المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * شرح الترجمة (المعرف بأداة التعريف) ـ * مذهب الناظم - شرح ألفية ابن مالك للحازمي - جـ ٢٧

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * شرح الترجمة (المعرف بأداة التعريف) ـ * مذهب الناظم

‌عناصر الدرس

* شرح الترجمة (المعرف بأداة التعريف) ـ

* مذهب الناظم في المعرف

* أنواع (أل) المعرفة

* أل/الزائدة وأنواعها

* العلم بالغلبة وأحكامه.

بسم الله الرحمن الرحيم

س: هذا يقول: ألا يمكن أن يُجاب على قول النُّحاة (الذي) للعاقل أن الصلة حالة تنصب على الألفاظ بقطع النظر عن الحقائق؟

ج: لا هذا تعلق بالمعنى، تستعمل في العاقل، معناه في المعنى ليس في اللفظ، ثم قد لا يُسلَّم كل ما يقول باللفظ أنه في المعنى، يُسلم لهم لا، كيف تقول للعاقل:((وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ)) [الزخرف:84] ما ينبغي هذا.

س: هذا يقول: ما القول الصحيح في مسألة (ما) الموصولة و (ما) المصدرية هل هي شيءٌ واحد أم أنهما متباينان؟

ج: شيء واحد أم متباينان؟ وَمَنْ وَمَا وَأَلْ تُسَاوِي مَا ذُكِرْ، هذه (ما) موصولية اسم، و (أما) عَجبت مما صحبت زيداً، نقول: هذه مصدرية، ((بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)) [ص:26]، يعني: بنسيانهم، تؤول بالمصدر.

س: ما هو القول الصحيح في مسألة: (ما) الموصولة و (ما) المصدرية هل هما شيء واحد؟

ج: لا، هما شيئان متباينان، (ما) الموصولية هذه اسمية، و (ما) الحرفية هذه حرف وهي التي تُسبك مع ما بعدها بمصدر ((بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)) [ص:26] يعني بنسيانهم وأما (ما) المصدرية ((وَمَا مِنْ دَابَّةٍ)) [الأنعام:38].

س: هل نقول تكون (ذا) ملغاة إذا دخلت على شبه جملة ولا تكون ملغاة إذا دخلت على فعل؟

الجواب: على التفصيل الذي ذكرناه.

س: ألا يُعْتَرض على ابن مالك تمثيلُه على الإضافة بعبد شمسٍ؟

كَعَبْدِ شَمْسٍ وأَبِي قُحَافَهْ، كَعَبْدِ شَمْسٍ: هو ناقل ذكر علماً موجوداً فقط كمثال.

س: (الذي) إذا ثنيت تُحذف الياء للتخلص من التقاء الساكنين، هل يمكن أن نضيف لهذه العلة علة كون الياء حرف مبنى؟

الجواب: لا، هو نفسه، يقول: للتخلص من التقاء الساكنين، معناه الأصل في التقاء الساكنين أن يُحرَّك الأول، لكن لم يُحرك هنا، حينئذٍ انتقلنا إلى الثانية وهي:

الطريقة الثانية: وهي الحذف، بشرطين وهما:

أن يكون حرف علة، وأن يكون ثَمَّ دليل، إن كانت المحذوفة ياء، لابد من بقاء كسرة قبلها.

س: هذا يقول: ذكرتم لنا في تخريج آية: ((وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا)) [التوبة:69]-يعني: النحاة ذكروه- علتين هل يمكن الجواب عليها بأن (الذي) من ألفاظ العموم وذلك كقوله تعالى: ((مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً)) [البقرة:17].

الجواب: هذا بعيد، هم يتكلمون في العائد، ((كَالَّذِي خَاضُوا)) [التوبة:69].

خاضوا: الواو هذا الأصل أنه يرجع إلى جمع، والجواب هذه قاعدة مطردة، حينئذٍ إما يقال بأنه يعود إلى مُذكر جمع، وإما أن يقال: بأن العائد محذوف، كالذي خاضوه، حينئذٍ اتحد المعنى.

س: نرجو توضيح المعاني التالية: مصدر مشتق، ما الفرق بين الاسم والمصدر، الجملة الكبرى نرجو توضيحها، وكذلك الجملة الصغرى؟

ج: أما المصدر هذا سيأتي باب هو اسم المصدر، وأما المشتق هذا مر معنا، أن المشتق: ما دل على ذات متصفة بوصف، وهذا سيأتي يعقد له باب اسم الفاعل وباب اسم المفعول ويذكر في اسم الفاعل الأمثلة المبالغة، يأتي الفرق بين اسم المصدر يأتي إن شاء الله.

