الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* الوقف .... وحده
* والوقف على التنوين
* الوقف على هاء الضمير و (إذا) ـ
* الوقف على المنقوص.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
قال النَّاظم رحمه الله تعالى: (الْوَقْفُ).
(الْوَقْفُ) من مباحث فنِّ التَّصريف هذا البحث، وهو أشبه ما يكون ببحث يشترك فيه أصحاب القراءات كذلك الصَّرفيُّون.
(الْوَقْفُ) في اللغة: الحبس.
وأمَّا في الاصطلاح: فهو قطع النُّطق عند آخر الكلمة، آخر الكلمة هو محلُّ الحركة، سواءٌ كانت الحركة حركة إعرابية أو حركة بنائية فالحكم عام، لذلك لا يختصُّ الوقف بباب الإعراب بل هو شاملٌ للمعرب والمبني.
القطع ضد الوصل، قطع النطق يعني: اللفظ، عند آخر الكلمة .. آخر حرفٍ، فيأتي بالحرف ولا يأتي بالحركة: قام زَيْدْ، آخر الكلمة الدال، قطع النُّطق عنده فسكَّن آخره.
والمراد هنا بـ (الْوَقْفُ): الوقف الاختياري لا الاضطراري ولا الاختباري، حينئذٍ من هذا نأخذ أن (الْوَقْف) على ثلاثة أنحاء:
إمَّا أن يكون اختيارياًَ.
وإمَّا أن يكون اضطرارياً.
وإمَّا أن يكون اختباريَّاً.
لأنَّ الوقف إن قُصِد لذاته فاختياري، يعني: قصدت القطع عند آخر الكلمة من أجل الوقف: جاء زَيْدْ .. مررت بِزَيْدْ .. رأيت زَيْدا، هذا يُسَمَّى: وقفاً اختيارياً، لأنَّ الوقف إن قُصِد لذاته فاختياري وإن لم يُقْصَد أصلاً بل قُطِع النفس عنده فاضطراري.
وإن قُصِد الوقف لا لذاته .. من أجل أن يقف، وإنَّما من أجل اختبار مخاطب .. لاختبار الشَّخص هل يُحْسن الوقف على:(عَمَّ أو فيما أو لا) .. هل يحسن الوقف أم لا؟ حينئذٍ نقول: هذا اختباري .. إذا أراد أن يختبر غيره .. قِفْ على (عَمَّ) ماذا تقول؟ قِفْ على (فيما) ماذا تقول؟ نقول: هنا الوقف اختباري وليس اختياري.
والمراد معنا هنا: الوقف الاختياري الذي قُصِد من أجله الوقف: وهو قطع النُّطق عند آخر الكلمة، وهو في اللغة: الحبس، فإن كان الموقوف منَوَّناً، يعني: ما وُقِف عليه .. الكلمة إن كانت مُنَوَّنه ففيه ثلاث لغات في لسان العرب كلها مسموعة:
اللغة الأولى: حذف التنوين مطلقاً وتسكين ما قبله، المراد بالإطلاق: رفعاً ونصباً وخفضاً، وتسكين ما قبله .. ما قبل التَّنوين وهو آخر الكلمة، فتقول: قام زَيْدْ .. رأيت زَيْدْ .. مررت بِزَيْدْ، في المواضع الثلاث: رفعاً ونصباً وخفضاً تقطع التنوين .. تحذفه وتقف على الحرف الذي هو آخر الكلمة بالسكون: رفعاً ونصباً وجرَّاً.
إذاً: اللغة الأولى: حذف التنوين مطلقاً رفعاً ونصباً وخفضاً وتسكين ما قبل التَّنوين، والأمثلة كما ذكرناها.
اللغة الثانية: إبدال التَّنوين من جنس حركة ما قبله مطلقاً، رفعاً ونصباً وخفضاً، إبدال التَّنوين من جنس حركة ما قبله يعني: حرف علَّة جاء زَيْدٌ .. جاء زَيْدْ .. جاء زَيْدو، تُشْبِع الضَّمَّة واواً: جاء زَيْدو .. رأيت زَيْدا .. مررت بِزَيْدي، تضيف ياء، جاء زَيْدُو، تضيف واو، إشباع الحركة فيتولَّد عنه واو في الضَّمَّة، وألف في الفتحة، وياء في الكسرة: جاء زَيْدو .. رأيت زَيْدَا. . مررت بزيدي، في الوقف.
هذه اللغة الثانية: إبدال التنوين من جنس حركة ما قبله مطلقاً نحو: قام زيدو، ورأيت زيدا، ومررت بزيدي، قيل: هذه لغة الأزد، اللغة السابقة لغة ربيعة، دائماً تأتي معنا في تخريج كلام النَّاظم.
اللغة الثالثة: حذف التَّنوين بعد ضمَّةٍ أو كسرة وإبداله ألفاً بعد فتحة، يعني: التفصيل، اللغة الأولى: مطلقاً: السُّكون، اللغة الثانية: حرفٌ من جنس الحركة مطلقاً دون تفصيل، اللغة الثالثة: التفصيل، إن كان رفعاً أو خفضاً حينئذٍ سُكِّن .. تحذف التنوين وتسكِّن آخر الكلمة، تقول: قام زَيْدْ .. مررت بِزَيْدْ، تسكِّن الدَّال في الموضعين رفعاً وخفضاً، وأمَّا في حالة النصب فتبدل التَّنوين ألفاً: رأيت زَيْدَا:
وَقِفْ عَلى المَنْصُوبِ مِنْه بِالألِفْ
…
كَمِثْل مَا تَكْتُبُه لا يَخْتَلِفْ
قِفْ عَلى المَنْصُوبِ مِنْه بِالألِفْ ..
هو هذا، مفهومه: أنَّ ما لم يكن منصوباً حينئذٍ يوقف عليه بالتسكين، وهذه هي اللغة المشهورة وهي اللغة الفصحى، وهي التي ذكرها النَّاظم في البيت الأول دون غيرها من اللغات.
إذاً: اقتصر النَّاظم على هذه اللغة الأخيرة وهي حذف التنوين بعد ضمَّةٍ أو كسرة وإبداله ألفاً بعد فتحة .. هذا هو المشهور: قام زَيْدْ .. مَرَرت بِزَيْد .. رَأيت زَيْدَا، وهذه اللغة هي المشهورة.
تَنْوِينَاً اثْرَ فَتْحٍ اجْعَلْ أَلِفَا
…
وَقْفَاً وَتِلْوَ غَيْرِ فَتْحٍ احْذِفَا
تَنْوِينَاً اثْرَ فَتْحٍ اجْعَلْ أَلِفَا ..
اجعل تنويناً إثر فتحٍ ألفا، (وَقْفَاً) يعني: في حال الوقف اجعله ألفاً، (وَتِلْوَ غَيْرِ فَتْحٍ احْذِفَاً)، (تِلْوَ غَيْرِ فَتْحٍ) وهو الضَّم والكسر (احْذِفَاً) احذفاً ماذا؟ التنوين، فإذا حذفت التنوين وقفت عليه بالسكون على الأصل في لغة العرب.
إذاً: ذكر في البيت الأول اللغة المشهورة الفصحى، فيما إذا كان الاسم الموقوف عليه مُنَوَّنا، فإن كان مرفوعاً أو مخفوضاً حذفت التنوين ووقفت عليه بالسكون، وإن كان منصوباً أبدلت التنوين ألفا فقلت: قام زيد .. مررت بزيد .. رأيت زيدا، ويتُنَبَّه هنا للإعراب أن الإعراب في: قام زيد، تقديري وليس بظاهر، وكذلك الإعراب في: مررت بزيد، تقديري وليس بظاهر، وأن الإعراب في: رأيت زيدا، ظاهر.
(تَنْوِينَاً اثْرَ فَتْحٍ) بنقل حركة الهمزة إلى (تَنْوِينَاً)، (تَنْوِينَاً) أطلق النَّاظم هنا فيشمل المعرب والمبني، لأنَّ المبني قد يُنَوَّن، حينئذٍ: صَهْ .. صَهٍ، إذا نوَّنته: وَيْهَ وَيْهَاً، إذا نوَّنته، حينئذٍ الحكم داخل ويشمل المبني والمعرب.
إذاً: (تَنْوِينَاً) هذا في معربٍ أو مبني، وهذا مفعول أول لقوله:(اجْعَلْ) .. (اجْعَلْ تَنْوِينَاً)(اجْعَلْ) فعل أمر مبني على السُّكون والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت و (اجْعَلْ) يتعدَّى إلى مفعولين: المفعول الأول: (تَنْوِينَاً) ومفعوله الثاني: (أَلِفَاً) .. (اجْعَلْ تَنْوِينَاً أَلِفَاً) لكن قيَّده بكونه ألفاً، التنوين يجعله ألفاً متى؟ قال:(اثْرَ فَتْحٍ) هذا ظرف متعلِّق بقوله: (اجْعَلْ) اجعل تنويناً (اثْرَ فَتْحٍ) بعد فتحٍ، (أَلِفَا وَقْفَاً) يعني: في حال الوقف، حينئذٍ نؤوِّله بـ (وَاقِفَاً) .. (وَقْفَاً) هذا مصدر وهو سماعي ولا يجوز إيقاع المصدر حالاً إلا على تأويله بالمشتق، إذاً:(وَقْفَاً) إذاً قلنا: هذا حال من فاعل (اجْعَلْ) حال كونك واقفاً، أو يصح أن يكون:(في وَقْفٍ) منصوب بنزع الخافض أو مفعول له، وإعرابه: منصوب بنزع الخافض هذا فيه إشكال، كذلك: مفعول لأجله فيه إشكال، فيبقى معنا: الحال وهو أولى، كثير:
وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ حَالاً يَقَعْ
…
بِكَثْرَةٍ. . . . . . . . . . . . . .
