المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * فصل … مواضع نقل حركة العين إلى الساكن - شرح ألفية ابن مالك للحازمي - جـ ١٣٨

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * فصل … مواضع نقل حركة العين إلى الساكن

‌عناصر الدرس

* فصل

مواضع نقل حركة العين إلى الساكن الصحيح قبله

* مواضع نقل حركة العين إلى الساكن الصحيح قبله

* خلاصة الفصل ومسائله

* فصل .. قلب الواو أو الياء تاءاَ

* قلب (تا) الإفتعال طاءاَ أو دالَا

* فصل حذف الواومن المثال العرواي

* حذف أحد المثلين

* أوجه إسناد الفعل المضعف الثلاثي إلى ضمير

* الإدغام

وحده وأنواعه

* مالا يجوز إدغام المثلين فيه. وما يجوز

* ما يجوز فيه الإدغام والفك

* متى يجب الفك

* خلاصة الباب

* الخاتمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسلام عَلَى نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلى آله وَصَحْبِه أَجْمَعِين، أمَّا بعد:

فلا زال النَّاظم يسرد لنا فصولاً تتعلَّق بالإبدال.

قال: (فَصْلٌ).

لِسَاكِنٍ صَحَّ انْقُلِ التَّحْرِيكَ مِنْ

ذِي لِيْنٍ آتٍ عَيْنَ فِعْلٍ كَأَبِنْ

هذا الفصل المراد به: نقل حركة الحرف المُتحرِّك المُعتل إلى السَّاكن الصحيح قبله، حروف العِلَّة ثلاثة: الألف والواو والياء، والألف ليست قابلة للتَّحرِيك، حينئذٍ بقي الواو والياء، إذا حُرِّكت الواو بحركة، أو حُرِّكَت الياء بحركة، حينئذٍ صار فيها نوع ثقل، ولو كانت الحركة فتحة، حينئذٍ تُنْقَل حركة حرف العِلَّة -الواو أو الياء- إلى ما قبلها، هذا يُسَمَّى: إعلالاً بالنَّقل، يعني: تُنْقَل حركة حرف العِلَّة إلى ما قبله، لكن ليس على إطلاقه، بل بشروطٍ سيذكرها النَّاظم متوالية.

إذاً: هذا الفصل ممكن تجعل له عنوناً في نقل حركة الحرف المُتحرِّك المُعْتَل إلى السَّاكن الصحيح قبله، ولذلك قال:

لِسَاكِنٍ صَحَّ انْقُلِ التَّحْرِيكَ مِنْ

ذِي لِيْنٍ. . . . . . . . . . . . .

(انْقُلْ) فعل أمر وهو مبني بالسُّكون المُقدَّر على آخره، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنت، و (التَّحْرِيكَ) مفعولٌ به، وقوله:(لِسَاكِن) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (انْقُلْ) انقل التَّحريك لساكن، و (صَحَّ) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر يعود على السَّاكن، والجملة في محلِّ جر صفة (لِسَاكِن).

إذاً: (لِسَاكِنٍ) صحيحٍ، عَبَّر بالجملة .. النَّظم لم يساعده فأتى بالجملة، (صَحَّ) هذا فعل، لساكنٍ صحيحٍ، هذا أول شرط: أن يكون ساكناً صحيحاً، فإن كان مُعتلَّاً حينئذٍ لا يُنْقَل إليه، لماذا؟ لأنَّه إنَّما يُنْقَل من حرف عِلَّة لأجل طلب التَّخفيف، فلا يُنْقَل إلى حرفٍ مُعتلٍّ مثله، وإنَّما يُنْقَل إلى صحيح، لأنَّ الصَّحيح قوي، وحينئذٍ تَحرَّك بحركةٍ ما ازداد قوَّةً.

انْقُلِ لِسَاكِنٍ صَحَّ.

انْقُلِ التَّحْرِيكَ مِنْ ذِي لِينٍ ..

(مِنْ ذِي لِينٍ) يعني: من حرفٍ (لِينٍ) المراد به: حرف العِلَّة، وهو الواو أو الياء، (آتٍ) هذا نعت لـ:(ذِي)، و (آتٍ) اسم فاعل وهو صِفِّة لـ:(ذِي)، وفيه ضمير مستتر يعود على (ذِي) (آتٍ) أي: هو و (عَيْنَ) هذا حال من فاعل (آتٍ) .. الضمير المستتر، (عَيْنَ فِعْلٍ)(عَيْنَ) مضاف، و (فِعْلٍ) مضافٍ إليه (كَأَبِنْ).

إذاً اشترط النَّاظم هنا: أن يكون التَّحريك (مِنْ ذِي لِينٍ) لا من حرفٍ صحيح، وأن يكون لساكنٍ صحيح، يعني: يُنْقَل إلى السَّاكن قبله الصَّحيح، ثُمَّ: أن يكون هذا اللين (عَيْنَ فِعْلٍ).

إذاً الموضع الأول: أن يكون الحرف المعتل عيناً لِفِعْلٍ، الحرف المُعتَل المُحرَّك الذي نريد نقل حركته أن يكون (عَيْنَ فِعْلٍ).

(كَأَبِنْ)(أَبِنْ) هذا فعل أمر مثل: أَكْرِم، أصلها: أَبْيِنْ .. أَكْرِم، أَبْيِنْ الباء ساكنة وهو حرفٌ صحيح، والياء مُتحرِّكة بالكسرة، حينئذٍ نقلنا حركة الياء الكسرة إلى ما قبله وهو الباء وهو حرفٌ صحيح.

ص: 1

ثُمَّ التقى ساكنان الياء والنون التي سكنوها سكون بناء، فَحُذِفَت الياء قيل:(أَبِنْ)، إذاً: حصل نقلٌ وحذفٌ، اجتمع في هذا المثال إعلالان: إعلالٌ بالنَّقل، وإعلالٌ بالحذف، (أَبِنْ) أصلها: أَبْيِنْ، على وزن (أَفْعِل) .. (أكْرِم)، اسْتُثْقِلَت الكسرة على الياء وَنُقِلَت إلى ما قبلها، ثُمَّ سكنت الياء .. تَحرَّكت الباء بالكسرة التي هي حركة الياء وسكنت الياء، ثُمَّ النون ساكنة، لأنَّه فعل أمر مبني على السُّكون، فالتقى ساكنان الياء والنون، حينئذٍ ليس لنا حيلة إلا في حذف الياء، مع كون الأصل في التقاء الساكنين: أن يُحَرَّك الأول بالكسرة، لكن هنا يمتنع تحريكه، لأنَّنا نقلنا حركته التي هي حركة بِنْيَة طلباً للتَّخفيف، حينئذٍ لا يُحَرَّك فلم نستفد شيئاً من النَّقل، فالتقى ساكنان الياء والنون، ثُمَّ حُذِفَت الياء فقيل:(أَبِنْ).

ومثلها في الفعل المضارع: يقول، أصلها: يَقْوُل، على وزن (يَفْعُل) بِضمِّ العين، هنا وقعت الواو (عَيْنَ يَفْعُلْ) قيل: يَقْوُل، والقاف ساكنة وهي حرف صحيح، إذاً: نقلنا حركة الواو إلى ما قبله وهو السَّاكن الصحيح، فماذا حصل؟ حَرَّكنا القاف بالضَّمَّة وسكنت الواو صار: يَقُوْل.

(يَبِيْع) أصلها: يَبْيِع، على وزن (يَفْعِل) .. (يَجْلِس)، تَحرَّكت الياء هنا بالكسرة، حصل إعلالٌ بالنَّقل فَنُقِلَت إلى ما قبلها صار: يَبِيْع، إذاً: الباء هذه في الأصل ساكنة: يَبْيِع، الياء مُتحرِّكة بالكسرة، اسْتُثْقِلَت الكسرة على الياء، ثُمَّ نُقِلَت إلى ما قبلها، والشرط موجود: وهو كون المُحرَّك (ذِي لِينٍ) .. حرف لين، وكون ما قبله صحيحٌ ساكنٌ.

إذاً:

لِسَاكِنٍ صَحَّ انْقُلِ التَّحْرِيكَ مِنْ

ذِي لِينٍ آتٍ. . . . . . . . . . . . .

(آتٍ) هذا حال .. حال كون هذا اللين .. (آتٍ) هذا صفة لـ: (لِين).

(ذِي لِينٍ آتٍ) حال كونه هذا اللين (عَيْنَ فِعْلٍ)، فإن لم يكن (عَيْنَ فِعْلٍ) فلا نقل، لأنَّ الحكم مُخَصَّص بعين الفعل المعتل، حينئذٍ إذا كانت اللام فلا نقل هذا الأصل، وإن كانت الفاء فلا نقل قطعاً، لأنَّ الفاء أول الكلمة، حينئذٍ يمتنع أن يكون ثَمَّ نقلٌ (كَأَبِنْ).

قال الشَّارح: " إذا كانت عين الفعل ياءً أو واواً مُتَحَرِّكة، وكان ما قبلها ساكناً صحيحاً، وجب نقل حركة العين إلى السَّاكن قبلها " لاستثقال الحركة في حرف العِلَّة، هذه عِلَّة الوجوب، نحو: يَبِيْن ويَقُوم، والأصل: يَبْيِنُ، على وزن (يَفْعِلُ)، و (يَقُوم) .. (يَقْوُم) هذا الأصل فيه، بكسر الياء وَضَمِّ الواو، وَنُقِلَت حركتهما إلى السَّاكن قبلهما، وهو الباء والقاف، وكذلك في:(أَبِنْ).

إذاً: إذا كان حرف العِلَّة عين الفعل، وهو مُحرَّك، وقبله ساكن صحيح، وجب نقل حركته إلى ما قبله، فإن كان السَّاكن غير صحيح حينئذٍ يمتنع النَّقل، لكوننا طلبنا الخِفَّة، ودفعاً للاستثقال بنقل حركة الحرف المُعتَلْ، حينئذٍ لا ننقله إلى مثله .. لم نستفد شيئاً.

ص: 2

فإن كان السَّاكن غير صحيح لم تُنْقَل الحركة نحو: بايع وَبَيَّن وَعَوَّق، حينئذٍ إذا لم يكن السَّاكن حرفاً صحيحاً امتنع، هنا: بايع، الياء وقعت عين الفعل بايع (فَاعَل)، هل نقول: تُنْقَل إلى ما قبلها؟ لا، لأنَّ الألف هنا ساكن .. الحرف غير صحيح .. حرف عِلَّة، و (بَيَّن) عندنا ياءان الأولى ساكنة والثانية مُتحرِّكة، لا ننقل حركة الياء المُتحرِّكة إلى ما قبلها السَّاكن لكونه حرف عِلَّة، وكذلك (عَوَّق) اجتمع عندنا واوان الأولى ساكنة والثانية مُتحرِّكة، لا ننقل حركة المُتحرِّكة إلى ما قبلها، لكونه حرف عِلَّة.

إذاً: يمتنع النَّقل إن كان السَّاكن مُعتلَّاً، ثُمَّ إذا نقلنا الحركة مثل: يقول ويبين، إن خالفت العين الحركة المنقولة أُبْدِلَت من مُجَانِسها نحو: أبان وأعان، (أبان) أصلها: أَبْيَن، نقلنا حركة الياء إلى ما قبلها صار: أبان، قُلِبَت الياء ألفاً، هل العِلَّة موجودة .. ما هي؟ إمَّا جزء العِلَّة وهذا أجود، وإمَّا بالنَّظريين .. باعتبارين.

وكذلك: أعان، أصله: أَبْيَن وَأَعْوَن، فدخل النَّقل والقلب فصار: أبان وأعان، ويبقى الحرف المُعتَل إن جانس الحركة المنقولة نحو: يقول ويبيع، يعني: إذا أردنا ضابطاً لهذه نقول: الحركة المنقولة إن كانت من جنس الحرف صَحَّ الحرف لم يُقْلَب مثل: يَقُول .. يَقْوُل، نُقِلَت الضَّمَّة وهذه الضَّمَّة من جنس الواو، إذاً: صَحَّت الواو، كذلك: يَبِيع .. يَبْيِعُ، نُقِلَت الكسرة وهنا الواو والياء من جنس الكسرة .. الكسرة من جنس الياء، حينئذٍ صَحَّت الياء، وإلا فَيُقْلَب مثل: يَخَاف .. يَخْوَفُ، هنا نُقِلَت الحركة، ثُمَّ قُلِبَت الواو ياءً، هل الفتحة من جنس الواو؟ الجواب: لا.

إذاً: إذا كانت الحركة المنقولة من جنس الحرف الذي نُقِلَ عنه حرف العِلَّة، حينئذٍ صَحَّت، مثل: يقول ويبيع، وإذا لم تكن من جنسها فحينئذٍ قُلِبَ حرف العِلَّة ألفاً مثل: أبان، أصله: أَبْيَن، الفتحة ليست من جنس الياء قطعاً، حينئذٍ قُلِبَت الياء ألفاً، وكذلك (أعان) أصلها: أَعْوَنَ، نُقِلَت الفتحة إلى ما قبلها .. العين السَّاكنة، والفتحة ليست من جنس الواو، إذاً: تُقْلَب الواو ألفاً، فإن كانت من جنسها: ضَمَّة على واو نُقِلَت .. صَحَّت مثل: يَقُوْل.

(يَبْيِعُ) كسرة من جنس الياء صَحَّت إذاً، أمَّا: أبان وأعان ويخافُ، هذه تُقْلَب الواو ألفاً، أو الياء ألفاً.

فإن كان الساكن غير صحيحٍ لم تنقل الحركة نحو: بَايع وَبَيَّن وَعَوَّق.

مَا لَمْ يَكُنْ فِعْلَ تَعَجُّبٍ وَلَا

كَابْيَضَّ أَوْ أَهْوَى بِلَامٍ عُلِّلَا

إذاً: إن كان ساكناً .. شرط في الأول قال: (صَحَّ) فإن لم يكن ساكناً حينئذٍ لم يُنْقَل .. لم يحصل إعلال بالنقل، قال:

مَا لَمْ يَكُنْ فِعْلَ تَعَجُّبٍ ..

هذا شرطٌ ثاني: ألا يكون فعل تعجُّب، وهذا يشمل الصِّيغتين:(أَفْعِلْ بِه) و (ما أَفْعَلَهُ)، (ما أَقْوَمَه)، أقْوَ .. هل ننقل الحركة هنا من الواو إلى القاف؟ الجواب: لا .. هذا يمتنع، كذلك: أَقْوِمْ بِه، هنا لا تُنْقَل حركة الواو إلى ما قبلها، فتبقى القاف ساكنة، هذا استثناء.

ص: 3

إذاً: الإعلال بالنَّقل لا يدخل فعليَّ التَّعجُّب بالصِّيغتين المشهورتين، إذاً:

مَا لَمْ يَكُنْ فِعْلَ تَعَجُّبٍ ..

شمل صيغتي أَفْعَلْ التَّعجب: وهما (مَا أَفْعَلَهُ) و (أَفْعِلْ بِه) فالأول نحو: ما أقْوَمَه، وما ألْيَنَه، والثاني نحو: أَقْوِمْ بِه وَأَلْيِن بِه، ما الذي حصل؟ وقعت العين حرف عِلَّة مُحرَّك، وما قبله صحيحٌ ساكن، لم يحصل الإعلال، لقيام المانع: وهو كونه فعل تَعَجُّبْ.

وإنَّما صَحَّ فيهما بالحمل على (أَفْعِلْ) من كذا، لأنَّهما من بابٍ واحد، يعني: حُمِلَ على أَفْعَلْ التَّفضيل.

(وَلَا كَابْيَضَّ) يعني: من المُضعَّف، (ابْيَضَّ) هنا الياء مُحرَّكة وهي عين الكلمة، وما قبلها حرفٌ صحيحٌ ساكن، (ابْيَضَّ) فلو نُقِلَت الحركة للسَّاكن هنا لذهبت همزة الوصل فيقال: بَاضَ، إذاً: لئلا تسقط همزة الوصل ويبقى المُضعَّف على حاله ولا يُفَكّ، حينئذٍ لا يحصل الإعلال هنا بالنَّقل، فيلتبس بـ:(فَاعَلَ) من المضاعف.

(أَوْ أَهْوَى بِلَامٍ عُلِّلَا) لِمَا أُعِلَّت لامه، إذ لو نُقِلَت الحركة فيه لتوالى عليه إعلالان وهذا ممتنع، لأنَّ (أَهْوَى) أصله: أَهْوَيَ، تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، (أَهْوَى) والواو هنا مُتحرِّكة وما قبلها صحيحٌ ساكن، لو نُقِل لتوالى عليها إعلالان وهذا إجحافٌ بها.

إذاً: يُشْتَرط في الإعلال بالنَّقل: أن يكون حرفاً صحيحاً، وألا يكون فِعلي تعجُّب، وألا يكون (كَابْيَضَّ) من المضاعف، وألا يكون مُعلَّ اللام.

(مَا لَمْ يَكُنْ)(مَا) هذه ظرفيَّة مصدرية، و (لَمْ) حرف نفي وجزم، و (يَكُنْ) فعل مضارع ناقص، واسمه ما هو .. الضمير يعود على أي شيء؟ مُعتلَّ العين، الذي نريد إعلاله بالنَّقل (لِسَاكِنٍ صَحَّ).

قلنا المسألة الأولى: أن يكون الحرف المُعتَل عين الفعل، (مَا لَمْ يَكُنْ) هو أي: الفعل المُعتلَّ العين، (فِعْلَ تَعَجُّبٍ) هذا خبر (يَكُنْ) وهو مضاف، و (تَعَجُّبٍ) مضافٌ إليه، (وَلَا كَابْيَضَّ)(وَلَا) الواو عاطفة، و (لَا) زائدة، (كَابْيَضَّ) معطوفٌ على فعل التَّعجب، جار ومجرور معطوف على ما سبق، يعني: مثل (ابْيَضَّ) إذا جعلتها اسْميَّة أو جعلتها حَرفيَّة.

(أَوْ) كذلك عطف، (أَهْوَى) معطوف على فعل التَّعجُّب، (بِلَامٍ عُلِّلَا) يعني: مُعَلٌّ باللام، والألف هذه للإطلاق، و (عُلِّلَا) يعود على (أَهْوَى) الضمير، والجملة صفة لـ:(لَامٍ) للامٍ مُعَلٍّ، لأنَّ (أَهْوَى) أصله: أَهْوَيَ، تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً.

قلنا: (مَا) مصدرية، أي: مُدَّة عدم كونه (فِعْلَ تَعَجُّبٍ) وما عُطِفَ عليه، (مدَّة كونه) أي: الفعل المُعلَّ الذي يدخله إعلالٌ بالنَّقل، مُدَّة عدم كونه:

. . . . . فِعْلَ تَعَجُّبٍ وَلَا

كَابْيَضَّ أَوْ أَهْوَى. . . . . .

قال الشَّارح: "إنَّما تُنْقَل حركة العين إلى السَّاكن الصحيح قبلها: إذا لم يكن الفعل للتَّعَجُّبْ، أَوْ مُضَاعَفَاً، أَوْ مُعْتَلَّ اللام" هكذا.

ص: 4

كُلُّ واحدٍ من هذه الثلاثة لا يدخله إعلالٌ بالنَّقل، وَدَعْك من العلل التي يذكرها الصَّرفيُّون، فعل التَّعجُّب لا يدخله إعلال: أَقْوِم به، وكذلك تقول: ما أَقْوَمَه، وما أَبْيَنَه، وما ألْيَنَه، وَأَلْيِن به، وَأَبْيِن به، تبقى حركة حرف العِلَّة كما هي ولا تُنْقَل إلى ما قبلها، ولو كان صحيحاً ساكناً.

أَوْ مُضَاعَفَاً كَـ: ابْيَضَّ واسْوَدَّ وَاحْمَرَّ وَاخْضَرَّ، كُلُّ هذه مُضعَّف فلا يحصل فيها إعلالٌ بالنَّقل، أَوْ مُعْتَلَّ اللام لئلا يقع فيه إعلالٌ آخر، وإن كان هنا إعلالٌ بالقلب، وهذا إعلالٌ بالنَّقل، لئلا يجتمع فيه جنس الإعلال.

فإن كان كذلك فلا نقل نحو: مَا أَبْيَن الشَّيء وَأَبْيِن به، وَمَا أَقْوَمَه وَأَقْوِمْ بِه، ونحو: ابْيَضَّ وَاسْوَدَّ، ونحو: أهوى وأحيا، كُلُّ هذه لا يدخلها إعلالٌ بالنَّقل.

ثُمَّ قال:

ومِثْلُ فِعْلٍ فِي ذَا الاِعْلَالِ اسمُ

ضَاهَى مُضَارِعاً وَفِيهِ وَسْمُ

(فِي ذَا الاِعْلَالِ) الألف تحذف، ذال ثُمَّ اللام مكسورة (فِي ذَا لاِعْلَالِ اسمُ)، (ومِثْلُ فِعْلٍ اسمُ) هذه المسألة الثانية التي يُعَلُّ فيها إعلالٌ بالنَّقل.

(مِثْلُ فِعْلٍ) هذا مبتدأ وهو مضاف، و (فِعْلٍ) مضافٌ إليه، (اسْمُ) هذا خبر، ويجوز العكس: أن يكون (اسْمُ) هو المبتدأ، (ومِثْلُ فِعْلٍ) خبر، وهذا لا إشكال فيه، (فِي ذَا الْ)(فِي) حرف جر، و (ذَا) اسم إشارة، والمشار إليه ما بعده وهو (الاِعْلَالِ)، (فِي ذَا الاِعْلَالِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله:(مِثْلُ)، لأن (مِثْلُ) فيها معنى المماثلة.

(اسمٌ ضَاهَى مُضَارِعاً) إذا الاسم أشبه المضارع، حينئذٍ صَحَّ أن يدخله الإعلال بالنَّقل، الحديث الآن في الإعلال بالنَّقل.

