الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* النسب إلى محذوف اللام
* النسب إلى ثنائي الوضع
* النسب إلى محذوف الفاء
* النسب إلى الجمع وشروطه
* بعض الصيغالتي تغني عن ياء النسب
* الاسم المنسوب المخالف للقواعد.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
وقفنا عند قول النَّاظم - رحمه الله تعالى -:
وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ مَا مِنْهُ حُذِفْ
…
جَوَازاً انْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ أُلِفْ
فِي جَمْعَيِ التَّصْحِيحِ أَوْ فِيْ التَّثْنِيَهْ
…
وَحَقُّ مَجْبُورٍ بِهَذِي تَوْفِيَهْ
وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ مَا حُذِفْ مِنْهُ
…
جَوَازاً. . . . . . . . . .
بشرط:
. . . . . . . . . . . . . . . . .
…
. . . . إِنْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ أُلِفْ
فِي جَمْعَيِ التَّصْحِيحِ أَوْ فِيْ التَّثْنِيَهْ
…
. . . . . . . . . . . . . . . . .
هذا شُروعٌ من النَّاظم فيما إذا نُسِب إلى الثلاثي المحذوف منه شيء، إذا نُسِب الثلاثي المحذوف منه شيء فلا يخلو: إمَّا أن يكون المحذوف الفاء، أو العين، أو اللام .. الثلاثي الذي حذف منه حرفٌ إمَّا أن يكون المحذوف: فاءً أو عيناً أو لاماً، إذا حُذِف منه الفاء سينص عليه النَّاظم رحمه الله تعالى، وأمَّا هذا البيت فقد عَنَى ما حُذِف منه اللام، فإن كان المحذوف الفاء أو العين فسيأتي، وإن كان المحذوف اللام فهو الذي نَصَّ عليه.
إذاً: الحديث الآن فيما إذا أردنا أن ننسب إلى ثلاثي محذوف اللام مثل: أب وأخ، (أخ) هذا ثلاثي حُذِف منه اللام وهو الواو: أَخَوٌ، هذا الأصل، أب .. ابن .. يد، هذه ثلاثية حُذِفت منها اللامات، حينئذٍ كيف ننسب إليه .. هل نرد ذلك المحذوف أو لا؟ فيه تفصيل، قد يجب وقد يجوز.
وإن كان المحذوف اللام، فحينئذٍ ذلك المحذوف إمَّا أن يُجْبَر في تثنيةٍ، أو جمع تصحيحٍ، أو لا يعني: إمَّا أن يرجع عند التَّثنية والجمع أو لا، إذا ثنَّينا رجع .. إذا جمعنا جمع تصحيح رجع، حينئذٍ فيه تفصيل: إمَّا أن يُجْبَر أو لا، فإن جُبِر كما في: أبٍ وأخٍ، فإنَّهما يُجْبَران في التَّثنية وكـ: عظة وسنة، فإنَّهما يُجْبَران في الجمع بالألف والتاء وجب جبره في النَّسب.
إذاً: العِبْرة هنا بردِّ اللام في التَّثنية وجمع التصحيح: إن كانت هذه اللام إذا ثنَّيت الكلمة رجعت اللام، حينئذٍ إذا نسبت إليه وجب ردُّ اللام، هذا ما يُسَمَّى بالجبر، (وَاجْبُرْ) يعني: رُدَّ اللام، ثلاثة حروف حُذِف منها اللام، حينئذٍ إذا ثُنِّي رجع، وإذا جمع رجع، حينئذٍ تجبره في النَّسب فتردَّه كما رُدَّ في التَّثنية والجمع.
إذاً: العبرة هنا في النَّظر بالتَّثنية والجمع، فإن رُدَّ في التَّثنية والجمع رُدَّ في النَّسب، فإن جُبِر كما في (أبٍ) و (أخٍ) فإنَّهما يُجْبَران في التَّثنية، و (عظة) و (سنة) فإنَّهما يُجْبران في الجمع بالألف والتاء، وجب جبره في النَّسب فتقول: أَبَوِيٌّ، رجعت اللام أصله: أَبٌ .. أَبَوٌ، حُذِفت اللام اعتباطاً، حينئذٍ هذه اللام هل ترجع أو لا؟ ننظر في التَّثنية تقول: أبوان وأخوان، إذاً: رجعت الواو، ما دام أنَّها رجعت في التَّثنية حينئذٍ تردُّها في النَّسب فتقول: أَبَوِيٌّ .. أَخَوِيٌّ، بِردِّها وجوباً لا جوازاً، يعني: لا يصح أن يقال: أَبِيٌّ وَأَخِيٌّ، بدون الرَّدِّ بل يجب الرَّد.
فتقول: (أَبَوِيٌّ) و (أَخَوِيٌّ) و (عِظَوِيٌّ) أو (عِظَهِيٌّ) على الخلاف في المحذوف هل هو واوٌ أم هاء؟ و (سَنَوِيٌّ) أو (سَنَهِيٌّ) على الخلاف في المحذوف هل هو واوٌ أم هاء؟ على الخلاف في المحذوف، لأنَّك تقول: أبوان وأخوان، في التَّثنية، و (عظوات) و (سنوات) أو (عظهات) و (سنهات) على الوجهين، إذا جمعت (عظة) بألفٍ وتاء قلت: عظوات أو عظهات، (عظوات) رجعت الواو .. (عظهات) رجعت الهاء على القول بأنَّ المحذوف هو الهاء.
كذلك (سنة) قلنا: باب (سنة) مِمَّا حُذِفت لامه وَعُوِّض عنه التاء .. ثلاثي حُذِفت لامُه وعُوِّض عنه التاء، (سنة) أصله: سَنَوٌ أو سَنَهٌ على خلاف، إذا جمعت تقول: سنوات أو سنهات، إذاً: رجعت اللام في جمعٍ بألفٍ وتاء، حينئذٍ تقول: سَنَوِيٌّ أو سَنَهِيٌّ، (سَنَويٌّ) الواو هذه رجعت، ما حكم رجوعها؟ واجب، لأنَّك تجمعها فتقول: سنوات، فالعبرة حينئذٍ بالجمع.
وإن لم يُجْبَر في التَّثنية والجمع يعني: لم ترجع اللام، وإن لم يُجْبَر لم يجب جبره في النَّسب بل يجوز فيه الأمران، إذاً: الجبر جائزٌ وواجب، (وَاجْبُرْ جَوَازاً) احترازاً من الواجب، وسيأتي:(وَحَقُّ مَجْبُورٍ) المراد به: الواجب.
إذاً: جبر المنسوب إليه بِردِّ اللام على نوعين: منه ما هو واجب، ومنه ما هو جائز، متى يجب؟ إن رُدَّت في التَّثنية والجمع، متى لا يجب؟ إن لم تُرَد في التَّثنية والجمع، إذاً: العبرة بذلك في النظر في التَّثنية والجمع.
وإن لم يُجْبَر لم يجب جبره في النَّسب بل يجوز فيه الأمران نحو: حِرٍ، حذف منه الحاء (حِرِحٌ) هذا الأصل، و (غَدٍ) حُذِف منه الواو (غَدَوٌ) و (شَفَةٌ) و (ثُبَةٌ)، فتقول فيها: حِرِيٌّ، بعدم إرجاع اللام، أصلها (حِرِحٌ)، لو رجعت اللام قلت: حِرِحِيٌّ، بإرجاع اللام، لكن لَمَّا هذه لم ترجع في التَّثنية والجمع، حينئذٍ بقيت على الأصل بجواز الأمرين.
فتقول: حِرِيٌّ وَغَدِيٌّ وَشَفِيٌّ وَثُبِيٌّ بالحذف .. تحذف اللام فلا تردّها.
وتقول (حِرِحِيٌّ) بِردِّ اللام، و (غَدَوِيٌّ) و (شَفَهِيٌّ) و (ثُبَوِيٌّ) بإرجاع اللام .. بالجَبْر .. بردِّ المحذوف، وهو من (حِرٍ) الحاء، أصله (حِرِحٌ) وهو الفرج، ومن (غَدٍ) الواو، ومن (شَفَةٍ) الهاء، ومن (ثُبَةٍ) الياء، لكن تُقْلَب الياء واواً.
إذاً: إن لم تُجْبَر اللام وترجع في التَّثنية والجمع فأنْتَ مُخيَّر بين الأمرين: إمَّا الرَّد، وإمَّا الحذف، فتقول: غَدِيٌّ وَغَدَوِيٌّ .. بالوجهين، لماذا؟ لأنَّك تقول: غدان، تثنية (غَدَا).
وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ مَا مِنْهُ حُذِفْ
…
جَوَازاً. . . . . . . . . . . .
(وَاجْبُرْ) هذا فعل أمر مبني على السكون، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنت، (وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ) (بِرَدِّ الَّلامِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله:(اجْبُرْ)، (بِرَدِّ) هذا مصدر مضاف إلى المفعول. ز (بِرَدِّك الَّلامِ) فهو من إضافة المصدر إلى مفعوله، (الَّلامِ) مفعولٌ، والفاعل أنت، (بِرَدِّ) مضاف، و (الَّلامِ) مضافٌ إليه، وهنا الإضافة من إضافة المصدر إلى مفعوله.
(وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، مفعولٌ به، (اجْبُرْ مَا حُذِفَ مِنْه) (مِنْهُ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله:(حُذِفْ)، و (حُذِفْ) هذا فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، وضميره يعود إلى (مَا)، و (مِنْهُ) الجار والمجرور مُتعلِّق بقوله:(حُذِفْ)، والجملة من الفعل ونائبه صلة الموصول لا مَحلَّ لها من الإعراب.
(جَوَازاً) بالنصب هذا صفة لموصوفٍ محذوف بتقدير مضاف، اجْبُرْ جبراً ذا جوازٍ، (اجْبُرْ) الذي نطق به (اجْبُرْ جَوَازاً) .. اجْبُرْ جبراً ذَا جَوَازاً، فحُذِف الموصوف وهو جبراً، ثُمَّ حُذِف المضاف ذا جوازٍ .. (ذَا) صاحب، وَأُقِيم المضاف إليه مقامه فانتصب انتصابه، فقيل: جوازاً.
وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ مَا مِنْهُ حُذِفْ ..
حينئذٍ قوله: (بِرَدِّ الَّلامِ) هذا على نوعين: إمَّا جائز الجبر، وإمَّا واجب الجبر، وقد أشار إلى الأول الجائز بهذا البيت، وإلى الوجه الثاني بقوله:(وَحَقُّ مَجْبُورٍ) إلى آخره.
(إِنْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ أُلِفْ)(جَوَازاً انْ) بحذف الهمزة، (جَوَازاً انْ لَمْ)(إِنْ) هذا حرف شرط، و (لَمْ يَكُ) هذا فعل مضارع ناقص مجزومٌ بـ (لَمْ)، وجزمه السكون الظَّاهر على النون المحذوفة تخفيفاً:
وَمِنْ مُضَارِعٍ لِكَانَ مُنْجَزِمْ
…
تُحْذَفُ نُونٌ وَهُوَ حَذْفٌ مَا الْتُزِمْ
هنا النون حُذِفت تخفيفاً ليست للجازم (لَمْ)، وإنَّما حُذِفت تخفيفاً، حينئذٍ حُذِف معها السكون، فالسكون ظاهر، لو نطقت به:(لَمْ يَكُنْ رَدُّه) هذا الأصل، إذاً: نطقت به، ولكن حُذِفت النون تخفيفاً، حينئذٍ يكون السكون ظاهراً على النون المحذوفة تخفيفاً.
(انْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ)، (رَدُّهُ) اسم (يَكُ)، فالضمير في (رَدُّهُ) يعود إلى اللام، (رَدُّهُ) يعني: ردُّ اللام، (إن لم يَكُ ردُّ اللام أُلِفَ)، (أُلِفْ) فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر، أين مرجع الضَّمير؟ (أُلِفْ) ما هو الذي (أُلِفْ)؟ الردَّ (إِنْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ أُلِفْ) هذا مباشرة .. ما دام أنَّ الجملة خبر (كان) لا بُد يكون ضمير رابط بين الاسم والخبر، مباشرة لو التبس عليك ُطَبِّق القاعدة .. لو ما فهمت المعنى وأشكل عليك ..