نقول: هذا جائز، وإن كان سماعي، لكنَّهم يقولون: سماعي ويسيرون عليه في كتبهم كلها.
إذاً: (وَقْفَاً) نقول: حال كونه واقفاً، أي: الذي يَتكلَّم بالتنوين.
وَتِلْوَ غَيْرِ فَتْحٍ احْذِفَاً ..
(تِلْوَ) هذا مفعول مُقدَّم، وهذا الأصل: أنَّ الفعل المؤكَّد لا يتقدَّم عليه معموله إلا ضرورةً، وقد يكون النَّاظم يرى جواز ذلك، وقد يكون من باب الضرورة، إذاً:(تِلْوَ) مفعول احذف، على حذف الموصوف، أي: احذفاً تنويناً تالياً غير فتحٍ.
إذاً: (تِلْوَ) هذا بمعنى: تالي أي تابع، احذف تنويناً تالياً غير فتحٍ، وغير الفتح المراد به: الضَّمَّة والكسرة، احذف التنوين، حينئذٍ تقف عليه بالتسكين، فتقول: جاء زَيْد ومررت بِزَيْد، وأمَّا الفتح فكما ذكره أولاً.
يعني: أنَّ التنوين إذا كان إثر فتحةٍ جعلته أي: التنوين ألفاً، وإذا كان إثر غير فتحةٍ حذفته، وشمل غير الفتح: الضَّمَّ والكسر، والمراد بالفتح: فتح الإعراب على قولٍ، أو يعم النَّوعين، يعني: لو قيل: جاء زَيْد، لا شكَّ أنَّك وصلت: جاء، لكن: زَيْدٌ قام، وقفت عليه بالسُّكون، لكن ليس عندنا تنوين، فالفتح نخصُّه بالإعراب، وأمَّا التَّنوين، لأنَّ يدخل المعرب والمبني فنعمِّمه.
إذاً: المراد بالفتح: فتح الإعراب، لأنَّه هو الذي يُتَصَّور معه التَّنوين:
تَنْوِينَاً اثْرَ فَتْحٍ اجْعَلْ أَلِفَا
…
وَقْفَاً وَتِلْوَ غَيْرِ فَتْحٍ احْذِفَا
(احْذِفْ) فعل أمر مبني على الفتح لاتِّصاله بنون التوكيد الخفيفة، والألف هذه نون التَّوكيد مبدلة ألفاً.
يُسْتَثنى من المُنَوَّن المنصوب: ما كان مؤنَّثاً بالتاء، لأنَّ النَّاظم أطلق قال:
اجْعَلْ تَنْوِينَاً اثْرَ فَتْحٍ أَلِفَا ..
يعني: إثر فتحةٍ، إذاً: تنوين للمنصوب، يُسْتَثنى من المُنَوَّن المنصوب ما كان مؤنَّثاً بالتاء: رأيت زيدا، تقلب التَّنوين ألفاً، رأيت قَائِمَةً، كيف تقف؟ قائمتا .. قائمة، إذاً: ينطبق عليه حدُّ النَّاظم أو لا؟ اجعل تنويناً إثر فتحةٍ ألفاً، دخل فيه: رأيت قائمةً .. مسلمةً، العبارة شاملة أو لا؟ تشمله قطعاً.
اجْعَلْ تَنْوِينَاً اثْرَ فَتْحٍ أَلِفَا ..
كُلُّ تنوينٍ بعد فتحةٍ اجعله ألفاً عام هذا .. أطلق الناظم، (رأيت زيدا) لا إشكال فيه، وأمَّا: رأيت مسلمةً، قِفْ على: مسلمة، إذا عمَّمنا ما ذكره النَّاظم: رأيت مسلمتا، قلبت التنوين ألفاً، والمشهور في اللغة الفصحى: رأيت مسلمة، إذاً: ما أبدلت التنوين هنا بعد فتحٍ ألفاً، إذاً: هذا استثناء من القاعدة التي قعَّدها النَّاظم، ولذلك نقول: يُسْتَثنى من المُنَوَّن المنصوب ما كان مؤنَّثاً بالتاء نحو: قائمة، فإن تنوينه لا يُبْدَل ألفاً بل يُحْذَف، وهذا في لغة من يقف بالهاء وهي شهيرة في الوقوف على التاء المربوطة: رأيت قائمة .. مسلمة .. فاطمة .. عائشة .. شجرة، كل الوقف يكون بالهاء، وسيأتي لغةٌ أخرى: شَجَرَةْ .. صَلاةْ .. زَكَاةْ، بالتاء لكن المشهور أنَّه تُبْدَل التاء هاءً، إذاً: على اللغة الشهيرة نقول: التنوين هنا يُحْذَف، وأمَّا من يقف بالتاء فبعضهم يجريها مجرى المحذوف فيبدل التَّنوين ألفاً، فيقول: رأيت قائمتا، لأنَّ تاء: مسلمة فيها لغتان:
إبدال التاء هاءً وقفاً، وهذه اللغة الفصحى الشهيرة، فتقول: جاءت فاطمة، تُبْدل التاء ألفاً، إذا كان مُنَوَّناً: رأيت مسلمة، تبدلها هاءً بناءً على أنَّ اللغة الشهيرة في الوقف على التاء المربوطة: أن تقف بالهاء، وهناك لغة: إبدال الوقوف على التاء تاءً، فتقول: رأيت مُسْلِمَةْ، أَقِم الصَّلاةْ .. آتي الزَّكاةْ، يقف عليها بالتاء.
صاحب اللغة الثانية له مجرى أن يجري: مُسْلِمَةْ، إذا وقف عليها بالتاء مجرى: زيداً، فيقول: رأيت مسلمتا .. رأيت قائمتا، بإبدال التَّنوين ألفاً وهذا مسموع، فالحكم حينئذٍ يكون عنده عام لا استثناء، إذاً: الاستثناء هنا للمنصوب وهو مختومٌ بتاءٍ مربوطة: الاستثناء عند من يقف على التَّاء بالهاء، حينئذٍ لا يُبْدِل التَّنوين المنصوب إذا كان بعد تاءٍ مربوطة لا يبدله ألفاً، يقول: رأيت مسلمة ورأيت قائمة.
وأمَّا على اللغة الأخرى وهي قليلة كما سيأتي، حينئذٍ له أن يقف على التنوين بالألف، يعني: يبدل التنوين ألف، يقول: رأيت مسلمتا .. رأيت قائمتا، الألف هذا بدلٌ عن التَّنوين، وأمَّا من يقف بالتاء فبعضهم يُجْريها مجرى المحذوف فيجري التَّنوين ألفاً، فيقول: رأيت قائمتا، وأكثر هذه اللغة يُسَكِّنُها لا غير، يعني: أكثر من يقف على التَّاء المربوطة بالتاء يقف عليها بالسكون: رأيت مُسْلِمَةْ، لا يُبْدِل التنوين ألفاً، لكن بعضهم يبدل التَّنوين ألفاً.
المقصود: أنَّه على اللغة المشهورة وهي التي نعنيها: أنَّه يُسْتَثْنَى من كلام النَّاظم ما كان مختوماً بتاءٍ مربوطة، وأمَّا اللغات القليلة هذه يُنْظر فيها، قد تفيد الطَّالب في القراءات ونحوها، أمَّا في اللغة الدَّارجة فيقف على ما كان مختوماً بالتاء المربوطة بالهاء ويحذف التنوين.
إذاً: جاءت مسلمة .. رأيت مسلمة .. مررت بمسلمة، الحكم واحد: جاء زيد .. رأيت زيدا .. مررت بزيد، فيه تفصيل، إذاً: إبدال التنوين ألفاً في: رأيت زيداً نقول: هذا ليس على إطلاقه .. يستثنى منه ما ذكرناه، وأكثر من يقف عليها بالتاء يُسَكِّنها مع التنوين المنصوب، يقول: رأيت قَائِمَةْ .. رأيت مُسْلِمَةْ، بالتاء.
تَنْوِينَاً اثْرَ فَتْحٍ اجْعَلْ أَلِفَا
…
وَقْفَاً. . . . . . . . . . . . . . . .
إذاً: استثنينا منه ما كان مؤنَّثاً بالتاء نحو: قائمة، بقي مسألة وهي المقصور، المقصور المُنَوَّن: جاء فَتَىً، إذا وصلته لا إشكال، حينئذٍ يكون التنوين مذكوراً في الوصل رفعاً ونصباً وخفضاً، لكن إذا قلت: رأيت فتى .. جاء فتى .. مررت بفتى، عادت الألف، هذه الألف: هل هي بدلٌ عن التنوين، أم الألف الأصلية، أم ثَمَّ تفصيل؟ نقول: هذه الألف فيها ثلاثة مذاهب للنُّحاة.
المقصور المُنَوَّن يوقف عليه بالألف نحو: رأيت فتى، وفي هذه الألف ثلاثة مذاهب:
الأول: أنَّها بدلٌ من التَّنوين في الأحوال الثلاثة: رفعاً ونصباً وخفضاً.
إذاً: على العكس من: جاء زيد ورأيت زيد ومررت بزيد، وإنَّما وافقه في المنصوب فقط، وعلى المذهب هذا قوله:
وَتِلْوَ غَيْرِ فَتْحٍ احْذِفَا ..