ص: 1

أما الجملة الكبرى فهي التي وقع فيها الخبر جملة، سيأتينا وَمُفْرَداً يَأْتِي وَيَأْتِي جُمْلَهْ، إن وقع الخبر جملة فحينئذٍ صارت الجملة كلها جملة كبرى، وجملة الخبر هي عينها جملة صغرى، وقد تكون بالاعتبارين.

س: ما دليل الجمهور بقولهم: أن اللذان واللتان مبنيان؟

ج: هو الأصل فيها، لأنها اسم موصول، وثبت أن الاسم الموصول، وجد فيه الشبه الافتقاري، فصار كل اسم موصول ثبت له الموصولية الأصل فيه البناء، حينئذٍ إذا قيل الأصل في اللذان واللتان أنهما مبني لا خروج عنه، والذي يقول هو معرب، حينئذٍ لابد من دليل قوي، دائماً نستصحب الأصل.

وأن (الذي) ليست من الموصولات الحرفية لأن الضابط عندهم في ثبوت الموصول الحرفي دخول حرف الجر عليه، وكونه لم يرد إلا في محل واحد -موضع- ويمكن الجواب عنه بجواب جيد واضح بيِّن، حينئذٍ لا يُقال بكونها موصولاً حرفياً.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.

أما بعد:

قال الناظم رحمه الله:

أيٌّ كَمَا وَأُعْرِبَتْ مَا لَمْ تُضَفْ

وَبَعْضُهُمْ أعْرَبَ مُطْلَقاً ...................

وَصَدْرُ وَصْلِهَا ضَمِيرٌ انْحَذَفْ

ذكرنا فيما سبق أن (أي) تكون موصولة، وهو قول الجمهور خلافاً لثعلب، فهي كما شبهها الناظم هنا كـ (ما) لكنها ليست من كل وجه؛ لأن (ما) تستعمل في الأصل للعاقل بكثرة، وفي غيره لقلة، حينئذٍ (أيٌّ) هذه تستعمل للعاقل وغيره بدون تمييز، لا يقال للعاقل بكثرة، ولا لغيره بقلة، وإنما يقال: هي بحسب ما تضاف إليه، إن أضيفت للعاقل فهي له وإلا فلغيره.

أيٌّ كَمَا: هذا من حيث المعنى والاستعمال فهي موصولة تستعمل كـ (ما) بلفظٍ واحدٍ، فتكون للمفرد والمثنى والجمع، وأما من حيث إعرابها وبناؤها فالأصل في الاسم الموصول أنه مبني، هذا هو الأصل، إلا -استثنى من حكم بالبناء على الموصولات- (أي) وأي هذه لها أربعة أحوال كما ذكرها الناظم هنا والشارح كذلك.

فحينئذٍ النظر فيها من حيث البناء هل هي مبنية أم مُعربة، نقول: الأصل فيها أنها مبنية إلا إذا عارض وجه الشبه بها بالحرف ما هو من خواص الأسماء، حينئذٍ تُعرب رجوعاً إلى الأصل، وهي لها أربع حالات، ذكر الناظم الأحوال الثلاث بالمنطوق، والحالة التي تُبنى فيها بالمفهوم، فقال:

أيٌّ كَمَا وَأُعْرِبَتْ: إذاً هذا حكمٌ بالإعراب.

ص: 2

مَا لَمْ تُضَفْ: مدة عدم إضافتها حال كون صدر وصلها ضمير منحذف، يعني: انحذف، مُنْحذف، حينئذٍ بهذين الشرطين حكم سيبويه والجمهور أنها مبنية، يعني: إذا أضيفت وحذف صدر الصلة، بالإضافة مع الحذف، حينئذٍ إذا وجد الشرطان بمفهوم هذا النص نحكم عليها بأنها مبنية، ((أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ)) [مريم:69] أَيُّهُمْ أَشَدُّ: أيهم هو أشد، فنحكم على أي هنا في هذا التركيب أنها مبنية، لماذا؟ للإضافة (أَيُّهُمْ) ثم حُذِف صدر صلتها، ما هو الصلة؟ المراد بالصلة الجملة -جملة الصلة- وإذا حُذف صدرها حينئذٍ تعيَّن أن يكون مبتدأً وهو مرفوع، حينئذٍ الأصل:(أيهم هو أشد)، فهي مضاف وحُذِف منها صدر الصلة الذي هو الضمير المرفوع، فصار أَيُّهُمْ أَشَدُّ، أَشَدُّ: هذا خبر مبتدأ محذوف، ففي هذه الحالة فحسب تعتبر مبنية وما عداها حينئذٍ نحكم عليها بأنها معربة، لذلك الأحوال أربعة كما ذكرناها.

