المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: حدود المسجد الحرام - الإلحاد والظلم في المسجد الحرام بين الإرادة والتنفيذ

[محمد بن سعد آل سعود]

الفصل: ‌المبحث الثاني: حدود المسجد الحرام

‌المبحث الثاني: حدود المسجد الحرام

قال صلى الله عليه وسلم لقريش: "قفوا على مشاعركم، فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم"1.

وعن أبي ذرٍ قال: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟، قال:"المسجد الحرام".

قلت: ثم أَيّ؟.

قال: "المسجد الأقصى".

قلت: كم بينهما؟.

قال: "أربعون سنة، ثم أين أدركتك الصلاة بَعْدُ فصلَّ فإن الفضل فيه"2.

قال المحب الطبري:

"إعلم أن المسجد الحرام كان صغيراً، ولم يكن عليه جدار، وإنما كانت الدور محدقة به، وبين الدور أبواب يدخل الناس من كل ناحية، فضاق على الناس المسجد فاشترى عمر بن الخطاب دوراً فهدمها، وأدخلها فيه، ثم أحاط

1 أخرجه أبو داود في سننه من كتاب المناسك باب موضع الوقوف بعرفة، والترمذي في الحج باب في الوقوف بعرفات والدعاء بها، وقال: حديث حسن، وابن ماجه في الحج باب الموقف بعرفات، ومسند الإمام أحمد (4 /137) وجامع الأصول حديث (1522) قال الإمام الخطابي في معالم السنن (2/47)، المشاعر: المعالم، وأصله من قولك: شعرت بالشيء "أي" علمته، وليت شعري ما فعل فلان، أي: ليت علمي بلغه، وأحاط به، وقال الأزهري (5/43) في تهذيب اللغة:"الحرم قد ضُرب على حدوده بالمنار القديمة التي بيَّن خليل الله عليه السلام مشاعِرها، وكانت قريش تعرفها في الجاهلية والإسلام لأنهم كانوا سكان الحرم، ويعلمون أن ما دون المنار إلى مكة من الحرم، وما وراءها ليس من الحرم".

2 أخرجه مسلم في صحيحه من كتاب المساجد الباب الأول، والإمام أحمد في مسنده (5/15.،156،157،16) .

ص: 137

عليه جداراً قصيراً، ثم وسع المسجد عثمان بن عفان فاشترى من قوم، ثم زاد ابن الزبير فيه، واشترى دوراً، وأدخلها فيه"1.

لعل من الملاحظ أن حدود المسجد الحرام على مرِّ العصور لم تتسم مساحتها بالثبات، مما يحيط بالكعبة المشرفة من أروقة، وساحات، ومرافق، بل بالإتساع، والزيادة، والتضعيف خلال أزمنة مختلفة متفاوتة، وذلك لكثرة الوافدين إلى البيت، والآمّين له عاماً بعد عام من شتى صقاع الأرض، خاصة بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وما أعقب ذلك من فتوحات للبلدان المجاورة والبعيدة عن جزيرة العرب واتساع رقعة الإسلام، وكثرة من اعتنقه من الأمم الأخرى.

وكان للكوارث التي حلت بالبيت الحرام، من اجتياح السيول وما نتج عنه من هدم، وغرق، وما أصابه من حريق عند إصابته بالمنجنيق، وتصدع لبعض أركانه، وجوانبه لتطاول العهد عليها، الدافع القوي لدى ولاة الأمر لإصلاحه، وترميمه، وحماية جوانبه من تكرار ما حلّ به من كوارث، وكان يواكب تلك الإصلاحات في الغالب إضافة مساحات جديدة إلى مساحته القديمة.

وكان يتسابق الملوك، والخلفاء، والولاة على العناية بالمسجد الحرام لينالوا بذلك شرف خدمته، تقرباً إلى مولاهم جلّ وعلا.

ويقول المؤرخون2: إن أولّ من قام بتوسعة المسجد الحرام هو:

الخليفة الراشد الفاروق عمر بن الخطاب: سنة سبع عشرة من الهجرة، فقد كانت مساحته في زمن قريش: ألفين ومائة وستة وعشرين متراً مربعاً، فبلغت بعد زيادة عمر رضي الله عنه: ثلاثة آلاف وسِتُّ مائة وثلاثة عشر متراً مربعاً.

1 انظر كتابه القِرى لقاصد أم القرى (ص 657) .

2 انظر تاريخ ابن جرير (4/206) ، وإتحاف الورى (2/8) ، وأخبار مكة للفاكهي (تحقيق ابن دهيش)(2/175-176) .

ص: 138

ثم تلاه خليفته ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه: سنة ستة وعشرين من الهجرة، وأحدث زيادة في مساحة المسجد الحرام، قدرها: ثمان مائة وتسع وستون متراً.

وتلاه عبد الله بن الزبير: سنة خمس وستين من الهجرة فأضاف إلى المساحة القديمة: ألفين وتسع مائة وثلاثة وثمانين متراً مربعاً.

ثم أضاف الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك: سنة إحدى وتسعين من الهجرة إلى مساحة المسجد الحرام: ألفين وثمان مائة متراً مربعاً.