المسألة الأولى: إذا كانت الواو أو الياء المُحرَّكتين (عَيْنَ فِعْلٍ) بالشُّروط السَّابقة: أن يكون الحرف ما قبله ساكن صحيح، ثُمَّ ألا يكون من باب (أَفْعَل) فعليَّ التَّعجُّب، ولا مضاعفاً، ولا مُعلَّ اللام.

المسألة الثانية: ما يدخله الإعلال بالنَّقل: أن يكون الاسم مُشابهاً للفعل، ولذلك قال:(اسمٌ ضَاهَى مُضَارِعاً)(ضَاهَى) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر يعود على (اسمٌ)، (اسمٌ ضَاهَى) هو (مُضَارِعاً) يعني: فِعْلاً مضارعاً.

(وَفِيهِ وَسْمُ) الواو هذه للحال، (وَفِيهِ) خبر مُقدَّم، (فِيهِ) الضمير يعود على الاسم، (وَسْمُ) هذا مبتدأ مُؤخَّر، أي: علامةٌ يمتاز بها عن الفعل .. (وَفِيهِ وَسْمُ) يعني: علامةٌ يمتاز بها عن الفعل.

إذاً: الاسم المُشْبِه للفعل المضارع يدخله الإعلال بالنَّقل، لكن المراد بالمشابهة هنا: المشابهة في الزِّيادة فقط، أو في الوزن فقط، لأنَّ الاسم إمَّا أن يُشْبِه الفعل في الزِّيادة وفي الوزن، وإمَّا أن يشبهه في الوزن فقط، أو في الزِّيادة فقط، أو أن يَتَجرَّد عن الشَّبَهين، هذه أربعة أقسام.

ص: 5

إنْ أشبه الاسم الفعل المضارع في الزِّيادة فقط دون الوزن أُعِلَّ، وإن أشبه الاسم الفعل المضارع في الوزن فقط دون الزِّيادة أُعِلَّ، وأمَّا النَّوعان الآخران: ألا يُشْبِه الفعل لا في الزِّيادة ولا في الوزن فلا إعلال .. وجب التَّصحيح، وإن أشبه الاسم الفعل فيهما معاً وجب التَّصحيح.

يعني: أنَّ الفعل يُشاركه في وجوب الإعلال بالنَّقل المذكور كُلُّ اسمٍ أشبه المضارع في زيادته لا في وزنه، أو في وزنه لا في زيادته، فشمل صورتين من الصور الأربعة، فإن أشبهه في الوزن والزِّيادة معاً نحو: أبيض وأسود، أو باينه فيهما معاً وجب التَّصحيح.

إذا:

ومِثْلُ فِعْلٍ فِي ذَا الاِعْلَالِ اسمُ

ضَاهَى مُضَارِعاً وَفِيهِ وَسْمُ

قال الشَّارح: " يعني أنَّه يثبت للاسم الذي يُشْبِه الفعل المضارع في زيادته فقط، أو في وزنه فقط، من الإعلال بالنَّقل ما يثبت للفعل، فالذي أشبه المضارع في زيادته فقط: تِبِيعٌ، وهو مثال: تِحْلِئٍ، من البيع".

يعني: أن تبني من (البيع) مثل: تِحْلِيءٍ، بكسر التَّاء ثُمَّ لامٌ وبعدها همزة فتقول: تَبْيِعٍ، حينئذٍ حصل إعلال بالنَّقل .. نُقِلَت حركة الياء إلى ما قبله فصار: تِبِيع، بكسر التَّاء وكسر الباء، لأنَّه أشبه الفعل المضارع في الزِّيادة وهي التَّاء، وخالفه في الوزن، الفعل المضارع لا يأتي على: تِبِيع، إنَّما: تَبِيع، هذا الأصل، و (تِبِيع) هذا ليس بزنةٍ للمضارع.

إذاً: أشبهه في الزِّيادة فقط وهي: التاء، فالذي أشبه المضارع في زيادته فقط: تِبِيع، بكسر التاء والباء وإسكان الياء، وهو مثال: تِحْلِيءٍ، من (البيع) بكسر التَّاء وهمزةٍ بعد اللام، والأصل: تِبْيِعٌ، بكسر التاء وسكون الباء، فَنُقِلَت حركة الياء إلى الباء فصار: تِبِيْع، من (البيع).

والذي أشبه المضارع في وزنه فقط: مَقَام، في الوزن:(مَقْوَمْ) هذا الأصل، أشبه (تَشْرَب)، إذاً: شاركه في الوزن فقط، والذي أشبه المضارع في وزنه فقط (مَقَامٌ) والأصل (مَقْوَمٌ) هنا حصل إعلالٌ: وهو أن الواو (مَفْعَلٌ) وقعت عيناً وهي مُحرَّكة، وما قبله صحيحٌ ساكن، فدخله إعلالٌ بالنَّقل، وهو اسمٌ، لماذا دخل الاسم الإعلال بالنَّقل؟ لكونه أشبه الفعل المضارع في وزنه، لأنَّ (مَقْوَم) على وزن (تَشْرَب) فهو في وزانه.

وخالفه في الزِّيادة، لأنَّ الميم لا تُزَاد في أول المضارع، مَقَامٌ، الميم هذه زائدة، وهل تُزَاد في أول المضارع ميم؟ الجواب: لا، وإنَّما هي أحد أحرف (أَنَيْتُ)، فَنُقِلت حركة الواو إلى القاف، ثُمَّ قُلِبَت الواو ألفاً لمجانسة الفتحة، فإن أشبهه في الزِّيادة والزِّنة معاً، فإمَّا أن يكون منقولاً من فعلٍ أولا، فإن كان منقولاً منه أُعِلَّ كـ: يزيد، وإلا صَحَّ كـ: أبيض وأسود.

ص: 6

الصواب هنا: عدم التَّفصيل، لأنَّه إذا نُقِل عن المضارع فَأُعِلَّ أولاً قبل النَّقل فهو مُعل، وأمَّا بعده فلا يدخله الإعلال، فإن أشبهه في الزِّيادة والزِّنة معاً، فإمَّا أن يكون منقولاً من فعلٍ أو لا، ما الذي يَتَرتَّب؟ فإن كان منقولاً منه أُعِلَّ كـ: يَزِيد، أصلها: يَزْيِد، حينئذٍ أُعِلَّت الياء بنقل حركته إلى الزاي، أصله: يَزْيِد، لكن هذا قبل النَّقل وليس بعده، ولذلك التَّفصيل هنا ليس في مَحلِّه.

بل الصَّواب أن يُقَال: فإن أشبهه في الزِّيادة والزِّنة معاً صَحَّت الواو، يعني: لا تُنْقَل .. لا يدخله إعلالٌ بالنَّقل، فإن كان منقولاً منه أُعِلَّ كـ: يَزِيد، وإلا صَحَّ كـ: أبيض وأسود، لأنَّه لو أُعِلَّ لالتبس بالفعل، إذ ليس فيه علامةٌ يَمْتَاز بها:(أبيض)، هذا فيما إذا أشبهه بالزِّيادة والزِّنة معاً.

وَفُهِمَ منه أيضاً: أنَّ الاسم إذا لم يُشابِه الفعل المضارع لا في الوزن ولا في الزِّيادة لم يُعَلْ كـ: مِكْيَال، الياء حرف عِلَّة (مِفْعَال) تَحرَّكت الياء بالفتح وما قبله ساكن، هل يدخله إعلالٌ بالنَّقل؟ الجواب: لا، لكونه لم يُشْبِه الفعل المضارع، وشرط دخول الإعلال بالنَّقل في الاسم: أن يكون مشابهاً للفعل المضارع، إمَّا في الزِّنة فقط، وإمَّا في الزِّيادة، يعني: أن يُزَاد في الاسم حرفٌ من حروف (أَنَيْتُ).

فإن زِيد لا من حروف (أَنَيْتُ)، ولم يكن على زنة المضارع مثل: مِكْيَال .. (مِفْعَال) ليس عندنا فعل مضارع على وزن (مِفْعَال)، إذاً: لا في الوزن ولا في الزِّيادة، لأنَّ الميم هذه لا تُزَاد في الفعل إذاً: لا يُعَل، ولا نقول: مِكْيَال .. (مِكِيـ) هذا لا يصح؛ لانتفاء الشَّرط.

إذاً: المسألة الثانية فيما يدخله إعلالٌ بالنَّقل: أن يكون الاسم ضاهى الفعل المضارع، إمَّا في الزِّنة فقط يعني: في الوزن، أو في الزِّيادة، والنُّوعان الآخران لا يدخلهما إعلالٌ.

(ومِثْلُ) مبتدأ وهو مضاف، و (فِعْلٍ) مضافٌ إليه، (فِي ذَا)(ذَا) اسم إشارة، وما بعده هو المشار إليه، (فِي ذَا الاِعْلَالِ)(اسمُ) هذا خبر، ويجوز العكس: أن يكون (اسمُ) مبتدأ مُؤخَّر، و (مِثْلُ فِعْلٍ) هذا خبر مُقدَّم.

(ضَاهَى) الجملة هنا صفة لـ: (اسمُِ) .. نعت (اسمِ)، (ضَاهَى مُضَارِعاً) مفعولٌ به، (وَفِيهِ وَسْمُ) يعني: والحال أن فيه (وَسْمٌ)، يعني: علامةٌ يمتاز بها عن الفعل، يعني: ليس بِفِعلٍ، وإنَّما هو اسمٌ ضاهى الفعل المضارع، وفيه علامته الخاصَّة به، يعني: لم ينتقل إلى المضارع حتى يُقَال بأنَّه فعلٌ مضارع، ففرقٌ بينهما.

ثُمَّ قال:

وَمِفْعَلٌ صُحِّحَ كَالْمِفْعَالِ ..

(مِفْعَل) هذا نحو: مِخْيَط، دخل فيما سبق: وهو كونه أشبه الفعل المضارع في الوزن دون الزٍّيادة، فدفعاً لهذا أخرجه بقوله:

وَمِفْعَلٌ صُحِّحَ كَالْمِفْعَالِ ..

كـ: (المِكيَال)، علمنا أنَّ (المِكيَال) لم يُشْبِه الفعل المضارع، لا في الوزن، ولا في الزِّيادة، إذاً (صَحِّ) يعني: لم يحصل له إعلالٌ بالنَّقل، هذا المراد بالتَّصحيح هنا.

ص: 7

(مِفْعَلٌ) مثله .. مثل: مِخْيَط، مِخْيَط ياءٌ مُتحرِّكة قبلها ساكن صحيح، هل يدخله إعلالٌ بالنَّقل؟ الجواب: لا، لأنَّ: مِخْيَط .. (مِفْعَل) ليس على زنة المضارع، وليس فيه زيادة المضارع، لأنَّ الميم هذه لا تُزَاد في المضارع.

(مِفْعَلْ) مبتدأ، و (صُحِّحَ) هو الجملة خبر، (كَالْمِفْعَالِ) هذا فيه تعليل، لماذا صُحِّحَ؟ حملاً على (الْمِفْعَالِ)، و (الْمِفْعَالِ) كـ: المكيال، مُصَحَّحٌ لأنَّه لم يشبه الفعل في النوعين، (وَمِفْعَلٌ) مثله.

وَمِفْعَلٌ صُحِّحَ كَالْمِفْعَالِ ..

وإن كان ظاهره يقتضي الإعلال، لأنَّه أشبه المضارع في الوزن دون الزٍّيادة، لأنَّه في مثل (تِعْلَمْ) .. (مِفْعَل)، (تِعْلَم) هذا فعل مضارع في لغة من يكسر حرف المضارعة التاء، (مِعْلَم) .. (تِعْلَم) في لغة، (مِفْعَلْ) مثله: مِخْيَط، إذاً: شابهه في الوزن لا في الزِّيادة، إذاً:(مِفْعَل) مُشابهٌ للفعل المضارع في الوزن، لأنَّه مثل:(تِعْلَمْ) .. (نِعْلَمْ) بكسر حرف المضارعة في لغة من كسر التاء أو النون، وإنَّما صَحَّ مع كونه وُجِدَ فيه المقتضي للإعلال، لأنَّه محمولٌ على (مِفْعَال) ولذلك قال:(كَالْمِفْعَالِ) بالألف، و (مِفْعَال) ليس فيه شَبَهٌ بالفعل المضارع لا في الوزن، ولا في الزِّيادة.

وحينئذٍ القاعد: أنَّ الشيء إذا أشْبَه الشيء أخذ حكمه، هذا تعليل، أو نقول: إنَّما صُحِّحَ لأنَّه في الأصل (مِفْعَال) حُذِفَت منه الألف، يعني:(مِفْعَل) هو عين (مِفْعَال) لكن بحذف الألف، كأنَّ الأصل: مِخْيَاط، فقيل: مِخْيَط بحذف الألف، على كُلٍّ:(مِفْعَل) يُصَحَّح سواءٌ كانت هذه العِلَّة أو تلك، وكلا العِلَّتين عليلتان.

وَمِفْعَلٌ صُحِّحَ كَالْمِفْعَالِ ..

(كَالْمِفْعَالِ) هذا حالٌ من الضمير في الخبر، (صُحِّحَ) هو نائب الفاعل ضمير، (كَالْمِفْعَالِ) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف حالٌ، إذاً:(مِفْعَل) هذا يُسْتَثنى، وإن كان هو على زِنَة المضارع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَأَلِفَ الإِفْعَالِ وَاسْتِفْعَالِ

أَزِلْ لِذَا الإِعْلَالِ وَالتَّا الْزَمْ عِوَضْ

وَحَذْفُهَا بِالنَّقْلِ رُبَّمَا عَرَضْ

هذا سبق معنا في باب: أَكْرَمَ .. أَقْوَمَ إِقَامة، قلنا هناك: المصدر (إقَامَة) أصله: إِقْوَام، حصل إعلالٌ بالنَّقل، ثُمَّ اكتفي بجزء العِلَّة فَقُلِبَت الواو ألفاً، ثُمَّ اجتمع عندنا أَلِفَان: ألف المصدر والألف المنقلبة عن عين الفعل، حينئذٍ حذفنا أحد الألفين، إمَّا الأولى أو الثانية على خلاف، الصواب: أنَّها الأصلية.

ثُمَّ عُوِّض عنها التاء في آخرها فقيل: إقامة، ومثله: استقام استقامةً، أصله (اسْتَقْوَمَ) حصل فيه إعلالٌ بالنَّقل، والذي معنا الآن إعلالٌ بالنَّقل:(اسْتَقْوَم) نُقِلَت حركة الواو إلى ما قبله .. القاف، ثُمَّ اكتفاءً بجزء العِلَّة قُلِبَت الواو ألفاً قيل:(استقام) -استقام لا إشكال فيه-، ثُمَّ جاءت الألف في المصدر مع الألف المنقلبة عن عين الكلمة فاجتمع عندنا أَلِفَان، فَحُذِفَت العين وَعُوِّضَ عنها التاء في الأخير.

ص: 8

هنا قال: (وَأَلِفَ الإِفْعَالِ)(إِفْعَالِ) إِقْوَام، (وَاسْتِفْعَالِ) استقوام، (أَزِلْ) يعني: احذف، فَرَجَّح ابن مالك هنا أنَّ المحذوف هو ألف المصدر، وألف الاستفعال ألف المصدر، وهذا على مذهب سيبويه، والمُرَجَّح خلافه، لأنَّه عُوِّضَ عنها كما ذكرنا، والتَّعويض إنَّما يكون عن حرفٍ أصلي لا عن حرفٍ زائد، ولذلك قال:

(وَالتَّا الْزَمْ عِوَضْ) عِوَضْ عن ماذا؟ عن المحذوف وهو الألف، لو كانت الألف هي الزَّائدة المصدرية ما عُوِّضَ عنها، ثُمَّ هي جيء بها لمعنىً، والأصل: ما جيء به لمعنىً زائد على الكلمة أن يبقى لا يُحْذَف، وما كان من بنية الكلمة هو الذي يُحْذَف.

إذاً:

. . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَأَلِفَ الإِفْعَالِ وَاسْتِفْعَالِ

أَزِلْ لِذَا الإِعْلَالِ. . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما هو (ذَا الإِعْلَال)؟ السَّابق .. إعلال بالنَّقل، (وَالتَّا الْزَمْ عِوَضْ) الْزَمِ التاء، (عِوَضاً) هذا حال من (التَّا)، وُقِفَ عليه على لغة ربيعة.

وَحَذْفُهَا بِالنَّقْلِ رُبَّمَا عَرَضْ ..

يعني: الأصل أن تُزَاد التَّاء في مصدر الإفعال والاستفعال، يقال: أَقَامَ إِقَامَةً، وَأَجَازَ إِجَازَةً، وَأَجَار إِجَارَةً، وَاسْتَقَامَ اسْتَقَامَةً، هذا الأصل فيه، هذه التاء عِوَض عن الألف المحذوفة في المصدر، قد تُحْذَف ولَكنَّها نقلاً يعني: سَمَاعاً، ومنها:((وَإِقَامِ الصَّلاةِ)) [النور:37] قيل: وأكثر ما تُحْذَف عند الإضافة.

يعني: إذا كان المستحق للنَّقل والإعلال المذكورين مصدراً على (الإِفْعَال) أو (اسْتِفْعَال) حُمِلَ على فعله، فَنُقِلَت حركة عينه إلى فائه، ثُمَّ تُقْلَب ألفاً لمجانسة الفتحة فيجتمع ألفان: الألف المنقلبة عن العين .. واو أو ياء، والثانية: الألف التي كانت بعد العين .. ألف المصدر.

حينئذٍ على مذهب ابن مالك قال: أزل ألف (الإِفْعَالِ) إذاً: تُحْذَف الثانية التي هي زائدة، لا المنقلبة عن العين، حينئذٍ تَلْزَم التاء عِوَضَاً عن ذلك المحذوف نحو: استقامة وإقامة، وما شاكلها.

إذاً: (وَأَلِفَ) هذا مفعول (أَزِلْ) أزل ألف الإفعال .. مصدر (الإِفْعَال): أَفْعَلَ يُفْعِلُ إفْعَالاً .. أَكْرَمَ يُكْرِمُ إِكْرَامَاً، والمراد به هنا: ما كان على وزن (أَفْعَلَ) مُعلَّ العين .. عينه حرف عِلَّة.

أَزِلْ أَلِفَ الإِفْعَالِ وَاسْتِفْعَالِ ..

كذلك مصدر (لِذَا الإِعْلَالِ) اللام هنا للتَّعليل، والجار والمجرور مُتعلِّق بقوله:(أَزِلْ) وهذا تصريحٌ من النَّاظم بأنَّ المحذوف هي الألف الزَّائدة وهو مذهب سيبويه، (وَالتَّا الْزَمْ) والْزَمْ التاء: قصره للضرورة مفعول مُقدَّم لقوله: (الْزَمْ) وهو فعل أمر، (عِوَضْاً) عن ذلك المحذوف، (عِوَضاً) هذا حالٌ من التاء وُقِفَ عليه على لغة ربيعة.

ص: 9

ثُمَّ قال: (وَحَذْفُهَا) أي: التاء، مبتدأ وهو مضاف، و (الهاء) مضاف إليه، (بِالنَّقْلِ رُبَّمَا عَرَضْ) (بِالنَّقْلِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله:(عَرَضْ)، و (رُبَّمَا) للتَّقليل (رُبَّ)، و (مَا) كافَّة، و (عَرَضْ) فعل ماضي أي: حذفها، والفاعل ضمير مستتر .. (حَذْفُهَا) عَرَض حذفها، (بِالنَّقْلِ) يعني: بالمنقول .. شيءٍ مسموع في لسان العرب.

إذاً: حذفها ليس قياساً، لأنَّه أمرٌ واجب مُتَحَتِّم، ولذلك قال:(وَالتَّا الْزَمْ) إذاً أمر واجب، حينئذٍ لا يجوز حذفها، إذ لو جاز حذفها لَمَا وجبت.

قال الشَّارح هنا: "لَمَّا كان (مِفْعَال) غير مُشْبِهٍ للفعل اسْتَحقَّ التَّصحيح كـ: مِسْوَاك وَمِكْيَال" غير مُشْبِهٍ للفعل لا في الوزن ولا في الزِّيادة، حُمِلَ أيضاً (مِفْعَلٌ) عليه لمشابهته له في المعنى، فَصُحِّحَ كما صُحِّح (مِفْعَال) مِقْوَل .. مِقْوَال .. مِكْيَال (صُحِّح) يعني: لم تُنْقَل حركة الياء أو الواو إلى ما قبلها، قيل: مِقْوَل، على وزن (مِفْعَل) لو أُعِل (مِقْوَل) لَنُقِلَت حركة الواو إلى ما قبلها ثُمَّ تُقْلَب ألفاً، هذا فيه إجحافٌ.

وأشار بقوله:

وَأَلِفَ الإِفْعَالِ وَاسْتِفْعَالِ أَزِلْ ..

إلى أن المصدر إذا كان على وزن (إِفْعَال) أو (اسْتِفْعَالِ) وكان مُعْتَلَّ العين، فإن ألفه تُحْذَف لالتقائها ساكنةً مع الألف المبدلة من عين المصدر وذلك نحو: إقامة واستقامة، وأصله: إِقْوَام وَاسْتِقْوَام، فَنُقِلَت حركة العين إلى الفاء، وَقَلبوا الواو ألفاً لمجانسة الفتحة قبلها، فالتقى أَلِفَان، فَحُذِفَت الثانية منهما، ثُمَّ عُوِّض منها تاء التأنيث فصار: إِقَامَةً وَاسْتِقَامَةً، وقد تُحْذَف هذه التاء، ويكثر ذلك مع الإضافة، كقولهم: أَجَابَ إِجَابَاً، ومنه قوله تعالى:((وَإِقَامِ الصَّلاةِ)) [النور:37] ويقال: استفاه .. استفاهًا، أصله: اسْتَفَوَه، يُقَال ذلك لمن اشْتدَّ أكله.

