المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * تغير المختوم بألف التأنيث المقصورة * متى يجب رد - شرح ألفية ابن مالك للحازمي - جـ ١٢٦

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * تغير المختوم بألف التأنيث المقصورة * متى يجب رد

‌عناصر الدرس

* تغير المختوم بألف التأنيث المقصورة

* متى يجب رد حرف اللين إلى أصله؟

* تصغير ماكان على حرفين

* تصغير المرخم

* تصغير الؤنث المعنوي الثلاثي وغيره

* حكم تصغير الأسماء الموصولة وأسماء الإشارة.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:

وقفنا عند قول النَّاظم - رحمه الله تعالى -:

وَأَلِفُ التَّأْنِيثِ ذُو الْقَصْرِ مَتَى

زَادَ عَلَى أَرْبَعَةٍ لَنْ يَثْبُتَا

وَعِنْدَ تَصْغَيرِ حُبَارَى خَيِّرِ

بَيْنَ الْحُبَيْرَى فَادْرِ وَالْحُبَيِّرِ

سبق أنَّ أوزان التَّصْغِير ثلاثة: (فُعَيْل) و (فُعَيْعِل) و (فُعَيْعِيل).

قلنا: الثلاثي له: (فُعَيْل)، والرُّباعي المُجرَّد له:(فُعَيْعِل)، وما زاد: الرباعي المُجرَّد .. الخماسي وغيره له: (فُعَيْعِيل).

وقلنا: يُتَوصَّل إلى ما زاد على أربعة أحرف بِما تُوصِّل به لجمع التكسير، يعني: من حذف الخامس، ثُمَّ الزيادات يُنْظَر فيها بالنظر السابق في جمع التكسير.

واستثنى النَّاظم ثمان مسائل مما يبقى على الأصل، ثُم ألف التأنيث وما عُطِف عليه في الأبيات السابقة، حينئذٍ يُجْعَل ألف التأنيث، كذلك ياء النسب، وما ذُكِرت من المسائل الثَّمان، يُجْعَل ككلمة مستقلَّة وَيُصَغَّر ما قبلها، وَيُعْتَبر هذا تخصيصاً أو تقييداً لقوله:

وَمَا بِهِ لِمُنْتَهَى الْجَمْعِ وُصِلْ

بِهِ إِلَى أَمْثِلَةِ التَّصْغِير صِلْ

ثُمَّ نبَّه بالمثال بقوله: (فُعَيْعِل .. فُعَيْعِيل) بأنَّ ما بعد ياء التَّصْغِير يُكْسَر، واستثنى أربع مسائل مِمَّا يُفتح بعد ياء التَّصْغِير، حينئذٍ هذان البيتان مُقيَّدان بِما بعدهما، كقوله:

لِتِلْوِ يَا التَّصْغِيرِ مِنْ قَبْلِ عَلَمْ

تَأْنِيثٍ اوْ مَدَّتِهِ الْفَتْحُ انْحَتَمْ

والبيت الذي يليه فهي أربع مسائل.

ثُمَّ قال:

وَأَلِفُ التَّأْنِيثِ ذُو الْقَصْرِ مَتَى

زَادَ عَلَى أَرْبَعَةٍ لَنْ يَثْبُتَا

(وَأَلِفُ التَّأْنِيثِ) مبتدأ، و (ذُو الْقَصْرِ) .. (أَلِفُ) مضاف، و (التَّأْنِيثِ) مضاف إليه، و (ذُو الْقَصْرِ) يعني: صاحب القصر احترازاً من ذو المدِّ، (أَلِفُ التَّأْنِيثِ ذُو) هذا نعت لـ:(أَلِف) وهو مرفوع ورفعه بالواو نيابةً عن الضَّمة، لأنَّه من الأسماء الستَّة، (ذُو) مضاف، و (الْقَصْرِ) مضافٌ إليه.

(مَتَى) اسم شرط جازم (زَادَ عَلَى أَرْبَعَةٍ)، (زَادَ) الضمير يعود على (أَلِفُ التَّأْنِيثِ)، يعني: متى زاد ألف التأنيث ذو القصر (عَلَى أَرْبَعَةٍ)، يعني: على أربعة أحرف، والتَّنوين هذا سبق أنَّ بعضهم يرى أنَّه تنوين عوض عن كلمة مثل تنوين:(كُل) و (بعض).

(زَادَ عَلَى أَرْبَعَةٍ) يعني: أربعة أحرف (لَنْ يَثْبُتَا)، (لَنْ) حرف نفي ونصب واستقبال، (يَثْبُتَا) فعل مضارع منصوب بـ:(لَنْ)، ونصبه فتحة ظاهرة على آخره، والألف هذه للإطلاق، والضمير يعود إلى ألف التأنيث، (لَنْ يَثْبُتَا) يعني: لن يثبت ألف التأنيث، حينئذٍ يُحْذف .. إذا لم يثبت حينئذٍ تعيَّن حذفه.

قوله: (لَنْ يَثْبُتَا)(لَنْ) هنا .. والفعل؟ جواب الشَّرط، (مَتَى زَادَ لَنْ يَثْبُتَا) إذاً: جملة الجواب، وسبق أن جملة الجواب إذا صُدِّرت بـ:(لَنْ) وجب اقترانها بالفاء، هنا لم تقترن بالفاء حينئذٍ أسقط الفاء للضرورة، وإلا الأصل: فلن يثبتا.

ص: 1

إذاً قوله: (لَنْ يَثْبُتَا) الجملة جواب الشَّرط، وحذف الفاء من الجواب ضرورةً، يعني: للوزن، وأين خبر (أَلِفُ التَّأْنِيثِ)؟ (أَلِفُ التَّأْنِيثِ) مبتدأ، جملة الشرط والجواب في محل رفع خبر المبتدأ، هذا قول وهذا هو الصحيح، وبعضهم يرى: أن جملة (مَتَى زَادَ) خبر، وبعضهم يرى: أن جملة (لَنْ يَثْبُتَا) هو الخبر.

بقي قولٌ رابع: لا خبر له، هذا المبتدأ مِمَّا قيل بأنَّه أُقِيم الجملة .. جملة الشرط والجواب مقام الخبر، يعني: سدَّت مَسدَّ الخبر، مثل: أقائمٌ الزَّيدان؟ (الزَّيدان) هذا فاعل سَدَّ مَسدَّ الخبر، هنا جملتا الشَّرط سَدَّت مَسدَّ الخبر، هذا محتمل .. لا بأس به، لكن الأولى أن نقول: أن المبتدأ يستلزم خبراً.

وإذا كان كذلك حينئذٍ الأصل: أن يُوجد له خبر، فإذا أمكن أن يكون جملة الشرط والجواب حينئذٍ تَعيَّن، وما دام أنَّه أمكن أن يُعْرَب الجملة والجواب خبراً حينئذٍ هو الخبر، وأمَّا كونه جملة الجواب فقط أو جملة الشرط فقط هذا لم يحصل به تمام الكلام، لأنَّ الجواب مُرتَّبٌ على الفعل .. فعل الشَّرط، حينئذٍ الفائدة لم تحصل.

ولذلك في أول باب الكلام قلنا: يُشْتَرط في تمام الفائدة أن تكون مستقلَّة، فإذا رُكِّبت مع غيرها .. الجملة المسند والمسند إليه يعني: صارت صلة للغير حينئذٍ قلنا: نقصت الفائدة: قام زيدٌ، لوحدها كلام مفيد، لكن لو جعلتها جملة الجواب قلت: إن قام زيدٌ قمت، (قام زيد) دون تركيب كلامٌ مفيد .. جملة مفيدة تامة، وأمَّا: إن قام زيدٌ قمت، الجملتان لَمَّا رُكِّبت ليست بكلام، فكيف يُجعل فعل الشرط لوحده خبراً، وكيف يجعل جملة الجواب لوحده خبراً؟

الصواب: إمَّا أن يُقال - وهذا أولى والمتعيَّن -: أن الجملتين في محل رفع خبر المبتدأ، وإن قيل: بأنَّه اكْتُفِي أو استغنى المبتدأ بجملة الشرط عن الخبر أيضاً لا بأس به.

وَأَلِفُ التَّأْنِيثِ ذُو الْقَصْرِ مَتَى

زَادَ عَلَى أَرْبَعَةٍ لَنْ يَثْبُتَا

يعني: أنَّ (أَلِفُ التَّأْنِيثِ) إذا زادت على أربعة بأن كانت خامسةً فصاعداً، بأن تكون سادسة، حينئذٍ حُذِفت .. وجب حذفها (لَنْ يَثْبُتَا)، إذا كانت خامسةً فصاعداً حُذِفت؛ لأنَّ بقائها يُخرج البناء عن مثال (فُعَيْعِل) و (فُعَيْعِيل) لأنَّها لم يستقل النُّطق بها فيحكم لها بحكم المنفصل.

فتقول في نحو: (قَرْقَرَى) و (لُغَّيْزَى) و (بَرْدَرَاي): قُرَيْقِر، بحذف الألف، أصله:(قَرْقَرَى) وقعت هنا خامسةً: قَرْقَرْ، هذه أربعة ثُمَّ الألف: قَرْقَرَى، حينئذٍ تحذف الألف: قُرَيْقِر، كذلك (لُغَيْزَى) وقعت هنا سادسةً: لُغَّيْ، هذه ثلاثة أحرف، ثُمَّ الياء، ثُمَّ الزاي خمسة، ثُمَّ الألف، هذه وقعت سادسةً.

حينئذٍ تقول: لُغَيْغِز، أو لُغَيْغِيز، هكذا عبَّر بعضهم: إمَّا أنَّه على (فُعَيْل) وقيل القياس على (فُعَيْعِيل).

وتقول في (بَرْدَرَاي): بُرَيْدِر، إذاً: تحذفها إذا كانت خامسةً، أو سادسةً أو، سابعةً.

ص: 2

وأمَّا إن كانت خامسة: فإن كانت خامسةً وقبلها مدَّة زائدة، هذا استثناها بالبيت الآتي، يعني ما كانت نحو:(حُبَارَى) هنا وقعت خامسة وقبلها مدَّة، حينئذٍ في مثل هذه الحالة أنت مُخيَّر بين حذف المدَّة أو حذف الألف، هذه استثناها النَّاظم فيما يأتي.

فإن كانت خامسةً وقبلها مدَّة زائدة جاز حذف المدَّة وإبقاء ألف التأنيث وجاز عكسه، وإلى هذا أشار بالبيت الآتي.

إذاً: متى زاد ألف التأنيث على أربعة أحرف، حينئذٍ الأصل فيه: وجوب حذف الألف، بأن كانت خامسة، أو سادسة، أو سابعة.

يُسْتَثْنى الخامسة إذا كان قبلها مدَّة، يعني: وُجِدت مدَّة قبلها ثالثةً، حينئذٍ أنت مُخيَّر بين حذف المدَّة، أو حذف الألف.

وَأَلِفُ التَّأْنِيثِ ذُو الْقَصْرِ مَتَى

زَادَ عَلَى أَرْبَعَةٍ لَنْ يَثْبُتَا

وَعِنْدَ تَصْغَيرِ حُبَارَى خَيِّرِ

بَيْنَ الْحُبَيْرَى فَادْرِ وَالْحُبَيِّرِ

(عِنْدَ تَصْغَيرِ) قيل: (عِنْدَ) بمعنى: في هنا، (خَيِّرِ عِنْدَ تَصْغَيرِ حُبَارَى) (حُبَارَى) وقعت الألف هنا خامسةً مثل: حَبَرْكى، حَبَرْكى وقعت خامسةً.

. . . . . . . . . . . . . . . خَيِّرِ

بَيْنَ الْحُبَيْرَى فَادْرِ وَالْحُبَيِّرِ

(حُبَيْرَى) ماذا صنعت .. هل حذفت الألف؟ لم تحذف الألف، وإنَّما صغَّرتها .. لم تحذف ألف التأنيث المقصورة، وإنَّما حذفت المدَّة: حبارى .. (حُبَيْرَى) حذفت الألف.

(فَادْرِ وَالْحُبَّيِّرِ) بقلب الألف الأولى ياءً، هنا حذفت الألف المقصورة: حُبَيِّر، حذفت الألف المقصورة وزِدْتَ ياءً ساكنةً ثالثةً، ثُمَّ جاءت بعدها الألف فَقُلِبت الألف ياءً فَأُدْغِمت في ياء التَّصغير، قيل: حُبَيِّر، التشديد هذا من أين جاء؟ هذا عبارة عن ياءين: الياء الأولى ياء التَّصْغِير؛ لأنَّها وقعت ثالثةً، ثُمَّ الألف المدَّة قُلِبت ياءً فَأُدْغِمت الياء في الياء.

إذاً: (الْحُبَيِّرِ) بقلب الألف الأولى ياءً وإدغام ياء التَّصْغِير فيها.

(خَيِّرِ) .. و (خَيِّرِ عِنْدَ تَصْغَيرِ)(حُبَارَى)(خَيِّرِ) هذا فعل أمر مبني على سكونٍ مُقدَّر، (وَعِنْدَ) ظرفٌ مُتعلِّقٌ بـ:(خَيِّرِ)، وهو مضاف، و (تَصْغَيرِ) مضاف إليه، و (تَصْغَيرِ) مضاف، و (حُبَارَى) مضاف إليه، (بَيْنَ) هذا مُتعلِّق بقوله:(خَيِّرِ)، وهو مضاف، و (الْحُبَيْرَى) مضافٌ إليه، (فَادْرِ) الفاء عاطفة، و (ادْرِ) هذا فعل أمر مبنيٌّ على حذف حرف العِلَّة الياء، والجملة لا مَحلَّ لها من الإعراب اعتراضية، (وَالْحُبَيِّرِ) هذا معطوف على قوله:(الْحُبَيْرَى)(بَيْنَ الْحُبَيْرَى وَالْحُبَيِّرِ) معطوفٌ عليه.

إذاً: إن كان ثالث ما فيه ألف التأنيث الخامسة ألفاً جاز فيه وجهان، لأنَّه قال فيما سبق:(وأَلِفُ التَّأْنِيثِ ذُو الْقَصْرِ) لا ذو المدِّ (مَتَى زَادَ عَلَى أَرْبَعَةٍ) إذا زاد على أربعةٍ، حينئذٍ إذا كانت رباعية تبقى مثل: سَلْمَى .. سليمى، حبلى .. حبيلى، تبقى كما هي، والحكم فيما زادت على أربعة، بأن كانت خامسة .. سادسة .. سابعة، في هذه الأنواع الثلاثة تُحْذف وجوباً، إلا إذا كانت خامسةً وقبلها مدَّة فأنت مُخيَّر بين وجهين: إمَّا أن تُحذف الألف وتبقى المدَّة، وإمَّا بالعكس.