(رَدُّهُ) هذا اسم (كَاَنَ)، (أُلِفَ) جملة، إذاً: هو الخبر، لا بُد أن يكون ثَمَّ ضمير رابط بين الجملة التي وقعت خبراً، وبين اسم (كَاَنَ)، فإذا أشكل عليك تقول مباشرة:(أُلِفَ) فيه ضمير يعود على المبتدأ .. اسم (كَاَنَ)، لماذا؟ لأنَّه ما يصح أن يكون (أُلِفْ) جملة خبر (يَكُن)، ثُمَّ لا يكون فيه ضمير رابط بين الاسم والخبر، فمباشرة إذا التبس عليك قل:(أُلِفَ) الضمير يعود إلى الاسم.
إذاً قوله: (أُلِفَ) فيه ضمير يعود إلى الرَّد، لأنَّه في الأصل: مبتدأ، و (أُلِفْ) هذه الجملة خبر، حينئذٍ الرابط هو الضمير الواقع نائب فاعل.
قوله: (فِي جَمْعَيِ التَّصْحِيحِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (أُلِفَ)، (أُلِفْ فِي جَمْعَيِ) هذا يُسَمى بـ: التضمين، (فِي جَمْعَيِ التَّصْحِيحِ)، (فِي جَمْعَيِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله:(أُلِفَ).
إذاً: (إِنْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ) مألوفاً يعني: معروفاً ومحفوظاً، (فِي جَمْعَيِ التَّصْحِيحِ) وهما: جمع المُذكَّر السَّالم، والجمع بألفٍ وتاء، يُسَمَّى: جمع تصحيح، (أَوْ فِيْ التَّثْنِيَهْ)(أَوْ) للتَّنويع، لأنَّه لا يُشْتَرط أن تعود في التَّثنية، وأن تعود في الجمع معاً لا، قد ترجع في التَّثنية ولا ترجع في الجمع والعكس، ولذلك (أَوْ) هنا للتَّنويع، (فِيْ التَّثْنِيَهْ) هذا معطوف على قوله:(فِي جَمْعَيِ التَّصْحِيحِ).
إذاً الحاصل أن قوله:
وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ مَا مِنْهُ حُذِفْ
…
جَوَازاً انْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ أُلِفْ
مألوفاً: (فِي جَمْعَيِ التَّصْحِيحِ أَوْ فِيْ التَّثْنِيَهْ)، فإن كان مألوفاً في جمعي التصحيح والتَّثنية وجب الرَّد، وإن لم يكن مألوفاً جاز الرَّدُّ، ولَمَّا كان قوله:(وَاجْبُرْ) فيه معنى الوجوب، رفعه بقوله:(جَوَازاً).
تبقى مسألة: وهو أنَّه أطلق هنا النَّاظم وهو مُقيَّدٌ بـ: ألا تكون العين مُعتلَّة، فإن كانت عينه مُعتلَّة وجب جبره، يعني قوله:(إِنْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ أُلِفَ) قد لا يُؤْلَف ردُّه فِي جَمعي التصْحِيحِ أو في التَّثنيهْ ثُمَّ يجب ردُّه، هذا استثناء من الجواز .. مِمَّا انصبَّ عليه حكم الجواز، بشرط:
وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ مَا حُذِفْ مِنْهُ
…
جَوَازاً انْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ أُلِفْ
فِي جَمْعَيِ التَّصْحِيحِ. . . . . . .
…
. . . . . . . . . . . . . . . . . .
زِدْ عليه شرط ثاني: ولم تكن عينه مُعتلَّة، إذاً: أطلقه النَّاظم وهو مُقيَّدٌ بـ: ألا تكون العين مُعتلَّة، فإن كانت عينه مُعتلَّة وجب جبره، يعني: بردِّ اللام، وإن لم يُجْبَر في التَّثنية وجمعي التصحيح وجب، لماذا؟ لكون عينه مُعتلَّة.
احترازاً من نحو: شاةٍ، و (ذِي) بمعنى: صاحب، إذا نسبت إلى (شاة)، وإذا نسبت إلى (ذِي) التي بمعنى: صاحب، فتقول في (شاةٍ): شَاهِيٌّ، كما تقول في (ذِي): ذَوَوِيٌّ كما سيأتي، (ذَوَوِيٌّ) محل وفاق، لأنَّ وزنه (فَعَل)، أمَّا: شَاهِيٌّ، بردِّ اللام وهي الهاء، لأنَّ (شاةٌ) أصلها: شَوَهٌ، وهي الهاء، لأنَّ الأصل:(شَوهةٌ) بإسكان الهاء، (شَوْهةٌ) (فَعْلَةٌ) بدليل: شياه .. تجمعه على: شياه.
(شَوهة) حُذِفت الهاء تخفيفاً وهي اللام .. (فَعْلَة)، حُذِفت الهاء تخفيفاً فَفُتِحت الواو كانت ساكنة صارت: شَوَ، ثُمَّ تحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها، فصارت: شاة، إذاً (شاةٌ) أصلها: شَوْهةٌ (فَعْلَةٌ)، أين اللام؟ الهاء حُذِفت تخفيفاً، وَفُتِح ما قبلها الواو .. كانت ساكنة فتحت صار: شَوَةٌ، تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فَقُلِبَت ألفاً فصارت: شاةً.
إذاً: حُذِفت الهاء تخفيفاً، وَفُتِحت الواو لأجل التَّاء، لأنَّه يقال: لماذا فتحت الواو أصله: شَوْهةٌ؟ نقول: التاء .. تاء التأنيث كما سبق ما قبلها لا يكون إلا مفتوحاً .. قاعدة مثل الألف، تاء التأنيث لا يناسبها ما قبلها إلا أن يكون مفتوحاً، حينئذٍ لا بُدَّ من تحريك الواو بالفتح فتقول: شَوَةٌ، ثُمَّ قُلِبت الواو ألفاً لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها، وعلى أصل الأخفش (شَوْهِيٌّ) بسكون الواو: شَوَهِيٌّ (شَاهِيٌّ) هذا الأصل، الآخفش يرى أنه:(شَوْهِيٌّ) بسكون الواو.
وفي (ذِي): ذَوَوِيٌّ اتفاقاً، أصله: ذُو (ذُو) على وزن (فَعَل) إذاً أصله: ذَوَوَ، إذا نسبت إليه هو (ذو) حُذِفت اللام اعتباطاً .. الواو الثانية، حينئذٍ تقول: ذَوَوِيٌّ (ذُو) على حرفين وهي اسمٌ، لا يمكن أن يكون على حرفين .. لا بُدَّ من محذوف مثل: أب وأخ على حرفين لا بُدَّ من محذوف، ما هو المحذوف هنا؟ المشهور أنَّه: واو، حينئذٍ أصله على وزن ماذا؟ (ذَوَ)(فَعَـ)، إذاً: الذال مفتوحة هي فاء الكلمة، والواو الثانية ساكنة في النطق لكنَّها في الأصل مفتوحة، لأنَّه لَمَّا حذف اللام سكنت، أصلها:(ذَوَ)(فَعَـ).
قلنا: اللام ترجع في النَّسب وردُّها حينئذٍ يكون على وزن (فَعَلَ)، ما تقول: ذَوِّيٌّ، لو سكَّنت الواو الأول قلت: ذَوِّيٌّ، بإرجاع اللام، وإدغام اللام الثانية التي هي عين الكلمة في اللام: ذَوِّيٌّ، لكن اتفاقاً قالوا: ذَوَوِيٌّ، بناءً على أن الأصل هو:(ذُو) على وزن (فَعَل).
وإنَّما ضُمَّت (ذُو) الذال لمناسبة الواو، إذاً الحاصل: نقول في (ذِي): ذَوَوِيٌّ اتفاقاً لا خلاف، وإنَّما الخلاف هناك مع الأخفش في: شَوْهِيٌّ، هل تُسَكَّن الواو أم لا؟ المشهور أنَّها تفتح: شَاهِيٌّ، وفي (ذِي): ذَوَوِيٌّ، اتفاقاً بردِّ اللام وفتح العين والفاء، لأنَّ أصلها: الفتح، يعني: الفاء والعين، لأنَّ وزن (ذُو)(فَعَلٌ) بحذف اللام اعتباطاً.
إذاً قوله:
وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ مَا حُذِفْ مِنْهُ جَوَازاً
ذكر شرطاً واحداً، وهو: إن لم يكن ذلك الجبر مألوفاً في جمعي التصحيح أو في التَّثنية، هذا شرط عدمي أو وجودي؟ (إِنْ لَمْ) هذا شرطٌ عدمي.
إذاً: تُجْبَر الكلمة بردِّ اللام:
. . . . . . . . . . . . . . .
…
. . . . إِنْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ أُلِفْ
فِي جَمْعَيِ التَّصْحِيحِ أَوْ فِيْ التَّثْنِيَهْ
…
. . . . . . . . . . . . . . . . . .
زِد عليه: ولم تكن العين مُعتلَّة، ولو لم تُجْبَر في التَّثنية والجمع .. لم تُرَد مثل: شاة نقول: شَاهِيٌّ، و (ذُو) ذَوَوِيٌّ، بردِّ اللام.
وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ مَا مِنْهُ حُذِفْ
…
جَوَازاً انْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ أُلِفْ
فِي جَمْعَيِ التَّصْحِيحِ. . . . .
…
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(جَمْعَيِ) ثنَّى وأراد به جمع التصحيح المُذكَّر، وجمع التصحيح المؤنَّث، لكن قيل: لا تظهر فائدةٌ لذكر جمع التصحيح المُذكَّر، ما جُمِع بألفٍ وتاء نعم، قد يرجع في التَّثنية ولا يرجع فيما جُمِع بألفٍ وتاء، وقد يرجع فيما جُمِع بألفٍ وتاء ولا يرجع في التَّثنية لا إشكال، لا بُدَّ من ذكر النَّوعين.
أمَّا جمع التصحيح قالوا: لا، لماذا؟ لإغناء ذِكْر التَّثنية عن ذكره، لأنَّ كُلَّ ما يُرَدُّ فيه يُرَدُّ فيها من غير عكسٍ، كـ: لام أبٍ وأخٍ، فإنَّها تُردُّ في التَّثنية دون الجمع، يعني: ردُّ اللام إذا رجع في التَّثنية لزم أن يرجع في جمع التصحيح من غير عكس، فصار الأعم: التَّثنية، لأنَّه ما يأتي ردٌّ في جمع التَّصحيح إلا وَرُدَّ في التَّثنية، وَقَد يُرَدُّ في التَّثنية ولا يُرَد في جمع المذكَّر السَّالم، إذاً: أيُّهما أعم؟ جمع التَّثنية أعمُّ من جمع التصحيح، إذاً: لماذا ذَكَره؟
لا فائدة من ذكره، إلا أن يُقال من باب تتميم الفائدة، بأنَّه يُرَدُّ في كذا وَيُرَدُّ في كذا، على كُلٍّ: اعْتُرِض عليه في هذا، قيل: لا تظهر فائدةٌ لذكر جمع التَّصحيح المُذكَّر لإغناء ذكر التَّثنية عن ذكره، لَمَّا ذكر:(أَوْ فِيْ التَّثْنِيَهْ) يكفي، لأنَّه إذا رُدَّ في التَّثنية رُدَّ في جمع التَّصحيح، لأنَّ كُلَّ ما يُرَدُّ فيه يُرَدُّ فيها من غير عكس، كُل ما رُدَّ في جمع التصحيح المُذكَّر رُدَّ في التَّثنية، وقد يُرَدُّ في التَّثنية ما لا يُرَدُّ في جمع التصحيح.
إذاً: لو اكتفى بالتَّثنية عن جمع التَّصحيح المُذكَّر لاختصر الكلام، فـ: أب وأخ، هذه تُرَدُّ في التَّثنية: أبوان وأخوان، ولا تُرَدُّ في الجمع، وأمَّا جمعه: أَخُون وأبون، قلنا: هذا شاذ يُحْفَظ ولا يُقاس عليه.
وَحَقُّ مَجْبُورٍ بِهَذِي تَوْفِيَهْ ..
(وَحَقُّ) مبتدأ وهو مضاف، و (مَجْبُورٍ) مضافٌ إليه، (بِهَذِي) توفيةٌ بهذي، (تَوْفِيَهْ) هذا خبر، و (بِهَذِي) مُتعلِّقٌ به، (وَحَقُّ مَجْبُورٍ) بردِّ لامه إليه بهذي المواضع الثلاثة، (بِهَذِي) يعني: فيها، الباء هنا بمعنى: في، ما هي المواضع الثلاثة؟
جمع المؤنَّث السَّالم .. بألفٍ وتاء، والمذكَّر، والتَّثنية.