إذاً:

. . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَأَلِفَ الإِفْعَالِ وَاسْتِفْعَالِ

أَزِلْ لِذَا الإِعْلَالِ. . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إذاً: هذا الإعلال .. الإعلال بالنَّقل يدخل (الإفِعْاَل) مصدر (أَفْعَلَ)، ويدخل (الاسْتِفْعَالِ) مصدر (اسْتَفْعَلَ)، وَكُلٌّ منهما مُعتلَّ العين، ثُمَّ تُحْذَف الألف الثانية على ما اختاره النَّاظم، ويجب تعويضها بالتَّاء، ثُمَّ هذه التَّاء قد تُحْذَف للنَّقل.

وَمَا لإِفْعَالٍ مِنَ الْحَذْفِ وَمِنْ

نَقْلٍ فَمَفْعُولٌ بِهِ أَيْضاً قَمِنْ

نَحْوُ مَبِيْعٍ وَمَصُونٍ وَنَدَرْ

تَصْحِيحُ ذِيْ الْوَاوِ وَفِي ذِيْ الْيَا اشْتَهَرْ

ص: 10

إذا بُنِي مفعول من الفعل المُعتلِّ العين بالياء أو الواو وجب فيه ما وجب في (إِفْعَال وَاسْتِفْعَال) من النَّقل والحذف، إذا قلت: مَقُول .. مَبِيْع، مأخوذٌ من البيع .. اسم مفعول، أصله: مَبْيُوع، دخله الإعلال ما دخل في (الإِفْعَال والاِسْتِفْعَال) ماذا حصل؟ نُقِلَت حركة الياء إلى ما قبلها صار: مَبُ، ثُمَّ سكنت الياء، لو بقيت الياء ساكنة وقبلها ضَمَّة لوجب قلب الياء واواً: مَبُ، ثُمَّ قُلِبَت الضَّمَّة كسرة من أجل صِحَّة الياء فقيل: مَبِيع.

إذاً: مَبِيْع، أصله: مَبْيُوع، نُقِلَت حركة الياء إلى الباء، وبقيت الياء ساكنة بعد الضَّمَّة، فَأُبْدِلَت الضَّمَّة كسرة لِتَصِحَّ الياء، ثُمَّ حُذِفَت واو: مَبِيع، أصلها: مَبْيُوع، نُقِلَت الضَّمَّة إلى ما قبلها، ثُمَّ سكنت الياء، ثُمَّ قُلِبَت الضَّمَّة كسرة، ثُمَّ حُذِفَت الواو صار: مَبِيْع.

هنا يقول: مَبْيُوع، فَنُقِلَت حركة الياء إلى الباء، وبقيت الياء ساكنةً بعد ضَمَّةٍ، فَأُبْدِلَت الضَّمَّة كسرة لتصِحَّ الياء، ثُمَّ حُذِفَت واو: مَبْيُوع، فقالوا: مَبِيْع، ولذلك قال النَّاظم:

نَحْوُ مَبِيْعٍ وَمَصُونٍ ..

أصلها: (مَصْوُنْ) نُقِلَت حركة الواو إلى ما قبلها، ثُمَّ التقى ساكنان وَحُذِفَت الواو الأولى، وأصله:(مَصْوُونْ) فَنُقِلَت حركة الواو إلى الصَّاد قبلها، وسكنت الواو، وَحُذِفَت الواو التي بعدها وهي واو: مفعول.

إذاً: ما حصل للإفعال من النَّقل والحذف يحصل في مفعول إذا بُنِي من مُعتلِّ العين.

إذا بُنِي مفعول من الفعل المُعتلِّ العين بالياء أو الواو وجب فيه ما وجب في (إِفْعَالٍ) و (اسْتِفْعَالٍ) من النَّقل والحذف، يعني: نقل الحركة إلى السَّاكن قبلها والحذف.

فتقول في (مَفْعُولٍ) من: باع: مَبِيْع ومَقُوْل، والأصل: مَبْيُوع وَمَقْوُول، فَنُقِلَت حركة العين إلى السَّاكن قبلها، فالتقى ساكنان: العين وواو الفعل، فحذفت واو (مفعول) صار: مَبِيْع ومَقُوْل، وكان حق (مَبِيْع) أن يُقَال فيه: مَبُوع، هذا الأصل، لكن قلبوا الضَّمَّة كسرة لِتَصحَّ الياء، هذا في (مَبِيْع)، يعني: تُقْلَب الياء واواً، لأنَّه إذا صَحَّت الياء وَضُمَّ ما قبلها، يعني: سكنت الياء وَضُمَّ ما قبلها، حينئذٍ وجب قلب الياء واواً، لكن دفعاً لهذا أبدلوا الضَّمَّة كسرة قالوا: مَبِيْع.

وكان حقُّ (مَبِيْع) أن يُقَال فيه: مَبُوع، لكن قلبوا الضَّمَّة كسرة لِتصِحَّ الياء.

إذاً:

وَمَا لإِفْعَالٍ مِنَ الْحَذْفِ وَمِنْ

نَقْلٍ فَمَفْعُولٌ بِهِ أَيْضاً قَمِنْ

(وَمَا) مبتدأ .. اسم موصول بِمعنى: الذي، و (لإِفْعَالٍ) ما إعرابه؟ جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف صلة (مَا) .. (لإِفْعَالٍ)، (مِنَ الْحَذْفِ) تَعلَّق بِما تَعلَّق به (لإِفْعَال)، وما الذي تَعلَّق به (لإِفْعَالٍ)؟ اسْتَقرَّ، والذي استقرَّ (لإِفْعَالٍ مِنَ الْحَذْفِ) .. (مِنَ الْحَذْفِ) مُتعلِّق بـ:(اسْتَقرَّ) مُقدَّر، (وَمِنْ نَقْلٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بـ:(اسْتقرَّ)، أو معطوف على (مِنَ الْحَذْفِ)؟ معطوف عليه، (مِنَ الْحَذْفِ وَمِنْ نَقْلٍ) عَدَّد شيئين.

ص: 11

(فَمَفْعُولٌ) مبتدأ، أين خبره؟ (قَمِنْ)، والفاء زائدة هنا، لأنَّ المبتدأ (مَا) ثُمَّ خبر المبتدأ جملة اسْميَّة، (فَمَفْعُولٌ قَمِنْ) .. (مَفْعُولٌ) مبتدأ، و (بِهِ) مُتعلِّق بـ:(قَمِنْ)، و (أَيْضاً) مفعولٌ مطلق والعامل محذوف، و (قَمِنْ) خبر (مَفْعُول) المبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في مَحلِّ رفع خبر المبتدأ الأول (مَا)، التي هي (مَا لإِفْعَالٍ).

إذاً: (مَا) مبتدأ خبرها (مَفْعُولٌ قَمِنٌ بِهِ)، يعني: حَرِيٌّ وجديرٌ به، (فَمَفْعُولٌ) ما كان مُعتلَّ العين واواً كانت أو ياءً، ولذلك أتى النَّاظم هنا بمثالين:(نَحْوُ مَبِيْعٍ وَمَصُونٍ)، (نَحْوُ) هذا خبر مبتدأ محذوف .. وذلك نحو، (نَحْوُ) مضاف، و (مَبِيْعٍ) مضافٌ إليه، (وَمَصُونٍ) هذا معطوفٌ عليه.

(وَنَدَرْ تَصْحِيحُ) الفعل (ذِيْ الْوَاوِ) يعني: النُّطق به على الأصل ذلك قليل، ولذلك سُمِع: ثَوْبٌ مَصْوُون، بواوين، الأولى مضمومة، هذا فيه ثقل، وفرس مَقْوُود، هذا كله شاذ .. نادر، يُحْفَظ ولا يُقاس عليه، (ثَوْبٌ مَصْوُون) على وزن (مَفْعُول)، وكذلك (فرسٌ مَقْوُودٌ).

قال الشَّارح: " إذا بُنِي مفعول من الفعل المُعتلِّ العين بالياء أو الواو وجب فيه ما وجب في (إِفْعَالٍ) و (اسْتِفْعَالٍ) من النَّقل والحذف، فتقول في (مَفْعُول) من (باع) و (قال): مَبِيعٌ ومَقُوْل، والأصل: مَبْيُوع وَمَقْوُول، فَنُقِلَت حركة العين إلى السَّاكن قبلها فالتقى ساكنان العين وواو (مَفْعُول)، فَحُذِفَت واو (مَفْعُول) فصار: مَبِيع وَمَقُول ".

إذاً: مَبِيع، أصلها: مَبْيُوع، نُقِلَت حركة الياء فالتقى ساكنان: الياء والواو فَحُذِفَت الواو، ثُمَّ نُقِلَت الضَّمَّة كسرة من أجل أن تصِحَّ العين، وكان حقُّ: مَبِيع، أن يُقَال فيه: مَبُوع، لكن قلبوا الضَّمَّة كسرة لِتَصِحَّ الياء، وندر التَّصحيح فيما عينه واوٌ قالوا: ثَوْبٌ مَصْوُون، والقياس: مَصُون، ولغة تميم: تصحيح ما عينه ياء، ولذلك قال:(وَفِي ذِيْ الْيَا اشْتَهَرْ) في صاحب الياء اشتهَر، ما هو (اشْتَهَرْ)؟ التَّصحيح، إذاً: اشتهار التَّصحيح في صاحب الياء كثير وهو لغة تميم، وأمَّا في تصحيح ذوات الواو فهو نادر .. قليل يُحْفَظ ولا يُقاس عليه.

ولغة تميم: تصحيح ما عينه ياء فيقولون: مَبْيُوع وَمَخْيُوط، ولهذا قال المصنف:

. . . . . . . . . . . . وَنَدَرْ

تَصْحِيحُ ذِيْ الْوَاوِ وَفِي ذِيْ الْيَا اشْتَهَرْ

وَصَحِّحِ الْمَفْعُولَ مِنْ نَحْوِ عَدَا

وَأَعْلِلِ انْ لَمْ تَتَحَرَّ الأَجْوَدَا

(وَصَحِّحِ الْمَفْعُولَ)(الْمَفْعُولَ) يعني: ما كان على وزن (مَفْعُول)، متى؟ إذا بُنِي من فعلٍ ثُلاثِيٍّ واويِّ اللَاّم، ولذلك قال:(مِنْ نَحْوِ عَدَا) عدا يَعْدُو .. مثل: (عَدَا)، إذا بنيت (مَفْعُولَ مِنْ نَحْوِ عَدَا) مُعتلَّ اللام بالواو على جهة الخصوص قلت: عَدَا يَعدو، حينئذٍ جاز لك وجهان: التَّصحيح والإعلال، فتقول: مَعْدُوٌّ وَمَعْدِيٍّ، (مَعْدُوٌّ) بالتَّصحيح، (وَمَعْدِيٍّ) بالإعلال .. بالقلب، كما يأتي.

ص: 12

(وَصَحِّحِ الْمَفْعُولَ)(صَحِّحِ) هذا فعل أمر والفاعل أنت، و (الْمَفْعُول) هذا مفعولٌ به (مِنْ نَحْوِ عَدَا)، (مِنْ نَحْوِ) مُتعلَّق بقوله:(صَحِّح)، (عَدَا) قُصِدَ لفظه وهو مضاف إليه، تقول: عدا يعدو فهو (مَعْدُوٌّ)، إذاً: صَحَّحته، أصله: مَعْدود (مَفْعُول)، اجتمع واوان .. بواوين، فإذا صَحَّحت أدغمت الواو في الواو فقط:(مَفْعُول) .. (مَعْدُود) بواوين، أدغمت الواو في الواو، هذا إذا صَحَّحتها، ليس فيه شيء آخر.

وإن أعللت الواو أَبْدَلت الواو ياءً وأبدلت الواو الأولى ياءً على القاعدة المُتقدِّمة، يعني: تُبْدِل كُلاً من الواوين ياءً، أمَّا الواو الأخيرة فواوٌ مُتحرِّكة وقعت طرفاً، حينئذٍ وجب قلبها ياءً، والأولى .. حينئذٍ نقول: اجتمعت واو وياء، وسبق إحداهما بالسُّكون، فوجب قلب الواو ياءً فَأُدْغِمَت الياء في الياء.

إذاً: (مَعْدُو) إذا أردت إعلاله الواو الأخيرة تُعِلُّها من جهة كونها مُتطرِّفة .. لوقوعها طرفاً، فَقُلِبتَ ياءً، ثُمَّ اجتمع عندك واوٌ وياء، وسبق إحداهما بالسُّكون، فوجب قلب الواو ياءً وَأُدْغِمَت الياء في الياء فقيل: مَعْدِيٍّ.

وَصَحِّحِ الْمَفْعُولَ مِنْ نَحْوِ عَدَا

وَأَعْلِلِ. . . . . . . . .. . . . . . .

أعلل الواو لِتَطَرُّفِها (إِنْ لَمْ تَتَحَرَّ الأَجْوَدَا) إذاً: أَيُّهما أجود؟ التصحيح أجود من عدم التصحيح الذي هو الإعلال.

(وَأَعْلِلِ) فعل أمر، (إِنْ لَمْ)(إِنْ) حرف شرط سقطت الهمزة للوزن، (لَمْ تَتَحَرَّ) تقصد (الأَجْوَدَا) الألف هذه للإطلاق.

فُهِمَ منه: أنَّ التَّصحيح أجود، أي: أنَّك إن قصدت (الأَجْوَدَ) لا تُعِل، وإنَّما تبقى على أصلها.

قوله: (مِنْ نَحْوِ عَدَا) هذا خَصَّه بواويِّ اللام، إذاً: احترز به عن الياء، فما كان يائي اللام لا يجوز فيه وجهان، بل يجب فيه الإعلال، سبق معنا هذا في:(مَرْمِيٌّ) من (رمى) على وزن (مَفْعُول)، ماذا تقول؟ مَرْمُويِ، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسُّكون، فوجب قلب الواو ياءً، ثُمَّ أُدْغِمَت الياء في الياء، قيل: مَرْمِيٌّ.

إذاً: تخصيصه هنا بـ: (عَدَا) لأنَّه من: يَعْدُو، كونه واوي اللام لكون الياء سبق في قوله هناك:(إِنْ يَسْبِقْ السَّاكِنْ) .. ونحو ذلك.

وَأَعْلِلِ انْ لَمْ تَتَحَرَّ الأَجْوَدَا ..

قال الشَّارح: "إذا بُنِي مفعول من فعلٍ مُعتلَّ اللام فلا يخلو، إمَّا أن يكون مُعتلاً بالياء أو الواو، فإن كان مُعتلاً بالياء وجب إعلاله بقلب واو (مَفْعُولٍ) ياءً وإدغامها في لام الكلمة نحو: مَرْمِيٌّ، والأصل: مَرْمُوي، فاجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون فَقُلِبَت الواو ياءً، وَأُدْغِمَت الياء في الياء، وإنَّما لم يذكر المصنف رحمه الله تعالى هذا هنا لأنَّه قد تَقدَّم ذكره".

ص: 13

"وإن كان مُعتلاً بالواو فالأجود التَّصحيح، مع جواز الإعلال، إن لم يكن الفعل على (فَعِلْ) نحو: مَعْدُوٌّ، من: عدا، ولهذا قال المصنف: (مِنْ نَحْوِ عَدَا)، ومنهم من يُعِل فيقول: مَعْدِيٌّ، فإن كان الواوي على (فَعِلْ)، فالصَّحيح الإعلال نحو: مَرْضِي، من: رَضِيَ، قال الله تعالى: ((ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً)) [الفجر:28] والتَّصحيح قليل نحو: مَرْضُوٌّ".

إذاً: يجوز فيه الوجهان مُطلقاً، ولذلك النَّاظم هنا أطلق قال:(مِنْ نَحْوِ عَدَا) سواءٌ كان على وزن (فَعَلَ) أو (فَعِلَ)، والشَّارح خَصَّه بـ:(فَعَلَ)، وأمَّا (فَعِلْ) فقال:" فإن كان الواو على (فَعِل) فالصَّحيح الإعلال والتَّصحيح قليل " ولكن النَّاظم أطلق.

إذاً:

وَصَحِّحِ الْمَفْعُولَ مِنْ نَحْوِ عَدَا ..

إذا بنيت (مِنْ نَحْوِ عَدَا) ثلاثي واوي اللام على وزن (مَفْعُول) فلك فيه وجهان: التَّصحيح وهو الأجود، والإعلال وهو دونه.

كَذَاكَ ذَا وَجْهَيْنِ جَا الْفُعُولُ مِنْ

ذِي الْوَاوِ لَامَ جَمْعٍ أَوْ فَرْدٍ يَعِنّْ

(الْفُعُولُ) بِضَمِّ الفاء والعين، إذا بُنِي (مِنْ ذِي الْوَاوِ) جاز فيه الوجهان: إمَّا التَّصحيح وإمَّا الإعلال، يعني: يجوز هذا ويجوز ذاك، وَسَوَّى بينهما النَّاظم .. في الظَّاهر هنا، وإن رجَّح في (الكافية) التفريق بينهما، الإعلال أجود من التَّصحيح في الجمع، وإن كان مفرداً جاز فيه وجهان: الإعلال والتَّصحيح، والتَّصحيح أجود.

(كَذَاكَ ذَا وَجْهَيْنِ) وهما: الإعلال والتَّصحيح، (جَا الْفُعُولُ) إذا بنيت وزن (فُعُولُ) من (مِنْ ذِي الْوَاوِ) ففيه وجهان: الإعلال والتَّصحيح، سواءٌ كان (فُعُولُ) جمعاً أو مفرداً، إذا بُنِي اسمٌ على (فُعُولُ)، فإن كان جمعاً وكانت لامه واواً جاز فيه وجهان: التَّصحيح والإعلال، نحو: عُصِيٍّ وَدُلِيٍّ، في جمع: عَصَا وَدَلْوٌ، وَأُبُوٌّ وَنُجُوٌّ، جمع: أَبٍ وَنَجْوٍ، والإعلال أجود من التَّصحيح في الجمع.

إذاً: الجمع يجوز فيه الوجهان، والإعلال أجود، وإن كان مفرداً جاز فيه وجهان: الإعلال والتَّصحيح، والتَّصحيح أجود نحو: علا عُلُوَّاً، وَعَتَا عُتُوَّاً، هذا تصحيح أو إعلال؟ يقول: والتَّصحيح أجود نحو: عَلا عُلُوَّاً، إذاً:(فُعُولُ) .. (عُلُوٌّ)(فُعُولٌ) حينئذٍ هذا تصحيح وليس بإعلال، وَعَتَا عُتُوَّاً، ويقل الإعلال نحو: قَسَا قِسِيَّاً، لو قال: عَلا عِلِيَّاً وَعَتَا عِتِيَّاً، هذا إعلالٌ وأمَّا: عُتَوَّاً وَعُلُوَّاً، نقول: هذا تصحيح له، قَسَا قِسِيَّاً، أي: قَسْوَةً.

إذاً: ما كان على وزن (الْفُعُولُ) سواءٌ كان جمعاً أو فرداً النَّاظم أطلق هنا، فسوَّى بينهما ولم يُرَجِّح هنا، فَجَوَّز فيهما الوجهان على السَّواء، لكن الشَّارح هنا فَصَّل، والنَّاظم نفسه في (الكافية) فَصَّل، ولذلك قال:

وَرَجِّحِ الإِعْلَالَ فِي الجَمْعِ وَفِي

مُفْرَدٍ التَّصْحِيْحُ أَوْلَى مَا قُفِي

على ما ذكره الشَّارح.

ص: 14

(كَذَاكَ) مُتعلَّق بقوله: (جَا)، (جَا) قصره هنا لغة، و (الْفُعُولُ) فاعل، (كَذَاكَ) أي: مثل ذاك السَّابق، (ذَا وَجْهَيْنِ)(ذَا) ما النَّاصب له .. حال من ماذا .. كيف تركيب الكلام؟ (جَاء الْفُعُولُ كَذَاك ذا وَجْهَيْنِ)، يعني: حال كونه ذا وجهين .. صاحب وجهين، ما المراد بصاحب الوجهين هنا؟ الإعلال والتَّصحيح.

(مِنْ ذِي الْوَاوِ) من صاحب الواو يعني: من فِعْلٍ (ذِي الْوَاوِ) حالٌ بعد حال، (فُعُولُ) حال كونه (مِنْ ذِي الْوَاوِ)، (لَامَ جَمْعٍ) حالٌ ثالثة صاحبها (الْوَاوِ)، (مِنْ ذِي الْوَاوِ) حال كون الواو (لَامَ جَمْعٍ)، إذاً: بالنَّصب (لَامَ) على أنَّه حالٌ من الواو مضاف إليه، (أَوْ فَرْدٍ) أو لام فردٍ .. معطوف على (جَمْعٍ)، (يَعِنّْ) يعني: يظهر ويقل.

إذاً: ما كان على وزن (الْفُعُول) حينئذٍ جاز فيه الوجهان بشرط: أن يكون لامه واواً، فإن كان ياءً فلا.

وَشَاعَ نَحْوُ نُيَّمٍ فِي نُوَّم

وَنَحْوُ نُيَّامٍ شُذُوذُهُ نُمِي

(نُيَّمْ) هذا بالإعلال، (فِي نُوَّمْ) على وزن (فُعَّل) لأنَّ (فُعَّلْ) و (فُعَّال)، (شَاعَ) كَثُر، (نَحْوُ نُيَّمٍ) بالإعلال (فُعَّلْ) لأنَّه من: نام .. ينام (فِي نُوَّمِ)، إذاً:(نُيَّم ونُوَّم) ما كان على وزن (فُعَّل) جاز فيه الوجهان، وأمَّا (نُيَّام) .. (فُعَّال) هذا شاذٌّ.

إذا كان (فُعَّل) جمعاً لِمَا عينه واو جاز تصحيحه وإعلاله، إذا جُمِع المفرد على وزن (فُعَّل)، فإن كانت عينه واو جاز فيه الوجهان: التَّصحيح والإعلال، التَّصحيح على الأصل نحو: نَائِمْ ونُوَّمْ، وَقَائِمْ وقُوَّمْ، وصَائِمْ وصُوَّم، يعني: لا تُقْلَب الواو ياءً .. لا يحصل فيه إعلال.

