الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* شروط جملةالصلة
* صلة (أل) الموصولية
* أل/الموصولية أحكامها وأنواعها.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
سبق في قوله:
وَمِثْلُ مَاذَا بَعْدَ مَا اسْتِفْهَامِ
…
أَوْ مَنْ إِذَا لَمْ تُلْغَ فِي الْكَلَامِ
هذه ذكرنا أن الناظم ذكر شرطين، وزاد ابن هشام: ألا تكون (ذا) للإشارة، نحو: من ذا الذاهب؟ هنا لا يمكن أن تكن (ذا) موصولة؛ لأن الذاهب هذا لفظ مفرد، ولا يصلح أن يكون صلة للموصول، فيتعين حينئذٍ أن تكون (ذا) إشارية، ألا تكون (ذا) للإشارة، نحو: من ذا الذاهب؟ وذلك لأن ما بعدها مفرد ولا يصلح أن يكون صلة لغير (أل) وهنا ليست (أل).
ثم قال:
وَكُلُّهَا يَلْزَمُ بَعْدَهُ صِلَهْ
…
عَلَى ضَمِيرٍ لَائِقٍ مُشْتَمِلَهْ
دل هذا على أن كل الموصولات لا بد من صلة تبين معناها، تتمم معناها وتعرفها على القول بأنها مُعَرِّفَة، سواء كانت موصولات حرفية أو اسميه، وهذا متفق عليه.
وهذه الجمل أو هذه (الصلة) مشتملة على ضمير، هذا يسمى عائد لمَّا افتقر إلى صلة وعائد، هذا الضمير يسمى عائداً، يعني: مرجعه إلى الاسم الموصول، لا بد أن يكون مطابقاً له إفراداً وتذكيراً وتثنية وجمعاً، ثم إذا عاد الضمير عليه حينئذٍ إذا اختلفا من جهة المصدق واللفظ يجوز مراعاة اللفظ ويجوز مراعاة المعنى، ومراعاة اللفظ أكثر.
ثم بين هذه الصلة فقال:
وَجُمْلَةٌ أَوْ شِبْهُهَا الَّذِي وُصِلْ
…
بِهِ كَمَنْ عِنْدِي الَّذِي ابْنُهُ كُفِلْ
عرفنا أن الصلة تكون جملة، وتكون شبه جملة، وأن الجملة تكون جملة اسمية وتكون جملة فعلية، وأن شبه الجملة المراد به ثلاثة أشياء: الظرف وقيده بالتوضيح المكاني، والجار والمجرور ويشترط فيهما التمام احترازاً من الناقص، وكذلك الثالث: الصفة الصريحة التي سيأتي أنها صلة (أل).
يشترط في هذه الجملة أولاً: أن تكون معهودة، يعني: بين المتكلم وبين المخاطب، فإن لم تكن كذلك حينئذٍ لا تصلح أن تكون صلة للموصول. يشترط في الصلة: أن تكون معهودة، بأن يعلمها المخاطب ويعلم متعلقها بمعية، يعني: يعرف المتكلم أنه أتى بجملة وهذه الجملة معلومة عند المخاطب، لا بد من ذلك، ليحصل الإتمام ويحصل إزالة الإبهام الذي في (الذي)، لو قال: جاء الذي قام أبوه ولم يدر ما هو، أو جاء الذي زيد أبوه قائم ولم يدر من هو زيد، فحينئذٍ نقول: هذه الجملة لم يحصل بها إتمام المعنى الذي في (الذي)، ولم يحصل بها رفع الإبهام في الاسم الموصول.
إذاً: يشترط في الصلة أن تكون معهودة بأن يعلمها المخاطب ويعلم تعلقها بمعين. أما صفة النكرة فالشرط فيها: علم المخاطب بها فقط كما ذكرناه في حد الموصول.
أو تكون مُنَزَّلَةً مُنَزَّلَةَ المعهود، يعني: يستثنى إذا كانت في مقام التهويل والتفخيم أو إرادة الجنس، حينئذٍ لا يشترط فيها أن تكون معهودة، يعني: الأصل أن تكون معهودة إلا في مقامين: مقام التهويل والتعظيم، ومقام إرادة الجنس. وهو الذي عبر عنه بعضهم بأنها تكون مُنَزَّلَةً مُنَزَّلَةَ المعهود وإلا لم تصلح للتعريف.
فالأول -الذي هو مقام التهويل- نحو: جاء الذي، أو الأول الذي هو اشتراط لأن تكون معهودة: جاء الذي قام أبوه. والثاني: هي الواقعة في معرض التهويل والتفخيم: ((فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ)) [طه:78] يعني: هول عظيم.
وكذلك إرادة الجنس: ((كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ)) [البقرة:171] كالذي، ليس ثمَّ ما هو معهود بين المتكلم والمخاطب لإرادة جنس مدخول (الذي)، يعني: الذي هو صلة الموصول.
إذاً الشرط: أن تكون جملة الصلة معهودة بين المتكلم والمخاطب، إلا في مقامين:
أولاً: مقام التهويل والتعظيم، ((فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ)) [طه:78].
الثاني: إرادة الجنس، ((كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ)) [البقرة:171].
وَجُمْلَةٌ أوْ شِبْهُهَا الَّذِي وُصِلْ: نقيدها بكونها معهودة، وإن جرى أكثر النحاة على أن الجملة يشترط فيها ثلاثة شروط ولا يذكرون أنها تكون معهودة، لكن بعضهم قيدها بما ذكرنا، بأن الأصل في جملة الصلة أن تكون رافعة للإبهام، ولا يمكن أن يكون المخاطب قد حصل عنده رفع للإبهام إلا إذا كانت الصلة معلومة، وإلا إن جُهل مصدق (الذي) وجهلت الصلة حينئذٍ كيف تم به؟ هذا أمر متعذر.
ويشترط في الجملة أيضاً: أن تكون خبرية لفظاً ومعنى، يعني: لا إنشائية، الخبرية معلومة، ما هي الخبرية؟ ما هي الجملة الخبرية؟ ما احتمل الصدق أو الكذب لذاته، حينئذٍ احترازاً من الإنشائية والطلبية، الطلبية هي نوع من الإنشاء. حينئذٍ لا تقع الجملة جملة الصلة إلا خبرية لفظاً ومعنى. وأما الإنشائية والطلبية فهذه لا تقع صلة للموصول.
