الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* شرح الترجمة
* معنى النكرة وأنواعها
* المعرفة وأنواعها
* الضمير.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال الناظم رحمه الله تعالى:
النكرة والمعرفة، لما أنهى الكلام على ما يتعلق بالمعرب والمبني، ثنى بالنكرة والمعرفة.
قال السيوطي رحمه الله تعالى في همع الهوامع: لما كان كثير من الأحكام الآتية تبنى على التعريف والتنكير، وكانا كثيري الدور في أبواب العربية صدَّر النحاة كتب النحو بذكرهما بعد الإعراب والبناء، ثَمَّ علاقة بين هذا وذاك، يعني أكثر ما يحكم عليه من الكلام هذا معرب وهذا مبني، وهذا نكرة وهذا معرفة، لكن الفرق أن هذا معرفة وهذا نكرة هذا وصف للمفرد من حيث هو لا باعتبار كونه مركباً أو لا، وأما كون هذا معرب وهذا مبني هذا يكون بعد التركيب، ولذلك قلنا في قوله السابق: وَالاسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي، وَالاسْمُ بعد التركيب، وأما قبل التركيب فهذا لا يوصف بكونه معرباً ولا مبنياً.
وهنا التعريف والتنكير لا علاقة لهما بالتركيب، كأن تقول: زيد، لوحدها هكذا تحكم عليها بأنها معرفة، ورجل تحكم عليه أنه نكرة، إذاً: لا علاقة بين التركيب والحكم على الكلمة بكونها معرفة أو نكرة، ثَمَّ فرق بين البابين.
وقد أكثر الناس في حدودهما وليس منها حد سالم، يعني: تعريف النكرة والمعرفة كما هو الشأن في أكثر المفردات، إذا عرفت تجد الخلاف الكبير بين أهل العلم، سواء كان في النحو أو في غيره من الفنون.
وتكثر الحدود وتكثر التعاريف، هذا يرى أن هذا جنس مُخرج، وهذا يرى أنه داخل، وهذا يرى أنه فصل، ثم يعترض عليه، ولذلك يقال بأنه لا يسلم حد في الدنيا.
قال ابن مالك: من تعرض لحدهما عجز عن الوصول إليه دون استدراك عليه.
من أراد أن يُعَرِّف المعرفة أو النكرة يقول: عجز، مع كونه عرفه هو:
نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا
…
أَوْ وَاقِعٌ مَوْقِعَ مَا قَدْ ذُكِرَا
إذاً: هو أراد أن يشير إلى أن الحدود التي تذكر ولو ذكرها أهل العلم إلا أنها غير مستوفية، وهذا لأنها لو نظر إليها من حيث هي حد أو لا نقول: هي ليست بحدود، بل هي رسوم، يعني تعرف بالخاصة، وحينئذ إذا عرف الشيء بخاصته قد لا يكون مطرداً، كما هو الشأن في العلامات السابقة، قلنا: العلامات أن تكون مطردة باعتبار مدخولها، فمثلاً نقول:(أل) معرفة، يعني: من علامات الأسماء، بعض الأسماء لا يدخل عليها (أل)، هل نجعل (أل) علامة على اسمية كل المفردات والآحاد؟ ما يصلح هذا، لو جعلناها حينئذ نقول: بعض الأسماء بل كثير من الأسماء ومنها الضمائر نقول: لا تدخل تحت هذا الحد، لأن هذا يعتبر بالخاصة.
قال ابن مالك: من تعرض لحدهما عجز عن الوصول إليه دون استدراك عليه، وإذا كان الأمر كذلك فأحسن ما يتبين به المعرفة ذكر أقسامها مستقصاة ثم يقال: وما سوى ذلك نكرة.
هذا يستقيم فيما إذا كان الشيء معدوداً محصوراً، فلا نحتاج حينئذ إلى الحد ولا إلى التعريف، فنقول الضمائر كذا وكذا، المنفصلة اثنا عشر، المتصلة اثنا عشر، وهلم جرا،، فنعدها عداً.
ونقول: المعارف ستة أو سبعة وما عداها فهو نكرة، هذا فيما إذا أمكن أن يكون الشيء محصوراً، وإذا لم يكن حينئذ تذكر الحدود وتذكر التعاريف، وإذا لم يكن جامعاً في جميع أفراد المحدود حينئذ نحكم عليه بأنه أغلبي، كما هو الشأن في كثير من الحدود نقول: هي أغلبية، ومن ذلك القواعد الفقهية وبعض القواعد الأصولية، يعني يرد عليها استدراك في بعض الأفراد والآحاد نقول: هي قواعد أغلبية، ما من قاعدة إلا وشذ عنها أفراد وآحاد، وقد يدخل تحتها ما ليس منها لكنه وارد من باب الاستثناء، وحينئذ نقول: هذه ضوابط أغلبية وليست مطردة، بحيث إنها لا بد من استيفائها في كل آحاد مدخولها، ولكن نقول: هي من باب التغليب.
النكرة والمعرفة: النكرة يحتمل أنه اسم مصدر أو مصدر، اختلف فيه هل هو اسم مصدر أو مصدر؟ والصواب: أنه يفرق، فيقال فيه: إن جعلناه لنكَّر مضعف العين فعَّل فحينئذ هو اسم مصدر، إن قلنا: نكرة لنكر فعل، نقول: فعَّل لا يأتي منه المصدر على نكرة فعِل، وإنما يأتي المصدر منه على التفعيل، خرَّج يخرِّج تخريجاً، كرَّم يكرِّم تكريماً، نكَّر ينكِّر تنكيراً، فالتنكير مصدر لنكَّر، وأما نكِرة فهو اسم مصدر لنكَّر، إذا جعلنا من مضعف العين نكَّر فعَّل حينئذ نقول: هو اسم مصدر، لأن المصدر من فعَّل التفعيل، كما نقول: كرَّم يكرم تكريماً، وخرَّج يخرِّج تخريجاً، فإذا كانت التنكير قلنا: هذا مصدر لنكَّر، وإذا كان نكرة لنكَّر قلنا: هذا اسم مصدر، وإن جعلناه من نكِر فعِل كفرِح بالتخفيف بكسر العين فهو مصدر.
إذاً لو قيل: النكرة هل هو مصدر أو اسم مصدر؟ بعضهم قال: مصدر مطلقاً، وبعضهم قال: اسم مصدر مطلقاً، والصواب التفصيل: نكرة لفعَّل نكَّر اسم مصدر، ولنكِرة بالتخفيف فهو مصدر، وكذلك المعرفة هل هي مصدر أو اسم مصدر؟ القول فيها كالقول فيما سبق، عرَّف فعَّل يكون المصدر منه على التعريف، فعَّل يفعِّل، عرَّف يعرِّف تعريفاً، إذاً: هو مصدر، تعريف مصدر، والمعرفة لعرَّف اسم مصدر، وإن كان من عرِف أو عرَف فعَل من عرَف فعَل بالتخفيف حينئذ يكون مصدراً.
إذاً: معرفة يكون مصدراً ويكون اسم مصدر، إن كان من عرَف على وزن فعَل فحينئذ يكون مصدراً، وإن كان من عرَّف بالتضعيف فهو اسم مصدر؛ لأن عرَّف يأتي منه المصدر على وزن التفعيل.
النكرة والمعرفة، قدم النكرة هنا لأنها أصل، قالوا: لماذا حكمنا على النكرة بأنها أصل؟ قالوا: لأن كل اسم يندرج تحت النكرة ولا عكس، لاندراج كل معرفة تحتها من غير عكس، اندراج يعني دخول، لاندراج كل معرفة تحتها من غير عكس، لو قلت: رجل والرجل، الرجل معرف بـ (أل) مدلوله معين، أليس كذلك؟ شخص واحد الرجل إذا كانت (أل) هنا للتعريف، ورجل هذا شائع في جنس موجود، يعني لا يصدق على زيد أو عمرو أو خالد أو محمد إلى آخره على جهة التعيين، فالرجل معين، أيهما أعم من الآخر: رجل أو الرجل؟ رجل، إذاً: الرجل يدخل تحت رجل، هل رجل يدخل تحت الرجل؟ لا، لا يدخل، لماذا؟ لأن رجلاً هذا نكرة وهو شائع في جنس موجود بمعنى: أنه يصدق على آحاد كثيرة على جهة البدل، وأما الرجل فهو معين، فكل معرفة من المعارف الستة أو السبعة فهي داخلة تحت النكرات من غير عكس.