وأما في العهد العباسي فقد أضاف الخليفة أبو جعفر المنصور: سنة سبع وثلاثين بعد المائة الأولى من الهجرة: خمسة آلاف ومئتين وواحداً وعشرين متراً مربعاً.

وفي عهد الخليفة محمد المهدي: سنة إحدى وستين ومائة بلغت الزيادة: إثنى عشر ألفاً وخمس مائة واثني عشر متراً مربعاً.

ثم أضاف المعتضد: سنة أربع وثمانين ومئتين من الهجرة: ألفاً وثلاث مائة وتسعاً وثلاثين متراً مربعاً.

وأخيراً أضاف الخليفة المقتدر: سنة ست وثلاث مائة من الهجرة: سبع مائة وأربعة عشر متراً مربعاً.

فبلغ ما أضيف إلى المسجد الحرام من زيادات منذ عهد عمر بن الخطاب إلى عهد الخليفة المقتدر، بالإضافة إلى ما كانت عليه مساحته أيام قريش قبل البعثة، أكثر من ثلاثين ألف متراً مربعاً.

وبقيت مساحة المسجد الحرام ثابتة منذ عهد الخليفة العباسي المقتدر إلى عهد الحكم السعودي في دولته الثالثة، فقد شرع الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل يرحمه الله في مشروع كبير لتوسعة المسجد الحرام، وذلك

ص: 139

سنة ثلاث وسبعين وثلاث مائة وألف من الهجرة، ووافاه الأجل في السنة نفسها - يرحمه الله - وتولى الأمر بعده ابنه الملك سعود يرحمه الله ومضى في تنفيذ وإتمام ما بدأه والده.

ولما انتقلت الولاية للملك فيصل بعد أخيه - يرحمهما الله - واصل تنفيذ وإتمام توسعة المسجد الحرام على أكمل وجه، وأحسنه، وتم ذلك سنة ست وتسعين وثلاث مائة وألف، واستغرق تنفيذ المشروع عشرين عاماً.

فبلغت مساحة المسجد الحرام بعد إتمام التوسعة في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز - يرحمه الله -: إحدى وخمسين ومائة ألف مترٍ مربعٍ، وتعرف هذه التوسعة بالتوسعة السعودية الأولى.

وفي العام التاسع بعد الأربع مائة والألف من الهجرة بدأت التوسعة السعودية الثانية، التي تعرف اليوم بتوسعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، وتمت في العام الثاني عشر بعد الأربع مائة والألف من الهجرة، فأصبحت مساحة المسجد الحرام، مع ما يحيط به من ساحات تزيد على ثمان وعشرين وثلاث مائة ألف متر مربع1.

وحول مسألة الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كما نص عليه قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء/1] ، وقع ما يمكن أن نسميه إلتباساً في الفهم، حول المكان الذي أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم منه، وذلك لورود نوعين من الأحاديث: أكثرها تنص على أن الإسراء تم من

1 انظر: توسعة وعمارة الحرمين الشريفين، رؤية حضارية (ص2) .

ص: 140

المسجد الحرام1، والأخرى تنص على أنه صلى الله عليه وسلم كان في بيت أم هانئ2 عندما آتاه الملائكة، وشقّ جبريل عليه السلام عن صدره، وبيت أم هانئ حينذاك كان خارج المسجد الحرام.

وفي حديث لأنس بن مالك عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "فُرٍج عن سقف بيتي وأنا بمكة3

" وساق الحديث

وبيته كان في الشعب فأخذ الذين يقولون بأن مكة غير المسجد الحرام في مضاعفة المثوبة أو العقاب والأخذ بالإرادة قبل التنفيذ بالأحاديث الدّالة على أن الإسراء إنما كان من المسجد الحرام.

وأخذ الذين قالوا: بأن لا فرق بين أرض مكة والمسجد الحرام في مضاعفة الثواب أو العقاب، والأخذ بالإرادة من الإنسان على فعل المعصية، قبل فعلها منه، إلى حديث أم هانئ عند الحاكم وغيره، وإلى حديث البخاري في كتاب الصلاة.

قال ابن حجر: "وإن كان مختلفاً في (الحطيم) هل هو الحِجْرُ، أم لا؟ لكن المراد بيان البقعة التي وقع ذلك فيها، ومعلوم أنها لم تتعدد، لأن القصة متحدة لاتحاد مخرجها.

وقد تقدم في أول بدء الخلق4 بلفظ: "بينا أنا عند البيت" وهو أعم، ووقع

1 انظر صحيح البخاري كتاب التوحيد باب: (وكلّم الله موسى تكليماً) حديث رقم (5717) وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (162،164) ، وانظر جامع الأصول لابن الأثير (11/305-310) .

2 انظر الطبراني في الكبير (24/432) حديث رقم (1059) عن أم هانيء (بات رسول الله ليلة أسرى به في بيتي

) ، وانظر تفسير أول سورة الإسراء عند ابن كثير.

3 أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الصلاة الباب الأول، كيف فرضت الصلوات في الإسراء؟.

4 كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة من صحيح البخاري، حديث رقم (3207) .

ص: 141