ص: 3

إذاً القاعدة في هذين البيتين: تثبت ألف التأنيث إن كانت رابعةً كـ: حبلى، لأنَّ النَّاظم قال:(زَادَ عَلَى أَرْبَعَةٍ) مفهومه: إن كانت رابعةً ثبتت. تثبت ألف التأنيث إن كان رابعةً كـ: حبلى وسلمى، وتحذف إن كانت سادسةً كـ: لغيزى، أو سابعةً كـ: بَرْدرَاى، وكذا الخامسة إن لم تكن مدَّةٌ قبلها، يعني: لم تَتقدَّم عليها المدَّة كـ: قرقرى، فإن تَقدَّمتها مدةٌ حَذَفت أيًّا من الحرفين شئت: إمَّا المدَّة، وإمَّا الألف.

قال الشَّارح: أي إذا كانت ألف التَّأنيث المقصورة خامسةً فصاعداً وجب حذفها في التَّصْغِير، لأنَّ بقاءها يُخرج البناء عن مثال (فُعَيْعِل) و (فُعَيْعِيل) فتقول في (قرقرى): قُرَيْقِرٌ، وفي (لغيزى): لُغَيْغِيزٌ" يعني: (فُعَيْعِيلٌ) الأشْمُوني أثبت أنَّه من باب: (فُعَيْعِل) وخطَّأه الصَّبَّان.

فإن كانت خامسةً وقبلها مدَّةٌ زائدةٌ جاز حذف المدَّة المزيدة وإبقاء ألف التَّأنيث .. البيت الثاني، فتقول: حُبَارَى .. حُبَيْرَى، بحذف المدَّة فقط، وجاز أيضاً حذف ألف التَّأنيث وإبقاء المدَّة فتقول: حُبَيِّرْ، بقلب المدَّة ياء ثُمَّ تُدْغَم ياء التَّصْغِير فيها.

وَارْدُدْ لأَصْلِ ثَانِيَاً لَيْنَاً قُلِبْ

فَقِيمَةً صَيِّرْ قُوَيْمَةً تُصِبْ

وَشَذَّ فِي عِيْدٍ عُيَيْدٌ وَحُتِمْ

لِلجَمْعِ مِنْ ذَا مَا لِتَصْغِيْرٍ عُلِمْ

وَالأَلِفُ الثَّانِي الْمَزِيدُ يُجْعَلُ

وَاوَاً كَذَا مَا الأَصْلُ فِيهِ يُجْهَلُ

(وَارْدُدْ) وجوباً لزوال موجب القلب، لأنَّ قلب الحرف، أو حذف حرف الأصل: أن يكون لموجب .. لسبب .. لقاعدة، حينئذٍ إذا كان لقاعدة، وكان مركَّباً على سبب، حينئذٍ يوجد السبب المسبَّب وهو القلب لوجود سببه، وإذا انتفى انتفى.

إذاً: (ارْدُدْ) هذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، (ارْدُدْ) وعِلَّة وجوب الرَّد هنا لزوال مُوجب القلب.

وَارْدُدْ لأَصْلِ ثَانِيَاً لَيْنَاً قُلِبْ ..

كلها قيود (ارْدُدْ لأَصْلٍ)، يعني: ما كان أصله واو ثُمَّ قُلِب ألفاً، وما كان أصله ياء ثُمَّ قُلِب ألفاً، (ارْدُدْ لأَصْلٍ): رُدَّه (لأَصْلٍ)، (ثانياً) لا ثالثاً، (لَيْناً) لا صحيحاً، (قُلِبْ) هذا نعتٌ ثاني، (ارْدُدْ لأَصْلِ) (لأَصْلٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله:(ارْدُدْ)، و (ثَانِياً) مفعول لقوله:(ارْدُدْ)، (وَارْدُدْ ثَانِياً) .. (لَيْناً) هذا نعت له .. للمفعول، (قُلِبْ) ما هو (قُلِبْ)؟ ثاني قُلِب ليناً هذا الأصل، فهو صفةٌ لـ:(ثانياً) .. فهو صفة بعد صفة.

مثَّل:

فَقِيمَةً صَيِّرْ قُوَيْمَةً تُصِبْ ..

(قِيمَة .. قُوَيْمَة) .. (قِيِمَة) الياء هذه منقلبة عن واو، وهي ثانٍ .. لين، كذلك قُلِب فليس بأصل، حينئذٍ إذا صَغَّرت (قِيمَة):(قُوَيْمَة) رَدَدْتَ الياء إلى أصلها وهي الواو، ولذلك تقول في أوضح من هذا كما سيأتي:(باب) باب الألف هذه مُنقلِبة عن واو بدليل التَّصْغِير، لذلك القاعدة المشهور: أنَّ التَّصْغِير يَرُد الأشياء إلى أصولها، هو هذا الذي أشار إليه، فـ:(باب) تصغيره: بُوَيْب (فُعَيْل)، الواو المنقلبة ألف رجعت في التَّصْغِير: باب .. بُوَيْب، ناب .. نُيَيْب، إذاً: رجع إلى أصله.

ص: 4

(قُوَيْمَة) هذا تصغير: قِيمَة، وقِيمَة: الياء هذه الثاني أصلها واو فانقلبت ياء، (قِيمَة) الأصل: قِوْمَة، سَكَنَت الواو بعد كسرةٍ فوجب قلبها ياءً.

إذاً: (فَقِيمَةً صَيِّرْ) فصيِّر قيمةً: قويمةً، الفاء هنا داخلة على (صَيِّرْ)، و (قِيمَةً) هذا مفعول أوَّل لـ:(صَيِّرْ)، و (قُوَيْمَة) مفعولٌ ثاني، (تُصِبْ) هذا فعل مضارع مجزوم لوقوعه في جواب الأمر .. الطلب، (صَيِّرْ تُصِبْ) صَيِّرْ قِيمَةً قُوَيْمَةً تُصِبْ، هذا ما يَتعلَّق ببيت النَّاظم.

يعني: أنَّ ثاني الاسم المُصغَّر .. ثاني لا ثالث، أمَّا الثالث فلا يُردُّ إلى أصله.

يعني: أن ثاني الاسم المصغَّر يُردُّ إلى أصله إذا كان ليناً لا صحيحاً، منقلباً عن غيره، فشمل ذلك ستَّة أشياء:

الأول: ما أصله واو فانقلبت ياءً، كمثال النَّاظم نحو:(قِيمَة) فتقول فيه: (قُوَيْمَة).

الثاني: ما أصله واو فانقلبت ألفاً، نحو: باب، فتقول فيه: بُوَيْب.

الثالث: ما أصله ياء فانقلبت واواً .. عكس، الواو والياء كما سيأتي في (الإبدال) كُلٌّ منهما ينقلب إلى الآخر .. بينهما علاقة، الواو تنقلب إلى ياء في مواضع، والعكس.

إذاً الثالث: ما أصله ياء فانقلبت واواً نحو: مُوْقِن، فتقول في تصغيره: مُيَيْقِن، رجعت الواو إلى أصلها، (مُوْقِن) أصلها: مُيْـ، ياءٌ ساكنة قبلها ضَمَّة فوجب قلبها واو، إذاً: الواو هذه في: (مُوْقِن) مُنقلبة عن ياء.

ومثلها: مُوسِر، أصله من اليسر (مُوسِر) أين الياء؟ هي الواو، أصلها: مُيْـ، ياءٌ ساكنة قبلها ضمَّة، وهذا مُمتنع، الياء ما يناسبها ما قبلها إلا كسرة وإلا فتحة، أمَّا ضمَّة فلا، ولو بُقِيت الضمَّة حينئذٍ وجب قلب الياء واواً فتقول: موقن .. موسر، إذاً: مُويَيْسِر، هذا في التَّصْغِير، رجعت الواو ياء، ومثلها: ناب .. نُيَيْب.

إذاً الثالث: ما أصله ياء فانقلبت واواً.

الرابع: ما أصله ياء فانقلبت ألفاً: ناب، المثال الذي ذكرناه سابقاً يُذْكَر في هذا المحل (ناب) فتقول فيه: نُيَيب.

إذاً: هذه الأربعة:

الأول: ما أصله واو فانقلبت ياءً.

الثاني: أصله واو فانقلبت ألفاً، إذاً: الواو قد تنقلب ياء وقد تنقلب ألفاً.

الثالث: ما أصله ياء فانقلبت واواً.

الرابع: ما أصله ياء فانقلبت ألفاً.

الخامس: ما أصله همزة فانقلبت ياءً نحو: ذِيب، أصله: ذِئْب، فَقُلِبت الهمزة ياء، فتقول في تصغيره: ذُئَيْبٌ، ذئب .. ذيب - إذًا هذه ذيب صحيحة عند الناس - الياء هذه صحيحة منقلبة عن أصل، إذاً: ذُئَيْب، بالهمزة.

السادس: ما أصله حرفٌ صحيح غير الهمزة، وهذا محفوظ في كلمتين أو ثلاث نحو: دينار وقيراط، فإن أصلهما: دِنَّار – بالتشديد - وَقِرَّاطْ، والياء فيهما بدلٌ عن أول المثلين: دينار .. دِنَّار، عندنا نونان: الأولى ساكنة والثاني مُتحرِّكة، قُلِبت ياء، النون هي حرف صحيح انقلبت ياءً، فقيل: دينار .. قِيراط، أصله: قِرَّاط، راء مُشدَّدة، الحرف الأول من الرائين قُلِب ياءً فقيل: قيراط .. دينار.

ص: 5

فتقول في التَّصْغِير: دُنَيْنِير، نحن نقول: دينار، نون واحدة من أين جاءت النون الثانية؟ نقول: أصل الياء (دينار) الياء هذه مُنقلبة عن نون، وأصل الكلمة: دِنَّار بنونين، ولذلك جاءت ياء التَّصْغِير ثالثةً: دُنَيْـ، دل على أنَّ النون هي المنقلبة ياء، دُنَيْنِير، بقيت النون الثانية كما هي.

كذلك تقول: قُرَيْرِيط، فتقول: قيراط، إذا صَغَّرته قلت: قُرَيْـ، قاف ثُمَّ راء، وفي الأصل الذي تريد تصغيره: قاف ثُمَّ ياء، حينئذٍ رَجَعَت الراء التي انقلبت ياءً.

إذاً النوع السادس: ما أصله حرفٌ صحيح غير الهمزة نحو: دينار وقيراط، فإن أصلهما: دِنَّار وَقِرَّاط بالتشديد، والياء فيهما بدلٌ عن أول المثلين: النون الأولى والراء الأولى، حينئذٍ في التَّصْغِير تقول: دُنَيْنِير، وَقُرَيْرِيط.

وخرج عن ذلك ما ليس بلين، فإنَّه لا يُرَدُّ إلى أصله، لأنَّ النَّاظم قال:(لَيْناً)، يعني: لا بُدَّ أن يكون حرف لين: واو، أو ياء، أو ألف فقط، ما لم يكن كذلك لا يرجع إلى أصله ولو كان مُنقلباً، إذاً: خرج عن ذلك ما ليس بلينٍ، فإنَّه لا يُرَدُّ إلى أصله، فتقول في (مُتعدٍّ): مُتَيْعِد، (مُتَعَدٍّ) قالوا: التاء الأولى هي واوٌ .. مُنقلبة عن واو، لكن في التَّصْغِير لا تقول: مُوَيْعِد، لا ترد التاء إلى أصلها وهي الواو، وإنَّما تبقى على حالها، لأنَّه يقع لبس.

فتقول في (مُتَعدٍّ): مُتيْعِد، بإبقاء التاء مع كونها مُنقلبة عن واوٍ، لأنَّها حرفٌ صحيح، خلافاً للزَّجَّاج، وقيل: والفارسي معه، فإنَّه يردُّه إلى أصله فيقول: مُوَيْعِد، وهذا هو الأصل، لكن إذا وُجِد لبسٌ حينئذٍ لا يُرَدُّ إلى أصله، والأول مذهب سيبويه وهو الأصح، لأنَّه إذا قيل فيه:(مُوَيْعِد) أوهم، إذاً: لا يُرَدُّ للوهم .. للبس، لا يرد لوقوعه في اللبس، أوهم أنَّه مُكَبَّر: مُوْعِد، أو مُوْعَد، أو مَوْعَد، وليس الأمر كذلك، و (متيعد) لا إيهام فيه.

إذاً: اشتراط كون الثاني ليْناً، لأنَّ الصحيح إذا رُدَّ إلى أصله يوقع في لبسٍ، وَكُلُّ ما أدى إلى الوقوع في اللبس قاعدة العرب: المنع.

(وَارْدُدْ لأَصْلِ ثَانِيَاً) مفهومه: أنَّ الثالث إذا كان منقلباً عن أصلٍ لم يُرَد إلى أصله، نحو: قائم، فإنَّ الهمزة بدلٌ من الواو، لكنَّك تقول في التَّصْغِير: قُوَيْم، لا ترجع إلى أصلها؛ لأنَّها ثالثة، والشَّرط هنا: أن يكون ثانياً.

(وَارْدُدْ لأَصْلِ) إذاً: (ثَانِيَاً) لا ثالثاً، فإن كان ثالثاً لم يرجع إلى أصله، والمثال الذي ذكرناه: قائم، الهمزة بدلٌ عن الواو، أصله: قاوم، فتقول: قويم.

(لَيْناً) لا صحيحاً، والصحيح كما ذكرناه:(مُتعدٍّ) هذا لا يُرَد.

ص: 6

(قُلِبْ) هنا عمَّم النَّاظم، وباب التَّصْغِير قلنا: بعض المسائل فيه تُخالف ما يَنُصُّون عليه في باب التصريف، (قُلِبْ) المراد بالقلب هنا: مُطلق الإبدال إذْ فرقٌ بين الإبدال والقلب، لأنَّ القلب في اصطلاح أهل التصريف: لا يُطْلَق على إبدال حرف لينٍ من حرفٍ صحيح ولا عكس، بل على إبدال حرف عِلَّة من حرف علَّةٍ آخر، واو إلى ياء .. ياء إلى واو .. واو أو ياء إلى ألف، هذا يسمى: قلباً ولا يسمى: إبدالاً، لكن النَّاظم هنا عَمَّم، قلنا: ذِيب .. ذِئْب، الهمزة هذا حرفٌ صحيح، أُبْدِلت الهمزة ياء هذا يسمى: إبدالاً، ولا يسمى: قلباً عند التَّصريفيين، لكن النَّاظم هنا أطلق قال:(قُلِبْ) فعمَّ الإبدال عند الصرفيين، وما هو قلبٌ عندهم أيضاً، فيكون أشبه ما يكون هنا بقوله:(قُلِبْ) أُبْدِل، لأنَّ الإبدال أعم، والقلب أخص، القلب هو إبدالٌ لكنَّه حرف عِلَّة عن حرف عِلَّة آخر، وأمَّا الإبدال فهو أعم تُبْدِل حرفاً صحيحاً إلى همزة والعكس إلى آخره، هذا يُسمى: إبدالاً ولا يسمى: قلباً، والنَّاظم أراد مُطلق الإبدال، فالذي يدخل تحته إبدال حرف عِلَّة بصحيح أو عكس، وإبدال حرف عِلَّةٍ عن حرف علَّةٍ آخر.