هذا يُسْتَثنى منه المقصور المُنَوَّن، لأنَّك تقول: جاء فتى، الألف هذه بدلٌ عن التنوين، لم يُحْذَف التنوين: مررت بفتى، وقفت عليه بالألف، هذه الألف بدل عن التنوين، إذاً قوله:
وَتِلْوَ غَيْرِ فَتْحٍ احْذِفَا ..
هذا يُسْتَثْنَى منه – على هذا القول- المقصور المُنَوَّن، لأنَّه يُوقف بالألف .. يُبْدَل التنوين ألفاً مطلقاً: رفعاً ونصباً وخفضاً. المذهب الأول: أنَّها بدلٌ من التنوين في الأحوال الثلاثة، واسْتُصْحِب حذف الألف المنقلبة وصلاً ووقفا، وهذا مذهب الفراء والمازني وهو المفهوم من كلام النَّاظم هنا: بأنَّه تنوينٌ بعد فتحة.
المذهب الثاني: أنَّها الألف المنقلبة في الأحوال الثلاثة، وأنَّ التنوين حُذِف، فلما حُذِف عادت الألف، وهو منقولٌ عن الكوفيين، وذهب إليه النَّاظم في:(الكافية).
المذهب الثاني: أنَّ هذه الألف هي الألف الأصلية والتنوين حُذِف من الثلاث، حينئذٍ: جاء فتى: الألف هذه هي الأصلية والتنوين حُذِف، رأيت فتى: هذه الألف هي الأصلية والتنوين حُذِف، مررت بفتى: هذه الألف هي الأصلية والتنوين محذوف، إذاً: ليس عندنا تنوين مُبْدل على هذا القول.
القول الثالث: اعتباره بالصحيح، وهذا أصح وأرجح يعني: تحمل فتى على زيد، تعتبر المعتل بالصحيح، فما قدَّمته بالصحيح اعتبره هنا وهناك حذفت، لأنَّ الفتى الألف هذه فيها نوع إشكال وإبهام، والتنوين مسلكه واحد، والاسم الذي يدخل عليه التنوين في الأصل مسلكه واحد، فإذا أُبْهِم علينا في معتلٍّ ولم نستطع أن نعرف: ننظر في نظيره .. حمل النظير على النظير، وهو أصلٌ مُطَّرِد كما نَصَّ على ذلك السيوطي في (الأشباه): أنَّ حمل النظير على نظيره هذا هو المُقدَّم عندهم.
فحينئذٍ: فتى، هذا مثل: زيد، لا فرق بينهما في كون كُلٍّ منهما اسماً ثلاثي وهو مُنَوَّن .. قابل للتَّنوين، و (فتى) على الصحيح كما سبق أنَّ تنوينه تنوين تمكين، خلافاً لمن قال بأنَّ تنوينه تنوين تنكير، والصواب: أنَّه تنوين صرف .. تَمكين .. أمْكَنيَّة.
إذاً: استوى مع (زيد)، فما قيل في: زيد، قيل في: فتى، فكما أنَّك قلت: جاء زيد، حُذِف التنوين، حينئذٍ السكون حلَّ محله تقول: جاء فتى، حُذِف التنوين فعادت الألف، لأنَّك إذا قلت: جاء فَتَىً، التقى ساكنان .. نَوَّنت، الألف ساكنة والتنوين نونٌ ساكنة، التقى ساكنان فَحُذِفت الألف: فتىً، ولذلك تكتب التنوين على التَّاء، ما تكتبها على الألف، بعض الطلاب يُشْكِل يقول: لماذا كُتِبت على التاء، والألف هذه أليست هي آخر؟
نقول: لا، الألف هذه محذوفة، إنَّما العبرة بالنطق، تكتب الفتحتين على التاء، حينئذٍ: جاء فتًى، آخر الكلمة التاء، والألف هذه تُكْتَب فقط، ولذلك النُّطق بالتنوين يكون تابعاً للملفوظ، فحينئذٍ تكتب الفتحتين على التاء وتكون الألف محذوفة للتَّخلُّص من التقاء الساكنين.
إذا حذفت التنوين وهو السبب المقتضي لحذف الألف عادت الألف: جاء فتى، هذه الألف رجعت بعد أنَّ حذفنا التنوين الذي كان سبباً في حذف الألف، مثل: جاء زيد، مررت بِزَيْدٍ .. مررت بِفَتًى: الألف محذوفة، مررت بفتى: رجعت الألف، لأنَّنا حذفنا التنوين، إذاً: هذه الألف هي لام الكلمة وليست هي التنَّوين .. ليست بدلاً عن التَّنوين.
(رأيت فتى) .. (رأيت زيدا) هنا التنوين لم يُحْذَف وإنَّما أُبْدِل التنوين ألفاً، قلت: رأيت زَيْدَا، لذلك الدَّال مفتوحة، وإعرابه يكون إعراب ظاهر لا تقدير، نحمل عليه: رأيت فتى، فنقول: رأيت فتى هذه الألف مبدلة عن التنوين وليست هي الألف التي في: جاء فتى ومررت بفتى، حملاً للنَّظير على نظيره، وهذا أولى المذاهب وهو أقربها.
إذاً: المذهب الثالث في: فتى منوَّن إذا وقفت عليه بالألف: اعتباره بالصحيح، يعني: مقايسته بالصحيح وحمله على الصحيح كـ: زيد، وَتُفَصِّل فيه ما فصَّلت في: زَيْدٍ، فالألف في النصب بدلٌ من التَّنوين، وفي الرفع والجر بدلٌ من لام الكلمة، المقصود: أنها عادت، لأنَّها حُذِفت للتَّخلص من التقاء الساكنين، وهذا مذهب سيبويه وهو مذهب معظم النَّحويين، وهذا أصح.
إذاً: الألف إذا وُقِف عليها في المقصور وهو مُنَوَّن حينئذٍ هذه الألف فيها ثلاثة مذاهب:
-ألفٌ أصلية رجعت والتنوين حُذِف مطلقاً: رفعاً ونصباً وخفضاً.
المذهب الثاني: أنها بدلٌ عن التنوين مطلقاً: رفعاً ونصباً وخفضاً، وحينئذٍ يستثنى من كلام النَّاظم:(وَتِلْوَ غَيْرِ فَتْحٍ احْذِفَا).
المذهب الثالث: حمله على الصحيح، وهذا أولى يعني: يعامل معاملة: زيد، مطلقاً.
والمقصور غير المُنَوَّن في الوقف كلفظه في الوصل، وأنَّ ألفه لا تُحْذَف إلا في ضرورةٍ: جاء الفتى .. رأيت الفتى .. مررت بالفتى، الألف هذه أصلية لا تُحْذَف في الوقف. رأيت فتى، الألف الأصلية محذوفة أو موجودة؟ محذوفة، وهذه الألف بدلٌ عن التنوين، وأمَّا: الفتى، هنا حُذِفَ التنوين، لأنَّ التنوين لا يجتمع مع "أل"، جاء الفتى .. رأيت الفتى .. مررت بالفتى، الألف هذه في الأحوال الثلاثة ألفٌ أصلية، ولا يجوز حذفها، حتى في المنصوب، لأنَّه غير مُنَوَّن، فلا نقول: رأيت الفتى، هذه الألف بدل عن التنوين، ليس عندنا تنوين.
إذاً: المقصور غير المُنَوَّن في الوقف كلفظه في الوصل، وأنَّ ألفه لا تُحْذَف إلا في ضرورةٍ، كقوله:
رَهْطُ بْنِ مَرْجُومٍ ابنِ المُعَلَّ ..
ابنِ المُعَلَّ .. ابن المعلَّى، هذه ضرورة فقط، حذف الألف هنا، وإلا الأصل أنَّها لا تُحْذَف.
إذاً:
تَنْوِينَاً اثْرَ فَتْحٍ اجْعَلْ أَلِفَا
…
وَقْفَاً وَتِلْوَ غَيْرِ فَتْحٍ احْذِفَا
هذا كُلُّه مطَّرد، إلا أن قوله:
اجْعَلْ تَنْوِينَاً اثْرَ فَتْحٍ أَلِفَا وَقْفَاً ..
يُسْتَثنى منه ما كان مختوماً بتاء التأنيث إذا كان منصوباً، حينئذٍ لا يُبْدَل التنوين ألفاً، فتقول: رأيت مسلمة، ولا تقول: رأيت مُسْلِمَتا، على اللغة المشهور.
قال الشَّارح: "أي إذا وُقِف على الاسم المُنَوَّن" يعني: دخله تنوين، فإن كان التَّنوين واقعاً بعد فَتْحَةٍ أُبْدِل ألفاً، وَيَشْمل ذلك ما فتحته للإعراب: رأيت زيدا، وما فتحته لغير إعرابٍ، كقولك في: إِيهاً ووَيْهَا: إيها وويها. صَهْ .. صهٍ: صهْ تقف عليه بالسكون.
(اثْرَ فَتْحٍ)، (فَتْحٍ) حينئذٍ شمل فتحة الإعراب وفتحة البناء، فكلا النوعين يُبْدَل تنوينه ألفاً على المشهور: إِيهاً ووَيْهَا: إيها وويها، أسماء فعل، تقول في الوقف: إيها .. ويها، تقف عليه بالألف، وإن كان التنوين واقعاً بعد ضَمَّةٍ أو كسرة حُذِف التنوين وَسُكِّن ما قبله، كقولك في: جاء زَيْد .. مَرَرت بِزَيْد: جاء زيدٌ ومررت بِزَيْدٍ، جاء زيد (زَيْدٌ) فاعل مرفوع ورفعه ضمَّة مقدَّرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الوقف، ومثله: بِزَيْدٍ .. زيد، هنا (زَيْد) اسمٌ مجرورٌ بالباء وجرُّه كسرة مقدَّرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الوقف.
