المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * تتمة شرح المقدمة * التعريف بابن معطي وألفيته.   بسم الله - شرح ألفية ابن مالك للحازمي - جـ ٢

[أحمد بن عمر الحازمي]

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * تتمة شرح المقدمة * التعريف بابن معطي وألفيته.   بسم الله

‌عناصر الدرس

* تتمة شرح المقدمة

* التعريف بابن معطي وألفيته.

بسم الله الرحمن الرحيم

س- هذا يقول: ذكرتم الفعل الماضي ثلاثة أقسام، فما هي؟

ج- لا ماضٍ لفظاً ومعنى، ماضٍ لفظاً ومعنى .. قام زيد أمس، وماضٍ لفظاً لا معنى:((أَتَى أَمْرُ اللَّهِ)) [النحل:1] هذا في اللفظ لا في المعنى، وماضٍ معنىً لا لفظاً: لم يضرب زيد عمرواً .. لم يضرب، متى؟ في الماضي، هذا من حيث المعنى ماضٍ، ومن حيث اللفظ ليس بماضٍ بل هو مضارع، وهذا سيأتينا عند قوله: وفعل أمر ومضي بنيا

س: شرح الأشموني مع حاشية الصبان الذي عندي هو طبعة مكتبة الصفا فما .... ؟

ج- ليس في طبعة محققة معنا، لكن دار الفكر ودار الكتب العلمية، هذا من الضروري الذي لا بد منه، فتأخذ هذه الطبعة وتلك، لكن الذي طالعتها دار الفكر جيدة لا بأس بها.

ما معنى: فذلك؟ *

قد شبَّهوه بخَلقه فتَخوَّنوا

شُنَع الوَرى فَتسَتّروا بالبَلْفَكَة

بلا كيف هذا مولد، منحوت لكنه مولد، ومثله: فذلك، فذلك فذلك أقول: هذا مولد أيضاً، والكذلك، يعني: قول المصنف: وكذلك فعل مضارع منصوب مثلاً، قوله كذلك: نقول كذلك المصنف، لماذا كذلك؟ هذا يأتينا معنا في ابن عقيل، ابن عقيل يكذلك فيما إذا عطف على المتفق عليه بمختلف فيه، وسيأتي مثال يغلط به بعض الطلاب بل بعض المشايخ، وأما البلكفا هذه بلا كيف، قد يكون في .. مثل قلقل، قال قلت، قال البخاري قلت: كذا مثلاً شرح بالقنقلة، فإن قيل قلت فنقل، يعني: قال، فإن قيل قلت، إلى آخر ما يذكرونه.

الملف ‌

(2)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

قال المصنف رحمه الله تعالى:

وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ

مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ

وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ: عرفنا أستعين أصلها: سعون .. هذه الياء منقلبة عن واو؛ لأنها مأخوذة من العون، فدل على أن هذه الواو ليست أصلية، بل هي منقلبة، حينئذٍ أقول: أصلها: سعون .. سعوِ .. سعوِ .. استثقلت الكسرة على الواو فنقلت، إحلال بالنقل إلى ما قبلها، ثم سكنت الواو فكسر ما قبلها وجب قلبها ياءً، قيل: أستعين.

وَأَسْتعِينُ اللهَ: والسين هذه للطلب، أو معطوف على جملة أحمد، يعني: في محل نصب، بعدما ما تعرب مفردات، تقول: والجملة، وأستعين الله في ألفية: في محل نصب عطفاً على جملة أحمد ربي الله خير مالك، هذا على الصحيح أن الجمل كلها معطوفات على الجملة الأولى، وأن مقول القول هو: أحمد ربي الله، وليس كل الألفية هي مقول القول، وهذا قال به بعضهم.

قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ، ماذا قال؟ أحمد إلى آخر كلمة في الألفية في محل نصب مفعول به لقال، والصواب: أن كل جملة مستقلة، إلا إذا علم أن ابن مالك رحمه الله قالها في مجلس واحد، إذا قال في مجلسٍ واحد: قال محمد هو ابن مالك، ثم نظمها كلها عن بكرة أبيها في مجلس واحد صح هذا القول، وأما إذا جزأها حينئذٍ نقول: لا، الصواب: أن الجملة الأولى في محل نصب، مقول القول، ثم بعد ذلك تكون الجمل معطوفات على ذلك المحل.

ص: 1

وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ، أي: في نظم قصيدة، أو إن شئت قل: أرجوزة وهذا أجود وأحسن وهو الذي قدره السيوطي في البهجة.

مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ: مقاصد: هذا مبتدأ وهو مضاف، والنحو مضاف إليه، ومحوية: خبر المبتدأ، وقيل مقاصد: هذا اسم كتاب جمعته هذه الألفية، ونفاه السيوطي رحمه الله تعالى في النكت على الألفية.

ومَقَاصِدُ النَّحْوِ: أي: معظم النحو وجل مهماته، والقصد في الشيء عدم الإفراط فيه، إذاً: المراد بمقاصد النحو نقول: جل المهمات وأغراضه التي ينبغي أن يعتني بها طالب العلم في التأصيل، هو يذكر الأصول، وما يتفرع عن الأصول هذا قد يذكره وقد لا يذكره، وإنما يرجع فيه إلى

أو الشروح، إذاً مقاصد النحو، أي: أغراضه وجل مهماته كما قال في آخر الألفية:

نَظْماً عَلَى جُلِّ المُهِمَّاتِ اشْتَمَلْ

ومحوية: أي: محوزة، اسم مفعول، مقاصد النحو بها: يعني: فيها، فالباء هنا بمعنى: في، يعني: محوية، أي: مجموعة فيها .. في هذه الألفية، هذا يعتبر من ظرفية المدلول في الدال، لماذا؟ لأن الألفية اسم للألفاظ المخصوصة .. الدالة على المعاني المخصوصة، هذه المعاني هي المقاصد، إذاً: الألفاظ كأنها كأس، والمقاصد كأنها ماء في الكأس، أيهما ظرف وأيهما مظروف؟ لا شك أن الألفية ظرف والمقاصد تكون مظروفاً.

إذاً: بها محوية، أي: مجموعة ومحوزة فيها، أي: في هذه الألفية من ظرفية المدلول في الدال؛ لأن الألفية اسم للألفاظ المخصوصة الدالة على المعاني المخصوصة، والمقاصد هي تلك المعاني.

بها محوية: قلنا: بها يتعلق بمحوية، وإذا كان كذلك محوية اسم مفعول، ووقع ماذا؟ ووقع خبراً عن المبتدأ حينئذٍ هل يصح أن يتقدم معموله الخبري على الخبر؟ هذا سيأتي في الفعل، فيه نزاع، وفي الاسم فيه نزاع، يأتي معنا في موضعه، وبها يتعلق به، والباء بمعنى: في، ويحتمل أن تكون للسببية، ويراد بمقاصد النحو: جميعه، أي: جميع مسائل النحو مجموعة بسببها، أي: تفهم إذا فهمت، والأول هو المشهور، أن بها با بمعنى: في.

ومحوية: خبر لم يطابق، ومقاصد جمع، قلنا: هذا مبتدأ ومحوية: هذا خبر، والأصل التطابق بين المبتدأ والخبر إفراداً وتثنيةً وجمعاً، وهنا محوية: مفرد، ومقاصد جمع، هل حصل التطابق؟ الجواب: لا، نقول: لم يطابق محوية الخبر .. الذي هو الخبر لم يطابق المبتدأ لأنه في مثل هذا التركيب يجوز الأمران، بل هذا هو الأفصح، أن يكون مفرداً، لكون مقاصد جمع كثرة لما لا يعقل، والأفصح فيه الإفراد، إذا كان المبتدأ جمع كثرة لما لا يعقل فالخبر يجوز فيه الوجهان: أن يطابق، وأن يلزم الإفراد .. أن يطابق مقاصد النحو بها محويات، هذا يجوز، وطابق المبتدأ؛ لأن المبتدأ جمع والخبر جمع كذلك.