وَارْدُدْ لأَصْلِ ثَانِيَاً لَيْنَاً قُلِبْ

فَقِيمَةً صَيِّرْ قُوَيْمَةً تُصِبْ

وَشَذَّ فِي عِيْدٍ عُيَيْدٌ. . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . .

(عِيْد) من العَوْد، نقول: عيد الفطر (عُيَيْد) إذا صغَّرته، ولا تردَّه تقول: عُوَيْد، هذا الأصل، لأنَّه يوهم، إذا قلت: عويد، يظن الظَّان أنَّه تصغير: عود، وليس هو المراد هنا، (عِيْد) من العَوْدَة، سُمِّي: عيداً، لذلك لأنَّه يعود مرَّةً بعد أخرى، حينئذٍ: عويد، هذا الأصل فيه.

(وَشَذَّ) يعني: خرج عن القياس، (فِي عِيْدٍ عُيَيدٌ) شذَّ عُيَيدٌ في عيدٍ، والأصل فيه أن يُقال: عويد، إذاً: ورد في لسان العرب ما هو منقلبٌ عن أصلٍ وهو الحرف الثاني والأصل فيه في التَّصْغِير أن يُرَدَّ إلى أصله فيكون داخلاً في القاعدة السابقة:

وَارْدُدْ لأَصْلِ ثَانِيَاً لَيْناً قُلِبْ ..

منه (عِيد) .. (عِود) هذا الأصل، سَكَنَت الواو بعد كسرةٍ فَقُلِبت ياءً فقيل:(عيد) إذا جئت تُصغِّر على القاعدة تقول: عويد، مثل: بويب، لكن لَمَّا كان مُوقعاً في لبسٍ وهو إيهام أنَّ: عويد، هذا ليس تصغير (عِيْد) وإنَّما هو تصغير: عود، فحينئذٍ بقي على أصله.

إذاً قوله: (وَارْدُدْ لأَصْلِ) هذه قاعدة عامة، ورد ما هو مُنقلبٌ عن أصلٍ غير مردودٍ لأصله في لسان العرب، بل حتى في الشرع.

ص: 7

(وَشَذَّ) أي: خرج وانفرد عن القاعدة السابقة: (عُيَيدٌ)، (فِي عِيْدٍ) يعني: في تصغير (عِيْدٍ) حيث صغَّروه على لفظه: (عُيَيدْ) ولم يَرُدُّوه إلى أصله وقياسه: عُوَيْدٌ، لأنَّه مِن عاد يعود، فلم يردوا الياء إلى الواو لئلا يلتبس بتصغير: عُودْ، بضمِّ العين، كما قالوا في جمعه: أعياداً، والأصل أن يقولوا: أَعْوَاداً، لكن لو قالوا: أعواداً، ظنَّ أنه جمع: عود، فحينئذٍ دفعاً لهذا الوهم بقي على لفظه .. جُمِع على ما لُفِظ به .. جُمِع وَصُغِّر على لفظ فقيل: أعياداً .. أعياد المسلمين، ولا تقل: أعواد المسلمين، كما قالوا في جمعه: أعياداً، ولم يقولوا: أعواداً، للعلَّة السابقة.

(وَشَذَّ فِي عِيْدٍ عُيَيدٌ) إذاً: هذه القاعدة العامة:

وَارْدُدْ لأَصْلِ ثَانِيَاً لَيْنَاً قُلِبْ

فَقِيمَةً صَيِّرْ قُوَيْمَةً تُصِبْ

وَشَذَّ فِي عِيْدٍ عُيَيْدٌ. . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وهذه هي التي تُذْكَر دائماً في أبواب النحو: التَّصْغِير يَردُّ الأشياء إلى أصوله.

وَيُسْتَثنى من كلامه: ما كان (لَيْناً) مُبدلاً من همزةٍ تلي همزة – هذا سينص عليه في آخر الإبدال هناك، ولكن هنا ذكره أنسب -.

يُسْتَثنى من كلامه: ما كان (لَيْناً) مُبدلاً من همزةٍ تلي همزة كـ: ألف (آدم)، وياء (أَيْمَةٌ)، فإنهما لا يُرَدَّان إلى أصلهما، أمَّا:(آدم) فَتُقْلَب ألفه واواً، تقول: أُوَيْدِم، كما تجمعه على: أوادِم، (آدم) أصله: أَئْدم، الهمزة الثانية قُلِبت ليناً .. ألف، إذا صَغَّرناه الأصل أن ترجع الألف إلى الهمزة، لأنَّ التَّصْغِير يَردُّ الأشياء إلى أصولها فهو ثانٍ، داخل في قوله:

وَارْدُدْ لأَصْلِ ثَانِيَاً لَيْنَاً قُلِبْ ..

و (آدم) المدَّة الثانية أصلها: همزة، حينئذٍ إذا صغَّرناه فالأصل: أن ترجع الألف هذه المدَّة إلى همزةٍ، لكن لم يفعلوا ذلك وإنَّما أبدلوه واواً، فقيل: أُوَيْدِم، جعلوا الألف الثانية واواً، كذلك: أَيْمَة، صغَّروه على لفظه قيل: أُويَيْمَة، الأصل: أُوَيْمَة، (أُويَيْمَة) صغَّره على لفظه.

إذاً يُستثنى من القاعدة السابقة: ما كان ليناً مُبدلاً من همزةٍ تلي همزة، (لَيْناً) يعني: ألف أُبْدِلت من همزةٍ تلي همزة، همزة وهمزة: أئدم، حينئذٍ الثانية للثِّقَل أُبْدِلت ألفاً، لَمَّا صُغِّر الأصل كانت .. أن الثانية حرفٌ لَيْن يرجع إلى أصله وهو الهمزة، ولكن لم يفعلوا ذلك.

. . . . . . . . . . وَخُتِمْ

لِلْجَمْعِ مِنْ ذَا مَا لِتَصْغِيْرٍ عُلِمْ

قال سيبويه: التَّصْغِير والتكسير من وادٍ واحدٍ" فهذه القاعدة كما أنَّها في باب التَّصْغِير كذلك في جمع التكسير، فإذا جمعت ما ثانيه حرف ليْنٍ مُنقلِب رَدَدْتَه في الجمع: باب، تقول: أبواب رَجَعَت: ناب .. أنياب رَجَعَت، إذاً: القاعدة عامة في باب التكسير وفي باب التَّصْغِير، يُرَدُّ الشيء إلى أصله إذا كان حرف ليْن مُنقلِب عن واو أو ياء فالقاعد عامة.

(وَحُتِمْ) يعني: لَزِم (لِلْجَمْعِ) أيُّ جمع؟ جمع التكسير، قد يقول لك قائل: كيف تُقيِّده بدون دليل جمع مطلق .. ما المناسبة؟ لأنَّ التَّصْغِير والتكسير الأنسب أنْ يكون التكسير؛ لأنَّه من بابٍ واحد.

ص: 8

(وَحُتِمْ لِلْجَمْعِ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (حُتِمْ)، (مِنْ) حرف جر، (ذَا) ما هو (ذَا)؟ اسم الإشارة يعود إلى أي شي؟ (وَحُتِمْ) هذا فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، أين نائب فاعله؟

هكذا التركيب: وَحُتِمْ مَا عُلِمْ لِتَصْغِيْرٍ لِلجَمْعِ مِنْ ذا الحكم السابق، (وَحُتِمْ مَا) هذا نائب فاعل (عُلِمْ لِتَصْغِيْرٍ لِلجَمْعِ من ذا) إذاً:(مِنْ ذَا) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (حُتِمْ)، كما أنَّ قوله:(لِلْجَمْعِ) مُتعلِّق بقوله: (حُتِمْ)، و (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، في محل رفع نائب فاعل، و (لِتَصْغِيْرٍ) مُتعلِّق بقوله:(عُلِمْ)، و (عُلِمْ) هي صلة الموصول، التقدير: ما عُلِمَ لِتَصْغِيْرٍ، (مِنْ ذَا) الحكم السابق:

وَارْدُدْ لأَصْلِ ثَانِيَاً لَيْنَاً قُلِبْ ..

الحكم ثابتٌ للجمع، فكما أنَّك ترد الأصل في التَّصْغِير كذلك تَرُدُّه في التكسير، يعني: أنَّه يجب لجمع التكسير من ردِّ الثاني إلى أصله ما وجب للتَّصغير، فيقال في (ناب) و (باب) و (ميزان): أنياب، وأبواب، موازين .. (ميزان) أصلها: مِوْزان، سَكَنَت الواو وَكُسِر ما قبلها فقيل: ميزان، إذا جمعته: موازين، أين الياء في: ميزان؟ رجعت إلى أصلها وهي: الواو، فتقول: موازين، إلا ما شَذَّ .. قلنا: منه الشاذ: أعياد، ما شَذَّ في التَّصْغِير شذَّ في الجمع إذا كانت العِلَّة للبس.

إلا ما شذَّ كـ: أعياد، وهذا الحكم في التكسير الذي يَتغيَّر فيه الأول، وأمَّا ما لا يَتغيَّر فيبقى على ما هو عليه نحو: قيمة وقيم، وَدِيمة وديم، يعني: إذا كان يَتغيَّر أوله حينئذٍ رجع الثاني إلى أصله، وأمَّا إذا كان ثابتاً .. قلنا قوله:(وَارْدُدْ) هذا لا بُد من تقييده ليس مطلقاً لزوال موجب القلب، لأنَّ موجب الفلب .. القلب لا يكون عشوائياً هكذا، إنَّما لا بُدَّ من عِلَّة، حينئذٍ هذه العلَّة .. هذا السبب قد يزول، إذا قيل: قيمة .. قيم .. قويمة، (قِيمة) قاف مكسورة، أصلها: قِو، إذاً: وُجِدت الواو وانكسر ما قبلها ثُمَّ قُلِبت ياءً .. السبب موجود، إذاً صغَّرت: قيمة، قلت: قُو، إذاً: زالت الكسرة التي هي موجب لقلب الواو ياءً .. زال السبب، إذا زال السبب حينئذٍ نقول: الواو لا تُقْلَب ياءً.

(قُوَيْمَة) ما الموجب لقلب الواو؟ ما قبلها أن يكون مكسوراً وهنا ضُمَّ، إذاً: تَغيَّر ما قبل الواو حينئذٍ تَغيَّر الحكم، أمَّا: قَيمة وَقِيم، بقي على أصله .. القاف مكسورة، إذاً: السبب موجود، المقتضي لقلب الواو ياءً موجود في الجمع، إذاً: يبقى على ما هو عليه، وأمَّا إذا زال، زال ما ترتب عليه.

وَالأَلِفُ الثَّانِي الْمَزِيدُ يُجْعَلُ

وَاوَاً كَذَا مَا الأَصْلُ فِيهِ يُجْهَلُ

(وَارْدُدْ لأَصْلٍ): عرفنا أنَّ الأصل هو الذي انقلب إلى واوٍ أو ياء، (وَالأَلِفُ الثَّانِي الْمَزِيدُ) الزائدة، إذاً: هذا حكمٌ آخر يَتعلَّق بحرف ليْن .. وهو ثانٍ .. وهو ألف .. وهو مزيد، وأمَّا الأول:(باب) و (قيمة) ونحوها، نقول: الألف هنا أصلية، يعني: الأصل أصل ثُمَّ انقلب، لو كان الثَّاني زائداً مثل: ضارب، (ضارب) الألف هذه ليست مُنقلِبة عن شيء، حينئذٍ ماذا نصنع؟

ص: 9

قال: (وَالأَلِفُ الثَّانِي الْمَزِيدُ)، (الأَلِفُ) مبتدأ، (الثَّانِي) نعت، (الْمَزيدُ) نعتٌ بعد نعت، (يُجْعَلُ)

-مضارع.

معلوم أو مجهول؟

مُغيَّر الصيغة.

أين فاعله، أو ليس له فاعل؟

ليس له فاعل .. له نائب فاعل.

أين هو؟ ضمير مستتر يعود على الألف.

أين مفعوله الأول؟

هو النائب .. هو الذي أُقيم نائب ثاني.

أين مفعوله الثالث؟

الثاني: وَاواً، الثالث: ليس له ثالث.

والجملة .. أين خبر المبتدأ؟

(يُجْعَلُ) .. جملة (يُجْعَلُ) نائب الفاعل في محل رفع خبر المبتدأ.

كَذَا مَا الأَصْلُ فِيهِ يُجْهَلُ ..

الألف الثانية لها خمسة أحوال:

الأول: أن تكون مُبدلة من واوٍ.

الثانية: أن تكون مُبدلة من ياءٍ.

وهذا الأول والثاني قد تَقدَّم في البيت السابق، لأنَّها إذا كانت مُبدلة من واوٍ نحو: باب، وإذا كانت مُبدلة من ياء نحو: ناب، وهذه سبق حكمها، هكذا ذكره الشُّراح، والأولى: ألا يُقال بدخول هذين النوعين في البيت الثالث هذا، لماذا؟ لأنَّه قال:(وَارْدُدْ لأَصْلٍ) وهذه أصليَّة، ثُمَّ قال:(وَالأَلِفُ الثَّانِي الْمَزِيدُ) دل على أنَّ الحكم هنا غير الحكم السابق، فَحَشر هذين النوعين في هذا البيت .. هكذا قال المَكُودِي لكن فيه نظر!

الثالث: أن تكون زائدة، وهذا الذي عناه النَّاظم .. أن تكون زائدة كـ: ضارب.

الرابع: أن تكون مجهولة، يعني: ما ندري هل هي منقلبة أو لا؟ كـ: عاج، وصاب.

الخامس: أن تكون مبدلة من همزة نحو: آدم.

الخامس هذا سيذكره في باب الإبدال كما ذكرناه، والأول والثاني ذكره في البيت السابق (وَارْدُدْ لأَصْلٍ)، بقي الثالث والرابع: أن تكون زائدة نحو: ضارب، وأن تكون مجهولة، ما الحكم فيهما؟ قال:

وَالأَلِفُ الثَّانِي الْمَزِيدُ يُجْعَلُ

وَاوَاً. . . . . . . . . . . . . . . . .