إذاً: أيهما أعم؟ النكرة أعم، وإذا كانت كذلك فهي الأصل، ولأنها لا تحتاج في دلالتها على المعنى الذي وضعت له إلى قرينة، يعني لا تحتاج إلى سبب، بخلاف المعرفة؛ فإنها تحتاج إلى سبب وإلى قرينة، وما افتقر واحتاج إلى سبب أو قرينة فرع عما لا يحتاج، لأنك لا تحكم على الكلمة أو الاسم بأنه معرفة إلا إذا اتصلت به (أل) أو كان ضميراً، أو كان علماً، أو كان اسم إشارة، أو كان موصولاً، أو كان مضافاً إلى معرفة أو منادى، إذاً: قرينة هذه، تقول: الرجل معرفة، لماذا؟ لوجود (أل)، الذي: معرفة، لماذا؟ لوجود الصلة، هذا رجل، هذا معرفة لماذا؟ نقول: معرفة، لأنه اسم إشارة بقرينة الحس، وحينئذ احتجنا إلى الحكم على المعرفة بشيء زائد على مجرد النطق باللفظ، لا بد من قرينة، وحينئذ نقول: ما احتاج في الحكم عليه بكونه معرفة إلى سبب خارج عن اللفظ فرع عما لا يحتاج، ولذلك نحكم 0رجل) نقول: هذا نكرة، لماذا نكرة؟ لا نقول لماذا نكرة؟ لأنه هكذا مطلقاً، نقول: هو نكرة، لو أردنا أن نحكم على المعرفة، الرجل معرفة، تقول: لماذا هو معرفة؟ لدخول (أل).
إذاً: ما احتاج إلى سبب نقول: هذا فرع عما لا يحتاج، بخلاف المعرفة فإنها لا تحتاج، وما يحتاج إلى شيء فرع عما لا يحتاج إليه.
النكرة والمعرفة، قال رحمه الله تعالى:
نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا
وَغَيْرُهُ مَعْرِفَةٌ
…
أَوْ وَاقِعٌ مَوْقِعَ مَا قَدْ ذُكِرَا
...................................
دل على أن القسمة ثنائية؛ لأنه قال: نَكِرَةٌ ثم عرفها، ثم قال: وَغَيْرُهُ مَعْرِفَةٌ، غير المذكور أو غير ما ذكر معرفة، وحينئذ قابل النكرة بالمعرفة، فدل على أنه لا واسطة بين النكرة والمعرفة.
وقد قال بعضهم بأن ثَمَّ ألفاظ يحكم عليها بأنها ليست بمعرفة ولا نكرة، وهو ما خلا من (أل) والتنوين، كل ما لا يدخل عليه (أل) والتنوين هو واسطة بين المعرفة والنكرة، كـ (من وما)(من) الموصولة مثلاً أو (من) الشرطية أو (من) الاستفهامية هذه لا تقبل (أل)، لا يقال: المن، ولا يقال: منن، إذاً لا تقبل التنوين ولا تقبل (أل).
كل ما خلا من (أل) ولا يقبل التنوين فهو واسطة بين المعرفة والنكرة، وهذا فاسد، يعني رده سهل، يقال: بأن الضمائر كلها لا تقبل (أل) ولا تقبل التنوين، هل نحكم عليه بأنها واسطة؟ الضمائر كلها: قمت التاء هذه ضمير وهي معرفة بإجماع لا خلاف فيه، وحينئذ هل التاء من قمت تقبل (أل)؟ لا، والتاء نحن نقول التاء هذا اسم، المسمى قمت (ت) هذا الذي في اتصل به الفعل قمت هو الذي لا يقبل (أل)، وأما التاء فهذا اسم مسماه قمت الذي اتصل به، وحينئذ نقول: الضمائر كلها لا تقبل (أل) ولا يدخلها التنوين، هل نحكم عليها بأنها واسطة؟ الجواب: لا، بإجماع، فدل على أن هذا التعليل فاسد من أصله.
إذاً قوله: نكرة، ثم قال: وَغَيْرُهُ مَعْرِفَةٌ دل على أن الاسم ينقسم بحسب التنكير والتعريف إلى قسمين اثنين لا ثالث لهما البتة، وبهذا التقسيم يرد على من أثبت الواسطة وهو ما خلا من (أل) والتنوين بأنه لا يحكم عليه بكونه معرفة ولا نكرة، ورده بوجود الضمائر، وأنها معارف بالإجماع وهي لا تقبل (أل) ولا تقبل التنوين.
نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا
…
أَوْ وَاقِعٌ مَوْقِعَ مَا قَدْ ذُكِرَا
عرَّف النكرة بعلامة أو أشبه ما يكون بالرسم، وهو نوع من أنواع التعاريف؛ لأنه يرى أن حد النكرة عسِرٌ، ولذلك قال: حد النكرة عسِرٌ، يعني: صعب، وإذا كذلك حينئذ لا بد من بيان، الطالب المبتدئ أو المتوسط لا بد أن يحكم على اللفظ بأنه معرفة أو نكرة، بماذا يحكم؟ ولذلك على ما ذكرناه سابقاً أنه لو عُدد ما حكم عليه بأنه معرفة وهي سهلة، وقيل ما عداه نكرة هذا واضح بين، فيقال: المعارف سبعة: الضمائر والعلم،، إلى آخره، وما عدا هذه فهي نكرة.
نَكِرَةٌ: هذا مبتدأ.
وقَابِلُ أَلْ: خبره، وهذا أولى من العكس.
مُؤَثِّرَا: هذا حال من المضاف إليه وهو (أل).
أوْ: للتنويع، ولا بأس بدخولها في الرسم.
وَاقِعٌ مَوْقِعَ مَا قَدْ ذُكِرَا: كأنه قال لك: النكرة نوعان باستقراء كلام العرب، الأولى: ما يقبل (أل) المؤثرة للتعريف، والثانية أو النوع الثاني: ما لا يقبل (أل) لكنه يقع موقع ما يقبل (أل) المؤثرة للتعريف، فهما قسمان داخلان تحت مفهوم النكرة؛ لأن قوله:(أو) للتنويع، وإذا كان للتنويع حينئذ نقول: المراد به تنويع مفهوم النكرة إلى نوعين، وحينئذ قوله: نكرة موضوعة للقدر المشترك بين النوعين، فيصدق على النوع الأول بأنه نكرة، ويصدق على النوع الثاني بأنه نكرة، لأن لفظ نكرة نقول: موضوع للقدر المشترك بين النوعين، ولذلك أدخل (أو) التي للتنويع.
نَكِرَةٌ: قلنا: هذا مبتدأ، وسوغ الابتداء به لأنه في معرض التقسيم، وقيل: إنه صفة لموصوف محذوف، (اسم نكرة).
نَكِرَةٌ: هذا بالتأنيث، ولكن المراد به تأنيث اللفظ لا المعنى.
قَابِلُ: هذا اسم فاعل، وهو مضاف، و (أل) مضاف إليه في محل نصب؛ لأنه في قوة قولك: يقبل (أل).
نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ: يقبل (أل)، لأن الأصل في اسم الفاعل أن يكون بمعنى الحال، فهو في قوة الفعل المضارع.
وَإِنْ يُشَابِهُ الْمُضَافَ يَفْعَلُ
…
وَصْفًا فَعَنْ تَنْكِيرِهِ لَا يُعْزَلُ
ولذلك قَابِلُ: مضاف، و (أَلْ) مضاف إليه علم قصد لفظه فهو معرفة، وحينئذ هل أُخبر بقولنا: قابل (أل) وهو نكرة عن معرفة أو نكرة عن نكرة؟ قابل أل قلنا: أضيف إلى (أل) وقصد لفظه، وإذا كان كذلك حينئذ صار علماً، هل اكتسب (قَابِلُ) التعريف من المضاف إليه؟ الجواب: لا، بخلاف: غلام زيد، غلام: نكرة، وزيد: مضاف إليه وهو معرفة، غلام زيد معرفة أو نكرة؟
معرفة؛ لأن المضاف النكرة إذا أضيف إلى معرفة اكتسب التعريف.
قَابِلُ أَلْ: قابل قلنا: هذا نكرة، و (أل) معرفة علم، مثل: غلام زيد، هل اكتسب التعريف؟ الجواب: لا؛ لأن المضاف إذا كان اسماً فاعلاً أو اسماً مفعول فالإضافة حينئذ تكون لفظية وليست إضافة محضة، فهي في قوة الفعل، ولذلك سيأتي معنا في باب الإضافة:
وَإِنْ يُشَابِهُ الْمُضَافَ يَفْعَلُ
…
وَصْفًا فَعَنْ تَنْكِيرِهِ لَا يُعْزَلُ
فهو باق على تنكيره.
