ على (صَحْرَاء)، يُقال: عَذَارٍ وعذارى، يُجمع بالنوعين، كما يُقال: صَحَارِي، بكسر الراء: وصَحَارَى.

وذكر ابن هشام: أنَّ (فَعَالِي) يَطَّرد في سبعة أبواب: (فَعْلَات) نحو: مَوْمَات، و (فِعْلاتٌ) بكسر الفاء نحو: سِعْلات، و (فِعْلِية) نحو: هِبْرِية، وهو ما يكون في الشعر من نخالة الطين، أو هو ما يتطاير من دقاق القطن .. هكذا قيل.

(وَفَعْلُوَه) نحو: عَرْقُوَة، وهي الخشبة التي تُوضَع عرضاً في رأس الدَّلو، وما حُذِف أول زَائِدَيْه من نحو: حَبْنطَى كما سيأتي هذا، وقَلَنْسُوَة.

و (فَعْلاء) اسماً كـ: صحراء، أو صفةً لا مُذكَّر لها كـ: عَذْرَاء، وذو الألف المقصورة لتأنيثٍ نحو: حُبْلى، أو إلحاقٍ كـ: ذِفْرَى، وهو الموضع الذي يَعْرَق من خلف أذن البعير، هذه سبعة أبواب يَطَّرد فيها الجمع (بِالْفَعَالِي) بكسر رابعه.

وأمَّا (فَعَالَى) بفتح أوله ورابعه، ويشارك (الْفَعَالِي) بالكسر في: صَحْرَاء وما بعده، يعني: في قوله: (صَحْرَاء) وما بعده (عَذْرَاء) وذو الألف المقصورة لتأنيثٍ: حُبْلى، أو إلحاق كـ: ذِفْرة، هذه كُلها يُشَارك فيها (فَعَالَى)(فَعَالِي) .. (فَعَالَى) يُشارك (فَعَالِي) في هذه الأنواع.

وليس لـ (فَعَالَى) ما ينفرد به عن (الفَعَالِي) إلا وصفٌ، يعني: على وزن (فَعْلان)، أو على وزن (فَعْلَى): عطشان وعطشى، وغضبان وغضبى، وسكران وسكرى، فهذا مِمَّا ينفرد فيه (الفَعَالَى) عن (الْفَعَالِي).

وَبِالْفَعَالِي وَالْفَعَالَى جُمِعَا ..

(جُمِعَا) الألف هذا للإطلاق، و (صَحْرَاء) نائب فاعل، و (جُمِعَا) مُغيَّر الصيغة، (وَالْعَذْرَاء) معطوفٌ عليه، وقوله:(وَالْقَيْسَ اتْبَعَاً): اتبعن .. اتبع .. اتبعن، الألف هذه مبدلة عن نون التوكيد الخفيفة، (وَالْقَيْسَ) مفعولٌ به مُقدَّم.

(وَالْفَعَالِي وَالْفَعَالَى) يجتمعان ويفترقان، لهما اشتراك ولهما انفراد، فيشتركان في أنواع:

الأول: (فَعْلَاء) اسماً كـ: صَحْرَاء، يُقال: صَحَارٍ وصَحَارَى.

والثاني: (فَعْلَى) اسماً نحو: علقا، يُقَال: عَلَاقٍ وعَلَاقَى .. علاقِي علاقى، لذلك إذا قلت: علاقِي، كسرت وانقلبت الألف ياء ثُمَّ صار مثل: جوارٍ وغواشٍ، يعني: نُوِّن وحذفت الياء فيقال: علاقٍ وعلاقَى.

ص: 1

والثالث: (فِعْلَى) اسماً نحو: ذِفْرَى، وَذِفَارٍ، وَذَفَارِي (ذِفَارٍ) بالكسر: وَذَفَاري.

و (فُعْلى) وصفاً لا لأنثى (أَفْعَل) نحو: حُبْلَى، يُقال: حَبَالٍ وحبالى .. ذَفَارٍ وَذَفَارى.

والخامس: (فَعْلَاء) وصفاً لأنثى نحو: عَذْرَاء، يُقَال: عذارٍ وعذارى.

وهذه كلها مقيسة، ولذلك قال:(وَالْقَيْسَ اتْبَعَا) فهذه خمسة أبواب كلها مقيسة، إلا (فَعْلاء) وصفاً لأنثى، وهذا مِمَّا اختلفت فيه كلمة ابن مالك هنا في (الْعَذْرَاء)(فَعْلاء) وصفاً لأنثى، نحو: عَذْرَاء، فإن (الْفَعَالِي وَالْفَعَالَى) غير مقيسين كما نَصَّ هو في (التَّسْهِيل) يعني: محفوظ في (الْعَذْرَاء) .. عذاري وعذارى محفوظٌ في (اَلْعَذْرَاء)، فهما محفوظان كما نَصَّ عليه في (التَّسهيل) بخلاف ما اقتضاه كلامه هنا، حيث اقتضى أنَّ: اَلْعَذَارى وَاَلْعَذَاري مقيسان، وفي (التَّسهيل) نَصَّ على أنَّهما محفوظان ليسا قياسين.

إذاً:

الْفَعَالِي وَالْفَعَالَى جُمِعَا

صَحْرَاءُ وَالْعَذْرَاءُ. . . . . . . . . .

قال الشَّارح: ومن أمثلة جمع الكثرة (فَعَالِي وَفَعَالَى) ويشتركان فيما كان على (فَعْلاء)، إذاً: يشتركان، وقد ينفرد بعضها عن بعضٍ كما ذكرناه في كلام ابن هشام السابق.

فيما كان على (فَعْلاء) اسماً كـ: (صَحْرَاء) أو صفةً كـ: (عَذْرَاء) فيقال: صحارٍ .. صحارِي .. صحارَى، (صحارٍ) الأصل: أنه تُحذف الألف هذه .. تُقْلَب الألف ياء ثُمَّ يُنَوَّن ويعامل معاملة: جوارٍ وغواشٍ، ومثله: عذارٍ وعذارى.

ثُمَّ قال رحمه الله:

وَاجْعَلْ فَعَالِيَّ لِغَيْرِ ذِيْ نَسَبْ

جُدِّدَ كَالْكُرْسِيِّ تَتْبَعِ الْعَرَبْ

(فَعَالِيَّ) هذا هو الذي يكون وزناً بتشديد الياء، (اجْعَلْ) هذا فعل أمر، و (فَعَالِيَّ) بالنصب مفعولٌ أول لـ:(اجْعَلْ).

قوله: (لِغَيْرِ) هذا جار ومَجرور مُتعلِّق بقوله: (اجْعَلْ) على أنَّه مفعوله الثاني.

(اجْعَلْ فَعَالِيَّ) بتشديد الياء مقيساً في كل ما كان (كَالْكُرْسِيِّ)، و (الْكُرْسِي) هذا ثلاثي .. ساكن العين .. آخره ياءٌ مُشدَّدة لغير النسب، ولذلك قال:(لِغَيْرِ ذِيْ نَسَبْ كَالْكُرْسِيِّ) حينئذٍ احترز بقوله: (غَيْرِ ذِيْ نَسَبْ) ما كان من باب النسب، كـ: بغدادي ودمشقي ومصري وتركي، هذه كلها لا تجمع على (فَعَالِيْ).

إذاً: (فَعَالِيَّ) بتشديد الياء مقيس في كل ما كان على وزن (كُرْسِي)، هو ثلاثي، لأنَّ الياء هذه زائدة في الأصل، وقد توضع أصالةً: كاف، وراء، وسين، ثُمَّ هو ساكن العين، وآخره ياءٌ مُشدَّدة لغير النسب.

واحترز بقوله: (لِغَيْرِ ذِيْ نَسَبْ) مِمَّا آخره ياءٌ مُشدَّدة للدَّلالة على النسب، كما سيأتي في: قُرَشي ونحوه، كنحو: بَصْري وَمِصْرِي، حينئذٍ يُفرَّق بين اليائيين .. كُرْسِي وَمِصْرِي مثلاً .. يُفرق بين اليائيين، يُعرف ما ياؤه للنسب بصلاحية حذف الياء، تُحذف الياء ودلالة الاسم على المنسوب إليه، يبقى الاسم كما هو: قريش .. قُرَشي، احذف الياء: قُرِيش، بقي الاسم كما هو، أمَّا: كرسي، احذف الياء ما تبقى الكلمة على شيء .. الاسم لا يدلُّ على شيء.

ص: 2

حينئذٍ ياء النسب هي شيءٌ زائدٌ على أصل الكلمة قابلٌ للحذف، هذا الأصل فيها، حينئذٍ إذا أُريد أن يُفرَّق بين الياء التي تكون للنسب والياء التي لغير النسب (كَالْكُرْسِي) نقول احذف هذه الياء، إن بقي الاسم دالَّاً على معنىً فحينئذٍ نقول: هذه ياء النسب، وإلا فهي ياءٌ لغير النسب.

وَيُعرف ما ياؤه للنسب بصلاحية حذف الياء، ودلالة الاسم على المنسوب إليه، وما ليس لتجديد النسب لا يصلح لذلك، وهذا يشمل نوعين:

الأول: ما وُضِع أصالةً، هكذا بالياء مشدَّدة، أول ما وُضِع وضع على وزن (كُرْسِي) مثلاً، حينئذٍ نقول: هذه الياء، وإن لم تكن للنسب إلا أنَّها وُضِعت أصالةً مُشابهةً لياء النسب، ما وُضِع بالياء المُشدَّدة وهذا مثَّل له بـ: كرسي، إذ ليس عندنا كلمة مُؤلَّفة من كاف وراء وسين.

والنوع الثاني: ما أصله بياء النسب، يعني: فيه ياء النسب، ولكن اسْتُعْمِل استعمال الأسماء فصار النسب منسيَّاً، هذا وارد كثير عندهم، ولذلك قلنا: عَبْد وَأَعْبُد، الأصل: أنَّه لا يُجمع على (أَفْعُل) لأنه وصفٌ، لكن لَمَّا تُنُوسِيَت الوصفيَّة فعُومِل مُعَاملة الأسماء صَحَّ جمعه على (أَفْعُل) وإلا هو خاصٌّ بالأسماء، غَلَبَت عليه الاسْميَّة.

إذاً: الثاني: ما أصله النسب، وكثر استعمال ما هي فيه حتى صار النسب منسيَّاً، مثَّلوا له بـ: مَهْرِي، فإنَّه في الأصل: منسوبٌ إلى: مَهْرَة وهي قبيلة: مَهْرِيٌّ، كما يُقال: قُرَشِي وبصري وبغدادي، ثُمَّ كثر استعماله حتى صار اسْماً للنجيب من الإبل، النجيب من الإبل صار يُسمَّى: مَهْرِي، والأصل فيه: أنَّه منقول، حينئذٍ عُومِل معاملة الأسماء المجرَّدة غير منسوبة إلى شيء، وإن كان في أصل الاستعمال هو بياء النسبة.

إذاً: (لِغَيْرِ ذِيْ نَسَبٍ جُدِّدَ) احترز بياء النسب المجدَّدة عن ياء نسبٍ في أصل الوضع، أو لا نقول: ياء نسب! نقول: ياءٍ مشابهة لياء النسب في أصل الوضع، أو ما كان أصلاً في النسب لكنَّه صار النسب مَنسيَّاً، اسْتُعْمِل استعمال الأسماء المحضة فصار عَلَماً، أو صار اسماً وَتُنُوسي فيه النسب.

وَاجْعَلْ فَعَالِيَّ لِغَيْرِ ذِيْ نَسَبْ

جُدِّدَ. . . . . . . . . . . . . . . . .

قلنا: (لِغَيْرِ) هذا مُتعلِّق بقوله: (اجْعَلْ) وهو مضاف، و (ذِيْ) مضاف إليه وهو بمعنى: صاحب، وهو مضاف، و (نَسَبٍ) مضاف إليه، و (جُدِّدَ) أي: النسب، الجملة في محلِّ جر نعت لـ:(نَسَبْ)، واحترز به من نحو: تُرْكِي وَبَصْرِي وَبَغْدَادي وَمِصْرِي ونحو ذلك.