يعني: تقلبها واواً، نحو: ضارب، صَغِّره: ضُوَيْرِب، ماذا صَنَعت؟ قَلَبْت الألف واواً، لأنَّها زائدة يعني: ليست مُنقلِبة عن شيء، لأنَّ أصله: ضَرَب، فاسم الفاعل منه على وزن (فَاعِل)، والألف هذه زائدة قطعاً ليست مُنقلِبة عن واو ولا ياء، فإذا صَغَّرته قلت: ضُوَيْرِب، مَاشٍ .. مُوَيْشٍ، قلبت الألف الزائدة واواً.

إذاً:

وَالأَلِفُ الثَّانِي الْمَزِيدُ يُجْعَلُ

وَاواً كَذَا. . . . . . . . . . . . . .

أي: مثل (ذَا) في قلب الألف واواً (مَا الأَصْلُ فِيهِ يُجْهَلُ) يعني: ما جُهِل أصله هل هو مُنقلِب أم زائد؟ كألف: صاب، وعاج، فتقول فيهما: صُوَيْب، وَعُوَيْج، وَيُلْحَق به أيضاً نحو: آدم، كما سبق: أُوَيْدِم، وهذا سَيَنُص عليه أيضاً.

وحكم التكسير في إبدال الألف الثاني كحكم التَّصْغِير: ضَوَارِب .. أوادم، (ضارب) ضَوَارِب إذاً: قلبت الثانية واواً، لأنَّك تقلبها في التَّصْغِير واواً، إذاً: الحكم عام.

وَالأَلِفُ الثَّانِي الْمَزِيْدُ يُجْعَلُ

وَاوَاً. . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 10

ضَارب .. ضُوَيْرِب، (كَذَا) مثل (ذَا) الحكم السابق من قلب الألف واواً، (ما) هذا مبتدأ، (الأَصْلُ يُجْهَلُ فِيهِ) (فِيهِ) مُتعلِّق بقوله:(يُجْهَلُ)، و (الأَصْلُ) مبتدأ، و (يُجْهَلُ) الجملة خبر، و (فِيهِ) مُتعلِّقٌ به، والجملة من المبتدأ والخبر لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، و (مَا) مبتدأ، و (كَذَا) خبره مُقدَّمٌ عليه.

قال الشَّارح: أي إذا كان ثاني الاسم المصَغَّر من حروف اللِّيِن -أو اللَّيْن- وجب رَدُّه إلى أصله، فإن كان أصله الواو قُلِب واواً، فتقول في (قِيمَة): قُوَيْمَة، وفي (باب): بُوَيْب؛ لِزَوال موجب القلب .. انتبه لهذه! وإن كان أصله الياء قُلِب ياءً فتقول في (مُوقِن): مُيَيْقِن، وفي (ناب): نُيَيْب.

" وَشَذَّ قولهم في (عِيْد): عُيَيْد، والقياس: عُوَيْد بقلب الياء واواً، لأنها أصله؛ لأنه مِن: عاد يعود، فإذا كان ثاني الاسم المصَغَّر ألفاً مَزيدة أو مجهولة الأصل وجب قلبها واواً؛ لأنَّه الكثير، فتقول في (ضارب): ضُوَيْرِب، وفي (عاجٍ): عُوَيْجٌ، والتَّكسير فيما ذكرناه كالتَّصْغِير، فتقول في (باب): أبواب، وفي (ناب): أنياب، وفي (ضاربة): ضَوَارِب.

وَكَمِّلِ الْمَنْقُوصَ فِي التَّصْغِيرِ مَا

لَمْ يَحْوِ غَيْرَ التَّاءِ ثَالِثَاً كَمَا

(كَمَاءٍ) أو (كَمَا)، (مَا) الاسمية والحرفية إذا سُمِّي بها، أو (مَا) لغةٌ في (مَاءٍ) الماء المشروب.

(وَكَمِّلِ) هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب، (الْمَنْقُوصَ) ليس المراد به المنقوص القياسي الذي آخره ياءٌ لازمةٌ قبلها كسرة، فَتُقَدَّر فيها الضَّمَّة والكسرة، نقول: ليس المراد به: المنقوص، والمراد به هنا: ما نقص منه حرفٌ، أو ما حُذِف منه أصلٌ: يَدْ .. دمٌ .. أَخْ منقوص، لماذا منقوص؟ لأنَّه حُذِف منه أصلٌ، فهذا أشبه بالنقص اللغوي في باب:(أب) .. أَبٍ وَأَخٍ: بِأَبِهِ اقْتَدَى عَدِيٌّ ..

وَالْنَّقْصُ فِي هَذَا الأَخِيرِ أَحْسَنُ ..

فالمراد به: هذا النوع ليس الاصطلاحي.

(وَكَمِّلِ الْمَنْقُوصَ) أي: الناقص منه شيء، ولو مُبْدَل بآخر بدليل تمثيله بالماء، لأنَّ (ماء): الهمزة هنا منقلبة عن هاء أصله: موهٌ.

(وَكَمِّلِ الْمَنْقُوصَ فِي التَّصْغِيرِ) لِتَتَأَتَّى بِنْيِة (فُعَيْل) لأنَّ: يَدْ، كيف تصغِّره؟ لا يمكن هذا: يَدٌ، على حرفين، و (فُعَيْل) على ثلاثة، ياء التَّصْغِير تُزاد لا إشكال فيها، لا بُد أن يكون الاسم المُصغَّر على ثلاثة أحرف، حينئذٍ (يَدْ) كيف يُصَغَّر .. (دَمْ) كيف يُصغَّر .. (أَخْ)؟ لا يُمكن أن يتأتَّى منه صيغة (فُعَيْل) إلا بِردِّ أصله المحذوف؛ ولذلك وجب الرَّد، إذا صُغِّر ما حُذف أحد أصوله وجب ردُّ محذوفه إن كان قد بقي بعد الحذف على حرفين، فـ: يَدٌ، ترجع الياء: يُدَيْ، دَمٌ .. دَمْوٌ .. دَمْيٌ، لا بُدَّ من إرجاع ما حُذِف.

(وَكَمِّلِ الْمَنْقُوصَ فِي التَّصْغِيرِ) اشترط النَّاظم:

. . . . . . . . . . . . . . . . مَا

لَمْ يَحْوِ غَيْرَ التَّاءِ ثَالِثَاً كَمَا

ص: 11

(مَا لِمْ يَحْوِ) ما لم يشتمل (غَيْر التَّاْ)، (مَا) هذه مَصدريَّة ظرفيَّة، و (لِمْ) حرف نفي وقلب، و (يَحْوِ) فعل مضارع مجزوزٌ بـ (لَمْ) وجزمه حذف حرف العِلَّة، (يَحْوِ) هو أي: المنقوص، (غَيْر التَّاءِ ثَالِثَاًً):(لِمْ يَحْوِ ثَالِثاً) هذا مفعولٌ به، (غَيْرَ التَّاءِ) الأصل فيه أنَّه نعت، إذا كان الشيء نَعتاً لنكرة، أو جار ومجرور، أو ظرف إذا تَقدَّم أُعْرِب حالاً، (ثَالِثاً غَيْر التَّاء) فلَمَّا تَقدَّم (غَيْرَ التَّاءِ) على (ثَالِثاً) حينئذٍ قلنا: حالٌ، صاحبها (ثَالِثاً)، (كَمَا) أي: وذلك مثل: ما.

(وَكَمِّلِ الْمَنْقُوصَ) شمل (الْمَنْقُوصَ) هنا ما حُذِفت منه فاؤه كـ: عِدةٍ، أو حُذِفت منه عينُه كـ: ثُبَة، أو حُذِفت منه لامُه كـ: سَنَة، لأنَّه قال:(الْمَنْقُوصَ) أطلق النَّاظم هنا، والحذف قد يكون من الفاء كـ: عِدة، أصله: من الوعد، وقد يكون من العين، وقد يكون من اللام، و (يَدْ) كذلك مِمَّا حُذِف لامُه.

كذلك شَمِل ما ليس فيه تاء كـ: يَدْ، وما فيه التَّاء كـ: سَنَة، وشَمِل ما كان على حرفين وما كان على أكثر: كـ: هارٍ، بمعنى: هائر، فهذه كلها يُرَدُّ إليها المحذوف عند التَّصْغِير، سواءٌ كان الحذف الفاء، أو كان الحذف العين، أو كان الحذف اللام، سواءٌ كانت مُتَّصلة بِها تاء التأنيث كـ: عِدَة، وَثُبَة، أو لا، وكذلك نحو: يَدٍ، وهارٍ، فهذه كلها يُرَدُّ إليها المحذوف إلا ما كان له ثالث وليس له تاءٌ، ولذلك قال:

لَمْ يَحْوِ ثَالِثَاً غَيْرَ التَّاءِ ..

إلا إذا كان له ثالث، يعني: حرفٌ ثالث وليس تاءً، فهذه كلها يُرَدُّ إليها المحذوف إلا ما كان له ثالثٌ وليس تاءً، فتقول فيها: عِدة .. أُعَيْدة، (عِدَةٌ) إذا صَغَّرتها قلت: أُعَيْده، كَمَّلَت المنقوص .. رجع بردِّ الفاء، و (ثُبَة) تقول: ثُوَيْبَة، برد العين، و (سَنَة) تقول: سُنَيَّةٌ على قولٍ، و: سُنَيْهَةٌ، على قولٍ، المحذوف هل هو هاءٌ أم تاء؟ و (يُدَيَّة) بردِّ اللام، وتقول في (هارٍ): هُوَير، للاستغناء عن ردِّ الأصل بإقامة بناء التَّصْغِير، وذلك مفهومٌ من قوله:

لَمْ يَحْوِ غَيْرَ التَّاءِ ثَالِثَاً ..

أي: ما لم يَحْو ثالثاً غير التاء، فإن حَوَى ثالثاً غير التَّاء لم يُرَد إليه المحذوف.

(وَكَمِّلِ الْمَنْقُوصَ فِي التَّصْغِير) هذا مُتعلِّق بقوله: (كَمِّلِ)، (مَا لَمْ يَحْوِ) مدَّة عدم جمعه (ثَالِثاً) غير التَّاء، فإن جمع ثالثاً التاء حينئذٍ لا يُرَد.

(كَمَا) أصله: مَوَهٌ، فتقول فيه: مُوَيْه، (مَاءٌ) هذه الهمزة مُنقلبة عن هاء، حينئذٍ تقول: مُوَيْهٌ.

بِردِّ اللام، وكذا تفعل في نحو:(خُذْ) و (كُلْ) و (مُذْ) أعلاماً، و (سَهٍ) و (يَدٍ) و (حِرٍ)، كل هذه محذوفات اللامات أو الفاء، (كُلْ) أصله .. بالهمزة في الأول، إذا صغَّرته قلت: أُكَيْل، مثل: أَكْرَم .. أَكْرِم، تبقى الهمزة كما هي، لكن: كُلْ .. أَكَل .. يأكل (أُأْكل) هذا الأصل لكن حُذِفت منه الهمزة.

ص: 12

فتقول فيها إذا سَمَّيت بها: أُخَيْذ وَأُكَيْل، (خُذْ) تُصغِّره على: أُخَيْذ، رجعت الهمزة، كذلك (أُكَيْل) تصغير: كُلْ، برد الفاء، و (مُنْذُ): مُنَيْذٌ، صَغرَّتها .. رَجَعَت النون، و (سَهٍ) تقول: سُتَيْهٌ بِردِّ العين، و (يُدَيّه) و (حُرَيحٌ) بردِّ اللام، هذا إن كان ثنائياً، وإن كان على ثلاثةٍ والثالث تاء التأنيث لم يُعْتَدَّ بها .. إذا كان على ثلاثة أحرف والثالث تاء التأنيث لم يُعْتَدَّ بها.

وَيُكَمَّل أيضاً كما يُكَمَّل الثنَّائي نحو: (عِدَة) و (سَنَة)، عدة وسنة هذا تعويض .. التاء هنا عِوَضٌ عن المحذوف، حينئذٍ: هل نَعتدُّ بها؟ نقول: لا .. لا نَعْتَدُّ بها، لأنَّك قد تقول: سَنَةٌ، هذا على ثلاثة أحرف، إذاً: يأتي على وزن (فُعَيْل)، نقول: لا هذا ثالثه تاءٌ، إذاً: لا يُعْتَدُّ بها، أمَّا لو كان الثالث غير التاء يُعْتَدُّ بها، أمَّا: عِدَةٌ وَثُبَةٌ وَسَنَةٌ، هنا نَردَّ المحذوف ولو كان ثالثه تاءً، لأنَّ هذه التاء غير مُعْتَدٍّ بها.

نحو: عِدَةٍ وَسَنَةٍ، فتقول فيهما: وُعَيْدَة وَسُنَيَّة .. على قولٍ: سُنَيَّة، بِردِّ لامه وهو الواو وقلبها ياءً؛ لاجتماعها مع ياء التَّصْغِير، وسبق إحداهما بالسكون، ومن جعل لامها هاءً صغَّرها على: سُنَيْهه، على خلاف.

و (سُنَيَّة) بردِّ فاء الأول ولام الثاني، وإن كان للمنقوص ثالثٌ غير الياء لم يُرَد إليه ما حُذِف لعدم الحاجة إليه، لأنَّ بِنيَة (فُعَيْل) تتأتَّى بدونه، فتقول في (هارٍ) و (شاكٍ) و (مَيِّت): هُوَيْر، وَشُوَيْك، وَمُيَيْت، حينئذٍ لا نحتاج إلى ردِّ المحذوف؛ لأنَّ العِلَّة في ردِّ وتكميل المنقوص أنَّه لا يَتأتَّى الوزن منه على (فُعَيْل)، فـ:(يد) لوحدها حرفان، كيف تأتي به على وزن (فُعَيْل)؟ لا بُدَّ من ردِّ المحذوف.

إن كان ثَمَّ حرفٌ ثالث وهو التاء لا يُعْتَبر بها، إن كانت ثلاثة أحرف مع نقصٍ حينئذٍ لا نحتاج إلى ردِّ المنقوص، ولذلك قيل: شذَّ (هُوَيِّر) بِردِّ المحذوف.

وَكَمِّلِ الْمَنْقُوصَ فِي التَّصْغِيرِ مَا

لَمْ يَحْوِ غَيْرَ التَّاءِ ثَالِثَاً. . . .

