المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * علم الشخص وعلم الجنس * فوائد مهمة في ضبط - شرح ألفية ابن مالك للحازمي - جـ ٢٢

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * علم الشخص وعلم الجنس * فوائد مهمة في ضبط

‌عناصر الدرس

* علم الشخص وعلم الجنس

* فوائد مهمة في ضبط علم الشخص وعلم الجنس والتمييز بينهما.

بسم الله الرحمن الرحيم

س: كنا نود منكم أن تذكروا لنا المسائل التي خالف فيها ابن مالك نفسه بين الكافية والخلاصة؟

ج: المسائل التي مرت، معنا شرح ابن عقيل خرجها ولا تستفيد منها شيئاً فوائدها قليلة، هل هي أقوال موجودة معروضة وهو قول مسبوق إليه حينئذٍ؟؟؟.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

ما زال الحديث في باب الْعَلَم وهو النوع الثاني من أنواع المعارف.

وَمُضْمَرٌ أَعْرَفُهَا ثُمَّ العَلَم:

عرَف ابن الناظم رحمه الله تعالى العلم بقوله: اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً، وعلى مذهبه علم الجنس في المعنى نكره، حينئذٍ ليس داخلاً في الحد، لأن قوله يعين المسمى، خرج به علم الجنس لأنه في المعنى نكرة عند ابن مالك رحمه الله تعالى، ومرادف باسم الجنس كأسد وأسامة.

ثم قسَّم العلم لأنه قد يكون لمن يعقل وقد يكون لغير من يعقل وقد يكون لحيوان وقد يكون لمكان إلى غير ذلك.

ثم قسَّمَه باعتبارٍ آخر، أنه ينقسم إلى كنية واسم ولقب، ثم بين أن اللقب إذا جاء مع الكنية أو مع الاسم وجب تأخيره قال:

وأخِّرَاً ذَا أي اللقب.

إنْ سِوَاهُ: يعني سواه سوى الاسم والكنية.

صَحِبَا: فإذا صحب اللقب الاسم حينئذٍ وجب تأخيره، وإذا صحب اللقب الكنية على ظاهر كلامه وجب تأخيره.

ثم ذكر أنه إذا اجتمع الاسم واللقب فإما أن يكونا مفردين وإما أن لا يكونا فإن كانا مفردين فمذهب البصريين ورجحه هنا خلافاً لما ذهب إليه الكافية من أنه يجب إضافة الأول إلى الثاني ولا يجوز الإتباع، فيقال: سعيد كرزٍ، مضاف ومضاف إليه، من إضافة المسمى إلى الاسم، لابد من التأويل لما سيأتي في باب الإضافة.

وإن لم يكونا مفردين بأن كانا مركبين أو الأول مركب والثاني مفرد أو بالعكس حينئذٍ وجب الإتباع والصواب هو مذهب الكوفيين لأنه في جميع المسائل أنه يُتبع الأول الثاني مع جواز الإضافة في الأول، يعني لا يتعين مذهب البصريين في أنه يجب إضافة الأول للثاني، بل الصواب أنه يجوز الأمران.

والإضافة أكثر كما قال ابن هشام رحمه الله تعالى: الإتباع أقيس من الإضافة والإضافة أكثر، يعني السماع.

ثم قسَّمه باعتباره كونه منقولاً أو مرتجلاً إلى القسمين ومن المنقول ما هو جملة ثم أقسام علم الشخص أربعة أنواع: مفردٌ، وذو الإسناد، وذو المزج، وذو الإضافة، ومرت معنا.

ثم انتقل رحمه الله تعالى إلى بيان النوع الثاني من نوعي العلم، العلم نوعان: علم شخص، وعلم جنس، حينئذٍ نقول ينقسم العلم باعتبار تشخص مسماه وعدم تشخص مسماه إلى قسمين، مسمى هل هو مُشخَّص أو غير مُشخَّص، ينقسم بهذا الاعتبار إلى علم شخص، وعلم جنس، وهذا تنزل معه الناظم، وهو أنه يرى أن علم الجنس ليس معيناً من حيث المعنى، يعني ليس بعلم.

وَوَضَعُوا لِبَعْضِ الَاجْنَاسِ عَلَمْ

كَعَلَمِ الأَشْخَاصِ لَفْظَاً وَهْوَ عَمْ

مِنْ ذَاكَ أُمُّ عِرْيَطٍ لِلعَقْرَبِ

وَهكَذَا ثُعَالَةٌ لِلثَّعْلَبِ

وَمِثْلُهُ بَرَّةُ لِلمَبَرَّهْ

كَذَا فَجَارِ عَلَمٌ لِلْفَجْرَهْ

ص: 1

وَوَضَعُوا لِبَعْضِ الأجْنَاسِ عَلَمْ، مَنِ الواضِع؟ العرب، يُنسب إليهم لكونهم ناطقين بما وضع لهم، وإلا الأصل في الوضع هو الله عز وجل، الذي وضع الألفاظ دالة على المعاني هو الرب جل وعلا كما سبق معنا ((وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا)) [البقرة:31] حينئذٍ الأسماء هذه الأسماء اللغوية الشاملة للفعل والحرف عند النحاة، وليس المراد به الاسم الاصطلاحي الذي يقابل الفعل والحرف، حينئذٍ لو قيل الأسماء الاصطلاحية، ((وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ)) [البقرة:31] يعني دون الأفعال والحروف، نقول: لا بل هي شاملة للأفعال والحروف لأن الاسم ما دل على مسمى، وهذا يصدق عن الاسم الاصطلاحي والفعل الاصطلاحي والحرف الاصطلاحي.

