المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * الإبدال وحده والإعلال ، وحروف الإبدال * مواضع إبدال - شرح ألفية ابن مالك للحازمي - جـ ١٣٦

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * الإبدال وحده والإعلال ، وحروف الإبدال * مواضع إبدال

‌عناصر الدرس

* الإبدال وحده والإعلال ، وحروف الإبدال

* مواضع إبدال الواو والياء همزة

* مواضع قلب الهمزة ياءاَ وواواُ

* مواضع قلب الألف والواو ياءاَ

* مواضع قلب الألف والياء واواَ.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسلام على نَبيَّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:

قال النَّاظم رحمه الله: (الإِبْدَالُ).

أي: هذا باب أحكام الإبدال أو ما يَتعلَّق بـ: (الإِبْدَال)، (الإِبْدَالُ) بابٌ من أبواب الصَّرف ويشتمل على أحكام أربعة: الإبدال، والقلب، والنَّقل، والحذف، وهو أَعَمُّ من الإعلال.

(الإِبْدَالُ) اصطلاحاً: جعل حرفٍ مكان حرفٍ آخر مُطلقاً، فخرج بقيد المكان: العِوَض، فإنَّه قد يكون في غير مكان المعُوَّض عنه، وهذا معلومٌ كما هو الشأن في: عِدَة .. عِدَةٌ، التاء هذه بدلٌ أو عِوَضٌ عن الواو، أصلها من الوعد، وكذلك الهمزة في: ابن، هذه عِوَضٌ عن الواو، فَحُذِفت الواو اعتباطاً، أصله: بَنَوٌ، كذلك همزة (اسم) هذه عوض عن اللام، فأصله: سِمْوٌ أو سُمْوٌ، كما مَرَّ معنا مراراً.

وحينئذٍ هذا يُسمَّى: عِوَضاً، ولكن لا يُشْتَرط في العوض أن يكون في مَحلِّ المُعوَّض عنه، لأنَّ اللام قد حُذِفت في: سِمْوٌ وهي الواو، وَعُوِّضَ عنها في الأول وهو: اسمٌ، اسمٌ الهمزة هذه عِوَضٌ عن الواو، وفي غير محل المُعَوَّض عنه.

وكذلك همزة: ابنٍ، أصله: بَنَو (فَعَلٌ) حُذِفت الواو اعتباطاً لغير عِلَّةٍ تصريفية، وَعُوِّض عنها الهمزة في أولها، إذاً لم يُعَوَّض في مكان المحذوف، هذا يُسَمَّى: عِوَضَاً ولا يُسَمَّى: إبدالاً، ولو سُمِّي: إبدالاً، إنَّما يكون لغةً لا اصطلاحاً.

إذاً: خرج بقيد المكان العِوَض، فإنَّه قد يكون في غير مكان المُعَوَّض عنه كتاء: عِدَة، وهمزة: ابن، وقد يكون في مَحلِّه مثل: سنة .. سَنَوٌ، حُذِفت الواو وَعُوِّض عنها التَّاء، وقيل أصلها: سَنَهٌ، ولذلك يُجْمَع على: سنهات أو سنوات، هذا جائز وهذا جائز، إذاً: حُذِفت اللام سواءٌ كانت الواو أو الهاء وَعُوِّض عنها التَّاء في مَحلِّ المحذوف، وهذا يُسَمَّى: عِوَضَاً.

وبقيد الإطلاق القلب، فإنَّه مُخْتَصٌّ بحروف العِلَّة، القلب هو إبدال، ولَكنَّه أخصُّ من الإبدال الاصطلاحي، إذْ كُلُّ قلبٍ إبدالٌ ولا عكس .. بينهما العموم والخصوص المطلق، وهذا التَّعريف عام الذي هو: جعل حرفٍ مكان حرفٍ آخر مُطلقاً، إذ مقتضاه: أنَّ الإبدال يجري في جميع الحروف، وهو كذلك يجري في جميع الحروف، إن كان هذا تعريفاً لمطلق الإبدال الشامل لإبدال الإدغام، سيأتي أنَّ الإدغام فيه إبدال، يُبْدَل الحرف كذا ثُمَّ يُدْغَم في مثله، والإدغام يكون في جميع الحروف إلا في الألف، فحينئذٍ الإبدال هنا إذا كان عَامَّاً شاملاً للإدغام، حينئذٍ يدخل في جميع الحروف إلا الألف، لأنَّ الألف لا تُدْغَم، إنَّما غيرها هو الذي يُدْغَم في غيره.

إذاً: هذا التَّعريف عام، وعليه يجري في جميع الحروف إلا الألف، إن كان هذا تعريفاً لمطلق الإبدال الشامل لإبدال الإدغام، وكذلك إن كان هذا تعريفاً لغير إبدال الإدغام أيضاً فيه عموم، لو قيل: بأنَّ الإدغام إبدالٌ لَكنَّه ليس بداخلٍ في هذا الباب، وهو كذلك ليس بداخلٍ في هذا الباب وإنَّما عنى النَّاظم إبدالاً خاصاً، وهو الإبدال الشائع عند الصَّرفيين، ولذلك عيَّن قال:

ص: 1

أَحْرُفُ الاِبْدَالِ هَدَأْتَ مُوْطِيَا ..

عدَّ لنا عشرة أو تسعة أحرف، إذاً: لا يجري في جميع الحروف، وعليه نقول: لم يعن النَّاظم هنا بهذا الباب ما يشمل الإدغام، إذ جعل باباً خاصَّاً في آخر المتن يَتعلَّق بالإدغام، وأمَّا له جهة عموم أخرى: وهي كونه شاملاً للإبدال الشائع وغير الشائع، الشائع عند الصرفيين، وغير الشائع الذي يكون محفوظاً في لسان العرب ولم يجر على سَنَنِ قواعد الصَّرفيين.

إذاً: هذا يكون عامَّاً من جهة كونه شائعاً أو غير شائع، والإبدال الشائع أي: عند التَّصريفيين، ولذلك قيَّده هنا ابن عقيل:" التي تُبْدَل من غيرها إبدالاً شائعاً " وأمَّا الإبدال الغير الشائع فهو شاذ كـ: اضْطَجَعَ، هذا شاذ، كذلك: أُصيلان، تصغير: أَصيل، على غير القياس، فيُقال: أُصَيْلان، هذا كله إبدالٌ غير شائعٍ، فهو شاذٌّ يُحْفَظ ولا يُقاس عليه.

والنَّاظم هنا أراد بالإبدال: ما يشمل القلب، حينئذٍ الإبدال عامٌ عند النَّاظم فدخل فيه القلب، والقلب أخص بمطلق الإبدال، لماذا؟ لكون القلب يَختصُّ بثلاثة أحرف وهي حروف العِلَّة، وأمَّا الإبدال فهو أعم، يدخل في حروف العِلَّة وفي غيرها، ولذلك نقول: بينهما العموم والخصوص المطلق.

إذاً: أراد النَّاظم بالإبدال: ما يشمل القلب إذ كُلٌّ منهما تَغْييرٌ في الموضع نفسه بخلاف العِوَض، البدل لا بُدَّ أن يكون في نفس الموضع، والإعلال لا بُدَّ أن يكون في نفس الموضع، وأمَّا العِوَض فلا يُشْترط، بل قد يكون في الموضع نفسه، وقد يكون في غيره، كما هو الشأن في: اسمٍ وابنٍ.

وَيَخْتَصُّ القلب بحروف العِلَّة والهمزة، وزيدت الهمزة - سيأتي أنَّ النَّاظم أدخلها مع حروف العِلَّة - لأنَّها تقارب حروف العِلَّة بكثرة التَّغيير، ولذلك قيل: الهمزة حرفٌ صحيح، وقيل: حرف عِلَّة، وقيل: حرفٌ شبيهٌ بالعِلَّة، ثلاثة أقوال: هل الهمزة حرف عِلَّة أم لا؟ لأنَّها تعامل معاملة الواو والياء والألف، حينئذٍ هل هي حرف عِلَّة أم لا؟ فيها ثلاثة أقوال عند النُّحاة والصرفيين: قيل حرف عِلَّة، وقيل: حرفٌ صحيح، وقيل: شبيهٌ بالعِلَّة، وهو كذلك -أنَّه شبيهٌ بالعِلَّة- لكثرة التَّغيُّرات التي تطرأ عليها.

ولذلك نقول نتيجة ما سبق من البحث: الإعلال هو تغيير حرف العِلَّة للتَّخفيف بقلبه، أو إسكانه، أو حذفه، إذاً: تغيير، ثُمَّ هذا مطلق، تغيير كل حرف؟ لا، تغيير حرف العِلَّة على جهة الخصوص، وأمَّا تغيير غير حرف العِلَّة لا يُسَمَّى: إعلالاً، ولا يُسمَّى: قلباً، وإنَّما يُسَمَّى: إبدالاً.

للتَّخفيف بقلبه أو إسكانه أو حذفه، فأنواع الإعلال ثلاثة: القلب، والإسكان، والحذف، وبقي رابع وهو ما يُسَمَّى بـ: إعلال النَّقل، حينئذٍ نقول: أنواع الإعلال أربعة: إعلالٌ بالإسكان، وإعلالٌ بالقلب، وإعلالٌ بالحذف، وإعلالٌ بالنَّقل .. نقل الحركة، كما سبق معنا في (يقول) قلنا أصلها: يَقْوُل، القاف ساكنة، نُقِلت حركة الواو وهي الضَّمَّة إلى ما قبلها، هذا يُسَمَّى: إعلالاً بالنقل .. بنقل الحركة، وَمَرَّ معنا كثيراً هذا.

ص: 2

الإعلال بالإسكان: أن يُسْكَن الحرف من أجل أن يدغم في غيره، وهذا سيأتي مثاله، كذلك بالحذف والقلب، وهذه كلها ستأتي معنا في هذا الفصل.

وأمَّا الإبدال: فهو جعل مطلق حرفٍ مكان حرفٍ آخر، فخرج بالإطلاق: الإعلال بالقلب لاختصاصه بحروف العِلَّة، كما ذكرناه، فَكُلُّ إعلالٍ يُقَال له: إبدالٌ ولا عكس، إذ يجتمعان في نحو: قال ورمى، (قال) أصله: قَوَلَ، هذا اجتمع فيه الإبدال والإعلال، لماذا؟ لكون مُتَعلَّقه حرف عِلَّة، ثُمَّ حصل إبدالٌ. ز حرفٌ بحرف، الواو صارت ألفاً: قَوَلَ، تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، هذا إبدالٌ وإعلالٌ، ما نوع الإعلال هنا؟ إعلالٌ بالقلب، قلنا: الإعلال أربعة أنواع: إعلالٌ بالقلب، وإعلالٌ بالإسكان، وإعلالٌ بالحذف، وهذا داخلٌ بالقلب، بقي النقل ذكرناه سابقاً.

إذاً: (قال) اجتمع فيه الإبدال والإعلال بالقلب، إبدال: أُبْدِل حرفٌ مكان حرف، والإبدال لا يَختصُّ بحروف العِلَّة، ثُمَّ هذا لكونه حرف عِلَّة، لأنَّ الألف حرف عِلَّة وَأُبْدِل عن الواو .. واو إلى ألف، إذاً: كُلٌّ منهما حرف عِلَّة، لكون التَّغيير هنا حصل في حرفٍ خاص وهو حرف العِلَّة سُمِّي إعلالاً، إذاً: اجتمع مع الإبدال.

وينفرد الإبدال في نحو: اصطبر، على وزن (افْتَعَل) اصطبر افْتَعَل، هنا قُلِبت التاء صاد، هل هو من حروف العِلَّة؟ ليس من حروف العِلَّة، إذاً لا يُسَمَّى: إعلالاً، وإنَّما يُسَمَّى: إبدالاً، لماذا؟ لكون مُتَعلَّقه غير حرف العِلَّة.

(قال) و (رمى)(قال) .. (قَوَلَ) .. (رمى)(رمَيَ) حصل القلب والإعلال هنا لحرف عِلَّة، تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، إذاً: قُلِبت الواو إلى الألف، هذا يسمَّى: إبدال، ثُمَّ لكونه حرف عِلَّة إلى حرف عِلَّة، اجتمع معه الإعلال .. إعلالٌ بالقلب، كذلك: رمى، أصله: رمَيَ، تَحرَّكت اليَّاء وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، حينئذٍ نقول: هذا إبدالٌ .. أُبْدِل حرفٌ بحرف، كان ياءً ثُمَّ صار ألفاً، ولكونه حرف عِلَّة نقول: هذا إعلال، إذاً: اجتمعا.

أمَّا: اصْطَبَرَ وَادَّكَرَ، نقول: هذا على وزن (افْتَعَلَ) قُلِبت التاء هنا .. (افْتَعَلَ)(اصْتَبَرَ) هذا الأصل، قُلِبت التاء صاداً، الصَّاد ليست من حروف العِلَّة، نقول: هذا إبدالٌ ولا يُسمَّى: إعلالاً، لكون الصاد ليست من حروف العِلَّة ومثلها: ادَّكَرَ، وسيأتي بحث هذا: اصطبر وادَّكَرَ، في فصلٍ خاص.

وخرج بالمكان العِوَض، فقد يكون في غير مكان المُعَوَّض منه كتاء: عِدَة، وهمزة: ابن واسم، كما ذكرناه، وقال الأشْمُونِي:" قد يُطْلَق الإبدال على ما يَعُمُّ القلب " وهذا الذي عناه النَّاظم هنا: الإبدال أعَمُّ من القلب، إلا أنَّ الإبدال إزالة، والقلب إحالة، وهذه دعوى كما قال الصَّبَّان تحتاج إلى دليل، والإحالة لا تكون إلا بين الأشياء المتماثلة، ومن ثَمَّ اختص بحروف العِلَّة والهمزة لأنها تقاربها في كثرة التغيير.

إذاً: الإبدال أعمُّ من القلب، وهو الذي عناه النَّاظم رحمه الله.

(الإبْدَالُ) إذاً: ضَمَّن هذا الباب أربعة أحكام من التَّصريف: الإبدال بالمعنى الخاص، والقلب، والنَّقل، والحذف.

ص: 3

قال النَّاظم رحمه الله:

أَحْرُفُ الاِبْدَالِ هَدَأْتُ مُوْطِيَا

فَأَبْدِلِ الْهَمْزَةَ مِنْ وَاوٍ وَيَا

آخِراً اثْرَ أَلِفٍ زِيدَ وَفِي

فَاعِلِ مَا أُعِلَّ عَيْناً ذَا اقْتُفِي

أَحْرُفُ الاِبْدَالِ هَدَأْتُ مُوْطِيَا ..

هذا يدل على أنَّه أراد الإبدال ما هو أَخَصُّ مِمَّا يشمل الإدغام، إذ الإدغام فيه إبدال، والإدغام يدخل في جميع الحروف إلا الألف، وأمَّا الإبدال الخاص فهو أخص من مطلق الإبدال.

إذاً:

أَحْرُفُ الاِبْدَالِ هَدَأْتُ مُوْطِيَا ..

(أَحْرُفُ) مبتدأ وهو مضاف، و (الاِبْدَالِ) مضافٌ إليه، و (هَدَأْتُ مُوْطِيَا) قُصِد لفظه خبر المبتدأ، أي: أنَّ أحرف الإبدال هذه الحروف التي يجمعها قولك: (هَدَأْتُ مُوْطِيَا)، (هَدَأْتُ .. هَدَأْتَ) يجوز ضبطها بفتح التاء وضَمِّها، (هَدَأْتُ) سَكَنْتُ .. سَكَنْتَ، يجوز فيه الوجهان، (مُوْطِيَا) هذا اسم فاعل من: أَوْطَأْتُ الرَّحل إذا جعلته وَطِيِئاً، لَكنَّه خُفِّف همزته بإبدالها ياءً لانفتاحها وكسر ما قبلها، أصله: وَطِيئاً.

(هَدَأْتُ مُوْطِيَا) وذكره الهاء .. هنا ذكرالهاء زيادةً على ما في (التَّسهيل)، إذ جمعها في (التَّسهيل) في قوله:(طَوَيْتُ دَائِمَاً) أسقط الهاء، وهنا زاد الهاء ولم يذكر أحكامها، ذكر كل ما يَتَعلَّق بسائر الحروف إلا الهاء، لَكنَّه زادها هنا وأنقصها في (التَّسهيل) لكونه قد ذكرها في باب (الوقف)، ثُمَّ إنه لم يَتَكلَّم هنا على الهاء مع عَدِّه إياها، ووجه: أنَّ إبدالها من غيرها إنَّما يَطَّرِد في الوقف على نحو: رحمة ونعمة، وذلك مذكورٌ في باب (الوقف).

إذاً: (هَدَأْتُ مُوْطِيَاً) الإبدال إنَّما يكون بواحدٍ من هذه الحروف التسعة أو العشرة.

قال الشَّارح هنا: " هذا الباب عقده المُصَنِّف لبيان الحروف التي تُبْدَل من غيرها إبدالاً شائعاً " لغير إدغام .. لا بُدَّ من تخصيصه لغير إدغام، لأنَّ الإدغام إبدال لَكنَّه عام، ولذلك يدخل جميع الحروف، كل حروف الهجاء يدخل فيها الإدغام إلا الألف، وأمَّا هنا فهو خاصٌّ بـ:(هَدَأْتُ مُوْطِيَا) إذاً: صار إبدالاً خاصَّاً.

وهي تسعة أحرف، جمعها المصَنِّف رحمه الله تعالى في قوله:(هَدَأْتَ مُوْطِيَا) ومعنى (هَدَأْتَ): سكنتَ، و (مُوْطِيَا) الياء ها بدلٌ عن الهمزة، الكلمة نفسها التي جمع فيها الأحرف وقع فيها إبدال .. الهمزة أُبْدِلت ياءً - وهذا عجيب! - (مُوْطِيَاً) اسم فاعل من: أَوْطَأَتُ الرَّحْل إذا جعلته وَطِيئاً، لَكنَّه خُفِّفَ همزته بإبدالها ياءً لانفتاحها وكسر ما قبلها.

إذاً: قيَّد الشَّارح هنا كغيره الإبدال بأن يكون شائعاً، وذلك إنَّما يكون إذا كان على قواعد الصَّرف، وأمَّا ما كان خارجاً فحينئذٍ لا يكون شائعاً .. يكون شاذًّ، إذاً: يقابل الشائع الشَّاذ.

وأمَّا غير هذه الحروف فإبدالها من غيرها شاذٌّ، أو قليل نادر يحفظ ولا يُقاس عليه، فلم يَتَعرَّض المصنف له، وذلك كقولهم في (اضْطَجَعَ): طَّجَعَ، وفي (أُصَيْلَاَن) تصغير: أصيل، على غير قياس (أُصَيْلَاَن)، أصيل لا يُصَغَّر على (أُصَيْلَاَن)، من أين جاءت الألف والنون هذه؟ نقول: هذا على غير قياس، مثل: مُغَيْرِبَان تصغير: مَغْرِب.

ص: 4

وفي (أُصَيْلَاَن): أُصَيْلَاَل، (أُصَيْلَاَن) هذا تصغير: أَصيل، أُصَيْلَاَل وهذا في الوقف، ومن ذلك قول النَّابغة:

وَقَفْتُ فِيْهَا أُصَيْلَالاً أُسَائِلُهَا

عَيَّتْ جَوَابَاً وَمَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ

على كلامٍ طويل عندهم في هذه المسألة، إذاً: كُلُّ ما خرج عن قواعد الصرفيين في الإبدال، ولم يكن من هذه الحروف التِّسعة:(هَدَأْتُ مُوْطِيَا) فهو شَاذٌّ يحفظ ولا يُقَاس عليه، أو قليل والقليل يُلْحَقُ بالشَّاذ.

أَحْرُفُ الاِبْدَالِ هَدَأْتُ مُوْطِيَا ..

(هَدَأْتُ) هذا إذا أعربناه على جهة التَّفصيل نقول: فعل وفاعل، و (مُوْطِيَاً) حالٌ من الفاعل .. من التاء، ولك أن تجعلها: قُصِد لفظها فصارت علماً، (هَدَأْتُ مُوْطِيَاً) كلها مثل: زيد، تجعلها خبراً عن المبتدأ.

. .. . . . . . . . . . . . . . . .

فَأَبْدِلِ الْهَمْزَةَ مِنْ وَاوٍ وَيَا

آخِراً اثْرَ أَلِفٍ زِيدَ. . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(فَأَبْدِل) الفاء هنا للتَّفريع، شرع في بيان هذه الحروف.

فَأَبْدِلِ الْهَمْزَةَ مِنْ وَاوٍ وَيَا ..

يعني: الهمزة تُبْدَل من واوٍ وياء، يعني: الواو والياء تُقْلَب همزةً في أربعة مواضع:

الموضع الأول: أشار إليه بقوله:

فَأَبْدِلِ الْهَمْزَةَ مِنْ وَاوٍ وَيَا آخِراً ..

هذا شرط: إذا كانت آخراً، (اثْرَ أَلِفٍ) بعد ألف (زِيدَ) بعد ألفٍ زائدٍ، يعني: إذا وقعت الواو والياء بعد ألفٍ زائدة قُلِبت الواو والياء همزة، وهذا مثاله كثير نقول: كساء، أصلها: كِساوٌ، هو هذا الموضع، و (بناء) أصلها: بِنَايٌ، قُلِبت الياء همزةً، وَقُلِبت الواو همزةً لكونها وقعت مُتَطَرِّفَةً بعد ألفٍ زائدة: كِسَاءٌ، الهمزة هذه منقلبة عن واو، لأنَّها من (الكسوة): كَسَوْتُ زَيْداً ثوباً، إذاً: هو واوي، و (بَنَيْتُ) إذاً: هو يائي، إذاً (كساءٌ) و (بناء) نقول: الهمزة هنا منقلبة عن واوٍ وعن ياء، لكونها وقعت مُتَطَرِّفَةً.