يعني: لو حوى التاء ثالثاً، هل نردَّ المنقوص .. هل نُكَمِّله؟ نَرده، نعم، لأنَّ التاء ثالثة لا عِبْرة بها، فكأنه على حرفين، لأنَّه في نِيَّة الانفصال، وهي عِوض عن المحذوف، إن كانت ثلاثة أحرف غير التَّاء وفيه نقص هل نردُّه؟ لا نحتاج إلى الرَّد، لأنَّ الموجود يمكن أن يتأتَّى منه على وزن:(فُعَيل).

إذاً نقول النتيجة: أنَّ المنقوص الذي حُذِف منه حرفٌ إن كان أقل من ثلاثة أحرف وجب ردُّ المحذوف كـ: يَدْ، وَدَمْ، وإن كان على ثلاثة أحرف ننظر: إن كان تاءً وجب ردُّ المنقوص، إن لم يكن تاءً حينئذٍ اكتفينا بالثلاثي، وجئنا بها على وزن (فُعَيْل) ولو كان ثَمَّ محذوف.

وَكَمِّلِ الْمَنْقُوصَ فِي التَّصْغِيرِ مَا

لَمْ يَحْوِ غَيْرَ التَّاءِ ثَالِثَاً. . . .

ص: 13

إنَّما قال بالتاء ولم يقل: غير الهاء، ليشمل تاء: بنت وأخت، فإنها لا يُعْتَدُّ بها أيضاً، بل يقال: بُنَيَّة وَأُخَيَّة بردِّ المحذوف: أُخْت .. أُخَيَّة، حينئذٍ غير التاء يشمل التاء المفتوحة، لأنَّك إذا وقفت عليها قلت: بنت، ولا تقف عليها بالهاء، بِخلاف: عائشة، تقف عليها بالهاء، فلذلك قال:(غَيْرَ التَّاءِ) ليشمل تاء: بنت وأخت.

لَمْ يَحْوِ غَيْرَ التَّاءِ ثَالِثَاً كَمَا ..

هنا أشار بـ: (مَا) إمَّا أنَّها (مَا) الاسمية، أو (مَا) الحرفية إذا سُمِّي بها، حينئذٍ في الأصل ثنائي .. أصل وضعها على حرفين، فكيف نَرد إليه؟ ما عندنا شيء نردَّه، أو قد يكون على حرفين وَنُقِص منه حرف، هذا لا إشكال فيه مثل: يَدْ وَدَمْ، فلو كان: ماء، لا إشكال أن الهمزة هنا ترجع إلى أصلها: مُوَيْهٌ، أو: ماء لغةٌ في (ماء) بالهمز، وهو الماء المشروب.

حينئذٍ القاعدة العامة: أنَّه إذا سُمِّي بما وُضِع ثنائياً، لأنَّ مثال النَّاظم مُحتمل .. يحتمل أنَّه أراد (مَا) لغةً في (الماء) المشروب، ويحتمل أنَّه أراد (مَا) الاسمية أو الحرفية إذا سُمِّي بها، سمَّيت رجل:(مَا) .. موصولة، أو الشرطية نقلتها جعلتها علماً، أو (مَا) النافية، سمَّيت رجل:(مَا) كيف تُصغِّره .. حينئذٍ كيف تأتي بثالث؟ لا يوجد ثالث هنا، لأنَّ أصل وضعها على ثنائي.

إذاً نقول: إذا سُمِّي بما وُضِع ثنائياً حينئذٍ ننظر، فإن كان ثانيه صحيحاً نحو: هَلْ وَبَلْ، سمَّيت رجل: هَلْ، وأردت أن تُدَلِّلَه فتصغِّره، كذلك: بَلْ، حينئذٍ لا بُدَّ من زيادة حتى يأتي على وزن (فُعَيْل)، ولكن هذه الزيادة في: هَلْ وَبَلْ، إذا كان صحيحاً لا تتأتَّى قبل التَّصْغِير بل بعد التَّصْغِير.

لم يَزِد عليه شيءٌ حتى يُصَغَّر، فيجب أن يُضَعَّف أو يُزَاد عليه ياء. إمَّا أن تُضعِّفه، وإمَّا أن تزيد عليه ياء، فيقال: هَلْ .. هُلَيْلٌ، ضَعَّفت اللام، (بُلَيْلٌ) زِدْتَ ياء التَّصْغِير ثالثةً بعد اللام، ثُمَّ ضعَّفت اللام، أو: هُلَيٌّ، ماذا صنعت؟ ضممت الأول، وفَتَحَت الثاني، وزِدْتَ ياء التَّصْغِير ثالثةً ساكنة، ثُمَّ الياء لِتَتوصل بها إلى وزن (فُعَيْل)، ثُمَّ أدغمت الياء في الياء قلت: هُلَيٌّ .. بُلَيٌّ، بالتضعيف، ياء التَّصْغِير مع الياء الزائدة.

إذاً: هذا إذا كان صحيحاً، تُضَعِّف أو تزيد ياء، ولا يكون الزيادة هنا إلا بعد التَّصْغِير، يعني لا تقول: هَلِي أو هَلَاّ ثُمَّ تصَغِّره لا، إنَّما تأتي الزيادة بعد التَّصْغِير، فإن كان مُعتلَّاً وجب التضعيف قبل التَّصْغِير، معتلّاً مثل: لَوْ وَكَيْ، ليس صحيح الآخر، حينئذٍ وجب التضعيف قبل التَّصْغِير فَيُقَال في (لَوْ) و (كَيْ) و (مَا) .. (مَا) الموصولة مثلاً، أعلاماً سمَّيت بها:(لَوٌّ) زِدْتَ حرفاً، و (كَيٌّ) زِدْتَ حرفاً .. أدغمت، ولذلك قلنا: هذا وجهٌ في الإعراب فيما سبق (لَوْ) على (لَوٍّ) جاز تضعيفها، لأنَّه حرف عِلَّة، حتى لو لم تُرِد تصغيرها .. لو جعلتها اسماً جاز فيها.

ص: 14

(فِيٌّ) حرف جر .. يجوز فيها، (لَوٌّ) و (كَيٌّ) بالتشديد، و (مَاءٌ) بالمدِّ، لأنَّك تزيد ألف (ماء) زِد ألف ثُمَّ تقلب الألف الثانية همزةً كونها ثالثة، وذلك لأنَّك زِدْتَ على الألف ألفاً فالتقى ألفان، فَأُبْدِلت الثانية همزة فَتُصَغِّره: لو .. لُوَيٌّ، وأصله: لُوَيْوٌ .. لُوَيْـ (فُعَيْـ)، جعلت الياء بين المضعَّف: لَوٌ، تَضمَّ الأول وتفتح الثاني، ثُمَّ تزيد ياء ثالثة: لُوَيْ، ثُمَّ تأتي بالرابع: لُوَيْوٌ.

وتقول: كُيَيٌّ، بثلاث ياءات، و (مُوَيٌّ) كما تقول في الماء المشروب: مُوَيْهٌ .. مُوَيٌّ، يعني: قُلِبت الألف واواً، لأنَّها ثانية كما سبق: ضارب، ثُمَّ زدت ياء التَّصْغِير، ثُمَّ ياءٌ، أُدْغِمت الياء في الياء، إذاً:

لَمْ يَحْوِ غَيْرَ التَّاءِ ثَالِثَاً كَمَا ..

إن كان المراد بها (مَا) الاسمية والحرفية جُعِلت علماً، حينئذٍ القاعدة: ما ذكرناه سابقاً: أنَّه يُضَعَّف قبل التَّصْغِير ثُمَّ يُصَغَّر، وأمَّا إن كان صحيحاً مثل: هَلْ، وَبَلْ، حينئذٍ إمَّا أن يُضَعَّف، وإمَّا أن يُزاد عليه ياء، ولكن هذا لا يكون إلا بعد التَّصْغِير.

وَكَمِّلِ الْمَنْقُوصَ فِي التَّصْغِيرِ مَا

لَمْ يَحْوِ غَيْرَ التَّاءِ ثَالِثَاً كَمَا

قال هنا الأشْمُونِي (كَمَا): " أشار بقوله: (كَمَا) إلى أنَّ الثنائي وضعاً يُكَمَّل أيضاً في التَّصْغِير كما يُكَمَّل المنقوص" يعني: محمول على المنقوص، لأنَّه ليس فيه حذفٌ أصلاً، والمنقوص ما حُذِف منه حرف، وهذا لم يُحْذف، وإنَّما سُمِّي رجل مباشرة: هَلْ وَبَلْ، ونحو ذلك.

تَوَصُّلاً إلى بناء (فُعَيْل) إلى أن هذا النوع لا يُعْلَم له ثالثٌ يُرَدُّ إليه بخلاف المنقوص، وهذا واضح.

وأجاز في (الكافية) و (التسهيل) فيه وجهين:

- أن يُكَمَّل بحرف عِلَّةٍ فتقول في (عَنْ) و (هَلْ) مُسَمَّىً به: عُنَيٌّ، وَهُلَيٌّ، حرف عِلَّة يعني: المشهور أنَّها الياء، وقال بعضهم: الواو، فيه خلاف عندهم.

- الثاني: أن يُجعل من قبيل المُضعَّف، نقول فيهما: عُنَيْن، وَهُلَيْل، (عَنْ) .. (عُنَيْن) ضعَّفت النون وجعلت بينهما ياء التَّصْغِير، والأول أولى يعني: أن يُكَمَّل بِحرف عِلَّة.

وَكَمِّلِ الْمَنْقُوصَ فِي التَّصْغِيرِ مَا ..

إذاً: لتتأتَّى بنية (فُعَيْل).

لَمْ يَحْوِ غَيْر التَّاءِ ثَالِثَاً كَمَا ..

بشرط: مُدَّة عدم جمعه (ثَالِثَاً غَيْرَ التَّاءِ)، فإن كان (ثَالِثَاً غَيْرَ التَّاءِ) ولو كان منقوصاً صُغِّر على ما هو عليه، ولا يجب ردُّ المحذوف.

قال الشَّارح: المراد بالمنقوص هنا: ما نقص منه حرفٌ، فإذا صُغِّر هذا النَّوع من الأسماء فلا يخلُ: إمَّا أن يكون ثنائياً مُجَرَّداً عن التاء مثل: يَدْ، أو ثنائياً ملتبساً بها، أو ثلاثياً مُجَرَّداً عنها، فإن كان ثنائياً مُجَرَّداً عن التاء أو مُلْتَبِساً بها رُدَّ إليه في التَّصْغِير ما نقص منه، فَيُقَال في (دَمْ): دُمَيٌّ، وفي (شَفَةٍ): شُفَيْهَة، ثنائي ملتبس بالتاء:(شَفَة .. عِدَة)، وفي (عِدَةٍ): أٌعَيْدَة، وفي (ماءٍ) مُسَمَّىً به: مُوَيٌّ أو مُوَيْهٌ.

ص: 15

وإن كان على ثلاثة أحرف وثالثة غير تاء التأنيث صُغِّر على لفظه، ولم يُرَدَّ إليه شيء، فتقول في (شَاكِ السلاح): شُوَيْك، لأنَّه من: شاوَك.

إذاً: (مَا لَمْ يَحْوِ غَيْر التَّاءِ ثَالِثَاً) .. مَا لِمْ يَحْوِ ثَالِثاً غَيْر التَّاء، فإن حوى التاء كذلك كُمِّل وهو ثالث، إن لم يحوِ التاء وهو ثالث حينئذٍ لا يُرَدُّ إليه المنقوص.

وَمَنْ بِتَرْخِيمٍ يُصَغِّرُ اكْتَفَى

بِالأَصْلِ كَالْعُطَيْفِ يَعْنِي الْمِعْطَفَا

هنا ما يُسمى عندهم بـ: التَّرخيم في باب (التَّصْغِير)، وهذا سبق في أول باب الترخيم.

(وَمَنْ بِتَرْخِيمٍ يُصَغِّرُ) من التَّصْغِير نوعٌ يسمى: تصغير التَّرخيم، وهو عبارة عن تصغير الاسم بعد تجريده من الزوائد التي هي فيه، يعني: تحذف الزوائد، أن تعمد إلى اسمٍ فيه زيادة .. أن تعمد إلى ذي الزيادة الصالحة للبقاء فتحذفها، ثُمَّ تُوقِع التَّصْغِير على أصوله.

من هذا التعريف تعلم أنَّ التَّصْغِير لا يتأتَّى فيما هو على زنة: جعفر، لأنَّ (جعفر) كُلَّه أصول، و (سَفَرْجَل) كذلك كله أصول، حينئذٍ لا يتأتَّى فيه لِعدم وجود الزيادة، ومن ثَمَّ لا يتأتَّى في نحو: جَعْفَر وَسَفَرْجَل لتجردهما، ولا في نحو: مُتَدَحْرِج، لامتناع بقاء الزيادة فيهما لإخلالها بالزنة، ولم يكن حينئذٍ له إلا صيغتان فقط وهما:(فُعَيْل) و (فُعَيْعِل) لأنَّك تعمد إلى اسمٍ ذي زيادةٍ يصلح أن تبقى، لأنَّ الزيادة بعضها لا يصلح أن تبقى، لو أبقيناها أخلَّت بالبناء: سَفَرْجَل، لو أردت أن تُصَغِّره لا يتأتَّى لك إلا بحذف حرف.

إذاً: هذا الحرف الأخير نقول: هو أصلٌ، ثُمَّ وجوده وبقاؤه يُخِلُّ ببناء الوزن، إذاً: وجب حذفه.

بعض الزيادات قد يَصِحُ التَّصْغِير مع بقاءها، حينئذٍ تأتي وَتُجَرِّد هذا الاسم من أجل تصغيره بعد حذف الزيادة الصالحة للبقاء مع الوزن، هذا المراد بالترخيم هنا، ليس المراد: أنَّه لا يَتمُّ إلا بحذف الزيادة، هذا واجب عُلِم مما سبق نحو: سَفَرْجَل وغيره، وأمَّا إذا أمكن الجمع بين هذه الزيادة الصالحة للبقاء مع (فُعَيْل) و (فُعَيْعِل) حينئذٍ نقول: إذا حذفت هذه الزيادة يسمى: ترخيماً.

إذاً: لم يكن له إلا صيغتان وهما: (فُعَيْل) كـ: حُمَيْد في (أحمد)، (أحمد) هذا يمكن تَصْغِيره: أُحَيْمِد .. (فُعَيْعِل)، لكن يمكن إذا رخَّمته: احذف الهمزة، صالحة للبقاء، احذفها صار: حُمَيْد، على وزن (فُعَيْل) إذاً: أحمد .. أُحَيْمِد (فُعَيْعِل) هذا دون ترخيم، لأنَّ هذه الزيادة صالحة للبقاء مع (فُعَيْعِل)، لكن إذا أردت الزيادة .. التمحيص فتحذف الهمزة فتجعله من باب (فُعَيْل) فتقول: حُمَيْد.