إذاً: بهذا التقرير نجعل نكرة مبتدأ، وقابل أل: خبر عنه، ولا يصح العكس لكون قابل (أل) نكرة، قَابِلُ (أل): هذا نكرة، وقوله: نَكِرَةٌ، نكرة، أيهما أولى بجعل واحد منهما مبتدأً والثاني خبر؟ لو قلنا: قابل (أل) اكتسب التعريف لجعلناه معرفة ولحكمنا عليه بأنه مبتدأ، لكن كونه نكرة فحينئذ الأولى أن نجعل النكرة هي المبتدأ، قوله: نكرة هي المبتدأ، وقابل (أل) هو الخبر، يرجح هذا أن الذي يريد أن يتحدث عنه ويعرفه هو النكرة، لأنه عنون له قال: النكرة والمعرفة، النكرة غير معلومة، وحينئذ نحتاج إلى تعريفه.
وقال: نَكِرَةٌ قَابِلُ (أَلْ)، إذاً: نكرة نقول: هذا مبتدأ، وجوز أو سوغ الابتداء به كونه في معرض التقسيم أو نجعله صفة لموصوف محذوف، اسم نكرة.
قَابِلُ أَلْ: هذا خبر، وإضافته لفظية؛ لأنه بمعنى: يقبل (أل)، وقيل: تذكير قابل (أل) لأنه صفة لموصوف محذوف، أي: اسم قابل (أل)، والاسم يطلق على المذكر والمؤنث.
ووصفُ النكرة والمعرفة قائمان بالاسم، وهو مذكر كما تقول: العلامة حاضر،
الحاصل: أن قوله: نكرة: مبتدأ، وقابل أل: هذا خبره.
مُؤَثِّرَا: هذا تتميم للحد والتعريف، مؤثراً أي: حال كونه مؤثراً، (أل) مؤثراً، بمعنى: أن المضاف إليه من صفته ووصفه اللازم الذي يصح أن يجعل علامة على أن مدخوله نكرة أن يكون مؤثراً، والتأثير هنا المراد به التعريف، ولذلك نقول:(أل) معرفة، هي التي تكون علامة لكون مدخولها نكرة، وهذا بخلاف (أل) التي تذكر في مقام معرفة الاسم، هناك قلنا: بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ وَالنِّدَا وَأَلْ، هذا عام يشمل (أل) المعرفة و (أل) الزائدة و (أل) الموصولة، هنا لا يصح هذا التقسيم، هنا نقول:(أل) المراد بها المعرِّفة فحسب، إذ فرق بين علامة الاسم وعلامة النكرة، لأننا نثبت كون الكلمة اسماً، هذا أولاً، والاسم عام يشمل المعرفة ويشمل النكرة، إذاً: هو جنس تحته فردان: معرفة ونكرة، إذا أردنا أن نثبت أحد النوعين لا بد من قدر زائد على مطلق علامة الاسم، فليس كل ما كان علامة على اسمية الكلمة فهو علامة على كونها نكرة أو معرفة، والعكس صحيح، كل ما كان علامة على كون الكلمة نكرة فهو علامة على الاسمية؛ لأن إثبات الأخص يستلزم إثبات الأعم، القواعد الأربع: إثبات الأخص -الذي هو نكرة- يستلزم إثبات الأعم، إذ كل نكرة اسم ولا عكس، إذا أثبتنا الأخص بعلامة:
فَكُلُّ مَا رُبَّ عَلَيْهِ تَدْخُلُ
…
فَإِنَّهُ مُنَكَّرٌ يَا رَجُلُ
فإذا قلنا: رُبَّ رجل، أثبتنا أنه نكرة، من باب أولى أثبتنا أنه اسم، كل علامة على كون مدخول اللفظ نكرة فهو علامة على الاسمية.
إذاً نقول: ليس كل ما كان علامة على اسمية الكلمة فهو علامة على كونها نكرة، والعكس صحيح، إذ العلاقة بين الاسم والنكرة العموم والخصوص المطلق، كل نكرة اسم ولا عكس، فحينئذ إذا أثبتنا كون الكلمة اسماً لا يلزم من ذلك أن تكون نكرة، وعليه قوله في ما سبق:
بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ وَالنِّدَا وَ (أَلْ) هذا مطلق عام؛ لأننا نقصد تمييز الاسم عن الفعل والحرف، وهنا نريد أن ندخل في داخل الاسم، ففيه نكرة ومعرفة، نريد أن نميز بين النوعين، إذاً نحتاج إلى علامة أخص من مطلق علامة الاسم؟
إذاً قوله: قابل (أل) ليس كقوله السابق في علامات الأسماء، لأننا هناك نعمم، فنقول:(أل) مُعَرِّفة كالرجل، وزائدة كالعباس، وموصولة كالضارب والمضروب، هنا كل هذا لا يصلح، بل نخصص (أل) هنا بكونها مؤثرة التعريف، فحينئذ الزائدة خارجة ليست داخلة معنا، ليست على كون مدخولها نكرة، العباس، الحارث، اليزيد، نقول: هذه (أل)، هل (أل) هذه تدل على أن مدخولها نكرة؟ الجواب: لا، مع كونها تدل على أن مدخولها اسمٌ، إذاً: أثبتت الاسمية ولم تثبت النكرة، لأن مطلق (أل) يدل على الاسمية، وأما النكرة فلا بد من بعض أنواع (أل) وهي المعرِّفة التي تؤثر التعريف، يعني: يكتسب الاسم تعريفاً بدخول (أل).
كذلك: الضارب، المضروب، نقول: الضارب هذا ليس بمعرفة، هو اسم بدليل دخول (أل) الموصولة، والمضروب اسم بدليل دخول (أل) الموصولة، لكن هل هو نكرة؟ هل هو معرفة؟ (أل) هذه ليست مؤثرة التعريف في مدخولها، حينئذ انتفى عنها خاصية النكرة، فلا نحكم على المضروب والضارب بأنه معرفة؛ لأن الذي ينقله من التنكير إلى التعريف هو (أل) المعرفة وهذه موصولة.
إذاً: مُؤَثِّرَا: هذا قيد في (أل)، احترز به عن الزائدة فليست من علامات النكرة، واحترز به عن (أل) الموصولة في اسم الفاعل واسم المفعول.
نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ: حال كونه مؤثراً التعريف، ولذلك قال ابن عقيل: النكرة ما يقبل (أل) وتؤثر فيه التعريف، واحترز بقوله: وتؤثر فيه التعريف مما يقبل (أل) ولا تؤثر فيه التعريف، إذاً: عندنا (أل وأل) كعباس علماً، فإنك تقول: العباس فتدخل عليه (أل)، لكنها لم تؤثر فيه التعريف؛ لأنه معرفة قبل دخولها عليه، وَطِبْتَ النَّفْسَ، هذه لم تعرفها، هذه زائدة، وسيأتينا في (أل):
وَقَدْ تُزَادُ لَازِمَاً كَالَّلاتِ
…
... وَطِبْتَ النَّفْسَ يا قَيْسُ،،،،،
وَبَعْضُ الأَعْلَامِ عَلَيْهِ دَخَلَا
…
لِلَمْح مَا قَدْ كَانَ عَنْهُ نُقِلَا
هذه ليست معرفة، هذه زائدة ولكنها أفادت معنى وهو لمح الصفة، لمح الصفة الأصل قبل العلمية.
هذا هو النوع الأول من نوعي النكرة: ما يقبل (أل) المؤثرة للتعريف، فحينئذ (أل) هنا مقيدة بكونها معرفة احترازاً من (أل) الزائدة و (أل) الموصولية فإنها لا تفيد تعريفاً، بخلاف (أل) في معرفة الاسمية فإنها عامة، لأن المراد هناك إثبات الأعم، وهنا المراد بها إثبات الأخص، والأعم يثبت بـ (أل) مطلقاً، والأخص يثبت بـ (أل) المعرفة فحسب.
أوْ وَاقِعٌ مَوْقِعَ مَا قَدْ ذُكِرَا
هذا هو النوع الثاني من نوعي النكرة.
أوْ: ليس بقابل (أل)، لا تقبل (أل)، لكنها وقعت -يعني النكرة- وقعت موقع ما يقبل (أل)، بذاتها لا تقبل (أل) -اللفظة التي حكمنا عليها بأنها نكرة- لا تقبل (أل) بذاتها، لا تدخل عليها، وإنما نفسرها بمعنى لفظ، هذا اللفظ يقبل (أل)، فنحكم على الكلمة بأنها نكرة.
(ذو) التي بمعنى صاحب، (ذو) لو قال قائل: هل هي معرفة أو نكرة؟ هل تقول: الذو تدخل عليها أل؟ ما تقبل (أل) في ذاتها، لا تقبل (أل) لغة لا عقلاً، أما العقل يجوِّز، العقل يجوِّز أن تقول: الذو، لا بأس، لكن اللغة -لسان العرب الوضع الأصلي- يمنع أن تدخل (أل) على (ذو).