وَوَضَعُوُا المراد بالوضع هنا الوضع الشخصي، وهو: جَعْلُ اللفظ دليلاً على المعنى وهذا كما ذكرنا أنه مغاير للوضع النوعي إذ النوعي هذا متعلقه القواعد العامة الكلية التي هي متعلقة بالتراكيب، وأما هذا النوع وهو متفق عليه بأنه موضوع بخلاف النوعي -وهذا متفق عليه- حينئذٍ ننسبه إلى الله عز وجل، الذي وضع لفظ السماء لتدل على الجرم المعهود نقول الله _عز وجل.

وأما إسناده هنا إلى أهل اللغة وَوَضَعُوُا: أي أهل اللغة، نقول: باعتبار كونهم هم الناطقين بلسان العرب.

وَوَضَعُوا لِبَعْضِ الأجْنَاسِ قوله: لِبَعْضِ له مفهوم وهو أن هذه الأجناس وضع لبعضها لا لكلها لا لجميعها فبعضها وضع له وبعض لم يوضع له، إذاً لا لجميع الأجناس.

وَوَضَعُوا لِبَعْضِ الأجْنَاسِ بعض مضاف، والأجناس مضاف إليه، له مفهوم؟ نقول: نعم له مفهوم، لأن إطلاق الحكم وتعليقه هنا بالبعض يدل على أن الآخر لم يوضع له علم.

وَوَضَعُوا: ماذا؟ وضعوا علماً لبعض الأجناس، علم بالإسكان هذا على لغة ربيعة، لأنه مفعول به، وضعوا ماذا؟ وضعوا علماً، إذا أطلق هذا العلم انصرف إلى مسماه وهو الجنس هذا الأصل الذي ينبغي أن يكون.

كَعَلَمِ الأشْخَاصِ لَفْظاً: هذا العلم الذي يسمى علم الجنس له جهتان له حكمان:

حكم من جهة المعنى، وحكم من جهة اللفظ، هو تطرق أولاً للفظه وشبهه بعلم الشخص كـ (زيد) كَعَلَمِ الأشْخَاصِ، والذي سبق معنا كله هو علم الأشخاص: اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً إلى آخر الأبيات التي وقفنا عليها، كل الأحكام تلك متعلقة بعلم الشخص.

لفظاً: هذا تمييز يعني من جهة اللفظ، فلا يضاف علمُ الجنس، كما أنه لا يضاف علم الشخص، حينئذٍ من جهة اللفظ علم الجنس كعلم الشخص، فلا يضاف لأنه معرفة ولا يدخل عليه (أل) ولا ينعت بالنكرة؛ لأن شرط النعت والمنعوت التطابق، وهذا معرفة حينئذٍ لا ينعت بالنكرة.

ويبتدأ به يعني: يقع مبتدأً لأنه معرفة وليس بنكرة من جهة اللفظ، وتنصب النكرة بعده على الحال، هذا أسامة مقبلاً، مقبلاً: هذا حال من أسامة، والحال لا يكون صاحبها إلا معرفة، ويمنع من الصرف مع علة أخرى كما هو الشأن في أحمد ويزيد نقول: هذا علم شخص يمنع من الصرف لعلةٍ مع العلمية وهي وزن فعل، وكذلك علم الجنس إذا وجدت معه علةٌ غير العلمية حينئذٍ منع من الصرف.

إذاً هذه أحكام تتعلق بعلم الجنس، هذا العلم من حيث اللفظ هو كعلم الأشخاص، إذاً هما متحدان من حيث الأحكام.

ص: 2

وَوَضَعُوا لِبَعْضِ الأجْنَاسِ عَلَمْ

كَعَلَمِ الأشْخَاصِ

يعني: علماً كعلم الأشخاص، هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف بصفة لعلم وليس حالاً منه.

كَعَلَمِ الأشْخَاصِ: يعني مثل علم الأشخاص لفظاً من جهة اللفظ، وَهْوَ عَمْ، وَهْوَ: الضمير يعود إلى علم الجنس، عَمَّ أو أعمُّ يجوز الوجهان عَمَّ: فعل ماضي وَهْوَ مبتدأ، وعَمَّ: فعل ماضي، وفاعله ضمير مستتر يعود على علم الجنس والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، أو أعمُّ: وَهْوَ أَعَمُّ: خبر لكن حذفت همزته لكثرة الاستعمال، يعني: أفعل التفضيل، مثل خير وشر، كما قال: والقَوْلُ عَمْ، القول هنا كالقول هناك وَهْوَ عَمْ، وهو أعم حينئذٍ وهو عمّ، عمّ ماذا؟ عم معنىً شائعاً، وَهْوَ عَمْ، يعني: من جهة المعنى، وهو من جهة المعنى عم، وهذا نقدره لماذا؟ لأننا ذكرنا أن له حكمين حكم من جهة اللفظ وحكم من جهة المعنى، الحكم اللفظي علم الجنس كعلم الشخص أشار إليه بقوله:

كَعَلَمِ الأشْخَاصِ لَفْظاً، وهو من جهة المعنى عمّ معنى مدلوله شائعٌ كمدلول النكرة، لا يخص واحداً بعينه، إذاً إخراجه من قوله: يُعَيِّنُ المُسَمَّى، لأن ما عيَّن المسمى هذا خصَّ واحداً بعينه، وهنا قال: علم الجنس هذا ليس خاصاً بواحدٍ لا يخص واحداً بعينه ولذلك قال ابن مالك في شرح التسهيل: إنه كاسم الجنس، لا فرق بين علم الجنس واسم الجنس من جهة المعنى فهو عام شائعٌ في أمته فلا يختص به واحد دون آخر، ولا كذلك علم الشخص فأسامة نكرة معنى، معرفة من جهة اللفظ، من جهة المعنى هو نكرة، ومن جهة اللفظ هو معرفة، حينئذٍ ما الفرق بين أسد وأسامة؟ هذا الذي يقع فيه النزاع وهي مسألة مشكلة، فأسامة نكرة معنى معرفة لفظاً، وتفرقة الواضع بين اسم الجنس وعلم الجنس في الأحكام اللفظية تؤذن بالفرق بينهما في المعنى أيضاً، كونه فرق بين اسم الجنس وهو نكرة -أحكامه أحكام النكرة- يعني تدخل عليه (أل)، اسم الجنس، يدخل عليه (أل) ويُضاف ولا يبتدأ به وينعت به النكرة ولا ينعت به المعرفة، الأحكام كلها السابقة نثبتها لعلم الجنس وننفيها عن اسم الجنس، إذاً فرق الواضع من جهة الاستعمال اللفظي أليس كذلك، هذا يؤذن بماذا؟ إذا فرق بينهما في الإحكام اللفظية، علم الجنس، يبتدأ به، يقع مبتدأً لأنه معرفة، لا نحكم عليه بأنه معرفة أولاً، نقول: علم الجنس يبتدأ به، اسم الجنس لا يبتدأ به، علم الجنس لا يُضاف، ولا تدخل عليه (أل) اسم الجنس يُضاف وتدخل عليه (أل، علم الجنس يصح مجيء الحال منه، اسم الجنس لا يصح، هذه فروق تدل على ماذا؟ على أن في المعنى فرقاً كذلك، هذه الفروق اللفظية والأحكام الظاهرة تدل على أن الواضع قد فرق بينهما في المعنى كما فرق بينهما في اللفظ.

واختلفت أقاويل النحاة والأصوليين والمناطقة والحكماء والفلاسفة، كل صاحب فن له ارتباط بالمنطق أو بالأصول أو باللغة إلا ويتعرض لهذه المسألة إما أصالة وإما فرعاً، بل بعضهم ألف رسالة في الفرق بين علم الجنس واسم الجنس، والشوكاني له رسالة مطبوعة في مجموع فتاويه.

ص: 3

قال السيوطي رحمه الله مفرقاً بين النوعين: التَعَيُّن إن كان خارجياً -إذا قيل: اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى- إذا قيل علم الجنس وعلم الشخص، وعرفنا علم الشخص بأنه اسم يُعين المسمى- هذا التعيين، إما أن يكون خارجياً وإما أن يكون ذهنياً، إما أن يكون خارجياً يعني له مسمى، وهذا المسمى خارج الذهن، وإما أن يكون له مسمى معين وهذا المسمى المعين داخل الذهن.

التَعَيُّن إن كان خارجياً بأن كان الموضوع له معيناً في الخارج كزيد فهو علم الشخص، وإن كان ذهنياً بأن كان الموضوع له معيناً في الذهن، أي ملاحظ الوجود فيه كأسامة علم على السَبُعِ، أي لماهيته الحاضرة في الذهن فهو علم الجنس، علم الجنس.

السيوطي رحمه الله تعالى في هذا التقرير يخالف ما قرره ابن مالك رحمه الله تعالى، لأن ابن مالك يرى أن علم الجنس من حيث المعنى نكرة شائع ليس بمُعَيَّن، لا في الذهن ولا في الخارج، هو مساوي للنكرة، والنكرة لها حقيقة في الذهن لكنها مع ملاحظة الأفراد في خارج الذهن، هذا حقيقة النكرة، ولذلك نقول في حد النكرة: ما شاع في جنسٍ موجودٍ أو مقدَّر- (ما) يعني معنىً، هذا المعنى شائع منتشر، في جنس: يعني في أفراد وآحاد، (ليس في الجنس) الجنس لا يتعدد، وجوده وجود ذهني وهو واحد وإنما التعدد يكون باعتبار الآحاد والأفراد- ما شاع وذاع وانتشر وفشا في جنس يعني في أفراد وآحاد جنس، موجود أو مقدر، موجود يعني في الخارج، أو مقدر يعني ليس له إلا فرد واحد والثاني يكون مقدراً، هذا المعنى الذي شاع في أفراد الجنس، هو له حقيقة في الذهن هذه الحقيقة هل هي ملاحظة مع قطع النظر عن الأفراد أو مع ملاحظة الأفراد؟ يعني إذا وضع الواضع لفظاً ووضع له معنىً من المعاني هذا المعنى وجوده في الذهن، فح: ينئذٍ نقول أسامة وأسد، أسد يدل على حيوان مفترس، إذاً مفهوم الحيوان المفترس هذا وجوده في الذهن، ليس عندنا في الخارج شيء تقول هذا حيوان مفترس وليس بأسد ما يمكن تقول هذا حيوان مفترس، وليس له وجود يعني في ضمن آحاده أو أفراده، لا يوجد؛ معنى أوضح من هذا يقال: رجل هي نكره لا إشكال فيها، رجل لفظ وضع لأي معنى، ما المعنى المراد من كلمة رجل، نقول: رجل هذا نكرة له معنى، المعنى الذي وضع له في لسان العرب: ذكر من بني آدم بالغ، هذه أوصاف ثلاثة: ذكر لا أثنى بالغ أخرج الصبي ودونه ومن بني آدم لا من غيرهم.