(فَأَبْدِلْ) الفاء: للتَّفريع، و (أَبْدِلْ) هذا فعل أمر، والفاعل أنت، و (الْهَمْزَةَ) هذا مفعول، (أَبْدِلِ الْهَمْزَةَ).

(مِنْ وَاوٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بـ: (أَبْدِلْ)، (وَيَاءٍ) قصره للضرورة، (آخِراً) هذا منصوبٌ على الظرفيَّة، يعني: آخر الكلمة، منصوبٌ على الظرفيَّة والعامل فيه (أَبْدِل).

(اثْرَ أَلِفٍ) كذلك ظرف، وكلا الظرفين نَعتٌ لواوٍ وياءٍ، لأنَّه قيد .. شرط، إذاً: اشترط في الواو والياء: أن تكونا واقعتين آخراً، يعني: آخر الكلمة .. إذا وقعت طرفاً، (إِثْرَ) مُتعلِّق بقوله:(أَبْدِلْ)، أيضاً: ظرف، و (آخِراً) ظرف، والظِّرفان مُتعلِّقان بقوله:(أَبْدِلْ) نعتٌ لـ: (وَاوٍ وَيَا)، والتَّقدير: مِنْ وَاوٍ وَيَاءٍ واقعتين آخِراً إثْرَ أَلِفٍ زِيدَ، (زِيدَ) فعل ماضي مُغيَّر الصِّيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (أَلِفْ) الألف تكون زائدةً.

ص: 5

يعني: أنَّ الهمزة تُبْدَل من الواو والياء الواقعتين آخراً بعد ألفٍ زائدةٍ نحو: كساء وسماء .. سَمَاوٌ، الهمزة هذه ليست للتَّأنيث وإنَّما هي بدلٌ عن واوٍ، ولذلك يُجْمَع على: سموات، قيل: لكن من أين هذه الواو؟ تقولك هو جمع (سماء) أصله: سَمَاوٌ، لماذا قُلِبت الواو همزةً؟ لوقوعها مُتطرِّفةً بعد ألفٍ زائدة، وهذا الذي عناه النَّاظم هنا:

فَأَبْدِلِ الْهَمْزَةَ مِنْ وَاوٍ وَيَاءٍ آخِراً ..

وقد وقعت آخراً إثر ألفٍ زائدٍ.

إذاً: نحو: كساءٍ وسماء ودعاء، ونحو: بناء وظباء وفناء، هذا للياء.

وَفُهِم من قوله: (آخِراً) هذا قيد .. وإثر ألفٍ آخراً، مفهومه: إن لم تقع آخراً لم تُقْلَب الواو ولا الياء همزةً، لأنَّ هذا شرط .. قيد، فإن لم يكن كذلك انتفى الشَّرط، وإذا انتفى الشَّرط انتفى المشروط.

وَفُهِم من قوله: (آخِراً) أنَّ الواو والياء إن لم يكونا طرفين لم يبدلا همزة، والأمر كذلك، نحو: قَاوَلَ، (قَاوَلَ) على وزن (فَاعَلَ)، وقعت هنا الواو بعد ألفٍ زائدة، لأنَّه على وزن (فَاعَلَ)، هل تُقْلَب الواو همزةً؟ نقول: لا تقلب الواو همزةً، مع كونها وقعت بعد ألفٍ زائدة، لأنَّها لم تقع مُتَطَرِّفةً، يعني: في آخر الكلمة، (بَايَعَ) هل تُقْلًَب الياء هنا همزةً لوقوعها بعد ألفٍ زائدة؟ الجواب: لا، لأنَّ الشّرط الأول وهو (آخِراً) قد انتفى، فلا بُدَّ أن تكون آخرةً.

إذاً فُهِم من قوله: (آخِراً) أنَّ الواو والياء إن لم يكونا طرفين لم يبدلا همزةً نحو: قَاوَلَ وبايع، وإداوة وهداية، الأمر كذلك.

وَفُهِم من قوله: (أَلِفٍ زِيدَ) أنَّ الألف إذا كانت غير زائدة كذلك لا تُبْدَل، نحو: واوٌ .. كلمة: واو .. اسم واو، وقعت الواو بعد ألفٍ مُتَطَرِّفةً، هل تُبْدَل الواو همزة؟ (واء) لا يُقَال هذا، لماذا؟ لكون الواو أصليَّة لأنها ثلاثة أحرف، إذاً: فُهِم من قوله (أَلِفٍ زِيدَ): أنَّ الواو إذا وقعت مُتَطَرِّفَةً بعد ألفٍ غير زائدة لم تُقْلَب مثل: واو، ومثلها: زايٌ، وقعت الياء هنا مُتَطَرِّفة، آخر الكلمة بعد ألف، ولكن هذه الألف ليست زائدة، إذاً: لا تُقْلَب الياء همزةً نحو: واو وزاي.

وَفُهِم منه أيضاً: أنَّ حكم ما لحقته تاء التأنيث حكم المتطرِّفة، هل إذا وقعت الواو آخراً ثُمَّ لحقته تاء تأنيث، هل تُخْرِج تاء التأنيث الواو أو الياء عن كونها متطرفة أو لا؟ الظَّاهر: لا. أن حكم ما لحقته تاء التأنيث حكم المُتطرٍّفة، لأنَّ تاء التأنيث زائدة على الكلمة نحو: عباءة أصله: عَبَاوةٌ، الهمزة هنا منقلبة عن ياءٍ، إذاً: التاء هنا لم تُخْرِج الواو عن كونها مُتَطَرِّفَةً.

فقوله حينئذٍ:

. . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَأَبْدِلِ الْهَمْزَةَ مِنْ وَاوٍ وَيَا

آخِراً اثْرَ أَلِفٍ زِيدَ. . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 6

ولو خُتِم بتاء التَّأنيث، فتاء التأنيث لا تُخْرِج الواو أو الياء عن كونها مُتَطَرِّفة، وَفُهِم أيضاً: أنَّ الكلمة إذا بُنِيَت على تاء التَّأنيث لم تُبْدَل، لأنَّها لم تقع طرفاً نحو: دِرْحَايَةٌ، دِرْحَايَةٌ قالوا: هذه الكلمة أول ما وُجِدت بتاء التأنيث، يعني: ليست زائدة، فإذا لم تكن زائدة فحينئذٍ تاء التأنيث تُنَزَّل مُنَزَّلة الأصل من الكلمة، فأخرجت الياء عن كونها مُتَطَرِّفة، وأمَّا إذا كانت في نِيَّة الانفصال حينئذٍ لا تُخْرِج الواو أو الياء عن كونها مُتَطَرِّفة.

إذاً: الموضع الأول الذي تُبْدَل فيه الواو أو الياء همزةً: أن تكون هذه الواو أو الياء مُتَطَرِّفَةً إثر ألفٍ زائدةٍ، (زِيدَ) الجملة هنا نعت لـ:(أَلِفٍ) لذلك تقول: ألفٍ زائدة.

الموضع الثاني: أشار إليه بقوله:

. . . . . . . . . . . . . وَفِي

فَاعِلِ مَا أُعِلَّ عَيْناً ذَا اقْتُفِي

(ذَا) مبتدأ اسم إشارة، والمشار إليه: إبدال الواو والياء همزة، (اقْتُفِيَ) يعني: تُبِع.

فِي فَاعِلِ مَا أُعِلَّ عَيْناً ..

(فِي فَاعِلِ) يعني: فيما كان على وزن (فَاعِلِ)، أُعِلَّ عَيْناً في فعله فَحُمِل اسم الفاعل على فعله، قَالَ هذا أُعِلَّت عينه يعني: قُلِبت الواو ألفاً أصله: قَوَلَ .. قَالَ، اسم الفاعل: قَاوِل، على وزن (فَاعِل)، نقول: نقلب الواو همزةً في (قَاوِلْ) حملاً على فعله، لكون العين اعْتُلَّت في الفعل فَقُلِبت الواو ألفاً، كذلك في اسم الفاعل نقلب الواو همزةً، و (بَيَعَ) .. (بَاعَ) نقول: بايع .. بَايِعٌ، على وزن (فَاعِلْ)، نأتي إلى الياء هذه ونقلبها همزةً لكونها أُعِلَّت، يعني: قُلِبت هذه الياء ألفاً في الفعل، فَحُمِل اسم الفاعل على فعله.

إذاً .. انظر إلى النَّظم: (ذَا) أي: قلب الواو أو الياء همزةً، (اقْتُفِي) اتبع، (فِي فَاعِلِ مَا أُعِلَّ عَيْناً) يعني: في فعله، فَتُقْلَب الواو همزةً فتقول: قَائِل، وَتُقْلَب الياء همزةً فتقول في (بَاعَ): بَائِعْ، من أين جاءت هذه الهمزة؟ حملاً لاسم الفاعل على فعله، لأنَّها أُعِلَّت عينه في الفعل الماضي، فكذلك في اسم الفاعل.

(وَفِي فَاعِلِ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (اقْتُفِي)، و (اقْتُفِي) هذا خبر (ذَا) مُغيَّر الصيغة، و (فَاعِلِ) مضاف، و (مَا أُعِلَّ عَيْناً) (مَا) اسم موصول بمعنى: الذي، مضاف إليه في مَحلِّ جر، و (أُعِلَّ) مُغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (مَا)، و (عَيْناً) تمييز، فحينئذٍ نحمل اسم الفاعل على فعله، هذا الموضع الثاني.

قال الشَّارح هنا: " فَتُبْدَل الهمزة من كُلِّ واوٍ أو ياءٍ تَطرَّفَتَا ووقعتا بعد ألفٍ زائدة نحو: دعاء وبناء، والأصل: دُعَاوٌ وَبِنَايٌ "(دُعَاوٌ) يعني: ألفٌ بعدها واو، تَطَرَّفَت الواو بعد ألفٍ زائدة نقلبها همزةً فتقول: دعاء، و (بِنَايٌ) تَطَرَّفَت الياء بعد ألفٍ زائدة نقلبها همزةً فتقول: بِنَاءٌ.

فإن كانت الألف التي قبل الياء أو الواو غير زائدة لم تُبْدَل: آية وراية، وكذلك إن لم تَتَطرَّف الياء أو الواو كـ: تَبَايُنْ وتعاون، كما ذكرناه في الأمثلة السابقة، إذاً: إذا انتفت الشروط هذه انتفى قلب الواو أو الياء همزةً.

ص: 7

الموضع الثاني: أشار إليه بقوله:

. . . . . . . . . . . . . وَفِي

فَاعِلِ مَا أُعِلَّ عَيْناً ذَا اقْتُفِي

(مَا أُعِلَّ عَيْناً) فإن لم تُعَل عينه في الماضي لا تُقْلَب مثل: عَوِرَ، العين هنا لم تُعَل يعني: لم تُقْلَب ألفاً، ولذلك تقول في اسم الفاعل: عاور .. كما هو، لا تقلبه همزة، لماذا؟ لأنَّ الشرط: أن تُعَلَّ عينه في فعله .. في الماضي، يعني: تُقْلَب ألفاً، فإذا لم تُعَل حينئذٍ تَصِحُّ في اسم الفاعل، و (صَائِدْ) من: صَيِّدَة، وعَيِن فهو عاين.

قال الشَّارح: " أشار بقوله:

. . . . . . . . . . . . . وَفِي

فَاعِلِ مَا أُعِلَّ عَيْناً ذَا اقْتُفِي

إلى أن الهمزة تُبْدَل من الياء والواو قياساً مُتَّبَعَاً " (مُتَّبعاً) هذه زادها المحقق ولا داعي لها، أن الهمزة تُبْدَل من الياء والواو قياساً إذا وقعت كُلٌّ منهما عين اسم فاعلٍ وَأُعِلَّت في فعله، وقعت الواو في عين فاعل فقلت: قَاوِل، وقعت الياء في عين فاعل فتقول: بَايِعْ، وَأُعِلَّت في فعله .. تنظر في الفعل الماضي نحو: قائل وبائع، وأصلهما: قاول وبايعٌ، ولكن أَعَلُّو حملاً على الفعل يعني: لا توجد عِلَّة في اللفظ إلا الحمل على الفعل.

فكما قالوا: قال وباع، فقلبوا العين ألفاً قالوا: قائل وبائع، فقلبوا عين اسم الفاعل همزةً، فإن لم تُعَلَّ العين في الفعل صَحَّ في اسم الفاعل نحو: عَوِرَ، فهو: عاور، إذاً:(عاورٌ) لماذا لا تحملها على (قائل) و (بائع)؟ تقول: لانتفاء الشَّرط، وما هو هذا الشَّرط؟ كونها أُعِلَّت في ماضي (قائل) و (بائع)، ولم تُعَلَّ العين في ماضي (عَاوِرْ)، فتبقى على أصلها، ومثلها (عَيِنَ) فهو (عَايِنٌ)، إذاً:(عَايِن) ليست كـ: قائل وبائع، لأنَّ عين الماضي هنا لم تُعَل.

وأشار إلى الموضع الثالث مِمَّا تُبْدَل فيه الياء والواو همزة بقوله:

وَالْمَدُّ زِيدَ ثَالِثَاً فِي الْوَاحِدِ

هَمْزاً يُرَى فِي مِثْلِ كَالْقَلَائِدِ

هذا الموضع الثالث، يعني: أنَّه إذا كان في المفرد مَدٌّ ثالثٌ زائدٌ قُلِب في الجمع الذي على مثل (فَعَائِلْ).

(وَالْمَدُّ) هذا مبتدأ، (زِيدَ ثَالِثَاً فِي الْوَاحِدِ) يعني: في المفرد، (الْمَدّ) هذا جنس .. أطلق النَّاظم هنا، فيشمل الألف .. دخل الألف مع كونه يتحدث عن الواو والياء، ولا بأس بالمناسبة يذكر معه ما ناسبه.

إذاً: (الْمَدُّ) أطلق هنا فشمل الألف، نحو: قِلَادَة، ألف، وقعت ثالثة زائدة، (قِلَادَة) تقول فيه: قَلَائِدْ، والياء نحو: صحيفة وصحائف، والواو نحو: عجوز وعجائز، أصله: عجاوز، على وزن (فَعَائِلْ)، و (صحائف) أصلها: صحايف بالياء، قُلِبت الياء همزةً، وَقُلِبت الواو همزةً، لماذا؟ لكونها في المفرد وقعت ثالثاً زائداً.

(وَالْمَدُّ) شَمِل الأنواع الثلاثة: الألف والياء والواو، (زِيدَ) هذا شرطٌ، الأول: أن يكون مَدَّاً، والثاني: أن يكون زائداً، فإن لم يكن زائد لم يُقْلَبْ نحو: مَثُوبَة ومثاوب، (مَثُوبَة) هنا الواو وقعت عين الكلمة ليست بزائدة، ولذلك تقول في جمعها: مثاوب، ولا تُقْلَب الواو همزةً، و (مَعِيشَة) وقعت الياء عيناً، تقول: معايش، لأنَّ الواو والياء فيهما عين الكلمة.

ص: 8

إذاً: (الْمَدُّ) أمَّا غير المد فلا، فالحكم خاصٌّ بالألف والواو والياء، (زِيدَ) فإن لم يكن زائداً ولو كانت واواً أو ياءً لم تُقْلَب (ثَالِثَاً) مفهومه: أنَّ الثالث إذا لم يكن مَدَّة لم يُقْلَب نحو: ((قَسْوَرَة)) [المدثر:51] الواو هنا مفتوحة ليست مَدَّة، المدَّة لا بد أن تكون ساكنة وهذه ليست بساكنة، (قَسْوَرَة) تقول في الجمع: قساور، بصحة الواو ولا تقلبها همزة .. تبقى على ما هي عليه.

(فِي الْوَاحِدِ) في المفرد .. في مفرده، إذاً: إذا وُجِد في المفرد ألفٌ زائدةٌ ثالثة، وجمعته على وزن (فَعَائِلْ) قلبتَ الواو والياء والألف همزةً، لماذا؟ لكونه في المفرد بالشُّروط المذكورة.

(وَالْمَدُّ) قلنا: هذا مبتدأ.

. . . وَزِيدَ ثَالِثَاً فِي الْوَاحِدِ

هَمْزاً يُرَى. . . . . . . . . . . .

(يُرَى) هذا خبر المبتدأ، (وَالْمَدُّ يُرَى)(يُرَى) فعل مضارع مُغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على المد .. على المبتدأ، يُرَى المدُّ (زِيدَ ثَالِثَاً)(زِيدَ) فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، كذلك نائب الفاعل يعود على (الْمَدُّ) زيد المدُّ، (ثَالِثَاً) هذا حالٌ من نائب الفاعل في (يُرَى)، وجملة (زِيدَ) كذلك حال، إذاً: كُلٌّ من (زِيدَ) و (ثَالِثَاً) حالان من نائب الفاعل في (يُرَى)، والتَّقدير: وَالْمَدُّ يُرَى هَمْزاً حال كونه زائداً ثَالِثَاً، وقوله:(فِي الْوَاحِدِ) مُتعلِّق بقوله: (زِيدَ) لأنَّ محلَّ الزيادة في الأصل تكون في المفرد (زِيدَ فِي الْوَاحِدِ).

(هَمْزاً) مفعول ثاني لـ: (يُرَى) .. تَقدَّم عليه، وإذا جعلنا (يُرَى) بصرية؟ مفعول ثاني لـ:(يُرَى) إذا كانت علمية، وإذا كانت بصرية، ماذا نعرب (هَمْزاً)؟ حال .. نعربها حالاً، (رأى) إن كانت علمية أعربنا المنصوب بعدها مفعول أول وثاني، وإن كانت بصرية أعربناه حال.

إذاً: (هَمْزاً) هذا مفعول ثاني لـ: (يُرَى)، (فِي مِثْلِ) هذا مُتعلِّق بـ:(يُرَى)، (كَالْقَلَائِدِ) ما إعراب (كَالْقَلَائِدِ) هنا عندنا إشكال:(فِي مِثْلِ كَالْقَلَائِدِ)؟ الكاف نجعلها زائدة (فِي مِثْلِ كَالْقَلَائِدِ) وقعت زائدة بين المضاف والمضاف إليه .. الكاف هنا زائدة، (فِي مِثْلِ)(مِثْلِ) مضاف، و (الْقَلَائِدِ) مضاف إليه، والكاف هذه زيدت فاصلة بين المضاف والمضاف إليه.

إذاً خلاصة هذا الموضع الثالث: أنَّه إذا كان في المفرد، إذاً: النظر هنا في المفرد .. الشرط يكون في المفرد، إذا كان في المفرد مدٌّ: ألف أو واو أو ياء، ثالثٌ زائدٌ، حينئذٍ قُلِب هذا المد سواءٌ كان ألفا أو واواً أو ياءً .. قُلِب في الجمع على (فَعَائِلْ)، حينئذٍ تقول: قلادة .. قَلائد، الهمزة هذه هي الألف التي في: قلادة، وأمَّا الألف التي في: قلائد (فَعَائِلْ) ألف الجمع .. التكسير، ثُمَّ جاءت الألف التي في: قلادة، فَقُلِبت همزةً، (صحيفة): صحايف، هناك الألف ما يمكن النُّطق بها، (صحايف) هذا الأصل، فتقلب الياء همزةً لكون هذه الياء في المفرد مدة ثالثة زائدة، وتقول (عجوز): عجاوز، هذا الأصل، ثُمَّ تقلب الواو همزةً لكونها في المفرد مدَّة أي: واو، ثالثة زائدة.

ص: 9

إذاً: هذا الموضع الثالث الذي تُقْلَب فيه الواو أو الياء، وزاد النَّاظم مع الألف تُقْلَب همزةً.

قال الشَّارح: " تُبْدَل الهمزة أيضاً مِمَّا ولي ألف الجمع الذي على مثل (مَفَاعِلْ)، ثُمَّ يكون (فَعَائِلْ)، إن كان مَدَّةً مزيدة في الواحد نحو: قلادة وقلائد، وصحيفة وصحائف، وعجوز وعجائز "(عجوز) يُطْلَق على الذَّكر والأنثى (فَعُول)، (عجوزة) هذا خلاف الأصل.

فلو كان غير مَدَّة لم تُبْدَل نحو: قَسْوَرَة وَقَسَاوِرْ، صَحَّت الواو في الجمع، لم تُبْدل همزة لانتفاء شرط كونها مَدَّة في المفرد، وهكذا إن كان مَدَّة غير زائدة نحو (مَفَازَة): مَفَاوِزْ، صحَّت الواو، و (معيشة) ومعايش، إلا فيما سُمِع فَيُحْفَظ ولا يُقاس عليه نحو: مصيبة ومصائب، هذا يُحْفَظ ولا يقاس عليه، كذلك: منارة ومنائر، هذا يُحْفَظ ولا يقاس عليه: منائر، نقول: هذا شاذٌّ.

وأشار إلى الموضع الرابع بقوله:

كَذَاكَ ثَانِي لَيِّنَيْنِ اكْتَنَفَا

مَدَّ مَفَاعِلَ كَجَمْعٍ نَيِّفَا

(كَذَاكَ) أي: مثل ذاك، المشار إليه: قلب حرف العِلَّة همزة الذي هو الواو والياء، (ثَانِي لَيِّنَيْنِ) (لَيِّنَيْنِ) يعني: حرف عِلَّة، وأطلق النَّاظم فيشمل حينئذٍ أربع صور .. سيأتي، (اكْتَنَفَا) .. (كَذَاكَ) خبر مُقدَّم، (ثَانِي) هذا مبتدأ مُؤخَّر وهو مضاف، و (لَيِّنَيْنِ) مضاف إليه، (اكْتَنَفَا) فعل ماضي مبني للمعلوم، والألف هذه فاعل، (اكْتَنَفَ) بمعنى: أحاط يعني: تَوسَّط.