إذاً: يشترط في جملة الصلة أن تكون خبرية لا إنشائية، وهي المقارِن حصول معناها للفظها فلا يوصل بها. لا يوصل بها؛ لأن الخبرية معنى اللفظ سابق على اللفظ، بخلاف الإنشائية والطلبية، فإما أن يكون مقارناً للفظ، وإما أن يكون متأخراً عن اللفظ. أليس كذلك؟ إذا تكلمت بكلام معناه إما أن يكون سابقاً: زيد قام، في الزمن الماضي، قبل أن أتكلم وقع الحدث قبل كلامي، قام زيد، زيد قائم، قد يكون في أثناء كلامي بلفظه حصل الحدث. بعتك داري: هذه ألفاظ إنشائية، بعتك داري. أو إذا كان في المستقبل كأن تأتي بـ (ليت، ولعل) ونحو ذلك من المسائل التي يكون مدلولها في المستقبل لا في الماضي ولا في الحال، حينئذٍ نقول: يشترط في الخبرية أن يكون اللفظ الذي حصل به الإخبار قد وقع حدثه قبل اللفظ، وهذا هو معنى الخبرية، احترازاً من الإنشائية، وهي المقابل حصول معناها للفظها فلا يوصل بها، والطلبية: ما يكون مطلوبها أو مدلولها يقع بعد اللفظ.
قال ابن مالك: لأن الصلة معرفة للموصول، فلا بد من تقدم الشعور بمعناها على الشعور بمعناه. هي معرفة للموصول، جاء الذي قام أبوه، حينئذٍ لا بد أن يكون قام أبوه متقدم في العلم على (الذي)؛ لأن هي معرفة له، حينئذٍ إذا كانت معرفة لا بد أن يسبق الشعور بمعناها الشعور بمعنى (الذي)، هذا واضح بين، أمر عقلي.
وخرج الطلبية وهي أولى بالامتناع من الإنشائية، لأنها لم يحصل معناها بعد، فهي أبعد عن حصول الوضوح بها لغيرها.
إذاً: كل من الطلب والإنشاء نقول: هذا ليس له خارج يدل اللفظ عليه حين التكلم. ليس له خارج، بخلاف الخبرية له خارج، يعني له شيء وقع وحصل، وأما الإنشائية والطلبية ليس له مدلوله لم يقع بعد، حينئذٍ: ما وقع مدلوله هو الذي يحصل به التعريف، وما لم يقع -وهي الإنشائية والطلبية- هذه لا يحصل بها التعريف، يعني تعريف الموصول.
إذاً: خبرية لا إنشائية، وحينئذٍ الطلب والإنشاء نقول: هذا خرج؛ لأنه ليس له خارج يدل اللفظ عليه حين التكلم، وإنما يحصل خارجه عقيب الكلام بعده، وعليه فلا يكونا معهودين للمخاطب، وإنما يكون الشيء معهوداً للمخاطب إذا علمه قبل الكلام، وأما مع الكلام أو بعده انتفى عنه الشرط الأول وهو: كونها عهدية.
واستُثني جملة القسم، فهي إنشائية، وصح وقوعها صلة:((وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ)) [النساء:72] قالوا: هذه مستثناة، هي محل نزاع القسمية، لكن الكثير وصححه السيوطي في جمع الجوامع أنه يصح أن تقع صلة.
وقيل: الصلة هي جملة جواب القسم وهي خبرية فلا استثناء.
إذاً: يشترط أن تكون خبرية لفظاً ومعنى، احترازاً من الطلبية والإنشائية، فلا يجوز: جاءني الذي اضربه، من هو هذا الذي اضربه؟ هذا في المستقبل ما يعرفه، كيف تعرف (الذي) بقولك: اضربه؟ ما حصل به التعريف؛ لأنها غير معهودة، ليس بيني وبين المخاطب معهود. جاء الذي اضربه، جاء الذي ليتني كنت مكانه، من هو؟ هذا مجهول. جاءني الذي ليته قائم، خلافاً لهشام الذي اشترط أو جوز أن تكون طلبية أو إنشائية.
إذاً: الطلبية اضربه أو لا تضربه لا يصح أن تقع صلة للموصول؛ لأن مدلولها لم يقع، وإذا لم يقع حينئذٍ لا يكون معهوداً بينك وبين المخاطب، فامتنع الشرط الأول.
الثاني: كونها خالية من معنى التعجب، جملة التعجب، يعني: لا تكون تعجبية. وجملة التعجب: ما أحسنه! وما أعلمه! هل هي إنشائية أو خبرية؟ محل نزاع، إن كانت إنشائية حينئذٍ خرجت بالاحتراز بالأول، خبرية: احترزنا من الإنشائية. وإن كانت خبرية حينئذٍ تستثنى من الخبرية، فيقال: لا تكون الجملة التعجبية صلة للموصول، لماذا؟ لأن التعجب إنما يكون من خفاء السبب، والصلة تكون موضحة ومعرفة، حينئذٍ ماذا حصل؟ إذا كان الموصول فيه إبهام وجملة التعجب فيها إبهام، هل يرفع المبهم بمبهم مثله، أو أنه بمُعرِّف؟ هل يرفع الإبهام بمبهم مثله أم لا بد من مُعرِّف؟
الثاني: يعني شيء موضح له ومبين.
إذاً: كونها خالية من معنى التعجب؛ لأن التعجب إنما يكون من خفاء السبب، والصلة تكون موضحة فتنافيا، حينئذٍ لا بد أن تكون خالية من معنى التعجب.
قال السيوطي: والصحيح جوازه. بناء على أنها خبرية، والأشهر هو الأول الذي ذكرته.
وذكر أيضاً السيوطي رحمه الله: أنها توصل بجملة القسم: جاء الذي أقسم بالله لقد قام أبوه، وهذا ذكرناه. وبجملة الشرط مع جزائه كما يخبر بها، نحو: جاء الذي الذي جاء إن قام عمرو قام أبوه، هذا من باب التجوز العقلي فحسب.
الثالث: كونها غير مفتقرة إلى كلام قبلها، يعني: ألا يكون ثَمَّ ترابط بين جملتين توسط بينهما الموصول، نقول: هذا ممتنع، لا بد أن تكون صلة الموصول جملة مستقلة ليس لها ارتباط بما قبل الموصول نفسه، فإن كان ثَمَّ ارتباط أو حرف يدل على أن ثَمَّ كلاماً يستدعي كلاماً قبل الموصول حينئذٍ امتنع وقوعها صلة للموصول.
كونها غير مفتقرة إلى كلام: جاءني حتى أبوه قائم، نقول:(حتى) هذه تدل على أن ما بعدها غاية لما قبلها، حينئذٍ امتنع أن تكون هذه الجملة صلة للموصول، وبجملة تستدعي كلاماً قبلها، نحو: جاءني حتى أبوه قائم. و (حتى) لا بد أن يتقدمها كلام يكون غاية له.
إذاً: هذه ثلاثة شروط مع الشرط الذي زدناه: وهو أن تكون معهودة، أربعة شروط لا بد من استيفائها في جملة الصلة: أن تكون خبرية لا إنشائية ولا طلبية، لا إنشائية خلافاً لهشام، ولا طلبية خلافاً للكسائي.