وأمَّا: (نُيَّمْ) فهذا بالإعلال، (وَنُوَّمْ) على الأصل: نام .. ينام من (النَّوم)، إذاً: هو واوي .. نوم، إذاً:(نُوَّمْ) لم يحصل فيه إعلالٌ .. بقيت الواو كما هي، وإذا قلت:(نُيَّم) حينئذٍ قُلِبَت الواو ياءً وَأُدْغِمَت الياء في الياء، لأنَّه على وزن (فُعَّل).

إذا كان (فُعَّل) جمعاً لِمَا عَينُه واوٌ جاز تصحيحه وإعلاله، إن لم يكن قبل لامه ألف، يعني: إن لم يكن من باب (فُعَّال)، فإن كان (فُعَّال) حينئذٍ تصحيحه شَاذٌّ، (شُذُوذُهُ نُمِي). إن لم يكن قبل لامه ألفٌ كقولك في جمع (صَائِمْ): صُوَّم وصُيَّم، وفي جمع (نَائِمْ): نُوَّم ونُيَّمْ، فإن كان قبل اللام ألفٌ وجب التَّصحيح وشَذَّ الإعلال، والإعلال شاذ: صُوَّام وَنُوَّام، ومن الإعلال قوله:

فَمَا أَرَّقَ النُّيَّامَ إِلَاّ كَلَامُهَا ..

إذاً: ما كان على وزن (فُعَّلْ) حينئذٍ جاز فيه الوجهان: الإعلال والتَّصحيح، وأمَّا ما كان على وزن (فُعَّال) فهذا واجب التَّصحيح، والإعلال يُعْتَبَر شَاذًّا.

(وَشَاعَ) هذا فعل ماضي، و (نَحْوُ) فاعله وهو مضاف، و (نُيَّمٍ) مضافٌ إليه، (فِي نُوَّمِ) مُتعلَّق بـ:(شَاعَ) .. (شَاعَ فِي نُوَّمِ).

ص: 15

(وَنَحْوُ نُيَّامٍ)(نَحْوُ) هذا مبتدأ وهو مضاف، و (نُيَّام) مضافٌ إليه، (شُذُوذُهُ) أي:(نُيَّام)، (نُمِي) يعني: نُسِبَ إلى الشُّذوذ، (شُذُوذُهُ) هذا مبتدأ، و (نُمِي) مُغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل يعود إلى الشذوذ، (نُمِيَّ إلى الشذوذ) يعني: نُسِبَ إلى الشُّذوذ، والجملة خبر المبتدأ الأول (نَحْوُ) ..

نَحْوُ نُيَّامٍ شُذُوذُهُ نُمِي.

إذاً: (نُيَّم)(فُعَّلْ) و (فُعَّالْ) نقول: (فُعَّل) هذا جاز فيه الوجهان، وأمَّا (فُعَّال) بالألف هذا تصحيحه واجب.

إذاً خلاصة هذا البحث أن نقول: النَّاظم رحمه الله ذكر الإعلال بالنَّقل، وذكر له عِدَّة مسائل:

الأول: أن يكون الحرف المُعتل عيناً لفعلٍ، الذي عناه بقوله:

لِسَاكِنٍ صَحَّ انْقُلِ التَّحْرِيكَ مِنْ

ذِي لِينٍ آتٍ عَيْنَ فِعْلٍ كَأَبِنْ

بالشُّروط التي ذكرها:

مَا لَمْ يَكُنْ فِعْلَ تَعَجُّبٍ .. الخ.

المسألة الثانية التي يحصل فيها إعلالٌ بالنَّقل: الاسم الذي أشبه المضارع بشرطه: إمَّا في الوزن فقط، أو في الزِّيادة فقط.

المسألة الثالثة: التي هي (أَلِفَ الإِفْعَالِ)، وأمَّا (مِفْعَل) إن جعلناه استثناءً مِمَّا سبق لكونه أشبه الفعل في الوزن، فحينئذٍ يكون استدراكاً، ولو جعلناه مسألة مُستقِلَّة لا إشكال، إذاً: يُسْتَثْنَى (مِفْعَل).

وَأَلِفَ الإِفْعَالِ وَاسْتِفْعَالِ ..

كذلك يدخله الإعلال بالنَّقل، ثُمَّ يتبعه الحذف وهو حذف العين، ثُمَّ ما كان على وزن (مَفْعُول) مِمَّا يُصَاغ من الفعل المُعتلِّ العين، ثُمَّ ذكر (الْفُعُولُ) وذكر (فُعَّلْ)، هذه كلها مِمَّا يدخله الإعلال بالنَّقل.

ثُمَّ قال: (فَصْلٌ).

ذُو اللِّينِ فَاتَا فِي افْتِعَالٍ أُبْدِلَا

وَشَذَّ فِي ذِي الْهَمْزِ نَحْوُ ائْتَكَلَا

الفصل هذا في إبدال التاء من الواو والياء، قد تُبْدَل الواو تاءً أو الياء تاءً، وهذا: إذا وقعت الفاء حرفاً؛ إمَّا واواً وإمَّا ياءً في صيغة الـ: (افْتِعَالٍ)، كُلُّ ما كان من (افْتَعَل) و (الافْتِعَالٍ) وفروع هذا الوزن، إذا وقعت الفاء واواً أو لاماً حينئذٍ وجب قلب الواو أو الياء تاءً.

(ذُو اللِّينِ) الذي هو الواو والياء، (فَاتَا) فتى، (ذُو اللِّينِ فَاتَا فِي افْتِعَالٍ أُبْدِلَا)، ما إعراب (ذُو اللِّينِ)؟ (ذُو) مبتدأ وهو مضاف، و (اللِّين) مضاف إليه، (فَاتَا) الفاء مضاف، و (تَا) مضاف إليه، الفاء حالٌ من ماذا؟

(ذُو اللِّينِ أُبْدِل فَاتَا فِي افْتِعَالٍ) إذا قلت: مبتدأ وقلت الخبر تعرف مباشرة الإعراب، (أُبْدِلَا) هذا فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (ذُو) .. (ذُو اللِّينِ) والألف هذه للإطلاق، (ذُو اللِّينِ أُبْدِلَا فاءً) هنا قصره للضرورة، حال من الضمير المستتر في (أُبْدِلَا)، أُبْدِلَ فاءً: حال كونه فاءً، (تَا فِي افْتِعَالٍ) مفعول به، الفاء عرفنا أنها حال من الضمير المستتر في (أُبْدِلا)، و (تَاءً) بالنَّصب، أيضاً قصره للضرورة، مفعول ثاني لـ:(أُبْدِلَا)؛ لأن (أُبْدِلَا) يَتَعدَّى إلى اثنين، الضمير المستتر هو المفعول الأول نائب فاعل، والثاني (تَا)، (فِي افْتِعَالٍ) جار ومجرور مُتعلَّق بقوله:(أُبْدِلَا).

ص: 16

إذاً: (ذُو اللِّينِ) قد شمل الواو والياء، وأمَّا الألف فلا تكون فاءً البَتَّة، وقصد هنا بـ:(ذي اللِّين) الواو والياء .. ذُو اللِّينِ أُبْدِل فاءً حال كونه فاءً، لا عيناً ولا لاماً، أبدل تاءً، أين؟ في الافتعال وما تَصَرَّف منه.

إذاً مراده: أنَّ الافتعال وما تَصَرَّف منه إذا كانت فاؤه حرف لين، أُبْدِلَ تاءً وَأُدْغِم في تاء (الافْتِعَال) .. أُبدل الواو أو الياء تاءً ثم أُدْغِم في تاء (الافْتِعَال)، فمثال الواو: اتَّعَدَ، أصله: اوْتَعَد، على وزن (افْتَعَل)، قُلِبَت الواو تاءً، ثُمَّ أُدْغِمَت التاء في التاء: اتَّسَرَ .. ايِتَسَر، لأنَّه من اليُسْر، والأول من الوَعْد، إذاً: عرفنا أنَّه من اليُسْر، و (اليُسْر) هنا الياء وقعت فاءً، إذاً: اتَّسَرَ أصله: ايِتَسَر، قُلِبَت الياء تاءً، ثُمَّ أُدْغِمَت التاء في التاء، لماذا؟ لكونه على وزن (افْتَعَل).

إذاً:

ذُو اللِّينِ فَاتَا فِي افْتِعَالٍ أُبْدِلَا ..

(ذُو اللِّينِ) الواو أو الياء أُبْدِل حالة كونه فاءً تاءً في (الاِفْتِعَال) وما تَصَرَّف منه.

(وَشَذَّ فِي ذِي الْهَمْزِ) يعني: فإن كانت فاء (الاِفْتِعَال) ياءً مُبدلة من همزة حينئذٍ لا تُقْلَب تاءً، فإذا وقع فاء (الاِفْتَعَال) ياءً حينئذٍ انظر فيها: هل هذه الياء مُبدَلة أم أنَّها أصالةً؟ إن كانت مُبدَلة حينئذٍ لا يصح قلبها تاءً، وإن قُلِبَت فهو شَاذٌّ، وإن لم تكن مُنقلِبة عن همزةٍ حينئذٍ نقلبها تاءً وندغمها في التاء.

(وَشَذَّ فِي ذِي الْهَمْزِ)(شَذَّ) فعل ماضي، (نَحْوُ ائْتَكَلَا) بالهمز .. (ائْتَكَلَا) هل تقول (اتَّكَلا)؟ الأصل (ائْتَكَلَا) تُقْلَب الهمزة ياءً فتقول: ايْتَكَل على وزن (افْتَعَل)، هنا لا تقلب الياء تاءً؛ لكون هذه الياء منقلبة عن الهمزة، فلو قلت: اتَّكَلَ، من الأكل نقول: هذا شاذٌّ يُحْفَظ ولا يُقاس عليه.

(وَشَذَّ فِي ذِي الْهَمْزِ) في صاحب الهمز، إذا كان فاءً وَقُلِبَت هذه الهمزة ياءً، قلب الياء تاءً وإدغامها في التَّاء نقول: هذا شاذٌّ يُحْفَظ ولا يُقَاس عليه، (وَشَذَّ) فعل ماضي، (نَحْوُ ائْتَكَلَا)(نَحْوُ) هذا يجوز أن يكون فاعل (شَذَّ)، ويجوز أن يكون فاعل (شَذَّ) ضمير يعود على الإبدال، شَذَّ الإبدال (فِي ذِي الْهَمْزِ نَحْوُ ائْتَكَلَا) وذلك (نَحْوُ) صار خبر مبتدأ محذوف.

ظاهره: أنَّه سُمِع فيه الإبدال شذوذاً (ائْتَكَلَا) فتقول في (افْتَعَل) من الإزار: ايْتَزَر، إذا قلبت الياء تاءً ثُمَّ أدغمت قلت: اتَّزَرَ، قالوا: هذا شاذٌّ يُحْفَظ ولا يُقاس عليه: اتَّزَر، لماذا هذا شاذ؟ لكون التاء الأولى مُنقلِبة عن ياء، وهذه الياء ليست أصلية .. ليست أصلاً حرف عِلَّة، وإنَّما هي منقلبة عن همزة.

إذاً: ايْتَزَر، لا يجوز إبدال الياء تاءً، وإدغامها في التاء، لأنَّ هذه الياء بدلٌ من همزة وليست أصلية.

وَشَذَّ فِي ذِي الْهَمْزِ نَحْوُ ائْتَكَلَا ..

ص: 17

قال الشَّارح: "إذا بني (افْتِعَالٌ) وفروعه من كلمةٍ فاؤها حرف لين، وجب إبدال حرف اللين تاءً نحو: اتِّصَال " أصله: اوْتِصَال، إذاً: الفاء وقعت واواً (افْتِعَالٌ)، قلنا (الافْتِعَال) و (افْتَعَل) الفعل الماضي ومصدره (افْتَعَل) .. (الافْتِعَال) في المصدر وفي الفعل الماضي، فتقول: اتِّصال، أصلها: اوْتَصَال، قُلِبَت الواو تاءً، ثُمَّ أُدْغِمَت التاء في التاء فقلت: اتَّصال.

و (اتَّصل) .. (اوْتَصَل) على وزن (افْتَعَل) قُلِبَت الواو تاءً، ثُمَّ أُدْغِمَت التاء في التاء، و (مُتَّصِل) .. (مِوْتَصِل) قُلِبَت الواو تاءً ثُمَّ أُدْغِمَت التاء في التاء وقيل: مُتَّصِل، والأصل فيه: اوْتِصَال .. اوْتَصَل .. مُوتَصِل.

فإن كان حرف اللين بدلاً من همزة لم يَجُزْ إبداله تاءً، فتقول في (افْتَعَل) من الأكل: ائْتَكَل، ثُمَّ تُبْدِل الهمزة ياءً، إذاً: جاء بالأصل ابن مالك هنا، ولو قيل (نَحْوُ ائْتَكَلَا) حينئذٍ هذه الياء مُنقلِبة عن همزة فلا يجوز قلبها، أمَّا (ائْتَكَل) الظَّاهر أنَّه ليس فيه شاهد، (نَحْوُ ائْتَكَلَا)(ائْتَكَلَا) إذا قُلِبَت الهمزة ياءً هذه الياء لا يجوز قلبها تاءً فإدغامها في التَّاء، فتقول في (افْتَعَل) من الأكل: ائْتَكَل، ثُمَّ تُبْدَل الهمزة ياءً، ولا يجوز (اتَّكَل) فتقول: ايْتَكَل، ولا يجوز إبدال الياء تاءً، وشَذَّ قولهم:(اتَّزَرَ) بإبدال الياء تاءً، يعني شَذَّ: خرج عن القاعدة.

إذاً: تُقْلَب الواو والياء تاءً فيما إذا وقعت الواو أو الياء فاء (الافْتِعَال) وكانت أصلية .. ليست مُنقلِبة عن همزة، ثُمَّ قال:

طَا تَا افْتِعَالٍ رُدَّ إِثْرَ مُطْبِقِ

فِي ادَّانَ وَازْدَدْ وَادَّكِرْ دَالاً بَقِي

من يُعْرِب؟ (طَا)؟؟؟ (رُدَّ) فعل ماضي أو أمر؟ يحتمل الوجهين، إذا قلنا: فعل ماضي (رُدَّ)، (طَا) ما إعرابها؟ مفعول به، و (تَا افْتِعَال) .. ؟؟؟ ولو جعلتها أمراً؟ (رُدَّ) على أنَّه فعل أمر (طَا) ماذا يكون؟ مفعول أول أو ثاني؟

(رُدَّ تَا افْتِعَالٍ طَاءً) يكون القراءة بالعكس، (رُدَّ) فعل أمر، (تَا افْتِعَالٍ) مفعول أول، (طَاءً) مفعول ثاني، (رُدَّ) على أنَّه فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، (رُدَّ) هو .. ما هو؟ (تَا افْتِعَال).

إذاً: (تَا افْتِعَالٍ) صار مبتدأ، إذا جعلت (رُدَّ) فعل ماضي هكذا تعرب:(تَا افْتِعَالٍ رُدَّ طَاءً)(طَاءً) حال من نائب الفاعل، و (تَا افْتِعَالٍ) مبتدأ، إذاً: يجوز فيه الوجهان، (إِثْرَ مُطْبِقِ) (إِثْرَ) ظرف مكان منصوب على الظرفيَّة مُتعلَّق بقوله:(رُدَّ) وهو مضاف، و (مُطْبِقِ) مضاف إليه على حذف مضاف، (إِثْرَ حرفٍ مُطْبِقِ).

لا زال الحديث في (الافْتِعَالٍ) وما تَصرَّف منه، إذا وقعت الفاء واواً أو ياءً قُلِبَت الفاء تاءً، فَأُدْغِمَت التاء في التاء، وإذا وقعت الفاء حرفاً من حروف الإطباق الأربعة: الصَّاد والضَّاد والطَّاء والظاء، حينئذٍ تقلب التاء طاءً، إذاً: ليس الحكم هنا مُتعلَّق بالفاء، وإنَّما مُتعلَّق بتاء (الافْتِعَال)، ولذلك (تَا افْتِعَالٍ رُدَّ طَاءً) .. (رُدَّ تَا افْتِعَالٍ طَاءً) إذاً: الحكم مُتعلَّق بتاء (الافْتِعَال).

ص: 18

المسألة السابقة .. البيت السابق مُتعلَّق بفاء (الافْتِعَال)، إذا وقعت ياءً أو واواً قُلِبَت تاءً، ثُمَّ أُدْغِمَت التاء في التاء، وهنا مُتعلَّق بتاء (الافْتِعَال)، إذا وقعت الفاء واحداً من حروف الإطباق الأربعة التي هي: الصَّاد والضَّاد والطَّاء والظَّاء، وجب قلب التاء طاءً.

فِي ادَّانَ وَازْدَدْ وَادَّكِرْ دَالاً بَقِي ..

(بَقِي) ما هو الذي بقي؟ (تَا افْتِعَال) .. الضمير يعود على (تَا افْتِعَال)، (بَقِيَ دَالاً) مفعول به لـ:(بَقِيَ) .. (بَقِي تَاء الافْتِعَال دَالاً)، هذا حال وليس بمفعول به، و (فِي ادَّانَ وَازْدَدْ وَادَّكِرْ) الأول مُتعلَّق بـ:(بَقِي)، والثاني والثالث معطوفان عليه.

وعَبَّر هنا بـ: (بَقِي) عن البدل، قال المكُودِي: وفيه بعدٌ، (بَقِي) يعني: أُبْدِلَ دالاً (فِي ادَّانَ)، فعَبَّر عن البدل هنا بالبقاء (بَقِيَ) لكن هذا فيه إشكال.

يعني: أنَّه تُبْدَل أيضاً تاء (الاِفتِعَال) وما تَصَرَّف منه دالاً بعد الدَّال والزَّاي والذَّال، ومَثَّل لها النَّاظم بالأمثلة:

- (ادَّانَ) أصلها: ادْتَان، وقعت الفاء دالاً، فوجب قلب التاء دالاً، فَأُدْغِمَت الدَّال في الدَّال.

- (ازْدَدْ) أصلها: ازْتَد .. (افْتَعَل) وقعت الفاء زاياً، فوجب قلب التاء دالاً فقيل:(ازْدَدْ).

- (ادَّكِرْ)(افْتَعِل) أصلها: اذْتَكِر، هو مَثَّل بالدَّال في الأول (فِي ادَّانَ)، (وَادَّكِرْ) هذا مَثَّل به في: اذْتَكِرْ، فيجوز فيه وجهٌ وهو قلب الذَّال دااًل، ثُمَّ إدغامها في الدَّال.

إذاً:

طَا تَا افْتِعَالٍ رُدَّ إِثْرَ مُطْبِقِ

فِي ادَّانَ وَازْدَدْ وَادَّكِرْ دَالاً بَقِي

قال الشَّارح: إذا وقعت تاء الافتعال بعد حرف من حروف الإطباق وهي: الصَّاد والضَّاد والطَّاء والظَّاء، وجب إبداله طاءً كقولك: اصْطَبَرَ، أصله: اصْتَبَر (اصْطَبَرَ) هنا قُلِبَت التاء طاءً، ولا تُدْغَم الصَّاد في الطَّاء، لأنَّ الصَّفير لا يُدْغَم إلا في مثله، واضْطَجَعَ، أصلها: اضْتَجَعَ، وكذلك:(الضَّاد) لا تُدْغَم في الطَّاء، لأنَّها حرف مستطيل، (واظْطَعَنوا) أصلها: اظتعنوا، (واظطلموا) أصلها: اظتلموا، قُلِبَت التَّاء طاءً.

وهنا فيه ثلاثة أوجه: الإظهار، والإدغام مع إبدال الأول من جنس الثاني أو عكسه، (واطَّلَمُوا)(واظَّلَمُوا)(واظطلموا) فيه وجهان، إذا وقعت الفاء ظاءً قُلِبَت التاء طاءً، ثُمَّ لك ثلاثة أوجه: إمَّا أن تقلب الظَّاء طاء فتدغمها في الطَّاء،، أو بالعكس، أو تظهر، فيه ثلاثة أوجه بخلاف الأول.

والأصل: (اصْتَبَرَ) و (اضْتَجَعَ) و (اظْتَعَنُوا) و (اظْتَلَمُوا)، فاستثقلوا اجتماع التاء مع الحرف المطبِق؛ لِمَا بينهما من مقاربة المخرج ومباينة الوصف، لأنَّ التَّاء من حروف الهمس، والمطبق من حروف الاستعلاء، فَأُبْدِلَ من التَّاء حرف استعلاء من مخرجها وهو الطَّاء.

ص: 19

وإن وقعت تاء (الافْتِعَال) بعد الدَّال والزَّاي والذَّال قُلِبَت دالاً نحو: (ادَّانَ) بالإدغام، أصله: ادتان .. (افْتَعَل) قُلِبَت التاء دالاً ثُمَّ أُدْغِمَت الدَّال في الدَّال، (وَازْدَدْ) هنا لا تُدْغَم لِمَا قيل في: اصْطَبَرَ، (وَادَّكِرْ) والأصل: ادتان وازتد واذتكر، (ادَّكر) .. (اذَّكر) .. (اذتكر) هذا الثالث فيه ثلاثة أوجه:

- (اذْتَكِر) هذه تُبْدَل المعجمة مهملة وَتُدْغَمَ فيها، وبعضهم يعكس، ولذلك قرئ في الشَّاذ:(فَهَلْ مِنْ مُذَّكِرٍ)(مُدَّكِر) هذه القراءة المشهورة، (مُذَّكِرْ) بقلب الدَّال ذالاً ثُمَّ أُدْغِمَت الذَّال في الذَّال .. هذا شاذ.