(كَالْكُرْسِيِّ) وَبُخْتِي وَقُمْرِي (تَتْبَعِ الْعَرَبْ)، (تَتْبَعِ) هذا مجزومٌ في جواب الأمر: اجْعَلْ .. تَتْبَعِ، إذا جعلت (فَعَالِيَّ) لِمَا ذُكِر (تَتْبَعِ الْعَرَبْ) كنت تابعاً للعرب، فهو مجزومٌ في جواب الطلب وجزمه سكونٌ مُقدَّر، و (الْعَرَبْ) مفعولٌ به.

ص: 3

من أمثلة جمع الكثرة: (فَعَالِي)، هكذا قال الشارح، وهو جمعٌ لكل اسمٍ ثلاثي آخره ياءٌ مُشَدَّدة غير مُتَجَدِّد للنَّسب: كُرْسِي .. كراسي .. (فَعَالِي)، قَمْري .. قَمَاري، بُخْتِي .. بَخَاتي، بَرْدِى .. بَرَادي، ولا يُقال: بَصْرِي .. بَصَاري، لا يُقَال لأنَّه منسوب، وما كان منسوباً لا يُجمع على (فَعَالِي).

إذاً: هذا الوزن خاصٌّ بِما كان على وزن: كُرْسِي، من كل اسمٍ ثلاثي ساكن العين وآخره ياءٌ مُشدَّدة لكنَّها ليست بياء النسب وإن أشبهت ياء النسب.

ثم قال: وهذا (فَعَالِي) آخر ما ذكره النَّاظم هنا من أمثلة تكسير الثلاثي المُجرَّد، والمزيد فيه غير الملحق، والشبيه به، وكل ما ذكره: أحدٌ وعشرون بناءً فيما سبق، الآن سيذكر فيما يَتعلِّق بـ:(مَفَاعِل وَمَفَاعِيل) كل ما كان بعد ألف تكسيره حرفان أو ثلاثة وسطها ساكن.

وَبِفَعَالِلَ وَشِبْهِهِ انْطِقَا

فِي جَمْعِ مَا فَوْقَ الثَّلَاثَةِ ارْتَقَى

مِنْ غَيْرِ مَا مَضَى وَمِنْ خُمَاسِي

جُرِّدَ الآخِرَ انْفِ بِالْقِيَاسِ

وَالرَّابِعُ الشَّبِيهُ بِالْمَزِيدِ قَدْ

يُحْذَفُ دُونَ مَا بِهِ تَمَّ الْعَدَدْ

وَزَائِدَ الْعَادِي الرُّبَاعِي احْذِفْهُ مَا

لَمْ يَكُ لَيْنَاً إِثْرَهُ اللَّذْ خَتَمَا

هذا ما يَتعلَّق بالرُّباعي المُجرَّد، والرُّباعي المزيد، والخماسي الأصول، والخماسي المزيد، كيف نجمعه؟ فحينئذٍ نأتي به على وزن (ِفَعَالِلَ وَشِبْهِهِ).

وَبِفَعَالِلَ وَشِبْهِهِ انْطِقَا ..

انطقاً بِفَعَالِل، هذا مُتعلِّق بقوله:(انْطِقَاً)، والألف هذه بدلٌ عن نون التوكيد الخفيفة، (وَشِبْهِهِ) أي: شبه (فَعَالِل) من كل وزنٍ بعد ألف تكسيره حرفان، أو ثلاثة أحرف وسطها ساكن، الذي عبَّرْنا في السابق بأنَّه: صيغة منتهى الجموع.

من أمثلة الكثرة (ِفَعَالِلَ وَشِبْهِهِ)، والمراد بـ (شِبْهِهِ): ما يُماثله في العِدَّة والهيئة .. عدد الحروف والهيئة، وإن خالفه في الوزن نحو:(مَفَاعِل وَفَيَاعِل) قلنا: لا يُشترط أن يكون (مَفَاعِل ومَفَاعِيل) كما سبق، صيغة منتهى الجموع ليس القيد فيه أن يكون على وزن (مَفَاعِلْ وَمَفَاعِيل) بل هذا مثالٌ كَثُر وشاع:(مَفَاعِل) مَسَاجِد .. (مَفَاعِيل) مصابيح، هذا كثير ولكن كل ما كان بعد ألف تكسيره حرفان أو ثلاثة أحرف وَسَطُها ساكن، هذا الضابط فيه.

إذاً: (وَشِبْهِهِ) المراد ما يُماثله في العدَّة والهيئة، وإن خالفه في الوزن نحو:(مَفَاعِل وَفَيَاعِل)، أمَّا (فَعَالِل) الذي ذكره النَّاظم فَيُجمع عليه كلُ ما زادت أصوله على ثلاثة، ولذلك قال:

فِي جَمْعِ مَا ارْتَقَى فَوْقَ الثَّلَاثَةِ ..

فيُجمع عليه كل ما زادت أصوله على ثلاثة أحرف، وأمَّا (شِبْهِهِ) فَيُجْمَع عليه كُلُّ ثُلاثيٍّ مزيد إلا ما أخرجه بقوله:(مِنْ غَيْرِ مَا مَضَى) إذاً: النظر هنا في الرُّباعي، والخماسي، والثلاثي المزيد، أمَّا الرُّباعي الأصول لم يذكره النَّاظم لأنَّه لا إشكال فيه: جَعْفَر، يُجمع على: جَعَافِر .. على (فَعَالِل) ليس فيه حذفٌ، لم يذكر كيفية جمعه.

وأمَّا الخماسي الأصول والمزيد، والرُّباعي المزيد، فهذا نصَّ عليه.

ص: 4

وأمَّا النوع الثالث: وهو الثلاثي المزيد (فَعَالِل) هذا للخماسي، وشبه (فَعَالِل) هذا للثلاثي المزيد.

إذاً: (فَعَالِل) يُجمع عليه كُلُّ ما زادت أصوله على ثلاثة، وشبه (فَعَالِل) يُجمع عليه كُلُّ ثلاثيٍّ مزيد، إلا ما أخرجه بقوله:(مِنْ غَيْرِ مَا مَضَى) يعني: الذي سبق من الثلاثي هذا لا إشكال فيه، كذلك الرُّباعي: كَاهِلْ وَحَائِضْ وَصَاهِل وَكَامِل وَكَمَله، كل الجموع السابقة مستثناة، ما عداها حينئذٍ يدخل معنا.

إذاً:

بِفَعَاللَ وَشبْهِهِ انْطِقا

فِي جَمْعِ مَا فَوْقَ الثَّلَاثَةِ ارْتَقَى

قوله: (انْطِقَا) هذا تَعلَّق به (بِفَعَالِل) وعطف عليه (شِبْهِهِ)، (فِي جَمْعِ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بقوله:(انْطِقَا)، انطقاً (بِفَعَالِلَ) في جمع ما ارتقى فوق الثَّلاثة، إذاً: ما كان ثلاثياً فقد مضى أكثره، بقي ما زاد على الثلاثي، (فِي جَمْعِ مَا ارْتَقَى) ما زاد (فَوْقَ الثَّلَاثَةِ) حينئذٍ شَمِل: الرُّباعي، كـ: جعفر، سواءٌ كان مُجرَّداً أو مزيداً، وَشَمِل الخماسي، والسداسي، والسُّباعي، لأنَّه قال:(مَا ارْتَقَى فَوْقَ الثَّلَاثَةِ) وأقصى الأسماء سبعة: استخراج، على سبعة أحرف.

إذاً: شَمِل قوله:

فِي جَمْعِ مَا ارْتَقَى فَوْقَ الثَّلَاثَةِ ..

شَمِل الرُّباعي كـ: جَعْفَر وَصَيْرَف وَإِصْبِع، والخماسي كـ: سَفَرْجَل وَمُنْطَلق، والسداسي كـ: قَبَعْثَرة ومستخرج، والسُّباعي كـ: استخراجٍ، (استخراج) على سبعة أحرف، ولا يوجد ثمانية أحرف.

أمَّا الرُّباعي: فإمَّا أن يكون مُجرَّداً أو لا، فإن كان مُجرَّداً جُمِع على (فَعَالِل) دون حذفٍ، لأنَّ (فَعَالِل) خمسة أحرف، وجعفر، أربعة أحرف، إذاً: يمكن أن يأتي الوزن: جعفر، على (فَعَالِل) ولا إشكال فيقال فيه: جَعَافِر.

وإن كان بزيادةٍ جُمِع على شبه (فَعَالِل) سواءٌ كانت زيادته للإلحاق نحو: جوهر، يُجمع على: جواهر، أم لغير الإلحاق نحو: إِصْبِع .. أَصَابِع (أَفَاعِل) وَمَسْجِد .. مساجد، ما لم يكن مِمَّا تَقدَّم استثناؤه .. ما سبق يعني: في الأبواب السابقة، هذا الرُّباعي .. الرُّباعي يُجمع على (فَعَالِل) إن كان مُجرَّداً، فَيُقال: جعفر .. جعافر.

وإن كان بزيادةٍ جُمِع على شبه (فَعَالِل) سواءٌ كان زيادته للإلحاق: جَوْهَر، (جَوْهَر) هل هو رُبَاعي الأصول؟ (جَوْهَر) على وزن (فَوْعَلْ) إذاً: هو ثلاثي مزيد بحرف، إذاً: ليس رباعي الأصول .. ليس مُجرَّداً، كذلك: إِصْبِع، على أربعة أحرف، على وزن (إِفْعِل) إذاًَ: الهمزة ليست أصلية: مَسْجِد (مَفْعِل) الميم ليست أصليه.

إذاً: إذا كان الرُّباعي ليست حروفه أصول يُجمع على شبه (فَعَالِل)، أمَّا: جعفر، هذه الحروف كلها أصلية، حينئذٍ يُجمع على (فَعَالِل)، وما لم يكن كذلك من الرُّباعي يُجمع على شبه (فَعَالِل) فَيُقال في (جَوْهَر): جَوَاهِر، (جَوَاهِر) على وزن (فَوَاعِل) ليس (فَعَالِل) هو شبه (فَعَالِل).

ص: 5

كذلك: إِصْبِع يقال: أَصَابِع (أَفَاعِل) هذا شبه (فَعَالِل) ليس على وزن (فَعَالِل)، مسجد .. مساجد (مَفَاعِل) هذا شبه (فَعَالِل) وليس على وزن (فَعَالِل)، إلا مِمَّا استثناه النَّاظم فهذا قد سبق بيانه كـ: صَاهِل، وكامل، وكمله، كل ما سبق هناك فهو مستثنىً.

وأمَّا الخماسي: فهو أيضًا إمَّا مُجرَّد، وإمَّا بزيادة، إمَّا مُجرَّد يعني: خماسيَّ الأصول، أو خماسي مزيد، أشار إلى الخماسي المجرَّد بقوله:(وَمِنْ خُمَاسِي جُرِّدَ) إذاً: المجرَّد لم يعن المزيد، (انْفِ الآخِرَ) يعني: احذف الآخر من أجل جمعه على وزن (فَعَالِل)، لأنَّ (فَعَالِل) على خمسة أحرف وفيه ألفٌ زائدة، وهي ألف الجمع لا بُدَّ من بقاءها.

(فَعَالِل) هذا على خمسة أحرف، والألف لا بُدَّ من إبقاءها، كيف نجمعه وهو على خمسة أحرف؟ إذاً: لا بُدَّ من حذف حرفٍ منه، والأنسب عند الصرفيين: أن يكون الحذف من الأخير، لأنَّ الحذف إنَّما يكون من الطَّرف إلا ما يأتي استثناؤه.

(وَمِنْ خُمَاسِي جُرِّدَ) يعني: مُجرَّدٍ، يعني: خماسيَّ الأصول كل حروفه أصول ليس فيه حرفٌ زائد، (انْفِ) يعني: احذف (الآخِرَ بِالْقِيَاسِ)، حينئذٍ: سَفَرْجل، كيف نجمعه على (فَعَالِلْ)؟ نقول: سَفَارِج .. لا بد من بقاء الألف، سَفَارِج أين اللام؟ قطعناها .. حذفناها، لا بُد من أن يأتي على وزن (فَعَالِل) أن نحذف الحرف الأخير: سَفَرْجَل .. (سَفَارِج) حذفنا اللام .. الطرف، لماذا؟ لنتمكن من جمعه على وزن (فَعَالِل).