التي ذكرها في الشَّطر الأول: (فِي جَمْعَيِ التَّصْحِيحِ) هذان أمران، (أَوْ فِيْ التَّثْنِيَهْ) هذا الأمر الثالث، (وَحَقُّ مَجْبُورٍ) يعني: بردِّ لامه إليه (بِهَذِي) المواضع الثلاثة أي: فيها، (تَوْفِيَةٌ) بِردِّها إليه في النَّسب إليه، يعني: تُوَفِّي الكلمة حقَّها وتكرمها إذا رددتها في النَّسب إلحاقاً بهذه المواضع الثلاثة، لأنَّ باب النَّسب كالتَّصغير والجمع يَرُد الأشياء إلى أصولها في الجملة، حينئذٍ لَمَّا رُدَّت في هذه المواضع الثلاثة من حقِّ الكلمة أن تُوفِّي إليها وتكرمها، أن تُعيد إليها هذا المحذوف في النَّسب.
وَحَقُّ مَجْبُورٍ بِهَذِي تَوْفِيَهْ ..
يعني: أنَّ ما جُبِر في التَّثنية وجمعي التصحيح جُبِر في النَّسب وجوباً، هذا تصريحٌ بالمفهوم السابق، لأنَّه نَصَّ على ذلك (إنْ لَمْ يَكُ جَوَازاً) جائزاً .. (وَاجْبُرْ جَوَازاً إنْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ أُلِفْ فِي جَمْعَيِ التَّصْحِيحِ) مفهومه: إن أُلِفَ رَدُّه في جمعي التصحيح أو في التَّثنية، فالحكم مُخالف لقوله:(جَوَازَاً) ولا يقابل جوازاً إلا الوجوب، صَرَّح بهذا المنطوق بقوله:(وَحَقُّ مَجْبُورٍ بِهَذِي) يعني: في .. الباء هنا بمعنى: في، و (هَذِي) اسم الإشارة هنا يعود إلى المواضع الثلاثة، أي: فيها.
ويَحتمل أن يكون (هَذِي) .. ـذِي: إشارة إلى اللام، أي: حقُّ المجبور بهذي اللام أي: بِردِّها إليه في المواضع المذكورة التَّوْفِية بِردِّها إليه في النَّسب، يَحتمل هذا ويحتمل ذاك.
وَحَقُّ مَجْبُورٍ بِهَذِي تَوْفِيَهْ ..
إذاً القاعدة العامَّة: أنَّه إذا نُسِب إلى الثلاثي المحذوف اللام جُبِر في النَّسب، (جُبِر) يعني: بردِّ لامه، وهذا الرَّد وهذا الجبر على نوعين:
- إمَّا أن يكون واجباً، وإمَّا أن يكون جائزاً.
وجوبه في مسألتين – هذا تلخيص -:
- أولاً: إن كان مُعتلَّ العين مُطلقاً، سواءٌ رُدَّت اللام في جمع التصحيح بنوعيه، أو في التَّثنية، أو لم تُرَد، مثل: شاة.
- الثاني: إذا رُدَّت اللام في المواضع الثلاثة، حينئذٍ وجب ردُّ اللام.
ما عدى هذين الموضعين أنت مُخَيَّر بين الرَّد وتركه، وإذا نُسِب إلى: يَدٍ وَدَمٍ.
جاز الوجهان عند من يقول: يدان ودمان، ووجب الرَّد عند من يقول يَدَيَان ودميان. (دَمْ وَيَدْ) هل يجب الرَّد أو لا يجب؟
فيه تفصيل: بعضهم إذا ثنَّى يقول: يدان .. دمان، من قال: يدان، جاز عنده الأمران، من يقول: يديان، وجب الرَّد، إذاً: هنا خلافٌ في اللغة، فمن ردَّ المحذوف .. اللام في: يَد وَدَم، عند التَّثنية حينئذٍ وجب عنده ردُّ اللام في النَّسب: يَدِيٌّ .. دَمِيٌّ، ثُمَّ قلبها في غيرها، وأمَّا من قال: يديان ودميان، حينئذٍ وجب الرَّد عنده، وأمَّا من قال: يدان ودمان، جاز الوجهان: دَمَوِيٌّ .. يَدِيٌّ، وغير ذلك.
وإذا نُسِب إلى ما حُذِفت لامه وَعُوِّض منها همزة الوصل مثل: ابن، (ابن) هذا يُحْذَف ليس مثل: أخ وأب، (أخ وأب) حُذِفَت اللام ولم يُعَوَّض عنه شيء، أصله: أَخَوٌ وَأَبَوٌ، حُذِفت اللام .. الواو اعتباطاً ولم يُعَوَّض عنها شيء، (أب) ما عُوِّض عنها شيء .. على حرفين، لكن (ابن) أصلها: بَنَوٌ، حُذِفت الواو اعتباطاً تقول: بن أو ابن؟ ابن، الهمزة هذه من أين جاءت؟ الهمزة هذه عِوَض عن الواو، هل الحكم هنا كالحكم السابق؟
نقول: إذا نُسِب إلى ما حُذِفَت لامه وَعُوِّض منها همزة الوصل جاز أن يُجْبَر وتحذف الهمزة .. نجبره ونحذف الهمزة، وألا يُجْبَر وَتُسْتَصْحَب فتقول في (ابن) و (اسمٍ) و (اسْتٍ): بَنَوِيٌّ، ماذا صنعت؟ رددت اللام وحذفت الألف، ولا يُجمع بينهما، لأنَّ الألف عِوَضٌ عن الواو .. اللام المحذوفة، ولا يُجْمَع بين العِوَض والمُعَوَّض عنه.
إذاً (بَنَوِيٌّ) بردِّ اللام، و (سِمَوِيٌّ) أو (سُمَوِيٌّ) على وجهين، و (سَتَهِيٌّ) على الأول، و (ابْنِيٌّ) ماذا صنعنا؟ نسبنا إليه دون ردٍّ للام وإبقاء الهمزة .. استصحبنا الهمزة.
إذاً لك وجهان في نحو (ابن): إمَّا أن تَردَّ اللام وتنسب إليه مع حذف همزة الوصل فتقول: بَنَوِيٌّ، وإمَّا ألا تَرُدَّ اللام وتستصحب الهمزة فتقول: ابْنِيٌّ .. اسْمِيٌّ .. اسْتِيٌّ، هذا على الثاني.
ومذهب سيبويه وأكثر النَّحويين: أنَّ المجبور تُفْتَح عينه وإن كان أصله السكون، ولذلك قلنا:(شَوْهِيٌّ) و (شَاهِيٌّ) هناك .. فيما ذكرناه سابقاً، إذا رُدَّت اللام فُتِحَت العين مُطلقاً عند سيبويه سواءٌ كانت عينه مفتوحة في الأصل أم ساكنة، أصل (شَاهِيٌّ) عند سيبويه: شَوْهِيٌّ، لكن وجب عنده إذا رُدِّت اللام فتح العين ففتح العين فتحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً فصارت: شَاهِيٌّ.
قلنا: الأصل عند سيبويه في النَّسبة إلى (شاة): شَاهِيٌّ، وعند الأخفش: شَوْهيٌّ، ما سبب الخلاف هنا .. لماذا قال الأخفش: شَوْهِيٌّ، وقال سيبويه: شَاهِيٌّ؟ اتَّفقا على ردِّ اللام: شَاهِيٌّ .. شَوْهِيٌّ، النَّسبة بردِّ اللام، لكن عند سيبويه إذا رُدَّت اللام فُتِحَت العين سواءٌ كانت مفتوحة في الأصل أم ساكنة، فالأصل عنده: شَوْهِيٌّ، ففتح العين التي هي الواو، حينئذٍ لَمَّا فتح العين تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً فقال: شَاهِيٌّ، وعند الأخفش: لا .. يبقى السكون على ما هي عليه فقال: شَوْهِيٌّ.
إذاً الخلاصة: أنَّ مذهب سيبويه وأكثر النَّحويين أنَّ المجبور إذا رُدَّت اللام إليه تُفْتَح عينه وإن كان أصله السكون، وذهب الأخفش إلى تسكين ما أصله السكون، ولذلك نطق فيما سبق بـ: شَوْهِيٌّ.
تسكين ما أصله السكون فتقول في (يَدٍ) و (دَمٍ) و (غَدٍ) و (حِرٍ) على مذهب الجمهور: يَدَوِيٌّ وَدَمَوِيٌّ وَغَدَوِيٌّ وَحِرَحِيٌّ، كلها بفتح العين على مذهب سيبويه، سواءٌ كانت في الأصل مفتوحة أم ساكنة.
وعلى مذهب الأخفش: يد .. يَدْييٌّ، بإسكان الدَّال و (دَمْيِيٌّ) و (حِرْحِيٌّ) بالسكون، لأنَّ أصله العين في هذه الكلمات، والصحيح مذهب سيبويه وبه ورد السماع، قالوا في (غَدٍ): غَدَوِيٌّ، (غَدْ) العين ساكنة، لكن لَمَّا نسبوا إليه قالوا: غَدَوِيٌّ، فدل على أنَّهم يُحرِّكون العين.
إذاً:
وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ مَا حُذِفْ مِنْهُ جَوَازاً
مع فتح عينه على مذهب جماهير النُّحاة .. ارجع وقَيِّد: مع فتح عينه، حينئذٍ نحتاج إلى استدراك شيئين على النَّاظم:
الأول: أنَّه لم يستثنِ مُعتلَّ العين مِمَّا لم يُؤْلَف ردُّ لامه في التَّثنية والجمع، فحكم عليه بالجواز والعدم، يعني: يجوز الرَّد وعدم الرَّد، والصواب: الوجوب.
ثُمَّ قوله: (وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ) سكت عن العين، فَيُفْهَم منه أنَّ العين تكون ساكنة والصواب: أنَّها تُحَرَّك بالفتح.
وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ مَا مِنْهُ حُذِفْ
…
جَوَازاً انْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ أُلِفْ
فِي جَمْعَيِ التَّصْحِيحِ أَوْ فِيْ التَّثْنِيَهْ
…
وَحَقُّ. . . . . . . . . . . . . .
هذا القسم الثاني: وهو واجب الجبر:
وَحَقُّ مَجْبُورٍ بِهَذِي تَوْفِيَهْ ..
حَقٌّ مجبورٍ بردِّ اللام في هذه المواضع الثلاثة توفيةٌ في النَّسب إليه، كيف نصل .. الجملة هنا؟ يعني: نأخذ حكم المنسوب إليه بأنَّه تُرَد من قوله: (تَوْفِيَهْ)، (وَحَقُّ) مبتدأ وهو مضاف، و (مَجْبُورٍ) مضاف إليه، مجبور بماذا؟ بردِّ لامه إليه، (بِهَذِي) يعني: في هذه المواضع: التَّثنية والجمع، نحن نتحدث عن التَّثنِية والجمع أو عن النَّسب؟ عن النَّسب .. بردِّ اللام في النَّسب، وهو يقول:(وَحَقُّ مَجْبُورٍ بِهَذِي) يعني: ما جُبِر بردِّ اللام في هذه المواضع حقُّه (تَوْفِيَةٌ) متى؟ في النَّسب إليه، إذاً: الحكم نأخذه من قوله: (تَوْفِيَهْ) - وفَى: وهو الإكمال - (تَوْفِيَةٌ) بردِّها إليه في النَّسب إليه.
قال الشَّارح: إذا كان المنسوب إليه محذوف اللام فلا يخلو إمَّا أن تكون لامه مُستحقَّةً للرد في جمعي التَّصحيح أو في التَّثنية أو لا، فإن لم تكن مُستحقَّةً للرَّد فيما ذُكِر جاز لك في النَّسب الرَّد وتركه، فتقول في (يَدٍ) و (ابنٍ): يَدَوِيٌّ وَبَنَوِيٌّ، وابْنِيٌّ وَيَدِيٌّ، كقولهم في التَّثنية" لكن المشهور التفريق - الشَّارح هنا أدمج بعض مع بعض - المشهور أنَّه يُمَثَّل بِما لم يُعَوَّض عنه، ثُمَّ تُفْرَد مسألة لِمَا عُوِّض عنه بالهمزة، والنتيجة واحدة.
كقولهم في التَّثنية: يدان وابنان، وفي (يَدٍ) عَلَماً لمُذكَّر: يدون، وإن كانت مستحقَّةً للردِّ في جمعي التَّصحيح أو في التَّثنية وجب رَدُّها في النَّسب، فتقول في (أَبٍ) و (أَخٍ) و (أُخْتٍ) - (أخت) سينص عليها-: أَبَوِيٌّ وَأَخَوِيٌّ، كقولهم: أبوان وأخوان وأخوات.