ولما كان المبتدأ جمع كثرة مقاصد مفاعل لما لا يعقل حينئذٍ جاز أن يلزم الإفراد، ولا يطابق المبتدأ، بل هذا هو الأفصح في لسان العرب، لكون مقاصد جمع كثرة لما لا يعقل، والأفصح فيه الإفراد:

وجمع كثرة لما لا يعقل

وما سواه الأفصح المطابقة

الأفصح الإفراد فيه يافل

نحو هبات وافرات لائقة

ص: 2

هذا سيأتي بهبات وافرة، وأفرد الناظم لفظ: وافرة في قوله: بهبات وافرة؛ لأنه يجوز الأمران، أو لتأويل هبات بمعنى: جماعة، جماعة الهبات، فيكون جارياً على الأفصح، على كل وافق هنا وخالف هناك، وافق هنا لفظاً ومعنىً، فقال: مقاصد النحو بها محوية، جاء على الأفصح، هناك قال: بهبات وافرة خالف، والأفصح أن يقول: وافرات، ولكن نؤول له، نقول: هبات، أي: جماعة الهبات، حينئذٍ أولنا الجمع في معنى المفرد.

مقاصد النحو: النحو المراد به .. النحو في لسان العرب يأتي بمعنىً لغوي ويأتي بمعنىً اصطلاحي، واستوعب بعضهم النحو وأورده في أربعة عشر معنىً، والمشهور منها ستة معانٍ، مجموعة في قول الناظم:

قصد ومثل جهة مقدار

قسم وبعض قاله الأخيار

قصد ومثل جهة مقدار، وقدم القصد لأنه هو الأكثر وهو الغالب في استعمال هذا اللفظ، قسم وبعض قاله الأخيار، تقول: نحوت نحوك أي: قصدت جهتك مثلاً، ونحوت المدينة، أي: قصدتها فجاء النحو هنا بمعنى القصد، وزيد نحو عمرو يعني: مثله، فجاء النحو بمعنى المثل، ومررت برجل نحوك، أي: مثلك، وتقول: صليت نحو الكعبة أي: جهتها، فالنحو هنا بمعنى: الجهة، ولزيد نحو ألف .. ألف ريال مثلاً، يعني: مقدار ألف ريال.

وهذا على أربعة أنحاء، أي: أقسام، وجاء نحو القوم، يعني: بعضهم، وأكلت نحو السمكة، أي: بعضها، وأظهر معانيه وأكثرها تداولاً هو القصد، هذا من جهة المعنى اللغوي، وهذا الذي عناه الكثير بأن النحو الاصطلاحي له مرد إلى المعنى اللغوي، إذ كل معنىً اصطلاحي ولا بد أن يكون له ارتباط بالمعنى اللغوي، والعلاقة بينهما إما العموم والخصوص المطلق، أو الوجهين.

وأما النحو في الاصطلاح فثم اصطلاح للقدماء المتقدمين، وثم اصطلاح خاص للمتأخرين بلفظ النحو، عندنا علمان: صرف ونحو، والنظر في الكلمة كلمة عربية، إما أن ينظر فيها قبل التركيب أو بعد التركيب في الجملة، إن نظر إليها قبل التركيب في جوهر الكلمة في ذاتها، كما مر معنا: المصطفى، أصله: مصتفى، قلبت التاء طاءً، هذه قاعدة.

قلنا: إذا جاء تاء الافتعال بعد حرف من أحرف الإطباق وجب قلب التاء طاءً، هذه قاعدة صرفية، النظر فيها هنا هل هو نظر إلى الإسناد، يعني: كون هذه الكلمة مسنداً أو مسنداً إليها، كونها مبتدئاً أو خبراً أو فاعلاً أو نحو ذلك نقول: لا، وإنما نظروا إلى جوهر الكلمة .. إلى ذاتها قبل تركيبها، وكذلك قوله: مصطفون .. مصطفون الواو هذه تحركت وفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، قال محمد: قال أصله: قول فهو أجوف واوي، بدليل القول ويقول، فدل على أن هذه الألف منقلبة عن واو، أصلها: قول، تحركت الواو وانفتح ما قبلها.

ص: 3

هذا البحث هو بحث صرفي، أم نحوي؟ وينظر للكلمة باعتبار آخر، باعتبار أحوال أواخرها من حيث ما يعتريها من صفات تتعلق بها من حيث الرفع أو النصب أو الخفض أو الجزم، وهذا إنما يكون بعد تركيبها، بعد إسنادها إلى غيرها حينئذٍ ننظر إلى الكلمة قال قول، ثم نقول: قال زيد .. قول قال، في نفسه لا يرفع .. لوحده قال هكذا قبل تركيبه وإسناده نقول: لا يرفع فاعله، بل هو ليس فعلاً كما سيأتي بل هو اسم، كما ذكرناه (وعلم آدم الأسماء)، فهو اسم، قال: اسم على قال محمد، محمد هذا فاعل، رفعه قال، قال أصله: قول، نقول: قال هنا ليس بفعل بل هو اسم، وسيأتي معنى قوله: ومسند.

النظر في الكلمة إما أن يكون قبل الإسناد أو بعده، هل علم النحو مختص بواحد من هذين النظرين، أو أنه يشمل النوعين؟ هذا يختلف باختلاف الأزمان، كان المتقدمون يطلقون لفظ النحو على النوعين معاً، فيشمل ماذا؟ علم الصرف المتعلق بجوهر الكلمة، وما يعتريها من إبدال أو إدغام أو حذف أو نحو ذلك، كل ما يتعلق بجوهر الكلمة دون نظر إلى إسنادها، فهذا صرف عند المتأخرين، لكنه نحو عند المتقدمين.

وأما النظر في الكلمة بعد تركيبها وإسنادها إلى غيرها، أو إسناد غيرها إليها كقال محمد، وزيد قائم، ومات عمرو، نقول: هذه جمل اسمية وجمل فعلية، هذا النظر في آخر الكلمة من حيث الإعراب والبناء هو محل نظر النحاة، ولكن هل يسوَّى بينه وبين النظر في جوهر الكلمة من حيث الاسم لا من حيث الأصول والقواعد، وإلا القواعد متباينة ومختلفة لكن هل يسمى النظران أو الاعتباران اسماً واحداً يجمع النوعين؟ هذا ما ذهب إليه المتقدمون وجرى ابن مالك رحمه الله على هذا، ولذلك قال:

مقاصد النحو، ثم نجده نظم نحواً من ثلاثمائة بيت في الصرف، فدل على ماذا؟ على أنه توسع في هذا المصطلح فضم الصرف إلى مفهوم لفظ النحو، وأما المتأخرون ففصلوا من باب التحقيق .. فصلوا بين العلمين، وجعلوا النظر في جوهر الكلمة من حيث الإعلال والإبدال والإدغام والحذف وكلما يتعلق بها، سموه علماً مستقلاً بالصرف أو التصريف ووضعوا له منظومات ونثراً وشروح وحواشي إلى آخره.