قوله: (بِالْقِيَاسِ) فُهِم منه أنَّ العرب لا تَجمع ما يُحذف منه حرفٌ أصلي إلا على اسْتِكْرَاهٍ، وهذا مذهب سيبويه.

إذاً: (مِنْ خُمَاسِي) هذا مُتعلِّق بقوله: (انْفِ) .. (انْفِ) فعل أمر مبنيٌّ على حذف حرف العِلَّة، و (بِالْقِيَاسِ) مُتعلِّقٌ به، والآخر مفعولٌ مُقدَّم، و (جُرِّدَ) هو الخماسي، والجملة في محل جر صفة لـ (خُمَاسِي)، أي:(انْفِ الآخِرَ) أي: احذفه من الخماسي المجرَّد عند جمعه قياساً، لتتوصل بذلك الحذف .. حذف الأخير إلى بناء (فَعَالِل) إذ لو لم تحذفه لَمَا استطعت أن تتوصل إلى هذا الوزن، فتقول في (سَفَرجل): سَفَارج، (فرزدق): فَرَازد، (فرزدق) خماسي الأصول، كيف تجمعه على (فَعَالِل)؟ تقول: فرازد، حذفت القاف.

إذاً:

بِفَعَالِلَ وَشِبْهِهِ انْطِقَا

فِي جَمْعِ مَا ارْتَقَى فَوْقَ الثَّلَاثَةِ

قوله: (وَشِبْهِهِ) عرفنا المراد شبه (فَعَالِل): كل جمعٍ بعد ألف تكسيره حرفان، (مِنْ غَيْرِ مَا مَضَى) هذا استثناء لقوله:(فِي جَمْعِ مَا فَوْقَ الثَّلَاثَةِ) لأنَّ: كاهل، وحائض، وفارس، فيما سبق هذه كلها فوق الثلاث، لكنَّه سبق لها أبنية استقرَّت عليها، هذا مستثنى لا تأتي على وزن (فَعَالِل) وشبه (فَعَالِل).

ص: 6

إذاً: (مِنْ غَيْرِ مَا مَضَى)، (مِنْ غَيْرِ) هذا حالٌ من (مَا) .. (فِي جَمْعِ مَا) حال كونه (مِنْ غَيْرِ مَا مَضَى): من غير الذي مضى، والذي مضى .. كُلُّ ما مضى .. الأبواب السابقة مِمَّا قلنا فيه: أنَّه رباعي معتلَّ اللام، أو صحيح اللام: كامل، ورامٍ، وحائض .. كل هذه الأصل: أنَّها رباعية ولها أبنيةٌ مستقرَّة غير باب (فَعَالِلَ وَشِبْهِهِ)، ما عدا ما سبق حينئذٍ يُجمع على (فَعَالِل) إن كان رباعياً فبلا حذفٍ، سواءٌ كان مزيداً أو مُجرَّداً، وإن كان خماسياً فإمَّا أن يكون مُجرَّداً أو مزيداً حينئذٍ لا بُدَّ من جمع المجرَّد بحذف طرفه وهو الأخير.

(مِنْ غَيْرِ مَا مَضَى) يرجع لقوله: (وَشِبْهِهِ)، وهو باب: كُبْرَى وَسَكْرَى، وَأَحْمَر وَحَمْرَاء، ورامٍ وكاملٍ ونحوها، مِمَّا استقر تكسيره على غير هذا البناء.

. . . . . . . . . . وَمِنْ خُمَاسِي

جُرِّدَ الآخِرَ انْفِ بِالْقِيَاسِ

وَالرَّابِعُ الشَّبِيهُ بِالْمَزِيدِ قَدْ

يُحْذَفُ دُونَ مَا بِهِ تَمَّ الْعَدَدْ

(وَالرَّابِعُ) هذا مبتدأ، و (الشَّبِيهُ) نعته، (بِالْمَزِيدِ) مُتعلِّق بـ:(الشَّبِيهِ)، (قَدْ يُحْذَفُ) هو أي: الرابع، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ.

وَالرَّابِعُ الشَّبِيهُ بِالْمَزِيدِ قَدْ

يُحْذَفُ. . . . . . . . . . . . . . . .

دُونَ مَا تَمَّ الْعَدَدُ بِهِ، يعني: دون الخامس، في الأول حكم بأن الذي يُحذف من الخماسي الأصول المُجرَّد الآخر، يعني: الحرف الأخير اللام: سَفَرْجل .. فرزدق، نحذف اللام من: سفرجل والقاف من: فرزدق، هنا استثنى فقال لك: الرَّابع من الخماسي الأصول المُجرَّد، إن كان شبيهاً بالمزيد قد يكون هو المحذوف دون الخامس.

قلنا: في الحكم السابق أن يكون المحذوف هو الخامس، لكن هنا استثناء: إمَّا أن يكون الرَّابع الذي قبل الخامس شبيهاً بالمزيد أو لا، إن لم يكن شبيهاً بالمزيد فالحكم السابق: يُحذف الخامس، إن كان شبيهاً بالمزيد فحينئذٍ جاز لك أن تحذف الرَّابع، أو أن تحذف الخامس، يعني: صار الحكم السابق للجواز فيما إذا كان الرَّابع شبيهاً بالمزيد.

إذاً: ننظر في الخماسي المجرَّد .. ننظر في رابعه: إن لم يكن شبيهاً بالمزيد تَعيَّن حذف خامسه، وإن كان شبيهاً بالمزيد حينئذٍ لم يَتعيَّن حذف خامسه، بل يجوز لك الوجهان، وإن كان حذف الخامس أرجح.

ثُمَّ إن كان رابع الخماسي الأصول شبيهاً بالزائد: إمَّا أن يكون شبيهاً بالزائد لفظاً أو مَخْرجاً، يعني: كيف نحكم عليه بأنَّه شبيهٌ بالزائد؟ نحن نقول: هو أصل (سَفَرْجَل) أصول يعني: ليس فيه زوائد، (سَفَرْجَل) يعني: الحروف كلها أصول، فكيف نحكم عليه بأنَّه زائد؟ هو ليس فيه زائد قطعاً، وإلا ما صار مُجرَّداً، إذا قيل:(خُمَاسِيِّ جُرِّدَ) معناه: جُرِّد من الزيادة فليس فيه حرفٌ زائد البتَّة، لكن فيه حرفٌ من هذه الحروف الأصول ما يُشبه الزائد، ومعلومٌ أن الشيء إذا أشبه الشيء أخذ حكمه كما عرفنا من أول الكتاب إلى الآن.

ص: 7

حينئذٍ نقول: هذا الرابع وهو حرفٌ أصلي ليس بزائد قد يشبه الزَّائد إمَّا لفظاً أو مخرجاً، (لفظاً) عينه نفسه هو، فالنون مثلاً من حروف: سَأَلْتُمُونِيْهَا، وقد يكون حرفاً أصلياً، حينئذٍ إذا جاء الرابع حرفاً وهو نون هو أصلي، لكن نقول: هذه النون تقع زائدةً في غير هذا الباب وهو: الخماسي المجرَّد، حينئذٍ نقول: أشبهت النون النون، النون الأصلية أشبهت النون الزائدة، صار شبيهاً له في اللفظ.

كذلك إذا أشبه الحرف ليس حرفاً زائداً من حيث كونه يقع زائداً في بعض المفردات، وإنَّما من حيث الاشتراك في المخرج، يعني: لا يكون النون هو عين النون، وإنَّما يكون حرفاً آخر لكنَّه اشترك مع الحرف الزائد من حروف: سَأَلْتُمُونِيْهَا، في المخرج فمعلومٌ أن المخارج تشترك.

إذاً: إن كان رابع الخماسي الأصول شبيهاً بالزائد لفظاً أو مخرجاً جاز حذفه وإبقاء الخامس، جاز حذفه بدلاً من الخامس، وإن كان الأصل: حذف الخامس، فنترك الخامس كما هو على حاله ونحذف هذا الرابع الذي أشبه الزائد.

ومثال ما رابعه شبيهٌ بالزائد لفظاً مثل: خَوَرْنَق .. سَفَرْجَل، بفتح الواو، نقول هذا:(خَوَرْنَق) النون هنا أصلية، ووقعت رابعةً من خماسي مُجرَّد، الخاء والواو والراء والنون والقاف كلها حروفٌ أصول، الأصل فيه: أن نحذف القاف .. الأخير: خَوَرْن، تبقى النون كما هي ونحذف القاف، فنقول في جمعه:(فَعَالِل) خوارن، هذا الأصل فيه، يجوز أن نبقي القاف ونحذف النون، لماذا؟ لكون النون هنا حرفاً رابعاً شبيهاً بالزائد، كيف أشبه الزائد؟

نقول: (سَأَلْتُمُونِيْهَا) هذه حروف الزيادة عشرة مجموعة في قوله: (سَأَلْتُمُونِيْهَا)، النون تقع زائدةً، وهنا النون أصلية، إذاً: أشبه اللفْظُ اللفْظَ فأخذ حكمه، والزائد يجوز حذفه، وَحُذِفت هذه النون مع كونها أصلية، لأنَّها أشبهت النون التي تُزاد، إذاً:(خَوَرْنَق) فإنَّ النون من حروف الزيادة.

ومثال ما رابعه شبيهٌ بالزائد مخرجاً: فرزدق، الدال (سَأَلْتُمُونِيْهَا) ليست منها، لكنَّ الدَّال هذه قالوا: من مخرج التَّاء: دا .. تا، اشتركت مع التَّاء وهي حرفٌ زائد في المخرج فجاز حذفها، فإن الدَّال من مخرج التَّاء، والتَّاء من حروف الزيادة.

إذاً: لم يُشبه الدَّال التاء لفظاً، لو كان عينه .. تاء وتاء قلنا: أشبهه لفظاً كما في النون والنون، ولكن هنا الدَّال والتاء لم يشتبها في اللفظ والنطق، وإنَّما اشتركا في المخرج فحسب، حينئذٍ صار شبيهاً له، فلك حينئذٍ أن تقول فيهما: خَوَارِق، خَوَرْنَق احذف النون تقول: خَوَارق على وزن (فَعَالِل) بحذف الرابع، لماذا حذفته وهو أصل؟ تقول: لأنَّه شبيهٌ بالزائد، وهذا استثناءٌ من القاعدة السابقة:

وَمِنْ خُمَاسِيِّ جُرِّدَ الآخِرَ احْذِفْ ..

يعني: احذف الآخر إذا كان الخماسي مُجرَّداً، إلا إذا كان الرابع شبيهاً بالزائد فيجوز حذف الرابع دون الخامس، يعني: مع إبقاء الخامس، و (فَرَازِق) .. (فَرَزْدَق)، احذف الدَّال تقول: فَرَازِد، هذا على الأصل إذا حذفت القاف، وإذا حذفت الدَّال تقول: فَرَازِق، يعني: إمَّا أن تقول: فَرَازِد، وإمَّا أن تقول: فَرَازِق، يجوز الوجهان.

ص: 8

إذاً: فلك أن تقول فيهما: خوارق وفرازق، لكن: خَوَارٍ وفرازد أجود، وهذا مذهب سيبويه، يعني: حذف الأخير حتى لو كان الرابع شبيهاً بالزائد .. حذف الأخير أجود من حذف الرابع.

وقال المُبَرِّد: "لا يُحذف في مثل هذا إلا الخامس" يعني: ليس عند المُبِرِّد تفصيل بين ما إذا كان الرابع شبيهاً بالزائد أو لا، فَكُله يُحذف منه الطرف الأخير.

وقال المُبِرِّد: "لا يُحذف في مثل هذا إلا الخامس، و (خوارق) و (فرازق) غلط، وأجاز الكوفيون والأخفش حذف الثالث، فيقولون: خوانق وفرادق".