وكذلك: ألا تكون تعجبية، فإن كانت تعجبية حينئذٍ إن كانت خبرية على الخلاف، إن كانت خبرية فهي مستثناة من الشرط الثاني تكون خبرية، وإن كانت إنشائية حينئذٍ خرجت بقولنا: خبرية لا إنشائية، فهي مستثناة من الجملة الخبرية، لأنَّ في التعجب إبهاماً فلا يزل إبهام الموصول، وهذا تعليل واضح بين خلافاً لما ذكره السيوطي رحمه الله تعالى.
ويشترط في الظرف والجار والمجرور أن يكونا تامين، والمعني بالتام أن يكون في الوصل به فائدة، ومتى تكون الفائدة في الوصل به؟ إذا عُلم متعلقه العام. هذا ضابطه أولى مما ذكره ابن عقيل.
إذا علم من اللفظ متعلقه العام حينئذٍ نقول: هذا مفيد فائدة تامة. جاء الذي عندك، زيد في الدار، عرفنا أنه كائن في الدار مستقر في الدار، لكن زيد بك، بك هذا لا معنى له، حينئذٍ لا بد أن يتعلق بمحذوف خاص: زيد واثق بك، حينئذٍ نقول (بك) هذا متعلق بخاص لا يجوز حذفه، والكلام لا يكون مستقيماً.
أن يكون في الوصل به فائدة: جاء الذي عندك والذي في الدار، والعامل فيهما فعل محذوف وجوباً، وهذا محل إجماع. والخلاف في كون متعلق الجار والمجرور بالظرف هل هو اسم أو فعل في غير هذه المسألة، يعني في الظرف والحال والصفة، وأما في هذه المسألة فمحل وفاق، وبذلك رُجِّحَ في غيرها أن يكون فعلاً طرداً للباب كما سيأتي في محله في باب المبتدأ.
والتقدير: جاء الذي استقر عندك، أو الذي استقر في الدار.
فإن لم يكونا تامين لم يجز الوصل بهما، فلا تقل: جاء الذي بك، ولا جاء الذي اليوم، نقول: هذا باطل، لا يصح كلاماً؛ لأن المتعلق خاص وحذفه، ولا يجوز حذف المتعلق الخاص إلا إذا دلت عليه قرينة واضحة بينة. هذا ما يتعلق بقوله:
وَجُمْلَةٌ أَوْ شِبْهُهَا الَّذِي وُصِلْ
…
بِهِ كَمَنْ عِنْدِي الَّذِي ابْنُهُ كُفِلْ
على اختصار.
وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ ألْ
وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ: هذا كالشرح لقوله: أو شبهها، وهو أن (أل) الموصولية صلتها لا تكون جملة فعلية ولا اسمية ولا ظرفاً ولا جاراً ومجروراً، وما وقع من ذلك في كلام العرب فهو شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، وإنما الشرط في موصول أو صلة (أل) الموصولية: أن تكون صفة، والصفة المراد بها: ما دل على ذات، ما دل وضعاً على حدث معين وصاحبه، فحينئذٍ هو مركب في المعنى، دال على حدث وعلى صاحبه، كما أن الشأن في الفعل مطلقاً فعل الماضي والمضارع والأمر يدل على حدث، والصفة كذلك تدل على حدث.
الفعل بأنواعه الثلاث لا يدل على ذات بالمطابقة، وإنما يدل على ذات التي هي المحدثة الفاعل بدلالة الالتزام، لأنه متضمن لحدث، وكل حدث لا بد له من محدث.
وأما اسم الفاعل فهو دال على ذات.
إذاً: دلالة اسم الفاعل على الفاعل بالمطابقة، اسم الفاعل يدل على الفاعل بالمطابقة؛ لأنه اسم فاعل كاسمه وضع للدلالة على الذات التي اتصفت بهذا الحدث.
وأما الفعل: قام زيد، نقول: قام هذا يدل على زيد، لكن وجه الدلالة ليس بالمطابقة، وإنما بدلالة الالتزام، لأن (قام) تضمن ودل على حدث، وهذا الحدث لا يمكن أن يقع إلا بمحدث، فهو مستلزم للفاعل، فدلالة الفعل على الفاعل دلالة التزامية، ودلالة اسم الفاعل على الفاعل دلالة مطابقية، بمعنى: أن اللفظ دل عليه مطابقة، والفعل دل على الفاعل هناك بدلالة الالتزام، بمعنى: أنه خارج عن معناه، ما وضع له في لسان العرب، وإنما وضع قام لشيئين حدث وقع في زمن مضى، فهو مركب من حدث
…
خلل في الصوت: أبووك، نقول: أبوك. أليس كذلك؟ أو أبووك؟ حينئذٍ دلالة قام، وهذه مهمة تفيدك في هناك في المطلق والمقيد والعام والخاص.
دلالة قام على الزمن دلالة مطابقية، ودلالة ضارب على الزمن دلالة التزامية، على العكس في الفاعل؛ لأن قام دل على زمن وحدث. إذاً: كل واحد منهما بدلالة المطابقة، على أحدهما نقول: بدلالة التضمن. وأما دلالة قام على الفاعل فهي دلالة التزامية، ودلالة ضارب -اسم الفاعل- على الفاعل مطابقية، وعلى الحدث مطابقية، وعلى الزمن بدلالة الالتزام، دلالة التزام، لأنه وضع لشيئين ليس منهما الزمن الذي هو الحدث والذات ليس منهما الزمن. وأما قام دل على شيئين، وضع لشيئين منهما الزمن، فرق بينهما من جهة الدلالة على الفاعل والدلالة على الحدث.
وأما الدلالة على المصدر فاتفقا، وهو: أن قام وقائم إذا ذكرنا مثالاً واحداً، أو ضرب وضارب دل على الحدث بالمادة التي هي الحروف التي تألف منها ضارب وضرب، أو قام وقائم، لأن قام يدل على المصدر وهو القيام، وقائم وهو اسم الفاعل يدل على المصدر وهو القيام. إذاً: دلا على المصدر بالمادة، اشتركا يعني بالحروف وافترقا في الدلالات السابقة التي ذكرناها.
إذاً: وَصِفَةٌ: المراد بالصفة ما دل وضعاً على حدث معين وصاحِبِه. والمراد بها على جهة التفصيل في هذا المحل: اسم الفاعل واسم المفعول وأمثلة المبالغة، واختلف في الصفة المشبهة.