وَبِأَخٍ أُخْتَاً وَبِابْنٍ بِنْتَا
…
أَلْحِقْ وَيُونُسُ أَبَى حَذْفَ التَّا
ألحق بـ (أخٍ): أختاً .. ألحق بـ (ابنٍ): بنتاً، (أخْ) ماذا تقول فيه؟ أَخَوِيٌّ، واجب؛ لأنَّها ترجع في التَّثنية: أخوان، (أخت) مثلها، و (ابن) تقول: بَنَوِيٌّ أو ابْنِيٌّ، بجواز الوجهين، مثلها (بنتاً)، اخْتُلِف في النَّسب ولذلك أورد قول يونس:(وَيُونُسُ) النَّاظم لا يُسَمِّي، الموضع الأول مِمَّا سَمَّى فيه (ذَا عَمْرُوٌ نَقَلْ)، وهذا الموضع الثاني مما سَمَّى في (الألفية) .. سَمَّى (يُونُسْ)، وسَمَّى (عَمْرو) وهو سيبويه، سَمَّى التِّلميذ هناك وهنا سَمَّى شيخه، هذا: يُونُس بن حبيب، شيخ سيبويه .. الأصل الكبير.
اخْتُلِف في النَّسب إلى (بنت) و (أخت)، فقال سيبويه: كالنَّسب إلى (أخٍ) و (ابنٍ) بحذف التاء وردِّ المحذوف، يعني (أخت) التاء هذه تُحذف صار (أخ)، وإذا كان كذلك حينئذٍ (أخ) أصله: أَخَوٌ، تحذف التاء وتردَّ اللام، فتقول: أَخَوِيٌّ وَبَنَوِيٌّ، بفتح أوَّلهما وثانيهما لأنَّه أصلهما، وقال يونس: ليس الأمر كذلك، يُنْسَب إليهما إلى لفظهما ولا تُحْذَف التاء، فتقول: أُخْتِيٌّ، وتقول: بِنْتِيٌّ، بالنَّسبة دون حذف التاء، والجمهور على الأول.
قال يونس: لأنَّها وإن أشعرت بالتَّأنيث إلا أنَّها أشبهت تاء: جِبْت وَسُحْت" (جِبْت) التاء هذه أصلية وقبلها ساكن مثلها: أُخْتٌ .. جِبْتٌ، جِبْتٌ تاءٌ قبلها ساكن .. (بنت) تاءٌ قبلها ساكن، إذاً: أشبهت تاء (جِبْت) و (سُحْت) في سكون الحرف الصحيح قبلها، هذا وجه الشَّبه أولاً.
ثانياً: والوقوف عليها بالتاء لا بالهاء، تقول: أخت .. بنت، تقف عليها بالتاء ولا تقف عليها بالهاء، كما تقول: عائشة .. قائمة .. مسلمة، إذاً: فرقٌ بين هذه التاء المجرورة .. يُعَبَّر عنها بالمجرورة المفتوحة، وبين التاء المربوطة، هذه وُقِف عليها بالتاء كما هي، وتلك وقف عليها بالهاء، وكتابتها مجرورة فكأنها لم تُشْعِر بالتأنيث.
إذاً: لو تأمَّلت! نظرت أنَّ الخلاف هنا سببه: التاء هذه، هل هي للتأنيث فتحذف للقاعدة السابقة، أم أنها ليست للتأنيث؟ إن حكمنا عليها بأنَّها للتَّأنيث حذفنا وإلا فلا، انظر! يُونُس حاول أن يجذبها يقول:" وإن أشعرت بالتأنيث إلا أنَّها كالحرف الصحيح أولى – إلحاقها بالحرف الصحيح أولى - " حينئذٍ بقيت فقيل: أُخْتِيٌّ وَبِنْتِيُّ، وسيبويه يرى أنَّ هذه التاء للتَّأنيث، فحينئذٍ إذا كانت للتَّأنيث فالأصل: أنَّ ما كان مختوماً بتاء التأنيث وجب حذف التاء عند النَّسب.
سبب الخلاف: أنَّ التاء هذه هل هي حرفٌ صحيح، وإن أشعر بالتأنيث، أم أنَّه حرفٌ للتَّأنيث؟ سيبويه على الثاني، وشيخه يونس على الأول، ولذلك لو نظرت في العلل التي أوردها يونس أنَّه قال:" وإن أشعرت بالتأنيث إلا أنَّها أشبهت تاء (جِبْتْ) " وتاء (جِبْت) أصلية، أشبهتها في كونها مُتطرِّفة قبلها صحيحٌ ساكن، ومثلها:(سُحْت) بسكون الحرف الصحيح قبلها، كذلك يوقف عليها بالتاء (أخْت) و (بنْت) كما تقول:(جبت) و (سحت)، فوُقِف عليها بالتاء.
كذلك كتابتها مجرورة، فكأنَّها لم تُشْعِر بالتأنيث فليست حرف تأنيث عنده فلذلك بقيت على أصلها، فتقول: أُخْتِيٌّ وَبِنْتِيٌّ، وَأُورِد عليه: أنَّهم عاملوا (بنتاً) و (أختاً) مُعاملة المُؤنَّث بالهاء حيث جمعوها على (بنات) و (أخوات).
إذاً: هذه التاء للتَّأنيث، بدليل أنَّهم جمعوها بألفٍ وتاء فقيل:(بنات) و (أخوات)، إذاً: الغَلَبة هنا للتأنيث، فإذا كان الأمر كذلك حينئذٍ نقول: وجب حذفها، كما قلنا هناك (فاطمة) تقول: فَاطِمِيٌّ، لأنَّ هذه التاء للتَّأنيث، وعليه ترجع إلى ما سبق تقول: تاء تأنيثٍ سواءٌ كانت مربوطة أو مفتوحة مثل هذه، فَتُعَمِّم الحكم.
وَأُورِد على يونس: أنَّهم عاملوا (بنتاً) و (أختاً) مُعاملة المُؤنَّث بالهاء حيث جمعوها على (بناتٍ) و (أخوات)، دون (بنتات) و (أختات) لو كان كلامه في مَحلِّه بأنَّ التاء هنا أصلية لقالوا:(أختات)، لكن قالوا:(أخوات) وقالوا: (بنات)، ولم يقولوا:(بنتات)، لَمَّا لاحظوا أنَّ هذه التاء للتأنيث لم يجمعوا بينها وبين التاء التي بعد الألف:(بنات)، التاء الثانية هذه بعد الألف للتأنيث، حذفوا الأولى لئلا يجمعوا بين علامتي تأنيث، فحذفهم للتاء من (أخت) دل على أنَّها للتأنيث، إذ لو كانت ليست للتأنيث كما ادَّعى يونس لقيل:(أختات) فَزِيِد ألفٌ وتاء، وحينئذٍ لا يكون فيه جمعٌ بين علامتي تأنيث، ولا قالوا:(بنتات) كما هي، لكن لَمَّا حذفوا التاء حينئذٍ عاملوا هذه التاء المفتوحة معاملة (عائشات) و (فاطمات) و (مسلمات) فحذفوها.
وأمَّا اللبس الذي يُورَد، لأنَّه إذا قيل (أخت): أَخَوِيٌّ، هنا يَرِد لبس بين (أخ) و (أخت)، قالوا: اللبس في باب النَّسب لا يَضُرُّ، لأنَّه يُعرف بالقرائن والسياق، حينئذٍ لو أورد بأنَّه يقال: بَنَوِيٌّ، هذا ذكر أو أنثى؟ وكذلك إذا قيل: أَخَوِيٌّ، إذاً:(أَخَوِيٌّ) هذا يَحتمل أنَّه نِسبَة إلى (أخ) أو إلى (أخت)، قالوا: اللبس هنا ليس له تأثير.
يعني: لا يرد على مذهب سيبويه اللبس، لأنَّه لا يَضُرُّ في هذا الباب، والفرق بين الجمع والنَّسب: بأنَّ الجمع لا لبس فيه بِخلاف النَّسب، إذ حذف التاء فيه يُلْبِس المنسوب إلى المُؤنَّث بالمنسوب إلى المُذكَّر، إنَّما ينهض هذا الاعتراض إذا قلنا بضرر اللبس في هذا الباب، واللبس هنا لا يضر، حينئذٍ لا فرق بينهما.
إذاً الخلاصة: (وَبِأَخٍ أُخْتَاً أَلْحِقْ) ألحق بـ: (أخ)، (بِأَخٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله:(أَلْحِقْ)، (أُخْتَاً) مفعول به لقوله:(أَلْحِقْ)، (وَبِابْنٍ) معطوف على (بِأَخٍ)، (بِنْتَاً) معطوف على (أُخْتَاً)، (وَبِابْنٍ) جار ومجرور معطوف على (بِأَخٍ) .. لا تقل: مُتعلِّق بـ: (أَلْحِقْ)، و (بِنْتَاً) هذا معطوف على (أُخْتَاً)، ولا تقل: مفعول لـ: (أَلْحِقْ)؛ لأنَّ (أَلْحِقْ) له مفعول واحد، (ألحق بـ: بِأَخٍ أُخْتَاً، وَبِابْنٍ بِنْتَاً) هذا معطوف، الجار والمجرور على الجار والمجرور، والمنصوب على المنصوب.
وَيُونُسُ أَبَى حَذْفَ التَّا ..
(وَيُونُسُ) -بن حبيب- هذا مبتدأ، (أَبَى) منع .. هو يونس، (حَذْفَ) مفعول به وهو مضاف، و (التَّا) قصره للضرورة، أصله: التاء .. حذف التَّاء، (حَذْفَ) مضاف، و (التَّا) مضاف إليه، وجملة (أَبَى) في محل رفع خبر المبتدأ.
وأمَّا النَّسب إلى: ابنةٍ .. (بنتٌ) هذا قلنا: فيه خلاف بين الجمهور ويونس، وأمَّا (ابنةٌ) فالنَّسب إليها: ابْنِيٌّ وَبَنوِيٌّ، على الوجهين. (ابْنِيٌّ) و (بَنَوِيٌّ) كالنَّسب إلى (ابنٍ) اتفاقاً، إذ التاء فيها ليست عوضاً كتاء (بنت)، يعني: اتفقوا على الفرق بين (بنت) و (ابنة)، (ابنة) ملحقةٌ بـ:(ابن)، يُقال فيها: ابْنِيٌّ وَبَنَوِيٌّ، (ابْنِيٌّ) بدون رَدٍّ مع استصحاب الهمزة، و (بَنَوِِيٌّ) بالرَدِّ مع حذف الهمزة، هذا اتفاقاً بخلاف (بنت) فهو مَحلُّ نزاع.
إذاً: خلاصة ما ذكره النَّاظم: أنَّك إذا نسبت إلى ما حُذِفت لامه رددتها وجوباً في مسألتين.
- الأولى: أن تكون العين مُعتلَّة كـ: شاةٍ.
- والثانية: أن تكون اللام قد رُدَّت في تثنيةٍ أو جمعٍ، ويجوز ردُّ اللام وتركها فيما عدى ذلك.
قال الشَّارح: ومذهب الخليل وسيبويه - رحمهما الله تعالى - إلحاق: أُخْتٍ وَبِنْتٍ في النَّسب بـ: أخٍ وابنٍ" ولذلك قيل (أخت) و (بنت) مِمَّا حُذِفت لامهما، لأنَّ النحويين ذكروهما فيما حُذِفت لامه، فالتاء إذاً فيها عِوَضٌ من اللام المحذوفة، وإنَّما حُذِفت في النَّسب على مذهب سيبويه لِمَا فيها من الإشعار بالتأنيث، إن لم تكن مُتمَحِّظةً للتأنيث.
إذاً: حذفها سيبويه، لأنَّها مُشْعِرةٌ بالتأنيث، وهي عِوَضٌ عن المحذوف (أُخْتٌ .. بِنْتٌ) حُذِفَت اللام وعوِّض عنها.
قال: فَتُحْذَف منهما تاء التأنيث وَيُرَدُّ إليهما المحذوف، فيقال: أَخَوِيٌّ وَبَنَوِيٌّ، كما يُفْعَل بـ: أَخٍ وابنٍ، وَمَذْهَب يُونُس أنَّه يُنْسَب إليهما على لفظيهما فتقول: أُخْتِيٌّ وَبِنْتِيٌّ.