إذاً: فيه ثلاثة أوجه: (اذْتَكِر) بقلب التاء ذالاً، ثُمَّ إدغام الذَّال في الذَّال، أو بقلب الأول دالاً، ثُمَّ إدغام الدال في الدَّال، أو بالإظهار (اذْتَكِر)، ولذلك النَّاظم هنا مشى على الثالث:(وادَّكِرْ) والأصل: ادتان وازتد واذتكر، فاسْتُثْقِلَت التاء بعد هذه الحروف فَأُبْدِلَت دالاً، وَأُدْغِمَت الدَّال في الدَّال.

(فَا أَمْرٍ) هذا فَصلٌ جديد يَتَعلَّق بحذف الفاء من الأمر أو المضارع.

(فَصْلٌ).

فَا أَمْرٍ اوْ مُضَارِعٍ مِنْ كَوَعَدْ

احْذِفْ وَفِي كَعِدَةٍ ذَاكَ اطَّرَدَ

(فَاءَ أَمْرٍ) على أنَّه مفعول لقوله: (احْذِفْ).

(احْذِفْ فَاء أَمْرٍ) قصره للضرورة، (أَوْ مُضَارِعٍ) أو فاء مضارعٍ، وله شرطان، (مِنْ كَوَعَدْ) يعني: مِمَّا كانت عينه فاءً احذف الفاء، (وَعَدْ) فتقول في المضارع: يَعِدُ، لوقوع الواو هنا بين عَدُوَّتَيْهَا، فتقول أصله: يَوْعِدْ، حُذِفَت الواو فيما إذا وقعت الواو بين ياءٍ، وما بعدها مكسور.

وَحُمِل ما عداه عليه يعني: أَعِدُ .. نَعِدُ .. تَعِدُ، هذه كلها بحذف الواو ليست فيه العِلَّة، الأصل: يَعِدُ، وَحُمِلَ عليها سائر أنواع الفعل المضارع، كذلك في الأمر تقول: عِدْ، تحذِف الواو حملاً على المضارع، كذلك في المصدر: عِدَةٌ، أين الواو؟ حُذِفَت.

إذاً: ما كان مِثَال (عِدَة) ونحوه مِمَّا وقعت فيه الواو فاءً حينئذٍ تُحْذَف في فاء الأمر، وفي فاء المضارع، وفي فاء المصدر، وَيُعَوَّض عنها في المصدر تاءً في آخره.

(فَا أَمْرٍ أَوْ مُضَارِعٍ)(مُضَارِعٍ) هذا مشروطٌ: بأن يكون حرف المضارعة مفتوحاً، يعني: ليس مَبْنِيَّاً للمجهول: يُوعَد، لم تُحْذَف الواو هنا لكون حرف المضارعة ليس مفتوحاً، فلو كان مضموماً صَحَّت الفاء .. لم تُحْذَف: يُوعَدُ.

إذاً قوله: (أَوْ مُضَارِعٍ) مشروطٌ: بأن يكون حرف المضارعة مفتوحاً، فلو ضُمَّ حينئذٍ لم تُحْذَف الواو نحو: يُوعَدُ، هذا الشَّرط مأخوذٌ من قوله:(كَوَعَدْ).

كذلك يُشْترط: أن يكون ما بعد الواو مكسوراً، فلو كان ما بعدها غير مكسور لم تُحْذَف نحو: يَوْجَل، يَوْجَل صَحَّت الواو هنا، لا تقل: يَجِلْ، وبعضهم قلبها: ياجل، لكن المشهور: يَوْجَل، هنا وقعت الواو بين ياءٍ، ولكن لم يُكْسر ما بعدها، والشَّرط في حذفها: أن تقع الواو بين ياءٍ مفتوحة وما بعدها أن يكون مكسوراً، وأمَّا: يُوْجَل، وُجِدَ الجزء الأول من الشرط، وانتفى الثاني وهو: كسر ما بعدها.

إذاً قوله: (أَوْ مُضَارِعٍ) مشروطٌ بشرطين:

ص: 20

الأول: أن يكون حرف المضارعة مفتوحاً.

والثاني: أن يكون ما بعده مكسوراً، وسيأتي باب (وَهَبَ).

فَا أَمْرٍ اوْ مُضَارِعٍ مِنْ كَوَعَدْ

احْذِفْ. . . . . . . . . . . . . .

(فَا أَمْرٍ)(احْذِفْ فَا أَمْرٍ) إذاً: مفعول مُقدَّم، و (فَا) مضاف، و (أَمْرٍ) مضاف إليه، (أَوْ مُضَارِعٍ) معطوف على (أَمْرٍ).

(مِنْ كَوَعَدْ) هذا حالٌ من (أَمْرٍ) وما عُطِفَ عليه، حال كونه .. الفاء من الأمر والمضارع (مِنْ كَوَعَدْ)، انظر: دخلت (مِنْ) على الكاف، فصارت الكاف هنا اسْميَّة، (مِنْ مثل وَعَدْ) تَعيِّن هنا أن تكون الكاف اسْميَّة؛ لدخول حرف الجر عليها.

إذاً: (مِنْ مثل وَعَدْ احْذِفْ) فيجب حذف فاء الكلمة إذا كانت واواً في الأمثلة التي ذكرها النَّاظم هنا، وهي فيما إذا كانت فَاء أَمْرٍ، أوْ مُضَارِع، أو مصدرٍ، فالمواضع التي يجب حذف فاء الكلمة إذا كانت واواً ثلاثة مواضع:

- الأول: فعل الأمر نحو: عِدْ، وهذا ليست فيه العِلَّة .. غير موجودة، لأنَّه يُشْتَرَط: أن يكون ما قبلها ياء مفتوحة، وهنا: عِدْ، ليس فيها ياء مفتوحة، قالوا: حملاً على المضارع، -وما أكثر العِلَّة أن تكون عند الصرفيين: حملاً على كذا من باب طرد الباب فقط - لوجود مقتضى الحذف فيه، يعني: في المضارع، أمَّا الأمر فليس فيه مقتضى الحذف، حينئذٍ نقول: السَّماع هكذا.

- الثاني: الفعل المضارع إذا كان مكسور العين، يعني: من باب (يَفْعِلُ) نحو: يَعِدُ، فأصله: يَوْعِدُ، وقعت الواو بين عَدُوَّتَيْهَا .. بين ياءٍ وكسرة لازمة فقيل: يَعِدُ، إذاً: وُجِدَ المقتضي في الفعل المضارع إذا كان على وزن (يَفْعِلُ)، وَحُمِلَ عليه: أَعِدُ وَنَعِدُ وَتَعِدُ، أيضاً طرداً للباب، لأنَّه غير موجودة فيها العِلَّة، (أَعِدُ) أين وقوع الواو هنا بين عَدُوَّتيها؟ لم يوجد، لأنَّه من شرط العدو الأول: أن يكون ياءً مفتوحة، وهنا (أَعِدُ) وُجِدَت فتحة لكن دون ياءٍ، إذاً الأصل: عدم الحذف لكن قالوا: حملاً على (يَعِدُ)، وَحُمِلَ عليه: أَعِدُ وَنَعِدُ وَتَعِدُ.

- الثالث: المصدر من نحو: وَعَدَ، وهو محمولٌ على الفعل في الحذف، حينئذٍ يجب في المصدر التَّعويض إذا حُذِفَ، وهذا مِمَّا يدل على أنَّ الحمل ضعيف، لأنَّ المصدر فرعٌ .. محمولٌ على الفعل، لم يُعَوَّض في الفعل وإنَّما عُوِّض في المصدر، عُوِّضَ في الفرع دون الأصل، هذا ضعف.

إذاً: عِدَة، مأخوذٌ من الوعد وهو مصدره، حينئذٍ نقول: عِدَةٌ، هذه التاء عِوَضٌ عن الفاء، وسبق أنَّ العِوَض لا يُشْتَرَط: أن يكون في مكان المُعَوَّض عنه، ويجب في المصدر تعويض الهاء من المحذوف المبني على (فِعْلَةٍ) ولذلك قال:

وَفِي كَعِدَةٍ ذَاكَ اطَّرَدَ ..

(ذَاكَ) هذا مبتدأ، و (اطَّرَدَ) خبره، والضمير هنا (اطَّرَدَ) يعود إلى (ذَاكَ)، (ذَاكَ) أي: حذف الفاء، اطَّرَدَ فِي كَعِدَةٍ، كما أنَّه مُطَّرد في فاء أمرٍ أو مضارع، فهو مُطَّرِد فيما سبق، وَمُطَّرِدٌ فيما ذكره من المصدر، (وَفِي كَعِدَةٍ) مصدراً، فلو كان اسماً لم يُحْذَف منه شيء نحو: وِجْهَه، قالوا: هذا اسمٌ وليس بمصدر، حينئذٍ صَحَّت الفاء ولم تُحْذَف.

ص: 21

وكذلك لا يُحْذَف منه إذا أريد به الهيئة نحو: الوِعْدَة، على وزن (فِعْلَة).

وَفَعْلَةٌ لِمَرَّةٍ كَجَلْسَهْ

وَفِعْلَةٌ لِهيئَةٍ. . . . .

إذاً: (وِعْدَة) إذا أُرِيْد به الهيئة صَحَّت الواو، لأنَّها مُتحرِّكة.

إذاً: (احْذِفْ فَاءَ أَمْرٍ اوْ مُضَارِعٍ) بالشَّرطين السَّابقين المذكورين.

(مِنْ كَوَعَدْ) .. (وَفِي كَعِدَةٍ ذَاكَ اطَّرَدَ) و (ذَاكَ اطَّرَدَ) الذي هو حذف الفاء (فِي كَعِدَةٍ)، كذلك الكاف هنا اسْميَّة، لأنَّ الحرف هنا (فِي) دخل على الكاف.

قوله: (مِنْ كَوَعَدْ) فُهِمَ منه: أنَّ الواو تُحْذَف في الأمر والمضارع إذا كان بعدها فتحة نائبةٌ عن الكسرة، يعني: اشتراط أن يكون ما بعد الواو مكسوراً حقيقةً، أو أن يكون تقديراً أو تنزيلاً نحو: وَهَبَ يَهَبُ، (وَهَبَ) على وزن (فَعَلَ) والأصل: التَّخالف .. أن يكون على وزن (يَفْعِلُ) أو (يَفْعُل)، الأصل في (وَهَبَ) أن يأتي على وزن (يَهِبُ)، لكن لكونه حرف حلقٍ فُتِحَت العين فصار: يَهَبُ.

حينئذٍ لُوحِظَت هذه الكسرة التي الأصل فيها: أن يأتي عليها (يَهِبُ) حُذِفَت الواو فقيل: يَوْهِبُ .. يَوْهَبُ، حُذِفَت الواو، (يَهَبُ) على وزن (يَعَلُ) بحذف الفاء، لِمَ حُذِفَت الفاء هنا؟ نحن نقول: وَهَبَ .. يَهِبُ، وشرط حذف الواو: أن تقع بين عَدُوَّتيها، العدو الأول موجود (ياء)، والعدو الثاني غير موجود تحقيقاً، لكنَّ هذا الباب الأصل فيه أن يأتي على وزن (يَفْعِلُ)، لَكنَّه جاء على وزن (يَفْعَلُ).

إذاً: كُلُّ ما سُمِعَ من (يَهَبُ) و (يَضَعُ) ونحوه مِمَّا هو على وزن (يَفْعَلُ) وعينه حرف حلق، حينئذٍ العدو الثاني: وهو كسر ما بعد الواو، موجودٌ تنزيلاً أو تقديراً، لأنَّ أصل الباب: أن يأتي على وزن (يَفْعِلُ)، ولَكنَّه لاستثقال حرف الحلق عيناً مكسورةً حينئذٍ فُتِحَ، لأنَّه كما سبق معنا التَّعليل: لماذا انتقل من باب (يَفْعِلُ) لـ: (يَفْعَلُ)؟

قالوا: حرف الحلق ثقيل، وكذلك الكسرة ثقيلة، حينئذٍ اجتماع الثقيل مع الثقيل يزيد الفعل ثقلاً، فنقلوا الكسرة فتحة، إذاً: نقلُ الكسرة فتحة هذا عارض وليس بأصلٍ، فرُوعي في حذف الواو فقيل:(يَهَبُ) و (يَضَعُ)، وهذا دليل على أنَّه من باب (يَفْعِلُ) .. استدلَّ الصَّرفيُّون على أنَّ (يَهَبُ) أصله (يَفْعِلُ) بحذف الواو، لأنَّ الواو لا تُحْذَف إلا إذا وقعت بين عَدُوَّتيها، وهنا الياء مُقدَّرة.

إذاً: (مِنْ كَوَعَدْ) فُهِمَ منه: أنَّ الواو تُحْذَف في الأمر والمضارع إذا كان ما بعدها فتحة نائبة عن الكسرة، كما في (يَهَبُ) و (يَضَعُ)، فإن قياسه (يَهِبُ) بالكسر، لكن فُتِحَت العين لكون الهاء من حروف الحلق.

ثُمَّ قال:

وَحَذْفُ هَمْزِ أَفْعَلَ اسْتَمَرَّ فِي

مُضَارِعٍ وَبِنْيَتَيْ مُتَّصِفِ

ص: 22

المراد بـ (بِنْيَتَيْ): صيغتي الفاعل والمفعول، وهذا مَرَّ معنا مراراً، قلنا (أُكْرِمُ) إذا كان الماضي على وزن (أَفْعَلَ) وأردت المضارع منه على وزن (أُفْعِلُ)، يعني: مبدوءً بهمزة المُتكلِّم، حينئذٍ اجتمع عندنا همزتان: همزة المُتكلِّم التي هي حرف المضارعة، والهمزة الزَّائدة في (أَفْعَلَ) الفعل الماضي مثل: أَكْرَمَ، حينئذٍ تقول: أُأَكْرِمُ، اجتمع عندنا همزتان: همزة (أَكْرَمَ) الفعل الماضي، وهمزة المُتكلِّم التي هي حرف المضارعة، ماذا تصنع؟

قال: (وَحَذْفُ هَمْزِ أَفْعَلَ) إذاً: الفعل الماضي الذي على وزن (أَفْعَلَ) إذا زِيد عليه حرف المضارعة حُذِفَت الهمزة في المُتكلِّم للثِّقَل، وفي غيره طَرداً للباب، لأنَّك تقول: أُكْرِمُ .. نُكْرِمُ .. يُكْرِمُ .. تُكْرِمُ .. مُكْرِمْ .. مُكْرَمْ، حُذِفَت مُطلقاً، لماذا حذفت مطلقاً .. هي العِلَّة في ماذا؟ في (أُأَكْرِمُ) هي التي وقع فيها الثِّقَل، قالوا: حملاً للباب .. طرداً للباب على (أُأَكْرِمُ).

ولذلك قال: (وَحَذْفُ هَمْزِ أَفْعَلَ) الفعل الماضي مبدوء بهمزةٍ نحو: أَكْرَمَ، (اسْتَمَرَّ) يعني: اطَّرَدَ، (حَذْفُ) مبتدأ وهو مضاف، و (هَمْزِ) مضاف إليه، (هَمْزِ) مضاف، و (أَفْعَلَ) مضافٌ إليه، و (اسْتَمَرَّ) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر تقديره: هو، يعود على (حَذْف)، استمرَّ حذف .. الحذف السابق، والجملة خبر المبتدأ .. (اسْتَمَرَّ) هو، والجملة خبر المبتدأ (حَذْفُ).

(فِي مُضَارِعٍ) مُتعلَّق بقوله: (اسْتَمَرَّ)، (وَبِنْيَتَيْ) معطوف على (مُضَارِعٍ)، (مُتَّصِفِ) يعني: صيغتي الفاعل والمفعول، فإنَّ اسم الفاعل واسم المفعول يوصف بهما، فهما بِنْيَتَا مُتَّصف، (بِنْيَتَا) يعن: صيغتا (مُتَّصِفٍ) مِمَّا تقع بهما الصِّفة، واسم المفعول يوصف به، وكذلك اسم الفاعل.

إذاً: إذا كان الفعل الماضي معتل الفاء كـ: وَعَدَ، وجب حذف الفاء في الأمر والمضارع والمصدر إذا كان بالتاء، وذلك نحو: عِدْ وَيَعِدْ وَعِدَةْ، فإن لم يكن المصدر بالتاء لم يَجُزْ حذف الفاء كـ: وَعَدَ، وكذلك يجب حذف الهمزة الثانية في الماضي مع المضارع، واسم الفاعل، واسم المفعول، أمَّا اسم الفاعل واسم المفعول فهذا حملاً على أصله وهو المضارع .. هذا الأصل.

والأصل: ألا تُحْذَف الهمزة في ذلك، كما لا تُحْذَفَ سائر الزَّوائد من الفعل نحو: تَدَحْرَجَ .. يَتَدَحْرَجُ .. مُتَدَحْرِجٌ .. مُتَدَحْرَجْ، هذا الأصل .. أنَّها تبقى، ولكن هنا استثقلوا اجتماع همزتين في أول الكلمة: الأولى مضمومة، والثانية مفتوحة (أُأَكْرِمُ) استثقل، الحرفان إذا كانا من جنسٍ واحدٍ، وخاصَّة إذا كانا همزتين حينئذٍ صار ثقيلاً.

ولكن استثقلوا اجتماع همزتين في المبدوء بهمزة المُتكلِّم في نحو: أُأَكْرِمُ، فَحُذِفَت الهمزة وَحُمِلَ عليه: نُكْرِمُ وَتُكْرِمُ وَيُكْرِمُ، واسم الفاعل واسم المفعول، كما حُمِلَ على: يَعِدُ، سائر أفعال المضارع، (يَعِدُ) هذا الأصل، (وَنَعِدُ) و (تَعِدُ) هذا محمولٌ عليه.

ص: 23

وهنا كذلك: (أُكْرِمُ) حُذِفَت الهمزة التي هي (أَفْعَل)، وهذا هو الصَّواب: أنَّ الهمزة التي هي همزة (أَفْعَلْ) هي المحذوفة، أمَّا همزة المُتكلِّم فلا تُحْذَفُ.

نحو قولك في (أَكْرَمَ): يُكْرِمُ، والأصل: يُؤَكْرِمُ، ونحو: مُكْرِمْ وَمُكْرَمْ، والأصل: مُؤَكْرِمٌ وَمُؤَكْرَمٌ بالهمز، فَحُذِفَت الهمزة في اسم الفاعل واسم المفعول حملاً على المضارع، والمضارع فيما عدى الهمزة محمولاً على المبدوء بالهمزة، والمبدوء بالهمزة إنَّما حُذِفَت الهمزة من (أَفْعَلْ) دفعاً للاستثقال.

ظِلْتُ وَظَلْتُ فِي ظَلِلْتُ اسْتُعْمِلَا

وَقِرْنَ فِي اقْرِرْنَ وَقَرْنَ نُقِلَا

(قِرْنَ) .. (قَرْنَ) فيه وجهان، (ظِلْتُ) هذا مبتدأ، (وَظَلْتُ) معطوفٌ عليه، (فِي ظَلِلْتُ اسْتُعْمِلَا)(اسْتُعْمِلَا) الألف للإطلاق، أو فاعل، أو نائب فاعل .. واحد من الثلاث؟ (اسْتُعْمِلَا) نائب فاعل، لأنَّه يعود على:(ظِلْتُ وَظَلْتُ)، (فِي ظَلِلْتُ) هذا جار ومجرور مُتعلَّق بقوله:(اسْتُعْمِلَا)، وجملة (اسْتُعْمِلَا) خبر المبتدأ.

يعني: إذا كان الفعل ثلاثياً مكسور العين - هذا الضَّابط - وعينه ولامه من جنسٍ واحد. فِعل ثلاثي مكسور العين على وزن (فَعِلَ)، وعينه ولامه من جنسٍ واحد، (ظَلَّ) أصله: ظَلِلَ، إذاً: على وزن (فَعِلَ)، والعين واللام من جنس واحد، فإنَّه يُسْتَعْمَل في حالة إسناده إلى الضَّمير المتُحرِّك على ثلاثة أوجه، ولذلك مَثَّل له بـ:(ظِلْتُ) مسند إلى التاء، (وَظَلْتُ وظَلِلْتُ) كم وجه؟ ثلاثة على وزن (فَعِلَ)، وعينه ولامه من جنسٍ واحد، وحينئذٍ جاز لك ثلاثة أوجه: فكُّ (ظَلِلْتُ) وهذا الأصل، لأنَّ أصله (ظَلَّ)، حينئذٍ استعمل تامَّاً كما هو لم يُحْذَف منه شيء، ولم يحصل له إعلالٌ.

إذاً: (ظَلِلْتُ) هذا تام، (فِي ظَلِلْتُ)، ولذلك قَدَّمه وجعله أصلاً، وجعل (ظِلْتُ وَظَلْتُ) مستعملين في (ظَلِلْتُ) لماذا؟ لأنَّهما فرعان، والأصل هو الفَكُّ، ويجوز (ظِلْتُ) بالنَّقل والحذف، ماذا حصل؟ الأصل:(ظَلِلْتُ) نُقِلَت حركة اللام إلى ما قبلها وبعد إسقاطها، ثُمَّ حُذِفَت اللام.

(ظِلْتُ) نقول: هذه الكسرة دليلٌ على حركة العين، أنَّه من باب (فَعِلَ)، وإلا فالأصل عدم الجواز، لماذا؟ لأنَّه لو لم ينقُل حركة العين إلى الفاء لجهلنا الباب، هل هو من باب (فَعِلَ) أو (فَعَلَ)؟ حينئذٍ لَمَّا قال:(ظِلْتُ) أصله (ظَلِلْتُ)، نُقِلَت حركة اللام إلى ما قبلها بعد إسقاط حركة الظَّاد، ثُمَّ حُذِفَت اللام، (ظَلْتُ) حُذِفَت اللام فقط ولم يحصل إعلالٌ بالنَّقل، فجاز فيه وجهان.