إذاً: إذا امتنع دخول (أل) المُعَرَّفة على (ذو) هل نحكم عليها بأنها معرفة، لأن النكرة هي ما يقبل (أل)؟ الجواب: لا، نقول:(ذو) هذا لفظ، نفسره بماذا؟ بمعنى صاحب، صاحب هل يقبل (أل) أو لا؟ إن قبل (أل) حينئذ حكمنا على (ذو) بأنها نكرة، لماذا؟ لأنها وقعت -اللفظ نفسه (ذو) - وقعت موقع مكان ما يقبل (أل) وهو صاحب، وهذه معدودة ألفاظ معدودة، والأصل هو الأول.
أوْ: للتنويع، تنويع مفهوم النكرة، وحينئذ نكرة هذا نقول: موضوعة للقدر المشترك بين النوعين.
أوْ: ليس بقابل لـ (أل)، لكنه واقع موقع ما يقبل (أل).
وَاقِعٌ مَوْقِعَ مَا قَدْ ذُكِرَا: (ما) أي: الذي.
قَدْ ذُكِرَا: الألف للإطلاق، وذكرا: هذا فعل ماض مغير الصيغة صلة الموصول، والضمير يعود على: قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا، وحينئذ كل لفظ فسر بمعنىً واللفظ في ذاته لا يقبل (أل) ونظرنا في المعنى الذي فسر به، إن قبل ذلك اللفظ الذي فسر به ذلك المعنى (أل) حكمنا على اللفظ الأصلي المفسَّر بأنه نكرة.
هنا قال ابن عقيل: أو يقع موقع ما يقبل (أل)، فمثال ما يقبل (أل) وتؤثر فيه التعريف: رجل، فيقال: الرجل، غلام، الغلام، مسجد، المسجد، كثير لا حصر له، ولذلك إذا كان لا حصر له من الألفاظ التي تدخل عليها (أل) ونحكم عليها بأنها نكرة قبل دخول (أل) حينئذ نقول: الضابط أغلبي، ولا بأس بهذا، فهو صحيح في نفسه، وما استثني ولم يقبل (أل) إما أن نجعله في القسم الثاني، وإما أن نقول: هذا مستثنى ونحكم عليه بما يستحقه من التعريف أو التنكير.
ومثال ما وقع ما يقبل (أل): ذو التي بمعنى صاحب، نحو: جاءني ذو مال، أي: صاحب مال، فـ (ذو) نكرة، وهي لا تقبل (أل) لكنها واقعة موقع صاحب، وصاحب يقبل (أل) فتقول: الصاحب، لكن يريد إشكال: الصاحب هذا اسم فاعل –صاحب-، وسبق أن (أل) الداخلة على اسم الفاعل موصولة، والموصولة لا تفيد تعريفاً، تفيد اسمية مدخولها لكن لا تفيد تعريفاً، وحينئذ ما الجواب؟ نقول: الصاحب وصاحب هذا استعمل استعمال الأسماء الجامدة، لكثرة استعماله نزع منه المعنى، فحينئذ صار جامداً، فصح حينئذ الاستدلال بأن (أل) الموجودة فيه الداخلة عليه أنها مؤثرة للتعريف.
نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا
…
أَوْ وَاقِعٌ مَوْقِعَ مَا قَدْ ذُكِرَا
هذا الحد أو هذا الرسم اعترض عليه بأنه غير جامع وغير مانع، أما كونه غير جامع بخروج بعض الألفاظ عنه، جاء زيد راكباً (الحال)، جاء زيد راكباً، راكباً هل يقبل (أل)؟ راكباً في هذا التركيب هل يقبل (أل)؟ لا؛ لأن الحال يشترط فيها أن تكون نكرة.
وَالْحَالُ إِنْ عُرِّفَ لَفْظاً فَاعْتَقِدْ
…
تَنْكِيرَهُ مَعْنَىً .....
إذاً: يجب أن يكون نكرة، وحينئذ هل يقبل (أل) هنا؟ لا يقبل (أل) وهذا صحيح، إذا كان لا يقبل (أل) إذاً انتفى عنه ضابط كونه نكرة.
كذلك التمييز على مذهب البصريين، وطبت نفساً، أو اشتريت رطلاً عسلاً، نقول: رطلاً عسلاً، عسلاً هذا إعرابه تمييز، هل يقبل (أل)؟ لا يقبل (أل).
كذلك اسم (لا) النافية للجنس، لا رجل في الدار، رجل لا يقبل (أل).
كذلك مدخول (رُبَّ)، رُبَّ رجل كريم لقيته، نقول: هذه كل الألفاظ الحال والتمييز واسم (لا) النافية للجنس ومدخول (رُبَّ) لا تقبل (أل)، وجوابه سهل: أن عدم قبول هذه المذكورات كلها إنما هو بعد التركيب، ليس لذات وجوهر الكلمة، فراكب لوحدها قبل جعلها حالاً تقول: الراكب، وعسلاً تقول: العسل، وكذلك رجل تقول: الرجل، ورُبَّ رجل تقول: الرجل، إذاً: الكلام في ما هو قبل التركيب، ولذلك قلت لك: ميز أولاً أن التعريف والتنكير والباب -البناء والإعراب بينهما فرق- ما هو هذا الفرق؟ فرق جوهري؟؟؟
هذا فرق جوهري مهم، وصف اللفظ بكونه معرفة أو نكرة هذا لا يلتفت إلى التركيب، بل هو الأصل في المفردات، نفس اللفظة الواحدة قبل تركيبها، تحكم عليها هل هي معرفة أو نكرة، وأما الإعراب والبناء هذا لا يتأتى إلا بعد التركيب، ففرق بينهما.
إذاً: راكباً لا يعترض بكونه لا يقبل (أل) في هذا التركيب على كونه ليس بنكرة، فحينئذ نقول: هذه الألفاظ كلها الحال والتمييز يشترط فيها أنها نكرات متى؟ بعد التركيب إذا جعلتها تمييزاً، ولا يحكم على الكلمة بكونها تمييزاً إلا بعد التركيب، ولا يحكم على اللفظة بأنها حال إلا بعد التركيب، ولذلك زيد لوحدها لا تقل: هذا مبتدأ أو خبر، لكن إذا قلت: هذا زيد نقول: زيد هذا خبر، وتقول: هذا ذا اسم إشارة لمفرد مذكر، هل هو مبتدأ أو خبر؟ ما يوصف بكونه مبتدأً ولا خبر، متى يوصف؟ إذا قلت: هذا أخوك، إذاً جعلته مبتدأ، ففرق بين اللفظ قبل التركيب وبعد التركيب، هذا اعتراض بكونه غير جامع.
وقيل: بأنه غير مانع؛ لأن بعض المعارف يقبل (أل)، نحو: يهود ومجوس؛ فإنك تقول: اليهود والمجوس، يهود ومجوس هذا معرفة، ولا شك أنه معرفة، وتقول: اليهود والمجوس قبل (أل).
وبعض المعارف يقع موقع ما يقبل (أل) مثل ضمير الغائب العائد إلى نكرة، لقيت رجلاً فأكرمته، الضمير إذا عاد على معرفة فهو معرفة اتفاقاً، يعني إذا قلت: جاء زيد فأكرمتُه، الضمير هنا يعود على من؟ على زيد، معرفة أو لا؟ معرفة، إذاً الضمير معرفة، وهذا محل وفاق.
لو قلت: جاء رجل فأكرمته، الضمير يعود على ماذا؟ على رجل، إذاً: الضمير هنا مفسر برجل، ورجل نكرة، هل الضمير هنا معرفة أو نكرة؟ قولان للنحاة: قيل معرفة، وقيل نكرة، وقيل بالتفصيل: إن كان واجب التنكير فنكرة، وإن كان جائز التنكير فمعرفة، إن كان واجب التنكير فنكرة مثل ماذا؟ مثل مدخول رُبَّ، رُبَّ رجل كريم لقيته، الضمير يعود إلى رجل الذي هو مدخول رُبَّ، مدخول رُبَّ يشترط فيه أن يكون نكرة فهو واجب التنكير، إذاً: هذا نكرة،
جاء رجل فأكرمته، رجل هذا فاعل، فهل يشترط في الفاعل أن يكون نكرة؟ لا يشترط، إذاً: هذا جائز التنكير، فإذا عاد الضمير على جائز التنكير حكمنا عليه بأنه معرفة على الأصل، وهذا يأتينا في باب الفاعل.
إذاً: اعترض على بعض الألفاظ بأنها معارف وتقبل (أل) كاليهود والمجوس، وبعض المعارف يقع موقع ما يقبل (أل) مثل ضمير الغائب العائد إلى نكرة، لقيتُ رجلاً فأكرمته؛ فإن هذا الضمير واقع موقع رجل ورجل يقبل (أل).