والمراد باسم الفاعل واسم المفعول اللذين يقعان صلة لـ (أل) في هذا المحل المراد بهما: الذي أريد بهما الحدوث. سبق أنه قد يراد بمدخول (أل) عهداً، وقد يراد به الثبوت، إن أريد به الثبوت حينئذٍ صار في قوة الصفة المشبهة، حينئذٍ يأتي الخلاف: هل هذا اسم فاعل أم صفة مشبهة؟ على القول بكون الصفة المشبهة لا تدخل عليه (أل) الموصولية حينئذٍ يأتي الخلاف، وأما إذا كان كلاً منهما يدخل عليه (أل) فلا إشكال. إذا قيل: المؤمن والكافر، هل المراد هنا إيمان متجدد أم أنه صفة ثابتة لموصوفها؟ لا شك الثاني، وإذا كان كذلك حينئذٍ نقول: هذا هو معنى الصفة المشبهة، دلالتها على ثبوت الحدث لا على تجدده، وحينئذٍ نقول: اسم الفاعل واسم المفعول اللذان يشترط في صلة (أل) أن يكون صفة صريحة المراد بهما ما دلا على الحدوث، فإن أريد بهما الثبوت كالمؤمن والصانع كانت (أل) الداخلة عليهما معرفة؛ لأنها حينئذٍ صفة مشبهة، بل الصواب يرجع إلى الخلاف في الصفة المشبهة: هل هي مدخول أل الموصولية أم لا؟
وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ: صريحة أي: خالصة في الوصفية، بمعنى: أنها لم تستعمل استعمال الأسماء، لأن الشيء في أصله قد يكون دالاً على ذات وصفة وحدث، ثم يستعمل استعمال الأسماء الجامدة: كالصاحب والراكب، فـ (أل) الداخلة على الراكب نقول: هذه ليست موصولية بل معرفة، مع كونه اسم فاعل راكب على وزن فاعل، ومع ذلك نقول:(أل) الداخلة عليه مُعَرِّفة وليست موصولية، لماذا؟ لأن مدخول (أل) هنا ليست صفة صريحة بل هو اسم جامد، كيف اسم جامد وهو على وزن فاعل؟ نقول: سلب دلالته على الوصفية، ومثله: الراكب، أي: خالصة الوصفية.
وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ: أي خالصة الوصفية التي لم تنقل إلى الاسمية، خرج به الصفة التي غلبت عليها الاسمية كالصاحب، فـ (أل) فيها حرف تعريف لا موصولة.
وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ ألْ: صلة (أل) الموصولة.
وكذلك احترز بقوله: صريحة من الداخلة على اسم التفضيل، وهذا مجمع عليه؛ أن (أل) الداخلة على الأفضل والأكرم هذه حرف تعريف وليست بـ (أل) الموصولية، محل وفاق هذا، وإنما الخلاف في الصفة المشبهة.
وكذلك المنسوب مثل: القرشي، (أل) هذه تعريف وليست موصولة، وإن كان في تأويل الصفة لأنه ليس بصفة صريحة، وإنما هو من جهة المعنى، قرشي يعني: منسوب إلى قريش، فهو موصوف من جهة المعنى، أي: المنسوب إلى قريش.
ثم قال: وَكَوْنُهَا بِمُعْرَبِ الأَفْعَالِ قَلَّ
وَكَوْنُهَا: أي هذه الألف واللام. وَكَوْنُهَا، وكون: هذا مصدر لكان الناقصة تفتقر إلى اسم وخبر، اسمها الهاء المضاف إليه.
وقوله: بِمُعْرَبِ الأَفْعَالِ: هذا خبر كان.
وقَلَّ: خبرها أيضاً. كيف اجتمع خبران؟
وَكَوْنُهَا بِمُعْرَبِ الأَفْعَالِ قَلَّ
بِمُعْرَبِ: هذا خبر كان.
وقَلَّ: خبر كان.
بِمُعْرَبِ الأَفْعَالِ: هذا خبر كان من حيث طلبها وافتقارها إلى اسم وخبر، فالاسم الضمير، وبمعرب هذا جار ومجرور متعلق محذوف خبر كان، وهي مبتدأ، وتفتقر من هذه الحيثية إلى خبر، فلها جهتان: جهة كونها تفتقر إلى اسم وخبر، وجهة كونها مبتدأً، فـ (قل) هذا خبر الكون، من جهة كونه مبتدأً، و (بِمُعْرَبِ الأَفْعَالِ) خبر الكون من جهة كونه طالباً لاسم وفعل.
وكَوْنُكَ إيَّاهُ عَلَيكَ يَسِيرُ
يأتينا إن شاء الله في محله.
دخول (أل) الموصولة على معرب الأفعال الذي هو الفعل المضارع، هل هو دخول صحيح أم أنه قبيح وشاذ؟ ينبني على هذا الخلاف: أن (أل) هل هي من خصائص الأسماء أم لا؟ من قال بأن دخولها على الفعل المضارع دخول صحيح معترف به في لسان العرب، حينئذٍ جعل (أل) الموصولة ليست علامة على اسمية الكلمة، وليست (أل) كلها، لا، المراد (أل) الموصولية، وأما (أل) المعرفة أو الزائدة فهي علامة، محل وفاق لا إشكال فيه، وإنما (أل) الموصولية التي تكون داخلة على الصفة الصريحة: ضارب ومضروب، والأمثلة المبالغة، والصفة المشبهة، هل هي معرفة بالاسم بمعنى أنها دالة على أنه اسم أم لا؟ منبني على هذا الخلاف.
إن قلنا: دخوله على الفعل -الفعل المضارع صحيح- حينئذٍ سلبنا عنها هذه الخصيصة، وإن قلنا: شاذ وأنه قبيح حينئذٍ نقول: هي على أصلها تعتبر علامة على اسمية الكلمة.
ابن مالك رحمه الله تعالى اختار أن دخولها دخول صحيح لكنه قليل، وعلى كلامه في قوله هناك: بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ وَالنِّدَا وَأَلْ؛ لا بد أن نستثني الموصولية على مذهبه، لأنه لا يرى أن (أل) الموصولة علامة لاسمية الكلمة، والجماهير: أن (أل) بجميع أنواعها ومنها الموصولة تعتبر علامة على اسمية الكلمة، وأما دخولها على الفعل المضارع فيما ورد من الأبيات والأشعار وإن كثر بالنسبة لـ؟؟؟ لكنه كثرة نسبة، إن كثر يعتبر ضرورة ويعتبر شاذاً، بل حكى عبد القاهر الجرجاني كما حكاه في شرح الشذور ابن هشام: أنه شاذ بإجماع النحاة، لكن الإجماع هذا محل نزاع.
وَكَوْنُهَا بِمُعْرَبِ الأَفْعَالِ قَلَّ
يعني: دخولها على معرب الأفعال قليل، وإذا كان قليلاً حينئذٍ يستساغ ويقال بدخول (أل) على الفعل المضارع مطلقاً، سواء كان في الشعر أو في النثر على هذا القول.
والجماهير على أن دخولها على الفعل المضارع تعتبر ضرورة.
هنا قال: الألف واللام توصف (أل) بصفة محضة، يعني: خالصة من شائبة الاسمية كالصاحب والراكب، وذلك اسم الفاعل والمفعول كالضارب والمضروب، بخلاف غير المحضة، كالذي يوصف به وهو غير مشتق كأسد، لو وصف به نقول: هذا صفة، لكنه غير مشتق.
