الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال في التعريفات:
الإصرار: الإقامة على الذنب، والعزم على فعل مثله1.
1 كتاب الجرجاني (ص37) .
المبحث الثاني: الإلحاد
قال في اللسان: قال أبو عبيدة: لحَد في الدِّين، يلْحَد، واَلْحَدْ: مال، وعدل، وقيل: لحد: مال، وجار، قال ابن السكيت: الملْحِد: العادل عن الحق، المدْخِل فيه ما ليس فيه، يقال: قد ألحْدَ في الدِّين، و (لحَدَ) أي: حاد عنه1.
وقُرِيء: {لِسَانُ الَّذِي يَلْحِدُونَ إِلَيْهِ
…
} - بفتح الحاء المهملة - قال الفراء: يميلون إليه (ويُلحِدون) - بكسر الحاء المهملة، يعترضون.
روي عن الأحمر: لحَدْت: جُرْت، ومِلْت، وألحَدْتُ: ماريت، وجادلت2.
وألحَدَ الرجل أي: ظلم في الحرم، وأصله: قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ
…
} .
والإلحاد في المسجد الحرام:
قال الزجاج: الإلحاد فيه: الشك في الله، وقيل كل ظالم فيه مُلْحِد.
وقيل: من يُرد متلبساً بالميل عن الحق وهو ظالم أن يُحْدِثَ في المسجد الحرام ما لا يرضي الله، نذقه من عذاب أليم3.
قال ابن العربي: قوله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ
…
} تكلم الناس في دخول الباء
1 مادة / ل / ح / د.
2 رواه ابن قتيبة في غريبة (1/251) ، و (الأحمر) هو أبان بن عثمان بن يحيى اللؤلؤي، من شيوخ أبي عبيدة، من علماء اللغة، (انظر بغية الوعاة: 1/405) .
3 انظر معجم ألفاظ القرآن (ص377) .
ههنا، فمنهم من قال: إنها زائدة، وهذا مما لا يُحتاج إليه في سبيل العربية، لأن حمل المعنى على الفعل أولى من حملِه على الحرف.
فيقال المعنى: ومن يهم فيه بميل يكون ذلك الميل ظلماً، لأن الإلحاد هو الميل في اللغة، إلاّ أنه قد صار في عرف الشريعة ميْلاً مذموماً، فرفع الله الإشكال، وبيَّن أن الميل بالظلم هو المراد هنا1.
وقيل: ألحد في الحرم: ترك القصد فيما أُمر به، ومال إلى الظلم.
وفي الحديث: "احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه" 2، أي: ظلم وعدوان، وفي حديث طهْفة:"لا تُلْطِط في الزكاة، ولا تلحد في الحياة"3.
أي: لا يجري منك ميل عن الحق ما دمت حيّاً.
روى الطبري - بسنده عن ابن عباس قوله: الإلحاد: التكذيب.
وعند قتادة - يلحدون: يشركون4.
وقيل - الإلحاد: الزيغ. ويلحدون: يحوِّرون.
وروى البخاري في صحيحه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحِد في الحرم
…
" وذكر الحديث5.
قال ابن حجر: قوله: (أبغض) هو أفعل من البغض.
قال المهلب وغيره: "المراد بهؤلاء الثلاثة أنهم أبغض أهل المعاصي إلى الله، فهو كقوله: "أكبر الكبائر"، وإلاّ فالشرك أبغض إلى الله من جميع المعاصي".
1 انظر كتابه أحكام القرآن (3/1276)[تحقيق على محمد البجاوي/ دار المعرفة بيروت] .
2 رواه أبو داود في سننه من كتاب المناسك باب تحريم حرم مكة، وإسناده ضعيف فإن فيه جعفر بن ثوبان وشيخه عمارة بن ثوبان وثقهما ابن حبان، وهما مجهولان.
3 انظر النهاية في غريب الحديث (2/25.) .
4 انظر تفسيره (13/282 ـ 283) .