ص: 4

هل يوجد عندنا ذكر بالغ من بني آدم لا زيد ولا خالد ولا عمرو، تقول هذا بالغ وليس بزيد ولا عمرو موجود في الخارج؟ لا وجود له هذا أين يوجد؟ المعنى الذي عبرنا عنه بهذه الألفاظ أين وجوده؟ في الذهن فحسب، هذا يسمى جنس ويسمى حقيقة كلية قد يلاحظها الواضع يعني يضع اللفظ بإزاء هذا المعنى بقطع النظر عن الأفراد لا يستحضر الأفراد وقد يضع هذا اللفظ لهذا المعنى مع ملاحظة الأفراد، ففرق بين هذا وذاك حينئذٍ نقول: إذا ضع الواضع هذا اللفظ بإزاء هذا المعنى الحقيقي الذي يكون في الذهن فحسب ولا يوجد في الخارج إلا في ضمن أفراده، إذا وضع هذا اللفظ لهذه الحقيقة الكلية بقطع النظر عن الأفراد قلنا: هذا علم الجنس، هذا علم الجنس، فهو موضوع للحقيقية من حيث هي هي، بقطع النظر عن الأفراد وإن لوحظ الأفراد -بأن يوجد هذا المعنى في ضمن فرد من أفراده- فحينئذٍ هذا هو حقيقة اسم الجنس.

السيوطي رحمه الله تعالى لم يسر على هذا قال: وإن كان ذهنياً بأن كان الموضوع له معيناً في الذهن، -موضوع له-، إذاً هو مُعين لكنه في الذهن أي ملاحظ الوجود فيه كأسامة علم على السَبُع أي لماهيته الحاضرة في الذهن، فهو علم الجنس وأما اسم الجنس: فهو ما وضع للماهية من حيث هي -أصاب في الأول- وأما اسم الجنس: فهو ما وضع للماهية من حيث هي أي من غير أن تُعَيَّنَ في الخارج أو في الذهن، -هذا ليس صحيحاً لا يُسلم له- اسم الجنس وضع للماهية من حيث هي، لا باعتبار أنها معينة لا في الخارج ولا في الذهن، هذا هو مدلول اسم الجنس -الصواب لا- بل المعنى الأول الذي قرره أن علم الجنس له معنى وهذا المعنى وجوده وجود ذهني بقطع النظر عن الأفراد هذا مسلم، وأما كون اسم الجنس موضوع للماهية من حيث هي لا بالنظر إلى كونها خارج الذهن أو داخله نقول: هذا لا يُسلم.

ولذلك قوله من حيث هي: أي من غير أن تعين في الخارج أو في الذهن كالأسد اسم للسبع أي لماهيته، وهذا الكلام فيه نظر في الثاني.

قال الملَّوي: والتحقيق أن علم الجنس موضوع للماهية واسم الجنس موضوع لفرد مبهم، هذا مختصر، هذا كلام جيد: والتحقيق أن علم الجنس موضوع للماهية، واسم الجنس موضوع لفرد مبهم، وهذا لابد أن يكون ثم ماهية لكن مع ملاحظة هذا الفرد المبهم، حينئذٍ إذا قيل: هذا أسامة، وهذا أسد، يُفْهَمُ الفرق، أسامة وضع للمعنى الذهني فحسب بقطع النظر عن الأفراد في الخارج، أسامة وضع للذهن مع مراعاة الفرد في الخارج، لو قلت: هذا أسامة، هذا أسدٌ، أطلقت اللفظ على فرد خارج الآن انتهينا من المعاني في الذهن.

ص: 5

استعملته وتكلمت ونطقت به قلت: هذا أسامة وهذا أسدٌ، هذا أسامة استعملته في فردٍ، هل وضع له في الأصل؟ الجواب لا. لكن دلالته على هذا اللفظ على هذا الفرد دلالة التزامية بمعنى أنه إذا وضع في الذهن اللفظ لهذا المعنى الذهني هل معنى ذلك أنه لا يستعمل في الخارج؟ لأنه إذا لم يستعمل ما الفائدة في وضعه؟ لا فائدة، لأننا نقول هذا المعنى الذي في الذهن وضع له لفظ أسامة، فإذا استعملته في الخارج؟ نقول: استعمالك لهذا اللفظ الذي وضع للحقيقة الذهنية -مع قطع النظر عن أفراده في الخارج- استعماله في الفرد المعين بدلالة الالتزام، لأنه لا يمكن أن يوجد هذا المعنى في خارج الذهن إلا في ضمن أفراده، وأما إذا قلت: هذا أسدٌ، حينئذ أسد مفهومه للمعنى الذهني مع فرد في الخارج، فإذا استعملته حينئذٍ كان دلالة أسد على هذا الفرد دلالة مطابقة، هذا الفرد الذي أطلقت عليه أسد وضع له اللفظ، فحينئذٍ استعملته في محله فيما وضع له، وإن كان الأصل هو للمعنى الذهني لكن مع مراعاة الفرد الخارجي المبهم، فلو قلت: هذا أسد كان استعمالاً للفظ في فرد وضع له في أصل الوضع، وأما أسامة فهذا استعمال للفظ في فرد لم يوضع له أصلاً وإنما دخل عليه دلالة التزام لأن هذه الحقائق لا توجد خارج الذهن إلا في ضمن أفرادها، فالفرد الذي صدق عليه أسامة دل عليه التزاماً والفرد الذي صدق عليه أسد دل عليه بدلالة المطابقة.

إذاً قول الملَّوي، والتحقيق أن علم الجنس موضوع للماهية، واسم الجنس موضوع لفرد مبهم.

وقال الشيخ محمد الأمين رحمه الله تعالى: علم الجنس روعي فيه القدر المشترك، ما هو القدر المشترك؟ هو الحقيقة الكلية،

فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ الكليُّ،

هذا معنىً من المعاني الكلية وجوده وجود ذهني، وهو الذي يصدق عليه الكلي عن المناطقة.