وَاحْذِفْ لِوَقْفٍ فِي سِوَى اضْطِرَارِ
…
صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ فِي الإِضْمَارِ
وَأَشْبَهَتْ إِذاً مُنَوَّنَاً نُصِبْ
…
فَأَلِفَاً فِي الوَقْفِ نُونُهَا قُلِبْ
(وَاحْذِفْ) فعل أمر، فاعله ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت.
وَاحْذِفْ لِوَقْفٍ فِي سِوَى اضْطِرَارِ ..
(سِوَى) مضاف و (اضْطِرَارِ) مضاف إليه، (وَاحْذِفْ) مفعوله:(صِلَةَ).
غَيْرِ الْفَتْحِ فِي الإِضْمَارِ ..
(احْذِفْ) فعل أمر، والحكم هنا واجب، حينئذٍ يُحْمَل (احْذِفْ) على أصله، تقول:(احْذِفْ) أي: وجوباً، (لِوَقْفٍ) اللام للتَّعليل، احْذِفْ لماذا؟ (لِوَقْفٍ)، وإن كان لا نحتاج إلى هذا .. لا نحتاج أن نعلل؛ لأنَّ المقام مقام بحث الوقف، فالتَّنصيص عليه في هذا المحل نقول: هذا لبيان الواقع فحسب، وإلا لو قال:
احْذِفْ. . . . فِي سِوَى اضْطِرَارِ
…
صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ فِي الإِضْمَارِ
عرفنا أنَّه في الوقف، لأنَّ قال:(باب اَلْوَقْفِ) فدل على أنَّ حديثه هنا كُلَّه مقيَّد بالوقف لا في غيره.
إذاً: (وَاحْذِفْ لِوَقْفٍ)، (لِوَقْفٍ) جار ومجرور متعلِّق بقوله:(احْذِفْ)، والحذف هنا واجب، واللام هنا للتَّعليل: وهو إيضاحٌ لعلَّة الحذف، احذف لماذا .. لماذا تحذف؟ (لِوَقْفٍ)، إذاً: هو بيانٌ وإيضاحٌ لعلَّة الحذف، وهو إيضاح لعلَّة كون الحذف للوقف من المقام، يعني نقول: للإيضاح لا للاحتراز، لكون المقام هنا مقام بيان لأحكام الوقف، وأمَّا إذا أجريناه على حاله .. قلنا: لوقفٍ لا لغيره، نقول: هذا معلومٌ من التوقيف .. الوقف.
وَاحْذِفْ لِوَقْفٍ فِي سِوَى اضْطِرَارِ ..
(فِي سِوَى اضْطِرَارِ) يعني: في غير الاضطرار .. جار ومجرور متعلِّق بقوله: (احْذِفْ)، و (سِوَى) مضاف و (اضْطِرَارِ) مضافٌ إليه، وأمَّا في الاضطرار فلا يجب الحذف، لأنَّه قيَّده هنا:(احْذِفْ) حذفاً واجباً (صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ فِي سِوَى اضْطِرَارِ)
أمَّا في الاضطراري فلا يجب الحذف، حينئذٍ في غير الاضطراري مُغَايِرٌ للحكم علَّقه بما سوى الاضطراري وهو في الاختيار، لأنَّ الأمر: إمَّا أن يُدار بين الاختيار وبين الاضطرار، والمراد بالاضطرار هنا: في الشعر خاصَّة، ولا يقع إلا في آخر الكلام لا في أثنائه، كما سيأتي.
وَاحْذِفْ لِوَقْفٍ فِي سِوَى اضْطِرَارِ ..
وأمَّا في الاضطرار فلا يجب الحذف بل يجوز الإثبات، تحذف ماذا؟ قال:(صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ) والمراد بـ: (صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ) هاء الضمير هنا، والصلة: هو إشباعها - وهذا يبحثه القُرَّاء كثير -، إذا قلت: لهُ .. ضَرَبْتُهُ .. بهِ .. فيهِ، فيهِ: هِ ما بعدها .. الياء هذه هي الصِّلة .. يسمونها صلة، (ضربتها) الألف هذه يسمونها: صِلَة، الحرف الذي يكون من جنس الحركة: ضَرَبْتُهُ، الواو هذه المشبعة من الضَّمَّة هي التي تسمَّى صلَّة، ضربتُها .. ضربتُ به، في الوقف إن كانت هذه الصِّلة بعد غير فتحٍ وقفت عليها بالسكون .. تحذف هذه الصِّلة وتقف عليها بالسكون.
ضَرَبْتُهُ، كيف تقف عليه؟ تحذف الصِّلة التي هي الواو المشبعة، تقول: ضَرَبْتُهْ، وقعت بعد ضمَّة فوحينئذٍ يُشْبَع منها، في الوصل تقول: ضَرَبْتُهُ، تحذف الواو، (مررت بِهِ) تحذف الصِّلة، (مررت بِهْ) تُسَكِّن الهاء، هذا في الضَّم .. ما كان بعد ضَمٍّ أو كَسْرٍ، إن كان بعد فتحٍ (مررت بها) .. (ضربتها) تقف عليه بالسكون، لا تحذفها، الألف هذه تُسمَّى: صَلَة، وقد وقعت بعد فتحٍ، فهي أشبه ما تكون بفتحةٍ مُشبَعَة، حينئذٍ في الفتح تقف على الصِّلَة، وأمَّا في غير الفتح .. فيما إذا كانت بعد ضَمٍّ أو كَسْرٍ، فتقف على هاء الضمير مُسَكَّنا، فتقول: لَهْ .. بِهْ .. فِيهْ، تقف عليه بالسكون.
صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ فِي الإِضْمَارِ ..
يعني: أنَّ هاء الضمير في الوقف إذا كان صِلَة غير الفتح حُذِفت الصِّلة نفسها، وشمل الضَّمَّ والكسر: رَأَيْتُهْ .. مررت بِهْ، فتقف عليهما بالسكون، هذا في الشهير، يعني: اللغة المشهورة، (صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ) مفهومه: أنَّ صلة الفتح لا تُحْذَف، لأنَّه استثنى (صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ) يعني: غير المفتوح، فأمَّا المفتوح فلا تحذف، احذف صلة غير الفتح وهي صِلَة الضَّمِّ والكسر، أمَّا صلة الفتح فأبقها على حالها.
فُهِم منه: أنَّ الواقع بعد الفتح وهي الألف لا تُحْذَف، وهي ضمير المؤنَّث: رأيتها، والمراد بالفتح هنا: فتح بناء، لأنَّه مُتَّصل بالضمائر.
إذاً:
وَاحْذِفْ لِوَقْفٍ فِي سِوَى اضْطِرَارِ
…
صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ. . . . . .
ما هي (صِلَةُ غَيْرِ الْفَتْحِ)؟ الواو والياء، ضَرَبْتُهُ .. تنطق بواو، مررت بِهِ .. تنطق بياء، تحذف الياء وتحذف الواو وتقف على الهاء بالسكون: ضَرَبْتُهْ .. مررت بِهْ، وأمَّا الألف هذه تبقى على حالها.
إذاً: (صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ) الصِّلة المراد بها هنا: الواو والياء، وأمَّا صلة المفتوح وهي ضمير المُؤنَّث فتبقى على حالها فلا تُحْذَف.
قوله: (فِي سِوَى اضْطِرَارِ) فُهِم منه: أنَّ الوقف على الواو والياء في الاضطرار جائز، وهذا ذكرناه (فِي سِوَى اضْطِرَارِ) احذف في غير الاضطرار، أمَّا في الاضطرار فلا يجب الحذف، بل يجوز الإثبات، والمراد بالاضطرار: الشِّعْر، كقوله:
وَمَهْمَهٍ مُغْبَرَّةٍ أَرْجَاؤُهُ
…
كَأَنَّ لَونَ أَرْضِهِ سَمَاؤُهُ
تقف عليه بالهاء كما هو، هذا يسمونها: صلة، تبقى في الشِّعْر، وهذه إنَّما تكون في أطراف البيت.
وقوله:
تَجَاوَزْتُ هِنْداً رَغْبَةً عَنْ قِتَالِهِ
…
إِلَى مَلِكٍ أَعْشُو إِلىَ ضَوْءِ نَارِهِ
نَارِهِ .. قِتَالِهِ (نَارِهِ .. قِتَالِهِ .. مُغْبَرَّةٍ أَرْجَاؤُهُ .. سَمَاؤُهُ) وقفت عليه كما هي .. لم تُحْذَف، هذا ضرورة للشِّعْر، أمَّا في الكلام العادي ما تقول: زَيْدٌ ضَرَبتهُ .. غلط، إنَّما تقول: زَيْدٌ ضَرَبتهْ .. عَمْراً مررت بِهْ، مررت بِهِ هذا في الشهير لا.
إذاً:
وَاحْذِفْ لِوَقْفٍ فِي سِوَى اضْطِرَارِ
…
صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ فِي الإِضْمَارِ
(فِي) قيل بمعنى: (مِنْ) البيانيَّة هنا، و (الإِضْمَارِ) بمعنى: المضمر، يعني: من المضمر، لأنَّ الصِّلة هنا مُتعلِّقة بالضمير لا غير، ولذلك الفتح والكسر والضَّم إنَّما يكون حركة بنائية هنا وليس حركة إعرابية.