وجعلوا النحو الذي يتعلق بأحوال أواخر الكلم إعراباً وبناءً باسم النحو على جهة الخصوص، إذاً: المزج عند المتقدمين والفصل عند المتأخرين، فحينئذٍ نقول: النحو في الاصطلاح ثم اصطلاح للقدماء واصطلاح للمتأخرين، واصطلاح القدماء المراد بالنحو عندهم: ما يرادف علم العربية، إذا أطلق علم العربية عند المتأخرين يشمل اثني عشر نوعاً، وإذا أطلق عند المتقدمين فالمراد به النحو والصرف معاً، فصار النحو مرادفاً لعلم العربية، وصار النحو شاملاً لنوعين من الفنون وهما ما يتعلق بأواخر الكلم إعراباً وبناءً وما يتعلق بذات الكلمة أو بجوهر الكلمة، فصار المراد بالنحو عندهم ما يرادف علم العربية، أي: ما يشمل النحو والصرف فقط، لتخصيص غلبة الاستعمال علم العربية بهما، يعني: الاستعمال غلب في تخصيص علم العربية بهذين الفنين فحسب فقط.

ص: 4

أما عند المتأخرين فيشمل اثني عشر فناً، لكن أهم علوم العربية فلا ينزع اثني عشر فناً: النحو والصرف والبلاغة، وإذا أخذ شيئاً من العروض من أجل أن يحسن قراءته وهذا شيء جيد، فحينئذٍ نقول: العلم: علم النحو الشامل للصرف يعرف بأنه: علم بأصول يعرف بها أحوال الكلم إفراداً وتركيباً، هذا الذي عنها ابن رحمه الله تعالى بقوله:

مقاصد النحو، فهو علم بأصول يعرف بها أحوال الكلم إفراداً وتركيباً، إفراداً: كالإعلال والإدغام والحذف والإبدال، وهذا هو فن الصرف والتصريف، أو تركيباً كحركات الإعراب والبناء وهذا هو فن النحو عند المتأخرين.

فقوله: إفراداً: لا ينظر في هذه الكلمة بعد التركيب من مسند ومسند إليه، يعني: ليس النظر هنا في كونه مبتدأً أو فاعلاً أو نائب فاعل أو خبراً لا، لا ينظر إليه، وإنما ينظر إلى جوهر الكلمة قبل تركيبها، وأما الكلمة قبل التركيب فهذه في الأصل لا توصف بكونها مبنية ولا معربة، يعني: زيد لوحدها لا تقل: زيد هكذا إلا من باب التعليم، وإلا تقول: زيد بالإسكان؛ لأن زيدٌ معناه: أنك أعربتها؛ لأن هذه الضمة ضمة إعراب، فإذا كان كذلك أين العامل؟ ليس لها عامل، أنت لم تركبها بعد .. لم تسندها إلى غيرها، فإذا قلت: زيٌد أخطأت، وإنما تقول: زيد؛ لأن الكلمة قبل تركيبها على الصحيح فيها ثلاثة أقوال:

قيل معربة، وقيل مبنية، وقيل لا معربة ولا مبنية، وهذا رأي ابن مالك وهو أرجح، أنها لا توصف بإعراب ولا بناء.

وأما بعد التركيب حينئذٍ ينظر إليها من جهة الإسناد وعدمه.

وأما في اصطلاح المتأخرين: فالنحو علم بأصول يعرف بها أحوال أواخر الكلم إعراباً وبناءً أفردنا إفراداً هذا صار علماً مستقلاً وهذا أجود للطالب وأسهل أن يدرس الصرف على جهة الخصوص، ثم يدرس بعد ذلك النحو على جهة الخصوص، إذاً علم بأصول يعرف بها أحوال الكلم إفراداً وتركيباً هذا من جهة شموله لفن الصرف أو علم بأصول يعرف بها أحوال أواخر الكلم إعراباً وبناءً هذا على جهة خصوص النحو مع إخراج فن الصرف وهذا هو النحو عند المتأخرين.

علم بأصول: المراد بالأصول هنا: القواعد العامة التي يقعدها النحاة كقولهم: الفاعل مرفوع، والمفعول به منصوب، والمضاف إليه دائماً مجرور، والمضاف بحسب العوامل، والمبتدأ لا يكون إلا اسماً ولا يكون إلا مرفوعاً، والخبر يكون مفرداً ويكون جملةً وأحكام الضمائر والمعارف ونحو ذلك كل أبواب النحو وما يستخلص من قواعد نتيجة البحث في ذلك الباب يسمى: قاعدة، ويسمى: أصلاً ويسمى: ضابطاً ويسمى: أساساً، فهذه كلها مترادفة من حيث الاصطلاح وإن كانت متباينة من حيث المعاني اللغوية.

علم بأصول: ما المراد بالعلم؟ إما أن يفسر بمعنى: الإدراك، وإما أن يفسر بمعنى: الملكة وهي هيئة راسخة في النفس تكون نتيجة عن المطالعة وضبط ودربة العلم ونحو ذلك، وإما أن يفسر بالمسائل التي هي فروع القواعد ثلاثة أقوال في تفسير العلم ولكن هنا لا يمكن تفسيره بالقواعد؛ لأننا فسرنا الأصول بماذا؟ بالقواعد كيف قواعد بقواعد؟ وإنما يفسر بالإدراك والإدراك: هو المعنى اللغوي لمعنى العلم:

العلم إدراك المعاني مطلقاً

وحصره في طرفين حققا

ص: 5

فالعلم المراد به: إدراك المعنى، والمراد بالإدراك: هو وصول النفس إلى المعنى بتمامه، فإن لم يكن كذلك فهو شعور لا إدراك، وهذا المعنى قد يكون معنىً مفرداً، وقد يكون معنىً مركباً، المعنى المفرد: هو مدلول اللفظ المفرد: زيد هذا لفظ مفرد، مدلوله شيء مفرد وهو: الذات المشخصة: زيد قائم هذا مركب مدلوله ثبوت قيام زيد، إدراك الأول يسمى: تصوراً وإدراك الثاني يسمى: تصديقاً، ففرق بين العلمين علم التصور وعلم التصديق:

إدراكٌ مفردٌ تصوراً عُلِم

العلم إدراك المعاني مطلقا

سموهما: التصديق والتصورا

ودَرْكُ نسبةٍ بتصديقٍ وُسِم

وحصره في طرفين حققا

.............................

إذاً: هذان علمان، قوله: علم، أي: إدراك بأصول، الأصول المراد بها هنا: القواعد العامة التي يستنبطها النحاة من كلام العرب بواسطة التتبع فحينئذٍ إذا قعدوا قاعدة كالفاعل مرفوع نقول: علمك بهذه القاعدة: الفاعل مرفوع، تستطيع بواسطتها أن تعرف جزئيات تلك القاعدة؛ لأن القاعدة ما هي: قضية كلية يتعرف بها أحكام الجزئيات موضوعها والكلام في هذا يطول وقد سبق معنا مفصلاً في شرح الملحق ولا بد من الإحالة.

حينئذٍ نقول قضية التي هي: الفاعل مرفوع هذه قضية كلية، بأن الفاعل: هذا مبتدأ محكوم عليه، مرفوع: هذا محمول وهو خبر، الفاعل يشمل ماذا؟ يشمل زيد وعمرو وخالد من قولك: جاء زيدٌ ومات عمرٌ وسافر خالد هذه كلها آحاد هل هي داخلة تحت قولنا: الفاعل؟ نقول: نعم، داخلة تحت قولنا: الفاعل.