ظاهر النَّظم: أنَّ هذا الحكم مخصوصٌ بهذا اللفظ فقط (ظَلَّ) فيجوز فيه ثلاثة أوجه:

- إمَّا أن يُسْتَعْمَل تامَّاً.

- وإمَّا محذوف العين بعد نقل حركتها.

- وإمَّا مع ترك النَّقل، يعني: حذف العين مع ترك النَّقل، وزاد سيبويه (مَسَسْتُ)، وفي القياس عليهما خلافٌ بين النُّحاة.

إذاً:

ظِلْتُ وَظَلْتُ فِي ظَلِلْتُ اسْتُعْمِلَا ..

عرفنا أن المراد به: الثلاثي مكسور العين، إذا كانت عينه ولامه من جنسٍ واحد، حينئذٍ إذا أُسْنِدَ إلى الضمير المُتحرِّك يُسَكَّن آخره، فيجوز استعماله بأحد ثلاثة أوجه:

ص: 24

تامَّاً وهذا هو الأصل وهو الفصيح، أو محذوف العين بعد نقل الحركة إلى ما قبله:(ظِلْتُ)، أو بحذف العين مع الحركة:(ظَلْتُ).

(وَقِرْنَ) .. (قَرَّ) ماذا حصل؟ (قَرَّ) فعل ماضي مضاعف، إذا اتَّصل بنون الإناث حينئذٍ جاز فيه وجهان: تخفيفه بحذف عينه بعد نقل الحركة إلى الفاء، والفك.

إذاً: (ظِلْتُ) يجوز في (قِرْنَ)، (وَظَلِلْتُ) يجوز كذلك في (قِرْنَ).

وَقِرْنَ فِي اقْرِرْنَ وَقَرْنَ نُقِلَا ..

(وَقِرْنَ) هذا مع عدم الحذف، (وَقِرْنَ) مع النَّقل، (اقْرِرْنَ) هذا الأصل فيه، (اقْرِرْنَ) بكسر الراء الأولى وإسكان الثانية.

(وَقِرْنَ) هذا مبتدأ، أين خبره؟ (وَقَرْنَ نُقِلَا) الألف للإطلاق، (وَقَرْنَ) مبتدأ، و (نُقِلَا) خبر، والجملة من المبتدأ والخبر في مَحلِّ رفع خبر المبتدأ الأول (قِرْنَ)، (اقْرِرْنَ) هذا جار ومجرور مُتعلَّق بقوله ماذا .. هل يصح أن يُقَال (قِرْنَ فِي اقْرِرْنَ) مبتدأ وخبر .. (زَيْدٌ)(عَمْروٌ) .. يصح؟

(قِرْنَ) مبتدأ، والجار والمجرور خبر، لَكنَّه مُتعلِّق بمحذوف خاص .. مقولٌ أو ثابتٌ أو جائزٌ .. نُقدِّره بخاص، (قِرْنَ) مقولٌ (فِي اقْرِرْنَ)، (وَقَرْنَ نُقِلَا) مبتدأ وخبر، هذا الظَّاهر.

قال الشَّارح: "إذا أُسْنِد الفعل الماضي المُضعَّف المكسور العين إلى تاء الضمير أو نونه، جاز فيه ثلاثة أوجه:

إتمامه نحو: (ظَلِلْتُ) أَفْعُل كذا إذا عملته بالنهار.

والثاني: حذف لامه ونقل حركة العين إلى الفاء نحو: (ظِلْتُ) حُذِفَت اللام وَنُقِلَت حركة العين إلى ما قبله.

الثالث: حذف لامه وإبقاء فائه على حركتها: (ظَلْتُ).

وأشار بقوله (وَقِرْنَ): إلى أن الفعل المضارع المضاعف إن كان على وزن (يَفْعِلْنَ) إذا اتَّصَل بنون الإناث، جاز تخفيفه بحذف عينه بعد نقل حركتها إلى الفاء، وكذا الأمر منه، ابن مالك ما مَثَّل بالمضارع، إنَّما مَثَّل بالأمر.

وذلك نحو قولك في (يَقْرِرْنَ): يَقِرّْ، فُكَّ الإدغام (يَقْرِرْنَ) إذاً: صار من باب (يَفْعِلْنَ)، تقول:(يَقِرْن) بحذف العين، الأصل:(يَقْرِرْ) الراء الأولى المكسورة هي العين، (يَقِـ) نُقِلَت حركة الراء –الكسرة- إلى القاف، ثُمَّ حُذِفَت العين، إذاً: حصل إعلالٌ بالنَّقل والحذف.

ولذلك قال: "جاز تخفيفه بحذف عينه بعد نقل حركته إلى الفاء"(يَقْرِ) الراء مكسورة والقاف ساكنة (يقْـ، ثُمَّ نُقِلَت حركة الراء –الكسرة- إلى القاف، ثُمَّ حُذِفَت العين - هذا من باب التَّخفيف - وفي الأمر تقول: (اقْرِرْنَ) على الأصل بِفكِّ الإدغام .. تقول: (قِرْنَ) لأنَّك لَمَّا نقلت حركة العين إلى القاف استغنيت عن همزة الوصل، الأصل:(اقْرِرْن) نقول: الهمزة هنا جيء بها للتَّمكُّن من الابتداء من السَّاكن، لأنَّه مأخوذٌ من الفعل المضارع (يَقْرِرْنَ)، لَمَّا نُقِلَت حركة العين –الكسرة- إلى القاف، إذاً: تَحرَّك الأول، وإذا تَحرَّك الأول لم نعد بحاجة إلى همزة الوصل صار:(قِرْنَ) على وزن (فِلْنَ) حُذِفَت العين.

إذاً: (قِرْنَ) .. (قِرْ) هذا فعل الأمر، وزنه (فِلْ) لأنَّ العين محذوفة .. حُذِفَت العين بعد إسقاط حركتها على القاف، هذا من باب التَّخفيف.

ص: 25

وأشار بقوله: (وَقَرْنَ نُقِلَا) إلى قراءة نافع وعاصم: (وَقَرْنَ)، إذاً:(قَرْنَ) بفتح القاف معناه: أن العين حُذِفَت مع حركتها من باب (ظَلْتُ)، (قِرْنَ) فرقٌ بين (قِرْنَ) و (قَرْن)، إذا قلت (قِرْنَ) معناه: حُذَِفَت العين بعد إسقاط حركتها .. بكسر القاف، وإذا قلت:(قَرْنَ) حينئذٍ حُذِفَت العين مع حركتها.

بفتح القاف وأصله: (اقْرَرْنَ) من قولهم: قَرَّ بالمكان يَقَرُّ، بِمعنى: يَقِرُّ، حكاه ابن القَطَّاع، ثُمَّ خُفِّفَ بالحذف بَعَد نقل الحركة وهو نادرٌ، لأنَّ هذا التَّخفيف إنَّما هو للمكسور العين، ولكن لا، قيل: أنَّه مِمَّا سبق.

إذاً:

ظِلْتُ وَظَلْتُ فِي ظَلِلْتُ اسْتُعْمِلَا ..

معناه: أنَّه اسْتُعْمِل هذا التَّخفيف في فعل الأمر كذلك فقيل: (قِرْنَ) بكسر القاف وهي قراءة غير نافع وعاصم في قوله تعالى: ((وَقِرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)) [الأحزاب:33].

وقوله: (وَقَرْنَ نُقِلَا) إشارةً إلى قراءة نافع وعاصم، (وَقِرْنَ) بالكسر أصله من: قَرَّ بالمكان يَقَرُّ، بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع، فلمَّا اتَّصَلت نون الإناث بالفعل خُفِّفَ بحذف عينه بعد نقل حركتها إلى الفاء، وكذلك الأمر منه.

وأمَّا: (قَرْنَ) -هذا مَحلُّ الإشكال هنا-، وأمَّا (قَرْنَ) بالفتح فهو من (قَرِرْتُ) بالكسر من باب (فَعِلْتُ): قَرِرْتُ بالمكان أَقِرُّ، بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع، فَفُعِل به ما تَقدَّم في الكسر من الحذف والنَّقل فهما لغتان فصيحتان.

إذاً: (قَرْنَ) أصله من باب: قَرَّ يَقِرُّ، بالكسر فيهما، وهما لغتان فصيحتان، ما دام أنَّه وردت بها القراءة فتثبت.

إذاً حاصل ما ذكره النَّاظم هنا: أنَّ التَّخفيف واقعٌ في هذا وذاك، فيما كانت عينه ولامه من جنسٍ واحد وهو ثلاثي مكسور العين إذا أُسْنِدَ إلى تاء الضَّمير أو نونه، حينئذٍ جاز لك ثلاثة أوجه:

- جاز فيه التَّخفيف، إمَّا بالفكِّ وهذا هو الأصل .. فك الإدغام.

- وإمَّا بنقل حركة العين إلى ما قبلها ثُمَّ تُحْذَفْ.

- وإمَّا حذفها بحركتها.

ثُمَّ قال رحمه الله تعالى: (الإِدْغَامُ).

يُقال: (الإِدْغَامُ) بسكون الدَّال مصدر: أَدْغَمَ، (والإِدِّغَامُ) بالتَّشديد، وقيل الأول عبارة الكوفيين، والثانية عبارة البصريين، وهو في اللغة: الإدخال، أَدْغَمْتَ الشَّيء في الشَّيء: أدخلت الشَّيء في الشَّيء.

واصطلاحاً: إدخال حرفٍ في حرف، وهو على ثلاثة أنواع:

واجب وجائز، وواجب الإدغام، وواجب الإظهار، وجائز الوجهين.

إمَّا أن يكون الإدغام واجب، وإمَّا أن يكون الإظهار واجب، يعني: عدم الإدغام، وإمَّا أن يكون جائز الوجهين، والأحكام ثلاثة:

أشار إلى الأول بقوله:

أَوَّلَ مِثْلَيْنِ مُحَرَّكَيْنِ فِي

كِلْمَةٍ ادْغِمْ. . . . . . . . . . . .

(كِلْمَةٍ أَدْغِمْ) هذا الأصل، حُذِفَت الهمزة من باب التَّخفيف.

يعني: أنَّه إذا اجتمع في كلمةٍ واحدة مثلان مُتحرِّكان وجب إدغام الأول في الثاني بعد سَلْب حركة الأول حركته، لأنَّه لا بُدَّ من أن يكون المثلان أولهما ساكن والثاني مُتحرِّك، فإذا كانا مُتحرِّكين وجب إسقاط حركة الأول، ثُمَّ إدغامه في الثاني.

ص: 26

إذاً: إذا اجتمع في كلمةٍ واحدة مثلان مُتحرِّكان، وجب إدغام الأول في الثاني، ويلزم من ذلك تسكين الأول؛ لامتناع إدغام المُحرَّك إلا بعد تسكينه وشمل نوعين، لأنَّ ما قبل المثل الأول إمَّا أن يكون ساكن أو مُتحرِّك، إن كان ساكناً حينئذٍ مباشرة نقلت حركة المثل الأول إلى ما قبله فسكن فأدغمت، إن كان ما قبله مُتحرِّكاً حينئذٍ كيف تنقل حركة إلى حركة؟ فيَتَعيَّن أن تُسقط حركة الأول ثُمَّ بعد ذلك تنقل، التَخليَة قبل التَّحليَة.

وشمل نوعين:

أن يكون قبل المثل الأول مُتحرِّك نحو: رَدَّ وَظَنَّ، أصلهما: رَدَدَ وَظَنَنَ، فَسُكِّنَ المثل الأول وَأُدْغِمَ في الثاني.

الصورة الثانية: أن يكون المثل الأول ساكناً نحو: يَرُدُّ وَيَظُنُّ وَمَرَدُّ، وأصلها: يَرْدُدْ (يَفْعُلْ) وَيَظْنُنْ وَمَرْدُدْ، فَنُقِلَت حركة المثل الأول إلى السَّاكن قبله، وبقي ساكناً فَأُدْغِمَ في المثل الثاني.

إذاً: إذا كان ما قبل حرف المثل الأول مُتحرِّكاً وجب أولاً: إسقاط حركة ما قبل المثل الأول، فحينئذٍ صَحَّ لك أن تنقل حركته إلى ما قبله، أو إن شئت حذفته مباشرة.

إذاً:

أَوَّلَ مِثْلَينِ مُحَرَّكَيْنِ فِي

كِلْمَةٍ ادْغِمْ. . . . . . . . . . . .

(ادْغِمْ) فعل أمر والفاعل أنت، (أَوَّلَ) مفعولٌ به وهو مضاف، و (مِثْلَينِ) مضافٌ إليه، (مُحَرَّكَيْنِ) نعت لـ:(مِثْلَينِ)، (فِي كِلْمَةٍ) جار ومجرور مُتعلَّق بمحذوف صفة لـ:(مُحَرَّكَيْنِ) يعني: أن يكونا في كلمةٍ واحدة، فإن كانا في كلمتين لم يجب، بل يجوز كما هو مشهورٌ عند أبواب القراءة.

فُهِمَ منه: أنَّ أول المثلين إذا كانا في صدر الكلمة نحو: (دَدَنْ) لا يُدغَم إذ لا يصح الابتداء بالسَّاكن، لأنَّه قال:

أَوَّلَ مثْلَينِ مُحَرَّكَيْنِ فِي

كِلْمَةٍ ادْغِمْ. . . . . . . . . . . .

لزم منه أن يكون أول المثلين ساكن، فحينئذٍ إذا قلت:(دَدَنْ) أدغم الأول في الثاني، ستحذف حركته وَتُدْغِمَ، كيف تبتديء به؟ صار محل إشكال، إذاً: لا يُدْغَم إذا كان أول الكلمة، وإنَّما يُدْغَم إذا كان ثانياً وما بعده مثل: شَدَّ وَمَدَّ وَحَبَّ وَمَلَّ، (مَلَّ) أصله:(مَلِلَ)، و (حَبَّ) أصله:(حَبُبَ)، و (شَدَّ) أصله:(شَدَدَ) إذاً: أُدْغِمَ الثاني فيما بعده.

أَوَّلَ مِثْلَينِ مُحَرَّكَيْنِ فِي

كِلْمَةٍ ادْغِمْ لَا كَمِثْلِ صُفَفِ

وَذُلُلٍ وَكِلَلٍ وَلَبَبِ

وَلَا كَجُسَّسٍ وَلَا كَاخْصُصَ بِي

وَلَا كَهَيْلَلَ. . . . . . .. . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يعني: يجب الإدغام، إلا إن كان واحداً من هذه فيجب الإظهار، كأنَّه شروعٌ في النَّوع الثاني: وهو ما وجب فيه الإظهار.

وهذه سبعة مواضع اجتمع فيها مثلان في كلمةٍ ولا يجوز فيها الإدغام:

الأول: أشار إليه بقوله: (صُفَفِ) ما كان على وزن (فُعَلِ) يمتنع .. هكذا سماعاً دون أن نُعَلِّلْ، ما كان على وزن (صُفَفِ) هذا جمع (صِفَةٍ).

والثاني: ما كان على وزن (ذُلُلْ) .. (فُعُلْ) يمتنع.

والثالث: ما كان على وزن (كِلَلْ) .. (فِعَلْ).

والرابع: ما كان على وزن (لَبَبْ) كـ: طَلَلْ.

ص: 27

والخامس: ما كان مُضعَّف الثاني (جُسَّسْ) هذا جمع: (جَاسٍّ) لماذا؟ لأنَّك لو قلت: (كَجُسَّسٍ) لو أدغمت الثاني المُدْغَم المُحرَّك فيما بعده لَفُكَّ الإدغام، لأنَّك ستلقي حركة الثاني –السين- على ما قبله وهو المُدْغَم في المُدْغَم فيه، عندنا حرفان: مُدْغَم وَمُدْغَمٌ فيه، المُدْغَم الأول: ساكن، والثاني: مُتحرِّك، لو أدغمتَ الثاني فيما بعده للزم إسقاط الحركة على ما قبله فَفُكَّ الإدغام، وهذا ممتنع.

(وَلَا كَاخْصُصَ بِي) هنا يمتنع الإدغام، لماذا؟ لأنَّ الأول (اخْصُص) الصَّاد الأولى، حينئذٍ لو ألقيت حركتها، قلنا: يُشْتَرط أن يكون الثاني مُتحرِّك، لكن شرطه: أن تكون الحركة لازمة، فإن كانت عارضة امتنع الإدغام.

إذاً: (اخْصُصَ بِيْ) الصَّاد الثانية مُحرَّكة بحركة الهمزة، أصلها:(اخْصُصَ أَبِي) خُفِّفَ بحذف الهمزة بعد إسقاط حركتها على ما قبلها، إذاً: الصَّاد الثانية مُحرَّكة لكن بحركة عارضة لا بحركة أصلية.

(وَلَا كَهَيْلَل)(هَيْلَلَ) يعني: أكثر من قول: لا إله إلا الله، وما كان فيه ثاني المثلين زائد الإلحاق، (هَيْلَلَ) على وزن (فَيْعَلَ)، واللام الثانية المراد بها: الإلحاق بوزن (دَحْرَجَ) هَيْلَل: هَيْلَلَةً وَهَيْلَالاً، حينئذٍ نقول: هنا مُلْحَقٌ بالثاني.

إذاً: يُشْتَرَط في المثل الثاني الذي يُدْغَمُ فيه الأول: ألا يكون زائداً للإلحاق، هذه سبعة مواضع يمتنع فيها الإدغام.

. . . . وَشَذَّ فِي أَلِلْ

وَنَحْوِهِ فَكٌّ. . . . . . . .

(أَلِلْ) اللَاّمان هنا الأصل فيهما: الإدغام، وُجِدَ فيه شرط الإدغام، لأنَّه ليس واحداً من المواضع السَّبعة، فالأصل فيه: وُجُوب الإدغام، لَكنَّه شَذَّ بالفَكَّ، (وَنَحْوِهِ) مِمَّا سُمِعَ من هذه الكلمات فهي تُحْفَظُ ولا يُقاس عليها.

(وَشَذَّ فَكٌّ فِي أَلِلْ وَنَحْوِهِ بِنَقْلٍ) سماعي، لوجود شروط الإدغام مع عدم الإدغام (فَقُبِلْ) قُبِل هذا النَّقل .. قُبِلَ هذا المسموع عن العرب.

قال الشَّارح: "إذا تَحرَّك المثلان في كلمةٍ، أُدْغِمَ أولهما في ثانيهما إن لم يَتَصدَّرا" يعني: إن لم يقعا في أول، ولذلك قال:(أَوَّلَ مِثْلَينِ) فُهِمَ منه: أنَّ أول المثلين إذا كانا في صدر الكلمة نحو: (دَدَنْ) لا يُدْغَم، لأنَّه يلزم منه تسكينه وهذا ممتنع.

إذاً: شرط الأول: ألا يكونا مُتَصدِّرين، ولم يكن ما هما فيه اسماً على وزن (فُعَلْ) كـ:(صُفَفِ)، أو على وزن (فُعُلْ) كـ:(ذُلُلْ)، أو على وزن (فِعَلْ) كـ:(كِلَلْ)، أو (فَعَلْ) وهذا مفرد نحو:(لَبَبْ)، ولم يَتَّصِل أول المثلين بِمُدْغَم نحو:(جُسَّسْ)، ولم تكن حركة الثاني منهما عارضة (اخْصُصَ أَبِي)، ولا ما هما فيه مُلحقاً بغيره وهو:(هَيْلَلَ) .. (هَيْلَلَ) مُلْحَق بـ: (دَحْرَجَ)، فإن تَصدَّرا فلا إدغام مثل:(دَدَنْ)، وكذا إن وُجِدَ واحدٌ مِمَّا سبق ذكره:

ص: 28

فالأول كـ: صُفَفْ ودُرَرْ، والثاني كـ: ذُلُلْ وجُدُدْ، والثالث: كِلَلْ وَلِمَمْ، والرابع: طَلَلْ وَلَبَبْ، والخامس: جُسَّس، جمع (جَاسٍّ) اسم فاعل من جسَّ الشيء إذا لمسه، والسادس كـ: اخْصُصْ أبِيْ، وأصله: اخْصُصْ أَبِيْ، بتحقيق الهمزة، فَنُقِلَت حركة الهمزة إلى الصَّاد قبلها، ثُمَّ حُذِفَت، فصارت حركة الصَّاد هنا الثانية عارضة لا لازمة، والشَّرط: أن تكون لازمة.

والسابع نحو: هَيْلَلَ، أي: أكثر من قول: لا إله إلا الله، ونحوُه: قَرْدَدٌ وَمَهْدَدٌ، الدَّال الثانية في (قَرْدَدْ) للإلحاق بـ:(جَعْفَر)، (وَمَهْدَدٌ) الدَّال الثانية للإلحاق بـ:(جَعْفَر).

إذاً: ما كان الثاني فيه للإلحاق لا يُدْغَم، وإنَّما امتنع الإدغام في هذه المواضع السبعة لِمَا فيها من مانعٍ قام بها، أمَّا الثلاثة الأُوَل فإنها مُخالفةٌ لوزن الأفعال وهو:(فُعَلْ) .. (صُفَفْ) و (ذُلَلْ) و (كِلَلْ) هذه الأوزان مُخالِفة لأوزان الأفعال، والإدغام أصلٌ في الأفعال، كأنَّه قام بها ما هو من خصائصها فأبعدها عن شبه الفعل فلم تُدْغَم، هذا مرادهم، والإدغام أصلٌ في الأفعال فَأُظْهِرَت لبعدها عنها.

وأمَّا الرابع وهو (لَبَبْ) فلِخفَّة الفتحة، وفي إظهاره تنبيهٌ على ضعف الإدغام في الأسماء، لأنَّ نظيره من الأفعال واجب الإدغام نحو:(رَدَّ) أصله: (رَدَدْ)(وَلَبَبْ) مثله أُدْغِمَ في الفعل ولم يُدْغَم في الاسم، دَلَّ على أنَّه ضعيفٌ في الأسماء، وأصلٌ في الأفعال، (رَدَّ) هذا بالإدغام، مثله (لَبَبْ) ما قيل:(لَبَّ)، لكن نقول:(لَبَّ) - ليس لَبَّ تلبيةً هناك شيء ثاني - (لَبَّ) بالإدغام هنا نقول: فُكَّ، دليلٌ على أنَّه ضعيف مع كونه مثيلاً له في الفعل قد أُدْغِمَا.