والجواب: أن يهود ومجوس اللذان يقبلان (أل) هما جمع يهودي ومجوسي، فهما نكرتان، فإن كانا علمين على القبيلتين المعروفين لم يصح دخول (أل) عليهما، وأما ضمير الغائب العائد إلى نكرة فهو عند الكوفيين نكرة، المسألة فيها خلاف، فلا يضر صدق هذا التعريف عليه، والبصريون يجعلونه واقعاً موقع الرجل لا موقع رجل، يعني: جاء رجل فأكرمته؛ عند البصريين يفسر الضمير هنا بالرجل، كأنهم جعلوا (أل) هنا للعهد الذكري، جاء رجل فأكرمت الرجل، لأنك لو حللت الضمير وجئت باسم ظاهر وكنت تريد عين الرجل السابق حينئذ تعيد النكرة معرفة على القاعدة، جاء رجل فأكرمته، لو حذفت الضمير وجئت باسم ظاهر ماذا تقول؟
جاء رجل فأكرمته، ولو حذفنا الضمير وأردنا اسم ظاهر نقول: جاء رجل فأكرمت الرجل.
ثُمَّ مِنَ القَواعدِ المشْتهرةْ
…
إِذَا أتَتْ نكرةٌ مُكرَّرةْ
تَغَايَرَا وإِنْ يعرف ثَاني
…
تَوافَقَا كَذا الْمُعَرَّفَانِ
فحينئذ إذا قلت: جاء رجل فأكرمت الرجل، لو حذفت الرجل وجئت بمكانه ضميراً قلت: فأكرمته، يُفسر عند البصريين بمدخول (أل)، لأن الضمير هنا صار في قوة الاسم المكرر المعاد عليه لكنه محلىً بـ (أل) على القاعدة المشهورة، وأما عند الكوفيين فهو نكرة.
والبصريون يجعلونه واقعاً موقع الرجل لا موقع رجل، وكأنك قلت: لقيت رجلاً فأكرمت الرجل على الأصل في الاسم الظاهر، كما قال تعالى:((كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ)) [المزمل:16] الرسول الثاني هو عين الرسول الأول الذي هو نكرة، على القاعدة المشهورة وهي قاعدة أغلبية، وإذا كان كذلك فهو واقع موقع ما لا يقبل (أل) فلا يصدق التعريف عليه.
إذاً: كل ما يمكن أن يستدل بانتفاء الضابط عنه؛ فإما أن يجاب عنه بجواب صحيح، يعني تأويل صحيح، وإما أن يقال: هذا مما يستثنى، ولا إشكال على الأصل، يعني: إذا وجد ألفاظ تقبل (أل) وأثرت فيها وليست بنكرة، فحينئذ نقول: هذا يستثنى، هذا إن صح له مثال، وإذا وقع (ما) موقع محل ما يكون صالحاً لدخول (أل) عليه حينئذ إن كان النكرة بالفعل قلنا: هو نكرة، وإلا قلنا: هذا مستثنى من القاعدة، فيجعل ضابط عام ولا إشكال فيه.
نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا أوْ -النوع الثاني-: ليس بقابل لـ (أل) لكنه: وَاقِعٌ مَوْقِعَ مَا قَدْ ذُكِرَا.
قال ابن غازي: من الواقع موقع ما ذكر: (أين) -ألفاظ معدودة لضبط النوع الثاني جمعتها من شروح الألفية كلها- قال: من الواقع موقع ما ذُكر: أين، أي: في أي مكان، أين في أي مكان، ومكان هذه تقبل (أل)، أين مكانية يعني، أي: في أي مكان، وكيف، يعني: من الواقع موقع ما يقبل (أل) كيف؛ لأنها سؤال عن الحال، أي حالن حال هذا يقبل (أل)، و (من وما) الاستفهاميتان، أي: أيّ رجل وأيّ شيء، ورجل يقبل (أل)، وشيء يقبل (أل).
إذاً: (من وما) الاستفهاميتان، أي: أي رجل، وأي شيء.
وأفعل أفعل من، يعني: أفعل التفضيل إذا كانت (من) لفظاً وتقديراً، كأفضل أي: فاضل، أفضل بمعنى: فاضل، وفاضل يقبل (أل)، وإن كان اسم فاعل؟؟؟ مثل صاحب.
وباب ديار وأحد، وهذه من الأسماء المتوغلة في الإبهام، بعض الأسماء المتوغلة في الإبهام، كعريم وديار وغير وشبه، هذه كلها واقعة موقع ما يقبل (أل).
وأحد، أي: شخص أو حي ونحوها.
وأحد هذا؛ -قال ابن غازي-: لا يقبل (أل) بنفسه، بخلاف الذي بمعنى واحد.
ثم قال: فمكان-الذي هو تفسير لـ: أين_ فمكان وحال ورجل وشيء وفاضل ونحوه وشخص أو حي ونحوهما قابلة لـ (أل) المؤثرة، وقد وقعت هذه الألفاظ مواقع ما ذكر، لكن يرد عليه -على ابن مالك رحمه الله تعالى بحسب مذهبه كما سيأتي: وَوَضَعُوا لِبَعْضِ الأجْنَاسِ عَلَمْ-نحو: أسامة، أسامة هذا علم جنس بمعنى: أسد، أسامة وقع موقع أسد، وأسد هذا يقبل (أل)، أسد، الأسد، جاء الأسد تعني به الحيوان المفترس، فحينئذ علم الذي هو أسامة علم جنس وقع موقع ما يقبل (أل) وهو أسد، فتقول: الأسد، إذاً: أسامة هذا نكرة على الضابط هذا، وسيأتي أنه علم جنس.
قال الملَّوي: وظاهر كلام الناظم أن علم الجنس نكرة كأسامة؛ لأنه وقع موقع أسد الذي يقبل (أل)، ويجاب بالمنع، نمنع هذا؛ لأن أسداً لا يقع موقع أسامة في الدلالة على الحقيقة، الحقيقة الذهنية التي هي موجودة في الذهن، الحقائق متفاوتة: حقيقة الأسد وحقيقة الفرس وحقيقة الحمار وحقيقة الكلب، هذه متفاوتة وجودها في الذهن، الذي يميز هذا عن ذاك هو علم الجنس، وأما وجوده في الخارج فالذي يصدق عليه هو لفظ أسد، وهذا سيأتينا إن شاء الله مفصلاً.
إذاً: ويجاب بالمنع؛ لأن أسداً لا يقع موقع أسامة في الدلالة على الحقيقة؛ لأن لفظ أسد موضوع لفرد منتشر لا للحقيقة، ثَمَّ أمران: حقيقة، وهي الحيوانية المفترسة، هذه حقيقة، وسبق معنا مراراً: أن الحقائق الكلية والماهيات وجودها وجود ذهني، فما يميز هذه الحقائق بعضها عن بعض هو علم الأجناس بقطع النظر عن وجوده في الخارج، والذي يصدق على الخارج هو علم الشخص، وحينئذ فرق بين الاثنين، فأسامة وضع للحقيقة الذهنية، وأسد هذا لم يوضع للحقيقة الذهنية، وإنما وضع للفرد المنتشر، يعني: ما شاع في جنس موجود لا بعينه، وهذا هو حقيقة النكرة، وسيأتي معنا مفصلاً إن شاء الله تعالى.
وزاد الأشموني: مما وقع موقع ما يقبل (أل): (من وما) نكرتين موصوفتين، كما في قولك: مررت بمن معجب لك، يعني بشخص، وشخص هذا يقبل (أل)، أو إنسان وإنسان هذا يقبل (أل)، مررت بما معجب لك، يعني: بشيء يعجبك، وشيء هذا يقبل (أل).
فإن (ما ومن) لا يقبلان (أل)، لكنهما يقعان موقع إنسان وشيء، وإنسان وشيء كلاهما يقبل (أل)، وكذلك صهٍ ومهٍ بالتنوين، صه ومه، قلنا: صهٍ ومهٍ هذا اسم فعل أمر، نحو: صَهْ وَحَيَّهَلْ، إذا دخل عليه التنوين ما نوع التنوين هنا؟ تنكير، مراده:(صه) سكوتاً معيناً أو مبهماً؟ إذا فسرنا صه بسكوتاً، سكوت هذا يقبل (أل) أو لا؟ يقبل (أل)، وإذا قلت مه، انكفافاً، انكفافاً يقبل (أل) أو لا؟ يقبل (أل)، وثَمَّ علامة أخرى على كونهما نكرتين وهما: تنوين التنكير، تنوين، صهٍ تنوين التنكير، وهو اللاحق لبعض الأسماء المبنية فرقاً بين معرفتها ونكرتها، تنوين التنكير من إضافة الدال إلى المدلول تنوين يدل على أن مدخوله نكرة، إذاً: صهٍ نكرة بالتنوين، ثم هو في موضع (سكوتا)، إذاً: صه وقع في موقع ما يقبل (أل) وهو السكوت، ومه باعتبار التنوين هو نكرة، ثم مهٍ هذا وقع موقع ما يقبل (أل) وهو انكفافاً، الانكفاف، إذاً: هذا واقع موقع ما يقبل (أل).