على كُلٍّ: المشهور ما ذكره النَّاظم، وهو مذهب سيبويه وجمهور البصريين: أنَّه إذا كان الرابع شبيهاً بالزائد جاز أن تحذفه دون الخامس.

الرَّابِعُ الشَّبِيهُ بِالْمَزِيْدِ قَدْ

يُحْذَفُ. . . . . . . . . . . . . . . .

(قَدْ) للتقليل، أو نقول للتَّحقيق؟ إذا قلنا الراجح أجود: أن يُحذف الأخير مطلقاً، ولو كان الرابع شبيهاً بالزائد، حينئذٍ الأولى: أن نحمل (قَدْ) هنا للتقليل، لو سَوَّينا بين الحكمين دون ترجيح حَمَلنا (قَدْ) هنا على التحقيق، إذا قلنا: أنت مُخَيَّر بين حذف الرابع الشبيه بالزائد وبين الخامس وهما على مرتبة واحدة، قلنا:(قَدْ) هنا للتحقيق، لأنَّ الحكم لا فرق بينهما، وإذا أردنا الإشارة إلى أنَّ حذف الخامس ولو كان الرابع شبيهاً بالزائد أجود حملنا الحكم هنا على القِلَّة، ودائماً إذا قيل: هذا قليل وهذا أكثر كان القليل أدون من حيث الترجيح.

إذاً: (قَدْ) هنا للتقليل، (قَدْ يُحْذَفُ) الرابع الشبيه بالمزيد، (دُونَ) من غير، (مَا تَمَّ الْعَدَدُ بِهِ) (بِهِ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بقوله:(تَمَّ)، و (تَمَّ الْعَدَدْ)(الْعَدَدْ) هذا فاعل مرفوع ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره، (تَمَّ الْعَدَدُ بِهِ) وهو الخامس.

يعني: أنَّ الحرف الرابع في الخماسي الأصول إنْ كان شبيهاً بالحرف الزائد وإنْ لم يكن زائداً جاز حذفه دون الآخر، وَشَمِل الشَّبيه بالمزيد ما كان من حروف الزيادة كالمثال الذي ذكرناه، وما كان شبيهاً بالحرف الزائد كـ: الدَّال من: فرزدق، فإنَّه شبيهٌ بالتاء لاشتراكهما في المخرج.

وَزَائِدَ الْعَادِي الرُّبَاعِي احْذِفْهُ ..

هذا شروعٌ منه في الخماسي والرباعي المزيد، الرباعي المزيد بِحرفٍ صار خماسياً، أو الخماسي المزيد .. الخماسي بزيادة.

(وَزَائِدَ الْعَادِي الرُّبَاعِي)(الْعَادِي) يعني: الذي تَعدَّى وجاوز الرُّباعي، (احْذِفْهُ) احذف زائد العادي الرُّباعي، ما إعراب (زَائِدَ)؟ منصوب على الاشتغال، (احْذِفْ زَائِدَ الْعَادِي)(زَائِدَ) مضاف، و (الْعَادِي) مضافٌ إليه، و (الرُّبَاعِي) الذي عَدَا جاوز الرُّباعي، (الرُّبَاعِي) هذا مفعولٌ به لـ:(الْعَادِي)، و (الْعَادِي) هذا اسم فاعل دخلت عليه (أل) حينئذٍ يعمل مُطلقاً.

(وَزَائِدَ الْعَادِي) يعني: الذي تَعدَّى أربعة أحرف (احْذِفْهُ)، يعني: أن الحرف الزائد في الاسم الذي زاد على أربعة أحرف يُحذف في الجمع، فَشَمِل الرُّباعي المزيد.

ص: 9

قلنا: هذا البيت عَنَى به الرُّباعي المزيد: دَحْرَج، تقول: مُدَحْرِج، هذا رباعي مزيد أو مُجرَّد؟ أصله: دَحْرَج (فَعْلَل)، زِدْتَ عليه الميم: دَحْرَج يُدَحْرِجُ مُدَحْرِجْ، (مُدَحْرِج) هذا رباعي مزيد، إذا أرَدْتَ جمعه حينئذٍ لا بُدَّ من حذفٍ، لأنَّه على خمسة أحرف، و (فَعَالِل) على خمسة أحرف، لا بُدَّ من الحذف.

إذاً: شَمِل الرُّباعي المزيد نحو: مُدَحْرِج، والخماسي المزيد نحو: قَبَعْثرى، خماسي مزيد بحرف واحد يعني: على ستة أحرف، إلا أنَّ الأول يُحذف منه الزَّائد فقط، فتقول في (مُدَحْرِج): دَحَارِج، مُدَحْرِج وَمُدَحْرِج وَمُدَحْرِج، كُلٌّ منهم مُدَحْرِج، تجمعه على: دَحَارِج (فَعَالِل) حذفت الميم، لأنَّه ليس عندنا حرف زائد إلا هو فتَعيَّن حذفه.

والثاني: قَبَعْثرَى، هو خُماسي وزيد عليه حرفٌ، كم نحذف؟ هو قال:

وَزَائِدَ الْعَادِي الرُّبَاعِي احْذِفْهُ ..

الزائد احذفه، إذاً: صار على خمسة، (وَمِنْ خُمَاسِي جُرِّدَ الآخِرَ احذف)، كونه خُماسي نحذف الخامس، وكونه زِيد عليه حرف حتى صار ستة أحرف نحذف الزائد، إذاً: من الخماسي المزيد بحرف نحذف منه حرفين، والرُّباعي المزيد بحرف نحذف منه حرفاً واحداً.

إذاً: (مُدَحْرِج) هذا رُباعي مزيد بحرف، وهو خماسي مزيد، حينئذٍ نحذف منه حرفاً واحداً فحسب وهو الميم فنقول: دَحَارِج.

وأمَّا: (قَبَعْثرَى) فهذا نحذف منه الزائد وهو الألف .. ألف الإلحاق هذه، أو قيل: التكثير، والحرف الذي قبل الزائد؛ لِمَا سبق أنَّ الخماسي الأصول يُحذف آخره، فتقول في جمع (قَبَعْثَرى): قَبَاعِث (فَعَالِل)، حذفت منه الألف: قَبَعْثَرى، ألف حُبْلى هذه .. للتكثير، وحذفت منه أيضاً الخامس وهو الراء، قلت: قَبَاعِث، أين الراء؟ محذوفة لقوله:(مِنْ خُمَاسِي جُرِّدَ الآخِرَ احذف) حذفت الأخير وهو الخامس، وحذفت الزيادة، ودخل في عبارته ما كان من خمسة أحرف قبل آخره لين، هذا سيأتي.

وَزَائِدَ الْعَادِي الرُّبَاعِي احْذِفْهُ ..

إذاً: عرفنا مراده بهذه الجملة: أنَّ ما زاد على أربعة أحرف وهو في الأصل أصول: دَحْرَج يُدَحْرِج مُدَحْرِج، زيد عليه حرف واحد، إذا جمعته على (فَعَالِل) .. (زَائِدَ الْعَادِي الرُّبَاعِي) ما زاد على أربعة حروف احذفه، فتحذف الميم فتقول: دحارج.

شَمِل الخماسي المجرَّد إذا زيد عليه حرفٌ واحد صار ستة أحرف، (وَزَائِدَ الْعَادِي الرُّبَاعِي) ما زاد على أربعة أحرف من الخماسي المجرَّد احذفه وهو حرفان، حُذِفت اللام للقاعدة السابقة، وَحُذِف الزَّائد لهذه القاعدة، حينئذٍ يُحذف منه حرفان فَيُقال: قَبْعثرَى .. قَبَاعِث، بحذفها.

قال:

مَا لَمْ يَكُ لَيْنَاً إِثْرَهُ اللَّذْ خَتَمَا ..

هذا استثناء من قوله:

وَزَائِدَ الْعَادِي الرُّبَاعِي احْذِفْهُ ..

ص: 10

ودخل في عبارته ما كان من خمسة أحرف قبل آخره لين، نحو: قرطاس، فأخرجه بقوله:(مَا لَمْ يَكُ لَيْنَاً) يعني: هذا استثناء، إلا إذا كان زائد الخماسي قبل آخره حرف لين، يعني: حرفٌ من حروف العِلَّة قبل الآخر، فإن كان كذلك لم يُحذف، بل يُجمع على (فَعَالِيلَ) مثلاً: عصفور، كم حرف؟ خمسة، حينئذٍ هل نحتاج إلى حذفٍ؟ نحن نجمعه على: عصافير، هل حُذِف منه آخر؟ الراء موجودة، حينئذٍ نقول: إذا كان قبل الآخر حرف لين أُبْقِي الآخر ولا يُحذف، لأن هذا الآخر سينقلب ياء.

إذاً: قوله (لَمْ يَكُ لَيْنَاً) احترز به من نحو: عصفور وقرطاس، فإنَّه يُقال: عصافير وقراطيس، وكذلك: قنديل يُقال فيه: قناديل، فيبقى على أصله ولا يُحذف منه، لأنَّ هذا الحرف .. حرف اللين سينقلب ياءً فصار خفيفاً، فلا يُحذف من ذلك شيء، لأنَّ بنية الجمع تصحُّ دون حذفٍ فتقول: قراطيس وقناديل وعصافير.

إذاً قوله: (مَا)، (مَا) هذه ظرفيَّة مصدريَّة، (لَمْ يَكُ) يعني: الزائد، (لَيْنَاً) يعني: حرف لين، وسبق المراد بحرف لين، (إِثْرَهُ) يعني: بعده (اللَّذْ خَتَمَا) يعني: الذي .. لغة في: (الذي) .. (اللَّذْ)، (خَتَمَا) الألف للإطلاق، و (اللَّذْ خَتَمَا) ما هو؟ الحرف الخامس .. الحرف الأخير ختم الكلمة، ولذلك حذف المفعول، ختم ماذا؟ ختم الكلمة بعده، يعني: آخر حرف هو.

(إِثْرَهُ) هذا خبر (اللَّذْ)، (لَمْ يَكُ لَيْنَاً) لم يَكُ الزائد ليْناً، أي: يُحذف زائد الخماسي إذا لم يكن .. إذا (لَمْ يَكُ) حرف لينٍ قبل الآخر، فإن كان كذلك لم يُحذف بل يُجمع على (فَعَالِل) هذا استثناءٌ من قوله:

. . . . . . . . . وَمِنْ خُمَاسِي

جُرِّدَ الآخِرَ انْفِ بِالْقِيَاسِ

قال الشَّارح هنا: من أمثلة جمع الكثرة (فَعَالِل) وَشِبْهُه، وهو كل جمعٍ ثالثة ألفٌ بعدها حرفان، فَيُجمع بـ:(فَعَالِل) كل اسمٍ رباعي غير مزيدٍ فيه، نحو: جعفر وجعافر، وَزِبْرِج وَزَبَارِج، وَبُرْثُنْ وَبَرَاثِن".

إذاً: رباعي مُطلقاً سواءٌ كان مُجرَّداً أو مزيداً فيه، يُجمع على (فَعَالِل)، وليس فيه حذف، لأنَّ الوزن أكثر عدداً من الموزون: جَعْفَر، على أربعة أحرف، وَجَعَافِر على خمسة أحرف، إذاً: ألف التكسير .. ألف الجمع موجودة فلا إشكال فيه.

وَيُجمع بشبهه كل اسمٍ رباعي مزيدٍ فيه، نحو: جَوْهر .. جَوَاهر، ليس (فَعَالِل) هذا (فَوَاعِل)، وَصَيْرَف .. صَيَارِف .. (فَيَاعِل) ومسجد .. مساجد (مَفَاعِل)، هذا كُلُّه شبه (فَعَالِل) ليس على وزن (فَعَالِل) إنَّما هو شبيهٌ به.