إذاً قوله:
وَاحْذِفْ لِوَقْفٍ فِي سِوَى اضْطِرَارِ
…
صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ فِي الإِضْمَارِ
يعني: إذا وُقِف على هاء الضمير، فإن كانت مضمومة أو مكسورة حذفت صِلَتها، ووقفت على الهاء ساكنةً، تقول: لَهْ وَبِهْ، بحذف الواو والياء، وإن كانت مفتوحةً نحو: رأيتها، وُقِف على الألف ولم تُحْذَف، واحترز بقوله:(فِي سِوَى اضْطِرَارِ) من وقوع ذلك في الشِّعر، وإنَّما يكون ذلك آخر الأبيات.
وَأَشْبَهَتْ إِذاً مُنَوَّنَاً نُصِبْ
…
فَأَلِفَاً فِي الوَقْفِ نُونُهَا قُلِبْ
إذاً: "ناصباً" التي مرَّت معنا، وسبق ثلاثة مذاهب في كتابة النون، قلنا الأصح: قول الفراء .. التفصيل، إذا أُعْمِلت كُتِبت بالنون، وإذا أُلْغِيت كُتِبت بالألف، إذا كُتِبَت بالنون ووقفت عليها كيف تقف؟ (وَأَشْبَهَتْ إِذاً مُنَوَّنَاً) لو قيل بأنَّها .. بقطع النظر عن الكتابة، (إِذاً) في النطق أنت تنطق بها بالنون، إذا وقفت عليها (إِذاً) التي هي من النواصب.
النَّاظم هنا قال: " يُوقَفُ عليها بإبدال النون ألفاً " لأنَّه قال:
وَأَشْبَهَتْ إِذاً مُنَوَّنَاً نُصِبْ ..
تَنْوِينَاً اثْرَ فَتْحٍ اجْعَلْ أَلِفَا
…
وَقْفَا. . . . . . . . . . . . .
(زَيْداً) هذا مُنَوَّن منصوب، لا المُنَوَّن المرفوع ولا المخفوض، إنَّما المُنَوَّن المنصوب إذا وقفت عليه تُبْدِل التنوين ألفاً، إذاً: النون هذه مثل التنوين، إذا وقفت عليها يعني: انقطع بك الكلام وأردت أن تقف على: (إِذاً) قد يقال: لا يُسْتَحْسَن، لكن إذا انقطع بك النفس ووصلت إلى: إذ .. إذاً أُكْرِمَكَ، وقفت على (إِذاً) كيف تقف؟
النَّاظم يقول: (إِذاً) تقف عليها بالألف .. تُبْدِل النون ألفاً، (وَأَشْبَهَتْ إِذاً)، (إِذاً) التي هي من النواصب، (مُنَوَّنَاً) اسماً مُنَوَّنَاً (نُصِبَ) يعني: منصوباً، الجملة هنا نعت لـ:(مُنَوَّنَاً)، (وَأَشْبَهَتْ) هذا فعل ماضي والتاء للتأنيث، و (إِذاً) فاعل .. قُصِد لفظه فهو فاعل، (أَشْبَهَتْ مُنَوَّنَاً نُصِبْ)، (نُصِبَ) هذا مُغيَّر الصيغة، والضمير نائب الفاعل يعود على المُنَوَّن، والجملة في محل نصبٍ نعت .. صفة لـ:(مُنَوَّنَاً).
وَأَشْبَهَتْ إِذاً مُنَوَّنَاً مَنصُوبًا
…
فَأَلِفَاً فِي الوَقْفِ نُونُهَا قُلِبَ
تعامله معاملة: رأيت زيدا.
يعني: أنَّ (إِذاً) التي هي من النواصب يُوقَف عليها بإبدال النون ألفاً لشبهها بالتنوين بعد الفتح، هي نون وليست بتنوين، حينئذٍ (أَشْبَهَتْ إِذاً) ولذلك عبَّر بأنَّها (أَشْبَهَتْ)، لو كان التَّنوين لدخلت في الحكم السابق، لكنَّها محمولة على سابقها.
لشبهها بالتنوين بعد الفتح فتقول: (إذا) إذا وقفت عليها، ولا تقل:(إِذاً) .. إِذا ثُمَّ تقول: إذاً أُكْرِمُك، وَفُهِم من قوله:(وَأَشْبَهَتْ) أنَّ الوقف عليها بالألف على خلاف الأصل، لأنَّها ليست بتنوين وإنَّما هي محمولةٌ على الاسم المُنَوَّن، ولذلك قال:(وَأَشْبَهَتْ) فُهِم منه: أنَّ الوقف عليها بالألف .. إبدال النون ألفاً لشبهها بالتنوين خلاف الأصل، وإنَّما هو للشَّبه.
ولذلك ذكر بعضهم وأظنُّه ابن عصفور: الوقف عليها بالنون على الأصل، لأنَّها بمنزلة (أَنْ)، إذا وقفت على:(أن) .. (أَنْ) النَّاصبة ((وَأَنْ تَصُومُوا)) [البقرة:184] انقطع بك النَّفس، كيف تقف؟ (وَأَنْ) ثُمَّ (وَأَنْ تَصُومُوا) تقف عليها بالنون الساكنة، مثلها (إِذاً) .. أُختها .. ناصبة، حينئذٍ إذا وقفت عليها تقف عليها بالنون:(إِذاً) هذا قول ابن عصفور، والجمهور على الأول.
واختاره ابن عصفور وإجماع القُرَّاءِ السَّبعة على خلاف ابن عصفور، يعني: لا يُوقف عليها بالنون، وإنَّما يُوقف عليها بالألف، إذاً: قول جماهير النُّحاة: أنَّ الوقف على النون من: (إِذاً) بالألف .. تُبْدَل النون ألفاً، قد يقول قائل: هي ليست بتنوين؟ نقول: أشبهت هذه النون التنوين فَأُلْحِقَت بها، يَدُلُّ عليه ما ذكره ابن هشام في التَّوضيح: أنَّ إجماع القُرَّاء السَّبعة على خلاف ابن عصفور في الوقف عليها بالنون دون الألف.
(وَأَشْبَهَتْ إِذاً مُنَوَّنَاً) مفعول به، (نُصِبَ) يعني: منصوباً.
فَأَلِفَاً فِي الوَقْفِ نُونُهَا قُلِبْ ..
(نُونُهَا) نون (إِذَاً) هذا مبتدأ، (قُلِبَ) أي: النون، (قُلِبَ) فعل ماضي مغيَّر الصيغة، والضمير المستتر نائب فاعل يعود إلى النون، والجملة في محلِّ رفع خبر المبتدأ.
نونها قُلِبَ ألفاً (أَلِفَاً) هذا حال من ضمير (قُلِبْ)، (فِي الوَقْفِ) هذا جار ومجرور متعلِّق بقوله:(قُلِبْ)، وهذا أولى من جعل (ألفاً) مفعول ثاني لـ (قُلِبْ).
قال الشَّارح: "إذا وُقِف على هاء الضمير، فإن كانت مضمومةً نحو: رَأَيْتُه، أو مكسورةً نحو: مررت بِهِ، حُذِفَت صلتها" وعرفنا أن المراد بالصِّلة: الواو التي بعد (ضَرَبْتُهُ) لأنه في النطق تنطق بالواو، كذلك الياء بعد: بِهِ، هذه تسمى: صلة.
ووُقف على الهاء ساكنةً إلا في الضرورة -في الشعر- وإن كانت مفتوحةً نحو: هِنْدٌ رَأَيْتُهَا، وُقِفَ على الألف ولم تُحْذَف، وَشَبَّهوا (إِذاً) بالمنصوب المُنَوَّن فأبدلوا نونها ألفاً في الوقف.
وَحَذْفُ يَا الْمَنْقُوصِ ذِي التَّنْوِينِ مَا
…
لَمْ يُنْصَبَ اوْلَى مِنْ ثُبُوتٍ فَاعْلَمَا
وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِينِ بِالْعَكْسِ وَفِي
…
نَحْوِ مُرٍ لُزُومُ رَدِّ الْيَا اقْتُفِي
هذا شروعٌ من النَّاظم في (الْمَنْقُوصِ)، الْمَنْقُوصِ كيف نقف عليه؟ إذا أردت أن تقف على المنقوص: قاضي ونحوه، هذا قد يكون مُنَوَّناً وقد لا يكون مُنَوَّناً: جاء قَاضٍ .. رأيت قاضياً .. مررت بِقَاضٍ، جاء القاضي .. رأيت القاضي .. مررت بالقاضي، قد يكون مُنَوَّن وقد يكون غير مُنَوَّن، له حكمان:
باعتبار التنوين له حكم.
وباعتبار عدم التنوين له حكم.
والفرق بينهما: أنَّه مع التنوين محذوف الياء، وإذا لم يكن تنوين فالياء الأصل فيها: الإثبات، جاء القاضي، الأصل فيها: إثبات الياء، وإن جاز حذفها على قلَّةٍ.
(وَحَذْفُ يَا الْمَنْقُوصِ)، (حَذْفُ) هذا مبتدأ، وهو مضاف و (يَا) مضاف إليه، قصره للضر، وهو مضاف و (الْمَنْقُوصِ) مضاف إليه، (ذِي التَّنْوِينِ) صاحب التنوين، احترازاً من غير التنوين، لأنَّه سيذكر له حكماً خاصَّاً:(وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِينِ بِالْعَكْسِ) يعني: بالخلاف .. العكس اللغوي.