ما الذي يدلنا على أن هذا اللفظ: زيد من قولك: جاء زيد فاعل؟ بتطبيق الحدود: الاسم المرفوع المذكور قبله فعل أو الاسم المؤول بالصريح المذكور قبله فعل إلى آخره، أو أسند إليه فعل صريح أو مؤول بالصريح مقدم عليه بالأصالة قائماً منه أو واقع عليه، حينئذٍ نقول: هذا الحد بالنظر فيه والتفكر وتنزيله على زيد تحكم بأنه فاعل.

هنا فائدة الحدود حدود يذكرها النحاة ويفصلون فيها من أجل أن تحكم على اللفظ؛ لأنه يأتيك: جاء زيد، ضربت عمرواً وخالداً إلى آخره تقول: خالد من هذا اللفظ أو هذا التركيب هل هو فاعل أو تمييز أو حال؟ يلتبس، حينئذٍ الذي يضبط لك هذا عن ذاك هو الحد، فمعرفة الحد بتفاصيله وجزئياته وإدخاله وإخراجه يعينك على الحكم على الشيء بكونه فاعلاً، ثم إذا حكمت عليه بكونه فاعلاً يستلزم ماذا؟ يستلزم الحكم الإعرابي وهو: أنه مرفوع.

ولذلك يركب قياس من الشكل الأول فيقال: زيد، من: جاء زيد فاعل، هذه مقدمة صغرى، وكل فاعل مرفوع فالنتيجة: زيد مرفوع؛ لأنه فاعل مع التعليل، هذه قد يقول قائل: كلفة فيها هذه أنت مبرمج عليها، أليس كذلك؟ فتحكم على الشيء بكونه فاعلاً أولاً تتصور أنه فاعل، وهذا التصور لو لم تستحضر فيه الحد إلا أن مدلول الحد هو الذي وقع في نفسك صار أمراً جبلياً لا يحتاج إلى تكلف وطلب للمعلومات.

ص: 6

فحينئذٍ تحكم على زيد من قولك: جاء زيد بأنه فاعل والذي دلك على هذه المقدمة الصغرى هو الحد ثم ما حكم الفاعل هل هو مرفوع أو منصوب أو مجرور؟ وكل فاعل مرفوع، هذه قضية كلية يشمل زيداً وغيره، من أين أخذنا هذه القاعدة، ما دليلها؟ استقراء كلام العرب، نظر في الكتاب وفي السنة، وفيما ورد من فصحاء العرب حينئذٍ أثبتنا بالاستقراء والتتبع أن كل فاعل مرفوع.

ينتج لنا نتيجة مسلم بها وهي: أن زيد من قولك: جاء زيد فاعل مرفوع، إذاً علم بأصول بقاعدة الفاعل مرفوع ينتج لنا العلم بآحادها وأفرادها، النتيجة نقول: علم بأصول أي: بهذه القواعد ينتج لنا ماذا؟ العلم بمفردات هذه القواعد، هذه القواعد إنما تبحث في كتب النحو وأنت الذي تستخلصها يعني: تحفظها وتفهمها، ثم تطبقها على تلك الجزئيات.

إذاً: يطلق العلم على القواعد المعلومة التي من شأنها أن تعلم لما علم بالفعل؛ لأن النحو له حقيقة في نفسه سواء علم أو لم يعلم، وإطلاق العلم على القواعد المعلومة بالفعل حقيقة عرفية كإطلاقه على الملكة أي الكيفية الراسخة في النفس التي يقتدر بها على استحضار ما كانت علمته واستحصال ما لم تعلمه، وأما إطلاقه على الإدراك فحقيقة لغة وعرفاً هذا هو الصواب في العلم: أنه يطلق ويراد به الإدراك، ثم استعماله في الملكة أو استعماله في القواعد هذا ليس على أصل المعنى اللغوي.

وأما إطلاقه على فروع القواعد أي: المسائل الجزئية المستخرجة منها بجعل قاعدة كبرى لصغرى سهلة الحصول: هكذا زيد من قام زيد فاعل وكل فاعل مرفوع فزيد من قام زيد مرفوع، هذا فيه تجوز عند الحكماء ويعتبر من المجاز لكنه معمول به.

بأصول: المراد بالأصل: الأصل الاصطلاحي، وهو المراد في القاعدة والقانون والضابط والأساس، وهي قضية كلية يتعرف بها على أحكام الجزئيات موضوعها، فقاعدة الفاعل مرفوع مثلاً: لها جزئيات، وجزئياتها: كل اسم صدق عليه حد الفاعل، أولاً الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فإذا فهم الحدود ونزلها على الآحاد والمفردات حينئذٍ صح له أن يسمي الفاعل: فاعلاً، والمفعول به، مفعول، والمضاف، والتمييز، والحال إلى آخره.

ولذلك قد يخلط الطالب بعض المسائل في التمييز والحال أو في المضاف والمضاف إليه، خاصة إذا كان في باب المبنيات، ليس له مرد في ضبط هذه المسائل إلا الرجوع إلى الحدود أنفسها، فيضبطها على الوجه الصحيح ويستحضرها حينئذٍ يصح له الاستدلال على إثبات هذا الآحاد أو هذا الفرد بأنه فاعل أو مفعول.

ومن هنا تأتي صعوبة النحو عند الطلاب؛ لأنه إذا أراد أن يعرب لا بد أن يستحضر كل هذا الحدود، وأن يكون مستحضراً لشروط كل باب واستثناءات كل باب، فإذا أراد أن يعرب وجهاً صحيحاً لا اعتراض عليه لا بد وأن يستحضر النحو كله من أوله إلى آخره.

ولذلك تقول: قال محمد هو ابن مالك انظر! قال هذا يتعلق في بحث الأفعال الفعل الماضي، قال محمد: هذا له ارتباط بالأعلام، هو: بالضمائر، ابن مالك: مضاف ومضاف إليه، أحمد ربي الله خير: إعراب تقدير بالظاهر إلى آخره، لا بد أن يستحضر الحدود كلها.

ص: 7

ولما كان ثم قصور في حفظ التعاريف واستحضارها صار النحو ماذا؟ كأنه طلاسم وإذا أعرب ولو كان حافظاً لبعض الأبواب أو بعض المنظومات إذا لم تكن عنده مستقرة استقرار تام يعني: يمليها عن ظهر قلب ويفهم معناها إن لم يكن كذلك حينئذٍ يخلط في الإعراب.

ولذلك بعضهم يعرب ويأتي بالعجائب وهو يحفظ الألفية لماذا؟ لأنه حفظها هكذا ظاهراً ولم يمارس هذه الأصول وهذه القواعد التي نضمها ابن مالك: مقاصد النحو بها محوية، مقاصد يعني: جل ومهمات النحو نضمها لك ابن مالك رحمه الله تعالى.

ولذلك لا يكاد أن يفوته شيء من الأصول المطردة يعني: ثم ما هو أصل مطرد تحتاجه كثير في حياتك في الكلام وفهم كلام الناس في الخطابة إن كنت خطيب، أو في التفسير ونحو ذلك، الأمور التي قد تستعين ببعض الكتب مما يزيد على شروحات الألفية إنما يكون في النوادر أو في الشذوذات، أو في توجيه بعض الأقوال، يمر عليك قول ينسب للفراء ما وجه استدلاله أو ما وجه القول هذا؟ لا بد وأن تبحث في الحواشي ونحو ذلك، ولو قلت: هذا اللفظ من حيث هو ينظر إليه، هل هو مسلم به أو لا؟ دليله ليس من شأنك أنت.