ومن الواقع موقع قابل (أل): أسماء الفاعلين والمفعولين، فإن (أل) الداخلة عليها موصولة، -لكن باعتبار كونها موصولة نقول: ليست مؤثرة للتعريف، يعني: التعريف هنا إذا قيل: الضارب، جاء زيد الضارب نعت له أو لا؟ نعت له، طيب، (أل) هذه أفادت تعريف؟ لا، إذاً في الأصل هو نكرة- أسماء الفاعلين والمفعولين، فإن (أل) الداخلة عليها موصولة، فإنها واقعة موقع ما يقبل (أل) كإنسان وذات مغاير وذات ثبت لها أو وقع عليها الضرب مثلاً، الضارب هذا واقع موقع ذات وقع منها الضرب، والمضروب واقع موقع ذات وقع عليها الضرب،
إذاً: بالتأويل، -بالنوع الثاني- نقول: يمكن إدخال اسم الفاعل واسم المفعول، وأما بالأول قابل (أل) مؤثراً فلا؛ لأن (أل) المؤثرة هي (أل) المعرفة، و (أل) الداخلة على اسم الفاعل واسم المفعول هذه موصولية وهي ليست من علامة النكرة.
نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا
…
أوْ وَاقِعٌ مَوْقِعَ مَا قَدْ ذُكِرَا
هذا مما يجعل علامة على كون مدخول اللفظ نكرة.
كذلك من علامات النكرة: رُبَّ، وهذا ضابط جيد مثل (أل) مساو له.
فَكلُّ ما رُبَّ عليهِ تَدخُلُ
نحوُ غُلامٍ وكتابٍ وطَبَقْ
…
فإنهُ مُنَكَّرٌ يَا رَجُلُ
وحينئذ نقول: كل مدخول لـ (رُبَّ) فهو نكرة، وسيأتينا: رُبَّه فتية، يعني دخوله على الضمير.
فَكلُّ ما رُبَّ عليهِ تَدخُلُ
…
فإنهُ مُنَكَّرٌ يَا رَجُلُ
وبها استدل –برُبَّ- على أن (من وما) قد يقعان نكرتين، يعني مثل ما ذكره الأشموني، لكن استدل بكونهما نكرتين بوجه آخر: أنهما يقعان موقع ما يقبل (أل).
ويمكن أن نستدل على أنهما نكرتان بدخول (رُبَّ) وهي من خواص النكرات، كقوله:
رُبَّ مَنْ أَنْضَجْتُ غَيْظاً قَلْبَهُ
…
قَدْ تَمَنَّى ليَ مَوْتاً لَمْ يُطَعْ
رُبَّ مَنْ أَنْضَجْتُ: من نقول هذه نكرة أو معرفة؟ إذا جعلنا رُبَّ علامة على كون مدخولها نكرة، رُبَّ من أنضجت يعني: شخص، أنضجت غيضاً صدره، وحينئذ نقول: من هذه نكرة لدخول رُبَّ عليها.
ولنا وجه آخر وهو أن من هنا وقعت موقع ما يقبل (أل) وهو شخص أو إنسان، فحينئذ نستدل بالوجهين.
وكذلك قوله:
رُبَّما تَكْرَهُ النُّفُوسُ مِنَ الأَمرِ
…
لهُ فَرْجَةٌ كَحَلِّ العِقَالِ
رُبَّما تَكْرَهُ، ربما يعني: رُبَّ شيء، فشيء هذا يقبل (أل)، هذا استدلال الأشموني فيما سبق، ورُبَّ دخلت على لفظ (ما) فدل على أنه نكرة، وقد تدخل على الضمير كما سيأتي في حروف الجر، هذه علامة ثانية مما يزاد على المصنف، لأنه قال: قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا، وكذلك قابل رُبَّ.
ثالثاً: وقوعها في جواب كيف، كيف حالك؟ كيف زيد؟ مريض، كيف زيد؟ زيد مريض، مريض هذا وقع في جواب كيف، وسبق أن كيف بمعنى: أي حال، وحال هذا يقبل (أل).
رابعاً: نصبها على التمييز، عند البصريين.
خامساً: نصبها على الحال، عند البصريين كذلك.
سادساً: دخول (من) الاستغراقية، ((هَلْ مِنْ خَالِقٍ))؟ خالق هذا نكرة، ما الذي دلنا على أنه نكرة؟ من الأدلة (من)، دخول (من) الاستغراقية، ((مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ))، (من) نقول: هذه استغراقية، فدلت على أن مدخولها نكرة.
سابعاً: دخول (كم) الخبرية، كم رجل عندي؟
ثامناً: دخول (لا) النافية للجنس: عَمَلَ إِنَّ اجْعَلْ لِلَا فِي نَكِرَهْ، لا تعمل إلا في النكرات، فإذا مر بك: لا رجل تحكم على رجل بأنه نكرة لوجود (لا) النافية للجنس، لماذا؟ لأن (لا) النافية للجنس لا تدخل إلا على النكرات.
دخول (لا) النافية للجنس، هذه ثمانية مع ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى:
نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا
وَغَيْرُهُ مَعْرِفَةٌ
…
أَوْ وَاقِعٌ مَوْقِعَ مَا قَدْ ذُكِرَا
غَيْرُهُ: والأصل أن يقول: وغيرهما، الضمير يعود على نوعي النكرة، لكن قال: وغيره يعني أوله بالمذكور، وغير ما ذكر، معرفة، وهل غير ما ذكر معروف ليحكم عليه بكونه معرفة، أو أنه إحالة على مجهول؟ نقول: لا؛ لأنه إما نكرة وإما معرفة، عرفنا أن القسمة ثنائية لا ثالث لهما، فإذا تعين حقيقة النكرة حينئذ غير ما ذكر في حد النكرة فهو معرفة، وكان الأولى العكس، أن يعدد لنا المعرفة فيقال: هي ستة: المضمر، والعلم، واسم الإشارة، وغير هذا الذي ذكر نكرة؛ لأن المحصور هو الأصل، وما عداه الذي لا يحصر، هذا فرع، هذا من حيث التعداد التعريف ليس من حيث أصلية النكرة والمعرفة،
إذاً: وَغَيْرُهُ: لم يقل: وغيرهما، تأويل بما ذكر، أي: غير ما ذكر معرفة، غير ما يقبل (أل) أو يقع موقع ما يقبلها، واستغنى بحد النكرة عن حد المعرفة، لما حد لنا النكرة حينئذ استغنى به عن حد المعرفة، ولا واسطة بينهما، وأثبتها بعض النحويين، ورددناه فيما سبق.
فحد المعرفة إذا أردناه ضمناً وإن لم يصرح به الناظم نقول: هو ما لا يقبل (أل) ولا يقع موقع ما يقبلها، هو ما لا يقبل (أل) المؤثرة –التعريف- ولا يقع موقع ما يقبلها، وعليه تكون المعرفة نوعين كما أن الشأن في النكرة نوعان، قلنا: النكرة نوعان: ما يقبل (أل) المؤثرة للتعريف، ثانياً: ما يقع موقع ما يقبل (أل) المؤثرة للتعريف.
إذاً المعرفة نوعان:
أولاً: ما لا يقبل (أل) البتة مطلقاً، لا يقبل (أل) -ونعني بـ (أل) هنا المعرِّفة، نعم، لا يسبق ذهنك إلى الموصولة أو الزائدة، لأن تلك علامة الاسمية، ونحن نتكلم فيما هو أخص علامة كونها نكرة- ما لا يقبل (أل) البتة، ولا يقع موقع ما يقبلها كزيد وعمرو، زيد وعمرو هذا لا يقبل (أل) الزيد والعمرو، ولا يقع موقع ما يقبل (أل)، لئلا نفسره بشيء آخر.
ثانياً: ما يقبل (أل) ولكنها غير مؤثرة للتعريف، وهذا لا يخرج عن كونه معرفة، ما يقبل (أل) يقبل (أل) من جهة اللفظ، ولكنها غير مؤثرة للتعريف، هذا لا بد من إدخاله، كالحارث والعباس، قلنا: هذا يقبل (أل) لكنها لا تؤثر فيه التعريف، هذا المراد بالمعرفة.
وَغَيْرُهُ مَعْرِفَةٌ كَهُمْ وَذِي
…
وَهِنْدَ وَابْنِي وَالغُلَامِ وَالَّذِي
هذه كم؟ ستة، أليس كذلك؟
كَهُمْ: الكاف هذه تشبيهية –للتمثيل- لأنه ليس على الحصر، تمثيلية يعني ليست استقصائية، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف وذلك كهم، وهو مثال للضمير.