ص: 16

إذاً: الترخيم هنا: أن تكون ثَمَّ زيادة يصلح أن تبقى مع الوزن (فُعَيْل) أو (فُعَيْعِل)، لكن أنت تحذفها .. تُجرِّد الاسم المصغَّر من هذه الزيادة: أحمد (فُعَيْعِل) أُحَيْمِد، صَحَّ، تأتي بعد ذلك تريد أن يكون على وزن (فُعَيْل) تحذف الهمزة، هي صالحة للبقاء مع (فُعَيْعِل)، فتحذفها حينئذٍ بقي عندك ثلاثة أحرف، وإذا كانت الكلمة على ثلاثة أحرف مثل: فَلْس، جاز تصغيرها، والزيادة هذه صالحة للبقاء مع الوزن، تأتي تُجرِّدها وَيُسَمَّى هذا ترخيماً فتقول: أحمد، على (فُعَيْل).

إذاً يُصَغَّر مرتين: مرَّة دون ترخيم، ومرَّة مع الترخيم، وكل ما كان من هذه المادة: أَحْمَد وحَامِدْ ومَحْمُود وحَمْدَان، كلها تأتي بها على وزن (فُعَيْل)، تبقي الأصول فقط وتحذف الزوائد، هذا الأول (فُعَيْل).

والثاني: (فُعَيْعِل) كـ: قُرَيْطِس، ولا (فُعَيْعِيل) .. هنا لا يوجد عندنا (فُعَيْعِيل) في باب الترخيم، لماذا؟ لأنَّك لا تُرَخِّم إلا الأصول، وتحذف الزيادة التي هي صالحةٌ للبقاء، إذاً: ليس عندنا زيادة، وعليه لا يَتَأتَّى وزن (فُعَيْعِيل) هنا، لأنَّ الياء الثانية هذه حرفٌ زائد منقلب، إمَّا ياء ثابتة كما في: قِنْدِيل، وإمَّا أنَّها ألف أو واوٌ: عصفور .. عُصَيْفِير، شِمْلَال .. شُمَيْلِيل، إذاً: إمَّا أنَّها ألف أو واو.

إذاً: لا يتأتَّى في باب الترخيم هنا .. ترخيم التَّصْغِير الوزن الثالث وهو (فُعَيْعِيل)؛ لأنَّ هذه الياء عبارة عن حرفٍ زائد، ونحن فرضنا المسألة في أنَّك تحذف كل الحروف الزائدة وتبقي الأصول، ثُمَّ تُصَغِّرها على (فُعَيْل) أو (فُعَيْعِل).

وَمَنْ بِتَرْخِيمٍ يُصَغِّرُ اكْتَفَى

بِالأَصْلِ. . . . . . . . . . . . . .

وحذَف الزيادة، لأنَّ الزيادة في باب التَّصْغِير على نوعين: زيادة لا يتأتَّى معها التَّصْغِير، لا بُد من حذفها .. هذه وجب، وهذه نصَّ عليه:

وَمَا بِهِ لِمُنْتَهَى الْجَمْعِ وُصِلْ ..

حينئذٍ لا يمكن أن تصل إلى التَّصْغِير إلا بالحذف، هل هذا داخلٌ معنا؟ الجواب: لا، هذه الزيادة ليست داخلة معنا، لأنَّه يجب حذفها، بقي زيادة نوع آخر وهي: أنَّها صالحة للبقاء مع الوزن، مثل: أحمد، وهذا مثال واضح، الهمزة صالحة لأن تبقى، نقول: أُحَيْمِد (فُعَيْعِل)، تأتي تحذفها .. زيادة صالحة للبقاء مع التَّصْغِير وتحذفها أيضاً، وتأتي به على وزن (فُعَيْل).

إذاً: الذي يُصَغَّر في باب الترخيم الأصول فقط، وأمَّا الزيَّادة فَتُحْذَف.

وَمَنْ بِتَرْخِيمٍ يُصَغِّرُ اكْتَفَى

بِالأَصْلِ كَالْعُطَيْفِ يَعْنِي الْمِعْطَفَا

(الْمِعْطَفَا) الألف للإطلاق، (المِعْطَفْ) بكسر الميم هو الكساء، عُطَيْف .. مِعْطَف .. مُعَيْطِف (فُعَيْعِل)، هكذا تقول مثل: مُدَحْرِج، كيف تُصَغِّره؟ مُدَيْرِج، وإلا نحذف الميم: دُحَيْرِج، (مِعْطَف) أربعة أحرف، تقول: مُعَيْطِف، هو قال:(عُطَيْف) ماذا صنعت؟ حذفت الزوائد، بقي عندك العين والطَّاء والفاء فقط، حينئذٍ تُصَغِّره فتقول: عُطَيْف (يَعْنِي الْمِعْطَفَا).

ص: 17

مع كون الميم هذه صالحة للبقاء: مُدَحْرِج، نقول: الميم هنا ليست صالحة للبقاء لا بُدَّ من تجريده، وأمَّا: مُعَيْطف، هذه باقية .. صالحة للبقاء، وحينئذٍ حذفتها فصغَّرته على: العطيف.

وَمَنْ بِتَرْخِيمٍ يُصَغِّرُ اكْتَفَى ..

(مَنْ) مبتدأ، (يُصَغِّرُ) هذه صلة (مَا)، (بِتَرْخِيمٍ) مُتعلِّقٌ به: ومن يُصَغِّر بترخيمٍ، إذاً: الترخيم هنا داخلٌ في مفهوم التَّصْغِير، حينئذٍ التَّصْغِير يكون نوعين:

- تصغيرٌ بلا ترخيم: وهو أنَّك تحذف الزوائد التي لا يتأتَّى معها الوزن، وتبقي الزوائد الصالحة للبقاء مع الوزن، هذا تصغيرٌ بلا ترخيم.

- تصغيرٌ مع ترخيم: أن تحذف كل الزوائد سواءٌ كانت باقية، وهذا من أجل التَّصْغِير نفسه، ثُمَّ تنتقل إلى ترخيم التَّصْغِير وتحذف الزوائد الصالحة للبقاء مع الوزن.

(اكْتَفَى) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود على (مَنْ)، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، (بِالأَصْلِ) مُتعلِّق بـ (اكْتَفَى) يعني: بالحروف الأصول فقط، (كَالْعُطَيْفِ): وذلك كَالْعُطَيْفِ، (كَالْعُطَيْفِ) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف (كَالْعُطَيْفِ)، (يَعْنِي الْمِعْطَفَا) الألف للإطلاق.

الترخيم في التَّصْغِير: حذف الزائد من المُصغَّر، فإن كان ثلاثي الأصول صُغِّر على (فُعَيْل) نحو: حُمَيْد في: أحمد وحمدان ومحمود وحمَّاد، (وَعُطَيْف) في المعطف.

قال الشَّارح: من التَّصْغِير نوعٌ يُسَمَّى: تصغير التَّرخيم، وهو عبارةٌ عن تصغير الاسم بعد تجريده من الزوائد التي هي فيه، فإن كانت أصوله ثلاثةً صُغِّر على (فُعَيْل)، ثُمَّ إن كان المسمَّى به مُذَكَّراً جُرِّد عن التاء، وإن كان مُؤَنَّثاً أُلْحِق تاء التأنيث، فيقال في (المعطف): عُطَيْف، وفي (حَامد): حُمَيْد، وفي (حبلى): حُبَيْلَة، وفي (سوداء): سُوَيْدَة، وفي (سُعاد): سُعَيْدة، وفي (كَلَاب) أو (كَلَاّب) ضُبِط بالوجهين: كُلَيْبة.

إذاً: إذا كان على ثلاثة أصول، حينئذٍ إن كان مُسَمَّاه مُذكَّراً لا نحتاج إلى التاء، وإن كان مُسَمَّاه مؤنَّثاً حينئذٍ جئنا بالتاء، كما قلنا في (هند): هُنَيدَة، هذا سبق التنصيص عليه.

وإن كانت أصوله أربعةً صُغِّر على (فُعَيْعِل) فتقول في (قِرْطَاس) .. (قُرْطَاس): قُرَيْطِس، وفي (عصفور): عُصَيْفِر، و (شِمْلَال): شُمَيْلِل، عُصَيْفِر (فُعَيْعِل)، (عصفور) حذفت الواو، صارت عندك أربعة أحرف، (فُعَيْعِل) عُصَيْفِر، إذاً: عُصَيْفِر .. عُصَيْفِير، (عُصَيْفِير) هذا دون ترخيم مثل: أحمد .. أُحَيْمِد (فُعَيْعِل)، وإذا رخَّمته (فُعَيْل) صار، (عصفور) يُصَغَّر بترخيم وبدون ترخيم، بدون ترخيم: عُصَيْفِير (فُعَيْعِيل)، وليس عندنا في الترخيم (فُعَيْعِيل)، لأنَّ ما بعد العين يكون زائداً، ولا زيادة عندنا هنا، حينئذٍ تُرَخِّمه فتُصغِّره على:(فُعَيْعِل) عُصَيْفِر.

واخْتِمْ بِتَا التَّأْنِيثِ مَا صَغَرْتَ مِنْ

مُؤَنَّثٍ عَارٍ ثُلَاثِيٍّ كَسِنّْ

ص: 18

(واخْتِمْ) أمر والأمر يقتضي الوجوب، (اخْتِمْ بِتَا التَّأْنِيث) بتاء التأنيث .. قصره للضرورة، (واخْتِمْ بِتَا التَّأْنِيثِ) معلوم تاء التأنيث، (مَا) مفعولٌ به .. (مَا) اسم موصول في محل نصب مفعول، (اخْتِمْ مَا صَغَّرْتَ) أنت، يعني: الذي صَغَّرته اختمه بتاء التأنيث، (مَا صَغَّرْتَه) العائد محذوف، (صَغَّرْتَ) فعل فاعل، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، أين العائد؟ محذوف وهو الضمير .. المفعول به.

واختم ما صَغَّرته بتاء التأنيث، (مِنْ مُؤَنَّثٍ) هذا مُتعلِّق بقوله:(صَغَّرْتَ) .. (صَغَّرْتَ مِنْ مُؤَنَّثٍ) إذاً: التَّصْغِير واقع على المؤنَّث، (مِنْ مُؤَنَّثٍ) يعني: من اسمٍ مُؤنَّث، (عَارٍ) من التاء (ثُلَاثيٍّ) في الحال، (عَارٍ .. ثُلَاثيٍّ) صفتان لمؤنَّث، وذلك (كَسِنّْ) (سِنّْ) إذا صغَّرته قلت: سُنَيْنَة، (سِنٌّ) هذا على ثلاثة أحرف، لأنَّه مُشَدَّد العين وَمُشَدَّد اللام .. مُضَعَّف، حينئذٍ تقول: سِنْ .. سُنَيْ، فُكَّ الإدغام: سُنَيْ، لأنَّ الثاني تَحرَّك، متى أُدْغِم: سِنّ، النون الأولى في الثانية؟ لَمَّا كانت الأولى ساكنة والثانية مُتحرِّكة وجب الإدغام، اجتمع مثلان والأول ساكن والثاني مُتحرِّك، في باب التَّصْغِير تقول:(فُعَيْل) الثاني تَحرَّك، إذاً: زال الموجب للإدغام فانفكَّ، فجيء بياء التَّصْغِير ثالثةً قلت: سُنَيْنَة، ثُمَّ جئت بتاءٍ وهي تاء التأنيث للدَّلالة على أنَّه مؤنَّث، وإلا الأصل أن تقول: سُنَيْنٌ (فُعَيْلٌ)، حينئذٍ تأتي بتاء التأنيث وجوباً، لأنَّ (سِنّ) مؤنَّث.

واخْتِمْ بِتَا التَّأْنِيثِ مَا صَغَرْتَ مِنْ

مُؤَنَّثٍ عَارٍ ثُلَاثِيٍّ. . .

إذاً: (سِنٌّ) هذا ثلاثي، وهو عارٍ من تاء التأنيث فوجب عند تصغيره ختمه بتاء التأنيث للدَّلالة على أنَّه مؤنَّث.

يعني: أنَّ الاسم الثلاثي المؤنَّث العاري من تاء التأنيث يُخْتَم بالتاء في التَّصْغِير، نحو: سِنّ وَسُنَيْنَة، وَشَمِل قوله:(مُؤَنَّثٍ عَارٍ ثُلَاثِيٍّ) أربعة أنواع:

الأول: ما هو ثلاثيٌّ في الحال نحو: سِنّ، (سِنّ) في اللفظ تنطق به ثلاثي، هذا يسمى: ثلاثيًّا في الحال.

الثاني: ما هو ثلاثيٌّ في الأصل نحو: يَدْ، (يَدْ) مؤنَّثة، ولذلك هناك قال سبحانه:((بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ)) [المائدة:64] دل على أنَّ اليدين مؤنَّثتان، فـ: يَدْ، هذا ليس ثُلاثيًّا في الحال، يعني: في النطق، وإنَّما باعتبار الأصل: هو ثلاثي كما سبق أصله: يَدْيٌ، حُذِفت منه اللام، فتقول فيه: يُدَيَّةٌ.

الثالث: ما كان نحو: سماء، كما سيأتي.

الرابع: ما كانت فيه الزيادة وهو مؤنَّث، فَصُغِّر تصغير ترخيمٍ نحو: شِمْلال، فتقول فيه: شُمَيْلَةٌ، وهو الذي نَصَّ عليه ابن عقيل.

إذاً: هذه أربعة أنواع داخلة في قوله: (ثُلَاثِيٍّ)، (ثُلَاثيٍّ في الحال) يعني: في النطق مثل: سِنّ، هذا تنطق به ثلاثي.

(ثُلَاثيٌّ) باعتبار الأصل وأمَّا في النطق فهو حرفان مثل: يَدْ، (ثُلَاثي) نحو: سماء، هذا سيأتي.

ص: 19

الرابع: ما كانت به الزيادة وهو مؤنَّث، فَصُغِّر تصغير ترخيمٍ، حينئذٍ وجب إذا كان مؤنَّثاً أن تتصل به التاء كما ذكر هنا: حُبْلى .. حُبَيْلَةٌ، سوداء .. سُوَيْدة، سعاد .. سُعَيْدَة، هذه كلها وجب ختمها بتاء التأنيث، لأنَّ التَّصْغِير هنا تصغير ترخيمٍ، فهو مؤنَّث من حيث المسمَّى.

إذاً:

واخْتِمْ بِتَا التَّأْنِيثِ مَا صَغَرْتَ مِنْ

مُؤَنَّثٍ عَارٍ ثُلَاثِيٍّ كَسِنّْ

(كَسِنٍّ)(وَدَارٍ) فتقول في تصغيرهما: سُنَيْنَةٌ، وَدُوَيْرَةٌ، هذا في الحال.