إن كان هذا مستدل له بدليل وهو واضح بين فاقبله ولا ترده، وإن لم يكن كذلك فلا تتعب نفسك إن لم يكن من الأصول المطردة.

إذاً: مقاصد النحو، ما المراد بمقاصد النحو؟ نقول: أغراضه وجل مهماته، ما المراد بكلمة: النحو هنا في عبارة ابن مالك رحمه الله؟ ما يشمل الفنين .. ما يرادف علم العربية/ وعلم العربية يستعمل في فنين فقط لا ثالث لهما وهما: النحو عند المتأخرين والصرف أو التصريف.

موضوع علم النحو: الكلمات العربية من حيث الإعراب والبناء، هذا من اصطلاح المتأخرين وهو العمدة.

والثمرة: فهم الكتاب والسنة وإقامة اللسانين.

وفضله: الوسائل لها أحكام المقاصد، فإذا كان يستعان بهذا النحو على فهم الكتاب والسنة فما كان منه واجب كان تعلم النحو واجب، وما كان عيناً فهو عين، وما كان مستحباً فهو مستحب.

والنسبة بينه وبين العلوم الأخرى التباين، والواضع هو أبو الأسود الدؤلي بأمر أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه، ولذلك قسم له الأشياء فقال: اسماً وفعلاً وحرفاً كما سيأتي قال له: انح لهم نحواً، فسمي النحو لتسمية علي رضي الله تعالى عنه.

الاستمداد: من كتاب الله، وهذا متفق عليه، والسنن على الصحيح، هل يستدل بالحديث بإثبات قاعدة أو لا؟ هذا فيه خلاف، أكثر النحاة على المنع، بناءً على جواز الرواية بالمعنى، والصواب أنه يحتج به في إثبات الأحكام أو القواعد العامة في لغة العرب.

والثالث: كلام فصيح العرب بالتتبع والاستقراء.

اسمه: علم النحو من إضافة العام للخاص، والنحو من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول أي: المنحو وهذا يعتبر من إطلاق المصدر نحا ينحوا نحواً مصدر، أطلقه وأراد به ماذا؟ اسم المفعول، لكن هل هو خاص بهذا الفن: علم بأصول يعرف بها أحوال أواخر الكلم، أقول: هل هو خاص به أم أنه عام؟ كل علم منحو أم لا؟ كل علم منحو، يعني: مقصود، أنت تقصد علم الفقه وتقصد علم التفسير، إذاً هو مقصود.

ص: 8

والفقه في اللغة: الفهم، الفقه هو: الفهم، كل علم مفقوه يعني: مفهوم فليس خاصاً بالفقه الاصطلاحي عند المتأخرين حينئذٍ يكون من إطلاق العام وإرادة الخاص أو صار حقيقةً عرفيةً في اصطلاح القوم الذين اصطلحوا على هذا الاصطلاح، ولذلك الاصطلاح هذا يعرف بأنه: اتفاق طائفة مخصوصة على أمر معهود بينهم متى أطلق انصرف إليه.

فإذا كان النحاة اصطلحوا على أن الفاعل هو الاسم المرفوع المذكور قبله فعله حينئذٍ عند أهل اللغة الفاعل كل من أوجد الحدث أو الفعل فهو أعم؛ لأن: زيد قائم، زيد هذا فاعل زيد قائم فاعل أم لا؟ فاعل نعم؛ لأنه هو الذي أحدث القيام فهو فاعلٌ لغة لكنه ليس فاعلاً اصطلاحاً، فكل فاعل اصطلاحاً فهو فاعل لغة من غير عكس.

إذاً: اتفاق طائفة مخصوصة على أمر معهود بينهم متى أطلق انصرف إليه.

ومسائله: القواعد التي تبحث فيها كالفاعل مرفوع ونحو ذلك.

وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ

مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ

تُقَرِّبُ الأقْصى .. تقرب، يعني: هذه الألفية للأفهام، الأقصى، يعني: الأبعد، وهل أفعل التفضيل على بابه أم لا؟ هل الألفية هذه إذا قربت للأفهام الأقصى الأبعد، هل يلزم منه أن تقرب البعيد، أم قد يفوته؟ قيل: يلزم، فحينئذٍ لا تكون أفعل التفضيل على بابها، بل تقرب الأقصى الأبعد والبعيد من باب أولى وأحرى.

وقيل: لا، لا يلزم من تقريب الأبعد تقريب البعيد؛ لأنه قد يعتني بالمعاني الدقيقة، فيفوته ما هو قريب من ذلك، وهذا أمر ملاحظ، حينئذٍ نحمل أقصى هنا على غير باب أفعل التفضيل، ونقول: تقرب هذه الألفية للأفهام .. فهم الطلبة الأقصى، يعني: الأبعد والبعيد فيشمل النوعين، لا من باب التلازم.

لو جعلناه من باب التلازم لقلنا: أفعل هنا على بابه، ولكن نقول: لا، ليس على بابه بل هو يشمل الأبعد والبعيد، أي: تقرب البعيد للأفهام أو الأبعد من المعاني.

بلفظ موجز: يعني: مع لفظ موجز، فالباء هنا بمعنى مع، أو للسببية يحتمل هذا ويحتمل ذاك، وكلاهما عليهما الشراح، يعني: بعضهم فسره بمعنى: مع.

مع لَفْظٍ مُوجَزِ: بسبب لفظ موجز، لا إشكال في هذا، فلفظ الباء بمعنى: مع، أي: تفعل ذلك مع وجازة اللفظ، أي: اختصاره، والأشموني مشى على هذا، أنها بمعنى: مع، ولم يجعلها سببية؛ لأن المعهود سبباً للتقريب، البسط لا الإيجاز، إذا أراد أن يفهم غيره حينئذٍ يختصر له الكلام اختصاراً أو يسهب؟ يفصل تفصيلاً أم أنه يختصر الكلام اختصاراً؟ إذا أريد الفهم على جهة البسط يفهم كل المسألة من أولها وآخرها، فحينئذٍ لا بد من البسط، فكيف يقول رحمه الله: تقرب الأقصى البعيد للأفهام، أفهام الطلبة بلفظ موجز، يعني: مع الاختصار، لذلك عدل الأشموني عن تفسير الباء هنا بكونها للسببية إلى كونها، بمعنى: مع.

ولذلك قال: ولم تجعل للسببية؛ لأن المعهود عند الناس وعند أهل العلم سبباً للتقريب البسط لا الإيجاز، ويصح كونها للسببية على الصواب فيكون فيه غاية المدح للمصنف، حيث اتصف بالقدرة على توضيح المعاني بالألفاظ الوجيزة التي من شأنها تبعيده، التي من شأنها: من شأن الألفاظ الوجيزة تبعيد المعاني الدقيقة، لكن لقدرة المصنف وبلاغته استطاع أن يعكس الأمر.

ص: 9

تُقَرِّبُ الأقْصى بِلَفْظٍ مُوجَزِ، يعني: مع لفظ موجز، والموجز المراد به هنا الاختصار، فالإيجاز هو تقليل الكلام – الألفاظ_ مع كثرة المعنى، وهذه صفة سائدة في المختصرات عند أهل العلم، ولذلك عم بها النفع لمن اشتغل بها، لفظ قليل، ولكن تحته من المعاني الكثيرة الكثيرة الكثيرة، ولذلك في الفقه تظهر هذه المزية أكثر وأكثر؛ لأنه يأتي بالمنطوق والمفهوم، يذكر الحكم بالمنطوق وعكسه المفهوم، يكون مخالفاً للحكم وهو مراده .. هو مراده.