واحترز بقوله: (مِنْ غَيْرِ مَا مَضَى) من الرُّباعي الذي سبق ذكر جمعه كـ: أحمر، (أحمر) هذا رُبَاعي: حمراء، هذا مؤنَّث الرُّباعي، ونحوهما مِمَّا سبق ذكره، فهذا له أوزانٌ مُستقرِّة، وأشار بقوله:

. . . . . . . . . وَمِنْ خُمَاسِي

جُرِّدَ الآخِرَ انْفِ بِالْقِيَاسِ

إلى أنَّ الخماسي المُجرَّد عن الزيادة يُجمع على (فَعَالِل) قياساً، وَيُحذف خامسه، نحو: سَفَارِج في: سَفَرْجَل، وَفَرَازِد في: فَرَزْدَق، وَخَوَارِنْ في: خَوَرْنَق.

ص: 11

وأشار بقوله: (وَالرَّابِعُ الشَّبِيهُ بِالْمَزِيدِ) البيت .. إلى أنَّه يجوز حذف رابع الخماسي المُجرَّد عن الزيادة وإبقاء خامسه، إذا كان رابعه مُشْبِهاً للحرف الزائد، بأن كان من حروف الزيادة كـ: نون خورنق، أو كان من مخرج حروف الزيادة كدال: فرزدق، فيجوز أن يُقال: خَوَارق وفرازق، والكثير الأول: وهو حذف الخامس وإبقاء الرابع ولو كان شبيهاً بالمزيد، نحو: خَوَارِنْ وَفَرَازد.

فإن كان الرابع غير مُشْبِه للزائد لم يَجُز حذفه، ولذلك قلنا: هذا كالاستثناء مِمَّا سبق، لم يَجُز حذفه بل يَتعيَّن حذف الخامس، فتقول: سَفَرْجَل .. سَفَارِج، ولا يجوز: سَفَارِد، بحذف الجيم هذا لا يجوز، لأنَّ الجيم ليست شبيهةً بالزائد.

وأشار بقوله: (وَزَائِدَ الْعَادِي الرُّبَاعِي) .. البيت، إلى أنه إذا كان الخماسي مزيداً فيه حرفٌ، حذف ذلك الحرف، إذا كان الخماسي مزيدًا فيه، يعني: رباعي مزيد بحرف، حُذِف ذلك الحرف، لأنَّه لا يكون خماسي مُجرَّد وفيه حرفٌ مزيد، خماسيٌّ مُجرَّد يعني: كُلُّ حروفه أصول، هذا لا يكون مزيداً البتَّة، وإنمَّا أراد هنا بالخماسي: مزيداً فيه حرفٌ حُذِف ذلك الحرف إن لم يكن حرف مَدٍّ قبل الآخر، فتقول في:(سِبَطْرَى): سَبَاطِر، وفي (فَدَوْكَس): فَدَاكِس، وفي (مُدَحْرِج): دحارج .. عمَّم قوله: خُمَاسِي، والأولى التفصيل، أن يُقال: رباعي مزيد، وهو خماسي أصله رباعي زيد فيه حرفٌ، فَيُحْذَف ذلك الحرف ولا إشكال فيه، لأنَّ الرُّباعي مطلقاً أصول أو مزيد يُجمع على (فَعَالِل) بلا حذفٍ، وأمَّا إذا زيد عليه حرفٌ صار خماسي مثل: مُدَحْرِج، حينئذٍ يُجمع على: دحارج، تحذف الميم .. حرف واحد، وكذلك الخماسي المُجرَّد إذا زيد عليه حينئذٍ صار سداسياً.

يُحذف منه حرفان: الخامس للقاعدة الأصل وجوباً، إلا إذا كان الرابع شبيهاً بالمزيد فيجوز حذف الرابع دون الخامس مع حرف الزيادة، مثل: قَبَعْثَرى، فإن كان الحرف الزائد حرف مَدٍّ قبل الآخر لم يُحذف، بل يُجمع الاسم على (فَعَاليل) نحو: قرطاس، هذا على خمسة أحرف، حينئذٍ لا يُحذف الخامس، ما كان على وزن: قرطاس، هذا خماسي لا يُحذف خامسه، لأنَّ ما قبل آخره الذي الأصل فيه: أنَّه يُحذف حرف مد وهو ألفٌ، حينئذٍ يُقال فيه: قراطيس، قنديل .. قناديل، عصفور .. عصافير.

إذاً قوله: (وَزَائِدَ الْعَادِي الرُّبَاعِي) نقول: المراد به نحو: قَبَعْثَرى، مِمَّا أصوله خمسة، فهذا ونحوه إذا جُمِع حُذِف منه حرفان: الزائد، وخماسيَّ الأصول، فتقول فيه: قَبَاعث، وَشَمِل قوله:(لَيْنَاً) استثناء (مَا لَمْ يَكُ لَيْنَاً) إلا إذا كان حرفاً ليناً قبل آخره.

مَا لَمْ يَكُ لَيْنَاً اللَّذْ خَتَمَا إِثْرَهُ ..

يعني: بعده الذي خَتَم، إذاً مفهومه: أنَّ حرف اللين متى يكون .. في أي موضع؟ قبل الأخير وهو الرَّابع، وَشَمِل قوله:(لَيْنَاً) ما قبله حركةٌ مجانسة، يعني: ألفٌ فتحة، وواوٌ ضمَّة، وياءٌ كسرة: قِنْدِيل، ياءٌ قبلها كسرة: عُصْفُور، واو قبلها ضمَّة، قرطاس.

ص: 12

إذاً: أحرف اللين قبلها حركةٌ مُجانِسة، والأمثلة كما ذكرنا، كذلك دخل فيه ما قبله حركة غير مُجانِسة نحو: غُرْنَيْق، ياء قبلها فتحة غير مُجانِسة ليست كـ: قِنْدِيل، وَفِرْدَوْس، واوٌ قبلها فتحة، والأصل: أن يكون ضَمَّة، فِرْعَوْن، فتقول فيهما: غرانيق .. فراديس، جمع مثله يبقى على أصله.

وخرج عن ذلك ما تَحرَّك فيه حرف العِلَّة نحو: هَبَيَّخ، الياء الأولى ساكنة أو مُتحرِّكة؟ ساكنة، والثانية متحرِّكة، هي الواقعة قبل الأخير، (إِثْرَهُ اللَّذْ خَتَمَا) إذاً: هي ليست ساكنة .. لا يُحذف حرف اللين .. يبقى، وخرج عن ذلك ما تَحرَّك فيه حرف اللين .. حرف العِلَّة نحو: هَبَيَّخ، فإن حرف العِلَّة فيه لا يُقلب ياءً، بل يُحذف فتقول: هبائخ، أصلها: هبايخ، جاءت الياء هنا بعد ألفٍ مثل: قايم .. قائم، صايم وصائم، قُلِبت الياء همزةً.

وهنا حُذِفت لا نقول: تُقْلَب الألف ياءً، لأنَّها مُتحرِّكة، لَمَّا كانت ياء: هَبَيَّخ مُتحرِّكة، حينئذٍ نقول: هذه تُحذف على الأصل، لأنَّ حرف العِلَّة حينئذٍ ليس حرف لينٍ فَيُحْذف، وخرج أيضاً نحو: مختار ومنقاد، الألف هذه لا نقول: تُقْلَب ياء، لأنَّها هي أصلية .. مُنقلبة عن أصل: مختَيَر، ومنقاد، فإنَّه لا يُقال فيهما: مخاتير ومناقيد، مثل: عصافير وقناديل لا، بقلب الألف ياءً، لأنَّهما ليستا زائدة بل مُنقلبة عن أصلٍ فَيُقَال فيهما: مَخَاتر (مَفَاعِل) ومناقد.

إذاً: يُشترط في هذا الحرف الذي يُقلب ياءً: أن يكون حرف لين، بمعنى: أنَّه يكون ساكناً ليس منقلباً عن أصل سواءٌ كان ما قبله من جنسه أو لا، حينئذٍ ما كان مُتحرِّكاً حرف اللين يُحذف مثل: هَبَيَّخ، هذا يُحذف لا نقول: ينقلب أو يبقى، كذلك ما كان مُنقلباً عن أصل مثل: مختار ومنقاد، لا نقول هنا الألف ينقلب ياءً، وإنَّما يُحذف على القاعدة.

لذلك قال هنا: فإن كان الحرف الزائد حرف مَدٍّ قبل الآخر لم يُحذف، بل يُجمع الاسم على (فَعَالِيل) نحو: قرطاس وقراطيس، وقنديل وقناديل، وعصفور وعصافير.

إذاً القاعدة: ما كان زائداً على ثلاثة أحرف: إمَّا أن يكون رباعياً، وإمَّا أن يكون خماسياً، وإمَّا أن يكون مزيداً فيهما، ما كان رباعياً على أربعة أحرف جُمِع على (فَعَالِل)، هذا متى؟ إذا كان مُجرَّداً، وإن كان غير مُجرَّد بل فيه زيادة مثل: جَوْهَر ومسجد، هذا يُجمع على شبه (فَعَالِل)، ولذلك: جَوَاهِر، ليست على وزن (فَعَالِل) وإنَّما هي على وزن (فَوَاعِل) وكذلك: إصبِع وأصابع، ومسجد ومساجد.

إذاً: الرُّباعي قد يُجمع على (فَعَالِل)، وقد يُجمع على شبه (فَعَالِل)، متى يُجمع على (فَعَالِل)؟ إذا كان رباعي الأصول ليس فيه زائد، مثل: جعفر، نقول فيه: جَعَافِر .. (فَعَالِل)، إذا كان فيه حرفٌ زائد مثل: جَوْهَر، أو إِصْبِع، أو مسجد، حينئذٍ يُجمع على شبه (فَعَالِل) هذا الرُّباعي، هل فيه حذف حرف؟ ليس فيه حذف حرفٍ، وإنَّما التفصيل: أنَّه يُجمع على (فَعَالِل) أو على شبه (فَعَالِل)، إن كان مثل: جعفر، كلها أصول جُمِع على (فَعَالِل)، إن لم يكن كذلك على شبه (فَعاَلِل).

ص: 13

ننتقل إلى الخماسي: إمَّا أن يكون مجرَّداً، وإمَّا أن يكون مزيداً، إن كان مجرَّداً وجب حذف اللام آخره، من أجل أن نتمكن أن نأتي به على وزن (فَعَالِل) حذفنا الأخير: سَفَرْجَل، اللام حذفناها، قلنا: سَفَارِج، هذه القاعدة العامة، ثُمَّ ننظر إلى ما قبل الآخر: إن كان شبيهاً بالزائد لفظاً أو مخرجاً أنت مُخيَّر بين أن تحذف الرابع الشبيه بالزائد، وبين أن تحذف الخامس، والثاني أجود: وهو حذف الخامس، بل أنكره المُبِرِّد.

فحينئذٍ نقول: إذا كان الرَّابع شبيهاً بالزائد فأنت مُخيَّر، إن لم يكن شبيهًا بالزائد تَعيَّن حذف الخامس وهو: اللام، مثل: سَفَرْجَل، هذا الخامس إذا كان مجرَّداً يُحذف لامه .. تَعيَّن حذف اللام إلا إذا كان الرابع شبيهاً بالزائد لفظاً أو مخرجاً فأنت مُخيَّر بين حذف الرابع أو الخامس، وحذف الخامس أجود، إن لم يكن شبيهاً بالزائد تعيَّن حذف الخامس.

ننتقل إلى الرُّباعي المزيد والخماسي المزيد.

الرُّباعي المزيد: ما كان على أربعة أحرف ثُمَّ زيد عليه حرفٌ، حينئذٍ صار على خمسة أحرف، إذا أردنا جمعه على (فَعَالِل) تَعيَّن حذف الخامس، وهو: المزيد، لأنَّه صار خامساً بهذا الحرف: دَحْرَج يُدَحْرِج مُدَحْرِج، الحاء والراء والجيم والدَّال موجودة هي في: دَحْرَج، إذاً: متى صار خامساً؟ بزيادة الميم، اقضِ عليها إذا أردت جمعها على (فَعَالِل)، تقول: دحارج، هي الزائدة .. هي التي اعتدت! هذا متى؟ إذا كان رباعي مزيداً بحرف.

إن كان خماسي زيد بحرفٍ حينئذٍ عندنا حرفان: الخامس يُحذف على الأصل، ثُمَّ إذا زيد عليه حرفٌ كذلك نقضِ على هذا الحرف ونحذف منه حرفين، من أجل أن نأتي به على صيغةٍ من هذه الصِّيغ:(فَعَالِل) أو شبهه.