وَذِي: هذا مثال لاسم الإشارة.
وَهِنْدَ: هذا مثال للعلم.
وَابْنِي: هذا مضاف إلى معرفة اكتسب التعريف.
وَالغُلامِ: هذا معرف بـ (أل).
وَالَّذِي: اسم موصول. هذه ست معارف.
وزاد في شرح الكافية: المنادى المقصود كـ يا رجل، واختار في التسهيل: أن تعريفه بالإشارة والمواجهة، يكاد أن يكون اتفاقاً، وبعضهم يحكي الخلاف أن يا رجل هذه منادى لنكرة مقصودة، يا رجل، يعني: أقبل على الشخص المعين وقال: يا رجل، هذا معرفة، لكن ما وجه كونه معرفة؟ هل هو بالإشارة والمواجهة يعني الإقبال، أو بـ (أل) منوية؟ اختار في التسهيل أن تعريفه بالإشارة والمواجهة، فتعريفه حينئذ نقول: متفق عليه في الجملة، والاختلاف إنما هو في وجهه، يعني: ما وجه التعريف؟ كيف صار معرفة؟ والمحققون على أنه بالإشارة إليه.
وقيل: بـ (أل) مقدرة، وقيل: بالنداء، وسكت عنه هنا لذكره له في باب النداء أفاده الصبان، يعني لماذا لم يذكر هذا السابع؟ لأنه سيأتي بحثه في باب النداء، لكن المشهور أنه معرفة بالقصد، يعني بالمواجهة والإقبال، هذا هو المشهور.
وَغَيْرُهُ مَعْرِفَةٌ: أي غير النكرة المعرفة، وهي ستة أقسام على ما ذكره الناظم، ولم يرتبها بالأعرفية لضيق النظم، لكنه في التبويب سلك مسلك تقديم الأعرف على غيره، فبدأ بالضمير ثم العلم ثم اسم الإشارة ثم الموصول ثم المحلى بـ (أل).
أعرف المعارف اسم الله تعالى إجماعاً، هذا محل وفاق، والخلاف الوارد بين النحاة فيما هو بعدها، ولذلك إذا قيل: أعرف المعارف الضمير مرادهم بعد لفظ الجلالة.
ثم أعرفها: المضمر على الأصح، وقيل العلم، وقيل اسم الإشارة، وقيل المحلى بـ (أل)، يعني كم قول؟ مضمر، وقيل العلم، وقيل اسم الإشارة، وقيل المحلى بـ (أل)، والجمهور على أنه الضمير هو الذي يكون أعرف المعارف، ثم العلم على قول الجمهور، ثم اسم الإشارة، ثم الموصول ثم المحلى بـ (أل)، وابن مالك سار على هذا، جرى على هذا الترتيب في الألفية.
وقيل: هما في مرتبة واحدة، يعني الموصول والمحلى بـ (أل)، واختاره الناظم في غير هذا الكتاب، وعلله بأن تعريف كل منهما بالعهد، وهو يقتضي أن الذي في مرتبة الموصول عنده هو المحلى بـ (أل) العهدية، سيأتي في موضعه، موصول بماذا عرف وأل إلى آخره، هذا على جهة العموم.
وقيل: المحلى بـ (أل) أعرف من الموصول، وأما المضاف؛ فإنه في رتبة ما أضيف إليه مطلقاً عند الناظم حتى لو أضيف إلى الضمير، وأما عند الجمهور فلا، ما أضيف إلى الضمير فهو في رتبة العلم، وعند الأكثر أن المضاف إلى المضمر في رتبة العلم لا الضمير؛ لأنه يقع صفة للعلم في نحو: مررت بزيد صاحبك، صاحبك صاحب: مضاف، والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه، ما إعراب صاحب هنا؟ نعت، صفة لزيد، مررت بزيد صاحبك، زيد هذا موصوف، وصاحب صفة، عند الأكثر أن الصفة لا تكون أعرف من الموصوف؛ لأنها لو كانت أعرف من الموصوف لقدمت، هي الأصل، وحينئذ إذا قلت: صاحبك المضاف إلى الضمير في رتبة الضمير وزيد وهو موصوف علم وهو يأتي في الرتبة الثانية، حينئذ ماذا صنعت؟ وصفت العلم بما هو مضاف إلى الضمير وهو في رتبة الضمير، لزم من ذلك أن تكون الصفة أعرف من الموصوف، وهذا محل نظر عندهم، وحينئذ ألجأهم ذلك إلى أن يحكموا على أن المضاف إلى الضمير في رتبة العلم، احترازاً من مثل هذه الأمثلة،
على أن اسم الفاعل للمضي، والصفة لا تكون أعرف بل مساوية أو دون.
فَمُضْمَرٌ أَعرَفُها ثُمَّ العَلَمْ
…
فَذُو ِشارةٍ فَمَوصُولٌ مُتَمّ
فَذُو أَدَاةٍ فَمُنادَى عُيِّنا
…
فَذُو إِضافةٍ بها تَبَيَّنَا
إذاً: لم يذكرها مرتبة هنا من أجل النظم، يعني لما فات الناظم قال هناك في؟؟؟ المكودي: لما فات الناظم ترتيب المعارف في الذكر على حسب ترتيبها في المعرفة لضيق النظم رتبها في التبويب كما سيأتي، ثم قال:
فَمَا لِذِي غَيْبَةٍ أَوْ حُضُورِ
…
كَأَنْتَ وَهْوَ سَمِّ بِالضَّمِيرِ
المعارف ذكرنا أنها تتفاوت، يعني بعضها أعرف من بعض، بعضهم يرى أن النكرات كذلك تتفاوت، بعضها أعرف من بعض، لكن هذا لا ينبني عليه عمل عند النحاة، وإنما يذكرون ما يكون أعرف وما يكون دونه لأنه يتعلق به معنى، وأما مذكور وشيء وإنسان ورجل وعالم هذه عند المناطقة لأنها تتعلق بالعموم والخصوص المطلق، فقالوا: مذكور أعم من موجود ومعدوم،، إلى آخره، فلا فائدة من ذكرها هنا.
فَمَا لِذِي غَيْبَةٍ أَوْ حُضُورِ
…
كَأنْتَ وَهْوَ سَمِّ بِالضّمِيرِ
هذا أول المعارف وهو الضمير، وتحته أبحاث، وهذه الأبحاث على قسمين: منها ما يستفيد منها الطالب وهي أصول، ومنها ما لا يستفيد منها شيء.
والتعليلات التي يذكرها النحاة،، الباب طويل هذا عندهم الضمير، لكن أكثره تعليلات لوضعيات، والتعليل الوضعي هذا فيه إشكال لأنه في الغالب أنه لا يصدق، ضربتُ ضربتَ ضربتِ، لِمَ ضُمَّتْ التاء ولم كسرت التاء ولم فتحت؟ هذه كلها تعليلات لا ينبني عليها عمل، وإن كان بعض التعليلات مفيدة لكن هذه مما يسقط.
فَمَا: يعني فالذي.
لِذِي: فما موصولة بمعنى الذي، الفاء هذه تسمى فاء فصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، لما ذكرها إجمالاً المعارف حينئذ يرد السؤال: كيف نعرف كل واحد من المعارف السابقة؟
فَمَا: الفاء فصيحة، ما: اسم موصول بمعنى الذي.
لِذِي غَيْبَةٍ: يعني لصاحب غيبة، احترازاً من الغيبة نفسها.
أوْ حُضُورِ: أو لذي حضور يعني صاحب حضور.
سَمّ بِالضّمِيرِ: ما اسم موصول بمعنى الذي مفعول أول لسم.
بِالضّمِيرِ: هذا مفعول ثاني، وسم: هذه تتعدى إلى مفعولين، الكثير أنها تتعدى إلى مفعولين بنفسها، يعني بدون واسطة، وقد تتعدى إلى الثاني بحرف الباء، سم ولدك عمْراً، ولدك هذا مفعول أول، عمْراً مفعول ثاني، سم ولدك بعمرو، هذا جائز أن يتعدى إلى الثاني بحرف الجر، هنا قال: سم ما لذي غيبة يعني: ما وضع، سمه بماذا؟ بالضمير.
فَمَا لِذِي غَيْبَةٍ أوْ حُضُورِ
غَيْبَةٍ: أي: لغائب، أو لذي حضور مع اعتبار دلالته على الغيبة والحضور، فـ (ما) واقعة هنا على جامد وضع لذي غيبة، يعني لا بد من تفسيره بجامد، لأن الضمائر كلها جوامد، بمعنى: أنها غير مشتقة، وبمعنى أنها لا يتصرف فيها، لا تصغر ولا تثنى ولا تجمع، تبقى كما هي، ولذلك إذا أريد التثنية: ضربتُ ضربتَ ضربتما ضربتم ضربتنَّ، حينئذ لما أريد غير المفرد ألحقت به حروف تدل على التثنية وتدل على الجمع، وأما هو في نفسه فلا يتصرف فيه، لا يصغر ولا يثنى ولا يجمع، بل يلحق به حروف تدل على التثنية وتدل على الجمع.