ولذلك قد يستدرك على بعضهم بماذا؟ بأنه أطلق المفهوم والأصل تخصيصه، الأصل أنه لا يعم، حينئذٍ يورد عليهم من هذه الحيثية، لماذا؟ لأن المفاهيم المنطوقات، والمفاهيم في المتون سواء كانت نثرية أو منظومات مرادة عند أرباب التصنيف، وما جاءت الاعتراضات والنقد والتنقيح إلا من أجل هذا، وما اختصرت إلا من أجل تسهيل العلم، لا من أجل تعقيد العلم، والبعض يظن أن هذه المختصرات لها نوع إضلال لبعض الطلاب هكذا يعبر البعض، ويقول الزاد هذا أضل الطلاب، لماذا؟ لأنه كلام بدون دليل هذا أولاً، ثم فيه من تعجيز الكلام وربط الكلام بحيث يوصل إلى عدم الفهم من قراءة اللفظ بنفسه وهذا ليس بصحيح، الزاد كغيره من المتون، إنما يوجد فيه بعض الألفاظ التي تحتاج إلى تصحيح، لكن في الجملة نقول: هو واضح وبين.

إذاً: تُقَرِّبُ الأقْصى بِلَفْظٍ مُوجَزِ: يعني: مع لفظ موجز، أو بسبب لفظ موجز، وهذا إذا أردنا به مدحة ابن مالك رحمه الله تعالى.

وَتَبْسُطُ الْبَذْلَ: يعني: توسع البذل، ما المراد بالبذل هنا؟ العطاء.

بِوَعْدٍ مُنْجَزِ: يعني: مع وعد منجز، أو بسبب وعد منجز، يعني: تفسر الباء هنا كما فسرت في قوله: بلفظ موجز، إما أن تكون للمعية، وإما أن تكون للسببية، وتبسط البذل، يعني: توسع هذه الألفية لوجازتها العطاء الكثير للطالب .. طالب العلم؛ لأن اللفظ الواحد والجملة الواحدة يدخل تحتها جمهور من المسائل، إما بالمنطوق وإما بالمفهوم كما ذكرناه، وَتَبْسُطُ الْبَذْلَ بِوَعْدٍ مُنْجَزِ، يعني: مُوُفَاً أو مُوَفَّاً سريعاً في أسرع وقت، وهذه كانت طريقة المتقدمين، أنه إذا درس متناً متوسطاً فما فوق نبغ، بخلاف الآن المعاصرين يدرس ويدرس ويدرس وهو مبتدئ الأوائل لا كان الطالب يتخرج في سبع سنين إلى عشر سنين فإذا به يخلف شيخه، ويراجع الدرس للطلاب، والآن لا، يجلس يدرس ويدرس ويدرس وهو مبتدئ، لماذا؟

لعدم العناية بهذه المنظومات وبهذه المختصرات، فهي مفتاح .. هي لطالب العلم مفتاح، انتبه، يعني: لا يلج العلم بدون أن يكون له مختصر محفوظ، كما ذكرنا اليوم عن النووي رحمه الله تعالى، ويحفظ في كل فن مختصراً.

الأئمة كلهم عن بكرة أبيهم من أولهم إلى آخرهم لا بد وأنه قد سار على هذا المنهاج، وأما أن يريد أن يصل العلم دون متون ودون مختصرات وأن يأتي هكذا من رأسه ويقرأ المطولات، ويجرد ويختصر ويكتب إلى آخره دون أن يسير بهذا السير الذي أصله أهل العلم فلن يصل، هيهات هيهات.

وَتَبْسُطُ الْبَذْلَ بِوَعْدٍ مُنْجَزِ: هذا إشارة إلى ما تمنحه لقارئها من كثرة الفوائد، وهو كذلك، من درس الألفية وضبط معها بعض الشروح حينئذٍ حصل الكثير والكثير.

ص: 10

وَتَقْتَضي رِضاً بِغَيرِ سُخْطِ: تقتضي: يعني: تطلب، القضاء هنا بمعنى الطلب، أو بمعنى الحكم، قد يأتي القضاء بمعنى الحكم وبمعنى الطلب، تقتضي، أي: هذه الألفية، يعني: تطلب من الله، هكذا قدره بعضهم، أو من قارئها، أو منهما معاً، إما من الله تطلب الرضا، وإما من قارئها طالب العلم، أو مقرئها، أو منهما معاً، يعني: من الله تعالى ومن قارئها، وإسناد الطلب إليها مجاز عقلي، كيف تطلب هي من الله؟! هي ألفاظ ترفع يديها وتدعو الله عز وجل، نقول: لا، هذا إسناد عقلي، يعني: مجاز عقلي من الإسناد إلى السبب، إذ الطالب في الحقيقة ناظمها، هو ناظمها وهو الإمام ابن مالك رحمه الله تعالى.

وتقتضي رضاً، أي: محضاً، رضاً بكسر الراء، وهو سماعي، كضم سين: سخط، وسكون خائه، والقياس الفتح؛ لأنه من باب فرح يفرح، وتقتضي، أي: هذه الألفية، رضاً محضاً.

بغير سخط، يعني: لا يشوبه شيء من السخط، سواء كان من الله تعالى إذا كان الطلب من الله، أو كان من القارئ، فلن يسخط عليه أبداً، ولذلك قل أن يوجد نقد لابن مالك رحمه الله تعالى إلا في موضعين اثنين لا يكاد الجواب عنهما أن يتم:

وكلمة بها كلام قد يعم

يأتينا غداً إن شاء الله

ولذلك قال السيوطي: هذا من أمراضه التي لا دواء لها، يعني: لا يمكن الإجابة عنها، وجرت عادتهم أنهم في المصنفات المختصرات أنها مجلة ومحترمة ومعظمة، يعني: لا يكثر النقد إليها، لأنه إذا انتقدت وورد فيها الانتقادات العشر والمائة والألف سقطت هيبتها، إذاً: نحن نريد أن نحفظ المتن من أجل ماذا؟ أن نضبط العلم، ونمدحها من أجل أنها تجمع لنا العلم الذي صنف فيه هذا الكتاب، فإذا انتقدناها ما تركنا فيها شاردة ولا واردة ما بقي لها حرمة.

فلذلك من عادتهم أنهم ولو من باب التكلف أن يجيبوا عن أي اعتراض، وهذه سنة متبعة عند المؤلفين، ولا بأس بها، لكن لا يصل إلى حد التكلف الذي يكون بعيداً، إن أجيب بإجابات مقبولة واعتذارات قريبة لا بأس بها، وأما التنطع وتنزيه المصنف عن أن يقع في خلط هذا فيه تكلف.

ولذلك شراح الألفية على ثلاثة أنحاء:

متعصبون لابن مالك رحمه الله، وبعضهم يحط من شأنه، وبعضهم معتدل كابن عقيل رحمه الله تعالى.

وَتَقْتَضي رِضاً بِغَيرِ سُخْطِ، يعني: رضاً تام لا يشوبه شيء من السخط، وهذا علامة الإتقان أنه قد أتقن هذا النظم على الجادة.

فائققةٍ .. فائقةً .. فائقةٌ: يجوز فيه الأوجه الثلاثة، فائقةً: هذا على أنه حال من فاعل تقتضي، تقتضي: هذا فعل مضارع، مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره، والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره هي يعود إلى الألفية.

تقتضي هذه الألفية ماذا؟ وتقتضي رضاً بغير سخط حالة كونها فائقةً ألفية ابن معطي، فائقةٍ بالجر، وأستعين الله في ألفية فائقةٍ: على أنه صفة لألفية، فائقةٌ: وهي فائقةٌ، على أنه خبر لمبتدأ محذوف.