إذاً القدر المشترك بين الجميع، -مع أن التفاوت في الأسماء وفي الأشكال هذا تفاوت كبير ومع ذلك ثم قدر مشترك- هذا القدر المشترك يقول: علم الجنس روعي فيه القدر المشترك بقطع النظر عن الأفراد، يعني: لا يلاحظ عند وضع هذا اللفظ لهذا المعنى الكلي مراعاة الأفراد، الأفراد صارت نسياً منسياً لم يلتفت إليها الواضع البتة، هذا أين؟ في علم الجنس، واسم الجنس روعي فيه القدر المشترك، إذاً اشتركا، علم الجنس واسم الجنس اشتركا في كون كل منهما روعي فيه القدر المشترك، إلا أن اسم الجنس روعي فيه القدر المشترك لا بقطع النظر عن وجوده في بعض الأفراد، هذا تحرير جيد من الشيخ رحمه الله.

القدر المشترك: هو إذا قلت: (ماء) لفظ (ماء) ما هو مسماه؟ الذي تراه ولا تنطق به والاسم هو الذي على اللسان، والذي تراه هو مسمى (الماء)، مسمى اللفظ قد يكون حسياً تراه بعينك، وقد يكون مسمى اللفظ أمر معنوي معقول، الحسي هذا أمره سهل تدركه بعينك، ليس فيه خلاف، أما المعاني التي تكون في الذهن وضْعُ الواضع للفظ بإزاء المعنى الذي يكون في الذهن كوضع الماء بإزاء المعنى الذي تراه بعينك.

ص: 6

هذه الحقائق التي وضع الواضع اللفظ بإزائها، نقول كما وضع ماء لهذا المسمى وضع كلمة رجل لمعنى وهذا المعنى هو: ذكر بالغ من بني آدم، هذا معنى أو شيء محسوس معنى من المعاني، كونه بالغ من بني آدم وذكر نقول: هذا معنى من المعاني، أين وجوده؟ في الذهن إذاً وضع كلمة رجل لهذا المعنى كما وضع كلمة ما لهذا المحسوس الذي تراه، إذاً هذا الذي وضع له كلمة رجل هل هو شيء خاص بفرد من الأفراد أو أنه قدر مشترك، عرفنا أن القدر المشترك المراد به: أنه كل شخص من الموجودين في مكانٍ ما نقول: يصدق عليه أنه رجل، نجيب رجل، محمد رجل، أيمن رجل

الخ إذاً صدق اللفظ عليها.

القدر المشترك هذا الذي وضع له كلمة رجل قد يلاحظ الواضع إذا أراد أن يضع اللفظ على الحقيقة الكلية قد يضع اللفظ على الحقيقة الكلية ولا يُلتفت إلى الأفراد في خارج الذهن، لأن اللفظ هنا إذا أطلق انصرف إلى المعنى الذي يكون في الذهن، طيب قد يضع اللفظ بإزاء المعنى دون اعتبار الأفراد لا يلتفت إليها وقد يضع اللفظ بإزاء المعنى الكلي مع ملاحظة الأفراد، إن لم يلاحظ الأفراد فهو علم الجنس، وإن لاحظ الأفراد فهو اسم الجنس والحمد لله.

علم الجنس روعي فيه القدر المشترك بقطع النظر عن الأفراد -هذه عبارة الشيخ الأمين في المقدمة- واسم الجنس روعي فيه القدر المشترك لا بقطع النظر عن وجوده في بعض الأفراد، وإيضاحه أن معنى الأسد مثلاً شيء واحد، معنى الأسد، كما هو معنى الرجل شيء واحدٌ وهو مجموع الحيوانية والافتراسية مثلاً، فالمعنى الذهني الذي هو القدر المشترك بين أفراده شيءٌ واحدٌ لا تعدد فيه -لا يقبل التعدد- الحقيقية الكلية، كل الحقائق الكلية شيء واحد لا يقبل التعدد، وإنما التعدد في الأفراد الخارجية، كزيد ومحمد وخالد

الخ نقول: وجد فيه القدر المشترك وحصل التعدد، ورجل ورجل ورجل نقول هذا وجد في الفرد الخارج وبتعدد الفرد الخارج نقول وجد التعدد.

فالمعنى الذهني الذي هو القدر المشترك بين أفراده شيء واحد لا تعدد فيه وإنما التعدد في الأفراد الخارجية المشتركة فيه، فوضعوا علم الجنس لذلك المعنى الذهني وهو شيء واحد، فشخصوا بالعلم في الذهن لا في الخارج وهذا يرد على ما ذهب إليه ابن مالك رحمه الله تعالى اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى، الصواب أنه يدخل فيه علم الجنس وعلم الشخص، لأن علم الشخص فيه تعيين للمسمى لكن في خارج الذهن وهذا حكم أغلبي كما ذكرناه، وعلم الشخص فيه تعيين المسمى لكن في الذهن لا في الخارج، إذاً هو معرفة أو لا؟ معرفة، هو علم أم لا؟ نقول: علم. إذاً فالحد السابق يشمل النوعين من علم الشخص وعلم الجنس.

فشخصوا بالعلم في الذهن لا في الخارج، يعني علم الجنس شخصوا به حددوا عينوا ميزوا في الذهن لا في الخارج، لأن هذه حقائق الحيوانية الافتراسية، ومعنى مثلاً: الإيمان ومعنى الإسلام كلها موجودة في الذهن، هذه حقائق ذهنية، فحينئذٍ لابد من تمييز بعضها عن بعض، فإذا كان كذلك ما وضع لما هو في الذهن خاصة نقول هذا حصل به التشخيص، وحصل به التعيين، كتشخيص الشخص بعلمه في الخارج فعلم الجنس يشخص مسماه في الذهن لا في الخارج، وعلم الشخص يشخص مسماه في الخارج.