إذاً: (وَبِفَعَالِلَ وَشِبْهِهِ)، المراد بشبه (فَعَالِل): ما كان على شكله في كون ثالثه ألفاً بعدها حرفان، أو ثلاثة أوسطها ساكن، فما زاد على الثُّلاثي مَمَّا يُجمع على نحو (فَعَالِل) رباعي، وزائدٌ على الأربعة، فأمَّا الرُّباعي فلا إشكال في جمعه على (فَعَالِل) أصلاً، نحو: جعفر وجعافر، أو مزيداً نحو: أحمد، كيف تجمعه؟ أحامد.

وأمَّا الزائد على الأربعة فخماسي الأصول نحو: سَفَرْجَل وغيره.

إذاً قوله:

(وَبِفَعَالِلَ وَشِبْهِهِ انْطِقَا) انطقاً بفعال وشبهه (فِي جَمْعِ مَا ارْتَقَى فَوْقَ الثَّلَاثَةِ مِنْ غَيْرِ مَا مَضَى) ما زاد على الثلاثي في (غَيْرِ مَا مَضَى) من نحو: رامٍ وكامل، مِمَّا استقرَّ له بناءٌ خاص، حينئذٍ تجمعه على (ِفَعَالِلَ وَشِبْهِهِ).

وَمِنْ خُمَاسِي جُرِّدَ الآخِرَ انْفِ ..

دخل الرباعي بنوعيه في قوله: (ارْتَقَى فَوْقَ الثَّلَاثَةِ)، ولم يَتعرَّض لحذفٍ وعدمه، لأنَّه لا حذف فيه، وشرع في الخماسي مع كونه داخلاً في قوله:(ارْتَقَى فَوْقَ الثَّلَاثَة) بتفصيلٍ فيه.

. . . . . . . . . وَمِنْ خُمَاسِي

جُرِّدَ الآخِرَ انْفِ بِالْقِيَاسِ

تحذف الأخير وهو مقيس، ثُمَّ استدرك فقال:(الرَّابِعُ الشَّبِيهُ)(الرَّابِعُ) من الخماسي الذي تحذف لامه .. آخره .. (الشَّبِيهُ بِالْمَزِيدِ قَدْ يُحْذَفُ تقليلاً قَدْ يُحْذَفُ دُونَ الذي تَمَّ الْعَدَدُ بِهِ) وهو الخامس.

ص: 14

وَزَائِدَ الْعَادِي الرُّبَاعِي احْذِفْهُ ..

انتقل إلى المزيد، وهذا إشارة إلى الخماسي بزيادةٍ، سواءٌ كان رباعياً زيد عليه حرف، أو خماسيَّاً وزيد عليه حرف، فالحكم عام، (وَزَائِدَ الْعَادِي) الذي تَعدَّى وعَدَى وجاوز (الرُّبَاعِي)، سواءٌ كان رباعيَّ الأصول، أو خماسي، (احْذِفْهُ) فتحذف - أطلق الحذف - تحذف حرفاً من الرُّباعي المزيد بحرف كـ: مُدَحْرِج، تحذف الميم: دحارج، وتحذف حرفين مِمَّا زيد على الخماسي، الحرف الأصلي وهو اللام، أو ما قبله إن كان شبيهاً بالزائد، وتحذف الذي زيد.

مَا لَمْ يَكُ لَيْنَاً إِثْرَهُ اللَّذْ خَتَمَا ..

(مَا لَمْ يَكُ) هذا استثناءٌ من الحرف الزائد، هكذا حمله ابن عقيل، فإن كان الحرف الزائد حرف مَدٍّ قبل الآخر لم يُحذف، يعني:

وَزَائِدَ الْعَادِي الرُّبَاعِي احْذِفْهُ ..

إلا .. إلا إذا كان هذا الزائد حرف لينٍ قبل الأخير، وهذا يُتَصوَّر في الخماسي: قرطاس، هذا رُباعي زيد قبل آخره مدٌّ، إذاً: الحكم عام، إلا إذا كان الحرف الزائد (لَيْنَاً) قبل آخره، فحينئذٍ يُقْلب هذا الحرف ياءً فلا داعي إلى حذفه، يعني: يبقى وَيُقْلَب ياءً مثل: قرطاس، تجمعه على: قراطيس، قنديل .. قناديل، عصفور .. عصافير قُلِبت الواو ياءً، وأمَّا الياء الثابتة فتبقى كما هي.

وَالسِّينَ وَالتَّا مِنْ كَمُسْتَدْعٍ أَزِلْ

إِذْ بِبِنَا الْجَمِعِ بَقَاهُمَا مُخِلّْ

وَالْمِيمُ أَوْلَى مِنْ سِوَاهُ بِالْبَقَا

وَالهَمْزُ وَالْيَا مِثْلُهُ إِنْ سَبَقَا

نهاية ما يصل إليه الجمع: أن يكون على مثال (مَفَاعِل وَمَفَاعِيل)، أقصى جمعٍ ووزنٍ هو (مَفَاعِل وَمَفَاعيل)، ليس بعدهما وزن، ولذلك قلَّت الكلمات التي على هذا الوزن، وَكُلَّما اسْتُثْقِل اللفظ في لسان العرب صار معدوداً، وكلمَّا قلَّت الحروف صارت أكثر، ولذلك الصَّرفيُّون يُجْمِعون على أنَّ الثلاثي أكثر من الرُّباعي يعني: الكلمات لو نظرت في اللسان والقاموس تجد الثلاثية أكثر من الرباعية .. كثير جداً، والرُّباعي أكثر من الخماسي، لأنَّ الخماسي ثقيل .. كلمة طويلة، والرُّباعي أخف منه، والثلاثي أخف.

ثُمَّ إذا نظرنا في الثلاثي: منه ما هو بفتحات، ومنه ما هو بفتحٍ وكسر، ومنه ما هو بفتح فضم، لا شك أن الذي بالفتحات أخف، ولذلك ما كان على وزن (فَعَلَ) أكثر، وكان التَّعدِّي فيه أكثر، لأنَّ الاستعمال له أكثر، فكلما كثر الاستعمال خفَّفوا إمَّا بإسقاط حروف، وإمَّا بوضع أصلٍ على ثلاثة حروف، وإمَّا بالحركات، كلما كثر استعمال اللفظ خُفِّف:

إمَّا بحركاته، وإمَّا بوضعه على ثلاثة أحرف، وإمَّا بإسقاط حروفٌ منه: إمَّا إدغام .. إمَّا قلب .. إلى آخره، فكان (فَعَلَ) أكثر، ثُمَّ (فَعِلَ)، ولذلك لَمَّا قلَّ (فَعِلَ) في الاستعمال كان اللزوم فيه أكثر.

ثُمَّ يأتي بعده (فَعُل) بفتحٍ فضم، هذا ثقيل ولذلك التزم فيه اللزوم، (فَعُل) أكثر من الرُّباعي ولو كان ثلاثي مضموم العين.

ص: 15

حينئذٍ نقول: نهاية ما يصل إليه الجمع أن يكون على مثال (مَفَاعِل وَمَفَاعِيل)، فإذا كان في الاسم من الزوائد ما يُخِلُّ بقاؤه بأحد البنائين حُذِف، نحن نريد أن نجمع هذا اللفظ على (مَفَاعِل ومفاعيل)، حينئذٍ إذا وُجِد في الاسم ما يُخِلُّ وجود بقاء الحرف بهذين الوزنين حذف من أجل إصلاح الوزن.

فإذا كان في الاسم من الزوائد ما يُخِلُّ بقاؤه .. إذا بقي هذا الزائد بأحد البنائين حُذِف، فإن تَأَتى بحذف بعضٍ وإبقاء بعض، لأنَّ الحذف قد يكون بكل ما وُجِد مثل: مُدَحْرِج، حذفنا الميم انتهينا .. ليس عندنا زائد غيره، لكن لو تأتى الوزن (مَفَاعِل وَمَفَاعِيل) بحذف بعض الزيادة دون بعضٍ.

حينئذٍ من الإنصاف: أنَّنا نحذف ما يُخِلُّ بالوزن، ونُبقي ما لا يُخِلُّ بالوزن، اجتمع عندنا زيادتان .. هنا النتيجة، أيُّ الزيادتين نحذف؟ أراد بهذا البيت أن يُبَيِّن لنا فيما إذا وُجِد عندنا زيادتان وتَعيَّن حذف إحدى الزيادتين، نحذف ماذا .. عندك ميم وعندك سين، هذا زائد وهذا زائد، تحذف الميم أو السين؟ عندك دال وعندك هاء، تحذف أي الحرفين الهاء أم الدّال؟ أراد أن يبين لنا بهذا البيت.

إذاً: فإن تَأَّتى بحذف بعضٍ وإبقاء بعض أبقى ما له مَزيَّة، يعني: الذي له مَزيَّة من حيث المعنى ومن حيث الصدارة، فهو الذي يبقى، وما لم يكن كذلك هو الذي يُحذف، إذاً: بعض الزيادات يُنْظَر فيها فَتُقَلَّب، قد يُراد بِهذا الحرف مَعنىً .. جيء به من أجل معنى، ثُمَّ قد يكون في صدر الكلمة، وعند الصرفيين أنَّ الحذف من الأطراف هو القياس، ثُمَّ هذا الحرف الزائد قد يكون في الطَّرف، وقد يكون في الأثناء، وقد يكون في الأول.

إذاً: فإن تأتَّى بحذف بعضٍ وإبقاء بعض أبقى ما له مزيَّة .. الذي له مزيَّة، بأن يكون له معنى حينئذٍ هو الذي يبقى، هذه قاعدة عامة، هو يذكر لك مثالاً .. ذكر لك: مستدعي، فيه سين وميم وتاء، الميم لا شك أنَّها لمعنى تدلُّ على مُفاعلة، ثُمَّ هي في الصدر، والحذف في الصدر، يعني: في أول الكلمة هذا قليل جداً، ولذلك ضُعِّف مذهب الكوفيين في كون (اسمٍ) حُذِف منه الواو، أصله:(وسم) قالوا: الحذف في الأواخر: (سموٌ) أكثر فالحمل عليه أولى، إذاً: له نظير، أمَّا الحذف من الأول هذا فيه خلل، لأنَّه أول الكلمة، وهو الذي تعتمد عليه الكلمة، حينئذٍ لا يُحذف.

إذاً: ما كان في صدر الكلمة مُقدَّم في الإبقاء مِمَّا كان في آخرها، وما كان في الأثناء مُقدَّم في الإبقاء على ما كان في آخرها، إذاً: إذا تَأَّتى الوزن بحذف بعضٍ وإبقاء بعض أبقى ما له مَزيَّة وحذف غيره، فإن تكافئا ليس لأحدهما مَزيَّة، خُيِّر الحاذف بين أن يحذف هذا أو ذاك، وعلى هذا فقول النَّاظم:

وَالسِّينَ وَالتَّا مِنْ كَمُسْتَدْعٍ أَزِلْ ..

ص: 16

(مُسْتَدْعٍ) هذا البيت أراد به بيان ما يُحذف من مزيد الثلاثي، لأنَّ (مُسْتَدْعٍ) دعى، فهو ثلاثي زِيد عليه ثلاثة أحرف، إذاً: أصله ثلاثي لأنَّ مستدعياً كذلك، لأنَّ أصوله ثلاثة: الدَّال والعين والياء، وزيدت عليه ثلاثة أحرف: الميم والسين والتاء، وبقاء الجميع: الميم والسين والتاء مع الدَّال والعين والياء مُخِل بالبناء، لأنَّ (فَعَاَلل) على خمسة أحرف وهذا ستة، لا يأتي .. لا بُدَّ من الحذف، والحذف هنا لا يُمكن أن يُحذف الدَّال ولا العين ولا الياء، لا بُدَّ الحذف من السين أو التاء أو الميم، واحدٌ من هذه الثلاثة.