- أو في الأصل كـ: يَدٍ، فتقول: يُدَيَّة.

- أو في المآل وهو نوعان:

أحدهما: ما كان رباعياً بمدَّةٍ قبل لامٍ مُعتلَّة، فإنَّه إذا صُغِّر تلحقه التاء نحو: سماء، (سماء) هذا رباعي بمدَّةٍ قبل لامٍ مُعتلَّة، لأنَّ الهمزة هذه: سماءٌ، أصلها: سَمَاوٌ .. سماء: ((سَبْعَ سَمَوَاتٍ)) [البقرة:29] من أين جاءت الواو؟ لأنَّ الهمزة في: سماء، مُنقلَبة عن واو، أصلها: سَمَاوٌ.

ولذلك يرد دائماً سؤال عند الطلاب: سَمَاء، هل نقول: سَمَاءٌ أو سَمَاءُ، نمنعه من الصرف؟ فيظن أن هذه الهمزة للتأنيث مثل: صحراء، نقول: لا ليست للتأنيث، بل هي مُبدَلة عن واو، ودليله قوله تعالى:((وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا)) [فصلت:12] صُرِف هنا، وهذه الهمزة ليست للتأنيث.

إذاً: ما كان رباعياً بمدَّة قبل لامٍ مُعتلة، فإنَّه إذا صُغِّر تلحقه التاء نحو: سماء .. سُمَيَّةٌ، وذلك لأنَّ الأصل فيه: سُمَيٌّ، يعني: يجتمع فيه ثلاث ياءات: ياء التَّصْغِير هذه الأولى، والثانية: بدل المدَّة: سماء، المدَّة تُقْلَب ياءً، والثالثة: بدل لام الكلمة المُبدلة منها الهمزة، فَحُذِفت إحدى اليائيين الأخيرتين على القياس في هذا الباب، وهذا سيأتي في النسب، فبقي الاسم ثلاثياً فلحقته التاء كما تلحق الثلاثي المُجرَّد.

إذاً: الرباعي إذا حُذِف منه بعد التَّصْغِير مثل: سماء، تلحقه هاء التأنيث أو تاء التأنيث، والآخر ما صُغِّر تصغير الترخيم مما أصوله ثلاثة نحو: حُبْلَى، وهذا كما تَقدَّم في البيت السابق.

واخْتِمْ بِتَا التَّأْنِيثِ مَا صَغَرْتَ مِنْ

مُؤَنَّثٍ عَارٍ ثُلَاثِيٍّ. . .

إذاً: متى؟ إذا كان عارياً من تاء التأنيث وجب ختمه إذا كان ثلاثياً، إمَّا في الحال، وإمَّا باعتبار الأصل، وإمَّا باعتبار المآل، ثلاثة أحوال: حال في النطق .. في الأصل مثل: يَدْ .. في المآل يعني: في المستقبل، وهو مثل: سماء، بعد تصغيره يجتمع عندنا ثلاث ياءات فنحذف واحدة فصار على ثلاثة أحرف، أو مثل: شِمْلال الذي هو الترخيم، إن حصل بالترخيم على ثلاثة أحرف حينئذٍ وجب ختمه بالتاء.

استثنى من هذا الضَّابط العام نوعين لا تلحقه التاء عند التَّصْغِير، ولو كان مسماه مؤنَّثاً، لأنَّه لو صُغِّر وقع في لبسٍ، مَا لَمْ يَكُنْ بِالتَّا يُرَى ذَا لَبْسِ، هذا قيد للسابق .. واخْتِمْ بِتَا التَّأْنِيثِ مَا لَمْ يَكُنْ، (مَا) هنا مصدرية ظرفية، مُدَّة عدم كونه يُرى بالتاء ذا لبس، مدَّة عدم كونه، إمَّا إذا رُئي اللبس فيه بعد ختمه بالتاء حينئذٍ يلتبس في المُذكَّر فالأصل فيه المنع.

ص: 20

سبق معنا أنَّ (شَجَرْ) و (شَجَرَة) مِما يُفَرَّق بينه وبين واحده بالتاء: شَجَر، هذا ما نوعه؟ اسم جنس جمعي (شجرة) مفرد، صَغِّر (شَجَر) على القاعدة السابقة تقول: شُجَيْرة، إذاً هذا (شُجَيرة) هل هو تصغير (شَجَر) أو (شجرة)؟ التبس.

إذاً: في مثل هذا لا تلحقه التاء، فتقول: شُجَيْرٌ، ولا تقول: شُجَيْرَة؛ لأنَّ القاعدة: أنَّك تُلْحِق الثُّلاثي إذا كان مُؤنَّثاً عارٍ من تاء التأنيث أن تحلقه بتاءٍ بعد التَّصْغِير، فالأصل في (شَجَر) أنَّه داخل في القاعدة السابقة:(مُؤنَّثٍ عَارٍ ثُلَاثِيٍّ)، والأصل: أنَّك تختمه بالتاء فتقول: شُجَيْرَةٌ، لكن لَمَّا صغَّرته وألحقته وختمته بالتاء التبس بالمفرد حينئذٍ وجب تجريده.

إذاً: اسم الجنس الجمعي كله الذي يُفَرَّق بينه وبين واحده بالتاء إذا صغَّرته لا تُلْحِقه التاء، فـ: بقرة .. بَقَر، لا تقول: بُقَيْرَة، لأنَّه يلتبس بالمفرد، ولذلك قال:(كَشَجَرٍ وَبَقَرٍ) في لغة من أنَّثهما.

(مَا لَمْ يَكُنْ) هذا استثنى من الضَّابط السابق نوعين لا تلحقهما التاء:

النوع الأول: أشار إليه بقوله: (مَا لَمْ يَكُنْ) هو .. اسم يكن ضمير مستتر يعود إلى المؤنَّث العاري الثُّلاثي، (مَا لَمْ يَكُنْ بِالتَّا) قصره للضرورة، (يُرَى) هو المؤنَّث (ذَا لَبْسِ)، (يُرَى) هذا مُغيَّر الصيغة، والمفعول الأول هو نائب الفاعل، و (ذَا) هذا مفعولٌ ثاني لـ:(يُرَى) وهو مضاف، و (لَبْسِ) مضافٌ إليه، (ذَا) هذا منصوبٌ بالألف.

إذاً: مُدَّة عدم كونه يُرى ذا لبسٍ إذا خُتِم بالتاء كـ: شَجَرٍ وبقرٍ، مَثَّل هنا باسم الجنس، فـ (التَّا) لا تَلَحق في التَّصْغِير اسم الجنس الذي يَتميَّز من واحده بحذف التاء.

(وَخَمْسِ) هذا أسماء العدد، إذا قلت: خُمَيْسَةٌُ، معلوم أنَّ خمسة بالتاء يكون للمُذكَّر أو المُؤنَّث؟ يكون للمُذكَّر، لأنَّه عكس، وإذا كان: خَمْس، يكون للمُؤنَّث، حينئذٍ إذا قلت: خَمْسٌ .. عندي خُمَيْسٌ .. خُمَيْسَةٌ، التبس المُؤنَّث بالمُذكَّر، لأنَّ المتَّصل بالتاء مُذكَّر: خمسةٌ .. عشرةٌ .. ثلاثةٌ، فإذا صَغَّرت ما كان خالياً من التاء وألحقته بالتاء حينئذٍ هذا يوقع في لبسٍ.

(وَخَمْسِ) ولا تلحق أيضاً: عَشْراً ولا: ثلاثاً، وما بينهما من أسماء العدد، فتقول في تَصْغِيره: عُشَيْرٌ، وَتُسَيْعٌ، وَخُمَيْسٌ، ولا تلحق ما ذُكِر التاء، لئلا يلتبس بتصغير: عشرة، وتسعة، وخمسة، ومثله: بِضْعٌ، وَعَشْرٌ، فيقال فيهما: بُضَيْع وَعُشَيْر، ولا يقال: بُضَيْعَةٌ وَعُشَيْرَةٌ، لئلا يلتبس بعددٍ مُذكَّر.

إذاً: ما كان خالياً من التاء من الثلاثة إلى العشرة إذا صَغَّرته، وإن كان مؤنَّثاً من حيث المسمَّى، لا تلحقه التاء، لأنَّه يلتبس بالمُذكَّر الذي تتصل به التاء.

إذاً: (مَا لَمْ يَكُنْ)(مَا) هذه مصدرية ظرفية، و (لَمْ) حرف نفي وجزم وقلب، (يَكُنْ) فعل مضارع مجزوم بـ:(لَمْ) وهو ناسخ، واسمها ضمير مُستتر، (بِالتَّا) مُتعلِّق بـ:(يَكُنْ)، وهذا مبني على ماذا؟ الجمهور على أنَّه لا يُمكن أن يكون متعلِّق بـ:(يَكُنْ) .. ممنوع، والصحيح: أنَّه يَتعلَّق بـ: (يَكُنْ)، لماذا؟

ص: 21

(بِالتَّا) نقول: مُتعلِّق بـ: (يَكُنْ) على الصحيح، هذا بناءً على أنَّ:(كان) وما اشْتُقَّ منها هل تدلُّ على حدثٍ أو لا؟ قلنا: ينبني على هذا الخلاف إذا قلنا: لا تدلُّ على حدثٍ، لا يمكن أنت تُعلِّق بها لا جار ومجرور، ولا ظرف، ولا إلى آخره.

وإذا قلنا: لا .. مُتَضَمِّنة للحدث حينئذٍ نقول: الجار والمجرور يَتعلَّق بها، وكذلك الظرف، والصواب أنَّها دالَّةٌ على حدثٍ، وأنَّ قوله:(بِالتَّا) مُتعلِّقٌ بها، من يمنع نقول: لا .. لا بُدَّ أنَّه يجعل له مخرج.

مَا لَمْ يَكُنْ بِالتَّا يُرَى ذَا لَبْسِ ..

جملة: (يُرَى ذَا لَبْسِ) في محل نصب خبر (يَكُنْ)، (كَشَجَرٍ): وذلك كـ: شجَرٍ، (وَبَقَرٍ) في لغة من أنَّثه، (وَخَمْسِ).

(وَشَذَّ تَرْكٌ دُونَ لَبْسٍ) كل قاعدة لها شذوذ، (وَشَذَّ تَرْكٌ) ترك ماذا؟ ترك التَّاء، فالتنوين عِوَض عن المضاف إليه، (تَرْكٌ): ترك التاء، عِوَض عن المضاف إليه، (وَشَذَّ تَرْكٌ دُونَ) هذا حال، (لَبْسٍ) .. (دُونَ) مضاف، و (لَبْسِ) مضاف إليه، في ألفاظٍ مخصوصة لا يقاس عليها، يعني: سُمِعت ألفاظ ثُلاثية صُغِّرت، والواجب أن تلحقها تاء التأنيث ولكن لم تُؤَنَّث، هذه ألفاظ معدودة تُحْفَظ ولا يقاس عليها، ذكر منها: ذَوْد، وَحَرْب، وَقَوْس، وَنَعْل، وَشَوْل، وَنَاب، وَفَرَس، وَدِرْع، وَعِرْس، وَضُحَى، وَعَرَبْ أو عُرْب، وَنَصَفْ، هذه ألفاظ يُقال: نُصَيْف، والأصل: نُصَيْفَةٌ بالتاء، لكن ما وُضِعت التاء، هذا شاذ يُحْفَظ ولا يقاس عليه (شَوْل): شُوَيْلَةٌ، لكنَّهم ما قالوا: شُوَيْلَة، قالوا: شُوَيْل، بدون تاء.

إذاً: (وَشَذَّ) هذا فعل ماضي، (تَرْكٌ) يعني: ترك التاء (دُونَ لَبْسٍ)، وأمَّا إذا أوقع في اللبس وَحُذِفت التاء لم يؤنَّث الثُّلاثي إذا صُغِّر، فهذا قياس وليس بشاذ، وأمَّا إذا كان ثلاثياً عارياً من التاء وهو مؤنَّث فالواجب أن تلحقه تاء: هند .. هُنَيْدَةٌ، حُبْلَى .. حُبَيْلَةٌ، هذا الواجب، فإذا لم تتصل به التاء قلنا: هذا شاذٌّ إلا إذا أوقع في لبسٍ فهو قياس الذي هو: حذف التاء.

. . . . . . . . . . . . . . . وَنَدَرْ

لَحَاقُ تَا فِيمَا ثُلَاثِيّاً كَثَرْ

(كَثَرْ) بفتح الثَّاء بمعنى: فاق، ليس: كَثُرْ، ما مراده بهذا الشطر؟ غير الثُّلاثي، لأنَّه قيَّد الحكم في السابق بأنَّه بالثُّلاثي، (مُؤنَّثٍ عَارٍ ثُلَاثيٍّ) إذاً القياس: أن يكون التأنيث بالتاء بعد التَّصْغِير للعاري من التاء الثُّلاثي، وأمَّا الرباعي وما زاد فهو نادر، يعني: يُحْفَظ ولا يقاس عليه إذا جعلنا النادر هنا بمعنى الشَّاذ.

(وَنَدَرْ) لحاق التاء في تصغير ما زاد على ثلاثةٍ كقولهم في (وراء): وُرَيْئَةٌ، (وراء) هذا على أربعة حُرُوف، صُغِّر على: وُرَيْئَةٌ، ألحقته التاء وهذا شاذٌّ .. قليل وهو بالهمزة، و (أمام): أُمَيْمَةٌ، و (قُدَّام): قُدَيْـ .. دِيْمَةٌ، هذا كله شاذ يُحْفَظ ولا يقاس عليه، يعني: اتصال التاء بعد التَّصْغِير بغير الثُّلاثي، النَّاظم هنا عَبَّر عنه بأنَّه نادر.

ص: 22

(وَنَدَرْ) فعلٌ ماضي، و (لَحَاقُ) هذا فاعل وهو مضاف، و (تَا) مضافٌ إليه، (فِيمَا) مُتعلِّق بـ:(نَدَرْ)، يعني: في الذي كَثَر (ثُلَاثِيّاً) ثُلَاثِيّاً هذا مفعول مُقدَّم لقوله: (كَثَرْ)، و (كَثَرْ) بمعنى: فاق.

قال الشَّارح: إذا صُغِّر الثُّلاثي المؤنَّث الخالي من علامة التأنيث لحقته التاء عند أمن اللبس، وَشَذَّ حذفها حينئذٍ (وَشَذَّ تَرْكٌ دُونَ لَبْسٍ) فتقول في (سِنّ): سُنَيْنَةٌ، وفي (دَارٍ): دُوَيْرَةٌ، وفي (يَدٍ): يُدَيَّةٌ، فإن خيف اللبس لم تلحقه التاء" هذه قاعدة عامة في باب النحو كله.