والصفة التي غلبت عليها الاسمية كصاحب وراكب، فـ (أل) في جميع ذلك معرِّفة لا موصولة، إن لم تكن صفة كالأسد ولو وصف به نقول: هذا لا يعتبر صلة لـ (أل)، إن كان مشتقاً لكنه أجري مجرى الأسماء الجامدة كراكب وصاحب، حينئذٍ نقول: هذا لا يشتق، هذا لا يوصل به. فإذا كان كذلك حينئذٍ إذا دخلت (أل) على الأسد أو على الراكب والصاحب نقول: هذه (أل) معرِّفة وليست موصولية.
وهل توصل بالصفة المشبهة؟ قولان للنحاة مشهوران:
الأول: توصل بها، كما في الحسن، وبه جزم ابن مالك -رحمه الله تعالى-، وهذا هو المشهور: أنها توصل بها؛ لشبهها الفعل باعتبار رفعها الظاهر باطراد مطلقاً، بخلاف أفعل التفضيل؛ فإنه لا يرفع الظاهر باطراد إلا في مسألة الكحل كما سيأتي بيانه.
إذاً: الصفة المشبهة ترفع الاسم الظاهر على أنه فاعل، إذا كان كذلك حينئذٍ لها شبه قوي بالفعل، فإذا كان لها شبه قوي بالفعل حينئذٍ صح دخول (أل) الموصولية عليها؛ لأنها في اللفظ هي اسم، وفي المعنى لشبهها القوي بالفعل في كونها ترفع الاسم الظاهر حينئذٍ صارت في معنى اسم الفاعل وفي معنى اسم المفعول.
وقد ذكرنا الضابط في صلة (أل) أنها من جهة اللفظ هي اسم، ضارب ومضروب، ومن جهة المعنى هي في قوة الجملة الفعلية، وكذلك حسن، حسن من حيث اللفظ هو اسم، ومن حيث المعنى نقول: هذا في قوة الفعل، ما الدليل على أنه في قوة الفعل؟ رفعها للاسم الظاهر باطراد.
أما أفعل التفضيل فهذا محل وفاق، لأنها لا ترفع إلا الاسم الظاهر في محل واحد –مستثنى- وما كان مستثنىً حينئذٍ يكون خارجاً عن القياس، فالأصل فيها أنها لا ترفع الاسم الظاهر إلا في مسألة الكحل وهذا مستثنى، وحينئذٍ ما خرج عن القياس غيره عليه لا يقاس، فيقال: الأصل فيها أنها لا ترفع الاسم الظاهر وإنما ضمير مستتر. هذا الأول.
الثاني: لا توصل بها لضعفها وقربها من الأسماء، لأنها للثبوت، فلا تؤول بالفعل، ولذلك لا توصل بأفعل التفضيل باتفاق، يعني هي من حيث المعنى للثبوت، نقول هنا: لم ينظر إلى المعنى وإنما نظر إلى العمل، فلما عملت عمل الفعل والأصل في العمل للأفعال كانت أشبه به من هذه الحيثية، فألحقت به؛ لأن المراد هنا العمل، لأن (أل) إذا اتصلت باسم الفاعل وهي موصولية واسم المفعول والصفة المشبهة حينئذٍ تعمل فيما بعدها، صار معتمداً عليه كما سيأتي في محله.
فإذا كان كذلك روعي في الصفة المشبهة عملها وإن لم يلتفت إلى المعنى من حيث الثبوت، فغلِّب جانب العمل على جانب المعنى ولذلك عملت، ولذلك وقع فيها خلاف، بخلاف الضارب والمضروب.
وفي وصلها بالفعل المضارع قولان:
توصل به، ورجحه ابن مالك.
وَكَوْنُهَا بِمُعْرَبِ الأَفْعَالِ قَلَّ
الثاني: لا توصل به، وعليه الجمهور، وما ورد من كلام العرب من الضرورات القبيحة، مَا أَنْتَ بالْحَكَمِ التُّرْضَى حُكُومَتُهُ: الذي ترضى، ترضى هذا فعل مضارع مغير الصيغة دخلت عليه (أل)، و (أل) المعرفة لا تدخل على المضارع بإجماع، وكذلك الزائدة لا تدخل على المضارع بإجماع، وإنما تعين حمل أل لهذا أن تكون موصولية، حينئذٍ دخولها على ترضى هل هو دخول صحيح أم لا؟ المشهور أنه يعتبر من الضرورات القبيحة كما قال الجمهور.
،
مَا أَنْتَ بالْحَكَمِ التُّرْضَى: قلنا: ضرورة عند الجمهور، وفرق بين الضرورة عند الجمهور وعند ابن مالك -رحمه الله تعالى-، ولذلك اختلفا في هذا المصدق. فالضرورة عند الجمهور: أنها ما وقع في الشعر مما لا يقع مثله في النثر. هذا عام جداً، مهم هذا، أنها ما وقع في الشعر مما لا يقع مثله في النثر، إذاً: لا يشترط فيه قضية انكسار الوزن وعدمه، اضطر إليه بالتنوين لـ (أل) إلى آخره، ليس هذا المراد بالضرورة عند الجمهور، وقد نص على ذلك الصبان والسيوطي في همع الهوامع: أنها ما وقع في الشعر مما لا يقع مثله في النثر، يعني: يعاب في النثر أن يؤتى بـ (أل) مع الفعل المضارع، فإذا وقع في الشعر ما لا يستساغ نثراً حكمنا عليه بأنه ضرورة، ولا ننتظر أو ننظر إلى كونه انكسر الوزن أو لا.
أما عند ابن مالك: ما اضطُر إليه الشاعر ولم يجد عنه مندوحاً، وضُعِّفَ مذهبه -مذهب ابن مالك رحمه الله؛ بأنه ما من ضرورة إلا ويمكن إزالتها بنظم تركيب آخر، ما من ضرورة إلا ويمكن أن ينفك عنها بماذا؟ يغير البيت مباشرة، بدلاً من أن يضطر فيقع فيما هو محذور حينئذٍ يأتي ببيت آخر. فالضرورة عند الجمهور أعم من الضرورة عند ابن مالك -رحمه الله تعالى-.
وقد شذ وصل الألف واللام بالفعل المضارع، هكذا حكم ابن عقيل حكم عليه بأنه شاذ، وإذا كان شاذاً حينئذٍ لا يقاس عليه ولا يقال في النثر بدخول (أل) على الفعل المضارع.