إذاً: فيه ثلاث زوائد: الميم والسين والتاء، وبقاء الجميع مُخِلٌّ ببناء الجمع، فَيُحْذَف ما زاد على أربعة أحرف، لأنَّ: سَفَرْجَل، هناك يُحذف الخامس، إذاً: يبقى على أربعة أحرف، ويبقى ألف (فَعَا) باقية، نريد (مُسْتَدْعٍ) أن يكون على أربعة أحرف حتى نجمعه على (فَعَالِل).

إذاً: لا بُدَّ من حذف حرفين: إمَّا الميم والسين .. إمَّا الميم والتاء .. إمَّا السين والتَّاء، فحينئذٍ يُحذف ما زاد على أربعة أحرف وهو السين والتاء، فنقول في جمعه: مَدَاعٍ (فَعَالِل) أصله: مداعي، مثل: جَوَارٍ وغواشٍ.

لذلك قال هنا:

وَالسِّينَ وَالتَّا مِنْ كَمُسْتَدْعٍ أَزِلْ ..

أزل السين والتاء من: (كمستدعٍ) وأبقي الميم.

إِذْ بِبِنَا الْجَمِعِ بَقَاهُمَا مُخِلّ ..

(بَقَاهُمَا) قصره للوزن، (إِذْ بِبِنَا الْجَمِعِ)(إِذْ) للتعليل، بقاء الجمع بهذه الحروف الثلاثة ومنها: السين والتاء (مُخِلّ) لا يمكن أن يأتي (فَعَالِل) وهو خمسة أحرف وَيُجمع عليه (مُسْتَدْعٍ)، هذا فاسد يُخِل بالوزن، (وَالْمِيمُ أَوْلَى بِالْبَقَا) من السين والتاء، لماذا؟ قالوا: لِمَا له من المزيَّة على السين والتاء من حيث المعنى، لأنَّها تدلُّ على معنى اسم الفاعل، ولذلك إذا أُريد اسم الفاعل حينئذٍ يُنْظَر في فعله: استدعى .. يستدعي فهو مستدعي، جئنا بميمٍ مضمومة تدلُّ على المفاعلة .. على أنَّه اسم فاعل، إذاً: هذا الحرف جيء به للدَّلالة على معنى، بخلاف السين والتاء، وما دلَّ على معنى أولى بالبقاء مِمَّا لم يدل على معنى، هذا أولاً.

ثانياً: له الصدارة، والحرف الذي يُبْتَدأ به ولو كان زائداً في أول الكلمة له قوة، والحذف إنَّما يكون في الأثناء وفي الأطراف، وفي الأطراف أكثر، يعني: الطرف الأخير من جهة اللام، وأمَّا من الأول هذا لا نظير له.

إذاً:

وَالْمِيمُ أَوْلَى بِالْبَقَا مِنْ سِوَاهُ ..

من سوى الميم وهو السين والتاء، لِمَا له من المزيَّة على غيره من أحرف الزيادة، وهذا لا خلاف فيه، يعني: ببقاء الميم وحذف السين والتاء، لا خلاف فيه متى؟ إذا كان ثاني الزائدين غير مُلْحَقٍ كـ: نون منطلق .. إذا كان ثاني الزائدين غير مُلْحَق، يعني: لم تكن الزيادة للإلحاق كنون (منطلق) ميم .. نون، زائدان أم أصليان؟

ص: 17

(منطلق) على وزن (مُنْفَعل)، إذاً: الميم زائدة والنون زائدة، النون هذه هل زيدت للإلحاق؟ لا، ليست للإلحاق، فتقول في جمعه: مَطَالق، بحذف النون وإبقاء الميم، أمَّا إذا كان ثاني الزائدين ملحقاً كسين: مُقْعَنْسِسْ .. اقْعَنْسَسَ، السين الثانية زيدت للإلحاق: احْرَنْجَم، حينئذٍ السين الثانية هذه زيدت للإلحاق.

فكذلك عند سيبويه تُحذف، فالحكم عام عند سيبويه يُحذف ما عدى الميم سواءٌ كان هذا الحرف الزائد للإلحاق، كما في سين: مُقْعَنْسِس، أم ليس للإلحاق كما في نون: منطلق، فالحكم عام بلا تفصيل، فيقال: مقاعِس (مَفَاعِل) بحذف السين الثانية وإبقاء الميم.

وخالف المُبِرِّد فحذف الميم وأبقى الملحق وهو السين، لأنَّه يُضاهي الأصل فَيُقال عنده: قعاسس، بحذف الميم، وإن كان هنا تعارض كُلٌّ منهما لمعنى، فالميم لمعنى والسين لمعنى، لكن المشهور هو ما ذهب إليه سيبويه، وَرُجِّح مذهب سيبويه بأنَّ الميم مُصدَّرة، يعني: في أول الكلمة فلا تُحذف، وهي لمعنىً يَخصُّ الاسم فكانت أولى بالبقاء، والسين وإن كانت لمعنى لكنَّها من جهة اللفظ لا من جهة المعنى.

(لمعنى) بمعنى: أنَّها تُلحقها بوزنٍ وهو وزن: احْرَنْجَم، أصله: قَعَس، اقعنسس .. (احْرَنْجَم) إذاً: السين الثانية للإلحاق: اَحْرَنْجَم .. يَحْرَنْجِم .. احْرِنْجَاما، اقْعَنْسَسَ .. يَقْعَنْسِسُ .. اقْعِنْسَاسَا، إذاً: من باب الإلحاق، والإلحاق لا شك أنَّه أمرٌ لفظي ليس معنوياً، والميم لشيءٍ يَتعلَّق بالمعنى، إذاً: له أثر في الاسم .. في المدلول.

إذاً: ما كان له أثر في المدلول وأثَّر في المعنى أولى بالبقاء مِمَّا زِيد لأثرٍ يَتعلَّق بلفظ الاسم، وهذا واضح بيِّن ولذلك رُجِّح مذهب سيبويه، مع كون الميم كذلك مُصدَّرة والحذف في الصدور قليل النَّظير.

وَالسِّينَ وَالتَّا مِنْ كَمُسْتَدْعٍ أَزِلْ ..

أزل السين .. (السِّينَ) هذا مفعول مُقدَّم لقوله: (أَزِلْ)، (وَالتَّا) معطوفٌ عليه قصره للضرورة، (والتاء) هذا الأصل.

(مِنْ كَـ مُسْتَدْعٍ)(مِنْ كَـ) دخلت (مِنْ) هنا على الكاف، فدل على أن الكاف اسمية، يعني: من مثل (مُسْتَدْعٍ) والكاف: اسمٌ بمعنى (مِثْل) مبنيٌّ على الفتح في محل جر بـ (مِنْ)، وهو مضاف، و (مُسْتَدْعٍ) مضافٌ إليه، (أَزِلْ) هذا فعل أمر .. أنت.

أَزِلْ السِّينَ وَالتَّا مِنْ كَمُسْتَدْعٍ ..

(إِذْ) للتعليل (بِبِنَا الْجَمِعِ) .. ببناء الجمع، وهو (فَعَالِل)، (بَقَاهُمَا مُخِلّ) (بِبِنَا الْجَمِعِ) الباء هنا: حرف جر، و (بِنَا الْجَمِعِ) مضاف ومضاف إليه، يعني: بناء الجمع (مَفَاعِل وَمَفَاعِيل)(بَقَاهُمَا) .. بقائهما قصره للضرورة: بقاؤهما يعني: بقاء السين والتاء (مُخِلٌّ بِبِنَا الْجَمِعِ).

إذاً قوله: (بِبِنَا الْجَمِعِ) مُتعلِّق بقوله: (مُخِل)، وحينئذٍ يكون التقدير: إذ بقاؤهما مُخِلٌّ ببناء الجمع، بخلاف بقاء الميم، وهذا فيما إذا تعارض عندنا زيادتان، وكان الخلل ببعض الزيادة دون بعض، فيَتعيَّن حذف إحدى الزيادتين وإبقاء الزيادة الأخرى، أيُّ الزيادتين أولى بالتقدير، أو بالحذف، أو بالإبقاء دون الأخرى؟ نَنْظر إلى المعنى على ما ذكرنا.

ص: 18

(وَالْمِيمُ أَوْلَى)(أَوْلَى) يعني: (بِالْبَقَا)، إذاً قوله:(بِالْبَقَا) مُتعلِّق بقوله: (أَوْلَى).

(مِنْ سِوَاهُ) كذلك مُتعلِّق بقوله: (أَوْلَى)، فالميم مبتدأ، و (أَوْلَى) خبره، و (بِالْبَقَا) و (مِنْ سِوَاهُ) مُتعلِّقان بقوله:(أَوْلَى)، (مِنْ سِوَاهُ) يعني: من سوى الميم، (بِالْبَقَا) قصره للضرورة.

وَالهَمْزُ وَالْيَا مِثْلُهُ إِنْ سَبَقَا ..

(مِثْلُهُ) يعني: مثل الميم في كونهما (أَوْلَى بِالْبَقَا)، (إِنْ سَبَقَا): إن تصدَّرا في الكلمة، لماذا؟ لأنَّ الهمزة تأتي للمضارعة إذا أريد بها المُتكلِّم، وتأتي في أول المضارع ويراد بها: الغائب، وأراد بهذا المثال: ألَنْدَد، المراد به: الخصم، يقال: ألَنْدَد ويَلَنْدَد، إذا أردت جمعه على (مَفَاعِل وَمَفَاعِيل) حينئذٍ صار على خمسة أحرف، لا بُدَّ من حذف حرفٍ، وهنا الزائد: الهمزة والنون، أيُّ الحرفين أولى بالبقاء؟ قال ابن مالك:

وَالهَمْزُ أَوْلَى إِنْ سَبَقَا ..

وهنا: ألنددٍ، نقول: هذا بقاء الهمزة أولى، وكذلك في: يلندد، في جمعهما تقول: ألادَّ ويلادَّ، فتحذف النون وَتُبْقَى الهمزة .. وَتُبْقَى الياء، لأنَّ الهمزة والياء يستعملان ويراد بهما معنىً في غير هذا اللفظ، وهو: الهمزة للمُتكلِّم، والياء للغائب.

(وَالهَمْزُ) مبتدأ، (وَالْيَا) قصره للضرورة، عطفٌ عليه، (مِثْلُهُ) يعني: مثل الميم، (إِنْ سَبَقَا) يعني: وقع في أول الكلام (مِثْلُهُ) أي: مثل الميم في كونهما أولى بالبقاء، (إِنْ سَبَقَا) الألف هذه: فاعل، أي: تَصدَّرا، ولأنَّهما في موضعٍ يقعان فيه دالَّين على معنىً، وهو دلالتهما على المُتكلِّم والغائب في الفعل المضارع.

قال الشَّارح هنا: إذا اشتمل الاسم على زيادةٍ لو أُبْقِيت، يعني: هذه الزيادة لاخْتَلَّ بناء الجمع، كيف يَختل؟ لأنَّ (فَعَالِل وَمَفَاعِل) هذا على خمسة أحرف، وتكون الكلمة بالزيادة على خمسة أحرف أو ستة أحرف، وعندنا (فَعَا) الألف هذه زائدة ليست في الكلمة التي سَتُجْمَع، حينئذٍ كيف نأتي بهذه الخمسة أحرف على وزن (فَعَالِل) لا بُدَّ من حذفٍ، وعندنا زيادتان.

لو أُبْقِيت لاخْتَلَّ بناء الجمع الذي هو نهاية ما تَرْتَقى إليه الجموع وهو (فَعَالِل وَفَعَالِيل)، حُذِفت الزيادة، فإن أمكن جمعه على إحدى الصيغتين بحذف بعض الزائد وإبقاء البعض فله حالتان، هنا جمع بين مسألتين، حُذِفت الزيادة ثُمَّ يأتي الوزن دون خلل ولا إشكال، وهذا فيما إذا كان على حرفٍ واحد .. الزائد حرفٌ واحد، وأمَّا إذا كان أكثر حينئذٍ يَتعيَّن حذف إحدى الزيادتين وإبقاء الأخرى، وهذا على حالتين:

إحداهما: أن يكون للبعض مزيَّةٌ على الآخر، يعني: أحدهما له معنى كالميم والسين، الميم لها مَزيَّة على السين والتاء، إذاً: ليستا في درجةٍ واحدة.