وأمَّا الخامس: (جُسِّسَ) فإنَّه وإن واجتمع فيه مثلان مُتحرِّكان المثل الأول مُدْغَمٌ فيه ساكنٌ قبله، فلو أُدْغِمَ المُحرَّك الأول لالتقى ساكنان.

وأمَّا السَّادس وهو: اخْصُصْ أَبِي، فلأن الحركة الثانية عارضة.

وأمَّا السَّابع وهو (هَيْلَلَ) فلأنَّ ثاني المثلين زائدٌ للإلحاق، فلو أُدْغِمَ لخالف الملحق به في الوزن المطلوب منه موافقته، لأنَّه ما زيد اللام الثانية في (هَيْلَلَ)، ولا الدَّال الثانية في (قَرْدَدَ)، إلا من أجل أن يكون موافقاً له في الوزن والنتيجة، حينئذٍ يكون مثله في المصدر والمضارع.

قال الشَّارح: "فإن لم يكن شيء من ذلك وجب الإدغام نحو: رَدَّ وَضَنَّ، أي: بَخِلَ، وَلَبَّ والأصل: رَدَدَ وَضَنِنَ وَلَبُبَ، وأشار بقوله:

. . . . وَشَذَّ فِي أَلِلْ

وَنَحْوِهِ فَكٌّ بِنَقْلٍ فَقُبِلْ

إلى أنَّه قد جاء الفَكُّ في ألفاظٍ قياسها وجوب الإدغام لتَوَفُّر شروطها، فَجُعَِل شَاذًّا يُحْفَظُ ولا يُقَاس عليه نحو: أَلِلَ السِّقَاء، إذا تَغَيَّرت رائحته، والأصل:(أَلَّ) لكن ما أُدْغِمَ مع وجود شرط الإدغام، وَلَحِحَت عينه إذا التصقت بالرَّمَص" (لَحِحَت) الأصل:(لَحَّتْ) لكن ما أُدْغِمَ.

إذاً:

أَوَّلَ مِثْلَينِ مُحَرَّكَيْنِ فِي

كِلْمَةٍ ادْغِمْ. . . . . . . . .

ص: 29

هذا واجب الإدغام، وأمَّا قوله:(لَا كَمِثْلِ) إلى قوله: (كَهَيْلَلَ)، هذا واجب الإظهار، فأشار إلى القسمين بهذين النَّوعين.

قوله: (لَا كَمِثْلِ)(لَا) حرف عطف، والمعطوف عليه محذوف، والتَّقدير: أول مثلين مُحرَّكين أدغم في أوزانٍ مخصوصةٍ محفوظةٍ لَا كَمِثْلِ.

إذاً: (لَا) عاطفة، والمعطوف عليه محذوف، (كَمِثْلِ) الكاف زائدة، كقوله:((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) [الشورى:11] فالكاف تُعْتَبَر زائدة، (مِثْلِ) مضاف، و (صُفَفِ) مضافٌ إليه.

وَذُلُلٍ وَكِلَلٍ وَلُبَبِ ..

هذه كلها معطوفات عليها، (ولَا كَجُسَّسٍ)(لَا) زائدة، (كَجُسَّسٍ) جار ومجرور معطوف على قوله:(كَمِثْلِ)، (وَلَا كَاخْصُصَ أَبِي)(لَا) زائدة، (كَاخْصُصْ) معطوف على ما قبله، (وَلَا كَهَيْلَلَ) إذاً: الكافات هذه كلها معطوفات على ما قبلها.

(وَشَذَّ فَكٌّ) هذا فاعل، (شَذَّ فَكٌّ فِي أَلِلْ) (فِي أَلِلْ) جار ومجرور مُتعلَّق بقوله:(شَذَّ)(وَنَحْوِهِ) معطوفٌ عليه، (بِنَقْلٍ فَقُبِلْ)، (بِنَقْلٍ) هذا جار ومجرور مُتعلَّق بقوله:(فَكٌّ) لأنَّه مصدر يعني: بسماعٍ، (فَقُبِلَ) الفاء عاطفة، (قُبِلَ) الذي هو النَّقل.

ثُمَّ قَال:

وَحَيِيَ افْكُكْ وَادَّغِمْ دَونَ حَذَرْ

كَذَاكَ نَحْوُ تَتَجَلَّى وَاسْتَتَرْ

هذا فيه إشارة إلى ما يجوز فيه الإدغام والفك، يعني: ما يجوز فيه الوجهان وهو: (حَيِيَ) على وزن (فَعِلَ) ما كان المثلان فيه ياءين لازماً تحريكهما نحو (حَيِيَ) و (عَيِيَ) هنا فيه ياءان لازماً تحريكهما، نقول: ما كان على وزن (فَعِلَ)، وكانت عينه ولامه ياءٌ لازمٌ تحريكهما جاز فيه الوجهان:(حَيَّ) بالإدغام، (حَيِيَ) فيه وجهان: الفَكُّ والإدغام.

(وَحَيِيَ افْكُكْ وَادَّغِمْ) إذاً: الفَكُّ مُقدَّمٌ على الإدغام، لأنَّه قَدَّمه فقال:(حَيِيَ) على وزن (فَعِلَ) وهو مفعولٌ به لقوله (افْكُكْ)(افْكُكْ) فعل أمر والفاعل أنت، (وَحَيِيَ) مفعولٌ مُقدَّم له، (وَادَّغِمْ) فعل أمر والمفعول محذوف (ادَّغِمْ) .. (حَيِيَ) أيضاً مثله، حُذِفَ لدلالة ما قبله عليه، (دَونَ حَذَرْ) دون فَعَلْ.

كَذَاكَ نَحْوُ تَتَجَلَّى وَاسْتَتَرْ ..

(تَتَجَلَّى) هذا موضع ثاني مِمَّا يجوز فيه الوجهان: وهو ما كان فعل مضارع مبدوءٌ بتاءين، الفعل الماضي إذا كان مبدوءً بالتاء وزيدت عليه تاء المضارعة اجتمع عندنا مثلان، يجوز الإدغام ويجوز الفك، فمن فَكَّ حينئذٍ كان على القياس، ومن أدغم حينئذٍ كان على خلاف القياس، بل بعضهم لم يُجَوِّز الإدغام أصلاً، لأنَّك لو أدغمت سَكَّنت التاء الأولى حينئذٍ احتجت إلى همزة الوصل، وهمزة الوصل لا تدخل على المضارع البَتَّة، فإذا قلت:(تَتَجَلَّى) حينئذٍ تقول: (اتَّجَلَّى) فاحتجت إلى همزة الوصل، همزة الوصل لا تدخل على أول الفعل المضارع، وإنَّما هي خاصَّةٌ بما ذكرناه سابقاً، وهذا هو الظَّاهر.

وَحَيِيَ افْكُكْ وَادَّغِمْ دَونَ حَذَرْ

كَذَاكَ. . . . . . . . . . . .

ص: 30

(كَذَاكَ) خبر مُقدَّم، (نَحْوُ) مبتدأ مُؤخَّر وهو مضاف، و (تَتَجَلَّى) مضافٌ إليه، (وَاسْتَتَرْ) هذا أشار به إلى ما كان على وزن (افْتَعَلَ) إذا وقعت التاء ثُمَّ العين تاءً، هل يُقَال:(اسْتَرَّ) و (اسْتَتَر) بالفَكِّ؟ نقول: نعم يجوز الوجهان، وهنا لا إشكال فيه كما وُجِّه الإشكال في الفعل السابق.

أشار في هذا البيت إلى ما يجوز فيه الإدغام والفك، وقد ذكر ثلاثة مواضع، وَفُهِمَ منه: أنَّ ما ذكره قبل ذلك واجب الإدغام. -ليس فُهِمَ منه بل هو نص قال: (ادَّغِمْ) -.

والمراد بـ: (حَيِيَ) ما كان المثلان فيه ياءين لازماً تحريكهما نحو: حَيِىَ وَعَيِيَ، فمن أدغم نظر إلى أنَّهما مثلان متحرِّكان بحركةٍ لازمة، هذا من أدغم، ومن فكَّ نظر إلى أنَّ الحركة الثانية كالعارضة (حَيِيَ) لوجودها في الماضي دون المضارع، لأنَّ مضارعه (يَحْيَى) والفكُّ أجود هنا ولذلك النَّاظم قدَّمه على غيره، قال:(وَحَيِيَ افْكُكْ وَادَّغِمْ) جوَّز الوجهين في (حَيِيَ).

فيجوز الإدغام نحو (حَيَّ وَعَيَّ) فلو كانت حركة أحد المثلين عارضةً بسبب العوامل لم يجز الإدغام اتفاقاً نحو: لَنْ يُحْيِيَ، لأنَّ الياء الثانية حُرِّكَت للنَّاصب (لَنْ) عارضة، دخلت فحرَّكت الياء صار:(لن يُحْيِيَ) تحرَّكت الياء الثانية للنَّاصب إذاً: هي عارضة، حركات الإعراب كلها عارضة.

وأشار بقوله:

كَذَاكَ نَحْوُ تَتَجَلَّى وَاسْتَتَرْ ..

إلى أن الفعل المبتدأ بتاءين مثل: (تَتَجَلَّى) يجوز فيه الفكُّ والإدغام، فمن فَكَّ وهو القياس نظر إلى أن المثلين مُصَدَّرَان، وسبق الاشتراط: أنَّه لا إدغام مع التَّصدير (دَدَنْ) لا إدغام، لأنَّك لو أدغمت لاحتجت إلى همزة الوصل، لأنَّك سَتُسَكِّن الأول.

إذاً: فمن فَكَّ وهو القياس نظر إلى أنَّ المثلين مصدَّران، ومن أدغم أراد التَّخفيف، حينئذٍ يسكن أوله فيقول:(اتَّجَلَّى) هذا فيه إشكال، وهو أنَّه فعل مضارع افتتح بهمزة الوصل، وابن هشام يقول:"لم يخلق الله عز وجل همزة الوصل للمضارع" ولذلك حكم عليه بأنَّه شاذ.

فَيُدْغَم أحد المثلين في الآخر فَتَسْكُن إحدى التاءين فَيُؤْتَى بهمزة الوصل تَوَصُّلاً للنُّطق بالسَّاكن، وفيه نظر لأن همزة الوصل لا تدخل على أول المضارع، فإن سُمِعَ فحينئذٍ يُحْفَظ ولا يقاس عليه، وكذلك قياس تاء (اسْتَتَرْ) الفَكُّ لسكون ما قبل المثلين، يعني: وهو كل فِعْلٍ على وزن (افْتَعَلَ) اجتمع فيه تاءان، هذا أيضاً قياسه الفكُّ، ليبقى ما قبله ساكناً ويجوز إدغامه بعد نقل حركته إلى السَّاكن قبله فتذهب همزة الوصل فيصير (سَتَّر)، (اسْتَتَر) احتجنا إلى همزة الوصل همزة الوصل للتَّمكُّن من الابتداء بالسَّاكن، فلمَّا أدغمنا حينئذٍ تحرَّك السَّابق، لأنَّك تقول:(اسْتَ) لا تُدْغِم التاء الأولى إلا بعد إسقاط حركتها على ما قبلها، تحرَّكت السين إذاً: ذهبت همزة الوصل فقيل (سَتَّرَ).

قال الشَّارح: "وكذلك قياس تاء (اسْتَتَرْ) الفَكُّ لسكون ما قبل المثلين، ويجوز الإدغام فيه بعد نقل حركة أول المثلين إلى الساكن نحو: سَتَّرَ يَسَّتِّرُ سِتَّارا" يعني: في المصدر وفي الفعل الماضي والفعل المضارع.

ص: 31

وَمَا بِتَاءَيْنِ ابْتُدِي قَدْ يُقْتَصَرْ

فِيهِ عَلَى تَا كَتَبَيَّنُ الْعِبَرْ

الفعل المضارع إذا بُدِءَ بتاءين جاز حذف إحدى التاءين واخْتُلِفَ في أي التاءين المحذوفة والصواب: أنَّه تاء الماضي، حينئذٍ:((نَاراً تَلَظَّى)) [الليل:14] أصلها: (تَتَلَظَّى) حُذِفَت إحدى التاءين، لأنَّ الماضي:(تَلَظَّى) دخلت عليه التاء صار: (تَتَلَظَّى)((فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى)) [عبس:6](تَتَصَدَّى) هذا مثله.

(وَمَا) مبتدأ (بِتَاءَيْنِ ابْتُدِي)(بِتَاءَيْنِ) جار ومجرور مُتعلَّق بقوله: (ابْتُدِي) وجملة (ابْتُدِي) لا محلَّ لها من الإعراب صلة الموصول، وهو مُغيَّر الصِّيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (مَا)، (قَدْ يُقْتَصَرْ)(قَدْ) للتَّقليل، (يُقْتَصَرْ) الجملة خبر المبتدأ.

(يُقْتَصَرْ) مُغيَّر الصِّيغة و (فِيهِ) نائب فاعل (عَلَى تَا)، (يُقْتَصَرْ فِيهِ) يعني: ما ابتدئ بتاءين من الفعل المضارع (يُقْتَصَرْ فِيهِ) في ذلك الفعل (عَلَى تَاءٍ) واحدة، قصره للضرَّورة، وهو جار ومجرور مُتعلَّق بقوله (يُقْتَصَرْ)، (كَتَبَيَّن) الأصل (تَتَبَيَّن) فيه ثِقَل، حينئذٍ اكتفينا بإحدى التاءين، (كَتَبَيَّنُ الْعِبَرْ) يعني قولك:(تَبَيَّنُ) هذا فعل مضارع و (الْعِبَرْ) فاعله.

(وَمَا بِتَاءَيْنِ ابْتُدِي) والأصل: أنَّه يجوز فيها ثلاثة أوجه .. هذا الأصل في التاءين .. على ما ذكره النَّاظم فيما سبق، لأنَّه قال:(تَتَجَلَّى) فيه الإظهار وفيه الإدغام وفيه حذف إحدى التاءين، بهذا البيت مع ما سبق حينئذٍ (تَتَجَلَّى .. تَجَلَّى) بحذف إحدى التاءين، وهو الذي عناه بهذا البيت.

(اتَّجَلَّى) بالإدغام، ماذا بقي؟ الإظهار:(تَتَجَلَّى) تبقى كما هي، إذاً: ثلاثة أوجه فيما افْتُتِحَ بتاءين.

وَمَا بِتَاءَيْنِ ابْتُدِي قَدْ يُقْتَصَرْ

فِيهِ عَلَى تَا كَتَبَيَّنُ الْعِبَرْ

هذا أيضاً من باب (تَتَجَلَّى)، وهو الفعل المضارع الذي اجتمع في أوله تاءان أُولاهما للمضارعة، والثانية تاء (تَفَعَّل أو تَفَاعَلَ)، إذاً: هذا من باب (تَتَجَلَّى) وهو الفعل المضارع الذي اجتمع في أوله تاءان أولاهما للمضارعة، والثانية تاء (تَفَعَّل أو تَفَاعَلَ).

وقد سبق أنَّه يجوز فيه الإدغام واجتلاب همزة الوصل، وذكر هنا: أنَّه يجوز فيه حذف إحدى التاءين والاستغناء عنها بالأخرى، ولم يُعيِّن المحذوفة .. أيُّ التاءين؟

وَمَا بِتَاءَيْنِ ابْتُدِي قَدْ يُقْتَصَرْ

فِيهِ عَلَى تَا. . . . . . .

لم يبيِّن أي التاءين؟ قيل: الأولى، والصواب: أنَّها الثانية.

ولم يعيِّن المحذوفة، والمشهور أنَّها الثانية، لأنَّ الأولى تدلُّ على معنى المضارعة.

قال الشَّارح: "يقال في (تَتَعَلَّم وَتَتَنَزَّل وَتَتَبَيَّن) ونحوها: (تَعَلَّمُ .. تَنَزَّلُ. تَبَيَّنُ) بحذف إحدى التاءين وإبقاء الأخرى، وهو كثير جداً ومنه قوله تعالى: ((تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا)) [القدر:4] .. ((فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى)) [عبس:6] .. ((نَاراً تَلَظَّى)) [الليل:14] ".

وَفُكَّ حَيْثُ مُدْغَمٌ فِيْهِ سَكَنْ

لِكَوْنِهِ بِمُضْمَرِ الرَّفْعِ اقْتَرَنْ

ص: 32

نَحْوُ حَلَلْتُ مَا حَلَلْتَهُ وَفِي

جَزْمٍ وَشِبْهِ الْجَزْمِ تَخْيِيرٌ قُفِي

(وَفُكَّ) أمر، ومفعوله محذوف أي: فُكَّ المدغم فيه، متى؟

. . حَيْثُ مُدْغَمٌ فِيْهِ سَكَنْ

لِكَوْنِهِ بِمُضْمَرِ الرَّفْعِ اقْتَرَنْ

الثاني: من الحرفين يكون متحرِّكاً، حينئذٍ إذا اتَّصل بضمير رفعٍ متَّصل وجب إسكان آخر الفعل، حينئذٍ لزم أن يُسَكَّن ثاني الحرفين يعني: المُدْغَم فيه، وإذا سكن الثاني حينئذٍ فقد شرط الإدغام فوجب فَكُّ الإدغام.

(ظَنَّ) تقول: (ظَنَنْتُ، (ردَّ .. رَدَدْتُ) إذاً: فككت الإدغام لكون الثاني قد سُكِّنَ والأصل فيه: أن يكون متحرِّكاً.

(وَفُكََّ) فعل أمر والفاعل أنت، (حَيْثُ) ظرف مكان، (مُدْغَمٌ فِيْهِ سَكَنْ)(مُدْغَمٌ) مبتدأ و (فِيْه) نائب فاعل، (مُدْغَمٌ) مُغيَّر الصِّيغة، (مُدْغَمٌ) هذا اسم مفعول يطلب نائب فاعل، إذاً:(فِيْهِ) هذا نائب فاعل، (سَكَنْ) أي: المدغم فيه (سَكَنَ) لماذا؟

لِكَوْنِهِ بِمُضْمَرِ الرَّفْعِ اقْتَرَنْ ..

(لِكَوْنِهِ) هذا جار ومجرور مُتعلَّق بقوله: (فُكَّ) .. تعليل، لأنه لماذا (فُكَّ)؟ (لِكَوْنِهِ) لكون هذا المدغم فيه (بِمُضْمَرِ الرَّفْعِ اقْتَرَنْ) لكونه اقترن بمضمر الرَّفع، (بِمُضْمَرِ) جار ومجرور مُتعلَّق بقوله:(اقْتَرَنْ)، و (مُضْمَر) مضاف، و (الرَّفْعِ) مضاف إليه، و (اقْتَرَنْ) خبر الكون، و (لِكَوْنِهِ)(كَوْن) مصدر مضاف إلى الاسم، أين خبره؟ (اقْتَرَنَ) لكونه بمضمر الرفع مقترناً، هذا الأصل.

(نَحْوُ حَلَلْتُ مَا حَلَلْتَهُ) أصله: (حَلَّ) بإدغام الأول في الثاني، إذا قلت:(حَلَلْتُ) سُكِّن آخره وهو اللام لكونه اتَّصل بضمير الرفع المُتحرِّك كما هو شأن المبني، حينئذٍ فُكَّ الإدغام، وهذا معلوم واضح.

فقوله: (حَلَلْتُ مَا حَلَلْتَهُ) قُصِدَ لفظه، و (نَحْوُ) مضاف، و (حَلَلْتُ مَا حَلَلْتَهُ) مضافٌ إليه قُصِدَ لفظه، و (نَحْوُ) هذا خبر مبتدأ محذوف، فـ:(حَلَلْتُ) أصله قبل اتِّصال الضمير (حَلَّ) بالإدغام.

. . . . . . . . . . . . . وَفِي

جَزْمٍ وَشِبْهِ الْجَزْمِ تَخْيِيرٌ قُفِي

إذاً: إذا اتَّصَل بضمير رفعٍ مُتحرِّك فُكَّ الإدغامُ، وأمَّا إذا سكن آخره للجزم، أو كان فعلَ أمرٍ، فأنت مُخَيَّرٌ بين الفَكِّ وبين الإدغام: لَمْ يَرُدَّ .. لَمْ يَرْدُدْ، لَمْ يَحُلَّ .. لَمْ يَحْلُلْ، كذلك: أُرْدُدْ .. رُدَّ، (رُدَّ) هذا فعل أمر .. بالإدغام، (ارْدُدْ) بالفَكِّ، فأنت مُخيَّرٌ بين الاثنين.

وَفِي جَزْمٍ وَشِبْهِ الْجَزْمِ ..

ص: 33

(فِي جَزْمٍ) هذا خبر مُقدَّم، (وَشِبْهِ الْجَزْمِ) معطوفٌ على (جَزْمِ)، والمراد بـ:(شِبْهِ الْجَزْمِ) هنا: ما سكن آخره في فعل الأمر، وإنَّما جعل فعل الأمر شبيهاً بالجزم، لأننا نقول القاعدة: أنَّ فعل الأمر مَبْنِيٌّ على ما يُجْزَم به مضارعه، فألحقه به، يعني: من باب التَّوسُّع في اللفظ، وإلا المبني لا يُعَبَّر عنه بالجزم، لأنَّه فعل أمر وهو مبني فلا يُقَال فيه: مجزوم، لَكنَّه قال:(شِبْهِ الْجَزْمِ) لأنَّه يكون بالسكون، ويكون بحذف حرف العِلَّة، وبحذف النون، كما أنَّ الجزم في الفعل المضارع يكون بالسُّكون، ويكون بحذف حرف العِلَّة، وبحذف النون.