(مَدَّ مَفَاعِلَ)(مَدَّ) هذا مفعولٌ به لقوله: (اكْتَنَفَا)، إذاً:(اكْتَنَفَا) الألف هنا يعود على (لَيِّنَيْنِ)، (مَدَّ مَفَاعِلَ)(مَدَّ) مفعول به، و (مَدَّ) مضاف، و (مَفَاعِلَ) مضاف إليه، احترز به عن (مَفَاعِيْل) طَوَاوِيس، فتصح الواو والياء، (كَجَمْعٍ نَيِّفَا) سيأتي.

إذاً: يعني بهذا البيت الموضع الرابع: وهو مِمَّا تُقْلَب فيه الواو والياء همزة، يعني: أنَّه إذا وقعت ألف التَّكسير بين حرفي عِلَّة، ولذلك قال:(ثَانِي لَيِّنَيْنِ اكْتَنَفَا) اكتنفا ماذا؟ (مَدَّ مَفَاعِلَ).

(اكْتَنَفَا) الألف هذه تعود إلى لـ: (لَيِّنَيْنِ) مضافٌ إليه، (اكْتَنَفَا) ماذا؟ أحاطا بماذا؟ (مَدَّ مَفَاعِلَ)، إذاً: وقع (مَدَّ مَفَاعِلَ) بين حرفي لين: واو واو، ياء ياء، واو ياء، ياء واو أربعة صور، لأنَّ النَّاظم أطلق هنا، إذاً: إذا اكتنفا .. أحاطا بـ: (مَدَّ مَفَاعِلَ) حينئذٍ يأتي الحكم الذي ذكره.

يعني: أنَّه إذا وقعت ألف التكسير بين حرفي عِلَّة وجب إبدال ثانيهما همزة، الثاني الذي هو بعد ألف (مَفَاعِلَ)، تقع ألف (مَفَاعِلْ) بين حرفي عِلَّة، ثُمَّ الثاني هو الذي يقلب همزة، (كَذَاكَ) أي: مثل ذاك السَّابق في قلب الواو والياء همزةً (ثَانِي)، إذاً: الحكم مُنْصَب على الثاني لا على الأول، متى؟ إذا (اكْتَنَفَا مَدَّ مَفَاعِلَ) فوقعت (مَدَّ مَفَاعِلَ) بين حرفي لين، تقلب الثاني الذي بعد الألف، الواو تقلبه همزة، أو الياء تقلبه همزة.

ص: 10

وَفُهِم من قوله: (لَيِّنَيْنِ) الإطلاق، أطلق النَّاظم هنا حيث لم يَشْتَرط الزِّيادة، ولا زيادة ما بعد الألف، كما اشترط في المسألة السابقة، (وَالْمَدُّ زِيدَ) اشترط أن يكون زائداً، وهنا لم يَشْتَرط فأطلق فيعم الصَّحيح.

وَشَمِل قوله: (لَيِّنَيْنِ) أربع صور:

لَيِّنَيْنِ اكْتَنَفَا مَدَّ مَفَاعِلَ ..

واوين .. ياءين، الأول واو، والثاني ياء، وبالعكس.

وشمل قوله: (لَيِّنَيْنِ) أربع صور:

الأولى: أن يكون واوين نحو: أوائل، أصله: أَوَاوِل، جمع (أول)، إذاً: وقعت ألف (مَفَاعِل) بين واوين، نقلب الثانية همزة.

كَذَاكَ ثَانِي لَيِّنَيْنِ اكْتَنَفَا

مَدَّ مَفَاعِلَ. . . . . . . . . .

هنا: أواول، الواوان اكتنفا .. أحاطا بـ (مَدَّ مَفَاعِل)، إذاً: نقلب الثانية همزةً، فتقول: أوائل.

الثاني: أن يكونا ياءين نحو: (نَيِّفَ) الذي ذكره هنا، (نَيِّفَ) ونيائف، أصله: نيايف، وقعت الألف بين ياءين، فَقُلِبت الياء الثانية همزةً وقيل: نيائف، إذاً: وقعت الألف هنا (مَدَّ مَفَاعِل) بين حرفي عِلَّة وهما ياءان، قُلِبت الثانية همزةً.

الصورة الثالثة: أن تكون الأولى واواً والثانية ياءً نحو: صائد وصوائد، أصله: صوايد، وقعت الألف تكسير بين واوٍ وياء، إذاً: حرفي العِلَّة (اكْتَنَفَا مَدَّ مَفَاعِل) فَقُلِبت الثانية همزة فقيل: صوائد.

الرابعة: أن تكون الأولى ياءً والثانية واواً نحو: جَيِّد وَجَيَائِدْ، أصله: جَيَاوِِدْ، وقعت الألف بين حرفي عِلَّة، الأولى ياء والثانية واو: جياود، لأنَّه من: جاد يجود، وسيِّد .. سيائد، أصله: سياود.

إذاً قوله: (ثَانِي لَيِّنَيْنِ)(لَيِّنَيْنِ) أطلقه النَّاظم فشمل الصُّور الأربع التي ذكرناها، (اكْتَنَفَا) يعني: أحاطا (الألف) هنا فاعل يعود على (لَيِّنَيْنِ)، أحاطا (مَدَّ مَفَاعِل).

فُهِم من قوله (مَفَاعِل): أنَّها لا تُقْلَب إلا إذا كانت مُتَّصلة بالطَّرف كالمثال، فلو بَعُدت من الطَّرف لم تُقْلَب نحو: طواويس، لأنَّه (مَفَاعِيل) لا (مَفَاعِلْ)، إذاً: مقصوده: (مَفَاعِلْ) لا (مَفَاعِيل) .. احترز بـ: (مَفَاعِلْ) عن (مَفَاعِيل).

(كَجَمْعٍ نَيِّفَا)(جَمْعٍ) بالتَّنوين هنا، يعني: وذلك كجمعٍ (كَجَمْعٍ نَيِّفَا)، (نَيِّفَا) الألف هذه للإطلاق، مِثَالٌ لِمَا حرفا العِلَّة فيه ياءان، وهذا يُؤْخَذ منه أنَّ النَّاظم هنا لم يُخَصِّص الحكم بالمثال، لأنَّه قال:(ثَانِي لَيِّنَيْنِ) أطلق اللينين، ومَثَّل بما وقعت المدَّة بين ياءين، لا ينفي أن تقع المدَّة بين واوين أو مختلفين، حينئذٍ نقول: هذا من باب ذكر المثال فحسب، لا من إعطاء الحكم.

إذاً: (نَيِّفَا) مثالٌ لِمَا حرفا العِلَّة فيه ياءان وهو (نَيِّفَ) وزنه (فَيْعِل)، والياء الأولى زائدة، وعينه ياءٌ، لأنَّه من: نَافَ يَنِيْف إذا زاد، (نايف) يعني: زائد هذا الأصل، إذا زاد، فاجتمعت ياءان أُدْغِمَت الأولى في الثانية، فَلَمَّا جُمِع على (مَفَاعِلْ) فَصَلَت ألف الجمع بين الياءين (نَيِّفَ) مدغمة، (فَيْعِل) أُدْغِمت الياء الأولى في العين.

ص: 11

إذاً قوله: (لَيِّنَيْنِ) لم يَشْتَرط الزِّيادة كالمسألة السابقة، حينئذٍ يحتمل أن الأولى تكون زائدة، والثانية أصلية (نَيِّفَ) ياءٌ ثُمَّ بعدها ياء ثُمَّ الفاء على وزن (فَيْعِل)، أُدْغِمَت الياء الأولى في الثانية صار (نَيِّفْ)، لَمَّا جُمِع على (مَفَاعِلْ) وقعت الألف بين الياءين فصلت بينهما .. فَكَّتْ الإدغام، حينئذٍ وقعت الألف بين ياءٍ زائدة سابقة وياءٍ أصلية بعدها التي هي عين الكلمة، فَقُلِبت عين الكلمة.

فصلت ألف الجمع بين الياءين وَقُلِبت التي بعد الألف همزة، وإنَّما قُلِب حرف العلَّة في هذه الصُّور الأربع همزةً وإن كانت أصلاً في مثل (نَيِّفْ) لِثِقَل الألف بين حرفي العِلَّة.

كَذَاكَ ثَانِي لَيِّنَيْنِ اكْتَنَفَا

مَدَّ مَفَاعِلَ كَجَمْعٍ نَيِّفَا

(نَيِّفَا) الألف هذه للأطلاق، قال الشَّارح:" أي كذلك تُبْدَل الهمزة من ثاني حرفين لَيِّنَيِن تَوَسَّط بينهما مَدَّة (مَفَاعِل)، كما لو سَمَّيت رجلاً بـ: نَيِّفٍ، ثُمَّ كسَّرْتَه (فَيْعِل) فإنَّك تقول: نَيَائِفْ " أصلها: نيايف، الياء الثانية هي عين الكلمة.

بإبدال الياء الواقعة بعد ألف الجمع همزة ومثله: أول وأوائل، كما ذكرناه سابقاً، فلو تَوَسَّط بينهما مَدَّة (مَفَاعِيل) امتنع قلب الثاني منهما همزة كـ: طواويس، وقعت الألف بين واوين ولم تُقْلَب، لأنَّ الحكم خاص بـ:(مَفَاعِل) لا (مَفَاعِيل)، ولهذا قَيَّد المصنف رحمة الله ذلك بـ:(مَدَّة مَفَاعِل).

إذاً: هذه أربعة مواضع تُبْدَل فيها الياء والواو همزة:

- الموضع الأول: إذا وقعت آخراً إثر ألفٍ زائدة.

- الموضع الثاني: إذا وقعت بعد ألف فاعل .. اسم فاعل، وقد أُعِلَّت عينه في الماضي.

- الموضع الثالث: أن تكون مَدَّةً ثالثةً زائدةً في المفرد ويجمع على (فَعَائِل).

- الموضع الرابع: أن تقع مَدَّة (مَفَاعِل) بين لَيِّنَيْن، حينئذٍ إذا وقعت كذلك قُلِبت الثانية الواو أو الياء همزةً.

ثُمَّ قال النَّاظم:

وَافْتَحْ وَرُدَّ الْهَمْزَ يَا فِيمَا أُعِلّْ

لَاماً وَفِي مِثْلِ هِرَاوَةٍ جُعِلْ

وَاوَاً وَهَمْزاً أَوَّلَ الْوَاوَيْنِ رُدّ

فِي بَدْءِ غَيْرِ شِبْهِ وَوُفِيَ الأَشَدّ

(وفِيَ الأَشَدْ) مُغيَّر الصيغة.

(وَافْتَحْ وَرُدَّ) هذا عكس ما سبق، أشبه ما يكون بالاستثناء من النَّوعين المتأخرين، أشار بهذين البيتين إلى عكس ما سبق: وهو إبدال الواو والياء من الهمز، الهمزة تُقْلَب واواً وياءً .. عكس ما سبق.

(وَافْتَحْ وَرُدَّ الْهَمْزَ يَا)، (الْهَمْزَ)(أَلْ) للعهد .. الهمزة السابقة التي أُبْدِلت من الياء أو الواو، (رُدَّ الْهَمْزَ يَاءً) (الْهَمْزَ) مفعول أول لـ:(رُدَّ)، و (يَاءً) قصره للضرورة، مفعول ثاني لـ:(رُدَّ).

رُدَّ الْهَمْزَ يَا فِيمَا أُعِلَّ لَاماً ..

يعني: النَّوعين السابقين:

كَذَاكَ ثَانِي لَيِّنَيْنِ اكْتَنَفَا ..

ص: 12

والسَّابق: (وَالْمَدُّ زِيدَ ثَالِثَاً) إن كانت لامه مُعتلَّة حينئذٍ تُفْتح الهمزة ثُمَّ تُقلَب ياءً أو واواً، يعني: بعد أن نقلبها همزة نفتحها لأنَّها (مَفَاعِلْ) في الثاني، و (فَعَائِلْ) في السَّابق، إذاً: الهمزة مكسورة (افْتَحْ الْهَمْزَة) افتحها من أجل أن تتمكن من قلبها إلى واوٍ أو ياءٍ:

وَرُدَّ الْهَمْزَ يَا فِيمَا أُعِلَّ لَاماً ..

(فِيمَا) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بـ: (رُدَّ)، و (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، (أُعِلَّ) مُغيَّر الصيغة والضمير يعود إلى (مَا)، (لَاماً) هذا تَمييز، يعني: أنَّ الهمزة الواقعة بعد ألف الجمع إذا كان مفردُ ما هي فيه مُعلَّ اللام، يجب فتحها وقلبها ياءً إن كانت في المفرد غير واوٍ سالمة، هذا كالاستدراك من النَّوعين الثالث والرابع، عرفنا أنَّ الثالث.

الْمَدُّ زِيدَ ثَالِثَاً فِي الْوَاحِدِ

يُرَى هَمْزاً. . . . . . . . . . . .

تقلبه همزاً، ثُمَّ إذا كانت لامه مُعلَّه في المفرد، حينئذٍ الهمزة مكسورة تقلبها فتحة، ثُمَّ تقلب الهمزة ياءً، هذا في النوعين المتأخرين، وأمَّا إذا لم يكونا مُعلَّي اللام حينئذٍ تبقى على أصلها.

يعني: أنَّ الهمزة الواقعة بعد ألف الجمع السابقة في النوعين المتأخرين، إذا كان مفرد ما هي فيه مُعلَّ اللام يجب فتحها وقلبها ياءً إن كانت في المفرد غير واوٍ سالم، إلا إذا كانت في المفرد واو سالمة، وأمَّا إذا كانت غير سالمة في المفرد، وأمَّا إذا سلمت في المفرد فهذه تبقى في الجمع كما هي، ولذلك قال:

وَفِي مِثْلِ هِرَاوَةٍ جُعِلْ وَاوَاً ..

كما هو، لماذا؟ لكونها سَلِمَت في المفرد، وأمَّا إذا لم تسلم في المفرد فالحكم مُتعلِّق بهذا النَّوع، واواً إن كانت في المفرد واواً سالمة، وهو الذي عناه بقوله:(وَفِي مِثْلِ هِرَاوَةٍ) فـ: (أَلْ) في الهمز للعهد المُتقدِّم، يعني: الذي تَقدَّم ذكره، وحينئذٍ شمل ثلاثة أنواع، قوله:

وَافْتَحْ وَرُدَّ الْهَمْزَ يَا فِيمَا أُعِلّ

لَاماً. . . . . . . . . . . . .

شمل ثلاثة أنواع، وما بعده كذلك:

أولاً: ما استحقَّ الهمزة لكونه مَدَّاً زائداً في المفرد ولامه ياء، يعني: النَّوع الثاني السَّابق:

وَالْمَدُّ زِيدَ ثَالِثَاً فِي الْوَاحِدِ ..

قد يكون لامه ياء هذا نوع، وما استَحَقَّ الهمزة لكونه مَدَّاً زائداً في المفرد ولام الكلمة واو، إذاً: القسم الثاني: (وَالْمَدُّ زِيدَ) إمَّا أن تكون لامه واو أو ياء، جعلهما المكودي نوعين، وما استحقَّ الهمزة لكونه اكتنفه ليِّنَان، هذا الموضع الذي هو الرابع:(كَذَاكَ ثَانِي لَيِّنَيْنِ) والكلام فيما إذا اعتلَّت لامه، وما أصله همزة.

فمثال الأول: هدية وهدايا، هذا مثالٌ لِمَا استحقَّ الهمزة لكونه مَدَّاً زائداً في المفرد، ومثال الثاني: مَطيِّة ومطايا، ومثال الثالث: زاوية وزوايا، ومثال الرابع: خطيئة وخطايا، وهذه كلها مَثَّل بها ابن عقيل فيما يأتي ذكره.

إذاً:

وَافْتَحْ وَرُدَّ الْهَمْزَ يَا فِيمَا أُعِلّ

لَاماً. . . . . . . . . . . . .

ص: 13

المراد هنا: أنَّه استثناءٌ مِمَّا سبق في الموضعين الثالث والرابع، إذا توصلنا إلى قلب الياء أو الواو همزةً حينئذٍ تكون الهمزة مكسورة مثل: صحائف وعجائز ونحو ذلك، ثُمَّ تنظر نظر ثاني .. تنظر في اللام إن كانت مُعلَّة في المفرد إمَّا واو، أو ياء، أو همزة كما ذكره، ولو وقعت بين ليِّنين، حينئذٍ إن كان مُعَلَّاً لك عمل آخر بعد قلب الواو أو الياء همزةً، تقلب كسرة الهمزة فتحة، ثُمَّ تقلب الهمزة إمَّا واواً أو ياءً باعتبار الأصل، إلا إذا سلمت الواو في المفرد مثل: هراوة، فتبقى كما هي في الجمع.

فأصل (خطايا): خَطَايِئٌ، بياءٍ مكسورة وهي ياء (خطيئة)، وهمزةٌ بعدها هي لامها، (خطايا) تجمعها على: خَطَايِئٌ .. (فَعَايِل)، إذاً: هذه الياء التي بعد الألف هي ياء خطيئة، والهمزة هي لام الكلمة:(خطيئة) هناك، ثُمَّ أُبْدِلت الياء همزةً على حَدِّ الإبدال في: صحائف، فصار:(خطائئٌ) بهمزتين، ثُمَّ أُبْدِلت الثانية ياءً لِمَا سيأتي أنَّ الهمزة المُتطرِّفة تُقْلَب ياءً وإن لم تكن بعد مكسورة، وإذا كانت بعد مكسورة من بابٍ أولى وأحرى.

ثُمَّ فُتِحَت الهمزة الأولى تخفيفاً، يعني: الياء المبدلة من الهمزة، لأنَّه على وزن: صحائف، ثُمَّ قُلِبَت الياء ألفاً لِتَحَرُّكها وانفتاح ما قبلها فصار: خطائا، ألفٌ ثُم همزة ثُم ألفٌ، وقعت الهمزة بين ألفين، والهمزة تشبه الألف فاجتمع شِبْه ثلاث ألفات فَأُبْدِلت الهمزة ياءً فصار: خطايا، بعد خمسة أعمال:

الأول: أُبْدِلت الثانية ياءً، هكذا: خطايا، أصلها: خطا، ثُمَّ ياءٌ .. ثُمَّ همزة، لأنَّه جمع: خطيئة، فتقول: خطايئٌ، ثُمَّ أُبْدِلت الياء .. هنا الياء وقعت بعد ألف: خطايا، مثل: صحائف، فعلى القاعدة السابقة: تقلب الياء الواقعة بعد ألف (مَفَاعِل) تقلبها همزة، فاجتمع عندنا همزتان: خطائِئٌ، تقلب كسرة الهمزة فتحة فتصير: خطائَئٍ، بفتح الهمزة ثُمَّ بعدها همزة، ثُمَّ قُلِبت الياء ألفاً؛ لأنَّ الهمزة الثانية إذا وقعت مُتطرِّفةً بعد كسرةٍ أو بعد فتحةٍ تُقْلَب ياءً، كأنَّه صار: خطائِيٌ، ثُمَّ تَحرَّكت الهمزة بالفتح، لأنَّك قلبت الكسرة فتحة، تَحرَّكت الهمزة بالفتح والياء إذا تَحَرَّكت وانفتح ما قبلها وجب قلب الياء ألفاً، فاجتمع ألفان بينهما همزة فصار ثقيلاً.

والهمزة تشبه الألف فاجتمع شبه ثلاث ألفات، فَأُبْدِلت الهمزة ياءً فصار: خطايا، وأصل: هدايا .. هدايِيٌ، بياءين: الأولى ياء (فَعِيلة) والثانية لام: هدية، ثُمَّ أُبْدِلت الأولى همزة كما في: صحائف، ثُمَّ قُلِبَت كسرة الهمزة فتحة، ثُمَّ قُلِبت الياء ألفاً، ثُمَّ الهمزة ياءً فصار:(هدايا) بعد أربعة أعمال.

وأصل (مطايا): مطايِوُ، بكسر الياء وضَمِّ الواو، لأنَّ أصل مفرده وهو: مَطيَّة .. مَطْيِو (فَعِيلَة) من المطا وهو: الظَّهر، أُبْدِلت الواو ياءً، وَأُدْغِمت الياء فيها على حَدِّ: سَيِّد وَمَيِّت، فَقُلِبَت الواو ياءً لِتَطَرُّفِها بعد الكسرة كما في: الغازي والداعي، ثُمَّ قُلِبَت الياء الأولى همزة كما في: صحائف، ثُمَّ أُبْدِلَت الكسرة فتحة، ثُمَّ الياء ألفاً، ثُمَّ الهمزة ياءً، فصار: مطايا، بعد خمسة أعمال.

ص: 14

وإن كانت الهمزة أصلية سلمت نحو: المِرْآة والمرائي، فإن الهمزة موجودة في المفرد، فإن: مِرْآة (مَفْعَلَة) من الرؤيا، فلا تُغَيَّر في الجمع، وشَذَّ: مرايا، كـ: هدايا، سلوكاً بالأصل مسلك العارض.

قال ابن عقيل: " قد سبق أنه يجب إبدال المدَّة الزائدة في الواحد همزة إذا وقعت بعد ألف الجمع نحو: صحيفة وصحائف، وأنَّه إذا تَوَسَّط ألف (مَفَاعِل) بين حرفين لَيِّنَين قُلِب الثاني منهما همزة نحو: نَيِّفْ وَنَيِائِفْ ".