النوع الثاني: ألا يكون كذلك .. مُخيَّر، والأولى هي المرادة هنا في هذا البيت، والثانية في البيت الذي يأتي.

ص: 19

ومثال الأولى: (مُسْتَدْعٍ) فتقول في جمعه: مَدَاعٍ (مَفَاعِل)، فتحذف السين والتاء، لأنَّ بقائهما يُخِلُّ ببنية الجمع، وَأُبْقِيت الميم لأنها مُصدَّرة، يعني: لها مزيَّة في المعنى على السين والتاء، لكون زيادتها لمعنىً مختصٍّ بالأسماء، بخلاف السين والتاء فإنهما يزادان في الأسماء والأفعال، (وَالْمِيمُ) مُصدَّرة، ومجرَّدة للدَّلالة على معنى وهو اسم الفاعل.

وتقول في أَلنْدَدٍ وَيَلَنْدَدٍ، يعني: في جمعهما: ألادَّ وَيَلادَّ، فتحذف النون وَتُبْقِى الهمزة من: أَلَنْدَدْ، والياء من: يَلَنْدَدْ، ولذلك تقول:(ألادَّ) أبقيت الهمزة وحذفت النون، و (يلادَّ) أبقيت الياء وحذفت النون، لماذا؟ لِتَصَدُّر كُلٍّ من الهمزة والياء، يعني: وقعت صدراً، وحذف الصدر هذا لا نظير له، أو له نظير لكنَّه ليس بالكثير، وَحَملُ الشيء على ما له نظير أولى.

ولأنَّهما في موضعٍ، يعني: في مكانٍ يقعان فيه دَالَّين على معنىً، وذلك في الفعل المضارع، يعني: شُبِّهت همزة: ألندد، بهمزة: أقوم، وقعت في الأول ووقعت في الأول، هناك في: أقوم، دلَّت على معنى، إذاً: حُمِل هذا على ذاك .. شابهه فأخذ حكمه، كأنَّها دلَّت على معنى، هي لم تدل على معنىً هنا، وإنَّما وقعت في موضعٍ تقع فيه الهمزة تدل على معنىً وذلك في الفعل المضارع.

وكذلك: يلندد، الياء هنا وقعت في موقع: يقوم، و (يقوم) هذه الياء تدلُّ على الغَيْبَة، حينئذٍ ياء: يلندد، لا تدلُ على الغَيْبَة، وإنَّما وقعت في محلٍّ لو كان الفعل فعلاً مضارعاً لدلَّت على معنىً، إذاً: المشابهة في المحل فحسب.

بخلاف النون فإنها في موضعٍ لا تدل فيه على معنىً أصلاً، وهذه مزيَّة معنوية هنا، والألندد واليلندد: الخصم، يُقال: رَجُلٌ ألندد ويلندد: أي خَصِمٌ مثل: الألد.

ثُمَّ قال:

وَالْيَاءَ لَا الْوَاوَ احْذِفْ انْ جَمَعْتَ مَا

كَحَيْزَبُونٍ فَهْوَ حُكْمٌ حُتِمَا

(وَالْيَاءَ لَا الْوَاوَ احْذِفْ) احذف الياء، (الْيَاءَ) مفعول مُقدَّم لقوله:(احْذِفْ)، (لَا الْوَاوَ) عطف، يعني: لا تحذف الواو، (انْ جَمَعْتَ مَا) هذا مفعولٌ به، (كَحَيْزَبُونٍ) وعيطموس، (حَيْزَبُون) هذا فيه زيادتان: الواو والياء.

قال: احذف الياء ولا تحذف الواو، (فَهْوَ) الفاء للتعليل، و (هْوَ) مبتدأ، (حُكْمٌ) هذا خبر، (حُتِمَا) أي: الحكم، والألف للإطلاق، والجملة صفة لـ:(حُكْم).

إذا كان مثل: حيزبون وعيطموس، نقول هنا: لا نحذف الواو بل نبقيها، ونحذف الياء، والتعليل: أنَّنا لو حذفنا الواو لم نستفد شيئاً في الوزن، لأنَّنا لو حذفنا الياء سنحذف الواو مرةً أخرى، كما سيأتي.

قال الشارح هنا: إذا اشتمل الاسم على زيادتين، وكان حذف إحداهما يتأتَّي معه صيغة الجمع، وحذف الأخرى لا يَتأتَّى معه ذلك، حُذِف ما يَتأتَّى معه صيغة الجمع وَأُبْقِى الآخر. وهذا واضح، عندنا زيادتان إحداهما: بحذفها يتأتَّى الجمع، والأخرى لا يتأتَّى الجمع، حينئذٍ ماذا نُبقي، وماذا نحذف؟ نُبْقِي ما لا يَتأتَّى الجمع إلا بها، ونحذف ما يَتأتَّى الجمع بدونها.

ص: 20

فتقول في حَيْزَبُون: حَزَابِين، حذفت الياء وَقُلِبت الواو ياءً: حزابين، فتحذف الياء وَتُبْقِى الواو، فَتُقْلَب الواو ياًء لسكونها وانكسار ما قبلها، لأنَّك ستقول: حزابِوْ، باء مكسورة ثم واوٌ ساكنة، سكنت الواو وانكسر ما قبلها، ثُمَّ قُلِبت الواو ياءً.

إذاً: قلبت الواو ياءً، (حَزَابِين) فتحذف الياء وتبقى الواو فَتُقْلَب ياءً لسكونها وانكسار ما قبلها، وَأُوُثِرت الواو بالبقاء دون الياء، لأنَّ حذف الياء يستلزم بقاء الواو لو حُذِفت الواو.

قال ابن عقيل: "لأنها - يعني: الواو - لو حُذِفت لم يُغْنِ حذفها عن حذف الياء".

يعني: لا بُدَّ أن تحذف الياء، لو بدأت بحذف الواو ستحذف الياء غصبًا عنك، وأمَّا إذا حذفت الياء لا، تُبْقِي الواو، وأيُّهما أولى: إذا كان الوزن يتأتَّى بحذف الياء وتبقى الواو، أو بحذف الواو ويستلزم حذف الياء .. أيُّهما أولى بالحذف؟ حذف ما لا يستلزم حذف غيره، لأنَّنا إذا حذفنا الياء تبقى الواو، وأمَّا إذا حذفنا الواو يلزم منه حذف الياء؛ لأنَّها لو حُذِفت الواو لم يغنِ حذفها عن حذف الياء، يعني: لم نستغن بحذفها عن حذفٍ .. لا بُدَّ أن نحذف الياء، لأن بقاء الياء مُفَوِّتٌ لصيغة منتهى الجموع، لأنَّك لو حذفت الواو ماذا تقول؟ حزابين، احذف الواو، حيزابٍ .. لا ليس الأمر كذلك.

هنا قال: لأنَّ حذف الياء يستلزم بقاء الواو، ولو حُذِفت الواو لم يغنِ حذفها عن حذف الياء، إذ لا يُمكن بها صيغة الجمع، فَتُحْذَف الياء، لأنَّ حذف الواو مُحْوِجٌ إلى حذف الياء فتقول: حَزَابٍ، إذ لا يقع بعد ألف التكسير ثلاثة أحرف أوسطها ساكن إلا وهو معتل".

هنا كم حرف بقي: حَزَابٍ؟ بقي عندنا حرفان، إذ لا يقع بعد ألف التكسير ثلاثة أحرف أوسطها ساكن إلا وهو معتل، لو قيل: حَزَابِين، لا بُدَّ أن يبقى بعد ألف التكسير ثلاثة أحرف أوسطها ساكن، فَتُحْذَف الياء، لأنَّ حذف الواو مُحْوجٌ إلى حذف الياء، فتقول: حزابٍ (فَعَاليل) حزابِون .. ليس الأمر كذلك، لكن لو قيل: حزابٍ، لا يوجد إشكال إلا إذا أُريد به على وزن (مَفَاعِيل) حينئذٍ لا بُدَّ أن يبقى ثلاثة أحرف بعد الألف، وأمَّا إذا كان على وزن (مَفَاعِل) لا إشكال، حَزَابٍ، وأما إذا أُريد أن يُجمع على (مفاعيل) لا بد أن يبقى ثلاثة أحرف بعد الألف.

على كُلٍّ المعلل هنا: لأن بقاء الياء مُفَوِّتٌ لصيغة منتهى الجموع: والحيزبون العجوز.

وَالْيَاءَ لَا الْوَاوَ احْذِفْ انْ جَمَعْتَ مَا

كَحَيْزَبُونٍ. . . . . . . . . . . . . .

يعني: يجب إيثار بقاء الواو في: (حَيْزَبُوُنْ) وشبهه مِمَّا قبل آخره واوٌ، فتقول في جمعها: حزابين، ليبقى ثلاثة أحرف.

نعم، إذا كان المراد (مَفَاعِيل) فحذفُ الواو يؤدي إلى حذف الياء، فيبقى عندنا حرفان بعد ألف التكسير، إذا أُريد به على وزن (مَفَاعِيل)، وحينئذٍ إذا كان المراد بها على وزن (مَفَاعِل) فالظاهر أنه لا إشكال، على كُلٍّ: يُنْظَر في المسألة هنا.

وَخَيَّرُوا فِي زَائِدَيْ سَرَنْدَى

وَكُلِّ مَا ضَاهَاهُ كَالْعَلَنْدَى

هذا مِمَّا استوى فيه الزِّيادتان، وليس لأحدهما مزيَّةٌ على الأخرى فأنت مُخيَّر.

ص: 21

(وَخَيَّرُوا) يعني: العرب، فعل وفاعل، أو النُّحاة، (فِي زَائِدَيْ سَرَنْدَى) زائدين .. (زَائِدَيْ) هذا مضاف، و (سَرَنْدَى) مضافٌ إليه، والسَّرَنْدَى: الشديد، والأنثى: سرنداتٌ، (وَكُلِّ مَا ضَاهَاهُ) يعني: شابه (سَرَنْدَى)، مثل (كَالْعَلَنْدَى) وهو بالفتح: الغليظ من كل شيء.

حينئذٍ أنت مُخيَّر بين حذف إحدى الزيادتين، يعني: أنَّه إذا لم يكن لأحد الزائدين مزيَّةٌ على الآخر كنت بالخيار، فتقول في (سَرَنْدَى) هذه النون زائدة والألف زائدة، بحذف الألف وإبقاء النون تقول: سَرَانِد وَسَرادٍ، بحذف النون وإبقاء الألف، أين الألف؟ قُلِبت ياء ثُمَّ حُذِفت لالتقاء الساكنين.

وكذلك: (عَلَنْدَى)، تقول: علاند، (عَلَنْدَى) عندنا زيادتان النون والألف، تقول: علاند، بحذف الألف، و (علادٍ) بحذف النون، فتبقى الألف فَتُقْلَب ياءً، ومثلهما: حبنطى فتقول: حَبَانِطْ وَحَبَاطٍ، لأنهما زيادتان زيدتا معاً للإلحاق بـ: سَفَرَجْل، ولا مزيَّة لإحداهما على الأخرى، وهذا شأن كل زيادتين زيدتا للإلحاق، أو لم تكن للإلحاق فحينئذٍ يستويان، أو للإلحاق والأخرى لغير الإلحاق على مذهب سيبويه.

(وَخَيَّرُوا) يعني: العرب، (فِي زَائِدَيْ سَرَنْدَى) (فِي زَائِدَيْ) هذا مُتعلِّق بقوله:(خَيَّرُوا)، ووزن (سَرَنْدَى)(فَعَنْلَى)، (وَكُلِّ) هذا معطوف على (سَرَنْدَى)، والذي (مَا) موصول بمعنى: الذي .. الذي (ضَاهَاهُ) يعني: ضاهى (سَرَنْدَى): شابَهه في تَضَمُّن زيادتين لإلحاق الثلاثي بالخماسي، (كَالْعَلَنْدَى) والحبنطى، حينئذٍ يجوز حذف النون أو الألف وإبقاء الآخر.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين

!!!

ص: 22