وإليه أشار بقوله:
وَكَوْنُهَا بِمُعْرَبِ الأَفْعَالِ قَلَّ
ليس الأمر كذلك كما قال ابن عقيل، وإنما مراد ابن مالك بكونه قَلَّ: ليس بالشاذ، وإذا كان كذلك صار لغة عندهم، ولذلك كما قال كثير ممن شرح الألفية على أن ابن مالك رحمه الله يرى أن (أل) الموصولية لا تكون علامة للاسمية، وهذا دليل على أن قوله:(قَلَّ) ليس المراد به أنه شاذ، وإنما سمع في أبيات ليست قليلة عنده وحينئذٍ حكم بصحة دخول (أل) الموصولية على الفعل في الشعر خاصة، فإذا كان كذلك صار لغة، وما صار لغة لا يحكم عليه بالشذوذ، ولذلك قال ابن عقيل: وهذا عند جمهور البصريين مخصوص بالشعر، وزعم المصنف في غير هذا الكتاب أنه لا يختص به بل يجوز بالاختيار، بل هو مراده في هذا البيت، ليس في غير هذا الكتاب بل هو مراده في هذا البيت.
وجاء وصلها بالجملة الاسمية لكنه شاذ. وصلت (أل) بالجملة الاسمية كما توصل (الذي، والتي).
قلنا:
وَجُمْلَةٌ أَوْ شِبْهُهَا الَّذِي وُصِلْ بِهِ
جملة يشمل الجملة الاسمية والجملة الفعلية. هل يكون موصول (أل) أو صلة (أل) جملة اسمية؟ الجواب: لا، وإن سمع من ذلك حينئذٍ نحكم عليه بأنه شاذ.
فمن الأول قول الشاعر:
مِنَ الْقَوْم الرَّسُولُ الله مِنْهُمْ
…
لَهُمْ دَانَتْ رِقَابُ بَنِي مَعَدِّ
مِنَ الْقَوْم الرَّسُولُ الله، يعني: الذين رَّسُولُ الله مِنْهُمْ. رَّسُولُ الله هذا مبتدأ، ومِنْهُمْ: خبر. و (أل) هنا في معنى الذين، لأنه قال: مِنَ الْقَوْم، فدل على أن (أل) هنا بمعنى الذين، و (أل) لا شك أنها تأتي بمعنى المفرد، وتأتي بمعنى المثنى وبمعنى الجمع.
مِنَ الْقَوْم الرَّسُولُ الله مِنْهُمْ يعني: الذين رَّسُولُ الله مِنْهُمْ.
وكذلك توصل بالظرف شذوذاً، كقوله:
مَنْ لَايَزَالُ شَاكِراً عَلَى الْمَعَهْ
…
فَهْوَ حَرٍ بِعِيشَةٍ ذَاتِ سَعَهْ
على (المعة، معة) هذا ظرف، وَمَعَ مَعْ فِيهَا قَلِيلٌ ونُقِلْ
الْمَعَهْ: يعني الذي (معه)، نقول: هذا شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه.
إذاً: وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ ألْ: نقول: هذا المراد به أن (أل) لا تكون صلتها إلا ما وجد فيه الشرطان: صفة لا جامد، وأن تكون محضة خالصة في الدلالة على الوصفية، خرج به ما لم يكن خالصاً وهو ما أجري مجرى الأسماء الجامدة.
وأما َكَوْنُهَا بِمُعْرَبِ الأَفْعَالِ قَلَّ: دخولها على مُعْرَبِ الأَفْعَالِ نقول: هذا شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه. حينئذٍ يتقرر: أن (أل) الموصولية هذه تعتبر من علامات الأسماء كما ذكرناه فيما سبق.
ولذلك نقول: هنا فائدة: الصفة الصريحة مع (أل) اسم لفظاً فعل معنىً. هذه مهمة.
الصفة الصريحة مع (أل) اسم لفظاً فعل معنىً، اسم لفظاً من حيث اللفظ. فعل معنى؛ لأن الأصل في جملة الصلة أن تكون فعلاً، هذا الأصل فيها، ولكن قبح أن تدخل (أل) على الفعل، صار قبيحاً، ولعل دخولها على الفعل المضارع إرشاداً إلى هذا؛ لأنه قد يأتي الشيء الممنوع مصرحاً به في بعض الأبيات، ليدل على أن هذا هو الأصل، لكن لا يكون قياساً، مثل ما ذكرناه: فَإَنَّهُ أَهْلٌ لأَنْ يُؤَكْرَمَا: هذا تصريح بأصل مهجور، والتُّرْضَى: هذا أيضاً تصريح بأصل مهجور، ولكن لكثرة ما ورد جعلوه قليلاً واستحسنوه ألا يكون شاذاً.
إذاً: لا بد من أمرين: صفة صريحة.
وَ َكَوْنُهَا بِمُعْرَبِ الأَفْعَالِ قَلَّ: الجمهور على أنه شاذ.
ثم قال رحمه الله:
أيٌّ كَمَا وَأُعْرِبَتْ مَا لَمْ تُضَفْ
…
وَصَدْرُ وَصْلِهَا ضَمِيرٌ انْحَذَفْ
هذا هو النوع السادس من الألفاظ المشتركة، أَيٌّ.
قال: أيٌّ كَمَا، أيٌّ كَمَا مثل ما في أنها تلزم لفظاً واحداً: أيٌّ، ثم تكون للمفرد والمذكر المفرد المؤنث المثنى بنوعيه الجمع بنوعيه وتكون للعاقل وغير العاقل. وأيٌّ الأصل فيها أنها تكون للنوعين: العاقل وغير العاقل لا بترجيح، ولذلك ذكرنا في قوله: وَمَنْ وَمَا وَأَلْ تُسَاوِي مَا ذُكِرْ. من للعاقل كثيراً ولغيره قليلاً، ما لغير العاقل كثيراً، وللعاقل قليلاً، وما بعد هذين اللفظين يستعملان معاً في العاقل وغير العاقل.
إذاً قوله: أيٌّ كَمَا: هل هو في الدلالة على كونه عاقلاً أو لا؟ الجواب: لا، ليس كذلك، وإنما في كونها تلزم لفظاً واحداً، وحينئذٍ من جهة المعنى قد يعتبر المفرد المذكر والمؤنث، وقد يعتبر المثنى، وقد يعتبر الجمع.
أيٌّ كَمَا: أيٌّ تستعمل موصولة، وتأتي شرطية، وتأتي استفهامية، وهي من الألفاظ الأصل فيها أنها ملازمة للإضافة، ونوع المضاف هذا فيه تفصيل يأتي في باب الإضافة إن شاء الله تعالى، الموصولية والاستفهامية والشرطية ملازمة للإضافة، فإذا حذف المضاف إليه عوض عنه التنوين فصار التنوين عوضاً عن مفرد هنا.
أيٌّ: ((أَيًّا مَّا تَدْعُوا)) [الإسراء:110] هذه شرطية، نقول: التنوين هنا عوض عن المضاف إليه المحذوف، وسيأتي تفصيله في محله.