وَضَاعِفِ الثَّانِيَ مِنْ ثُنَائِي
…
ثَانِيْهِ ذُو لِينٍ كَلَا وَلَائِي
(لا) .. (لائِيٌّ) لو سَمَّيت رجلاً بـ: (لا) ثنائي، وهذه مسائل كلها مُولَّدة يذكرون فيها تفاصيل:(كِلا) و (كلتا) إلى آخره، لكنَّها محذوفة ليست معنا.
وَضَاعِفِ الثَّانِيَ مِنْ ثُنَائِي ..
إذا نُسِب إلى ثُنَائِي وضعاً، يعني: ما سبق إذا كان ثنائي حُذِف منه حرفٌ، وهنا ثُنائي وضعاً، (مَا) الاستفهامية .. لو سَمَّيت رجل:(ما) انسب إليه .. كيف تقول؟ حينئذٍ يُنْظَر فيه، سَمَّيت رجل:(هل) وصار اسم قبيلة فتنسب إليه، كيف تقول؟
حينئذٍ نقول: أصله وضعاً ثُنائي، ثُمَّ هذا الثُّنَائي قد يكون مُعتلَّ اللام، وقد يكون صحيح اللام، قد يكون مُعتلَّ اللام يعني: حرفاً مُعتلَّاً، وقد يكون صحيحاً، فإن كان صحيحاً جاز فيه التَّضعيف وعدمه، التَّضعيف يعني: تُضَعِّف اللام، كما سبق في (هل)، وعدمه.
لو سُمِّي بـ: (كم) قلت: كَمِيٌّ أو كَمِّيٌّ، إمَّا أن تُضَعِّف الميم يعني: تجعلها ميم أخرى، وإمَّا أن تُخفِّف الميم فتبقى كما هي فتقول: كَمِيٌّ، إذاً: إذا كان حرفاً صحيحاً لا إشكال فيه: إمَّا أنك تُضَعِّف وتنسب، وإمَّا أنَّك تنسب إليه مباشرة: هَلِيٌّ .. كَمِيٌّ .. إِنِيٌّ .. أَنِيٌّ، كلها تنسب إليها مباشرة، لو سَمَّيت رجل بـ:(إن) ونسبت إليه: إِنِيٌّ أو: إِنِّيٌّ .. ضَعِّفْ (أَنِّيٌّ) .. (أَنِيٌّ)، (كَمْ):(كَمِيٌّ) .. (كَمِّيٌّ).
وإن كان ثانيه حرف لين مثل: ما، ولو، وكي، ضُعِّف بمثله إن كان آخره ياءً أو واواً (لو): لَوِّيٌّ، وإن كان ياء كذلك (كَي): كَيِّيٌّ، ضُعِّف بمثله إن كان ياءً أو واواً فتقول في (كي) و (لو): كَيْوِيٌّ وَلَوِّيٌّ، لأن (كي) لَمَّا ضُعِّف صار مثل (حي)، وسبق أنَّ (حي) ما كان مسبوقاً بحرف، ماذا نصنع في:(حي)؟ فتح الثاني، فَيُفَكَّ الإدغام، ثُمَّ الياء إن كانت منقلبة عن واوٍ رجعت، وإلا بقيت على أصلها، صار (كي) مثله، ولذلك قُلِبت الثانية واواً: كَيْوِيْ .. عُومل معاملة: حي.
إذاً: إن كان ياءً أو واواً حينئذٍ ضُعِّف بِمثله، فتقول في (كي) و (لو): كَيْوِيٌّ وَلَوِّيٌّ، لأنَّ (كَيْ) لَمَّا ضُعِّف صار مثل (حي)، و (لو) لَمَّا ضُعِّف صار مثل: دَوٍّ - (دَوٍّ) اسمٌ لفلاةِ - وإن كان ألفاً ضُوعفت وَأُبْدِلت همزة، "لا" مثلاً أو "ما" تقول في رجل اسمه: لا، لا ثُمَّ تُضَعِّف الألف، فتقلب الألف همزة تقول: لائِيٌّ، (ما): مَائِيٌّ، تنسب إليه، تُضَعِّف الألف لكن تقلبها همزة.
وأمَّا: كي ولو، تُضَعِّف الياء وتُضَعِّف الواو وتبقى كما هي .. لا تنقلب، وأمَّا الألف تُضعِّفها ألفاً وتجعلها همزةً، تقول: مائيٌّ .. لائِيٌّ، ويجوز قلب الهمزة واواً فتقول: لاويٌّ .. ماويٌّ.
وَضَاعِفِ الثَّانِيَ مِنْ ثُنَائِي
…
ثَانِيْهِ ذُو لِينٍ كَلَا وَلَائِي
(ضَاعِف) فعل أمر مبنيٌّ على الكسرة، (وَضَاعِفِ) الكسرة هذه للتَّخلُّص من التقاء الساكنين، (وَضَاعِفِ الثَّانِيَ)، (ضَاعِف) فعل أمر مبنيٌّ على السكون المُقدَّر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التَّخلُّص من التقاء الساكنين، (ضَاعِف) والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنت، (الثَّانِيَ) مفعول به ولذلك حُرِّك بالفتح .. (ثانِيَ) لخفة الفتحة، (مِنْ ثُنَائِي) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوفٍ حال من الثاني، لأنَّه معرفة، الجار والمجرور إذا وقع بعد معرفة مباشرة تقول: مُتعلِّق بمحذوف حال، إلا إذا طلبه عامل آخر فَيُنْظَر فيه.
(وَضَاعِفِ الثَّانِي) حالة كونه .. الثاني (مِنْ ثُنَائِي)(ثُنَائِي) يعني: ثُنائي العدد .. مُؤلَّف من حرفين وضعاً – قَيِّده: وضعاً - وأمَّا ما كان محذوفاً باللام .. وهذا سبق فيما سبق.
(ثَانِيْهِ ذُو لِينٍ)، (ثَانِي) هذا مبتدأ مرفوع بالابتداء، ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره منع من ظهورها الثِّقَل؛ لأنَّه ناقص، وهو مضاف، و (الهاء) ضمير مُتَّصل مبني على الكسر في محل جر مضاف إليه .. (ثَانِيْهِ)، ومرجع الضمير (ثَانِيْهِ)؟ ثَانِي الثُّنَائِي، (ذُو لِينٍ) .. (ذُو لِينٍ) يعني: صاحب لينٍ، (ذُو) خبر (ثَانِي)، وهو مرفوع ورفعه الواو نيابةً عن الضَمَّة لأنَّه من الأسماء السِّتة.
(ذُو) مضاف، و (لِينٍ) مضاف إليه مجرور بالإضافة، أو باللام، أو بـ:(ذُو)؟ مجرور بـ: (ذُو) وجرُّه كسرة أو كسرتين؟ كسرة، والثانية بدل عن التنوين، (ذُو لِينٍ) تضع كسرتين: الكسرة الأولى كسرة الإعراب، والثانية بدلٌ عن التنوين، والجملة (ثَانِيْهِ ذُو لِينٍ) في محل جر صفة لأي شيء؟ (مِنْ ثُنَائِي)، (ثُنَائِي) هذا مَجرور، إذاً: في محل جر صفة لـ: (ثُنَائِي).
(كَلَا) اسْماً، (الكاف) حرف جر، و (لا) اسمٌ، دخل عليه حرف الجر مُتعلِّق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف، وذلك (كَلَا وَلَائِي) مثال للمنسوب والمنسوب إليه، (لَا) ليست منسوبة إليها، وإنَّما هذا منسوبٌ إليه، (وَلَائِي) هذا المنسوب، (لَا) منسوبٌ إليه، إذاً مثَّل للنوعين: قبل النَّسب وبعد النَّسب.
قال الشَّارح: إذا نُسِب إلى ثُنَائِيٍّ لا ثالث له، يعني: وضعاً .. عَبَّر عن وضعاً بقوله: لا ثالث له، فلا يَخلُ الثاني إمَّا أن يكون حرفاً صحيحاً، أو حرفاً مُعْتَلَّاً، فإن كان حرفاً صحيحاً جاز فيه التَّضعيف وعدمه، فتقول في (كَمْ): كَمِّيٌّ، وإن كان حرفاً مُعْتَلَّاً وجب تضعيفه فتقول في (لو): لَوِّيٌّ، وإن كان الحرف الثاني ألفاً ضُوعِفَت وَأُبْدِلت الثانية همزةً، فتقول في رجل اسمه (لا): لائِيٌّ، ويجوز قلب الهمزة واواً فتقول: لاويٌّ.
وَإِنْ يَكُنْ كَشِيَةٍ مَا الْفَا عَدِمْ
…
فَجَبْرُهُ وَفَتْحُ عَيْنِهِ الْتُزِمْ
هذا النوع الثاني، قلنا: إذا نُسِب إلى ثُلاثيٍّ حُذِف منه حرف: إمَّا أن يكون المحذوف لاماً وقد سبق، وإمَّا أن يكون عيناً وسكت عنه النَّاظم .. سيأتي، وإمَّا أن يكون فاءً، إذاً: إذا نُسِب إلى ثُنَائِيٍّ حُذِفت فاؤه.
وَإِنْ يَكُنْ كَشِيَةٍ مَا الْفَا عَدِمْ ..
ما عَدِم الفاء.
فَجَبْرُهُ وَفَتْحُ عَيْنِهِ الْتُزِمْ ..
إذاً: وجب جبره وهو بِردِّ فائه، (وَإِنْ يَكُنْ كَشِيَةٍ)، (وَإِنْ) هذا شرط، و (يَكُنْ) فعل مضارع ناقص .. فعل الشَّرط مجزومٌ بـ (إِنْ)، وجزمه السكون الظَّاهر على آخره، (كَشِيَةٍ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر (يَكُنْ) مُقدَّم .. كائناً كَشِيةٍ: هكذا التَّقدير.
(مَا) اسمٌ موصولٌ بِمعنى: الذي، في محل رفع اسم (يَكُنْ)، ما عدم الفاء .. الذي عَدِم، (عَدِمْ) فعل ماضي مبني للمعلوم، والفاعل ضمير مستتر يعود على (مَا)، و (الْفَا) مفعول مُقدَّم لقوله:(عَدِمْ)، والتقدير: وإن يكن الذي اسمٌ ثلاثيٌّ عَدِم الفاء كَشِيَةٍ، (فَجَبْرُهُ) الفاء واقعة في جواب الشَّرط، و (جَبْرُهُ) هذا مبتدأ وهو مضاف، و (الهاء) ضمير مُتَّصل مبني على الضَّم في محل جر المضاف إليه.
(فَجَبْرُهُ وَفَتْحُ عَيْنِهِ)، (فَتْحُ) هذا معطوف على (جَبْرُهُ)، حينئذٍ المعطوف على المرفوع مرفوع، وهو مضاف، و (عَيْنِهِ) مضافٌ إليه، (الْتُزِمْ) فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر .. (جَبْر) كم حكم ذكر له؟ ذكر حكمين:(جَبْرُهُ وَفَتْحُ عَيْنِهِ)، هناك انتقدنا النَّاظم لَمَّا ذكر الجبر ولم يذكر فتح العين، وهنا نَصَّ عليهما معاً.
حينئذٍ الحكم حكمان، لكنَّه قال:(الْتُزِمْ)، والأصل أن يقول:(الْتُزِمَا) لأنَّه إذا كان عائد الضمير مُثنَّىً وجبت التَّثنية، هل تقول: الزَّيدان قَامَ؟ لا يصح، هذا مثل: الزَّيدون قام، زَيْدٌ قام، نعم، (قام) فيه ضمير يعود على: زيد، وهو مفرد مُذكَّر، (الزَّيدان قام) لا يصح، لأنَّ الضمير هنا مفرد، ومرجع الضمير مثنَّى ولا بُدَّ من التَّطابق، حينئذٍ وجب أن يقول: الزَّيدان قاما .. بالألف، (الزِّيدون قام) لا يصح، لأنَّ الضمير هنا (قام) مُسندٌ إلى واحد، حينئذٍ كان الضمير مفرداً مذكَّراً، ومرجعه: الزَّيدون، فإذاً: لا بُدَّ من التَّطابق وهذا فاسد، فوجب أن يقول: الزَّيدون قاموا.