ص: 7

وأما لفظة أسد فإنهم أرادوا به المعنى الذهني المشترك بين الأفراد بدون قطع النظر عن وجود بعض أفراده الخارجية فيه التي هي محل التعدد؛ ولذلك هناك في المنطق علم الشخص وعلم الجنس قالوا هما جزأيٌ بالإجماع واسم الجنس كليٌ بالإجماع ففرق بين علم الجنس واسم الجنس.

وذكر الأشموني قال: أسدٌ موضوع للواحد من آحاد الجنس لا بعينه في أصل وضعه، أسد كلمة أسد -وهي اسم جنس- والكثير يرون أن اسم الجنس هذا مرادف للنكرة، أسد موضوع للواحد من آحاد الجنس لا بعينه في أصل وضعه، يعني كلمة أسد وضع للقدر المشترك في الذهن وهو الحيوانية الافتراسية مع ملاحظة واحد فرد -لابد أن يوجد في ضمن فرد- لا يشترط فيه أن يكون مائة حتى يوضع له اللفظ، لا، مجرد واحد يكفي.

إذاًَ لوحظ هذا المعنى باعتبار الفرد، أيُّ فردٍ في أيِّ زمان في أي مكان -أي واحد منها- صار مبهماً أم لا؟ مبهم، إذا قلنا لابد أن يوجد هذا المعنى في ضمن فردٍ حتى يظهر وتكون نكرة واسم جنس، حينئذٍ وجوده، في فرد أي فرد في أي زمن في أي مكان؟ مبهم، حينئذٍ دل على ذلك الفرد لكنها دلالة بالمطابقة لا من جهة تعيين الفرد فإنه مبهم لأن المراد أنه يوجد في ضمن فرد من أفراده وكفى، أيُّ فردٍ هذا؟ قد يكون وقع في الزمن الماضي، قد يكون بعد الوضع، قد يكون لم يأتِ بعد، وأسامة موضوع للحقيقة المتحدة في الذهن، فإذا أطلقت أسداً على واحدٍ أطلقته على أصل وضعه، إذا قلت: هذا أسدٌ حينئذٍ استعلمت اللفظ فيما وضع له وهو الذهن مع مراعاة فرد في الخارج.

إذاً الموضوع له شيئان: حقيقة ذهنية مع وجوده في الفرد فإذا قلت: هذا أسدٌ حينئذٍ استعلمت اللفظ فيما وضع له، وإذا أطلقت أسامة على واحدٍ قلت: هذا أسامة فإنما أردت الحقيقة، ولزم منه اعتبار الوجود التعدد، إذا قلت: هذا أسامة استعملته في الأفراد، نقول: اللفظ وضع لشيء واحد أو لشيئين؟ لشيء واحد وهي: الحقيقة الذهنية، وجودها في الخارج -إذا أردت أن تستعمل هذا اللفظ- حينئذٍ دلالة هذا اللفظ على الفرد الخارج ليس فيما وضع له، إذا قلت: هذا أسامة، (هذا) أشرت إليه حيوان يمشي أمامك أسد، هذا أسامة استعملت اللفظ في شيء وضع له أم لا؟ لا لم يوضع للفرد هذا بعينه وإنما وضع للحقيقة الذهنية فقط، فإذا استعملته في الفرد الخارجي، حينئذٍ نقول: دلالة هذا اللفظ على الفرد الخارج دلالة التزامية ليست فيما وضع له في أصل لسان العرب ولذلك يقول الأشموني:

إذا أطلقت أسداً على واحدٍ أطلقته على أصل وضعه؛ لأنه وضع للحقيقة الذهنية مع الفرد الخارجي، فالموضوع له شيئان، وإذا أطلقت أسامة على واحد فإنما أردت الحقيقة -التي هي حقيقة ذهنية- واستعماله في ذلك الفرد ليس استعمالاً فيما وضع له في الأصل؛ لأنه وضع لشيء واحدٍ لا لشيئين وإنما لزم التعدد -لابد منه- إذا استعملته تستعمله فيما يصدق عليه تلك الحقيقة، ولزم منه: يعني من ذلك الاستعمال إذا أطلقت لفظ أسامة على فرد- لزم منه اعتبار الوجود التعدد، فجاء التعدد ضمناً لا باعتبار أصل الوضعِ.

وَوَضَعُوا لِبَعْضِ الَاجْنَاسِ عَلَمْ

كَعَلَمِ الأَشْخَاصِ لَفْظاً وَهْوَ عَمّ

ص: 8

إذاً علم الشخص له حكمان وعلم الجنس له حكمان، علم الشخص له حكم لفظي وله حكم معنوي، أما الحكم المعنوي: هو أن يراد به واحد بعينه، وكلام ابن عقيل لا يمشي مع الكلام الذي قررناه يختلف معه، لأن مذهب ابن مالك رحمه الله تعالى أن علم الجنس كاسم الجنس –نكرة- لا يدل على تشخيص معين، فهو نكره عنده، (أسد) مثل (رجل)، ورجل مثل أسامة -هذا من حيث المعنى- هو في اللفظ معرفة لأن العرب نزلت عليه أحكام المعارف ولكن من جهة المعنى لا، وهذا الكلام لا يستقيم مع الذي قررناه من كلام الشيخ الأمين وغيره، ولكن نذكر ما ذكره تبعاً للناظم.

وَوَضَعُوا لِبَعْضِ الَاجْنَاسِ عَلَمْ

كَعَلَمِ الأَشْخَاصِ لَفْظَاً وَهْوَ عَمّ

إذاً من حيث اللفظ، الأحكام واحدة.