الآن الكلام في هذين النوعين، وذكر هنا: إذا اعْتلَّ لام أحد هذين النوعين تزيد عليه عمل آخر، يعني: بعد أن تصل إلى النتيجة السابقة .. إذا اعْتَلَّت لام أحد هذين النوعين تنظر نظر آخر: وهو كونه معتل أو لا، إن كان غير مُعتل فالنتيجة السابقة تقف عليها، إن كان مُعتلَّاً زِدْتَ عليه عمل آخر، فإنَّه يُخَفَّف بإبدال كسرة الهمزة فتحة، ثُمَّ إبدالها ياءً، وَكُلُّ واحدة فيها خريطة كما ذكرناه سابقاً، يعني: تحتاج إلى عِدَّة أعمال.

فمثال الأول: قضية، المثال الأول ما هو الأول؟ أشار إليه بقوله:

وَالْمَدُّ زِيدَ ثَالِثَاً فِي الْوَاحِدِ ..

هذا النوع الأول، (والْمَدُّ زِيدَ) مثال النوع الأول: قضية وقضايا، (قضايا) ليس أصلاً لأنَّه أصله مثل: صحائف، الأصل: قَضَائِيٌ .. قضية، لأنَّ الثالث من: قضية، حرف لين وهو زائد .. مَدٌّ زيد ثالثاً، فتجمعه على ماذا؟ مثل: صحائف وعجائز، فتقول: قَضَائِيٌ، بهمزة ثُمَّ ياء، ولذلك قال: أصله: قضائي، بإبدال مَدَّة الواحد همزة، ما هي مَدَّة الواحد؟ الياء الأولى من: قضية، مثل: صحيفة، الياء الأولى تُبْدَل همزة.

بإبدال مَدَّة الواحد همزة، كما فُعِل في: صحيفة وصحائف، (قضائِيٌ) الهمزة هنا مكسورة، واللام مُعتلَّة، وهذا فيه ثِقَل، أردنا التَّخفيف، حينئذٍ ماذا صنعوا؟ أبدلوا كسرة الهمزة فتحة، حينئذٍ نقول: الياء قضائِيٌ، تحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها: قضائي، قلبنا الكسرة فتحة، تحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها فَقُلِبَت الياء ألفاً صار: قضائا، همزة وقعت بين ألفين، وهذا فيه ثِقَل، لأنَّ الهمزة تشبه الألف فصار كأنَّه اجتمع عندنا ثلاث ألفات.

فَأُبْدِلَت الهمزة ياءً فصار: قضايا، الهمزة التي وقعت بين ألفين أُبْدِلت ياءًَ، هذه الهمزة كانت ياءً، لأنَّها هي الياء الأولى من: قَضِيَّة، قَضِيَّة الياء الأولى هي التي قلبناها همزة، ثُمَّ قلبنا الهمزة ياء .. رددناها إلى الياء، حصل التخفيف بما ذُكِر.

ومثال الثاني: زاوية وزوايا، أصله: زوائِيٌ، بإبدال الواو الواقعة بعد ألف الجمع همزة الأصل: زواوي .. زواوٍ، إذا حذفناها يعني: التقى ساكنان، إذاً: زوايا، أصله: زواويٌ، واو وواو وقعت بينهما ألف، هذا (كَذَاكَ ثَانِي لَيِّنَيْنِ) مثال للنَّوع الثاني، وقعت الألف بين واوين: زاوية .. زوايا، كيف وصلت إلى: زوايا؟ أصله: زواويٌ، ثُمَّ قُلِبَت الواو الثانية بعد الألف همزة فصار: زَوَائِيٌ، بإبدال الواو الواقعة بعد ألف الجمع همزة كـ: نَيِّفْ ونيائف.

ص: 15

إذاً: زوائِيٌ، هذا ثقيل، قُلِبَت الواو التي بعد الألف همزةً على الأصل، حينئذٍ قيل: زوائِيٌ، بكسر الهمزة، ثُمَّ اللام معتلَّة، حينئذٍ نقلب كسرة الهمزة فتحة فنقول: تحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها فوجب قلب الياء ألفاً، فحينئذٍ قُلِبَت الياء ألفاً لِتَحَرُّكِها وانفتاح ما قبلها فصارت: زوائا، همزة بين ألفين، ثُمَّ قلبوا الهمزة ياءً فصار: زوايا.

إذاً: قوله:

وَافْتَحْ وَرُدَّ الْهَمْزَ يَا فِيمَا أُعِلّ

لَاماً. . . . . . . . . . . . . .

هذا كالاستدراك على النَّوعين الثالث والرابع فيما تُقْلَب فيه الواو والياء همزة، نصل إلى قلبها همزةً، ثُمَّ إذا كانت اللام معتلَّة رجعنا إلى الهمزة فحرَّكنا الكسرة بالفتحة فقلبنا الياء التي بعدها ألفاً فوقعت الهمزة بين ألفين، ثُمَّ قلبنا الهمزة ياءً، وقد كانت هي منقلبة عن الياء.

(وَافْتَحْ الْهَمْزَة .. وَرُدَّ الْهَمْزَة) إذاً من باب التَّنازع، فَنُعْمِل الثاني ونضمر في الأول (وَافْتَحْ الْهَمْزَة) وهي مكسورة (وَرُدَّ الْهَمْزَة يَا) يعني: اقلب الهمزة ياء، هنا إشعار بأنَّها في الأصل: منقلبة عن واوٍ أو ياء، (فِيمَا أُعِلَّ لَاماً) في النوع الثاني والثالث، بالضَّوابط السابقة (أُعِلَّ لَاماً).

وَفِي مِثْلِ هِرَاوَةٍ جُعِلْ وَاوَاً ..

هذا استدراك فيما إذا صحَّت الواو في المفرد، وأشار بقوله:

وَفِي مِثْلِ هِرَاوَةٍ جُعِلْ وَاوَاً ..

إلى أنَّه إنَّما تُبْدَل الهمزة ياءً إذا لم تكن اللام واواً سلمت في المفرد، لأنَّه قلنا: ما كان آخره حرف علَّة في المفرد إذا كان ثالثه مدَّة زائدة إمَّا أن تكون اللام ياءً أو واواً، إن سلمت الواو في المفرد أُبْقِيت كما هي في الجمع مثل: هراوة.

إنَّما تُبْدَل الهمزة ياءً إذا لم تكن اللام واواً سلمت في المفرد، فإن كانت اللام واواً سلمت في المفرد لم تُقْلَب الهمزة ياءً بل تُقْلَب واواً ليشاكل الجمع واحده، وذلك حيث وقعت الواو رابعةً بعد ألفٍ: هراوة وهَرَاوى، هنا الهمزة بعد الألف قُلِبَت واواً، لم تقلب ياءً على ما ذكره في السَّابق، وأصلها: هَرَائِو (مَفَاعِلٌ) كـ: صحائف.

فالهمزة التي بعد الألف هي المبدلة من الألف الزائدة في: هِرَاوة، هِرَاوةٌ هذا مفرد، جاءت مدَّة ثالثة زائدة، حينئذٍ نقلبها همزة مثل: صحيفة وصحائف، فالهمزة التي بعد الألف: هَرَائِو، هذه هي المبدلة من الألف الزائدة في: هراوة، والواو الأخيرة هي واو: هراوة، يعني: صَحَّت كما هي كـ: صحائف، فَقُلِبت كسرة الهمزة فتحة، ثُمَّ قُلِبَت الواو الأخيرة ألفاً لتَحَرُّكها وانفتاح ما قبلها فصار: هَرَاءً، إلى هنا الحكم واحد، هنا وقعت همزة بين ألفين كما هو الشَّأن في: قضائا .. كما الشَّأن في: زوائا .. إلى هنا العمل واحد.

ثُم قلبوا الهمزة واواً، لا تقلبها ياءً كما فعلت في: قضايا وزوايا، لماذا؟ لكونها في الجمع والمفرد، وطلب المناسبة بين المفرد والجمع، لأنَّه صحيحة في المفرد، تُنْطَقَ بها في المفرد، حينئذٍ تقلب الهمزة واواً ولا تقلبها ياءً.

ص: 16

ثُم قلبوا الهمزة واواً ليناسب الجمع المفرد، فالواو في: هَرَاوى، ليست الواو في: هِرَاوة، بل الواو في: هَرَواى هي الألف التي كانت في المفرد، وأمَّا الواو التي في المفرد فهي الأخيرة التي انقلبت ألفاً.

إذاً: إذا كان المفرد فيه واوٌ صَحَّت في المفرد ولم تُعَل، حينئذٍ إذا كان الجمع مثل جمع: قضايا وزوايا، إذا وصلت إلى كون الهمزة وقعت بين ألفين، فالأصل أنَّك تقلب الهمزة ياءً كما فعلت في: قضايا، هنا نستثني نقول: انظر إلى المفرد! إذا فيه واوٌ صَحَّت، حينئذٍ تقلب الهمزة واواً ولا تقلبها ياءً.

إذاً: هَرائِوٌ كـ: صحائف، إلى هنا لا إشكال فيه، الهمزة وقعت بعد ألفٍ وهذه منقلبة عن واوٍ، ثُمَّ قُلِبَت كسرة الهمزة فتحة كما هو الشأن في: قَضَائِيٌ وَخَطَائِيٌ، ثُمَّ قُلِبَت الواو ألفاً .. الأخيرة؛ لِتَحَرُّكها وانفتاح ما قبلها فصار: هراءا، همزةٌ وقعت بين ألفين، وإلى هنا لا إشكال، ثُمَّ قلبوا الهمزة واواً، والأصل أن تقلبها ياءً:

وَافْتَحْ وَرُدَّ الْهَمْزَ يَا فِيمَا أُعِلّ

لَاماً. . . . . . . . . . . . . .

وأمَّا إذا سلمت الواو في المفرد ولم تُعَل، حينئذٍ تبقى في الجمع، فصار: هراوى.

وَافْتَحْ وَرُدَّ الْهَمْزَ يَا فِيمَا أُعِلّ

وَاوَاً ................................

لَاماً وَفِي مِثْلِ هِرَاوَةٍ

ما هو الذي جعل واواً؟ الهمزة، لا تقلبها ياءً كما قلبت في: قضايا وخطايا وهدايا، وإنَّما تقلبها واواً، لكونها سلمت في المفرد.

وَافْتَحْ وَرُدَّ الْهَمْزَ يَا فِيمَا أُعِلّ

لَاماً وَفِي مِثْلِ هِرَاوَةٍ. . .

(وَفِي مِثْلِ هِرَاوَةٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (جُعِلْ)، و (جُعِلْ) مُغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (الْهَمْزَ)، (جُعِلْ وَاوَاً) جُعِل الهمز واواً، ولا تجعله ياءً لكونها صَحَّت في المفرد فقلت: هِرَاوة.

ثُمَّ قال:

. . وَهَمْزاً أَوَّلَ الْوَاوَيْنِ رُدّ

فِي بَدْءِ غَيْرِ شِبْهِ وَوُفِيَ الأَشَدّ

هذه مسألة خامسة تَتَعلَّق بالواو، إذاً البيت السَّابق إلى قوله:(وَاوَاً) هذا كالاستدارك في الموضعين الثالث والرابع في قلب الواو والياء همزةً، قوله:

وَافْتَحْ وَرُدَّ الْهَمْزَ يَا فِيمَا أُعِلّْ

لَاماً وَفِي مِثْلِ هِرَاوَةٍ جُعِلْ

وَاوَاً. . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

هذا كالاستدارك؛ لأنَّه فيما سبق قال: اقلب الهمز، وانتهى إلى هنا، ثُمَّ استدرك فيما إذا كانت اللام مُعلَّة في المفرد، حينئذٍ ترجع وَتُكْمِل العملية، فتقلب الهمزة ياءً أو واواً، تقلبها ياءً إذا كان في المفرد واو أو ياء مُعلَّاً، وأمَّا إذا سلمت في المفرد الواو حينئذٍ تبقى كما هي، ثُمَّ رجع وبَيَّن المسألة الخامسة فيما تختصُّ بالواو، فقال:

. . وَهَمْزاً أَوَّلَ الْوَاوَيْنِ رُدّ

فِي بَدْءِ غَيْرِ شِبْهِ. . . . . .

ص: 17

رُدَّ أول الواوين همزاً، يعني: إذا اجتمع عندنا واوان، وكانتا مُتَصَدِّرتين في أول الكلام .. (فِي بَدْءِ) في بدء الكلام، ماذا تصنع؟ رُدَّ أول الواوين .. ردها ألف .. همزاً، يعني: اقلبها همزةً، إذاً تُقْلَب الواو همزةً فيما إذا اجتمع عندنا واوان مُتصدِّرتين، هذا من مواضع قلب الواو همزة، وانفردت الواو عن الياء، ولذلك نقول: اخْتَصَّت هذه المسألة بالواو، يعني: أنَّ كُلَّ كلمة اجتمع في أولها واوان فإن أولاهما يجب إبدالها همزة بشرط: أن تكون الثانية مَدَّة غير أصلية.

قال الشَّارح: " وأشار بقوله:

وَهَمْزاً أَوَّلَ الْوَاوَيْنِ رُدّ ..

إلى أنَّه يجب رَدُّ أول الواوين المصدرتين همزة، ما لم تكن الثانية بدلاً من ألف (فَاعَل) " فإن كانت بدلاً من ألف (فَاعَلَ) صَحَّت نحو: أواصل، أصلها جمع: واصلةٍ، والأصل: وواصل، اجتمع عندنا واوان متصدرتان، والثانية ليست بدلاً عن ألف (فَاعَل)، حينئذٍ وجب قلب الواو الأولى همزةً فقيل: أواصل، إذاً:(أواصل) هذه الهمزة منقلبة عن واو، وعِلَّة قلبها عن الواو: لاجتماع واوين متصدرتين والثانية ليست مَدَّة.

(وواصل) بواوين: الأولى فاء الكلمة، والثانية بدلٌ من ألف (فَاعِلَة)، فإن كانت الثانية بدلاً من ألف (فَاعَلَ) لم يجب الإبدال نحو (ووفى) و (ووري)، أصله (وافى) و (وارى)، فلمَّا بُنِي للمفعول احتيج إلى ضَمِّ ما قبل الألف، فَأُبْدِلت الألف واواً.

قوله: ما لم تكن الثانية بدلاً من ألف (فَاعَلَ)، فإن كانت فالأمر يختلف، أواصل، أصله جمع: واصلة، والأصل: وواصل، بواوين: الأولى فاء الكلمة التي هي في المفرد (واصلة)، والثانية: بدلٌ من ألف (فَاعِلَة) فلما اجتمعت واوان في بدء الكلمة قُلِبَت الأولى همزة فقالوا: أواصل.

وإنَّما استثني ذلك .. الذي هو قوله: (وَوُفِيَ) .. (ووري) بواوين، لم تُقْلَب الأولى همزةً، لماذا؟ استثني ذلك، لأنَّ فعل الفاعل أصلٌ لفعل المفعول، يعني: إذا اجتمعت الواوان متصدرتين في المبني للمفعول لا تُقْلَب الأولى همزة.

قال هنا النَّاظم:

فِي بَدْءِ غَيْرِ شِبْهِ وُوفِيَ ..

(وُفِيَ) هذا مُغيَّر الصيغة، إذاً: متى تُقْلَب الأولى همزةً؟ إذا كان في المبني للفاعل، وأمَّا إذا لم يكن مبيناً للفاعل بل مبنياً للمفعول فتصح الواوان، ولا تقلب الأولى همزةً، وإنَّما استثني ذلك، لأنَّ فعل الفاعل أصلٌ لفعل المفعول، ولم يجتمع في فعل الفاعل واوان، فاجتماعهما في:(وَوُفِيَ) غير مُعْتَدٍّ به، فلم يبق للواو الأولى غير حكم الواو المضمومة المنفردة من جواز إبدالها همزة.

على كُلٍّ: التفريق هنا بين الفاعل والمفعول، فَتُقْلَب في المبني للفاعل دون المبني للمفعول، والعِلَّة السَّماع.

إذاً قوله:

وَهَمْزاً أَوَّلَ الْوَاوَيْنِ رُدّ ..

ص: 18

رُدَّ أَوَّلَ الْوَاوَيْنِ هَمْزاً، فإن لم تكن مُتصدِّرة حينئذٍ لا تقلب: نوَوِيٌ .. هوَوِيٌ تصغير: هوى ونوى، حينئذٍ لا نقول بقلب الواو الأولى همزةً، لكونها غير مُتصدِّرة، والكلام فيما إذا تَصدَّرت، وواصل، قلب الواو الأولى همزةً، أمَّا: نوويٌ، فيما إذا نُسِب إلى: نوى، وهوويٌ، فيما إذا نُسِب إلى: هوى، عندنا اجتمع واوان، لكن في أثناء الكلمة لا في تصديرها، ولذلك قال: رُدَّ أول الواوين دون الثانية.

(هَمْزاً) هذا مفعول ثاني مُتقدَّم، و (أَوَّلَ الْوَاوَيْنِ) هذا مفعول أول لـ:(رُدّ)، (فِي بَدْءِ) مصدر مضاف إلى المفعول:

فِي بَدْءِ غَيْرِ شِبْهِ وَوُفِيَ الأَشَدّ ..

(الأَشَدُّ) جمع شِدَّة، وهو نائب فاعل لـ:(وُفِيَ)، (وَوُفِيَ) مُغيَّر الصيغة، و (الأَشَدُّ) نائب فاعل.

ثُمَّ قال:

وَمَدّاً ابْدِلْ ثَانِيَ الْهَمْزَيْنِ مِنْ

كِلْمَةٍ انْ يَسْكُنْ كَآثِرْ وَائْتُمِنْ

إِنْ يُفْتَحِ اثْرَ ضَمٍّ اوْ فَتْحٍ قُلِبْ

وَاوَاً وَيَاءً إِثْرَ كَسْرٍ يَنْقَلِبْ

ذُو الْكَسْرِ مُطْلَقاً كَذَا وَمَا يُضَمّْ

وَاوَاً أَصِرْ مَا لَمْ يَكُنْ لَفْظَاً أَتَمّْ

فَذَاكَ يَاءً مُطْلَقَاً جَا وَأَؤُمّْ

وَنَحْوُهُ وَجْهَينِ فِي ثَانِيهِ أُمّْ

(وَمَدّاً ابْدِلْ ثَانِيَ الْهَمْزَيْنِ) إذاً: الكلام فيما إذا اجتمع همزتان في كلمةٍ واحدة، قال:(ابْدِلْ ثَانِيَ الْهَمْزَيْنِ مَدَّاً)، (ثَانِيَ) هذا مفعول أول لقوله:(ابْدِلْ)، (وَمَدَّاً) مفعول ثاني مُقدَّم، (مِنْ كِلْمَةٍ) لا من كلمتين، إذاً هذا شرط: أن يكون اجتماع الهمزتين في كلمة واحدة، والكلمة الواحدة في اصطلاح النُّحاة لا في اصطلاح القُرَّاء.

بشرط: (كِلْمَةٍ انْ يَسْكُنْ) بإسقاط الهمزة للوزن، (إِنْ يَسْكُنْ) ما هو؟ ثاني الهمزين .. الضمير هنا (ثَانِيَ الْهَمْزَيْنِ).

إذاً: مراده بهذا فيما إذا اجتمع همزتان في كلمةٍ واحدة، وكانت الثانية ساكنة أُبْدِل مَدَّاً، وهذا المد يكون من جنس حركة الهمزة الأولى، لأنَّه أطلق. ز قَيَّد الثانية بكونها ساكنة وأطلق الأولى، فيشمل ثلاثة أحوال: فيما إذا كانت الأولى مفتوحة، أو مضمومة، أو ياءً، أو مكسورة، أبدل الهمزة الثانية الساكنة من جنس الأولى، فإن كانت مفتوحة أبدلها مدَّاً وهو: الألف، وإن كانت مضمومة أبدل الثاني الهمزة واواً، لأنَّها من جنس الواو، وإذا كان مكسورة الأولى أبدل الثانية الساكنة ياءً.

وَمَدّاً ابْدِلْ ثَانِيَ الْهَمْزَيْنِ مِنْ

كِلْمَةٍ انْ يَسْكُنْ كَآثِرْ وَائْتُمِنْ

يعني: أنَّه إذا اجتمع همزتان في كلمةٍ، أولاهما مُتحرِّكة والأخرى ساكنة، وجب إبدال الثانية مَدَّاً مُجانساً لحركة ما قبلها، فإن كانت فتحة أُبْدِلت ألفاً نحو: آثر وآمن، أصله: أأثر، الأولى مفتوحة والثانية ساكنة، اجتمع عندنا همزتان في كلمة واحدة، الثانية ساكنة والأولى مفتوحة، إذاً تقول: آثِرْ، قلبت الثانية مَدَّة، و (أأمن) بهمزتين الثانية ساكنة والأولى مفتوحة.

وإن كانت كسرة أُبْدِلت ياءً نحو: إئلاف .. إيلاف، أُبْدِلَت الثانية ياءً.

وإن كانت ضَمَّة أُبْدِلت واواً: أُتِمن، الأصل: أئتمن.

ص: 19

وَمَدّاً ابْدِلْ ثَانِيَ الْهَمْزَيْنِ مِنْ

كِلْمَةٍ. . . . . . . . . . . . .

(مِنْ كِلْمَةٍ) مُتعلِّق بقوله: (أَبْدِلْ)، أو حالٌ من (الْهَمْزَيْنِ)، يعني: حال كون الهمزين (مِنْ كِلْمَةٍ)، (وَمَدَّاً) هذا مفعول ثاني مُقدَّم، (أَبْدِلْ) فعل أمر، (ثَانِيَ) مضاف، و (الْهَمْزَيْنِ) مضاف إليه، و (ثَانِيَ) منصوب؟؟؟ مفعول أول، (مِنْ كِلْمَةٍ) مُتعلِّق بقوله:(أَبْدِلْ)، (إِنْ يَسْكُنْ) هذا شرط، إن يسكن الثاني فأبدله مَدَّاً (كَآثِرْ وَائْتُمِنْ) .. أُوتمن.