هنا قال: (جَبْرُهُ وَفَتْحُ عَيْنِهِ) حكمان الْتُزِما، هذا الأصل، فإن وقع مثل هذا في مثل هذا الكلام من إمام في اللغة حينئذٍ لا بُدَّ من التأويل، (الْتُزِمْ) هو لا تعيده على (جَبْرُهُ وَفَتْحُ عَيْنِهِ)، وإنَّما تعيده إلى المذكور، التزم هذا المذكور، وهذا المذكور مثنَّى أو مفرد؟ مفرد فرُدَّ الضمير إليه بهذا الاعتبار، فلا بُدَّ من التأويل، كما سبق في مواضع من أسماء الإشارة.
إذاً: (الْتُزِمْ) هذا خبر والأصل: (الْتُزِما)، ولكن عاد الضمير على المذكور، يعني: من الجبر والفتح.
(وَإِنْ يَكُنْ كَشِيَةٍ)، (شِيَةٍ) مُعتلَّ اللام محذوف الفاء، ومعنى (شِيه): هي كل لونٍ يُخالف معظم لون الفرس وغيره، وأصلها: وِشَى، على وزن (فِعَلْ) بكسر الواو، وفتح الشين، وألف، نُقِلت كسرة الواو إلى الشين بعد سلب الحركة، ثُمَّ سكنت الواو وَحُذِفت، نريد حذف الواو التي هي فاء الكلمة، حذفنا كسرة الواو إلى الشين، حذفنا الواو فصار ماذا؟
نحن نقول: شِيَة، التاء هذه من أين جاءت؟ (عِدَة)، أصل:(عِدَة) من الوعد، حُذِفت الواو وَعُوِّض عنها التاء، مثلها (وِشَى) حُذِفت الواو التي هي فاء الكلمة، وَعُوِّض عنها التاء، ولذلك التَّمثيل بالصحيح المشهور والمحفوظ جيد، لو قال:(كَعِدَةٍ).
(وَإِنْ يَكُنْ كَشِيَةٍ) أصلها: وِشَى، نُقِلت كسرة الواو إلى الشين بعد سلب حركتها، ثُمَّ حُذِفت الواو التي هي فاء الكلمة وَعُوِّض عنها هاء التأنيث، إذا أردنا أن ننسب إلى مثل هذا التَّركيب: شية، يعني: ما حُذِف منه الفاء، وكانت لامه ياءً كـ: شِيَة، ولذلك قلنا: مُعتلَّ اللام و (دية)، يجب جبره وردُّ ما حُذِف منه وهو الواو، ووجب أيضاً مع ذلك فتح عينه، ولذلك تقول في (شِيَةٍ): وِشَوِيٍّ، حذفت العوض .. التاء، ورددت الأصل، وفتحت العين، ما هي العين؟ الشين فتقول: وِشَوِيٌّ.
وَإِنْ يَكُنْ كَشِيَةٍ مَا الْفَا عَدِمْ ..
يعني: مِمَّا عَدِم الفاء وكان مُعتلَّ اللام .. نأخذه من المثال، (فَجَبْرُهُ الْتُزِمْ) يعني: يجب جبره برِدِّ فائه عند النَّسب: وِشَوِيٌّ، (وَفَتْحُ عَيْنِهِ) كذلك (الْتُزِمْ) إذاً: التزم فيه أمران. يعني: ما حُذِف منه الفاء وكانت لامه ياءً كـ: شية ودية، وجب جبره يعني: رَدُّ ما حُذِف منه وهو الواو (وَفَتْحُ عَيْنِهِ).
وَفُهِم منه: أن المحذوف الفاء إذا كان لامه غير ياءٍ لم يُرَد، وهذا مَثَّل له بـ: عِدَة - يعني: التَّمثيل السَّابق خطأ -، (عِدَةٌ) أصله من الوعد حُذِفت الفاء التي هي الواو وَعُوِّض عنها التاء، في الظَّاهر: أنَّها مثل (شِيَة) وهو كذلك، إلا أن الفرق بينهما من حيث إجراء الحكم الذي ذكره النَّاظم هو لام الكلمة، إن كانت لام الكلمة ياءً وجب الرَّد والفتح، وإن كانت لام الكلمة ولو حُذِفت فاؤه حرفاً صحيحاً لم يَجب الرَّد.
فإن كان صحيحها لم يُرَدَّ إليه المحذوف فتقول في (عِدَةٍ) و (صِفةٍ): عِدِيٌّ .. صِفِيٌّ، هنا حذفت الفاء أيضاً إلا أن اللام حرفاً صحيحاً، إذاً فُهِم: أن المحذوف الفاء إذا كان لامه غير ياءٍ لم يُرَدَّ نحو: عِدَة، وَفُهِم منه: أنَّ المحذوف العين لا يُرَدُّ محذوفه، لماذا؟ هو سيأتي فيه تفصيل لكن هذا كلام المكودي.
قال: فُهِم من التنصيص هنا على: (مَا الْفَا عَدِمْ)، وهناك قال:(وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ) وسكت عن محذوف العين، دلَّ على أنَّه لا يُرَد" وهذا المفهوم فيه تخصيص.
إذاً: فجبره بردِّ فائه إليه وفتح عينه التزم عند سيبويه، فتقول على مذهبه في (شِيَةٍ) و (دِيَةٍ): وِشَوِيٌّ .. وِدَويٌّ، وِدَويٌّ فتحت الدَّال مع كونها في الأصل مكسورة، لأنَّ الحكم هنا مُرَتَّب على أصلين: ردُّ الفاء مع فتح العين، فتقول: وِشَوِيٌّ .. وِدَوِيٌّ، لأنَّه لا يُرَدُّ العين إلى أصلها من السكون بل يُفْتَح العين مطلقاً، هذا عند سيبويه سواءٌ كان أصلها الفتح أو السكون، وَيُعَامل اللام معاملة المقصور أي: بقلبها ألفاً لِتَحَرُّكِها وانفتاح ما قبلها، ثُمَّ واواً كالمقصور.
إذاً نقول فيما كان على مثال: شِيَةٍ، وهو محذوف الفاء ولامه مُعتلَّة وجب فيه أمران، والأخفش يردُّ العين إلى أصلها إن كان أصلها السكون كما سبق، فتقول على مذهبه: وِشْيٌ ووِدْيٌ، فإن كان المحذوف صحيح اللام لم يُجْبَر، فتقول في النَّسب إلى (عِدَة): عِدِيٌّ، وإلى (صِفَة): صِفِيٌّ، بقيت على أصلها.
قال الشَّارح: "إذا نُسِب إلى اسمٍ محذوف الفاء فلا يَخلُ: إمَّا أن يكون صحيح اللام أو مُعْتَلَّها، فإن كان صحيحها لم يُرَدَّ إليه المحذوف، فتقول في (عِدَةٍ) و (صِفَةٍ): عِدِيٌّ وَصِفِيٌّ، وإن كان مُعْتَلَّها وجب الرَّد، ويجب أيضاً عند سيبويه فتح عينه، فتقول في (شِيَة): وِشَوِي، (دية): وِدَوي" – بكسر الفاء -.
بقي من المحذوف قِسْمٌ ثالث لم يُبَيِّن حكمه: وهو محذوف العين، وحكمه: أنَّه إن كانت لامه صحيحة لم يُجْبَر مثل: سَهْ .. مُذْ، مُسَمَّىً بهما، فتقول: سَهِيٌّ .. مُذِيٌّ، بالنَّسبة إليه مباشرة، وأصلهما: سَتَهٌ، و (مُذْ) أصلها: مُنْذ، ولذلك إذا صغَّرتها قلت: مُنَيْذٌ، رجعت اللام، فدل على أنَّها فرع وليست بأصل، (مُذْ) أصلها: مُنْذُ، هذا قول كثيرٍ من النُّحاة بإطلاق.
إذاً: إذا كان لامه صحيحاً لم يُجْبَر فتقول: سَهِيٌّ وَمُذِيٌّ، وقيل: بل هو مُقَيَّدٌ بألا يكون من المُضَاعَف نحو: رُبَ، هذا مُخَفَّف (رُبَّ) حُذِفت عينه، لو سُمِّي رجل: رُبَ .. (رُبَمَا يَوَدُّ) هذه لغة في: رُبَّ، (رُبَّ) على ثلاثة أحرف، لو سَمَّيت بها صارت الفاء هي الرَّاء، والعين هي الباء الأولى: رُبَّ، والباء الثانية هي اللام، لو خَفَّفت بحذف العين قلت: رُبَ، لو سَمَّيت رجل: رُبَ، محذوف العين.
قيل: إن كان من المضاعف نحو (رُبَ) المخَفَّفة بحذف الباء الأولى، إذا سُمِّي بها أو نُسِب إليها فإنه يُقَال: رُبِّيٌّ، يعني: بإرجاع الياء، والجمهور فيما سبق قالوا: أنَّه يُنْسَب إليه دون عودة العين، واستثنى بعضهم إن لم يكن من المضعَّف، فإن كان من المضُعَّف حينئذٍ إذا حُذِفت العين وجب ردُّها، فتقول فيمن اسمه (رُبَ) رُبِّيٌّ، يعني: بردِّ المحذوف، نصَّ عليه سيبويه، قال الأشْمُونِي:"ولا يُعْرَف فيه خلاف".
وإن كانت لامه مُعتلَّة نحو: مُرِي، هذا اسم فاعل من: أرى .. يُرِي فهو مُرٍ (مُرِي) بإرجاع الياء، (مُرٍ) هذا اسم فاعل، و (يَرى) مُسمَّىً بهما، جُبِر فتقول فيهما: المُرْئِيٌّ، قلب الياء همزة، (مُرٍ) أصله: من رأى، العين هي الهمزة، فإذا قلت (مُرٍ): مُرْئِيٌّ، رجعت الهمزة التي هي عين الكلمة، لأنَّه من (رأى) .. (رأى) على وزن (فَعَلَ) العين هي الهمزة، إذا قلت: مُرٍ، حُذِفت العين - لها تفصيل يأتي معنا في النَّاقص - فإذا نسبت إليه حينئذٍ تقول: مُرئِيٌّ، بإرجاع العين، وكذلك: يُرْئِيُ، إذا سمَّيت رجل:(يرى) فعل مضارع .. (يرى) هذه حذفت .. (يرَى) ليس فيه إلا حرف واحد، كم حرف؟ الراء والألف، وإذا قلت: رِي، ليس فيه إلا حرف واحد.
إذاً: الياء هذه حرفٌ زائد لأنَّها حرف مضارعة، والعين محذوفة وهي الهمزة لأنَّه من (رأى)، إذا قلت: يرى، سمَّيت به ونسبت إليه قلت: يَرْئِيٌّ، بإرجاع الهمزة، وفتح العين وسكونها على المذهبين السابقين.
إذاً:
وَإِنْ يَكُنْ كَشِيَةٍ مَا الْفَا عَدِمْ
…
فَجَبْرُهُ وَفَتْحُ عَيْنِهِ الْتُزِمْ
فتح العين عند سيبويه، وعند الأخفش لا، والجمهور على ما عليه سيبويه.
وَالْوَاحِدَ اذْكُرْ نَاسِبَاً لِلْجَمْعِ
…
إِنْ لَمْ يُشَابِهْ وَاحِداً بِالْوَضْعِ
يعني: إذا نسبت إلى جمعٍ له واحدٌ قياسي، وهو الذي عناه بقوله:(لَمْ يُشَابِهْ وَاحِداً بِالْوَضْعِ)، جيء بواحده يعني: إذا أردت أن تنسب إلى جمعٍ، هذا الجمع له مفرد قياسي ليس بشاذ، حينئذٍ تأتي للواحد وتنسب إليه، كما قلنا في: صُحُف، بعض الناس يقول:(صُحُفِي) لا .. خطأ هذا، لأنَّ (صُحُف) هذا جمع وله واحد وهو (صحيفة)، لأنَّه جمع (صحيفة)، حينئذٍ تترك: صُحُف، وتأتي إلى الواحد القياسي وتنسب إليه وتقول: صَحَفِي، على القواعد السابقة، كل ما كان له مفرد فترجع إلى القواعد السابقة فتقول: صحفي، مثل ما يُقال المشهور:(دُوَلِي) مطار دُوَلِي، نقول: هذا خطأ، لأنَّ (دُوَل) جمع ولا تنسب إليه، لأنَّ له مفرد قياسي وهو: دولة .. دَوْلِيٌّ، فإذاً: المطار الدَّوْلي.
إذاً:
وَالْوَاحِدَ اذْكُرْ نَاسِبَاً لِلْجَمْعِ ..