5 انظر كتاب الديات، من صحيح البخاري، باب من طلب دم امريء بغير حق.
قوله: "ملحد في الحرم" أصل الملحد المائل عن الحق، والإلحاد: العدول عن القصد، واستُشكل بأن مرتكب الصغيرة مائل عن الحق؟!!، والجواب: أن هذه الصيغة في العرف مستعملة للخارج عن الدين، فإذا وصف بها من ارتكب معصية كان ذلك إشارة إلى عظمها وقيل: إيراده بالجملة الاسمية مشعر بثبوت الصفة ثم التنكير للتعظيم، فيكون ذلك إشارة إلى عظم الذنب.
وحديث ابن مسعود: "ما من رجل يهم بسيئة فتكتب عليه
…
" 1، ظاهر سياق الحديث أن فعل الصغيرة في الحرم أشد من فعل الكبيرة في غيره، وهو مشكل، فيتعين أن المراد بالإلحاد فعل الكبيرة، وقد يؤخذ ذلك من سياق الآية، فإن الآيتان بالجملة الاسمية في قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ
…
} الآية، يفيد ثبوت الإلحاد، ودوامه، والتنوين للتعظيم، أي: من يكون إلحاده عظيماً2.
قال ابن عمر: كنا نتحدث أن الإلحاد (في المسجد الحرام) أن يقول الإنسان: لا والله، وبلى والله، وكلاّ والله"، ونُسب ذلك أيضاً إلى عبد الله بن عمرو بن العاص3.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ
…
} قال: الشرك، وقال عطاء: الشرك، والقتل.
وقيل: صيد حمامه، وقطع شجره، ودخوله غير محرم4.
وقال أهل العلم: الإلحاد في الحرم: القتل، والمعاصي5.
1 أخرجه الثوري عن السدي عن مرة عن ابن مسعود، سبق تخريجه ص 164.
2 انظر كتابه فتح الباري (12/21.) .
3 انظر حلية الأولياء (1/29.) وتفسير الطبري (17/141) وأخبار مكة للأزرقي (2/131) وللفاكهي (2/256) .
4 انظر تفسير القرطبي (12/34) .
5 انظر القِرى لقاصد أم القرى، لمحب الدين الطبري (ص646) .
وعن عمرو بن العاص: الإلحاد في الحرم: ظلم الخادم فما فوق ذلك1.
وقيل: أصل (الإلحاد) في كلام العرب: العدول عن القصد، والجور عنه، والإعراض، ثم يستعمل في كل معوَجٍّ غير مستقيم، ولذلك قيل لِلَحْد القبر لحد، لأنه في ناحية منه، وليس في وسطه.
وقد ذكر عن الكسائي أنه كان يفرق بين (الإلحاد) و (اللحد) ، فيقول في (الإلحاد) إنه العدول عن القصد، وفي (اللحد) إنه الركون إلى الشيء، وكان يقرأ جميع ما في القرآن (يُلحِدون) بضم الياء وكسر الحاء، إلاّ التي في النحل:{لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ} فإنَّه كان يقرؤها (يَلحَدون) بفتح الياء والحاء.
وأما سائر أهل المعرفة بكلام العرب فيرون أن معناهما واحد، وأنهما لغتان جاءتا في حرف واحد، بمعنى واحد2.
وقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف/180]، - أي: يميلون فيها عن طريق الحق ويسمونه - سبحانه - بغير ما ينبغي أن يُسمى به، قال مكي بن أبي طالب القيسي: وكان إلحادهم في أسماء الله أنهم عدلوا بها عمّا هي عليه، فسموا بها آلهتهم، وأوثانهم، وزادوا فيها، ونقصوا منها، فسموا بعضها (اللات) اشتقاقاً من (الله) و (العزى) من (العزيز)3.
وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} [فصلت/40]، أي: يطعنون في صحتها، أو يأولونها تأويلاً خاطئاً.
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، (5/151) .
2 انظر تفسير الطبري (13/283) .
3 انظر كتابه: العمدة في غريب القرآن.