إذاً: أيٌّ تستعمل موصولة واستفهامية وشرطية، كونها استفهامية وشرطية هذا يكاد يكون محل وفاق، أما استعمالها –مجيئها- لغير الاستفهامية والشرطية وهي الموصولية هذا محل خلاف، والجمهور على أنها تأتي موصولية كذلك.
إذاً: أيٌّ ليس متفقاً عليها أنها موصولية، بخلاف (من وما وأل) هناك متفق على أنها موصولية، وأما أيٌّ فلا.
تستعمل موصولة خلافاً لثعلب في قوله: أنها لا تستعمل إلا شرطاً أو استفهاماً، ويرد قوله قول الشاعر:
فَسلِّمْ عَلى أيُّهُم أفْضَلُ
فَسلِّمْ عَلى أيُّهُم، عندنا الشرطية والاستفهامية معربتان كما سيأتي، وقد مر معنا استثناء الشرطية والاستفهامية أنها معربة، على قوله: أن أيٌّ لا تكون إلا استفهامية أو شرطية، على (أيُّهُم)، على قوله نقول: على (أيِّهِم)، لأن هذه أيٌّ إما شرطية وإما استفهامية وكلاهما معربان، وعلى هذا حرف جر دخلت على الشرطية أو الاستفهامية على كلامه، حينئذٍ لزم أن يكون مجروراً، فلما لازم الضمة علمنا أنه مبني: على أيُّهُم أفضل، حينئذٍ نقول: هي مبنية على الضم، إذ لو صح ما ادعاه ثعلب أنها استفهامية لقال: على (أيِّهِم)، أو شرطية لقال: على (أيِّهِم)؛ لأنهما معربتان.
إذاً: يرد قولَه: فَسلِّمْ عَلى أيُّهُم أفْضَلُ، فهي مبنية على الضم في الرواية المشهورة، فدل على أنها موصولة، وغير الموصولة معربة لا مبنية، وإنما بنيت هنا لكونها مضافة وقد حذف صدر صلتها وهو المبتدأ أي: هو أفضل، كما سيأتي.
أيٌّ كَمَا: إذاً (أيٌّ) موصولية خلافاً لثعلب.
كَمَا: فتكون بلفظ واحد في الإفراد والتذكير وفروعهما، وَأُعْرِبَتْ. بيَّن حكمها.
وَأُعْرِبَتْ مَا لَمْ تُضَفْ
…
وَصَدْرُ وَصْلِهَا ضَمِيرٌ انْحَذَفْ
وَأُعْرِبَتْ: وقد تبنى، قال: أُعْرِبَتْ، متى؟
وَأُعْرِبَتْ مَا لَمْ تُضَفْ، (وَ): الواو واو الحال هذه، معناه: أن ما بعده داخل في الشرط، فلا بد من استيفاء شرطين، إن انتفيا أعربت، فحينئذٍ هو نصَّ على المعرب منها، وبمفهومه يفهم المبني، إذ يقال: إن (أيٌّ) مع صلتها وصدرها باعتبار الحذف وعدمه على أربعة أنواع -موجودة في ابن عقيل-، لها أربعة أحوال:
أولاً: أن تضاف ويذكر صدر صلتها، تضاف على الأصل إلى المفرد، ويذكر صدر صلتها، يعجبني أيهُم هو قائم، أيُّ: أضيفت إلى الهاء. هُوَ قَآئِمٌ: ذكر صدر الصلة المبتدأ أوله، هُوَ قَآئِمٌ.
…
إذاً أضيفت، وذكر صدر الصلة. هذه الحالة الأولى.
الثانية: ألا تضاف ولا يذكر صدر صلتها، يعجبني (أَيٌّ قَائِمٌ)، يعجبني (أيٌّ) حذف الهاء. (قَآئِمٌ): الأصل هو قائم، حذف صدر الصلة الذي هو المبتدأ.
الثالثة: ألا تضاف ويذكر صدر صلتها: يعجبني أيُّ هو قائم، يعجبني أيٌّ حذف المضاف، هُوَ قَآئِمٌ: صدر الصلة مذكور. هذه ثلاثة.
بقي حالة واحدة وهي: بالمفهوم.
إذاً:
أن تضاف ويذكر صدر صلتها. هذا أولاً.
ألا تضاف ولا يذكر صدر صلتها. هذا الثاني.
ألا تضاف ويذكر صدر صلتها، حينئذٍ نقول:(أيُّ) تأتي مبنية فيما إذا لم تكن من هذه الأحوال الثلاثة وهي: فيما إذا لم تضف مع حذف صدر الصلة، لم تضف:(أَيُّهُمْ قَائِمٌ)، (أَيُّهُمْ) إذا لم تضف -مدة عدم إضافتها مع حذف صدر صلتها-، يعني:(أيٌّ قَآئِمٌ)، هذا حذفت الصلة وحذف صدر الصلة، نقول: في هذه الحالة معربة.
أن تضاف ويذكر صدر الصلة: (أَيُّهُمْ هُوَ قَائِمٌ)، نقول: في هذه الحالة معربة.
ألا تضاف ويذكر صدر صلتها: يعجبني (أَيُّ هُوَ قَائِمٌ)، نقول: في هذه الحالة هي معربة. ماذا بقي من التقسيم العقلي؟
أن تضاف ولا يذكر صدر صلتها. هذه الحالة هي التي عناها الناظم بالنفي في النطق بقوله:
…
مَا لَمْ تُضَفْ
…
وَصَدْرُ وَصْلِهَا ضَمِيرٌ انْحَذَفْ
يعني: َأُعْرِبَتْ (أيٌّ) مدة عدم إضافتها مع حذف صدر صلتها، فحينئذٍ إن أضيفت وحذف صدر صلتها بنيت على الضم، وهذا مأخوذ بالمفهوم. المنطوق دل على ماذا؟ دل على الإعراب، ولذلك إذا بدأت بالمفهوم سلمت في شرح البيت، وإذا بدأت بالمنطوق تتعب، يعني: الآن قال:
…
مَا لَمْ تُضَفْ
…
وَصَدْرُ وَصْلِهَا ضَمِيرٌ انْحَذَفْ
مفهومه: إن لَمْ تُضَفْ مع حذف صدر الصلة حينئذٍ تكون مبنية، فهو نص بالنطق على المعرب وبالمفهوم على المبني. إذاً: أيٌّ كَمَا وَأُعْرِبَتْ مَا لَمْ تُضَفْ: ما هذه ظرفية. مدة عدم إضافتها. فحينئذٍ إذا أضيفت انتفى الشرط الأول .. مدة عدم إضافتها مع حذف صدر صلتها، في هذه الحالة نقول:(أيٌّ مبنية)، وقد جاء النص بها في قوله تعالى:((أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا)) [مريم:69](أيُّ) أضيفت إلى الهاء إذاً مضافة، وأشد: هذا خبر مبتدأ محذوف، حذف صدر الصلة وهو قوله:(هو)، (أيهم هو أشد).