وَهْوَ عَمْ: يعني علم الجنس (عم) فهو عام مدلوله لأنه شائع في جنس موجود فهو مرادف للنكرة من حيث المعنى ونحن نقول: هذا لا يُسَلَّم له بل الصواب أنه يعين المسمى في علم الشخص وفي علم الجنس، وهذه مسألة مهمة ليست خروجاً عن التأصيل، فهذه في المطلق عند الأصوليين لها ارتباط كبير بمسألة اسم الجنس وعلم الجنس.

إذاً علم شخص نقرِّر ما ذكره ابن عقيل تبعاً للناظم -حتى نفهم مراده حتى نفهم مراده- علم شخص له حكمان: معنوي، وهو أن يُراد به واحدٌ بعينه، كزيد وأحمد هذا لا إشكال فيه وينطبق عليه الحدٌ السابق: اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً عَلَمُهُ، حينئذٍ حصل التعيين بإطلاق علم الشخص، هذا من حيث المعنى، ولفظيٌّ يعني يجري على اللفظ فحسب، وهو صحة مجيء الحال متأخرة عنه جاءني زيدٌ ضاحكاً، زيد ما إعرابه؟ فاعل، وضاحكاً: حال، زيدٌ علم، علم شخص؟ علم شخص، جاءت الحال منه متأخرة؟ جاءت الحال منه متأخرة، ومنعه من الصرف مع سبب آخر غير العلمية، هذا أحمدُ، أحمدُ: خبر ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل، إذاً وجدت علة أخرى مع العلمية، ومنع دخول الألف واللام عليه، جاء زيد، لا تقل جاء الزيد، أو العمرو، نقول هذا لحن -في الأصل-.

بقي حكمان وهما: صحة الابتداء به، أن يبتدأ به بلا احتياج إلى مسوِّغ؛ كذلك ألا يضاف بحسب أصل وضعه، ألا ينعت بالنكرة، هذه أحكام تتعلق بعلم الشخص وهذه كلها مردها إلى اللفظ.

ص: 9

وعلم الجنس كعلم الشخص في حكمه اللفظي -هكذا قال ابن عقيل- وهو ظاهر فتقول: هذا أسامة مقبلاً، كقولك: جاءني زيدٌ ضاحكاً، هل قولك: هذا أسامة مقبلاً كقولك: جاءني زيدٌ ضاحكاً؟ -الكلام في الحال- تجيُ الحال متأخرة من علم الشخص كـ (جاءني زيدٌ ضاحكاً)، وتجيء مع علم الجنس، لأننا نريد أن نطبق الأحكام اللفظية التي تجري على علم الشخص مع علم الجنس، فتقول: جاءني زيداٌ ضاحكاً، ضاحكاً حال من الفاعل وهو زيد وهو علم الشخص، هذا أسامة، أسامة هذا علم جنس، مقبلاً: هذا حال متأخرة، والحال لا تجيء من نكرة، لابد من أن يكون صاحب الحال معرفةً؛ فتمنعه من الصرف وتقول: أسامةُ، للعلمية والتأنيث، ولا تدخل عليه الألف واللام فلا تقل: هذا الأسامة، كما لا تقول: هذا الزيد؛ لأنه علم والعلم معرفة والمعرفة لا تعرَّف، هذا من جهة اللفظ، وهذا هو الذي دلنا على أن العرب فرَّقت بين اسم الجنس -لأنه نكرة- كرجل، وبين علم الجنس، العرب أجرت علم الجنس كأسامة وثُعَالَة مجرى علم الشخص في امتناع دخول (أل) عليه وإضافته ومنع الصرف مع علة أخرى ونعته بالمعرفة ومجيئه مبتدأ وصاحب حال.

وأُجري اسم الجنس كأسد مجرى النكرات -حينئذٍ لزاماً أن يكون ثم فرق لابد من الوصول إليه، وهو: أن علم الجنس مغاير من حيث المعنى لاسم الجنس؛ لأن العرب في الأحكام اللفظية ألحقت علم الجنس بعلم الشخص وألحقت في الأحكام أيضاً اسم الجنس بالنكرة، فثم فرق بين العلم والنكرة- وأُجري اسم الجنس كأسد مجرى النكرات وذلك دليل على افتراق مدلوليهما إذ لو اتحدا معنىً لما افترقا لفظاً.

قال ابن عقيل: وحكم علم الجنس في المعنى كحكم النكرة، من جهة: أنه لا يخص واحداً بعينه فكل أسدٍ يصدق عليه أسامة، -لكن لا ليس حكم النكرة لأن صدق النكرة رجل على زيد مثلاً، نقول: هذا من وضع الواضع، فاستعمل اللفظ فيما وضع له، لكن كل أسد يصدق عليه أسامة، وأسامة لم يستعمل فيما وضع له فرق بينهما فرق بين اللفظين، إذا قلت: هذا أسامة، أسامة يستعمل في كل أسد، كل أسد تراه تقول: هذا أسامة، نقول: استعمال أسامة في الذي رأيته أنت –الفرد- نقول: ليس فيما وضع، لم يوضع للفرد الخارجي لم يلاحظ في الوضع الفرد الخارجي، بخلاف النكرة إن قلت: هذا رجل، هذا رجل، استعمل اللفظ فيما وضع له، فقوله: هنا فيه نظر، لأنه وافقه وأراد أن يشرح كلام ابن مالك رحمه الله تعالى وهذه المسألة أليق بفن المنطق فليرجع إليها-.