إِنْ يُفْتَحِ اثْرَ ضَمٍّ اوْ فَتْحٍ قُلِبْ ..

انتقل إلى بيان الهمزتين المُتحرِّكتين، البيت الأول فيما إذا اجتمع همزتان الثانية ساكنة، وهنا كُلٌّ منهما مُتحرِّكة، انتقل إلى بيان المتُحَرِّكَتِين وهي تسعة أنواع، لأنَّ الأولى: إمَّا مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، والثانية كذلك، ثلاث في ثلاث بتسع.

إذاً نقول: أراد بقوله:

إِنْ يُفْتَحِ اثْرَ ضَمٍّ اوْ فَتْحٍ قُلِبْ

وَاوَاً. . . . . . . . . . . . . . . . . .

بأنَّه إذا اجتمع عندنا همزتان كُلٌّ منهما مُتحرِّكتان، عرفنا إذا كانت الثانية ساكنة بأنَّها تُقْلَب مَدَّةً من جنس حركة ما قبلها، وأمَّا إذا كانت الثانية مُتحرِّكة والأولى مُتحرِّكة، حينئذٍ نقول: الأولى مُتحرِّكة بفتحة أو ضمَّة أو كسرة، والثانية مثلها، ثلاث في ثلاث بتسع.

إِنْ يُفْتَحِ اثْرَ ضَمٍّ أَوْ فَتْحٍ قُلِبْ

وَاوَاً وَيَاءً إِثْرَ كَسْرٍ يَنْقَلِبْ

هذا أراد أن يُبيِّن أنَّ الهمزة المفتوحة إذا كانت ثانيةً، حينئذٍ:

. . . إِثْرَ ضَمٍّ اوْ فَتْحٍ قُلِبْ

وَاوَاً وَيَاءً إِثْرَ كَسْرٍ. . . .

إذا كانت الثانية مفتوحة، بدأ بالمفتوحة .. الكلام في الثانية .. هي التي تُقْلَب، إن كان إثر فتحةٍ أو ضَمٍّ قُلِبَت الثانية واواً، وإن كانت إثر كسرةٍ قُلِبَت ياءً، إذاً: الثانية المفتوحة قد تُقْلَب واواً وقد تُقْلَب ياءً، تُقْلب واواً إذا كانت الهمزة الأولى مفتوحة أو مضمومة، وتقلب ياءً إذا كانت الهمزة الأولى مكسورة.

(إِنْ يُفْتَح) أي: الهمز الثاني، (إِثْرَ ضَمٍّ) يعني: بعد ضَمٍّ، مُتعلِّق بقوله:(يُفْتَحِ)، (أَوْ فَتْحٍ) إثر فتحٍ، قُلِب الهمز واواً الذي هو الثاني، (وَيَاءً إِثْرَ كَسْرٍ يَنْقَلِبْ) و (يَنْقَلِبُ) يعني: المفتوحة (يَاءً إِثْرَ كَسْرٍ) بعد كسرٍ، يعني: أنَّ الهمزة المفتوحة إذا كانت ثانيةً بعد همزةٍ أخرى لها حالان:

الأولى: تُقْلَب واواً وذلك بعد ضَمَّة نحو: أُوَيْدِم، تصغير: آدم، أو بعد فتحةٍ نحو: أوادم، جمع: آدم، إذاً قُلِبَت الثانية: أويدم، قُلِبَت واواً، وَقُلِبت الثانية في: أوادم، قُلِبَت واواً. تُقْلَب واواً وذلك بعد ضَمَّةٍ نحو: أويدم، تصغير: آدم، أصله: أُأيدم، قلبت الثانية واواً، أو بعد فتحةٍ نحو: أوادم، في جمع: آدم.

الثانية: أنَّها تُقْلَب ياءً، وذلك إذا وقعت بعد كسرةٍ نحو:(إيَّمٌ)، هذا سيأتي في كلام الشَّارح.

ص: 20

إذاً الضَّابط هنا نقول على جهة العموم: إن يُفْتَح الهمز الثاني وكان كُلٌّ من الهمزتين مُتحرِّكتين، حينئذٍ إذا فُتِحت الهمزة الثانية بعد ضَمٍّ أو فتحٍ قُلِبَت واواً يعني: الثانية، وتنقلب ياءً بعد كسرٍ.

قال الشَّارح: "وإن تَحرَّكت ثانيتهما، فإن كانت حركتها فتحة، وحركة ما قبلها فتحة أو ضَمَّة قُلِبَت واواً، فالأول نحو: أوادم، جمع: آدم، وأصله: أُأَدِمْ، والثاني نحو: أُوَيْدِم، تصغير: آدم، وهذا هو المراد بقوله:

إِنْ يُفْتَحِ اثْرَ ضَمٍّ اوْ فَتْحٍ قُلِبْ

وَاوَاً. . . . . . . . . . . . . . . . . .

وإن كانت حركة ما قبلها كسرة قُلِبت ياءً نحو: إِيَمٌّ، وهو مثال (إصبع)، بكسر الهمزة وفتح الثالث من: أَمَّ، وهذا من التمارين، يقول لك: ائتِ أَمَّ، هذا فعل، سَمِّ به .. ائتِ به على وزن (إصبع)، حينئذٍ: أَمَّ، أصله: إِئَمَّمٌ (إِفْعَلٌ)، فَنُقِلت حركة الميم الأولى إلى الهمزة التي قبلها وهي ساكنة: مَمٌ، الميم الأولى مُتحرِّكة والهمزة ساكنة، نُقِلَت حركة الميم إلى الهمزة فصارت الثانية مفتوحة (إِثْرَ كَسْرٍ).

فَنُقِلت حركة الميم الأولى إلى الهمزة التي قبلها وهي ساكنة، وَأُدْغِمَت الميم في الميم فصار: إِئَمٌّ، الأولى مكسورة على الأصل، حركة الهمزة الثانية جاءت من الميم، ثُمَّ أُدْغِمت الميم في الميم فصار (إِئَمٌّ) بالتشديد، ثُمَّ قُلِبَت الهمزة الثانية ياءً فصار: إِيَمٌّ، وهذا المراد بقوله:(وَيَاءً إِثْرَ كَسْرٍ يَنْقَلِبْ).

إذاً: إذا كانتا متحركتين؛ فالثانية إن كانت مفتوحة قُلِبَت واواً، إذا كانت بعد فتحٍ أو ضَمٍّ، وقلبت ياءً بعد كسرٍ، (إِنْ يُفْتَحِ)(إِنْ) شرطية، و (يُفْتَح) نائب الفاعل يعود إلى الهمز مُغيَّر الصيغة، (إِثْرَ ضَمٍّ) هذا ظرف مُتعلِّق بقوله:(يُفْتَحْ)، (أَوْ) للتَّنويع، (فَتْحٍ) معطوف على (ضَمٍّ)، يعني: إثر فتحٍ.

(قُلِبْ) الهمز الثاني، هذا جواب الشَّرط، (قُلِبَ وَاوَاً) فيه ضمير مستتر نائب فاعل هو المفعول الأول، و (وَاوَاً) هذا مفعول ثاني، (وَيَاءً إِثْرَ كَسْرٍ يَنْقَلِبْ)(يَاءً) هذا حالٌ من فاعل (يَنْقَلِبْ)، وينقلب الهمز مفتوح الثاني .. ينقلب ياءً متى؟ (إِثْرَ كَسْرٍ) هذا مُتعلِّق به.

(ذُو الْكَسْرِ مُطْلَقاً كَذَا)، (ذُو) هذا مبتدأ، وهو مضاف، و (الْكَسْرِ) مضافٌ إليه، (كَذَا) أي: مثل (ذا) على التَّفصيل السَّابق، (مُطْلَقاً) هذا حالٌ من الضمير المستتر في الخبر، لأنَّ (كَذَا) جار ومجرور مُتعلِّق بكائن، كائن فيه ضمير .. حال كونه مُطلقاً، (ذُو الْكَسْرِ) كائنٌ (مُطْلَقاً) كائنٌ: فيه ضمير مستتر يعود على (ذُو الْكَسْرِ) حال كونه (مُطْلَقاً).

(ذُو الْكَسْرِ مُطْلَقاً كَذَا) أشار به إلى أنَّ الهمزة الثانية إذا كانت مكسورة تُقْلَب ياءً مُطلقاً، يعني: سواءٌ كانت التي قبلها مفتوحة أو مضمومة أو مكسورة، فإن كانت الثانية مكسورة مع الأحوال الثلاثة قُلِبَت الثانية ياءً مُطلقاً، يعني: لا تُقْلَب واو، بخلاف المفتوحة، المفتوحة قد تُقْلَب واواً إذا وقعت إثر ضَمٍّ أو فتحٍ، وتقلب ياءً إذا وقعت إثر كسرٍ.

ص: 21

وهنا لا، التي تكون مكسورة سواءٌ وقعت إثر كسرٍ أو ضَمٍّ أو فتحٍ تُقْلَب ياءً مُطلقاً، والحاصل حينئذٍ ثلاث صور:

- مكسورة بعد فتحةٍ نحو: أَيِمَّةٌ، في جمع: إمام، أصله: أئمَّمةٌ، فَنُقِلت حركة الميم إلى الهمزة الساكنة، وَأُدْغِمَت الميم في الميم فصار: أَئِمْ، يعني: الأولى مفتوحة والثانية مكسورة، فَأُبْدِلَت الهمزة الثانية ياءً، (أَيِمَّة) أصله: أَئِمَّـ .. بالكسر، يقال فيه الوجهان .. يجوز، لكن هذا مستثنى، إذاً: أَيِمَّة، بقلب الهمزة الثانية وهي همزةٌ مكسورة ياءً.

- النوع الثاني: أن تقع مكسورة بعد مكسورة نحو: أيِمٌّ، في بناء مثل: إِصْبِع، من: إِمْ - هذا كله من باب التمارين .. ليس له مثال -. مكسورة بعد مكسورة نحو: إِيِمٌّ، في بناء مثل: إِصْبِع من: إِمَّ، بكسر الهمزة والياء فتقول: أَئِمٌّ، فتفعل به كما فعلت بالذي قبله من نقلٍ وإدغامٍ وقلبٍ.

(إِيِمُ) كسر الهمزة وكسر الياء، مثل: إصبع، من: أمَّ، وأصله: إِئِمَّمٌ، نُقِلَت حركة الميم الأولى إلى الهمزة الثانية، وأدغمت الميم في الميم فصار: إِئِمٌّ، بهمزتين الثانية مكسورة، فَخُفِّفَت الهمزة الثانية بإبدالها من جنس حركتها فصار: إِيِمٌّ، يعني: بعد الهمزة ياء.

- النوع الثالث: مكسورة بعد ضمَّة، وهذا مَثَّلوا له بـ: أُيِنُّ، من: أَنَّ، يعني: ائتِ به وهو من: أَنّ .. يَئِنُّ، أصله: مضارع (أَأَنَّنتُ) بمعنى: جعلته يَئِنُّ، فدخله النقل والإدغام، ثُمَّ خُفِّفَ بإبدال ثاني همزتيه من جنس حركتها فصار: أُيِنُّ، أصله: أُئُـ، بِضمِّ الثانية، ثُمَّ قُلِبت الثانية ياءً، صار: أُيِنُّ - هذا كله من باب التمارين -.

(ذُو الْكَسْرِ مُطْلَقاً كَذَا) إذاً: إذا كانت الثانية مكسورة، حينئذٍ تُقْلَب مطلقاً ياءً سواءٌ كانت الأولى مفتوحة أو مضمومة أو مكسورة، والأمثلة كما ذكرناه.

ثُمَّ قال: (وَمَا يُضَمّْ وَاوَاً أَصِرْ) أَصِرْ مَا يُضَمُّ وَاوَاً يعني: صَيِّر ما يُضَمُّ، ما هو (مَا يُضَمُّ)؟ الهمزة الثانية، إذا كانت مضمومة صيِّرها واواً مطلقاً، إلا ما استثناه فيما بعده، أشار به: إلى أنَّه إذا كانت الهمزة الثانية مضمومة قُلِبَت واواً مطلقاً، سواءٌ انفتحت الأولى أو انكسرت أو انضَمَّت، حينئذٍ شمل ثلاثة أنواع: مضمومة بعد فتحة نحو: أَوبٌّ، وهذا ذكره ابن عقيل جمع: أَبٍّ، وهو المرعى، أصله: أُئُبٌّ (أُفْعُلٌ) أُئْبُبٌ، فَنُقِلَت حركة عينه إلى فائه، ثُمَّ أُدِغَم الباء في الباء فصار: أُئُبٌّ، ثُمَّ خُفِّفَت ثانية الهمزتين بإبدالها من جنس حركتها فَقُلِبَت واواً فصارت: أُوُبٌّ، يعني: واو مضمومة، لأنَّ الباء الأولى ساكنة والواو ساكنة فلا بُدَّ من تحريكها بالضَّمَّة، صار: أُوُبٌّ.

والثاني: مضمومة بعد مضمومة نحو: أُأُمٌّ، إذا بُنِيَت من: أَمٍّ، مثل: أُبْلُم، لو قال: أَمَّ، ائت بها على وزن: أُبْلُم .. على وزن (أُصْبُع) تقول: أُأُمٌّ.

الثالثة: مضمومة بعد كسرة نحو: إِيُمٌّ، إذا بُنِيَت من: أَمَّ مثل: إِصْبُع، بكسر الهمزة وضَمِّ الباء، وتفعل في ذلك كما فعلت فيما قبله من النقل والإدغام والقلب.

ص: 22

إذاً الحاصل: أنَّ الهمزة الثانية من المتُحَرِّكتين تُقْلَب واواً في خمسة مواضع:

إذا كانت مضمومة مُطلقاً، هذه ثلاثة مواضع، إذا كانت مضمومة الثانية مع فتح الأول أو ضَمِّه أو كسره قُلِبَت واواً مُطلقاً، وإن كانت مفتوحة بعد فتحة أو ضَمَّة هذه خمسة مواضع.

وتقلب ياءً في أربعة مواضع: إذا كانت مكسورة مُطلقاً، يعني: مع فتح الأول أو كسره أو ضَمَّه، هذه ثلاثة مواضع، أو كانت مفتوحة بعد كسرة، هذه أربعة مواضع.

إذاً: (وَمَا يُضَمُّ وَاوَاً أَصِرْ) أَصِرْ مَا يُضَمُّ وَاوَاً .. تقلب واواً.

. . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَاوَاً أَصِرْ مَا لَمْ يَكُنْ لَفْظَاً أَتَمّْ

فَذَاكَ يَاءً مُطْلَقَاً جَا. . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يعني: الثانية إذا كانت مضمومة تُقْلَب واواً بشرط: ألا تقع طرفاً آخر الكلمة.

مَا لَمْ يَكُنْ لَفْظَاً أَتَمَّ ..

يعني: كانت اللفظ تَمَّ بها، وهذه كناية عن كونها وقعت طرفاً، (مَا لَمْ يَكُنْ)(مَا) مصدرية ظرفية، (لَمْ يَكُنْ) الضمير هنا يعود على قوله:(مَا يُضَمُّ)، (لَفْظَاً) هذا خبر (يَكُنْ)، (أَتَمَّ) هذا فعل ماضي نعت لـ:(لَفْظَاً) فحينئذٍ: (فَذَاكَ يَاءً مُطْلَقَاً جَا) جاء الهمز ياءً والجملة خبر، (فَذَاكَ) مبتدأ، و (يَاءً) هذا حال من فاعل (جَا)، و (جَا) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر يعد على الهمز المتأخِّر المضموم، فذاك جاء ياءً مُطلقاً.

أشار بقوله:

. . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . مَا لَمْ يَكُنْ لَفْظَاً أَتَمّْ

فَذَاكَ يَاءً مُطْلَقَاً جَا. . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إلى أنَّ الهمزة الثانية المضمومة إنَّما تصير واواً إذا لم تكن طرفاً، فإن كانت طرفاً قُلِبَت ياءً: قَضْوَ، فإن كانت طرفاً صُيِّرت ياءً مُطلقاً سواءٌ انْضَمَّت الأولى أو انكسرت أو انفتحت أو سكنت، فتقول في مثل (جَعْفَرٍ) من: قرأ، ائت بـ: قرأ، على وزن: جعفر، تقول (قَرْأَأٌ) .. (جَعْفَرٌ)، ثُمَّ تقلب الهمزة ياء فتصير: قَرْأَياً، قلبت الثانية يَاءً، فَتحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً فصار: قَرْئاً، الثانية انْقَلَبت ياءً، ثُمَّ الياء انقلبت ألفاً.

وتقول في مثال (زِبْرِج) من (قرأ): (قِرْئِيٌ) .. (زِبْرِجٌ)، ثُمَّ تقلب الهمزة ياءً فتصير (قِرْئِيَاً) كالمنقوص، وتقول في مثال: بُرْثُن من (قرأ): (قُرْؤٌ) .. ائتِي بـ (قَرأ) على وزن (بُرْثُن)، ثُمَّ تقلب الضَّمَّة التي على الهمزة الأولى كسرة فيصير: قُرْئِيَاً، مثل: القاضي، بكسر ما قبل الواو، وَأُبْدِل من الواو ياءً لانكسار ما قبلها فاسْتُثْقِلَت الضَّمَّة على الياء فَحُذِفَت وبقي منقوصاً.

إذاً: أصر ما يُضَمُّ واواً، (مَا) مفعولٌ أول مُقدَّم لـ:(أَصِرْ)، و (وَاوَاً) مفعولٌ ثاني، و (يُضَمّْ) جملة الصِّلة لا محلَّ لها من الإعراب، والضمير يعود إلى (مَا)، إلا إذا كان طرفاً، حينئذٍ تقلب هذه الهمزة المضمومة ياءً، والأمثلة التي ذكرها النَّاظم، وكلها أمثلة مصنوعة.

ص: 23

(مَا لَمْ يَكُنْ) يعني: مُدَّة عدم كون ما يُضَمُّ (لَفْظَاً أَتَمّْ) يعني: تَمَّ به الكلام، وهذا كناية عن كونه وقع آخراً، (فَذَاكَ) حينئذٍ جاء ياءً مُطلقاً، لا يُقْلَب واواً بل يُقْلَب ياءً.

. . . . . . . . . . . . . . . . وَأَؤُمّْ

وَنَحْوُهُ وَجْهَينِ فِي ثَانِيهِ أُمّْ

(أَؤُمّْ) هذا مبتدأ، (وَنَحْوُهُ) معطوفٌ عليه، (وَجْهَينِ فِي ثَانِيهِ أُمَّ (وَجْهَينِ) هذا مفعول مُقدَّم لقوله:(أُمَّ)، (فِي ثَانِيهِ) مُتعلِّق بـ:(أُمَّ).

قال الشَّارح: " وأشار بقوله:

. . . . . . . . . . . . . . . . وَأَؤُمّْ

وَنَحْوُهُ وَجْهَينِ فِي ثَانِيهِ أُمّْ

إلى أنَّه إذا انْضَمَّت الهمزة الثانية وانفتح ما قبلها " يعني: ما اجتمع فيه همزتان مُتَحَرِّكتان، والأولى همزة المُتكلِّم في الفعل المضارع، جاز فيه وجهان: الإعلال والتَّصحيح.

إلى أنَّه إذا انضمت الهمزة الثانية وانفتح ما قبلها: (أَؤُمّْ) وكانت الهمزة الأولى للمُتكلِّم جاز لك في الثانية وجهان: القلب والتحقيق، وذلك نحو: أَؤُمْ، مضارع: أَمَّ، بمعنى: قصد، فإن شئت أبدلت فقلت: أَوُمْ، أبدلت الهمزة واواً، (أَوُمْ) مضمومة إثر فتحٍ تُقْلَب واو .. أبدلتها على القاعدة السابقة، وإن شئت حَقَّقت فقلت: أَؤُمْ، نطقت بالهمزتين.

وكذا ما كان نحو: أَؤُمْ، في كون أولى همزتيه للمُتكلِّم وكسرت ثانيتهما، يجوز في الثانية منهما الإبدال والتحقيق نحو (أَيِنُّ) مضارع: أَنَّ، فإن شئت أبدلت فقلت: أَيِنُّ، وإن شئت حَقَّقْتَ فقلت: أَئِنُّ، بالهمزة الثانية تكون مكسورة.

إذاً قوله: (وَأَؤُمّْ وَنَحْوُهُ) من كُلِّ مضارعٍ اجتمع فيه همزتان مُتحرِّكتان والأولى للمُتكلِّم، جاز لك فيه وجهان: التحقيق والقلب، التحقيق تنطق بالهمزتين كما هما، والقلب بأن تقلب الثانية إمَّا واواً أو ياءً على الشروط السابقة (فِي ثَانِيهِ أُمّْ).

إذاً خلاصة هذه الأبيات: أنَّه إذا اجتمع في الكلمة الواحدة همزتان، فإمَّا أن تكون الثانية ساكنة أو مُتحرِّكة، إن كانت الثانية ساكنة حينئذٍ أبدلتها مَدَّةً من جنس الحركة السابقة، إن كانت الحركة السابقة فتحةً أبدلتها ألفاً، وإن كانت ضَمَّة أبدلتها واواً، وإن كانت كسرة أبدلتها ياءً، هذه إن كانت الثانية ساكنة.

وإذا كانت الثانية مُتحرِّكة فحينئذٍ ننظر إلى القواعد التي ذكرها النَّاظم، لأنَّه ينطوي تحتها تسعة أنواع، إن كانت الثانية مفتوحة حينئذٍ لك حالان: قد تُقْلَب واواً، وقد تُقْلَب ياءً، متى تُقْلَب واواً؟ إذا وقعت بعد ضَمٍّ أو فتحٍ .. إذا وقعت بعد ضَمٍّ أو فتحٍ قلبت الثانية المفتوحة واواً، وإذا وقعت بعد كسرةٍ حينئذٍ قلبت الثانية ياءً، فيها تفصيل.