إذاً: (ذِي التَّنْوِينِ) هذا قيد، احترز به عن غير المُنَوَّن.
وَحَذْفُ يَا الْمَنْقُوصِ ذِي التَّنْوِينِ
كيف يقول: (ذِي التَّنْوِينِ) ثم يقول: (حَذْفُ)؟ هو محذوف، قَاضٍ الياء محذوفة، ثُمَّ يقول:
حَذْفُ يَا الْمَنْقُوصِ ذِي التَّنْوِينِ أَوْلَى ..
هي محذوفة، كيف نحذف المحذوف؟ المراد بالحذف هنا: عدم رَدِّها، نُفَسِّر قوله:(وَحَذْفُ يَا الْمَنْقُوصِ) أي: عدم ردِّها، وإلا فهي محذوفة قبل الوقف لالتقاء الساكنين، إذا قلت: جاء قاضٍ، حذف الياء .. هي محذوفة كيف تحذفها؟ جاء قاض. ز احذف الياء، إذا قيل: جاء قاضٍ، قف عليه: جاء قَاضْ، احذف الياء .. كيف تحذفها؟ هي محذوفة أصلاً، حذف المحذوف ممنوع.
فحينئذٍ نُفَسِّر قوله:
وَحَذْفُ يَا الْمَنْقُوصِ ذِي التَّنْوِينِ ..
أي: عدم ردِّها، يعني: استصحب الحذف في الوقف، وإلا فهي محذوفة قبل الوقف لالتقاء الساكنين.
إذاً: حكم (يَا الْمَنْقُوص) قال: حَذْفُ ..
وَحَذْفُ يَا الْمَنْقُوصِ ذِي التَّنْوِينِ مَا
…
لَمْ يُنْصَبْ. . . . . . . . .
مَا لَمْ يُنْصَبَ، (لَمْ) حرف جزم، (يُنْصَبَ) بالفتح، هذه الحركة ليست حركة إعراب وإنما حركة بِنْيِة، أصلها:(أَوْلَى) همزة مفتوحة، أُرِيد حذف الهمزة للضرورة فَأُسْقِطَت حركتها على ما قبلها، فَسَهُل حذفها فَحُذِفت، أصلها:(أَوْلَى)، تقول هكذا:(لَمْ يُنْصَبَ اوْلَى) ما نطقت بالهمزة، هي:(أَوْلَى) .. ((أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى)) [القيامة:34] حينئذٍ نقول: (أَوْلَى) همزتها همزة قطع، لكنَّها لم اضْطُرَّ إلى حذفها هنا ألقى حركتها على ما قبلها وهو ساكن (يُنْصَبَ) إذاً: الحركة هنا حركة بنية وليس هو فعل مضارع منصوب بـ: (لَمْ)، إنَّما (لَمْ) هذه جازمة، و (يُنْصَبَ) فعلٌ مضارع مجزومٌ بـ (لَمْ) وجزمه سكونٌ مقدَّر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة النقل، هذه حركة بنية، لأنَّ الأصل:(أَوْلَى).
إذاً: (مَا لَمْ يُنْصَبْ) استثنى حالة النَّصب، فُهِم منه: أنَّ الياء لا تُحْذَف من المنصوب نحو: رأيت قاضياً، قف عليه، تبقي الياء كما هي فتقول: رأيت قَاضَيا: ((رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيا)) [آل عمران:193] لو وقفت عليه تقول: مُنَادِيا، تبقي الياء على حالها.
وَفُهِم من البيت الأول من الباب: أنَّ المنقوص المُنَوَّن المنصوب يُبْدَل فيه التنوين ألفاً، حينئذٍ تقول: قاضياً .. قاضيا، بإثبات الياء وعدم حذفها.
إذاً: قوله: (مَا لَمْ يُنْصَبْ) له مفهوم: وهو أنَّه إذا نُصِب له حكمٌ مخالفٌ لما ذكره بقوله: (وَحَذْفُ يَا الْمَنْقُوصِ) إذاً: لا تُحْذَف.
وَحَذْفُ يَا الْمَنْقُوصِ ذِي التَّنْوِينِ. .
…
. . . . . أَوْلَى مِنْ ثُبُوتٍ. . . .
إذاً: يجوز فيها الوجهان: الحذف، وعدم الحذف، لأنَّه عبَّر بـ:(أَوْلَى) والشيء لا يكون أولى إلا مع جواز غيره.
إذاً: يجوز في المنقوص ذي التنوين بشرط: أن لا يكون منصوباً يجوز فيه وجهان: حذف الياء، وعدم حذفها فتقول: جاء قَاضْ، ومررت بِقَاضْ، وجاء قاضي، ومررت بقاضي، يجوز فيه الوجهان، إلا أنَّ الحذف أولى وهو مُرَجَّح، ولذلك قرأ ابن كثير:((وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادِي)) [الرعد:7] بإثبات الياء، مع كونه (هَادٍ) مع كونه نكرة يعني: مُنَوَّن، ولكن وقف عليه بالياء:((وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالِي)) [الرعد:11] وقف عليه بالياء، والأرجح في غير المُنَوَّن الإثبات كـ: هذا القاضي ومررت بالقاضي، كما سيأتي.
إذاً:
(وَحَذْفُ يَا الْمَنْقُوصِ ذِي التَّنْوِينِ أَوْلَى مِنْ ثُبُوتٍ فَاعْلَمَا)
فُهِم من قوله: (أَوْلَى) أنَّ جواز الوقف عليهما بالياء مرجوح نحو: هذا قاضي، ومررت بقاضي، مع الجواز، لكن القول بأنَّه مرجوحٌ مطلقاً مع وجود القراءة هذا فيه نظر، يقال: هذا من باب فصيح وأفصح، يعني: هذا جائز وهذا جائز، ما دام أنَّه قرأ به واحدٌ من السَّبعة نقول: هذا ثابتٌ.
إذاً:
أَوْلَى مِنْ ثُبُوتِ فَاعْلَمَا ..
يعني: أنَّ حذف الياء من المنقوص إذا كان غير منصوبٍ أولى من ثبوتها، فشمل المرفوع نحو: هذا قَاضْ، والمجرور نحو: مررت بِقَاضْ، بحذف الياء فيهما.
ثُمَّ قال:
وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِينِ بِالْعَكْسِ ..
يعني: أنَّ المنقوص غير المُنَوَّن (بِالْعَكْسِ) من المُنَوَّن، فإثبات الياء فيه أولى من حذفها، يعني: القاضي، سيأتي أنَّ قوله:(وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِين) يدخل تحته أربعة أنواع، القاضي، المحلَّى بـ (أَلْ) غير مُنَوَّن، فتقول: جاء القاضي، هذا أولى من قولك: جاء القاض، "جاء القاض" يجوز أو لا؟ يجوز؛ لأنَّه قيَّد الحكم هنا بالعكس مما سبق، وما سبق في المُنَوَّن إنَّما هو أولوية.
فإذا كان كذلك فالحكم مستصحب فيما هو غير مُنَوَّن، فتقول: جاء القاضي، هذا الأكثر والأفصح والأشهر، وجاء القاض، بحذف الياء، ولذلك:((وَهُوَ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ)) [الرعد:9](المُتَعَالِي) بإثبات الياء، لكن نحن نقرأ:(وَهُوَ الْكَبِيرُ الْمُتَعَال)، ((لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ)) [غافر:15] يعني: (يَوْمَ التَّلاقِي) يجوز.
ولذلك لا نُعَبِّر أنَّه مرجوح كأنَّه ليس بلغة، لا هذا ثابت وهذا ثابت، إلا أنَّ الأكثر هو الذي يُقال بأنَّه أرجح، والأقل يُقال أنَّه فصيح وهو لغة معتبرة وخاصَّة إذا قُرِئ بها في السَّبع، حينئذٍ نقول: هو لغةٌ معتبرة، ولا نُضَعِّفها، هذا فيه نظر.
(وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِينِ بِالْعَكْسِ)، (غَيْرُ) هذا مبتدأ وهو مضاف و (ذِيْ التَّنْوِينِ) مضافٌ إليه، (بِالْعَكْسِ) جار ومجرور متعلِّق بمحذوف خبر (بِالْعَكْس) المراد به: الخلاف (الْعَكْس) هنا .. العكس اللغوي، يعني: أنَّ المنقوص غير المُنَوَّن (بِالْعَكْسِ) من المُنَوَّن فإثبات الياء فيه أولى من حذفها، نحو: هذا القاضي، ومررت بالقاضي، هل يشمل حالة النَّصب أم أنَّها مُسْتَثناة؟ جاء القاضي .. مررت بالقاضي، هل إثبات الياء هنا أولى من الحذف؟ نقول: نعم، لأنَّه قال:(بِالْعَكْسِ) .. بالعكس من ماذا؟ من المُنَوَّن، في المُنَوَّن قيَّده بقوله:(مَا لَمْ يُنْصَبِ) فحينئذٍ الحذف ممتنع، بل تبقى الياء ثابتة، هل هذا القيد مُعْتَبر في قوله:(بِالْعَكْسِ) .. داخلٌ في المفهوم أم لا؟
إن قلنا مُعْتَبَر حينئذٍ لا إيراد على النَّاظم، وإن قلنا غير معتبر حينئذٍ يرد الإيراد على النَّاظم، والظَّاهر: أنَّه معتبر يعني: داخلٌ في قوله: (بِالْعَكْسِ) لأنَّه (بِالْعَكْسِ) مما سبق وما سبق قيَّده بكونه: (مَا لَمْ يُنْصَبِ) حينئذٍ يكون ذلك الحكم مقروناً بذلك الشرط، عكسه: لغير المُنَوَّن.
وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِينِ بِالْعَكْسِ ..
وهذا إنَّما يكون في المرفوع والمجرور، وأمَّا المنصوب فليس في الوقف إلا إثبات الياء، هذا الذي ينبني على الاعتراض، إذا قلنا:(بِالْعَكْسِ) دخل فيه القيد لا اعتراض على النَّاظم، إذا قلنا ليس بداخل ففيه اعتراض، لأنَّه قال:
وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِينِ بِالْعَكْسِ ..
حينئذٍ يكون إثبات الياء أولى من حذفها مطلقاً، وشمل المنصوب والمنصوب ليس فيه إلا إثبات الياء، إذاً: يَرد اعتراض على النَّاظم، لكن الصَّواب أنَّ قوله:(بِالْعَكْسِ) يعني: بالعكس من الحكم السابق، وهو قد ذكر الحكم السابق مقيَّداً بكونه:(مَا لَمْ يُنْصَبِ) فإذا نُصِب حينئذٍ اختلف الحكم، فالعكس مستصحب فيه القيد السابق، فلا اعتراض على النَّاظم.
قوله: (وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِينِ) دخل تحته أربعة أشياء:
الأول: المقرون بـ (أَلْ)، يعني: الذي لا يُنَوَّن ما هو؟ الذي نقول إثبات الياء أولى من حذفها ما لم يكن منصوباً؟ المقرون بـ (أَلْ): جاء القاضي .. مررت بالقاضي، المقرون بـ (أَلْ) وهو وإن كان منصوباً فهو كالصحيح في نحو: رأيت القاضي، فيوقف عليه بإثبات الياء وجهاً واحداً يعني: مُرَجَّحاً، وهذا محل اعتراض على النَّاظم.
وإن كان مرفوعاً أو مجروراً فكما ذكر النَّاظم، فالمختار: جاء القاضي .. بإثبات الياء، ومررت بالقاضي بإثبات الياء، ويجوز: جاء القاض .. بالحذف.
إذاً: المقرون بـ (أَلْ) فيه تفصيل: إن كان منصوباً فليس فيه إلا إثبات الياء: رأيت القاضي .. إثبات الياء.
إن كان مجروراً أو مرفوعاً ففيه وجهان: الحذف، والإثبات، والإثبات أولى، وكلاهما قُرِئ بهما في السَّبع.
الثاني: ما سقط تنوينه للنِّداء، نحو: يا قاض، فالخليل يختار فيه الإثبات، ويونس يَخْتَار فيه الحذف، يعني: هل تقف على: قاض، وهو مُنَادى .. هو مبني وليس مُنَوَّناً، سقط تنوي، دخل في قوله:(وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِينِ) يا قاض، هذا غير مُنَوَّن، فالخليل يختار فيه الإثبات إذا وقفت عليه: يا قاضي، ويونس يختار فيه الحذف: يا قاض، تقف عليه بدون إرجاع الياء، ورجَّح سيبويه مذهب يونس: أنَّه يوقف عليه بالحذف، لأنَّ النِّداء محل حذفٍ ولذلك دخل فيه التَّرخيم.
الثالث: ما سقط تنوينه لمنع الصرف، مثل: جَوَارٍ وَغَوَاشٍ، نحو: رأيت جَوَارِيَ نصباً، فيوقف عليه بإثبات الياء كما تقدَّم في المنصوب.
الرابع: ما سقط تنوينه للإضافة، إذا وقفت عليه تقول: هذا قاضي مكَّة، قاضي مكَّة أسقطت التنوين من المضاف وهو: قاضي، لو انقطع بك النفس ووقفت على: قاضي، كيف تقف عليه؟ نقول: ما سقط تنوينه للإضافة نحو: قاضي مكَّة، فإذا وُقِف عليه جاز فيه الوجهان، لأنَّك حذفت التنوين لأجل الإضافة، فلمَّا وقفت عليه زالت الإضافة التي هي موجب لحذف التنوين فجاز فيه الوجهان، فتقول: هذا قاضي .. هذا قاض، ثُمَّ: قاضي مكَّة، أو تُكْمِل ما بعده.
ما سقط تنوينه للإضافة نحو: قاضي مكَّة، فإذا وُقِف عليه جاز فيه الوجهان الجائزان في المُنَوَّن، لأنَّه إنَّما زالت الياء بسبب الإضافة .. لوجود التنوين، حينئذٍ لمَّا أُضِيف حُذِف التنوين، حينئذٍ رجعت الياء.
جاز فيه الوجهان الجائزان في المُنَوَّن، لأنَّه لمَّا زالت الإضافة بالوقف عليه عاد إليه ما ذهب بسببها وهو التنوين، فجاز فيه ما جاز في المُنَوَّن.
إذاً: دخل تحت قوله (وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِين):
المقرون بـ (أَلْ).
المُنَادى.
ما سقط تنوينه لمنع الصرف نحو: جوارٍ وغواشٍ.
والمضاف: هذا قاضي مكَّة، هذه أربعة أنواع.
فكلام النَّاظم قيل: مُعْتَرَضٌ من وجهين:
أولاً: عبارته شاملةٌ لهذه الأنواع الأربعة وليس حكمها واحداً، بل بعضها يكون الحذف أرجح من الإثبات.
ثانياً: لم يستثنِ المنصوب وهو متعيِّن الإثبات، قلنا: هذا يرد عليه مت؟ إذا لم نجعل القيد داخلاً في قوله: (بِالْعَكْس) وهذا الذي مشى عليه الأشموني واعترض على النَّاظم، والصواب: أنَّه لا اعتراض، لأنَّ قوله:(بِالْعَكْسِ) يعني: عكس الحكم السابق وهو لم يطلقه بل قيَّده بقوله: (مَا لَمْ يُنْصَبِ) فنفيُ النَّصب وعدم النَّصب مُسْتَصْحَبٌ في المشبَّه به وفي المشبَّه، فلا اعتراض عليه رحمه الله.
وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِينِ بِالْعَكْسِ ..
انتهينا مما يجوز.
. . . . . . . . . . . . . وَفِي
…
نَحْوِ مُرٍ لُزُومُ رَدِّ الْيَا اقْتُفِي
يعني: إن كان المنقوص محذوف العين (فِي نَحْوِ مُرٍ)، (مُرٍ) هذا اسم فاعل من: أرى، فهو على وزن (مُفْعِل) لم يوقف عليه إلا بإثبات الياء:(مُرٍ .. مُرِي)؛ لأنه ماذا بقي منه (مُرٍ .. مُرِي)؟ مُرٍ إذا دخله التنوين حُذِفت الياء، والميم هذه ميم المفاعلة يعني: ميم (مُفْعِل) فهي زائدة، ولم يبقى منه إلا حرف واحد وهو فاء الكلمة: الرَّاء، لأنَّه من: رأى، والياء حُذِفَت للتَّنوين، إذا حذفناها في الوقف، قالو: هذا إجحاف بالكلمة، حينئذٍ نقف عليه وجوباً بردِّ الياء من أجل أن يبقى على حرفين.
(فِي نَحْوِ مُرٍ) يعني: مما كان اسم فاعل محذوف العين لم يُوقَف عليه إلا بإثبات الياء نحو: هذا مُرِي ومثله: يفي، كما سيأتي.
إذاً: ذكر النَّاظم هنا متى يجب حذف الياء، ومتى يجب إثباتها، ومتى يجوز فيه الوجهان، ونقول تلخيصاً لِمَ سبق:
إذا وُقِف على المنصوب وجب إثبات يائه في ثلاث مسائل:
الأولى: أن يكون منصوباً مُنَوَّناً، نحو:((رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيا)) [آل عمران:193] رأيت قاضيا .. رأيت غازيا، هنا الوقوف على الياء .. هذا واجب، أو غير مُنَوَّن نحو:((كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ)) [القيامة:26] التَّرَاقِيَ .. التَّرَاقِيْ.
إذاً: الحالة الأولى: أن يكون منصوباً مُنَوَّناً.
الثانية: أن يكون محذوف الفاء، والنَّاظم إنَّما نصَّ على محذوف العين، لكن هذا داخلٌ معه، أن يكون محذوف الفاء كما إذا سمَّيت بمضارع: وفى أو وعى، وفى .. يفي، وعى .. يعي، سمَّيت رجل: يعي، حينئذٍ دخله التَّنوين: يَعٍ .. يَفٍ، دخله التَّنوين .. حذفت الياء، إذا وقف عليه حينئذٍ وجب أن تقف عليه بالياء، فتقول: جاء يفي .. مررت بيفي، تردَّ الياء واجب، لأنَّك لو لم تَرُدَّ الياء لأبقيت الكلمة على حرفٍ واحد وهذا إجحافٌ به، لأنَّه من: وفى يفي، إذا قلت: يفي، أين فاء الكلمة؟
أصله: وفى .. يوفي، الواو وقعت بين عَدُوَّتَيْها مثل: وعد .. يَوْعِد، وقعت الواو بين عَدُوَّتَيْها فوجب حذفها، إذاً: حُذِفت الفاء التي هي واو الكلمة، فقلت: يفي، نَوَّنْتَه، ماذا حصل؟ حذفت الياء، صار: يفٍ، لو وقفت عليه: يَفْ، بالسكون مع حذف الياء ولم تردها، حينئذٍ ماذا يحصل؟ .. وقفت على الكلمة بحرف واحد، وهذا إجحاف بها .. ظلم لها، لا بد من إرجاع اليا.