إذا أردت أن تنسب للجمع تأتي إلى الواحد، لا تقول: فرائضي .. (فرائض) جمع (فريضة) إذاً: فرضي، ولا تنسب إلى الجمع، يعني: أنَّك إذا نسبت إلى جمعٍ له واحدٌ قياسي وهو معنى قوله:
إِنْ لَمْ يُشَابِهْ وَاحِداً بِالْوَضْعِ ..
جئ بواحده وانسب إليه، فتقول في النَّسب إلى (فرائض) و (كتب): فَرَضِي، كتابي بالنسبة إلى المفرد.
إِنْ لَمْ يُشَابِهْ وَاحِداً بِالْوَضْعِ ..
فُهِم منه: أنَّه إذا شابه نُسِب إلى لفظه، يعني: إن لم يكن الجمع بلفظه مشابهاً للمفرد إن شابهه حينئذٍ نُسِب إليه بلفظه هو، وَشَمِل نوعين:
- ما أهمل واحده كـ: عباديد، ليس له واحد.
- والآخر: ما سُمِّي به كـ: أنصار، فتقول فيه وفي سابقه: عَبَادِديٌّ وَأَنْصَارِيٌّ، هكذا أجمله بعضهم والصواب: أنَّ فيه تفصيلاً، لأنَّه يشمل أربعة أقسام:
قاعدة: إن شابه الجمع واحداً بالوضع نُسِب إلى لفظه، وهذا شمل أربعة أنواع:
الأول: ما لا واحد له كـ: عباديد، يعني: العرب نطقت بالجمع وَأُهْمِل واحده، ليس له واحد، حينئذٍ ننسب للفظ نفسه، فتقول فيه: عَبَادِديٌّ، لأنَّ: عباديد، بسبب إهمال واحده شابه: قوم ورهط، مما لا واحد له.
إذاً: ما ليس له واحدٌ .. ما أهملت العرب واحده وأتت بالجمع نسبنا إلى اللفظ.
الثاني: ما له واحدٌ لكنَّه ليس قياسي بل شاذ .. ما له واحدٌ شاذٌّ كـ: ملامح، فإن واحده: لَمْحةٌ، هل ننسب إليه المفرد الواحد الشَّاذ أم ننسب إلى الجمع؟ هذا محل نزاع بين النُّحاة، إذاً: ما له واحدٌ شاذٌّ كـ: ملامح، فإن واحده: لَمْحَة، وفي هذا القسم خلاف، فقيل كالأول: يُنْسَب إلى لفظه، فحينئذٍ تقول: مَلامِحِيٌّ كـ: عباددي.
وقيل: يُنْسَب إلى واحده وإن كان شاذًّ، فقوله:(وَالْوَاحِدَ اذْكُرْ) عام، سواءٌ كان الواحد قياساً أو شاذًّا، على هذا القول وهو ظاهر كلام ابن مالك رحمه الله تعالى.
وقيل: يُنْسَب إلى واحده وإن كان شاذًّ، فيقول في النَّسب إلى (ملامح): لَمْحِيٌّ، نسبة إلى المفرد، وإليه ذهب ابن مالك، قال في (التَّسهيل):" وذو الواحد الشَّاذ كَذِي الواحد القياسي لا كذي المهمل " يعني: نعامله معاملة النظر إلى المفرد، فننسب إليه ولو كان شاذًّا، فنقول: لَمْحيٌّ، حينئذٍ إذا كان هذا ظاهره ولم يخالفه في:(شرح الكافية) ونحوها -يُرْجَع إليه-، فَنُعَمِّم قوله:(وَالْوَاحِدَ اذْكُرْ) سواءٌ كان له واحد قياسي، أو له واحدٌ شاذ كـ: ملامح، إذاً: إليه ذهب ابن مالك في: (شرح التَّسهيل).
الثالث: ما سُمِّي به من الجموع، هنا استوى المفرد، لأنَّ مدلوله مفرد واستوى مع الجمع، ما سُمِّي به من الجموع نحو: كلاب وأنمار ومدائن، فتقول فيه: كِلَابِيٌّ، وَأَنْمَارِي، وَمَدائِنِي، وقد يُرَدُّ الجمع المُسمَّى به إلى الواحد إذا أُمن اللبس، ومثاله: الفراهيد، علمٌ على بطنٍ من أسد، قالوا فيه:(الفراهيدي) بالنَّسب إلى لفظه، و (الْفَرْهَوَدِي) بالنَّسب إلى واحده لأمن اللبس، لأنَّه ليس لنا قبيلةٌ تسمَّى بـ: الفرهود.
إذاً: ما سُمِّي به الأصل: أن يُنْسَب إليه هو .. إلى لفظه، فتقول: أنماري .. مدائِنِي، حينئذٍ إذا نُسِب إلى واحده جاز عند بعضهم لكن بشرط: أمن اللبس، يعني: ألا يكون له نظير، فإن كان له نظير امتنع كالمثال الذي ذكرناه.
الرَّابع: ما غَلَب فجرى مجرى الاسم العلم، يعني: غلب هذا الجمع فصار كالاسم العلم، مثل: الأنصار، هذا صار كالعلم - من ناصر النبي صلى الله عليه وسلم كـ:(الأنصار) و (الأنبار) من قبائل بني سعد، فيقال: الأنصاري والأنباري.
إذاً قوله:
إِنْ لَمْ يُشَابِهْ وَاحِداً بِالْوَضْعِ ..
فإن شابه حينئذٍ نُسب إليه للفظه لا لواحده، (وَالْوَاحِدَ اذْكُرْ) اذكر الواحد .. مفعول به، (اذْكُرْ) هذا فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر تقديره: أنت، (نَاسِبَاً) حال .. اذكر الواحد حال كونك ناسباً للجمع، يعني: إذا أردت أن تنسب للجمع فانظر إلى واحده فانسب إليه، يعني: النَّسب يكون للواحد لا للجمع، وهذا المقصود به: ما كان له واحدٌ قياساً عند الجمهور، وعلى رأي ابن مالك في (التسهيل): ولو كان شاذًّا.
قوله: (إِنْ لَمْ يُشَابِهْ) الجمع واحداً مفرداً بالوضع .. (إِنْ لَمْ يُشَابِهْ وَاحِداً)، (يُشَابِهْ) فعل مضارع مجزوم بـ:(لَمْ)، والفاعل يعود إلى الجمع، قوله:(للجمع) هذا مُتعلِّق بـ: (نَاسِبَاً)، (يُشَابِهْ) أي: الجمع، (وَاحِداً) هذا مفعول (يُشَابِهْ) يعني: مفرداً، (بِالْوَضْعِ) هذا مُتعلِّق بقوله:(يُشَابِهْ) والباء بمعنى: في هنا، إن لم يشابه الجمع واحداً يعني: مفرداً في الوضع، يعني: لم يشتبها، فإن اشتبها حينئذٍ فيه التفصيل الذي ذكرناه.
إِنْ لَمْ يُشَابِهْ وَاحِداً بِالْوَضْعِ ..
يعني: في الوضع، يُنْسَب إلى الكلمة الدَّالة على جماعةٍ على لفظها إن أشبهت الواحد بكونها اسم جمعٍ، عرفنا إذا كان جمعاً لا إشكال فيه: فرائض جمع (فريضة)، صُحُف جمع (صحيفة)، لكن مثل اسم الجمع: قوم ورهط، ننسب إليه إلى لفظه: قَوْمِيٌّ .. رَهْطِيٌّ، اسم الجمع ننسب إليه مباشرة، لأنَّه ليس له واحدٌ من لفظه.
أو اسم جنسٍ: شجرة، نقول: شَجَرِي .. ابن الشجري، أو جمع تكسيرٍ لا واحد له نحو: أَبَابِيِلِي، أو جارياً مجرى العلم كـ: أنصاري ونحوه، وأمَّا نحو: كلاب وأنَّمار، هذا فيه خلاف، ونحن أوردناه في القسم الرابع هناك، الصواب: أنَّه داخلٌ فيما أشبه واحداً في الوضع، وابن هشام رحمه الله في (التوضيح) ما يرى ذلك، وأمَّا نحو: كلاب وأنمار علمين فليسا مِمَّا نحن فيه، لأنَّه واحدٌ فالنَّسب إليه على لفظه.
لا .. هو يُرَاعى فيه أنَّه قبل ذلك كان جمعاً، وأمَّا كونه ليس بجمعٍ مطلقاً فيه نظر، لأنَّ (كلاب) هذا منقول .. كان جمعاً ثُمَّ نُقِل، حينئذٍ لا بُدَّ أن يلاحظ فيه معنى الجمعية، وفي غير ذلك يُرَدُّ المُكسَّر إلى مُفرده ثُمَّ يُنْسَب إليه، فتقول في النَّسب إلى (فرائض) و (قبائل) و (حُمْرٍ): فَرَضِي وقَبِلِي وأحمري وحمراوي، (حُمْر) رددته إلى أصله .. حُمْر (فُعْل) هذا يُجمع: أحمر، ومؤنَّثه، أحمر .. حُمْر، حمراء .. حُمْر، تردَّه إلى المفرد، حينئذٍ المفرد إمَّا أن يكون مُذكَّراً، وإمَّا أن يكون مؤنَّثاً، فتقول فيه: أحمري أو: حمراوي، على التفصيل الذي ذكرناه.
قال الشَّارح: "إذا نُسِب إلى جمعٍ باقٍ على جمعيته جِيء بواحده وَنُسِب إليه، كقولك في النَّسب إلى (فرائض): فرضي، هذا إن لم يكن جارياً مَجرى العلم، فإن جرى مجراه كـ: أنصاري، نُسِب إليه على لفظه، فتقول في (أنصار): أَنْصَارِي، وكذا إن كان علماً فتقول في (أَنْمَار): أَنْمَارِي".
وَمَعَ فَاعِلٍ وَفَعَّالٍ فَعِلْ
…
فِي نَسَبٍ أَغْنَى عَنِ اليَا فَقُبِلْ
هنا ما كان النَّسب فيه ليس بالياء .. انتهينا من الياء، ذاك قياسي وهذا على المشهور عند سيبويه وأنصاره سماعي وليس بقياسي، ولا إشكال في ترتيب هذا على ذاك، وهي ثلاثة أوزان:(فَاعِل) و (فَعَّال) و (فَعِلْ) يعني: يُرَاد بها: النَّسب، فتغني عن الياء، ولذلك قال:(أَغْنَى عَنِ اليَا)، وهذه (فَاعِل) و (فَعَّال) و (فَعِلْ) ليست خاصَّة بالنَّسب، ترد للنَّسب وترد لغيره، (فَاعِل) اسم فاعل: ضارب وقاتل، ليس المراد به النَّسب، وإنّما المراد به هنا: إن جاء في معنى: صاحب كذا. (وَمَعَ فَاعِلٍ .. أَغْنَى مَعَ فَاعِلٍ) .. كيف إعرابه؟
وَمَعَ فَاعِلٍ وَفَعَّالٍ فَعِل .. فَعِلٌ فِي نَسَبٍ أَغْنَى عَنِ اليَا
حال كونه (مَعَ فَاعِلٍ وَفَعَّال)، تبدأ الكلام هكذا:(فَعِلْ) مبتدأ، (فِي نَسَبٍ) مُتعلِّق بقوله:(أَغْنَى)، (عَنِ اليَا) مُتعلِّق بقوله:(أَغْنَى) حال كونه (مَعَ فَاعِلٍ وَفَعَّالٍ)، فقوله:(مَع) هذا ظرف مُتعلِّق بمحذوف في محل نصب حال من الضمير المستتر في (أَغْنَى)، و (فَعِلْ) هذا مبتدأ، وجملة (أَغْنَى) خبره.
إذاً: (وَمَعَ) هذا منصوب على الظرفية .. ظرف مكان .. (مَعَ) وهو مضاف، و (فَاعِل) مضاف إليه، (مَع) هذا ظرف لا بُدَّ له من عامل، أين عامله؟ إمَّا أن يكون مذكوراً، وإمَّا أن يكون محذوفاً، هنا لا يمكن أن يكون من المذكور مذكور، يعني: لا يمكن أن يُعَلَّق بالمذكور .. يفسد المعنى، لأنَّه ليس عندنا إلا (أَغْنَى)، (أَغْنَى مَعَ فَاعِلٍ) هذا لا يصح.