وأمَّا إذا كانت الثانية مكسورة حينئذٍ قلبتها ياءً مُطلقاً، سواءٌ وقعت بعد ضَمَّةٍ أو كسرةٍ أو فتحة، وإن كانت مضمومة .. الثانية حينئذٍ قلبتها واواً مُطلقاً، سواءٌ كانت الأولى مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، وأكثر الأمثلة التي ذُكِرَت في هذا المقام من باب التمارين.

ص: 24

واستثنى مِمَّا يُضَمُّ ويقلب واواً: إذا لم تكن مُتطرِّفة، فإن كانت مُتطرِّفة قُلِبَت ياءً مُطلقاً، ولذلك قال:(فَذَاكَ يَاءً مُطْلَقَاً جَا)، ثُمَّ ذكر فيما إذا كانت همزتان أولاهما همزة المُتكلِّم، ولماذا استثنى هذا النوع ولم يدخله فيما سبق؟ لأنَّه قَيَّد قال:(مِنْ كِلْمَةٍ) الكلام كله من كلمةٍ، وعند النُّحاة همزة المُتكلِّم ليست دَاخلةً في الكلمة، ولذلك:((أَأَنذَرْتَهُمْ)) [البقرة:6] لم يُعامل مثل هذه المعاملة عند النُّحاة، لأنَّه يُعْتَبَر كلمتين، بخلاف القُرَّاء فيجعلونه كلمة واحدة، فَثَمَّ اصطلاحٌ خاص عند القُرَّاء، واصطلاحٌ خاصٌّ عند النُّحاة، (أَأَنذَرْتَهُمْ) هذا كلمة واحدة عند القُرَّاء، وكلمتان عند النُّحاة.

ثُمَّ قال رحمه الله:

وَيَاءً اقْلِبْ أَلِفَاً كَسْراًً تَلَا

أَوْ يَاءَ تَصْغِيرٍ بِوَاوٍ ذَا افْعَلَا

فِي آخِرٍ أَوْ قَبْلَ تَا التَّأْنِيثِ أَوْ

زِيَادَتَي فَعْلَانَ ذَا أَيْضَاً رَأَوْا

فِي مَصْدَرِ الْمُعْتَلِّ عَيْنَاً وَالْفِعَلْ

مِنْهُ صَحِيْحٌ غَالِبَاً نَحْوُ الْحِوَلْ

اقلب ألفاً ياءً، إذاً: هذا شروعٌ منه في قلب الألف ياءً، وهذه في موضعين .. تقلب الألف ياءً في موضعين:

الأول قال:

اقْلِبْ أَلِفَاً يَاءً تَلَا كَسْراًً ..

(اقْلِبْ أَلِفَاً)(اقْلِبْ) فعل أمر والفاعل أنت، و (أَلِفَاً) مفعول أول، و (يَاءً) مفعول ثاني، إذاً:(اقْلِبْ أَلِفَاً يَاءً) متى؟ (تَلَا كَسْراًً)(تَلَا) الضمير هنا يعود على الألف .. تلا الألف كسراً، (كَسْرَاً) هذا مفعول (تَلَا)، والجملة نعت لـ:(أَلِف) ألفاً تالياً كسراً، (أَوْ يَاءَ تَصْغِيرٍ) أو وقعت الألف بعد ياء تصغير، فَتَقْلِب الألف ياءً وَتُدْغِم الياء في الياء مثل: غزال .. غُزَيِّل، أصله: غُزَيْ، ثُمَّ ألف .. ألف: غزال، قُلِبَت الألف ياءً لوقوعها بعد ياء التَّصغير فأدغمت الياء في الياء.

إذاً: ذكر لنا أن الألف يجب قلبها ياءً في موضعين:

الأول: أن يعرض كسر ما قبلها كـ: مصابيح، في جمع: مصباح، فانقلبت الألف فيه ياءً: مصباح .. مصابيح، من أين جاءت هذه الياء؟ مصابيح هذه الياء هي الألف في: مصباح، وقعت بعد كسرة، لأنَّه على وزن (مَفَاعِيْل)، إذاً: لا بُدَّ أن يكون على كسرٍ، لأنَّ الوزن مُقيَّد بكسر ما بعد الألف، (مَفَاعِيل) ثُمَّ جاءت الألف وقعت بعد كسرة فَقُلِبَت الألف ياءً فصار: مصابيح.

إذاً الأول: أن يعرض كسر ما قبلها كـ: مصابيح، في جمع (مصباح)، فانقلبت الألف فيه ياءً لكسر ما قبلها، إذ لا يصحُّ النُّطق بالألف بعد غير الفتحة، كما أنَّ الألف تُقْلَب واواً بعد ضَمَّةٍ، كذلك تُقْلَب ياءً بعد كسرةٍ.

الثاني: أن يقع قبلها ياء التصغير نحو: غزال .. غُزَيِّل في تصغير (غزال)، بإبدال الألف ياءً وإدغام ياء التصغير فيها، لأنَّ ياء التصغير لا تكون إلا ساكنة، فلم يمكن النطق بالألف بعدها، قد يقول قائل: لماذا لا نُحَرِّك الياء بالفتحة لمناسبة الألف؟ نقول: لا، ياء التصغير يلزم أن تكون ساكنة، لأنَّه جيء بها لمعنى فتبقى على ما هي عليه.

ص: 25

إذاً: تُقْلَب الألف ياءً ثُمَّ يجتمع عندنا ياءان، فَنُدْغِم الياء الأولى في الياء الثانية: غُزَيِّل، الياء الثانية مُبْدَلةٌ عن ألف (غزال).

إذاً: ياء التصغير لا تكون إلا ساكنة، فلم يمكن النطق بالألف بعدها، فَرُدَّت إلى الياء كما رُدَّت إليها بعد الكسرة، إذاً: ذكر في هذا البيت: أنَّ الألف تُقْلَب ياءً في موضعين: وذلك بعد كسرةٍ وبعد ياء التصغير.

وَيَاءً اقْلِبْ أَلِفَاً كَسْراًً تَلَا

أَوْ يَاءَ تَصْغِيرٍ. . . . . . . . . .

(أَوْ) للتَّنويع والتَّقسيم، (يَاءَ) هذا معطوف على قوله:(تَلَا كَسْراًً)، أو تلا الألف (يَاءَ تَصْغِيرٍ) يعني: وقع ياء التصغير، هذا الأول.

. . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . بِوَاوٍ ذَا افْعَلَا

فِي آخِرٍ أَوْ قَبْلَ تَا التَّأْنِيثِ أَوْ

زِيَادَتَي فَعْلَانَ. . . . . . . . . .

يعني: افعل بالواو ما فعلت بالألف، افعل (بِوَاوٍ ذَا) الإعلال المذكور السابق من قلبها ياء، افعل بالواو، إذاً: الواو تُقْلَب ياءً، متى؟ (فِي آخِرٍ) هذا الموضع الأول، (أَوْ قَبْلَ تَا تأْنِيثٍ) الموضع الثاني .. معطوف على (آخِرٍ)، (أَوْ زِيَادَتَي فَعْلَانَ) هذه ثلاث مواضع.

يعني: أنَّه يُفْعَل بالواو الواقعة آخراً ما فُعِل بالألف من إبدالها ياءً لكسر ما قبلها، أو لمجيئها بعد ياء التَّصغير.

إذاً قوله: (بِوَاوٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (افْعَلَا)، و (افْعَلاً) الألف هذه منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة، (ذَا) هذا مفعول (افْعَل) افعل ذا، المشار إليه ما هو؟ الإعلال المذكور من قلب الألف ياءً، (بِوَاوٍ) تقلب الواو ياءً، (فِي آخِرٍ) هذا مُتعلِّق بقوله:(افْعَل)، (أَوْ قَبْلَ تَا التَّأْنِيثِ)(تَاءِ التَّأْنِيثِ) قصره للضرورة، (قَبْلَ) بالنصب معطوف على قوله:(فِي آخِرٍ)، (أَوْ زِيَادَتَي فَعْلَانَ) معطوف على (آخِرٍ).

العطف إذا كان بـ: (أَوْ) يكون كالواو .. يكون عطفه على الأخير. أشار بهذا: إلى أنَّ الواو تُقْلَب أيضاً ياءً إذا تَطَرَّفت بعد كسرةٍ، قال:(بِوَاوٍ فِي آخِرٍ) إذا وقعت مُتَطَرِّفة بعد كسرةٍ، أو بعد ياء التَّصغير، أو وقعت قبل تاء التأنيث، أو قبل زيادتي فعلان مكسوراً ما قبلها.

والأمثلة، فالأول: الذي هو وقوعها مُتطرِّفة بعد كسرة نحو: رَضي وقوي، (رضي) معلوم أنَّه من الرضوان، كيف قيل: رضي؟ أصله: رَضِوَ .. (فَعِلَ)، وقعت الواو مُتطرِّفةً بعد كسرةٍ فَقُلِبَت ياءً فقيل: رضي، (قَوي) أصله: قَوِوَ، وقعت الواو آخرا مُتطرِّفةً بعد كسرةٍ فوجب قلبها ياءً، لأنَّهما من الرضوان والقوة، فَقُلِبَت الواو ياءً، لأنَّه لَمَّا كُسِر ما قبل الواو، وكانت بِتَطَرُّفها مُعرَّضةً للسُّكون .. سكون الوقف، عُومِلَت بما يقتضيه السُّكون من وجوب إبدالها ياءً تَوَصُّلاً للخِفَّة.

ص: 26

إذاً الموضع الأول التي تُقْلَب الواو فيه ياءً: إذا وقعت مُتَطَرِّفَةً بعد كسرة، مثل: رضو وقوو، (رضو) وقعت الواو مُتطرِّفةً فَقُلِبَت ياءً فقيل: رضي، إذاً هذه الياء منقلبة عن واو، وكذلك: قوِوَ، وقعت الواو مُتَطَرِّفَةً، يعني: آخراً بعد كسرةٍ فَقُلِبَت الواو ياءً كما تُقْلَب الألف ياءً إذا وقعت بعد كسرةٍ.

والثاني: وقوع الواو بعد ياء التَّصغير، إذا وقعت الواو بعد ياء التَّصغير وجب قلب الواو ياءً، وإدغام الياء في الياء نحو: جُرَيٌّ، (جُرَيٌّ) هذا تصغير: جَرْو، وأصله: جُرَيْو (فُعَيْلٌ) وقعت الواو وسبقتها ياء التصغير، حينئذٍ تُقْلَب الواو ياءً فَتُدْغَم الياء في الياء قيل: جُرَيٌّ، فاجتمعت الواو والياء، وسبق إحداهما بالسكون فَقُلِبَت الواو ياءً، وَأُدْغِمَت الياء في الياء.

الثالث: وهو وقوعها قبل تاء التأنيث نحو: شَجِيَّةٌ (فَعِيلَةٌ) وهي اسم فاعل للمُؤنَّث، وكذا (شُجَيَّة) مُصَغَّراً، وأصله: شُجَيْوَةٌ، هذا كالسَّابق: أنَّ تاء التأنيث لا تمنع الواو من كونها مُتَطَرِّفَة - وهذا سبق الإشارة إليه - لأنَّ (شُجَيَّة) هذا في التَّصغير مأخوذٌ من: الشجو، إذاً هو واوي، فكيف قيل: شُجَيِّة؟ تقول أصله: شُجَيْوَةٌ، وقعت الواو مُتطرِّفةً بعد ياء التَّصغير، فاجتمعت الواو والياء، وحينئذٍ نقول: سبقت إحداهما السكون فَقُلِبَت الواو ياءً فَأُدْغِمَت الياء في الياء، وهذه التاء لا تمنع كون الواو مُتَطَرِّفَةً.

والرابع: الذي هو (زِيَادَتَي فَعْلَانَ) نحو: غَزِيَان، مثال: ظَرِيان، من الغزو، لو قال لك: ائتِ بالغزو على وزن (فَعِلان) حينئذٍ تقول: غَزِوَان هذا الأصل، فوقعت الواو قبل زيادتي (فعلان) الألف والنون، فوجب قلب الواو ياءً قيل: غزيان، إذا قيل لك: ابن من (الغزو) مثل: ضريان، فتقول: غزوان، حينئذٍ وقعت الواو بعد كسرةٍ قبل ألف ونون، لذلك قَيَّده: ضَرِيَان، على وزن (فَعِلان).

إذاً: الموضع هذا راجع لقوله: رضي، لأنَّ الواو وقعت بعد كسرةٍ، الموضع الرابع راجع للموضع الأول، والموضع الثالث راجعٌ للموضع الثاني.

إذاً: إذا وقعت الواو إثر كسرةٍ سواءٌ كانت مُتَطَرِّفَة أو قبل زيادة (فَعْلان) تُقْلَب الواو ياءً، وكذلك إذا كُسِرَ ما قبلها سواءٌ كانت مُتَطَرِّفة أو بعدها تاء تأنيث أو زيادة الألف والنون حينئذٍ تُقْلَب الواو ياءً، فالتاء لا تخرجها عن كونها مُتَطَرِّفة، والألف والنون كذلك لا تخرجها عن كونها مُتَطَرِّفَةً، أو كونها بعد كسرة، فَتُقْلَب في هذه المواضع الأربع الواو ياءً.

. . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . بِوَاوٍ ذَا افْعَلَا

فِي آخِرٍ أَوْ قَبْلَ تَا التَّأْنِيثِ أَوْ

زِيَادَتَيْ فَعْلَانَ. . . . . . . . . .

حينئذٍ نقول في هذه المواضع الأربعة: تُقْلَب الواو ياءً، كما أنَّ الألف تُقْلَب ياءً في موضعين، فزادت الواو على الياء بالمواضع التي ذكرناها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . ذَا أَيْضَاً رَأَوْا

فِي مَصْدَرِ الْمُعْتَلِّ عَيْنَاً وَالْفِعَلْ

مِنْهُ صَحِيْحٌ غَالِبَاً نَحْوُ الْحِوَلْ

ص: 27

(ذَا) اسم إشارة من الإعلال المذكور، (رَأَوْا ذَا) إذاً: هو مفعول مُقدَّم لقوله: (رَأَوْا)، (أَيْضَاً) هذا منصوبٌ على المفعولية المطلقة، رأوا ماذا؟ (رَأَوْا) الإعلال المذكور (فِي مَصْدَرِ الْمُعْتَلِّ عَيْنَاً)، (فِي مَصْدَرِ) هذا مُتعلِّق بقوله:(رَأَوْا) على أنَّه مفعولٌ ثاني .. في موضع المفعول الثاني، و (ذَا) مفعول مُقدَّم أول، و (مَصْدَر) مضاف، و (الْمُعْتَلِّ) مضاف إليه، وأطلق (الْمُعْتَلّ) أراد به: المُعلّ، فإن المعتل أعم من المُعلّ، قد يكون مُعلَّاً وقد لا يكون، أمَّا المعل فلا، لا بُدَّ أن يكون منقلباً.

(فِي مَصْدَرِ الْمُعْتَلِّ) يعني: المعل، (عَيْنَاً) هذا تمييز، إذاً:(مَصْدَر) مضاف، و (الْمُعْتَلِّ) مضاف إليه، وهو على حذف موصوف، (مَصْدَرِ الفِعْل المُعَلِّ)(عَيْنَاً) هذا تمييز من (الْمُعْتَلْ).

وَالْفِعَلْ مِنْهُ صَحِيْحٌ غَالِبَاً ..

(وَالْفِعَلْ) مبتدأ، (صَحِيْحٌ) هذا خبر المبتدأ، (مِنْهُ) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف حال إمَّا من (الْفِعَلْ) على مذهب سيبويه، أو من الضمير المستتر في (صَحِيْحٌ)، يجوز فيه الوجهان، (غَالِبَاً) حالٌ من الضمير في الخبر.

يعني: أنَّ ما كان من مصدر الفعل المعتل العين بعدها ألفٌ وجب إعلاله، وما كان منه على (فِعَلْ) بغير ألف فالغالب في عينه التَّصحيح، وَشَمِل المُعْتَلَّ الثلاثي نحو: قام قياماً، قام أصلها: قِوَام، لماذا أُعِلَّت في المصدر؟ لكونها مُعلَّة في الفعل، فَحُمِل المصدر هنا على الفعل: قام قياماً، وكذلك المزيد نحو: انقاد انقياداً، قُلِبَت الألف ياءً.

واحترز بالمُعتلِّ العين من الفعل الصحيح العين نحو: لاوذ لِواذاً، فإنَّه لا يُعَلُّ لكون فعله غير مُعتلٍّ.

إذاً: (ذَا) الإعلال السابق، (رَأَوْا) أيضاً (فِي مَصْدَرِ الْمُعْتَلِّ عَيْنَاً) يعني: المعتلُّ فعله عيناً: قام قياماً، أصله: قِوَاماً، اعْتُلَّت عينه في المصدر لكونه أُعِلَّ في الفعل، هذا مثل ما سبق في: قائل وصائل وبائع، أُعِلَّت العين بقلب الواو أو الياء همزةً بالنَّظر إلى فعله، فما أُعِلَّ في الفعل أُعِلَّ هنا وما لا فلا، هذا مثله.

أشار به إلى أن الواو تُقْلَب بعد الكسرة ياءً في مصدر كل فِعْلٍ اعْتَلَّت عينه: صام صياماً، وقام قياماً، والأصل: صِوَام .. قِوَام، فَأُعِلَّت الواو في المصدر حملاً له على فعله.

إذاً: إذا قيل: صيام وقيام، لماذا قُلِبَت الواو ياءً هنا؟ نقول: حملاً للمصدر على الفعل، لأنَّه في الفعل أُعِلَّ، وأشار بقوله:

. . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . ذَا أَيْضَاً رَأَوْا

فِي مَصْدَرِ الْمُعْتَلِّ عَيْنَاً. . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 28

إلى أنَّ الواو تُقْلَب بعد الكسرة ياءً في مصدر كل فعل اعْتَلَّت عينه، صِوَام .. قِوَام، هنا واوٌ بعد كسرةٍ تُقْلَب ياءً، حملاً للمصدر على الفعل، فلو صَحَّت الواو في الفعل لم تَعْتَلَّ في المصدر: لَاوَذَ، ما قُلِبَت هنا الواو ألفاً، إذاً تقول في المصدر: لِوَاذاً، لا تقلب الواو ياءً، لماذا؟ لكونها صَحَّت في الفعل، و (جاور) .. (جواراً) مثل: عَوِرَ عَاوِرٌ .. عَيِنَ عاين، قلنا: صَحَّت في الفعل فتصح في اسم الفاعل، هنا كذلك صَحَّت في الفعل وتصح في المصدر.

إذاً:

. . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . ذَا أَيْضَاً رَأَوْا

فِي مَصْدَرِ الْمُعْتَلِّ عَيْنَاً. . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(الْمُعْتَل) المراد به: المعل، يعني: الذي قُلِبَت عَيْنُه ألفاً.

وَالْفِعَلْ مِنْهُ صَحِيْحٌ غَالِبَاً ..

(فِعَلْ) يعني: ما كان على وزن (فِعَلْ)، نحو: حِوَل، هذا الغالب منه: أنَّه صحيح يَصحُّ، ولا تُقْلَب الواو ياءً، (وَالْفِعَلْ) هذا مبتدأ، (صَحِيْحٌ) خبره، و (غَالِبَاً) حالٌ، و (مِنْهُ) كذلك حال، (نَحْوُ الْحِوَلْ).

يعني: أنَّ ما كان من مصدر الفعل المُعتلِّ العين بعدها ألفٌ وجب إعلاله، وما كان منه على وزن (فِعَلٍ) بغير ألفٍ فالغالب في عينه: التَّصحيح، وشمل المُعتلَّ الثلاثي والمزيد، الثلاثي نحو: قام قياماً، والمزيد: انقاد انقياداً.

واحترز بالمعتل العين من الفعل الصحيح العين كما ذكرناه سابقاً، وَفُهِمَ اشتراط الألف بعد العين من قوله:

وَالْفِعَلْ مِنْهُ صَحِيْحٌ غَالِبَاً ..

لأنَّ سبب التَّصحيح عدم الألف، لماذا صَحَّت الواو في (الْفِعَلْ)؟ لعدم وجود الألف، إذاً: قيام وصيام، لوجود الألف هناك أُعِلَّت، فالسَّبب في التَّصحيح هنا: عدم وجود الألف، فالغالب في نحو:(الْفِعَلْ) التَّصحيح نحو: حال حولاً، وَعَادَ الْمَرِيض عِوَدَاً، ولذلك قال النَّاظم:(نَحْوُ الْحِوَلْ).

قال الشَّارح: "إذا وقعت الألف بعد كسرةٍ وجب قلبها ياء كقولك في جمع (مصباح) و (دينار): مصابيح ودنانير، وكذلك إذا وقعت قبلها ياء التَّصغير كقولك في (غزال): غُزَيِّل، وفي (قَذَال): قُذَيِّل.

ثُمَّ قَال:

وَجَمْعُ ذِي عَيْنٍ أُعِلَّ أَوْ سَكَنْ

فَاحْكُمْ بِذَا الإِعْلَالِ فِيهِ حَيْثُ عَنّْ

(وَجَمْعُ ذِي)(وَجَمْعُ) مبتدأ، وهو مضاف، و (ذِي) مضافٌ إليه، (ذِي عَيْنٍ) يعني: صاحب عين، (أُعِلَّ أَوْ سَكَنْ) يعني: في المفرد، (جَمْعُ ذِي عَيْنٍ) لا بُدَّ أن يكون ثَمَّ فرقٌ بين المضاف والمضاف إليه، فـ:(جَمْعُ) معلوم أنَّه أراد به الجمع، (ذِي عَيْنٍ) أراد به المفرد، فالصِّفات حينئذٍ تكون في المفرد، (ذِي عَيْنٍ أُعِلَّ) هذا نعت لـ:(عَيْن)، يعني: قُلِبَت العين ألفاً.