إذاً: الحالة الثانية: أن يكون محذوف الفاء، وهذا ليس له من الأسماء إلا ما ذكره ابن هشام وغيره، أنه لو سُمِّي رجل بـ: واوي .. واويَّ الفاء .. مضارعه أمَّا: وفى نفسه لا يوجد إشكال، وفى .. يفي، وعى .. يعي، فإنَّك تقول: هذا يفي، وهذا يعي بالإثبات، لأنَّ أصلهما: يَوْفِي وَيَوْعِي، فَحُذِفت فاؤهما، فلو حُذِفت لامهما لكان إجحافاً.
إذاً: يجب إثبات الياء فيما إذا حُذِفت فاء الكلمة، وطبعاً المسألة مفروضة في المنقوص ليست في غيرها، لأنَّه هو الذي تُحْذَف منه الياء للتَّنوين، فإذا قلت: هذا يَفٍ .. هذا يَعٍ، حينئذٍ إذا وقفت عليه تقول: هذا يفي، بإثبات الياء، وهذا يعي، ولا تقل: هذا يَفْ وهذا يَعْ، لأنَّه إيقافٌ بالسكون، حينئذٍ تكون حذفت منه حرفين.
المسألة الثالثة مما يجب إثبات الياء في المنقوص: أن يكون محذوف العين، هذا الذي نصَّ عليه النَّاظم:
نَحْوِ مُرٍ لُزُومُ رَدِّ الْيَا اقْتُفِي ..
أن يكون محذوف العين (نَحْوِ مُرٍ) اسم فاعل من: أرى، إذا وُقِف عليه لزم ردُّ الياء، فتقول: هذا مُرِي، مُرِي وجب ردُّ الياء، ومررت بِمُرِي، وإنَّما لزم فيه ردُّ الياء لكثرة ما حُذِف منه فإنَّه يعني: أصله: مُرْئِيٌ (مُفْعِلٌ)، مُرْئِيٌ لأنَّه من: أرأى، على وزن (مُفْعِل) فَنُقِلت حركة عينه وهي الهمزة إلى الرَّاء وَحُذِفت الهمزة، وَفُعِل بالياء ما فُعِل بياء: قَاضٍ، ونحوه من حذف حركته - للتَّخلُّص من التقاء الساكنين-، وحذفه لالتقائه من التنوين، ولم يبقى من أصول الكلمة إلا الرَّاء، فلو سكَّنوها في الوقف لكان ذلك إجحافاً بها.
إذاً: (مُرٍ) أصله: (مُفْعِلٌ) مُرْيِئٌ، همزة أسقطت حركتها على ما قبلها، صار: مُرِي، دخل التَّنوين حذفت الياء صار: مُرٍ، ليس عندنا إلا الرَّاء، العين حُذِفت وهي الهمزة، لأنَّ أصله: رأى، فالهمزة هي عين الكلمة، حينئذٍ إذا حذفت الياء صار إجحافاً بالكلمة.
إذاً: هذه ثلاث مسائل يجب فيها إثبات الياء في الوقف.
فإن كان مرفوعاً أو مجروراً جاز إثبات يائه وجاز حذفها، ولكن الأرجح في المُنَوَّن: الحذف وهو الذي قدَّمه النَّاظم هنا نحو: هذا قاض، ومررت بقاض.
وقرأ ابن كثير: ((وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادِي)) [الرعد:7] .. ((وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالِي)) [الرعد:11]، والأرجح في غير المُنَوَّن: الإثبات كـ: هذا القاضي، ومررت بالقاضي، وكذلك قُرِئ:((وَهُوَ الْكَبِيرُ الْمُتَعَال)) [الرعد:9] .. ((يَوْمَ التَّلاقِ)) [غافر:15] كله جائز، هذا أو ذاك، وأنت مُخَيَّر بين هذا وذاك.
إذاً:
وَحَذْفُ يَا الْمَنْقُوصِ ذِي التَّنْوِينِ مَا
…
لَمْ يُنْصَبَ اوْلَى مِنْ ثُبُوتِ فَاعْلَمَا
(فَاعْلَمَاً) الفاء عاطفة، و (اعْلَمْ) فعل أمر، والألف هذه مبدلة من نون التوكيد الخفيفة، (وَحَذْفُ يَا الْمَنْقُوص) المُنَوَّن (أَوْلَى مِنْ ثُبُوتٍ) للياء، أو (من ثبوتها) بحذف المضاف إليه، قيَّده بقوله:(مَا لَمْ يُنْصَبْ) فإن نُصِب تعيَّن إثبات الياء، وأمَّا غير (ذِي التَّنْوِينِ) فهو بالعكس، فالأولى: إثبات الياء وحذفها غير أولى، وهذا كذلك يُسْتثنى منه المنصوب، لأنَّه داخلٌ في حَيِّزِه.
. . . . . . . . . . . . وَفِي
…
نَحْوِ مُرٍ لُزُومُ رَدِّ الْيَا اقْتُفِي
(لُزُومُ) مبتدأ وهو مضاف و (رَدِّ) هذا مضاف إليه، (لُزُومُ رَدِّ) كلاهما مصدران:(لُزُومُ) مصدر و (رَدِّ) مصدر .. مصدر مضافٌ إلى فاعله (لُزُومُ رَدِّ)(رَدِّ) هذا فاعلٌ في المعنى، (رَدِّ الْيَا)(رَدِّ) مضاف و (الْيَا) قصره للضرورة مضاف إليه، (رَدِّ) مصدر، فهو من إضافة المصدر إلى مفعوله (رَدِّك الياء).
إذاً: عندنا كم مصدر؟ (لُزُومُ رَدِّ)، (لُزُومُ) هذا مصدر أُضِيف إلى (رَدِّ) وهو فاعلٌ في المعنى، (رَدِّ) هذا مصدر، وهو مضافٌ إلى مفعوله في المعنى، و (الْيَا) هذا مفعول، والفاعل هو أنت، (اقْتُفِيَ) يعني: اتُّبِع .. فعل ماضي مغيِّر الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود إلى (لُزُومُ) .. (اقْتُفِيَ) أي: اتبع، والجملة خبر المبتدأ، (فِي نَحْوِ مُرٍ) هذا متعلِّق بقوله:(اقْتُفِي).
إذاً: لُزُومُ رَدِّ الْيَا اقتُفِيَ في نَحْوِ مُرٍ مما حُذِف فيه العين.
قال الشَّارح: "إذا وُقِف على المنقوص المُنَوَّن، فإن كان منصوباً أُبْدِل من تنوينه ألف نحو: رأيت قاضيا، فإن لم يكن منصوباً فالمختار: الوقف عليه بالحذف" قلنا: إن لم يكن منصوباً دخل تحته أربعة أشياء، والأشهر:"أل" .. ما كان مُحَلَّىً بـ (أَلْ).
إذا وقف على المنقوص المُنَوَّن فإن كان منصوباً أُبْدِل من تنوينه ألفاً: رأيت قاضياً، فإن لم يكن منصوباً يعني: مرفوعاً أو مجروراً، فالمختار الوقف عليه بالحذف .. حذف الياء: فهذا قاض .. مررت بقاض، إلا أن يكون محذوف العين أو الفاء كما سيأتي، فتقول: هذا قاض، ومررت بقاض، ويجوز الوقف عليه بإثبات الياء كقراءة ابن كثير:((وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادي)) [الرعد:7]((وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقِي)) [النحل:96].
فإن كان المنقوص محذوف العين كـ: (مُرٍ) اسم فاعلٍ من: أرى، أصله: أرأى .. يُرْئِي .. مُرْئِي، على وزن (مُفْعِلْ)، فَأُعِلَّ إعلال: قاضي، وَحُذِفت عينه وهي الهمزة بعد نقل حركتها، أو الفاء كـ: يفي علَماً، "يفي" هذا مضارع: وفى، لم يُوْقَف إلا بإثبات الياء، يعني: يجب إثبات الياء، فتقول: هذا مُرِي، وهذا يفي، وإليه أشار بقوله:
. . . . . . . . . . . . وَفِي
…
نَحْوِ مُرٍ لُزُومُ رَدِّ الْيَا اقْتُفِي
فإن كان المنقوص غير مُنَوَّنٍ، فإن كان منصوباً ثبتت يَاؤُه ساكنة، نحو: رأيت القاضي، ثبتت الياء .. لا تُحْذَف وجهاً واحداً، بخلاف المجرور والمرفوع، وإن كان مَرْفُوعاً أو مَجْروراً جاز إثبات الياء وحذفها، والإثبات أجود نحو: هذا القاضي، ومررت بالقاضي.
وَغَيْرَ هَا التَّأْنِيثِ مِنْ مُحَرَّكِ
…
سَكِّنْهُ أَوْ قِفْ رَائِمَ التَّحَرُّكِ
أَوْ أَشْمِمِ الضَّمَّةَ أَوْ قِفْ مُضْعِفَاً
…
مَا لَيْسَ هَمْزاً أَوْ عَلِيلاً إِنْ قَفَا
مُحَرَّكاً وَحَرَكَاتٍ انْقُلَا
…
لِسَاكِنٍ تَحْرِيكُهُ لَنْ يُحْظَلَا
نقف على هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
…
!!!