ومن جهة أنه لا يخص واحداً بعينه فكل أسد يصدق عليه أسامة، وكل عقرب يصدق عليها أُمُّ عِرْيَطٍ، وكل ثعلب يصدق عليه ثُعَالَةٌ، وعلم الجنس يكون للشخص يعني للأعيان.

مِنْ ذَاكَ أُمُّ عِرْيَطٍ لِلعَقْرَبِ

وَهكَذَا ثُعَالَةٌ لِلثَّعْلَبِ

مِنْ ذَاكَ: ذاك، المشار إليه هو: علم الجنس، أراد أن يمثل لعالم الجنس لأن بعضه وضع للمألوفات، وبعضه وضع لغير المألوفات.

مِنْ ذَاكَ: أي علم الجنس أعلام وضعت للأعيان، يعني أشياء محسوسة.

ص: 10

أُمُّ عِرْيَطٍ: هذه علم -علم جنس- وضع لجنس العقرب، فلوحظ فيه المعنى الذي هو القدر المشترك بين أفراد العقارب، وضع له لفظٌ، هذا اللفظ إذا أطلق انصرف إلى المعنى الذهني فحسب، فاستعماله في العقرب أُمُّ عِرْيَطٍ نقول: هذا استعمال للفظ فيما وضع له أو لم يوضع له؟ الثاني، لم يوضع له، لأنه وضع لشيء واحد فحسب، فاستعماله على تلك العقرب بعينها، نقول: هذا استعمال للفظ في ذلك الفرد بدلالة الالتزام، وعبر عنه الأشموني بالتضمن والالتزام أحسن، لماذا؟ لأنه إذا وضع لشيء واحدٍ حينئذ لا نقول ذلك الفرد جزء من ذلك الموضوع له، لأن دلالة الالتزام ما هي؟

وجزئه تََضمُنًاً: يعني دلالة اللفظ على بعض مسماه، هذا التضمن، وهنا لم يوضع له حتى نقول: أنه ضمناً، الفرد هذا داخل في ضمن علم الجنس، لا الصواب أنه خارج عنهم.

مِنْ ذَاكَ: أي من أعلام الجنس، أعلام وضعت للأعيان، نحو: أُمُّ عِرْيَطٍ فإنه علم للعقرب يعني لجنسها، وَهَكَذَا: أي مثل ذا من ذكر أُمِّ عِرْيَطٍ علم الجنس: ثُعَالَةٌ لِلثَّعْلبِ

ثُعَالَةٌ: هذا علم جنس.

قال: ثُعَالَةٌ: بالتنوين، أسامةٌ قلنا يمنع من الصرف للعلمية والتأنيث، ثُعَالَةٌ، يمنع من الصرف للعلمية والتأنيث وإنما صرفه من باب الضرورة فحسب.

وَهَكَذَا: أي مثل الذي ذُكر ثُعَالَةٌ نقول: هذا وضع له في لسان العرب -المراد به الحقيقة الكُلية.

لِلثَّعَْلبِ: أي لجنسه، وهذا من جنس ما لا يؤلف كالسباع.

ثم ذكر ما يتعلق بالمعاني -لأن عدم الجنس نوعان-:

جنس مالا يؤلف: كالسباع والعقارب التي ذكرها هنا، والثاني: المعاني –لذلك أتى بلفظ مِثْلُهُ.

وَمِثْلُهُ: مثل ما وضع لعلم من علم الجنس لغير المألوفات -لا تألفها النفوس: العقرب والثعلب وأسامة، النفوس هذه لا تألفها-. أمَّا: بَرَّةُ للمبرة -لأعمال الخير- هذه تألفها النفوس.

وَمِثْلُهُ بَرَّةُ: مِثْلُهُ، أي مثل علم الجنس الموضوع للأعيان، علم جنس موضوع للمعاني، -أعيان محسوسات وهنا معاني- مثله بَرَّةُ: هذا غير منصرف للعلمية والتأنيث، فـ (بَرَّةُ) هذا علم جنس، علم لِلمَبَرَّه، يعني بمعنى البِر أعمال الخير والطاعات، قالوا: مَبَرَّه–بِرّ-.

وكَذَا فَجَارِ عَلَمٌ لِلْفَجْرَه: كَذَا فَجَارِ: مبني على الكسر كـ: (حذامِ)، عَلَمٌ: علم جنس لِلْفَجْرَه -بسكون الجيم- الْفَجْرَه، بعض الناس تقول: الفَجَرَة، لا الْفَجَرَه: جمع.

لِلْفَجْرَه: بسكون الجيم، بمعنى الفُجُور، وهو الميل عن الحق، لا بمعنى المرة من الميل عن الحق فالتاء لتأنيث الحقيقة لا للوحدة.

إذاً:

وَمِثْلُهُ بَرَّةُ لِلمَبَرَّهْ

كَذَا فَجَارِ عَلَمٌ لِلْفَجْرَهْ

هذان اللفظان علما جنس وضعا للمعاني بخلاف أُمِّ عِرْيَط، ثُعَالَة، وكذلك أبو الحارث للأسد، أبو الحارث كنية، لأن علم الجنس قد يكون كنية، إذا صدر بأب أو أم، فأبو الحارث للأسد، كما أن أُمَّ عِرْيَطٍ للعقرب، وذؤالة وأبو جعدة للذئب، كذلك أبو الحصين علم جنسٍ للثعلب.

وَمِثْلُهُ بَرَّةُ لِلمَبَرَّهْ

كَذَا فَجَارِ عَلَمٌ لِلْفَجْرَهْ

وعلم الجنس: يكون للشخص كما تقدم ويكون للمعنى كما مثَّل بـ: بَرَّة للمبرة، وفَجَارِ لِلْفَجْرَه.

ثم قال: اسم الإشارة.

ص: 11

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

ص: 12