إذاً: في هذه الحالة الوحيدة الرابعة هي التي نحكم على أيٍّ بأنها مبنية وهي متى؟ إذا أضيفت وحذف صدر صلتها، نحفظ المثال:(أَيُّهُمْ أَشَدُّ)، يعني:(أيهم هو أشد).
في هذه الأحوال الثلاث تكون معربة بالحركات الثلاث. يعجبني (أَيُّهُمْ هُوَ قَائِمٌ)، ورأيت (أَيَّهُمْ هُوَ قَائِمٌ)، ومررت (بأيِّهِم هُوَ قَائِمٌ)، وكذلك (أَيُّ قَائِمٌ)، إلى آخر الأمثلة التي ذكرها ابن عقيل، حينئذٍ (أَيٌّ)، تأتي مبنية موصولة عند سيبيويه وجماعة من البصريين إذا اجتمع فيها أمران: أن تكون مضافة لفظاً. هذا شرط.
أن يكون صدر صلتها محذوف.
واشترطوا في العامل فيها -في (أيّ) الموصولة- شرطين:
أن يكون مدلوله الزمان المستقبل، يعني:(يُعْجِبُنِي)، ما تقدر:(أعْجَبَنِي أَيُّهُمْ قَائِمٌ)، (يُعْجِبُنِي)، أما بالفعل الماضي فلا، لا يصح.
أن يكون مدلوله الزمان المستقبل.
الثاني: أن يقدم عليها في الكلام فلا يتأخر، ولذا قيل للكسائي: لم لا يجوز: (أعجبني أيُّهُمْ قَامَ)؟ لم لا يجوز: (أعجبني) -جاء بالفعل بالماضي- (أيُّهُمْ قَامَ)؟ فقال: (أيٌّ) كذا خلقت. يعني هكذا وضعت، حينئذٍ لا نبحث ولا نسأل.
أيُّ كما: إذاً عرفنا مفهوم البيت ومنطوقه: (أيٌّ كما).
وَأُعْرِبَتْ: في ثلاثة أحوال، وبنيت في حالة واحدة لأنها بالتعبير التقسيم العقلي أربعة أقسام على ما ذكره الشارح.
وَأُعْرِبَتْ: مدة عدم إضافتها، إذاً: النطق هنا معلق بأحوال الإعراب.
مدة عدم إضافتها، ومع حذف صدر صلتها إذا كان ضميراً، فحينئذٍ نقول بهذين الشرطين إذا انتفيا أعربت أيُّ، وإن وجدا اجتمعا ولا بد من اجتماعهما وهو إضافتها وحذف صدر الصلة، حينئذٍ نقول: هي مبنية.
الرابعة: أن تضاف ويحذف صدر الصلة، نحو:(يُعْجِبُنِي أيُّهُمْ قَائمٌ)، ففي هذه الحالة تبنى على الضم وتقول:(يُعْجِبُنِي أيُّهُمْ قَائمٌ)، ورأيت أيُّهُمْ قَائمٌ، ومررت أيُّهُمْ قَائمٌ، وعليه قوله تعالى:((ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ)) [مريم:69] يعني: أيهم هو أشد.
إذَا مَا لَقِيتَ بَنِي مَالِكٍ
…
فَسَلِّمْ عَلَى أَيُّهُمْ -هذا الشاهد- أَفْضَلُ، يعني:(أَيُّهُمْ هُوَ أَفْضَلُ)، بنيت هنا أضيفت أيُّ إلى الهاء، وصدر الصلة محذوف، (أَيُّهُمْ هُوَ أَفْضَلُ)، بضم أَيُّ؛ لأن حروف الجر لا يضمر بينها وبين معمولها قول ولا تعليق، وهذا مستفاد من قوله: وَأُعْرِبَتْ مَا لَمْ تُضَفْ، أي: وَأُعْرِبَتْ أيُّ إذا لم تضف في حالة حذف صدر الصلة، فدخل في هذه الأحوال الثلاثة السابقة على ما ذكرناه سابقاً.
وَبَعْضُهُمْ أعْرَبَ مُطْلَقاً، يعني: أعْرَبَ أيَّاً مُطْلَقاً بدون استثناء كلها معربة، حتى في قوله:((أَيُّهُمْ أَشَدُّ)) [مريم:69] هذه معربة.
فَسَلِّمْ عَلَى أيِّهِم: على الرواية الثانية فهي معربة.
وَبَعْضُهُمْ: أي بعض العرب أو بعض النحاة -كالخليل ويونس- أعْرَبَ أيَّاً مُطْلَقاً، يعني: اتفقا مع القول السابق في الثلاثة الأول واختلفا معهم فيما إذا أضيفت وحذف صدر الصلة.
مُطْلَقاً: وإن أضيفت وحذف صدر صلتها.
وتأوَّلا الآية: ((أَيُّهُمْ أَشَدُّ)) [مريم:69] بأن يقال: ما الجواب؟ فالخليل جعلها استفهامية محكية بقول مقدر تقديره: الذي يقال فيه ((أَيُّهُمْ أَشَدُّ))، فالمفعول محذوف، و (أَيُّ) مبتدأ، فضمته: إعراب. و (أَشَدُّ) خبر، والجملة نائب فاعل -يُقال_.
إذاً: ((أَيُّهُمْ أَشَدُّ))، ((ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ)) [مريم:69] أنت تقول كلها معربة، ماذا
…
؟؟؟ .. القراءة؟ قال: هذه استفهامية، وهي داخلة تحت قول محكي، تقديره: الذي يقال فيه ((أَيُّهُمْ أَشَدُّ))، فالمفعول محذوف، وأيُّ مبتدأ، أيّ هذه مبتدأ، حينئذٍ تكون الضمة ضمة إعراب وليست بناء، لأنها استفهامية والاستفهامية معربة.
إذاً: من أجل ألا يجعلها موصولة وهي مبنية وهو يقول بإعرابها مطلقاً جعلها استفهامية، وإذا جعلها استفهامية حينئذٍ حكم عليها بالإعراب.
ويونس جعلها استفهامية أيضاً مثله، لكنه حكم بتعليق الفعل قبلها عن العمل، لأن التعليق عنده غير مخصوص بأفعال القلوب، فسدت الجملة:((أَيُّهُمْ أَشَدُّ)) مسد المفعول.
إذا الصواب أن يقال فيها: أنها تكون مبنية، وأما التكلف هذا والتعسف لا يحمل عليه القرآن.
وَبَعْضُهُمْ أعْرَبَ مُطْلَقاً
يعني: أعرب أيّاً مطلقاً.
ثم قال: وَفِي .. ذَا الْحَذْفِ أيّاً غَيْرُ أيٍّ يَقْتَفي .. إنْ يُستَطَلْ وَصْلٌ
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
…
!!!