كذلك نُقدِّره بمحذوف، فإذا بدأنا الكلام بقوله:(فَعِلْ) على أنَّه مبتدأ حينئذٍ سَهُل الأمر، فتقول:(فَعِلٌ) هذا مبتدأ، (أَغْنَى عَنِ اليَا) في نسبٍ حال كونه (أَغْنَى) .. (أَغْنَى) الضمير هنا يعود على المبتدأ (فَعِلْ) حال كونه يعني:(فَعِل مَعَ فَاعِلٍ وَفَعَّالٍ) فأفادت المعيَّة هنا .. المصاحبة (فَاعِل وَفَعَّال مَعَ فَعِلْ)، وعليه قد يُقال: بأن (فَعِلْ) هو الأصل، لأنَّه جعله مبتدأ، ثُمَّ شَرَّك معه:(فَاعِل وَفَعَّال) ولا بأس بهذا.
إذاً: (مَعَ فَاعِلٍ) بمعنى: صاحب كذا، و (وَفَعَّالٍ) بتشديد العين هذا يأتي في الحِرَف غالباً: بَزَّاز .. عطَّار .. نشَّار، كله على وزن (فَعَّال)، نسبته قلت: نجَّار، أليس هذا نسبة إلى العمل نجار .. نِجَارة .. أين الياء؟ ليست فيه ياء، حينئذٍ نقول هنا: أغنى (فَعَّالْ) عن الياء، كذلك:(فَاعِل) طاعم وكاسي كما سيأتي، و (فَعِل) تَمِرٌ وَلَبِنٌ، هذا كله مُغْنٍ عن النَّسب بالياء، لكنَّه يُعْتَبر سماعي.
إذاً: (فَاعِل) بمعنى: صاحب كذا، و (فَعَّال) هذا يُسْتَعمل في الحِرَف غالباً، و (فَعِل) مثل (فَاعِل) بمعنى: صاحب كذا، (فِي نَسَبٍ) هذا مُتعلِّق بقوله:(أَغْنَى)، و (أَغْنَى) فعل ماضي، وفاعله ضمير مستتر يعود على (فَعِل)، أغْنَى (فَعِلٌ)(عَنِ اليَا) قصره للضرورة، والجار والمجرور مُتعلِّق بقوله:(أَغْنَى)، (فَقُبِلْ) الفاء هذه عاطفة، و (قُبِلَ) فعلٌ ماضي يعني: المذكور.
أي: يُسْتَغنى عن ياء النَّسب غالباً بِصَوْغ فاعلٍ مقصوداً به صاحب الشيء، يعني: عندنا نِيَّة هنا هي التي تُحدِّد، يعني: وزن (فَاعِل) هذا كما سبق قد يُرَاد به اسم الفاعل الذي هو دالٌّ على حدثٍ، وقد يُراد به صِفةٌ مُشبَّهة، وقد يُراد به النَّسب، ما الذي يُميِّز هذا من ذاك؟ النِّيَّة مع القرائن والسياق.
هنا إذا نَوَيْت بـ (فَاعِل) أنَّه صاحب كذا يعني: نسبته إلى شيءٍ كقوله:
وَغَرَرْتَنِي وزَعَمْتَ أنكَ
…
لابنٌ فِي الصَّيْفِ تَامِرُ
(لابِنٌ) على وزن (فَاعِل)، (تَامِرْ) على وزن (فَاعِل)، المراد بـ:(لَابِنْ) و (تَامِرْ) أنَّ عنده لبن وتمر، وليس المراد: أنَّه يبيعهما ويحترف فيهما وإلا كان من معنى: (فعَّال)، لأنَّه لو أردنا (تَامِرْ) بمعنى: أنَّه يبيع قلنا: (تَمَّارْ) ولا نأتي به على وزن (فَاعِل)، إذا قيل بأنَّه على وزن (فَاعِل) معناه: عنده هذا الشيء .. عنده لبن وتمر.
قال سيبويه: "أي: صاحب لبنٍ وَتَمْرٍ وقالوا: فلانٌ طاعم كاسي أي: ذو طعامٍ وكسوة" يعني: صاحب طعامٍ وكسوة، يعني: عنده طعام وكسوة، "أي: عنده ذلك وليس المراد: أنَّه يأكل ويكسو، وإلا كان اسمي فاعل" المراد: أنَّه متَّصل بهذا الوصف لا يتعدَّى، ويصوغ (فَعَّال) مقصوداً به: الاحتراف، يعني: من أراد النَّسبة يصوغ (فَعَّال) مقصوداً به: الاحتراف كقولهم: بزَّاز أي: بَيَّاع البزْ وهو القماش، وعطَّار ونجَّار وغير ذلك.
وقد يُقام أحدهما مُقَام الآخر، فمن قيام (فَاعِل) مُقام (فَعَّال) قولهم: حَائك في حَوَّاك، لأنه من الحرف، وهذا مما قام فيه (فَاعِل) مُقَام (فَعَّال) لأنَّه حوَّاك، ومن العكس قوله:
وَلَيْسَ بِذِي صَيْفٍ وَلَيْسَ بِنَبَّالِ ..
أي: وليس بذي نَبْلٍ، (نبَّال) ليس المراد: أنَّه يبيع النبل .. يحترف، إنَّما هو صاحب نَبْلٍ، فعبَّر بـ:(نَبَّالٍ) وهي للحرف.
والفرق بين اسم الفاعل وَفَاعِل في النَّسب العلاج وقبول تاء التَّأنيث في الأول دون الثاني، يعني: إذا قيل: (فَاعِل) والمراد به: النَّسبة لا يقبل التاء بخلاف اسم الفاعل المراد به: اسم الفاعل، فإنَّه يقبل التَّاء، أيضاً: العلاج الأول يقبل المعالجة والثاني لا يقبل.
وبصوغ (فَعِلْ) مقصوداً به: صاحب كذا كقولهم: رجلٌ طعِمٌ وَلَبِسٌّ وَعَمِلٌ، على وزن (فَعِل) بمعنى: ذي طعام وذي لباس وذي عمل، وقد يُسْتَغنى عن ياء النَّسب أيضاً بـ:(مِفْعَال) يعني: ليس ما ذكره النَّاظم، الذي ذكره كثير. "وقد يُسْتَغنى عن ياء النَّسب أيضاً بـ:(مِفْعَال) كقولهم: امرأةٌ مِعْطَار أي: ذات عِطْرٍ، و (مِفْعِيل) كقولهم: ناقةٌ مِحْضِير أي: ذات حُضْرٍ وهو الجري، وهذه الأبنية غير مقيسة وإن كان بعضها كثيراً هذا مذهب سيبويه وعند المبرِّد أنَّها قياسية".
إذاً:
وَمَعَ فَاعِلٍ وَفَعَّالٍ فَعِلْ
…
فِي نَسَبٍ أَغْنَى عَنِ اليَا. . .
يعني: ياء النَّسب، (أَل) هنا للعهد الذِّكري الذي سبق .. ذكر الياء، (فَقُبِل) هذا الحكم، لكن ظاهر كلام النَّاظم: أنَّها (قُبِل) على أنَّه قياس.
قال الشَّارح: "يُسْتَغْنى غالباً في النَّسب عن يائه ببناء الاسم على (فَاعِل) بمعنى: صاحب كذا نحو: تَامِر وَلابِنْ أي: صاحب تَمْرٍ وصاحب لَبَنْ، وببنائه على (فَعَّالٍ) في الحرف غالباً كـ: بَقَّال وَبَزَّاز، وقد يكون (فَعَّال) بمعنى: صاحب كذا".
يعني: ينوب عن (فَاعِل) والأصل: أنَّه في الحرف، ولذلك يُعَبَّر عنه بأنَّه: غالب، قد يأتي (فَعَّال) بمعنى (فَاعِل) يعني بمعنى: صاحب كذا.
وجُعل منه قوله تعالى: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)) [فصلت:46] أي: بِذِي ظُلْمٍ، وقد يُسْتَغَنى عن ياء النَّسب أيضاً بـ:(فَعِل) بمعنى: صاحب كذا نحو: رَجُلٌ طَعِمٌ وَلَبِسٌ، أي: صاحب طَعَامٍ ولباس، وَأَنْشد سيبويه رحمه الله تعالى:
لَسْتُ بِلَيِلْيٍّ وَلَكِنِّي نَهِرْ
…
لا أُدْلِجُ اللَّيْلَ ولكِن أَبتكِرْ
(نَهِر) أي: ولكني نَهارِيٌّ أي: عاملٌ بالنَّهار.
وَغَيْرُ مَا أَسْلَفْتُهُ مُقَرَّرَا
…
عَلَى الَّذِيْ يُنْقَلُ مِنْهُ اقْتُصِرَا
كُلُّ ما لم يكن تحت القواعد السابقة والأصل: أنَّ القواعد تَسْتَلْزِمُه فجاء مخالفاً للقواعد فهو شاذٌّ يُحْفَظ ولا يقاس عليه.
(وَغَيْرُ) مبتدأ وهو مضاف و (مَا) اسمٌ موصولٌ بمعنى الذي مضافٌ إليه في محل جر، (أَسْلَفْتُهُ) فعل وفاعل ومفعولٌ به والجملة لا محلَّ لها من الإعراب صلة الموصول، (أَسْلَفْتُهُ) الضمير يعود إلى أي شيء؟ كُل ما سبق من القواعد والأصول، (مُقَرَّرَاً) هذا حال من الهاء في (أَسْلَفْتُهُ).
عَلَى الَّذِيْ يُنْقَلُ مِنْهُ اقْتُصِرَا ..
(وَغَيْرُ مَا أَسْلَفْتُهُ مُقَرَّرَا اقْتُصِرَا) اقْتُصِرَا الألف هذه للإطلاق، وهو فعل ماضي مغيَّر الصيغة، والضمير نائب فاعل، والجملة خبر، والألف للإطلاق، (عَلَى الَّذِيْ اقْتُصِرَا)، (عَلَى الَّذِيْ) جار مجرور متعلِّق بقوله:(أقْتُصِر)، (يُنْقَلُ مِنْهُ)، (يُنْقَلُ) فعل مضارع مغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (الَّذِيْ)، (مِنْهُ) جار مجرور متعلِّق بقوله:(يُنْقَلُ) والجملة صلة الموصول لا محلَّ لها من الإعراب.
قال الشَّارح: "ما جاء من المنسوب مخالفاً لما سبق تقريره فهو من شواذِّ النَّسب".
لكل قواعد .. ما يذكرونه النُّحاة كل ما خالفه شاذ، هذا يسمى: شاذاً قياساً، لأنَّه قعَّده بالقواعد، فلمَّا قرَّره هنا بالقواعد وربطه بالقواعد علمنا أن المراد به: ما خرج عن قواعدهم فهو شاذٌّ قياساً، فهو من شواذِّ النسب يُحْفَظ ولا يقاس عليه، وبعضه أشذُّ من بعض، ولذلك مثل النِّسبة إلى: رَيْ قالوا: رازي، وإلى: خرسان .. خُرَسِي، وإلى البحرين .. بحراني، وغير ذلك، كقولهم في النَّسب إلى البصرة: بِصْرِي، بِصري بكسر الباء هذا شاذ، وإلى الدَّهر: دُهْرِي، بضم الدال وهذا شاذ، وإلى: مَرْو .. مَرْوَزِي .. الزاي زايدة.
وألحقوا آخر الاسم ياءً كياء النَّسب للفرق بين الواحد وجنسه فقالوا: زِنْج وَزِنْجِي، هذا مما فُرِّق بينه وبين واحده بالياء، كيف نفرق بينه وبين واحده؟ إمَّا بالتاء: شجر وشجرة وتمر وتمرة، هذا الغالب، وقد يُفَرَّق بينهما بالياء: زِنْج، هذا جمع: وَزِنْجِي، هذا مفرد مثل: بقرة، التاء اتصلت بالمفرد: وبقر، هنا خلت، زِنْج خلت من الياء، وَتُرْك وَتُرْكِي، نقول: هذا بالياء. بمنزلة: تَمْرٍ وتمرة.
إذاً: ألحقت الياء بآخر الاسم، هي ياء النَّسب للفرق بين الواحد وجنسه وتدخل على الواحد، كذلك أُلْحِقت للمبالغة فقالوا في: أحمر وأشقر .. أحمري وأشقري، هذا مبالغة، كما قالوا: راوية وَنَسَّابَة، وألحقوها كذلك بآخر الاسم زَائِدَةً لازمةً نحو: كرسي وَبَرْنِي (بَرْنِي) نوع من أنواع التمر، يقال: بَرْنِيٌّ، الياء هذه للنَّسب زائدة لازمة، كرسي، الياء هذه في الأصل ياء النَّسب لكنَّها زائدة لازمة.
ونقف على هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
…
!!!