. . . . . . . . . . . أَوْ سَكَنْ

فَاحْكُمْ بِذَا الإِعْلَالِ فِيهِ حَيْثُ عَنّْ

ص: 29

يعني: جميع ما سكنت عينه من الثلاثي نحو: ثوب، تقول: ثياب، (ثوب) على وزن (فعل)، و (دار) أصله من: دور، حينئذٍ نقول: أُعِلَّت عَينُه، فهذا النوع: ما كان على وزن: ثوبٍ أو دارٍ، حينئذٍ إمَّا أن يُجْمَع على (فِعَال) أو (فِعَلَةْ) أو (فِعَلْ) ثلاثة أنواع: إن كان على وزن (فِعَال) حينئذٍ وُجِد مقتضي قلب الواو ياءً وهو .. ، ثوب، تقول: ثياب، إذاً: وُجِد الكسر قبل الواو .. هذا المقتضي.

إذاً: أنَّ جميع ما سكنت عينه من الثلاثي نحو: ثوب، أو أُعِلَّت نحو: دار، على ثلاثة أقسام:(فِعَال) أو (فِعَلَةْ) أو (فِعَلْ) أشار إلى الأول بقوله:

وَجَمْعُ ذِي عَيْنٍ أُعِلَّ أَوْ سَكَنْ

فَاحْكُمْ بِذَا الإِعْلَالِ فِيهِ حَيْثُ عَنّْ

أي: متى وقعت الواو عين جمعٍ، وَأُعِلَّت في واحده أو سكنت وجب قلبها ياءً إن انكسر ما قبلها، ووقع بعدها ألف نحو: ديار .. ثياب، أصله (دوار)، وقعت الواو بعد كسرةٍ فقيل: ديار، و (ثوب) يُجْمَع على: ثِوَاب .. على (فِعَال)، حينئذٍ تقول: ثِيَاب أصله: ثِوَاب، فَقُلِبَت الواو ياءً في الجمع لانكسار ما قبلها، ومجيء الألف بعدها، مع كونها في الواحد إمَّا مُعتلَّة كـ: دار، أو شبيهةً بالمعتل في كونها حرف لينٍ ساكناً كـ: ثوب.

إذاً: ما كان على وزن (فَعْلٍ) ساكن العين وهو حرف عِلَّة، أو أُعِلَّ بقلب الواو ألفاً، حينئذٍ يُقْلَب في الجمع على (فِعَال) ياءً، لأنَّ الواو وقعت بعد كسرةٍ وقبل ألف، حينئذٍ قُلِبَت الواو ياءً.

(وَجَمْعُ ذِي عَيْنٍ) فُهِمَ منه: أنَّ ما كان على (فِعَال) من المفرَد لا يُعَلُّ نحو: صوار وصوان، (ذِي عَيْنٍ أُعِلَّ) إذا لم يُعَل حينئذٍ لا يُعَلُّ في الجمع، ما لم يُعَلَّ في المفرد لا يُعَلُّ في الجمع، (جَمْعُ ذِي عَيْنٍ) يعني: أنَّ جمع المفرد المعل من جمع الثلاثي المعلِّ العين أو ساكنها، يُحْكَم له في الإعلال بالإعلال المذكور وهو: قلب الواو ياءً، في نحو: دار وديار، وثوب وثياب.

(وَجَمْعُ ذِي عَيْنٍ أُعِلَّ)(أُعِلَّ) فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل يعود على العين، والجملة نعت لـ:(عَيْنٍ) عينٍ معلَّةٍ، (أَوْ سَكَنْ) معطوف على (أُعِلَّ).

فُهِمَ منه: أنَّ عين المفرد إذا لم تُعَل ولم تسكن لم يُعَلَّ الجمع: طويل وطويلة، حينئذٍ تبقى كما هي ولا يُعَلُّ في الجمع، (فَاحْكُمْ) الفاء زائدة، و (احْكُمْ) فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنت، والجملة في محلِّ رفع خبر المبتدأ، (وَجَمْعُ) قال:(احْكُمْ)، (بِذَا) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله:(احْكُمْ)(بِذَا) اسم إشارة، والمشار إليه الإعلال السابق في مصدر الفعل المعل: وهو قلب الواو ياءً.

(بِذَا الإِعْلَالِ)(الإِعْلَال) هذا بدل أو عطف بيان أو نعت من (ذَا) اسم إشارة، (فِيهِ حَيْثُ) كُلٌّ منهما مُتعلِّق بقوله:(عَنّْ) يعني: ظهر وعرض.

ص: 30

إذاً: ما جُمِع من المفرد الذي سكنت عينه وهو حرف عِلَّة، أو أُعِلَّت بأن قُلِبَت ألفاًَ إن جُمِع على وزن (فِعَال) قُلِبَت الواو ياءً، فـ:(ثوب) مِثالٌ لِمَا سكنت عينه في المفرد وهو حرف عِلَّة، تجمعه على (فِعَال) فتقول: ثياب، بقلب الواو ياءً، وكذلك: دار، أُعِلَّت عينه في المفرد وحينئذٍ تُقْلَب .. أُعِلَّت عينه في المفرد وهذه الألف منقلبة عن واو، حينئذٍ ترجع في الجمع، لأنَّ الجمع يرد الأشياء إلى أصولها فتقول: دوار، ثُمَّ وقعت الواو بعد كسرةٍ وقبل ألفٍ فَقُلِبتَ الواو ياءً.

لذلك قال ابن عقيل: " متى وقعت الواو عين جمعٍ وَأُعِلَّت في واحده" يعني: قُلِبَت ألفاً، أو سكنت .. لم تُقْلَب بل هي ساكنة، وجب قلبها ياء إن انكسر ما قبلها ووقع بعدها ألف، يعني: جُمِعَت على وزن (فِعَالٍ) هذا مراده، نحو: دِيَار وثياب، أصلهما: دوار .. دارٌ، قُلِبَت الألف واواً، في الجمع تقول: دوار، لأنَّ الجمع يرد الأشياء إلى أصولها، حينئذٍ وقعت الواو بعد كسرةٍ وقبل ألفٍ فوجب قلب الواو ياءً.

وكذلك: ثِوَاب، جُمِع على (فِعَال) وقعت الواو إثر كسرةٍ قبل ألفٍ، حينئذٍ تُقْلَب الواو ياءً لانكسار ما قبلها ومجيء الألف بعدها، مع كونها في الواحد إمَّا مُعْتَلَّة يعني: مقلوبة، أو شبيهةً بالمعتل لكونها ساكناً، هذا الوزن الأول (فِعَال).

(وَصَحَّحُوا فِعَلَةً) يعني: ما كان على وزن (فِعَلَة)، صحَّحوه يعني: نطقوا به صحيحاً غير مُعل، لم تُقْلَب الواو ياءً.

(وَفِيْ فِعَلْ وَجْهَانِ) إذاً: ثلاثة أوزان (فِعَال .. فِعَلَةْ .. فِعَلْ)، (فِعَال) وجب القلب .. وجب الإعلال، و (فِعَلَة) صحَّحوا أي: العرب (فِعَلَة) هذا مفعول لقوله: (صَحَّحُوا)، يعني: أنَّ جمع ما أُعِلَّ عينه أو سكن إذا كان على وزن (فِعَلَة)، وجب تصحيحه لعدم وجود الألف والكسرة قبلها، مثاله: عَوْدٌ مثل: ثَوْب، إذا جمعته على (فِعَلَة) قلت: عِوَدَة، صَحَّحت الواو ولم تقلبها ياءً لعدم وجود الألف بعدها، و (كَوْز) تقول: كِوَزَة، بتصحيح الواو، جمعته على (فِعَلَة)، وشذَّ: ثَوْر وثِيَرة، بقلب الواو ياء.

إذاً: الكلام في المفرد إذا سكنت عينه وهو حرف عِلَّة، أو أُعِلَّت نحو: ثوب ودار، إن جمع على (فِعَال) وجب الإعلال، وإن جُمِع على (فِعَلَة) وجب التصحيح ولا يصح الإعلال.

(وَفِيْ فِعَلْ وَجْهَانِ) وهما: التَّصحيح والإعلال، والإعلال أولى، لَمَّا قال:(الإِعْلَال) وقال: (وَصَحَّحُوا فِعَلَة)، علمنا أن الوجه الثاني هو التصحيح، وإذا كان على وزن (فِعَلْ) ففيه وجهان: التصحيح والإعلال والثاني أولى، نحو: حِيَلَة وَحِيَلْ، (حِيَل) هذا جمع: حِيْلَة، يُجْمَع على (فِعَل)، هو مأخوذٌ من الحول، هنا حصل الإعلال، حِيَلَ، على وزن (فِعَل) أصله: حِولَ، حينئذٍ قُلِبَت الواو ياءً في الجمع فقيل: حِيَلْ، وأمَّا: حِوَجْ، في جمع: حاجة، فهذه صُحِّحَت هنا فقيل: حِوَج، ولم يُقَلْ: حِيَج.

ص: 31

قال الشَّارح: إذا وقعت الواو عين جمعٍ مكسوراً ما قبلها، واعْتَلَّت في واحده أو سكنت، ولم يقع بعدها الألف وكان على (فِعَلَة) وجب تصحيحها، والأمثلة كما ذكرناه، ومن هنا يعلم أنَّه إنَّما تَعْتَلُّ في الجمع إذا وقع بعدها ألفٌ كما سبق تقريره.

لو قال: على وزن (فِعَال) لكان أولى، لأنَّ: ثوب ودار، إمَّا أن يُجْمع على (فِعَال) أو (فِعَلَة) أو (فِعَلْ)، إذا جُمِعَ على (فِعَال) وجب الإعلال لوجود الألف، ولَمَّا قال هنا:(فِعَلَة وَفِعَل) انتفت الألف، إذاً: صارت العِلَّة هناك في الإعلال: هو وجود الألف، فإذا انتفت الألف حينئذٍ إمَّا أن يُصَحَّح وجوباً، وإمَّا أن يُرَجَّح الإعلال.

ومن هذا البيت يُفْهَم: أنَّ الجمع الذي يجب إعلاله في البيت الذي قبله يكون فيه الألف بعد الواو، لكونه نُطِقَ في هذا البيت بـ: فِعل .. نطق الناظم بـ: (فِعَلْ وَفِعَلةْ) بغير ألف، فَعُلِم أنَّ ما سواهما وهو الأول بالألف، وما ذكرناه أولى: أن يُقال (فِعَال) مقابل لقوله: (فِعَلَة) أو (فِعَل)، إن كان على وزن (فِعَال) وجب الإعلال، وإن كان على وزن (فِعَلَة) مثل: عِوَدَة، جمع (عَوْدٍ)، وَكِوَزة جمع (كَوْزٍ) فحينئذٍ نقول: وجب التَّصحيح، وما كان على وزن (فِعَل) حينئذٍ جاز الوجهان: التَّصحيح والإعلال، والإعلال أولى.

ولذلك قال ابن عقيل مثل ما ذكرناه: "ومن هنا يُعْلَم أنَّه إنَّما تَعْتَلُّ في الجمع إذا وقع بعدها ألف كما سبق تقريره، لأنَّه حكم على (فِعَلَة) بوجوب التَّصحيح، وعلى (فِعَلٍ) بجواز التصحيح والإعلال " وكلاهما بدون ألف، فالتصحيح نحو: حاجة وَحِوَج، حِوَج على وزن (فِعَل) صحَّتْ، والإعلال نحو: قامة وقيم، أُعِلَّت، وديمة وديم، والتصحيح فيها قليل والإعلال غالبٌ.

وَصَحَّحُوا فِعَلَةً وَفِيْ فِعَلْ

وَجْهَانِ. . . . . . . . . . . . . .

(وَفِيْ فِعَلْ) هذا خبر مُقدَّم، (صَحَّحُوا فِعَلَةً) صحَّحوا من؟ العرب، و (فِعَلَةً) مفعولٌ به، (وَفِيْ فِعَلْ) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر مُقدَّم، (وَجْهَانِ) مبتدأ مُؤَخَّر، (وَالإِعْلَالُ أَوْلَى) مبتدأ وخبر، وذلك (كَالْحِيَلْ) هذا مثالٌ للإعلال.

ثُمَّ قال:

وَالْوَاوُ لَاماً بَعْدَ فَتْحٍ يَا انْقَلَبْ

كَالْمُعْطَيَانِ يُرْضَيَانِ وَوَجَبْ

إِبْدَالُ وَاوٍ بَعْدَ ضَمٍّ مِنْ أَلِفْ

وَيَا كَمُوقِنٍ بِذَا لَهَا اعْتَرِفْ

وَالْوَاوُ لَاماً بَعْدَ فَتْحٍ يَا انْقَلَبْ ..

الواو انقلب ياءً حال كونه لاماً بعد فتحٍ .. هكذا، (الْوَاوُ) مبتدأ، (انْقَلَبْ) فعل ماضي، والضمير يعود على (الْوَاوُ) الواو انقلب، إذاً: الكلام في قلب الواو ياءً .. لا يزال الحديث فيه، (وَالْوَاوُ انْقَلَبْ) (يَاً) يعني: ياءً هذا مفعول مُقدَّم لـ: (انْقَلَبْ)، (لَاماً) حال كون الواو لاماً بعد فتحٍ، يعني: إذا وقعت الواو مُتَطَرِّفَةً لاماً بعد فتحٍ وجب قلبها ياءً، فَتُقْلَب الواو ياءً إذا وقعت مُتَطَرِّفَة بعد فتحٍ.

ص: 32

إذا وقعت الواو طرفاً رابعةً فصاعداً بعد فتحةٍ قُلِبَت ياءً نحو: أعطيتُ، مَثَّل هنا بـ:(الْمُعْطَيَانِ) أصله: المعطوان، لَمَّا صارت الواو رابعةً قُلِبَت ياءً بالحمل على اسم الفاعل: مُعْطَى .. مُعْطَيَان، ليس فيه عِلَّة قلب الواو ياءً، بخلاف الـ: مُعْطِي، هذا اسم فاعل، وقعت الواو مُتَطَرِّفَةً، (إِثْرَ كَسْرٍ) فَقُلِبَت الواو ياءً: معطي .. مُعْطِوٌ، واوٌ مُتطرِّفة قبلها كسرة، وُجِدَت العِلَّة؟ وُجِدَت العِلَّة.

لكن: مُعْطَى، ليس قبلها كسرة، حينئذٍ لماذا قُلِبَت؟ هم قلبوها سماعاً، لكن قالوا: حملاً لاسم المفعول على اسم الفاعل، إذ الموجب: قلب الواو ياءً موجودٌ في اسم الفاعل، ومفقودٌ في اسم المفعول، فحملاً لاسم المفعول على اسم الفاعل قُلِبَت الواو ياءً.

إذاً: (الْمُعْطَيَانِ) هذا اسم مفعول، أصله: المُعْطَوَان، ليس عندنا عِلَّة هنا لقلب الواو ياءً، لأنَّ ما قبلها مفتوح وليس بمكسور، ولذلك أيضاً قُلِبَت الواو ياءً قيل: معطيان، لماذا قلبت الواو ياءً؟ حملاً على اسم الفاعل، لأنَّك تقول في اسم الفاعل: المعطِوٌ، وقعت الواو مُتَطرِّفَة إثر كسرة حينئذٍ قُلِبَت.

إذاً أصله: المعطوان، لَمَّا صارت الواو رابعةً قُلِبت ياءً بالحمل على اسم الفاعل وهو الـ: مُعْطِي، لأنَّ في اسم الفاعل موجب القلب .. وُجِدَ موجب القلب: واوٌ إثر كسرةٍ معطِي، وأمَّا: مُعْطَى، فليس فيه موجبٌ للكسر.

لأنَّ في اسم الفاعل موجب القلب وهو انكسار ما قبل الواو، وليس ذلك في اسم المفعول فَحُمِلَ عليه.

وكذلك (يُرْضَيَانِ) أصله: يُرْضَوَان، واوٌ تَحرَّكت وقبلها فتحة، الأصل تُقْلَب ألفاً ما تُقْلَب ياءً، لكن قُلِبَت ياءً هنا حملاً على الفاعل فتقول: يُرْضِي، الياء هذه منقلبة عن واو، وُجِد موجب القلب: وهو كسر ما قبل الواو. أصله: يُرْضَوُان، لأنَّه من الرِّضْوَان، فَقُلِبَت واوه بعد الفتحة ياءً، وهذا خلاف الأصل، تَحرَّكت الواو وَفُتِحَ ما قبلها .. تُقْلَب ألفاً هذا الأصل، لكنَّها هنا قُلِبَت ياءً؛ حملاً للمبني للمفعول على المبني للفاعل، لأنَّ: يُرْضَى، هذا فعل، (يُرْضَيَانِ) ليس كـ:(الْمُعْطَيَانِ) .. (الْمُعْطَيَانِ) هذا اسمٌ، و (يرضى) هذا فِعْلٌ.

إذاً: يقع القلب هنا في الأسماء وفي الأفعال، في الأسماء .. في المبني للمفعول، وكذلك في اسم المفعول، وكذلك في الأفعال .. في المبني للمفعول حملاً على المبني للمعلوم، (يُرْضِي) هذا واضح أنَّ الواو انقلبت ياءً لكسر ما قبلها، لكن:(يُرْضَى) .. (يُرْضَيَان) هذا فعل، ابن عقيل يقول:" (يُرْضَيَان) أصله: يُرْضَوَان " هذا فعلٌ، هنا الواو مُتحرِّكة قبلها ضَادٌ مفتوحة، الأصل: ما تقلب ياءً، فَقُلِبَت واوه بعد الفتحة ياءً؛ حملاً لبناء المفعول على بناء الفاعل نحو: يُرْضِيَان.

هنا في المثالين: (مُعْطَيَان) و (يُرْضَيَان) ليس فيه عِلَّة قلب الواو ياءً، وإنَّما هو حملٌ لاسم المفعول على اسم الفاعل، و (يُرْضَيَان) حملٌ للفعل المبني للمفعول على المبني للفاعل، وإلا عِلَّة قلب الواو في (يُرْضِي) و (يُعْطِي) هو: كسر ما قبل الواو، هذه غير موجودة هنا، فحملاً لهذا على ذاك.

ص: 33

إذاً: (وَالْوَاوُ لَاماً بَعْدَ فَتْحٍ)(بَعْدَ) هذا مُتعلِّق بقوله: (انقلب)، والواو انقلب هو (الْوَاوُ) بَعْدَ فَتْحٍ حال كونه لَاماً، يعني: آخر الكلمة (كَالْمُعْطَيَانِ) و (يُرْضَيَانِ).

قال الشَّارح: " إذا وقعت الواو طرفاً رابعةً فصاعداً بعد فتحةٍ قُلِبَت ياءً نحو: أعطيت، أصله: أعطوت، لأنَّه من: عطا .. يعطو، إذا تناول، فَقُلِبَت الواو في الماضي ياءً حملاً على المضارع ".

إذا قيل (حملاً) معناه: ما وُجِدَ عِلَّة القلب، سُمِع هذا أنَّه مقلوب، ولم يجدوا العِلَّة التي من أجلها قُلِبَت، حينئذٍ قالوا: حملاً للماضي على المضارع نحو: يُعْطِى (يعطي) هذا واضح، الياء هنا منقلبة عن واو، وقعت مُتَطَرِّفة إثر كسرةٍ فوجب قلبها ياءً .. وُجِدَ المقتضي.

وأمَّا: يُعطْى، هذا لم يوجد فيه المقتضي، كما حُمِلَ اسم المفعول نحو:(مُعْطِيَانِ)، على اسم الفاعل، نحو: مُعْطِيَان، الطاء مكسورة، والياء منقلبة عن واو، هنا وُجِدَت العِلَّة .. هذا قياس ليس فيه إشكال، وأمَّا: مُعْطَى، بفتح الطَّاء نقول: ما وُجِد هنا قلب الواو ياءً.

وكذلك (يُرْضَيَان) الأصل: يُرْضَوَان، لأنَّه من: الرِّضْوَان، فَقُلِبَت واوه بعد الفتحة ياءً حملاً لبناء المفعول على بناء الفاعل، و (يُرْضَى) لوجود موجب القلب فيه نحو: يرضيان.

وَفُهِم من التَّمثيل: أنَّ ذلك يكون في الأسماء والأفعال.

. . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . وَوَجَبْ

إِبْدَالُ وَاوٍ بَعْدَ ضَمٍّ مِنْ أَلِفْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(وَجَبَ) هذا فعل ماضي، و (إِبْدَالُ) هذا فاعل وهو مضاف، و (وَاوٍ) مضافٌ إليه، من إضافة المصدر إلى المفعول، (إِبْدَال) هذا مصدر، و (وَاوٍ) مفعول، (بَعْدَ ضَمٍّ) هذا مُتعلِّق بـ:(إِبْدَال) لأنَّه مصدر، (مِنْ أَلِفْ) كذلك مُتعلِّق بـ:(إِبْدَال).

إذاً: يجب أن يُبْدَل من الألف واو .. تُقْلَب الألف واواً إذا وقعت الألف بعد ضَمَّة، سبق أنَّ الألف تُقْلَب ياءً إذا وقعت بعد كسرةٍ، إذا وقعت بعد ضَمٍّ قُلِبَت الألف واواً.

. . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . وَوَجَبْ

إِبْدَالُ وَاوٍ بَعْدَ ضَمٍّ مِنْ أَلِفْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أن يُبْدَل من الألف بعد ضَمٍّ واو، معناه: أنَّه يجب أن يُبْدَل من الألف واوٌ إذا وقعت بعد ضَمَّة، يعني: ضَمَّ ما قبلها، كقولك في (بايع): بُويِع، ضُمَّت الباء وبعدها ألف، قُلِبَت الألف واواً لمناسبة ما قبلها (بُويِع)، وفي (ضارب): ضُورِب، فإن كانت في موضعٍ يجب فيه تَحْرِيكها حُرِّكَت نحو: ضارب، تُصَغِّره على: ضُوَيْرِب، حَرَّكْتَ الواو، وإن كانت في موضعٍ يجب فيه سكونها سكنت نحو: ضُوْرِب.

إذاً: تُقْلَب الألف واواً إثر ضَمٍّ، ثُمَّ إن وقعت في موضعٍ يجب التَّحريك حُرِّكت مثل: ضُوَيْرِب، لأنَّه (فُعَيْل) سبق أنَّه الثاني يجب تحريكه بالفتح: فُلَيْس .. ضُوَيْرب، ضُوَ .. إذاً: تَحرَّكت الواو بالفتح، كذلك إذا وقعت في موضعٍ يجب التسكين حينئذٍ سكنت نحو: ضُوْرِب.

وَيَا كَمُوقِنٍ بِذَا لَهَا اعْتَرِفْ ..

ص: 34

(يَا) ياءٌ .. قصره للضرورة، (وَيَاءٌ كَمُوقِنٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف نعت لـ:(يَا) ولذلك ابتدئ به، الياء مبتدأ وهو نكرة، قصره للضرورة، (بِذَا) إشارة إلى الإعلال المذكور، (اعْتَرِفْ لَهَا) يعني: يجب إبدال الياء واواً كما في (مُوقِن) اسم فاعل من: أيقن، أصله: مُيْقِن، قُلِبَت الياء واواً صار: مُوقِنْ، أصله: مُيْقِن، إذا وقعت الياء ساكنةً بعد ضَمَّةٍ وجب قلب الياء واواً.

(بِذَا لَهَا اعْتَرِفْ) يعني: يجب إبدال الياء واواً كما في: مُوقِنْ، اسم فاعل من: أَيْقَن، أصله: مُيْقِن، (مِيْزَان) .. (مِيُزَان) كما سبق، فَأُبْدِلت الياء فيه واواً لانضمام ما قبلها.

وَفُهِم من المثال: كون الياء المبدلة ساكنة، فلو كانت مُتَحَرِّكة لم تُبْدَل نحو: هُيَام، كما سيذكره الشارح.

وَفُهِمَ منه أيضاً: كون الياء مفردة، يعني غير مُدْغَمَة: حُيَّض، لا تُقْلَب الياء الأولى وإن كانت ساكنة .. لا تُقْلَب واواً لكونها مدغمة، لأنَّه ذكر: مُوقِنْ، الياء ساكنة مفردة، (مفردة) يعني: غير مدغمة، فلو كانت مدغمة ولو وقعت إثر ضَمَّةٍ لا تُقْلَب واواً: حُيَّض، الياء الأولى ساكنة وقعت بعد ضَمَّة لا تُقْلَب، لكونها ليست مفردة، وإنَّما هي مدغمة.

كذلك لو كانت مُتحرِّكة: هُيَام، ياء وقعت بعد ضَمَّة، لا تُقْلَب الواو ياءً لكونها مُتحرِّكة، إذاً يُشْتَرط: أن تكون الياء ساكنة ومفردة، يعني: غير مدغمة.

وَفُهِمَ منه أيضاً: كون الياء في المفرد، فلو كان ما فيه الياء الساكنة بعد الضَمَّة جمعاً، وهذا أشار إليه بقوله:

وَيُكْسَرُ الْمَضْمُومُ فِي جَمْعٍ ..

إذاً: لا بُدَّ أن تكون الياء في مفردٍ لا في جمعٍ، وأن تكون ساكنة، وأن تكون غير مدغمة، يعني: مفردة.

إذاً:

وَيَا كَمُوقِنٍ بِذَا لَهَا اعْتَرِفْ ..

(بِذَا) الإعلال المذكور، (اعْتَرِفْ) هذه الجملة خبر، وقوله:

وَيَا كَمُوقِنٍ بِذَا لَهَا اعْتَرِفْ ..

معناه: أن الياء إذا سكنت في مفردٍ بعد ضَمَّةٍ وجب إبدالها واواً: موقن وموسر، أصلهما: مُيْقِن .. مُيْسِر، لأنهما من: أيقن وأيسر، فلو تَحرَّكت الياء لم تُعَل نحو: هُيَام، وهذا داءٌ يصيب الإبل.

وَيُكْسَرُ الْمَضْمُومُ فِي جَمْعٍ كَمَا

يُقَالُ هِيْمٌ عِنْدَ جَمْعِ أَهْيَمَا

(هِيْمٌ) أهيم، أحمر يُجْمَع على (حُمْر)، (أهْيَم) مثله، هنا يقول:(هِيْمٌ) أصله: هُيْم، لو بقيت الضَّمَّة كما هي لوجب قلب الياء واواً، لكن قال هنا: تُقْلَب الضَّمَّة كسرة من أجل تصحيح الياء .. لِتصحَّ الياء وجب قلب الضَّمَّة كسرة.

(وَيُكْسَرُ الْمَضْمُومُ فِي جَمْعٍ) أمَّا المفرد السابق فيبقى على كسره، أمَّا إذا جُمِع فهذا له شأنٌ آخر.

(وَيُكْسَرُ) هذا مُغيَّر الصيغة، (الْمَضْمُومُ) هذا نائب فاعل، (فِي جَمْعٍ) مُتعلِّق بـ:(يُكْسَرُ).

. . . . . . . . . . . . . . كَمَا

يُقَالُ هِيْمٌ عِنْدَ جَمْعِ أَهْيَمَا

ص: 35

(أَهْيَمَا) الألف للإطلاق، (أَهْيَم) على وزن (أَفْعَل)، جمعه على (فُعْلٍ) مثل: أحمر (حُمْرٍ) حينئذٍ ضُمَّت الفاء وجاءت بعدها ياء ساكنة، إذاً: هي ياءٌ ساكنةٌ ومفردة، فالأصل: أن تُقْلَب واواً، لكن لكونها في الجمع لا في المفرد .. انتفى الشرط، قُلِبَت الضَّمَّة كسرةً من أجل أن تصح.

يعني: أنَّه إذا وقعت الياء الساكنة بعد ضَمَّةٍ في الجمع نحو: هُيْم (فُعْلٍ) في جمع: (أَهْيَم)، قُلِبَت الضَّمَّة التي قبل الياء كسرة لتصحَّ الياء، كما مَثَّل النَّاظم هنا بـ:(هِيْمٌ عِنْدَ جَمْعِ أَهْيَمَا)، وإنَّما لم تُقْلَب الياء واواً لأجل الضَّمَّة كما قُلِبَت في المفرد نحو: موقن، لأنَّ الجمع أثقل من المفرد فكان أحق بمزيد التَّخفيف، لماذا فُرِّق بين الجمع والمفرد؟ نقول: السماع، ولكن الجمع ثقيل، فلو قُلِبَت الياء واواً لزاد ثِقَلاً.

قال الشَّارح هنا: " يُجْمَع (فَعْلاء) و (أَفْعَلْ) على (فُعْلٍ) بِضَمِّ الفاء وسكون العين، كما سبق في التكسير كـ: حَمْرَاء وَحُمْرٍ، وَأَحْمَر وَحُمْرٍ، فإذا اعْتلَّت عين هذا النوع من الجمع بالياء قُلِبَت الضَّمَّة كسرة لتصح الياء نحو: هَيْمَاء تقول: هِيمٍ، وبيضاء .. بيضٍ، ولم تقلب الياء واواً كما فعلوا في المفرد كـ: مُوقِنْ، استثقالاً لذلك في الجمع ".

وَوَاواً اثْرَ الضَّمِّ رُدَّ الْيَا مَتَى

أُلْفِيَ لَامَ فِعْلٍ أَوْ مِنْ قَبْلِ تَا

كَتَاءِ بَانٍ مِنْ رَمَى كَمَقْدُرَهْ

كَذَا إِذَا كَسَبُعَانَ صَيَّرَهْ

رُدَّ الياء واواً، يعني: اقلب الياء واواً، (إِثْرَ الضَّمِّ) هذا مُتعلِّق بـ:(رُدَّ)، (رُدَّ الْيَاءَ) واواً (إِثْرَ الضَّمِّ) يعني: أنَّ الياء المُتحرِّكة تُبْدَل بعد الضَّمَّة واواً في ثلاثة مواضع، ولذلك قال:(مَتَى أُلْفِيَ لَامَ فِعْلٍ) متى وُجِدَ لام فِعْلٍ (رُدَّ الْيَاءَ) واواً، متى؟ أن تكون لام فِعْلٍ.

(وَاواً) مفعول ثاني، (إِثْرَ الضَّمِّ) بعد ضَمٍّ، هذا مُتعلِّق بـ:(رُدَّ)، و (الْيَا) مفعول أول، (مَتَى أُلْفِيَ لَامَ فِعْلٍ).

يعني: أنَّ الياء المُتحرِّكة تُبْدَل بعد الضَّمَّة واواً في ثلاثة مواضع:

أحدها: أن تكون لام فِعْلٍ نحو: قَضُوَ، أصله: قضى، لأنَّه من: قضى يقضي: ونَهُوَ، لأنَّه من النُّهْيَة وهو العقل، إذا وقعت الياء لام فِعْلٍ وانْضَمَّ ما قبلها في الأصول الثلاثة وجب قلبها واواً.

إذاً: (واواً) هذا كما قلنا مفعول ثاني، ما الذي يُقْلَب هنا: الواو ياء، أو الياء واو؟ الياء واو: قَضَى يَقْضِي قَضْوَ، نعم هو كذلك، (رُدَّ الْيَاءَ وَاواً) اقلب الياء واواً، (إِثْرَ الضَّمِّ) يعني: إذا وقعت الياء بعد ضَمٍّ طرفاً (لَامَ فِعْلٍ)، مثل: قَضَى .. قَضُوَ، أصله: قضى، لأنَّه من: قضى يقضي، و (نَهو) لأنَّه من النُّهْيَة وهو العقل.

(أُلْفِيَ لَامَ فِعْلٍ) متى أُلْفِي، هذا فعل الشَّرط، و (أُلْفِيَ) يعني: الياء (لَامَ فِعْلٍ)، (لَامَ) بالنَّصب مفعول ثاني، والضمير المستتر في (أُلْفِي) نائب فاعل وهو مفعوله الأول.

. . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . أَوْ مِنْ قَبْلِ تَا

ص: 36

كَتَاءِ بَانٍ مِنْ رَمَى كَمَقْدُرَهْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لو قيل: ابن من (رَمَى) على وزن (مَقْدُرَهْ) .. (مَفْعُلَهْ)، إذا بنيت من (رَمَى) اسماً على وزن (مَقْدُرَهْ)، فإنك تقول: مَرْمُوَةْ، أصلها: مَرْمُيَة، ياءٌ قبلها ضَمَّة .. قبل تاء التأنيث، ومقصوده: أنَّ تاء التأنيث لا تُخْرِج اللام التي وقعت ياءً عن كونها طرفاً.

كَتَاءِ بَانٍ مِنْ رَمَى كَمَقْدُرَهْ

كَذَا إِذَا كَسَبُعَانَ صَيَّرَهْ

يعني: إذا قيل ائتي بـ: (رَمَى) على وزن (سَبُعَانَ)، تقول: رَمُوَانَ، أصله: رَمُيَان، وقعت الياء هنا لاماً قبلها ضَمَّة، وجاء بعده ألف ونون، لم يخرجها عن كونها طرفاً، إذاً: في هذه الأحوال الثلاث تُقْلَب الياء واواً.

(رُدَّ الْيَاءَ واواً إِثرَ الضَّمِّ مَتَى أُلْفِي لَامَ فِعْلٍ) إذا كان لام فعلٍ ولم يتبعه شيء، أو تلاه تاء تأنيثٍ (أَوْ مِنْ قَبْلِ تَا) هذا معطوف على (لَامَ فِعْلٍ) .. (مِنْ قَبْلِ تَاءٍ).

كَتَاءِ بَانٍ مِنْ رَمَى كَمَقْدُرَهْ ..

(كَتَاءِ) هذا مضاف، و (بَانٍ) مضاف إليه، الباني: هو الذي يصوغ هذا البناء، وإنَّما أضيفت إليه التاء للملابسة بين الكلمة التي فيها التَّاء والباني، يعني:(مَقْدُرَة) التاء هذه أتى بها الباني .. بنا ماذا .. صاغ ماذا .. اشتق ماذا؟ اشتقَّ: رمى، على وزن (مَفْعُلَة) .. (مَقْدُرَهْ) حينئذٍ قال: مَرْمُوَة، والأصل: مَرْمُيَة، وقعت الياء لاماً قبل تاء تأنيثٍ، قُلِبَت الياء واواً.

(كَذَا) أي: مثل ذا، (صَيِّرَهُ) (صَيِّر) الضمير عائد على لفظ الرمي المفهوم من: رَمَى، وفيه ضمير مستتر على (بَانٍ)، (صَيَّرَهْ كَذَا) أي: مثل ذا، هذا مُتعلِّق بقوله:(صَيِّرَهُ)، (إِذَا كَسَبُعَانَ) يعني: إذا قيل للباني: ابن من: رمى، على وزن (سَبُعَانَ) فيقول: رَمُوَان، قلبَ الياء واواً، فحينئذٍ يقول:(سَبُعَانَ).

وَإِنْ تَكُنْ عَيْنَاً لِفُعْلَى وَصْفَا

فَذَاكَ بِالْوَجْهَيْنِ عَنْهُمْ يُلْفَى

(وَإِنْ تَكُنْ) الياء (عَيْنَاً لِفُعْلَى وَصْفَا)، إذا جاء على وزن (فُعْلَى)، وجاءت عينه ياءً، حينئذٍ قال:(بِالْوَجْهَيْنِ عَنْهُمْ يُلْفَى) إذاً: البيتين السابقين نقول:

وَوَاوَاً اثْرَ الضَّمِّ رُدَّ الْيَا مَتَى

أُلْفِي لَامَ فِعْلٍ أَوْ مِنْ قَبْلِ تَا

إذاً: هذه إذا وقعت الياء لام فعلٍ، أو من قبل تاء التأنيث، أو (زِيَادَتَي فَعْلَانَ) وانْضَمَّ ما قبلها في الأصول الثلاثة وجب قلبها واواً.

إذاً الموضع الأول: أن تكون لام فعلٍ، (أُلْفِي لَامَ فِعْلٍ) مثل: قضوَ الرجل، وأصله: قضى، انْضَمَّ ما قبلها إذا جيء به على وزن (فَعُلَ)، حينئذٍ قيل:(فَعُلَ) قَضُيَ، وقعت الياء مُتَطَرِّفَة لام فعلٍ وقبلها ضَمَّة، فوجب قلب الياء واواً.

الموضع الثاني: أن تكون لام اسمٍ مَبْنِيٍّ على التأنيث بالتَّاء نحو: مَرْمُوَة، فإنه مثل: مَقْدُرَة، (مِنْ رَمَى).

ص: 37

وَفُهِمَ من المثال: لزوم التَّاء، لأنَّ (مَقْدُرَة) لا يَتَجَرَّدُ من التاء، فلو كانت التاء عارضةً أُبْدِلَت الضَّمَّة كسرة وسلمت الياء، كما يجب ذلك مع التَّجرُّد نحو: تواني، أصل (تواني):(تَفَاعُلْ) بِضَمِّ النون، حينئذٍ هنا لا بُدَّ من إبقائه، لأنّه على وزن (تَفَاعُل)، مصدر (تواني) أصله: توَانِو، على وزن (تَفَاعُل) لأنَّه نظير: تدارك، فأبدلت الضَّمَّة فيه كسرة، ولم يُبْدِلوا الياء واواً، لأنَّه ليس في الأسماء المُتمكِّنَة ما آخره واوٌ قبلها ضَمَّة، فلو لحقته التاء بقي على إعلاله لعروض التاء نحو: تدَانِيَ.

إذاً: ما كان على وزن (تَفَاعُل) وكانت لامه ياء، قُلِبَت الضَّمَّة كسرة، مثل: تدارُك وتواني، (توانِي) أصله: تَوانِيُ، لئلا تُقْلَب الياء واواً لِضَمِّ ما قبلها، وجب قلب الضَّمَّة كسرة.

والموضع الثالث: أن يبنى من (الرمي) نحو: (سَبُعَان) اسم مكان فتقول: رَمُوَان، لأنَّ الألف والنون لازمتان، لهذا فلم يُحْكم له بحكم المتطرِّف، لأنَّه أَلْزَمُ للكلمة من تاء التأنيث.

إذاً: هذه ثلاثة مواضع يجب فيها قلب الياء واواً: فيما إذا وقعت لام فعلٍ، أو لام فعلٍ من قبل تاء التأنيث، وهذا يكون في الاشتقاق، كما ذكرناه:(مَقْدُرَهْ) لم يُسْمَع، لكن من باب التمارين، أو جاء بـ: رمي، على وزن (سَبُعَان)، فَكُلُّ ما اشتق كذلك، فحينئذٍ إذا وقعت الياء لام الكلمة في هذه الأحوال الثلاثة وجب قلب الياء واواً.

(وَإِنْ تَكُنْ) الياء (عَيْنَاً)، (تَكُنْ) ضمير مستتر يعود على الياء وهو اسمها، (عَيْنَاً) هذا خبر، (لِفُعْلَى وَصْفَاً) (لِفُعْلَى) هذا مُتعلِّق بـ:(تَكُنْ)، (وَصْفَاً) هذا حالٌ من (فُعْلَى)، (فَذَاكَ بِالْوَجْهَيْنِ)(فَذَاكَ) الفاء واقعة في جواب الشَّرط، و (ذَاكَ) مبتدأ، (بِالْوَجْهَيْنِ عَنْهُمْ يُلْفَى)(يُلْفَى) الجملة خبر، و (بِالْوَجْهَيْنِ) مُتعلِّق بقوله:(يُلْفَى)، و (عَنْهُمْ) يعني: عن العرب، كذلك مُتعلِّق بـ:(يُلْفَى).

يعني: إذا كانت الياء المضموم ما قبلها عَيناً لوصفٍ على وزن (فُعْلَى)، لا بُدَّ أن يكون على وزن (فُعْلَى)، وأن تكون الياء عيناً، وأن يكون وصفاً، لو اختلف شرطٌ من هذه الشروط الثلاثة، حينئذٍ ذهبت المسألة.

أن يكون الياء المضموم ما قبلها عَيناً لوصفٍ على وزن (فُعْلَى)، جاز أن تُبْدَل الضَّمَّة كسرة وتصحَّ الياء، يعني مثل: التواني، قُلِبَت الضَّمَّة كسرة وصَحَّت الياء.

وأن تبقى الضَّمَّة وَتُبْدَل الياء واواً لأجل الضَّمَّة، ولذلك مَثَّل هنا بـ: الضِّيقَى، والكيسى، والضُّوْقَى والكوسى، وهما تأنيث: الأضيق والأكيس، (أضيق) تأتي به على وزن (فُعْلَى)، فحينئذٍ إمَّا أن تقلب الضَّمَّة كسرة لتصحَّ الياء، وإمَّا أن تقلب الياء واواً، فإمَّا أن تقول: كيسى أو كوسى، (كيسى) بقلب الضَّمَّة كسرة فصَحَّت الياء، وإمَّا أن تقلب الياء واواً فتبقى الضَّمَّة على ما هي.

ص: 38

وأيُّهما أصل: الكوسى أو الكيسى؟ (فُعْلَى)، إذاً: بِضمِّ الفاء، إذاً:(الكوسى) هو الأصل، بقلب الياء واواً، وكذلك (الضُّوْقَى) هذا الأصل، قُلِبَت الياء واواً، لأنَّه ما قبله مضموم .. الفاء مضمومة، كوسى وضوقى، وأمَّا إذا أردنا أن تصح الياء فنقلب الضَّمَّة كسرة فتقول: الضِّيقى والكيسى.

وَفُهِمَ من قوله (وَصْفَاً): أنَّها إذا كانت عيناً (لِفُعْلَى) اسماً لم يجز الوجهان، بل يلزم قلب الياء واواً على الأصل نحو: طوبى، هذا مأخوذٌ من: طَيِّبٍ، (طوبى) بقلب الياء واواً وجهاً واحداً، لأنَّه ليس بوصفٍ، وإنَّما هو اسمٌ.

(وَإِنْ تَكُنْ عَيْنَاً) تكن الياء (عَيْنَاً لِفُعْلَى وَصْفَاً) ثلاثة شروط: الياء تقع عيناً، وإذا جعلناها أربعة شروط: أن يكون ياءً وعيناً، و (لِفُعْلَى وَصْفَاً)، حينئذٍ جاز فيه الوجهان: الصِّحة، والقلب.

(فَذَاكَ بِالْوَجْهَيْنِ)(فَذَاكَ) المشار إليه: إن وقعت الياءُ (عَيْنَاً لِفُعْلَى وَصْفَاً) لكل ما ذُكِر .. ما استوفى الشروط.

(فَذَاكَ يُلْفَى) يوجد (بِالْوَجْهَيْنِ عَنْهُمْ) عن العرب.

قال الشَّارح: "إذا وقعت الياء عيناً لصفةٍ على وزن (فُعْلَى) جاز فيه الوجهان:

- أحدهما: قلب الضَّمَّة كسرة لِتصحَّ الياء.

- والثاني: إبقاء الضَّمَّة فَتُقْلَب الياء واواً نحو: الضِّيقى والكيسى، والضُّوْقَى والكُوْسَى، وهما تأنيث: الأضيق والأكيس".

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين

!!!

ص: 39