فائقة: أي: عالية في الشرف، يعني: فاقت ألفية ابن معطي، وكان قبل تأليف الإمام مالك رحمه الله تعالى ألفيته هي التي لها الراية، وهي التي يحفظها طلاب العلم، ولكن لما ألف هذه قضت على تلك، كالزاد مع المقنع، كان الأصل هو المقنع لابن قدامة رحمه الله تعالى، فلما ألف الحجاوي الزاد حينئذٍ لم يترك له شاردة.

ص: 11

أي: عالية في الشرف، وإنما فاقتها؛ لأنها من بحر واحد، من الرجز كلها من أولها إلى آخرها، بخلاف ألفية ابن معطي فإنها من بحرين السريع والرجز، وهذا يشوش على الطالب.

كذلك هذه الألفية أكثر أحكاماً من ألفية ابن معطي، وهذه جرت عادة أهل العلم أنهم في مثل الألفيات أو المختصرات أنهم يقارنون ما كتبوه بما سبق، ولذلك السيوطي هناك يقول:

وهذه ألفية تحكي الدرر

فائقةً ألفية العراقي

منظومة ضمنتها علم الأثر

في الجمع والإيجاز واتساقِ

نفس الكلام؛ لأن العراقي هو سابق وهو متأخر، والقاعدة عند أرباب المختصرات إذا أراد الطالب أن يميز بين مختصرين أو نظمين أيهما أجود ولا يقع في نزاع؟ أن الثاني المتأخر إذا كان أهلاً للتصنيف فالاشتغال بكتابه أولى، المتأخر إذا كان أهلاً للتصنيف، وبلغ الغاية في الفن الذي نظم أو كتب، فالاشتغال بكتابه أولى.

ولذلك ابن معطي هنا مع وجود ألفيته وهي مطبوعة ومشروحة .. مع ذلك تركت واشتغل بألفية ابن مالك، وهو متأخر بعده، وجمع في هذه الألفية ما تركه ابن معطي؛ لأن الناقد بصير، وهو قبل أن ينظم لا بد أنه نظر في من سبقه، وإذا كان كذلك حينئذٍ لا بد وأنه يستدرك ما قد فوته الأول، ولذلك ألفية السيوطي مرجحة على ألفية العراقي، لماذا؟

أولاً: لأنه متأخر، ولأنه أهل للتصنيف ولو كان في هذا الفن، ثم أن العراقي أسبق منه وإن شرحت ألفيته من جهته هو أو من جهة السخاوي، نقول: هذان الشرحان لا يتعلقان بالنظم نفسه؛ لأن الترجيح إما أن يكون لذات الشخص، وإما أن يكون لذات النظم، وإما أن يكون لما كتب على النظم أو المتن نفسه، حينئذٍ إذا نظر إلى الشخص هوالشخص .. نحن نقول: لا نريد أن نحفظ العراقي نفسه ولا السيوطي، وإنما نريد ما ألفه العراقي وما ألفه السيوطي.

إذاً: ننظر بتجريد المتنين عن أصحابهما، فننظر في المتن نفسه هل هو فائق بالفعل ألفية العراقي أو لا؟ ثم ما كتب على ألفية العراقي نقول: يمكن تجريده وجعله على ألفية السيوطي، أليس كذلك؟ السخاوي رحمه الله تعالى شرحه إما أنه يتعلق بلفظ بالمتن، وإما أنه لفائدة وحكم ومسألة بالمصطلح، الثاني هذا يمكن جعله على ألفية السيوطي، وأما الأول فلا علاقة لنا به، لماذا؟ لأن كل تركيب يحتاج إلى حل يختص به.

على كل، قال هنا:

فائقةً ألفية ابن معطي، حينئذٍ رجحت ألفية ابن مالك رحمه الله تعالى لهذين النظرين: أن ألفيته من بحر الرجز، كلها من أولها إلى آخرها، وأما ألفية ابن معطي فإنها اشتملت على بحرين السريع والرجز، كذلك هذه أكثر فائدة، يعني: أشمل من جهة الأحكام النحوية من ألفية ابن معطي.

ص: 12

فائقةً ألفية ابن معطي، ألفية: بالنصب .. أيش اعرابه؟ مفعول به لفائقة؛ لأن فائقة هذا اسم فاعل، واسم الفاعل يعمل عمل فعله، وابن معطي: هو الشيخ زين الدين أبو الحسين يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي، نسبةً إلى زواوى وهي قبيلة كبيرة كانت تسكن بظاهر بجايا من أعمال أفريقيا الشمالية، الفقيه الحنفي، ولد في سنة أربع وستين وخمسمائة، وأقرأ العربية مدةً بمصر ودمشق، وروى عن القاسم بن عساكر وغيره، وهو أجل تلامذة الجزولي، وكان من المتفردين بعلم العربية، وهو صاحب الألفية المشهورة وغيره من الكتب الممتعة، وقد طبعت ألفيته في أوروبا والعلماء لهم عليها عدة شروح، لكنها دون ألفية ابن مالك رحمه الله تعالى.

وَهْوَ بِسَبْقٍ حَائِزٌ تَفْضِيلَا

مُسْتَوْجِبٌ ثَنَائِيَ الْجَمِيلا

وهْو: بإسكان الهاء للوزن، يعني: ابن معطي، بسبق علي .. يعني: بسبب سبقه علي، حائز، أي: جامع تفضيلاً علي، هذا فيه ماذا؟ فيه أشبه ما يكون كالاستدراك لما سبق، يعني: لا يظن الظان أنه إذا رجح ألفيته على ألفية ابن معطي سقط ابن معطي؟ لا، بل هو له فضله وله مكانته في كونه سابقاً في التأليف والإفادة، قد أفاد أمم وحفظوا ألفيته، ومع ذلك له الفضل عند الله تعالى.

وهو، أي: ابن معطي، بسبق: الباء للسببية، أي: بسبب سبقه إياي، بسبق، أي: بسبق علي في الزمن والإفادة، وفي تقديم المعمول: بسبق حائز تفضيلاً .. تقديم المعمول إشارة إلى أنه لم يحز الفضل على المصنف إلا بالسبق، والجار والمجرور مرتبط بكل من حائز ومستوجب، وهو بسبق حائز أي: جامع.

تفضيلاً، أي: علي، أي: فضلاً، والمراد بالتفضيل .. التفضيل هنا: مصدر فضل يفضل تفضيلاً، والمراد به فضلاً، من إطلاق المسبب على السبب، أو هو مصدر مبني للمفعول.

إذاً: بسبق حائز جامع تفضيلاً علي، فهو مفضل علي بسبب ماذا؟ بسبب سبقه علي في الزمن والإفادة، وهذا ثابت شرعاً وعرفاً.

مستوجب، أي: مستحق، ويحتمل أن السين والتاء للتصيير، أي: مصير الثناء واجباً علي .. مستوجب علي أيضاً، فكل هذه تقدر بجار ومجرور محذوف، وهو بسبق علي، حائز تفضيلاً علي، مستوجب: أي: مستحق علي.