(تَخْيِيرٌ قُفِي)(تَخْيِيرٌ) مبتدأ، و (قُفِي) يعني: تُبِعَ، هذا خبره، و (قُفِي) مُغيَّر الصِّيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (تَخْيِير)، وإنمَّا خَيَّر النَّاظم في الوجهين، لأنَّ المتُكلِّم به يجوز له أن يَتَكلَّم باللغتين معاً، يعني: إذا قيل (تَخْيِيرٌ قُفِي) معناه: من فَكَّ له أن يُدْغِمْ، ومن أدغم له أن يفك؟ لا .. المراد: المُتكلِّم الذي ليس في لغته الإدغام، فله أن يَفُك، ولا يجوز له أن يُدْغِمْ، والعكس بالعكس، فالتَّخيير هنا واقع للمُتكلِّم الذي يختار، لا أنَّ العربيّ الذي لغته الفك مُخيَّرٌ، لأنَّه لا ينطق به إلا مُفَكَّكَاً، هذا الأصل، وكذلك الذي لغته الإدغام لا ينطق به إلا مُدْغَمَاً.

إذاً:

وَفُكََّ حَيْثُ مُدْغَمٌ فِيْهِ سَكَنْ

لِكَوْنِهِ بِمُضْمَرِ الرَّفْعِ اقْتَرَنْ

نَحْوُ حَلَلْتُ مَا حَلَلْتَهُ. . . .

. . . . . . . . . . . . . . . .. . . .

هذا موضع.

والموضع الثاني، هذا واجب هناك فَكُّ الإدغام.

. . . . . . . . . . . . وَفِي

جَزْمٍ وَشِبْهِ الْجَزْمِ تَخْيِيرٌ. . .

في هذين الموضعين أنت مُخيَّر.

قال الشَّارح: "إذا اتَّصَل بالفعل المُدْغَمِ عينُه في لامه ضميرُ رفع سكن آخرُه" مثل: ظَنَّ وَرَدَّ، إذا اتَّصَل به ضمير رفعٍ سكن آخره، (ضمير رفع) ضمير المُتكلَّم، أو المخاطب، أو المخاطبة، أو نون الإناث.

فيجب حينئذٍ الفَكُّ، إذ لا يُتَصَوَّر الإدغام في ساكن، لأنَّ الثاني سُكِّن، نحو: حَلَلْتُ وَحَلَلْنَا، والهندات حَلَلْنَ، فإذا دخل عليه جازم جاز الفك نحو: لَمْ يَحْلُلْ.

ومنه قوله تعالى: ((وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي)) [طه:81] .. ((وَمَنْ يَرْتَدِدْ)) [البقرة:217] والفك لغة أهل الحجاز، وبلغتهم جاء القرآن غالباً، وجاز الإدغام نحو: لَمْ يَحُلَّ، حينئذٍ إذا أدغمتَ جاز لك ثلاثة أوجه في اللام .. في فعل الأمر، وفي المضارع: إمَّا الكسر، وإمَّا الفتح، وإمَّا الإتباع.

إمَّا الكسر على الأصل: وهو التَّخلُّص من التقاء الساكنين.

وإمَّا الفتح طلباً للتَّخفيف، يعني: التَّخلُّص من التقاء الساكنين لكن بالفتح، لأنَّ الكسر لا يدخل الفعل فتحذف الفتحة.

وإمَّا الإتباع يعني: لحركة العين.

هنا (يَحْلُلْ) اللام مضموم العين، فيجوز فيها ثلاثة أوجه، فحينئذٍ تقول: لَمْ يَحُلَّ .. لَمْ يَحُلِّ .. لَمْ يَحُلُّ.

ص: 34

ومنه قوله تعالى: ((وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ)) [الحشر:4] هنا بالإدغام، وهي لغة تميم، والمراد بـ:(شِبْهِ الْجَزْمِ) سكون الآخر في الأمر نحو: (اُحْلُلْ)، وإن شئت قلت:(حُلَّ) أيضاً فيه ثلاثة أوجه: حُلَّ .. حُلِّ .. حُلُّ، وأمَّا إذا كانت العين مفتوحة أو مكسورة لم يجز إلا وجهين، لأنَّه يمتنع الضَّمَّ، لأنَّ العين مفتوحة وحينئذٍ جاز لك الفتح من جهتين:

إمَّا لكون العين مفتوحة، فحينئذٍ من باب الإتباع.

أو الانتقال من الكسر إلى الفتح طلباً لمناسبة الفعل.

لأنَّ حُكْم الأمر كحكم المضارع المجزوم.

ثُمَّ قال:

وَفَكُّ أَفْعِلْ فِي التَّعَجُّبِ الْتُزِمْ

وَالْتُزِمَ الإِدْغَامُ أَيْضاً فِي هَلُمّ

يعني: أنَّ (أَفْعِلْ فِي التَّعَجُّبِ) يلزم فكه .. واجب، وليس حكمه حكم فعل الأمر من جواز الوجهين، لأنَّ (أَفْعِلْ) ظاهره أنَّه صورة الأمر، كذلك (هَلُمَّ) معناه: الأمر، وحينئذٍ التزم الإدغام فيهما.

وَفَكُّ أَفْعِلْ فِي التَّعَجُّبِ الْتُزِمْ ..

يعني: لا يجوز فيه الوجهان، وإنَّما يجب فيه الفك.

(فَكُّ) هذا مبتدأ وهو مضاف، و (أَفْعِلْ) مضافٌ إليه، (فِي التَّعَجُّبِ) حالٌ من (أَفْعِلْ)، (الْتُزِمَ) مُغيَّر الصِّيغة وهو خبر، ونائب الفاعل يعود على (فَكُّ) .. الْتُزِمَ الفَكُّ.

وَالْتُزِمَ الإِدْغَامُ أَيْضاً فِي هَلُمّ ..

(هَلُمَّ) لثقلها بالتَّركيب، ومن ثَمَّ يُلْتَزَم في آخرها الفتح، لأنَّه طلباً للتَّخفيف، وأصله:(هَلْمُمْ) فَنُقِلَت الضَّمَّة إلى اللام، وَأُدْغِمَت الميم في الميم ومعناه: أقبل.

وهي عند أهل الحجاز اسم فعلٍ، وَيُخَاطَبُ بها عندهم الواحد والمثنَّى والمجموع بصيغةٍ واحدة، وإنَّما ذكرها النَّاظم هنا باعتبار لغة تميم، فإنَّها عندهم فعل أمرٍ لا يَتَصَرَّف، يعني: جامد، وحينئذٍ يُعَامَل المخاطب بالتَّثنية والجمع بإلحاق الحروف بها .. الضمائر، ولذلك يقولون في التَّثنية:(هَلُما)، وفي المُؤنَّثة:(هَلُمي)، وفي الجمع:(هَلُمُّوا)، وللنساء:(هَلْمُمْنَ) حينئذٍ عاملوها معاملة الفعل مُطلقاً.

وَفَكُّ أَفْعِلْ فِي التَّعَجُّبِ الْتُزِمْ

وَالْتُزِمَ الإِدْغَامُ أَيْضاً فِي هَلُمّ

(الْتُزِمَ الإِدْغَامُ)(الْتُزِمَ) مُغيَّر الصِّيغة، و (الإِدْغَامُ) نائب فاعل، و (أَيْضاً) هذا مفعول مطلق، (فِي هَلُمَّ) (هَلُمّ) جار ومجرور مُتعلَّق بقوله:(الْتُزِمَ).

إذاً: هذا الإدغام على ثلاثة أنواع: واجب الإدغام، وواجب الإظهار، وجائز الوجهين، ابن هشام ذكر مجموعة شروط نأتي عليها بسرعةٍ.

يجب إدغام أول المثلين المتحركين بأحد عشر شرطاً، -جملتها ما سبق .. النَّاظم ذكرها مُوَزَّعَة-:

الأول: أن يكونا في كلمةٍ واحدة كـ: شَدَّ ومَلَّ وحَبَّ، أصلهن: شَدَدَ، على وزن (فَعَلْ) بالفتح، (ومَلِلَ) بالكسر، (وحَبُبَ) بالضَّمِّ، يعني: مثال لـ: (فَعَلَ) و (فَعِلَ) و (فَعُلَ)، فإن كانا في كلمتين مثل: جَعَلَ لَكَ، حينئذٍ جاز الإدغام ولا يجب.

الثاني: ألَا يَتَصَدَّرَ أولهما كما في (دَدَن).

الثالث: ألا يَتَّصِلَ أولهما بِمُدْغَمٍ كـ: (جُسَّسٍ) جمع (جاسٍّ).

ص: 35

الرابع: ألا يكونا في وزنٍ مُلحقٍ بغيره، سواءٌ كان الملحق أحد المثلين كـ: قَرْدَد ومَهْدَد، أو غيرهما كـ: هَيْلَل، أو كليهما نحو: اقْعَنْسَس، اقْعَنْسَس السين والسين للإلحاق، فإنها ملحقةٌ بـ: جَعْفَرَ وَدَحْرَجَ وَاحْرَنْجَمَ.

الخامس والسادس والسابع والثامن: ألا يكون في اسم على (فَعَلْ) بفتحتين كـ: طَلَل وَمَدَدْ، أو (فُعُلْ) بِضَمَّتَيْن كـ: ذُلُل وجُدُد جمع جَدِيد، أو (فِعَلْ) بكسر أوله وفتح ثانيه نحو: لِمَمْ وكِلَل، أو (فُعَل) بِضَمِّ أوله وفتح ثانيه نحو: دُرَرْ وجُدَد، جمع جُدَّة، وهي الطريقة في الجبل.

وفي هذه الأنواع السبعة الأخيرة يمتنع الإدغام، التي ذكرها النَّاظم سبعة مواضع يجب فيها الإظهار ولا يجوز الإدغام. والثلاثة الباقية: ألا تكون حركة ثانيهما عارضة نحو: أخْصُصْ أبي، واكْفُفِ الشَّرَّ، نقول: الفاء الثانية حُرِّكَت للتَّخلُّص من التقاء الساكنين فهي حركة عارضة، فلا تدغَم فيها الفاء الأولى.

وألا يكون المثلان ياءين لازماً تحريك ثانيهما نحو: حَيِىَ وَعَيِيَ، ولا تاءين في (افْتَعَلَ) كـ: اسْتَتَر واقْتَتَلَ، وفي هذه الصور الثلاث يجوز الإدغام والفك، قال تعالى:((وَيَحْيَا مَنْ حَيِيَ عَنْ بَيِّنَةٍ)) [الأنفال:42] وجاء: (مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) بالقراءتين، يعني: أدغم وفُكَّ.

فتقول: اسْتَتَرَ واقْتَتَلَ، وإذا أردت الإدغام نقلت حركة الأولى إلى الفاء، وأسقطت الهمزة للاستغناء عنها، (اسْتَتَـ) أسقطت حركة التاء الأولى إلى السين الساكنة، ثُمَّ استغنيت عن الهمزة فصار (سَتَّر). وأسقطت الهمزة للاستغناء عنها بحركة ما بعدها ثُمَّ أدغمتَ، فتقول في الماضي: سَتَّرَ وقَتَّلَ، وفي المضارع: يَسَتِّرُ ويَقَتِّلُ، بفتح أولهما، وفي المصدر: سِتَّارَاً وَقِتَّالاً.

إذاً: أحد عشر شرطاً لِصحَّة الإدغام بالشروط التي سبقت، وكلها مبثوثة في كلام النَّاظم، وَرَتَّبَها ابن هشام رحمه الله تعالى في (التَّوضيح).

ولَمَّا أتى النَّاظم على ما أراد جمعه من علم النَّحو بمعناه العام السَّابق:

مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ ..

وما وعد به في خطبته بقوله:

مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ ..

أخبر بذلك، فقال:

وَمَا بِجَمْعِهِ عُنِيْتُ قَدْ كَمَلْ

نَظْمَاً عَلَى جُلِّ الْمُهِمَّاتِ اشْتَمَلْ

أَحْصَى مِنَ الْكَافِيَةِ الْخُلَاصَهْ

كَمَا اقْتَضَى غِنَىً بِلَا خَصَاصَهْ

(وَمَا بِجَمْعِهِ عُنِيْتُ)(مَا) مبتدأ اسم موصول بِمعنى: الذي، و (عُنِيْتُ) هكذا مُغيَّر الصِّيغة، وهو لازمٌ، يعني: من الأفعال التي سُمِعَت مُغيَّرة الصيغة مَبْنِيَّةً للمجهول، ولم يُسْمَع لها مبني للمعلوم، يعني: لا يقال (عَنَيْتُ)، وإنَّما يقال:(عُنِيْتُ) فهو مُغيَّر الصِّيغة.

و (بِجَمْعِهِ) جار ومجرور مُتعلَّق بقوله: (عُنِيْتُ)، والجملة لا مَحلَّ لها صلة الموصول، (قَدْ كَمَلْ)(قَدْ) للتَّحقيق (كَمَلَ) وانتهى، هذا خبر (مَا).

نَظْمَاً عَلَى جُلِّ الْمُهِمَّاتِ اشْتَمَلْ ..

ص: 36

(نَظْمَاً) حالٌ من الهاء في بـ: (بِجَمْعِهِ)(بِجَمْعِهِ نَظْمَاً) يعني: ليس نثراً، وإنَّما هو نظم، فهو حالٌ من الضمير .. من المضاف إليه، (نَظْمَاً) أي: منظوماً .. مصدر بمعنى اسم المفعول، (عَلَى جُلِّ الْمُهِمَّاتِ) يعني: مُعْظَم (الْمُهِمَّاتِ) جمع مُهمَّة وهو الغرض، (اشْتَمَلْ) .. (عَلَى جُلِّ) جار ومجرور مُتعلَّق بقوله:(اشْتَمَلَ) نَظْمَاً اشْتَمَلْ عَلَى جُلِّ الْمُهِمَّاتِ، (اشْتَمَلْ) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر يعود على (نَظْمِ)، والجملة صفة في مَحلِّ نصب لـ:(نَظْمَاً)، (عَلَى جُلِّ الْمُهِمَّاتِ) مُتعلَّق به.

يعني: أنَّ ما عُنِي به من جمع مهمات النَّحو (قَدْ كَمُلَ)، (كَمَلَ) .. (كَمُلَ) .. (كَمِلَ) هذا مُثَلَّث الميم، وعلى معظم مقاصده وأغراضه (اشْتَمَلْ)، فَتَمَّ مُوفِيَاً لِمَا قصد من إيراده، وجاء على وفق قصده ومراده.

(أَحْصَى) هذا النَّظم، (أَحْصَى) هذه كذلك صفة لـ:(نَظْمَاً)، (أَحْصَى) بمعنى: جمع.

(مِنَ الْكَافِيَةِ الْخُلَاصَهْ) خلاصة (الْكَافِيَةِ)، ومعلوم أنَّ (الْكَافِيَةِ) هي أسبق، وهذا واضحٌ يردُّ على من قال: بأنَّ النَّاظم في المُقدِّمة في قوله: (مَقَاصِدُ النَّحْوِ) هذا اسم كتابٍ نظمه.

مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ ..

يعني: هذا الكتاب الذي اسمه (مَقَاصِدُ النَّحْوِ) محوية ومجموعة في هذا النَّظم، نقول: هنا ردَّه، قال:

أَحْصَى مِنَ الْكَافِيَةِ الْخُلَاصَهْ ..

(أَحْصَى) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر يعود على (النَّظْم)، والجملة في محلِّ نصب نعت ثاني لـ:(نَظْمَاً)، (مِنَ الْكَافِيَةِ) جار ومجرور مُتعلَّق بقوله:(أَحْصَى)، و (الْخُلَاصَهْ) مفعولٌ به.

(كَمَا اقْتَضَى)(كَمَا) الكاف هنا حرف تشبيه، و (مَا) هنا مصدريَّة، (كَمَا اقْتَضَى) النَّظم (غِنَىً بِلَا خَصَاصَةْ)، يعني: هذا النَّظم جمع خلاصة (الكافية) أي: مُعْظَمَهَا وَجُلَّهَا، و (الْخُلَاصَهْ) بمعنى: الصافي غير المشوب بما يُكَدِّرُه، وأصله: في السَّمْن يُخَلَّص مِمَّا يُغيِّره لبناً خالصاً يعني: من الشَّوائب التي تُكَدِّر عليه.

(كَمَا اقْتَضَى) هذا النَّظم (غِنَىً)، (غِنَىً) مفعولٌ لـ:(اقْتَضَى)، (بِلَا خَصَاصَةْ) يعني: بغير، (لَا) هنا بِمعنى: غير، والجار والمجرور مُتعلَّق بقوله:(غِنَىً)، (لَا) مضاف، و (خَصَاصَهْ) مضافٌ إليه.

أي: كما أخذ من مسائل العربية الغنى غير المشوب بالخصاصة، (غِنَى) يعني: الغني يأخذ من العربية ويستغني بها، وهذا الغِنى لا يكون مشوباً بِضدِّ الغنى وهو الفقر، يعني: الـ (خَصَاصَهْ) هنا بمعنى: ضِدَّ الغنى، من قولهم: اقتضيت الدَّين إذا أخذته مُسْتَوْفِيَاً، إذاً:(بِلَا خَصَاصَهْ) بلا شائبةٍ تكون سبباً في الحَطِّ من الغني بالعربية.

ص: 37

ثُمَّ خَتَمَ بِمَا بَدَأَ بِهِ نَظْمَه، قال:(فَأَحْمَدُ اللهَ)(فَأَحْمَدُ) هذه الفاء هذه للتَّفريع أو عاطفة، و (أَحْمَدُ) فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر، ولفظ الجلالة مفعولٌ به، (مُصَلِّياً عَلَى مُحَمَّدٍ)(مُصَلِّياً) حالٌ من فاعل (أَحْمَدُ)، وسبق معنا الحمد والصلاة، (عَلَى مُحَمَّدٍ) و (مُصَلِّياً) حالٌ مَنويَّة .. حالٌ مُقدَّرة، وُكُلُّ شَيْءٍ بحسبه، يعني: أحمد الله أولاً ثُمَّ أُتْبِعُه بالصَّلاة.

حينئذٍ الأصل في الحال: أن تكون مُقارنة، ومقارنة كل شيءٍ بحسبه، فتبقى على ظاهرها .. هذا الأصل، فإن قلنا فيه إشكال نقول: حالٌ مَنْوِيَّة .. حالٌ مُقدَّرة، يعني: بعد الحمد تأتي الصلاة، (عَلَى مُحَمَّدٍ) صلى الله عليه وسلم هذا جار ومجرور مُتعلَّق بقوله:(مُصَلِّياً) لأنَّه اسم فاعل، (خَيْرِ) أفضل، بدل أو نعت من (مُحَمَّدٍ)، و (خَيْرِ) مضاف، و (نَبِيٍّ) مضافٌ إليه، و (أُرْسِلَا) الألف هذه للإطلاق، وهو فعل ماضي مُغيَّر الصِّيغة، ونائب الفاعل ضمير يعود على نَبِيٍّ، والجملة صفة لـ:(نَبِيٍّ) نَبِيٍّ مُرْسَلٍ.

إذاً: حَمِدَ الله تعالى على أنَّه أنهى هذا النَّظم مع الصَّلاة على نبينا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ووصفه بهذه الصِّفات المعلومة، والتي سبق وأن أشار إليها في أول النَّظم.

(وَآلِهِ) يعني: على مُحَمَّدٍ وآله، يعني: مصلياً على آله، عرفنا المراد بـ:(آل) أنَّه يجوز إضافته للضَّمير، وقد أضافه هنا إلى الضَّمير، ثُمَّ وصفهم بقوله:(الْغُرِّ الْكِرَامِ الْبَرَرَهْ)(غُرِّ) جمع أغر، وهو نعتٌ لـ:(آلِهِ)، و (الْبَرَرَهْ) جمع بَار، يعني: وَصْفٌ بَعْدَ وَصْفٍ، (وَصَحْبِهَ) يعني: مصليَّاً على مُحَمَّدٍ وَمُصَليَّاً على آله، وهذا بالنَّص ثابت:{اللهم صَلِّي عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّد} .

(وَصَحْبِهَ) هذا معطوف على (مُحَمَّدْ) الأول، أو على (آلِهِ)، والصَّلاة على الصَّحب كما سبق أنَّها لم يثبت فيها نص إلا أنَّه من باب القياس، ولذلك لا يُسْتَعْمَل مُفْرَدَاً مطلقاً، وإنَّما يكون تابعاً لغيره، (المُنْتَخَبِيْنَ) المختارين جمع: مُنْتَخِبْ، (الخِيَرَهْ) جمع خَيِّرْ (خِيَرَهْ) وهو كذلك بمعنى المختار.

إذاً: كما بدأ هذا النَّظم بالحمد لله عز وجل، والصَّلاة والسَّلام على النبي صلى الله عليه وسلم، ختم بما بدأ به.

ونحن كذلك نَخْتِمْ بِمَا بَدَأْنَا به وهو: أن نَحْمَد الله عز وجل على أن مَنَّ علينا بختم هذا الكتاب الطَّيِّب المبارك، الذي جمع فيه النَّاظم دُرَرَ أصول علم النَّحو وكذلك ما ألحقه بالصَّرف.

ص: 38

وَأوصِيكم: بتقوى الله عز وجل أولاً وآخراً، وألا تكون هذه الدَّورة آخر عهدكم بهذا الكتاب، وأن يبقى معكم إلى أن يشاء الله عز وجل دراسةً ومذاكرةً وحفظاً وَتَعَلُّمَاً وَتَعْلِيْمَاً، وألا تكون هذه الدَّورة مع ما فيها من ضَغْطٍ مُنَفِّرَة للطالب على أن يُحَصِّل العلم الصحيح من مَظَانِّه، وأن يستعين الله عز وجل في أن يَسْتَغِلَّ ما بقي من الأوقات في مراجعة ما سبق شرحه ومذاكرته، أو تعليقه على ما ذكرناه من (شرح ابن عقيل).

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين

!!!

ص: 39