فتقول في (شَجَر) و (بَقَر) و (خَمْس): شُجَيْرٌ، وَبُقَيْرٌ، وَخُمَيْسٌ بلا تاءٍ، إذ لو قلت: شُجَيْرَةٌ وَبُقَيْرَةٌ وَخُمَيْسَةٌ، لالتبس بتصغير: شجرة وبقرة وخمسة، المعدود به مُذَكَّر.

ومِما شَذَّ فيه الحذف عند أمن اللبس قولهم في: (ذَوْدٍ) و (حَرْبٍ) و (قَوْسٍ) و (نَعْلٍ): ذُوَيْد دون تاء، والأصل: ذُوَيْدةٌ، و (حُرَيْب) والأصل: حُرَيْبَةٌ، و (قُوَيْس) والأصل: قُوَيْسَةٌ، و (نُعَيْل) والأصل: نُعَيْلَةٌ، وزيد عليه: شَوْل، وَنَاب، وَفَرَس، وَدِرْع، وَعِرْس، وَضُحَى، وَعَرَب أو عُرْبْ .. بالوجهين، وَنَصَفْ بفتحتين، كلها ألفاظ محفوظة تحفظ ولا يُقاس عليها.

(وَشَذَّ تَرْكٌ دُونَ لَبْسٍ) وَشَذَّ أيضاً لحاق التاء، انظر! عبَّر ابن عقيل بالشذوذ .. هذا هو الظَّاهر، (وَنَدَرْ لَحَاقُ) نادر؛ لأنَّ التعبير بالندور اخْتُلِف فيه هل هو شاذٌّ أم لا .. هل يقاس عليه أم لا؟ عندهم خلاف في هذا، لكن الظَّاهر أنَّه شاذ .. يُعَبَّر بالشذوذ هنا، (وَنَدَرْ لَحَاقُ تَا) قصره للضرورة، (فِيمَا) في الذي كَثَر ثُلاثياً، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، وشذ أيضاً لحاق التاء فيما زاد على ثلاثة أحرفٍ كقولهم في (قُدَّام): قُدَيْدِيمَة.

وَصَغَّرُوا شُذُوذاً الَّذِي الَّتِي

وَذَا مَعَ الفُرُوعِ مِنْهَا تَا وَتِي

يُشْتَرط: أن يكون الاسم المُصغَّر مُتمكِّناً، إذاً: الموصولات لا حظَّ لها من التَّصْغِير، لأنَّ التَّصْغِير نوعٌ من أنواع التَّصريف، والصَّرف كله إنَّما يُخَصُّ به الاسم المُتمكِّن، وأمَّا الحرف وشبه الحرف وهو المبني فلا حظَّ له في التَّصريف. ء

التَّصْغِير من جملة التَّصريف فحقُّه ألا يدخل غير المُتمكِّن من الأسماء، ولكن هنا قال:(وَصَغَّرُوا) أي: العرب لا النُّحاة، لأنَّ النُّحاة لو صَغَّروا لخالفوا قواعدهم، أو الصرفيين لو صَغَّروا لخالفوا قواعدهم، فلا يتأتَّى منهم أن يُصَغِّروا، ولذلك لم يقيسوا ما لم يُسْمَع على ما سُمِع، ما لم يُسْمَع من الموصولات أو أسماء الإشارة لم يقيسوه، لأنَّه مُخالف لقواعدهم.

إذاً: (وَصَغَّرُوا) أي: العرب .. سُمِع، (شُذُوذاً) هذا حال من فاعل (صَغَّرُوا)، (شُذُوذاً) يعني: خروجاً عن قواعدهم العامة، صَغَّروا ماذا؟ (صَغَّرُوا الَّذِي وَالَّتِي) هذان من الموصولات، (وَذَا) اسم إشارة، (مَعَ الفُرُوعِ مِنْهَا) يعني: من أسماء الإشارة، (تَا وَتِي) الفروع منها .. من أسماء الإشارة و (الَّذِي) و (الَّتِي)، و (تَا وَتِي).

ص: 23

(وَصَغَّرُوا شُذُوذاً الَّذِي) هذا مفعول به، (الَّتِي) معطوفٌ عليه، (وَذَا) معطوفٌ عليه، (مَعَ) هذا حالٌ من (ذَا)، وهو مضاف، و (الفُرُوعِ) مضافٌ إليه، (مِنْهَا) هذا خبر، (تَا وَتِي) .. (تَا) هذا مبتدأ، (مِنْهَا) يعني: مِمَّا سبق، خبر مُقدَّم، (وَتِي) معطوفٌ على (تَا).

هذا البيت أُورِد عليه ثلاثة اعتراضات، اعترضه المُرادِي من ثلاثة أوجه:

- أولاً: أنَّه لم يُبَيِّن الكيفية، مع إيقاع الوهم بأنَّهم صَغَّروا على الوجه المعهود سابقاً، لأنَّه قال:(صَغَّرُوا) والتَّصْغِير إنمَّا يكون على (فُعَيْل) و (فُعَيْعِل) و (فُعَيْعِيل)، أوهم بأنَّهم صغَّروا (الَّذِي) على (فُعَيْل) أو (فُعَيْعِل) أو (فُعَيْعِيل).

(وَصَغَّرُوا) يعني: العرب، (شُذُوذاً الَّذِي الَّتِي)، (شُذُوذاً) هنا مُتعلِّق لا بصفة التَّصْغِير، وإنَّما بكونه قابل للتصغير أو لا، هكذا حمله المُرادِي، إذاً:(وَصَغَّرُوا شُذُوذاً الَّذِي) ظاهره أنَّهم صَغَّروا على (فُعَيْل) أو (فُعَيْعِل) أو (فُعَيْعِيل)، إذاً: لم يُبيِّن الكيفية، بل ظاهره يُوهِم أن تصغيرها كتصغير المُتمكِّن، هذا اعتراض، ويمكن الجواب عليه والله أعلم أن يُقال:(شُذُوذاً) هذا عام، أطلقه النَّاظم، فيدخل فيه الاسم من حيث الإقدام، ومن حيث الكيفية، هذا الكلام أورده المكودي كذلك وقال:" هو مُسَلَّم " لكن الاعتراض الأول يمكن الجواب عليه.

- الاعتراض الثاني: أنَّ قوله (مَعَ الفُرُوعِ) ليس على عمومه، لأنَّهم لم يُصَغِّروا جميع الفروع، وهذا يمكن الجواب، لأنَّ ما نقل مما اخْتُلِف فيه لا يكاد أن يخرج عنه فرع إلا موضعين فقط: وهو أنه لا يُصَغَّر (ذِي) اتفاقاً .. (ذِي) فقط للإلباس، ولا (تِي) للاستغناء بتصغير (تَا) خلافاً للنَّاظم .. هنا ذَكَره، يعني: جملة ما ذكرُوه من الفروع قابل للتَّصغير، يعني: ما من لفظٍ إلا ونقل أحد العرب، أو أحد النُّحاة، أو الصرفيين قولاً فيه.

حينئذٍ قوله: (مَعَ الفُرُوعِ) يكون من باب إطلاق الكل مُراداً به البعض، يعني: لو خرج منه لفظة أو لفظتان من ثنتي عشر لفظة الأمر فيه سهل، إذاً:(مَعَ الفُرُوعِ) لم يقصد النَّاظم كُلَّ فرعٍ بعينه، وإنَّما أراد به في الجملة، إذاً: أجبنا عن الثاني.

- الثالث قوله: (تَا وَتِي) يُوهِم أنَّ (تِي) تُصَغَّر كما تُصَغَّر (تَا)، وهذا قد نَصَّ بعضهم على أنَّه بالإجماع لا يُصَغَّر، هذا محل إشكال، (تَا) هذا لا إشكال أنَّه يُصَغَّر، أمَّا (تِي) هذا محل إشكال.

إذاً: الأول والثاني أُجِيب عنه، والثالث محل نظرٍ، ولا (تِي) .. ولذلك قال ابن هشام في (التَّوْضِيح):" ولا يُصَغَّر (ذي) اتفاقاً للإلباس، ولا (تِي) للاستغناء بتصغير (تا) خلافاً للنَّاظم ".

وَصَغَّرُوا شُذُوذاً الَّذِي الَّتِي

وَذَا مَعَ الفُرُوعِ مِنْهَا تَا وَتِي

ص: 24

إذاً القاعدة: أنَّ المبني لا يُصَغَّر، ولَمَّا كان في (ذا) و (الَّذي) وفروعهما شبهٌ بالأسماء المُتمكِّنة، أشبهت هذه الألفاظ الأسماء المُتمكِّنة، بكونها تُوصَف وَيُوصَف بها اسْتُبِيح تصغيرها، يعني: أرادوا التماس عِلَّة .. لماذا صُغِّرت؟ قالوا: هذه أشبهت الأسماء المتمكِّنة، في أي شيء؟ قالوا: الأسماء المتمكِّنة يُوصف وَتُوصف، يُوصف بها يعني: تقع نعتاً لغيرها، وهي تُنْعَت أيضاً، ومثلها (الَّذي) و (الَّتي) وما عُطِف عليه، فأشبهت الأسماء المُتمكِّنة فَاستُبِيح - الأصل: المنع - فَاسْتُبِيح تصغيرها، لكن على وجهٍ خُولِف به تصغير المُتمكِّن، يعني: لم يأتوا بها على وزن (فُعَيْل) و (فُعَيْعِل) بضمِّ الأول وفتح الثاني وزيادة ياء التَّصْغِير لا .. خُولِف.

لكن على وجهٍ خُولِف به تصغير المُتمكِّن فَتُرِك أولها على ما كان عليه قبل التَّصْغِير، هذه مُخالفة أولى، في باب التَّصْغِير الاسم المُتَمكِّن يُضَمَّ أوله، هنا قيل:(ذَيَّ) الذال مفتوحة، والأصل: أنَّها تُضَم .. خالف .. هذه واحدة.

إذاً: تُرِك أولها على ما كان عليه قبل التَّصْغِير، وَعُوِّض من ضمَّه ألف مزيدة في الآخر .. هذا مخالفة، ووافقت المُتمكِّن في زيادة ياء ساكنة ثالثة بعد فتحةٍ، فقيل في (الَّذِي) و (الَّتي):(الَّذَيَّ) و (الَّتَيَّ) وفي تَثْنِيَتِهما: (الَّذَيَان) و (الَّتَيَّان)، وأمَّا الجمع فقال سيبويه في جمع (الَّذي):(الَّذِيُّون) بالواو، رفعاً، وضمَّةٍ قبل الواو، (والَّذِيِّين) هذا جرًا ونصباً بالكسر قبل الياء، وفي جمع (الَّتَي) هذه تُجْمَع على ماذا؟ (الَّتَيَّات).

إذاً: على هذا إذا جُمِع (الَّذي) و (الَّتي) إلى آخره، ما بقي شيء من الفروع، لذلك قال:(مَعَ الفُرُوعِ) يعني: في الجملة.

(وَصَغَّرُوا شُذُوذاً الَّذِي)(الَّذَيَّ) .. (الَّتي)(الَّتَيَّ)، ولذلك قال الشَّاعر:

بَعْدَ الَّتَيَّا والَّتَيَّا وَاَلَّتِي

إِذَا عَلَتْهَا أَنْفُسٌ تَرَدَّتِ

وقال كذلك:

أَنِّي أَبُو ذَيَّالِكِ الْصَّبِيِّ.

(ذَيَّالِكِ) صَغَّره، ولم يذكر سيبويه من الموصولات التي صُغِّرت غير (الَّذَيَّ) و (الَّتَيَّ) وتثنيتهما وجمعهما فقط، (الَّذي) و (الَّتي) للمفرد، وتثنيتهما وجمعهما، هذا في الجملة.

وصغَّروا من أسماء الإشارة: (ذَا) و (تَا) فقالوا: (ذَيَّ) و (تَيَّ)، وفي التَّثنية:(ذَيَّانْ) و (تَيَّان)، وفي (أُلَى) بالقصر:(أُلَيَّ)، وفي (أُلاء) بالمدِّ:(أُلَيَّاء) ولم يُصَغِّروا منها غير ذلك، إذاً مراد النَّاظم: أنَّه في الجملة، ولا يُصَغَّر (ذِي) اتفاقاً للإلباس، ولا (تِي) لاستغنائه بتصغير (تا) خلافاً للنَّاظم.

إذاً: الأصل: ألا ندخل في بحث كيفية التَّصْغِير، لأنَّها ما دام أنَّها شاذَّة من حيث الإقدام ومن حيث الصِّفة، حينئذٍ لا نحتاج أن نقول: زادوا إلى آخره، وإنَّما تُنْطَق كما هي فيقال: هذه تُحْفَظ ولا يقاس عليها، وَيُحْكَم عليها بكونها مُصَغَّرة من كذا وكذا إلى آخره.

وَصَغَّرُوا شُذُوذاً الَّذِي الَّتي

وَذَا مَعَ الفُرُوعِ مِنْهَا تَا وَتِي

ص: 25

التَّصْغِير من خواصِّ الأسماء المتمكِّنة، فلا تُصَغَّر المبْنِيَّات، الأصل هذا: أنَّه لا يُصَغَّر إلا الاسم المُتمكِّن كما ذكرناه سابقاً، لكن صَغَّروا من غير المُتمكِّن أربعة أشياء، يعني: لم يُصَغَّر من غير المُتمكِّن إلا أربعة أشياء:

- أولاً: اسم الإشارة، على التفصيل الذي ذكرناه.

- ثانياً: الاسم الموصول، على التفصيل السابق.

- ثالثاً: (أَفْعَل) في التَّعجُّب: ما أُحَيْسِنَه، وهذا جَوَّزه الكوفيون، والبصريون على المنع وهو الصواب.

- رابعاً: المركَّب المزجي كـ: (بَعْلَبَكَّ) و (سيبويه) في لغة من بناها، أمَّا من أعربها لا إشكال، وتصغيرها تصغير مُتمكِّن: ما أُحَيْسِنَه، وبُعَيْلَبَكَّ، وسيبويه:(سُوَيْبَيْه) هذا الأصل.

إذاً: التصغير من خواص الأسماء المُتمكِّنة.

قال الشَّارح: فلا تُصَغَّر المبنيات، وَشَذَّ تصغير (الَّذي) وفروعه، و (ذَا) وفروعه، قالوا في (الَّذي): الَّذَيَّ، وفي (الَّتي): الَّتَيَّ، وفي (ذَا) و (تَا): ذَيَّا وَتَيَّا".

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين

!!!

ص: 26