ثنائي الجميلا .. مستوجب ثنائي، وايش إعراب ثنائي؟ مفعول به لمستوجب، والسين هذه مستوجب .. للطلب، يعني: طالب مستحق، مستوجب علي .. ثنائي، الثناء: مختص بالخير عند الجمهور، وعند ابن عبد السلام يعمه والشر، فيقال: أثنى عليه شراً: {مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً فقال: وجبت، ومروا بجنازة فأثنوا عليها شراً، فقال: وجبت} قال ابن عبد السلام: إذاً أثنوا عليها خيراً وأثنوا عليها شراً، وهؤلاء صحابة وهم حجة في لسان العرب، إذاً: الثناء لا يختص بالخير، بل يعم الشر.

مُسْتَوْجِبٌ ثَنَائِيَ الْجَمِيلا: عليه لانتفاعي بما ألفه واقتدائي به، ولما يستحقه السلف من ثناء الخلف، والجميل: إما صفة لازمة أو مخصصة أو معمول للثناء، أي: ثنائي الثناء الجميل، أو ثنائي بالجميل، إذاً: أشار في هذا البيت إلى أن ابن معطي رحمه الله تعالى وإن فضلت ألفية ابن مالك عليه إلا أن له الفضل في السبق والإفادة.

واللهُ يَقْضِي بِهِبَاتٍ وَافِرَهْ

لِي وَلَهُ في دَرَجَاتِ الآخِرَهْ

ص: 13

والله يقضي: هذا سؤال، خبرية لفظاً إنشائية معنىً، يعني: اللهم اقض لي، والله يقضي: خبرية أريد بها الدعاء، أي: اللهم اقض بذلك، والله يقضي، يعني: يحكم.

بهبات: جمع هبة، وهي العطية، أي: عطايا، وهنا وصف هبات وهو جمع بوافر، وهو مفرد لما ذكرناه سابقاً، هذا على خلاف الأصح، لكن لا بد من التأويل، لتأوله بالجماعة، وإن كان الأفصح: وافرات؛ لأن هبات جمع قلة، والأفصح في جمع القلة مما لا يعقل وفي جمع العاقل مطلقاً المطابقة، والأفصح في جمع الكثرة مما لا يعقل الإفراد الأفصح فيه الإفراد.

والله يقضي بهبات، يعني: بعطايا من فضلة جل وعلا وافرة، أي: زائدة، وقيل: تامة، من وفر الشيء، يعني: من وفر اللازم لا المتعدد، بهباتٍ وافرةْ: هذا الأصل، وقف على السكون من أجل الوزن.

لي وله، لي: بدأ بنفسه لحديث: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا بدأ بنفسه} رواه أبو داود، وجاء عن نوح:((رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ)) [نوح:28] وعن موسى: ((قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي)) [الأعراف:151] وله، يعني: لابن معطي.

في درجات الآخرة: مضاف ومضاف إليه، لي وله في درجات: هذه كلها متعلقة بيقضي، أو صفات لهبات، هبات لي .. هبات له .. هبات في درجات الآخرة، ولكن بعضهم جعل في درجات الآخرة أنه متعلق بمحذوف صفة لهبات، ولا يصح أن يتعلق بيقضي، لماذا؟

لأن المعنى: والله يقضي في درجات الآخرة، درجات الآخرة ليست محلاً للحكم والقضاء أليس كذلك؟ وحينئذٍ لا يصح تعليق في درجات الآخرة بيقضي، وإنما يتعين أن يكون متعلقاً بمحذوف صفة لهبات.

واللهُ يَقْضِي بِهِبَاتٍ وَافِرَهْ

لِي وَلَهُ في دَرَجَاتِ الآخِرَهْ

درجات: قال في الصحاح: هي طبقات من المراتب، يعني: مراتبها علية، وقال أبو عبيد: الدرج إلى أعلى والدرك إلى أسفل، والمراد: مراتب السعادة في الدار الآخرة، ولفظ الجملة خبر ومعناها: الطلب.

هذا ما يتعلق باختصار بمقدمة المصنف رحمه الله تعالى.

ونقف على هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سؤال: هل صحيح أن ابن مالك رحمه الله تعالى نظم الألفية للمبتدئين؟

- الألفية تعتبر من كتب المتوسطين في علم النحو، ولذلك يجعلها البعض بعد الآجرومية، يعني: يدرس الآجرومية شرح جيد ثم بعد ذلك لا بأس أن يأخذ الألفية، ثم بعد الألفية يأخذ: جمع الجوامع للسيوطي إذا أراد الانتهاء؛ لأن جمع الجوامع سار فيه على نهج تاج الدين السبكي في جمع الجوامع في الأصول.

تاج الدين السبكي في الأصول جمع كتابه: جمع الجوامع من زهاء مائة مصنف، والسيوطي سار بسيره فجمع كتابه من مائة مصنف، فدل على أنه قد حوى علماً جماً، وشرحه في: همع الهوام، وهذا الكتاب لو اعتكف عليه الطالب بعد الألفية الكل في الكل في النحو.

نعم صحيح تناطح سيبويه والفراء والخليل، لو اعتكف عليه وفهم الفهم الصحيح حينئذٍ تكون سيبويه زمانك، وهم يقتطفون منه كثير الأشموني والصبان وغيرهم، يأخذون منه الكثير؛ لأن فيه أقوال قد لا توجد في غيره؛ لأن المتتبع للمصنفات لا بد وأن يقف على أقوال قد لا تكون مشهورة، وهو يأتي بالمشهور وغيره.

ص: 14

س: يقول خالد الأزهري في تمرين الطلاب عند: بسم الله الرحمن الرحيم

يلزم على الأول أن يعمل المصدر محذوفاً، ما هو الأول؟ ثم يقول: عمل المصدر لما فيه من راحة الفعل لا بالحمل على الفعل.

- نعم، مصدر مما يتعلق به الجار والمجرور، ثم إذا قلنا: هو متعلق للجار والمجرور أو الظرف، هل هو بالقياس والحمل على الفعل، أو لما فيه هو من رائحة الفعل؟ لا شك أنه الثاني؛ لأن المصدر مدلوله الحدث، إذا قيل الضرب من ضرب .. ضرب هذا مؤلف من جزئين، الضرب والزمن، حينئذٍ قيل: الضرب مصدر، مسمى المصدر هو الضرب، فهو اسم للفظ، هل هذا يعمل .. الضرب هل يعمل قياساً على الفعل، أو لما فيه من رائحة الفعل؟ لا شك أنه رائحة الفعل؛ لأنه أحد جزئي الفعل، وثم جزء ثالث سيأتي معنا إن شاء الله.

- وماذا يقصد باللام المقدرة قبل لفظ الجلالة في البسملة بسم الله ..

- نعم، هل الله هنا مجرور بلفظ اسم، أو بالإضافة، أو باللام المقدرة، ثلاثة أقوال: إذا قيل: بسم الله، اسم هذا مجرور بالباء، والعامل فيه حرف الجر، إذاً: تقول: الباء حرف جر، واسم: اسم مجرور بالباء، وجره كسرة، ما الذي أحدث هذه الكسرة؟ الباء، إذاً: هو عامل الكسر .. هو عامل الجر.

طيب! باسم اللهِ، الكسرة هذه ما الذي أحدثها؟ فيها ثلاثة أقوال:

قيل: اسم، هو اللفظ عينه، وهو المضاف وهو المرجح وعليه الجمهور لا الجمهور على أنها معنوية.

وقيل: الإضافة، مثل التبعية، كونه أضيف إليه.

وقيل: ثم حرف مقدر، أصل التركيب: باسم للله، ثم حذفت اللام وهي الجارة للفظ الجلالة وبقي عملها، وهذا ضعيف جداً؛ لأن حرف الجر لا يعمل محذوفاً ولا منوياً، هذا هو الأصل.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد

ص: 15