إذاً: هو جامد، وسيأتي هذا: وَكُلّ مُضْمَرٍ لَهُ الْبِنَا يَجِبْ
فَمَا: ما واقعة على جامد، فخرج بـ (ما) لفظ غائب وحاضر ومتكلم، إذا قلنا الضمير ثلاثة أقسام: يدل على الغيبة، ويدل على التكلم، ويدل على الخطاب، يرد السؤال: لفظ خطاب نفسه هل هو ضمير أو لا؟ غيبة نفس اللفظ هل هو ضمير أو لا؟ ليس بلفظ، لماذا؛ لأن الضمير ذاك يدل على ذي، يعني على صاحب غيبة، لا بد من هذا القيد: صاحب غيبة، جاء زيد فأكرمته، الضمير هنا يدل على غائب.
إذاً: (ما) واقعة على جامد، فخرج بـ (ما) لفظ غائب، ولفظ حاضر، ولفظ متكلم ومخاطب، وبما بعده ضمير الفصل وياء الغيبة، ضمير الفصل سمي ضميراً مجازاً وإلا هو ليس بضمير، زيد هو الكريم، ((وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) [البقرة:5] أولئك: هذا مبتدأ، المفلحون: خبر، هو ضمير فصل يفيد القصر والحصر، هل له محل من الإعراب؟ الصحيح لا، ليس له محل من الإعراب، وإنما هو مما يفيد القصر والحصر.
إذاً: أولئك ((وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) [البقرة:5] هم كذلك مثله، وحينئذ نقول: أولئك مبتدأ، المفلحون هم، المفلحون: خبر، هم: هذا ضمير فصل لا محل له من الإعراب، سميناه ضميراً لماذا؟ مجازاً، لأنه على صورة الضمير، ثم هل هو ضمير من المعارف؟ نقول: لا، ليس من المعارف، ولذلك لا يصدق عليه الحد.
إذاً: فَمَا لِذِي غَيْبَةٍ أوْ حُضُورِ
نقول: مع اعتبار دلالته، اللفظ نفسه الجامد لا بد أن يدل على غيبة، ولا بد أن يدل على حضور، فإن لم يدل حينئذ لا يكون ضميراً، كما هو الشأن في ضمير الفصل، زيد هو الكريم، هو ما دل على شيء، ليس عندنا مرجع للضمير، يعني لا تقل: هو يرجع إلى زيد لا، هذا غلط، ليس له مرجع؛ لأنه حرف، والذي له مرجع هو الضمير الاسم المعرفة الذي معنا، زيد هو الكريم، زيد: مبتدأ، والكريم: خبر، وهو؛ هل له مرجع؟ ليس له مرجع، إذا لم يكن له مرجع فليس بضمير، فهو ضمير فصل يعني: حرف فصل.
وياء الغيبة؛ لأنهما حرفان، ياء الغيبة مثل ماذا؟ زيد يقوم، الياء هذه تدل على ماذا؟ على الغائب، هل هي ضمير؟ لا، ليست بضمير، بل هي حرف يدل على الغيبة، والذي معنا هو الذي يدل على صاحب غيبة.
إذاً: خرج ماذا؟ ضمير الفصل وياء الغيبة، لأنهما حرفان وضع أولهما للغيبة أو الحضور لا لذي الغيبة، يعني لا لصاحبها.
وثانيهما للغيبة، لا لذي الغيبة، يعني: زيد يقوم، هذا خرج بقوله:
فَمَا لِذِي غَيْبَةٍ أوْ حُضُورِ
يعني: الذي وضع مع اعتبار دلالته على الغيبة أو الحضور، وكذلك خرج كاف الخطاب، إياكَ إياكِ، الكاف هذه حرف كما سيأتي، إيا هي الضمير، والكاف هذه حرف دل على الخطاب، هل هو ضمير؟ لا؛ لأنه في أصل وضعه وضع حرفاً.
وكاف الخطاء وتاؤه، أنت تقوم الحرفيان؛ لأنهما وضعا للخطاب لا لذي الخطاب.
كذلك نون المتكلم مصاحباً لغيره أو معظماً لنفسه؛ لأنها وضعت للتكلم لا لذي التكلم.
وكذا همزة التكلم، وبقولنا مع اعتبار دلالتها على الغيبة أو الحضور: الأسماء الظاهرة المستعملة في غائب أو حاضر.
إذاً: فَمَا لِذِي غَيْبَةٍ أوْ حُضُورِ: يعني: لفظ جامد وضع للدلالة على صاحب غيبة أو صاحب حضور، فكل ما دل على الغيبة أو الحضور أو التكلم ولم يوضع لذلك مع دلالته على صاحبه حينئذ هو حرف وليس بضمير، والأمثلة التي ذكرناها كما سبق.
كَأنْتَ وَهْوَ.
لِذِي غَيْبَةٍ: قدم الضمير الغيبة.
أوْ حُضُورِ: هذا يشمل نوعين: ضمير المخاطب نحو: أنت، وضمير المتكلم نحو: أنا، مثَّل لأحد نوعي الحضور وهو أنت وترك أنا، وترك أنا عمداً أم للنظم؟ يعني قصداً لفائدة أم من أجل النظم؟ الظاهر الثاني، والملَّوي يقول: تركها قصداً؛ لأن أنا هذه هي كلمة إبليس، لكن هذا ما هو صحيح، لأنه سيأتي:
وَذُو ارْتِفَاعٍ وانْفِصَالٍ أنَا هُوْ:
أنا نكرة: أنا ما أسقطها، وحينئذ نقول: هنا للنظم، ليس عمداً.
فَمَا لِذِي غَيْبَةٍ: وهو ما دل على الغائب كهو.
أنْتَ وَهْوَ: هنا ترتيب ولف مشوش، لأنه بدأ بالتمثيل لذي حضور، ثم ثنى بالغيبة، إذاً الضمير قال الشارح: يشير إلى أن الضمير ما دل (ما)، لفظ جامد دل على غيبة، كهو أو حضور، وهو قسمان: أحدهما ضمير المخاطب، نحو: أنت، والثاني: ضمير المتكلم نحو: أنا.
كَأنْتَ وَهْوَ: وفروعها كما سيأتي، يعني ليس خاصاً بالمثالين، فالكاف هنا تمثيلية كـ (أنت) وليست استقصائية.
كَأنْتَ: أنت هذا ضمير رفع، ودخلت عليه الكاف، هل نقول في محل جر؟ قيل: أن الكاف إذا دخلت على ضمير الرفع تجعله في محل جر، ولكن المشهور أن الكاف هنا دخلت على محذوف، كقولك: أنت يا زيد، وهو يا عمرو، وفروعهما.
سَمّ بِالضّمِيرِ: يعني في اصطلاح البصريين يسمى ضميراً، ويسمى مضمراً، مضمراً ضمير فعيل من الضمور وهو الهزال، ومضمر مفعَّل من الإضمار وهو الإخفاء، يسمى ضميراً أو مضمَّراً عند البصريين، ويسمى عند الكوفيين: الكناية والمكني؛ لأن فيه نوع كناية، إذا قلت: أكرمته، ما سميته زيد، ما جئت باسمه الأصلي، وإنما كنيت عنه بالضمير، ولا بأس باعتبار هذه التسمية أيضاً،
وأعرف الضمير ضمير المتكلم ثم المخاطب ثم الغائب، لأنها ليست على مرتبة واحدة، الضمير أعرفها بعد لفظ الجلالة، حينئذ هو في نفسه أنواع: ضمير تكلم متكلم، ضمير مخاطب، ضمير غائب، هل هي في درجة واحدة من حيث التعريف؟ الجواب: لا، ولذلك نقول: الضمير ثلاثة أنواع، أعرفها: ضمير المتكلم، ثم يليه في الرتبة: المخاطب، ثم يليه في الرتبة الثالثة والأخيرة: الغائب، وهذا تستفيد منه عند قوله: وَقَدِّمِ الأَخَصَّ فِي اتِّصَالِ
…
وَفِي اتِّحَادِ الرُّتْبَةِ الْزَمْ فَصْلَا.
يريد به هذه الأنواع الثلاثة: المتكلم والمخاطب ثم الغائب.
ثم قال:
وَذُو اتِّصَالٍ مِنْهُ مَالَا يُبْتَدَا
…
وَلَا يَلِي إِلَاّ اخْتِيَاراً أبَدَا
وهذا سيقسم لنا الضمائر إلى أقسام، وكلها متوالية تحتاج إلى بسط.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
…