وَأُعْرِبَتْ مَا لَمْ تُضَفْ: يعني مدة عدم إضافتها مع حذف صدر صلتها فإن أُضيفت وحُذف صدر صلتها بُنيت على الضمِّ، وإن لم تُضف أو لم يُحذف نحو: أيٌّ قائم، أو: أيٌّ هو قائم، وأيهم هو قائم، أُعربت.

وَبَعْضُهُمْ: وبعض النُّحاة أو بعض العرب أو بعض النُّحاة حَكَمَ بكونِ (أيٍّ) هذه معربة مطلقاً، يعني في الثلاث حالات بالاتفاق، وأما الحالة الرابعة التي نص عليها الناظم بالمفهوم -وهي حالة البناء عند الخليل وسيبويه- تعتبر مُعربة.

وَبَعْضُهُمْ: أي بعض النُحاة كالخليل ويونس أعْرَبَ مُطْلَقا، ً وَبَعْضُهُمْ أعْرَبَ (أَيَّاً) أَيَّاً هذا مفعول به محذوف، مُطْلَقاً: هذا حالٌ، يعني: وإن أُضيفت وحُذف صدر صلتها، فهي مُعربة مطلقاً بدون استثناء.

ثم قال رحمه الله -شرع في بيان حذف العائد-.

قلنا: الصلة لابد لها من عائدٍ، والعائد هذا ضمير، وَكُلُّهَا يَلْزَمُ بَعْدَهُ صِلَهْ، يعني) وَجُمْلَةٌ أوْ شِبْهُهَا، عَلَى ضَمِيرٍ لائِقٍ مُشْتَمِلَهْ، عندنا موصول وعندنا جملة الصلة وعندنا عائد ثلاثة:

موصول، وجملة الصلة، والعائد، كلٌ منها يجوز حذفه بشرطه، فحذف الموصول إن كان حرفياً لم يجز حذفه الكلام ليس فيه، إن كان حرفياً لا يجوز حذفه البتة مطلقاً، لماذا؟ لأنه لا يُعلم بعد الحذف، وهو الأصل فيه أن يكون عاملاً مثل (أنّ وأنْ وكي) الأصل فيها أنها تعمل وهذه الثلاثة قلنا متفق عليها في أنها توصل مع ما بعدها بمصدر.

إذاً حذف الموصول إن كان حرفياً لم يَجُز حذفه لضعف الحرف عن أن يؤثر وهو محذوف، الحرف وهو موجود ضعيف، ولذلك ليس له مدخلاً في الإسناد، لا يكون مسنداً، ولا مسنداً إليه، فهو ضعيف، وإذا عمل فهو ضعيف كذلك، فحينئذٍ وهو مذكور ضعيف فإذا حُذِف يكون ضعفه من باب أولى وأحرى فلا يؤثر.

فإن كان اسمياً (كالذي والذين) ليس بحرفي فالكوفيون يُجّوِّزُوُنَ حذفه مطلقاً، الكوفيون أجازوا حذف الاسم الموصول مع بقاء الصلة، ليس مطلقاً بالصلة، وإنما المراد حذف الموصول فحسب لوحده، وأما جملة الصلة فتبقى، الكوفيون أجازوا حذفه مطلقاً، وهذا محل إشكال.

ص: 3

وبعضهم أجاز حذفه بشرط عطفه على موصول آخر مثله يعني: يدل عليه، وهذا لا بأس به قد يكون من باب الاختصار، ((آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ)) [العنكبوت:46]، يعني: والذي أُنزل إليكم، ((أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ)) هذه جملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، أين الموصول؟ محذوف لدلالة ما قبله عليه، لأن المُنزَّل إلى الفريقين ليس واحداً، هذا ما يتعلق بالموصول نفسه.

وأما الصلة: فقد سبق أنها قد تكون ملفوظاً بها وقد تكون منوية، كما في قول القائل:

نحنُ الأُلى فاجمع جموعك

نحنُ الأُلى: يعني عُرِفوا بالشجاعة.

فاجمع جموعك: فدل على أن حذف جملة الصلة وارد، لكنه ليس بالكثير، لماذا؟ لأن الأصل في جملة الصلة أنها جيء بها مُبَيِّنَة وموضِّحة ومعرِّفة على قولٍ، حينئذٍ إذا أدى اللبس مُنِع، إذا أدى حذف الموصول أو جملة الصلة لا إشكال في المنع، كلُّ ما يؤدي إلى اللبس فهو ممنوع، وكل ما إذا حُذف لا يُعلم بعد حذفه فهو ممنوع، هذه قاعدة في كل الأبواب.

وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ: إذاً حذف ما لا يعلم لا يجوز وهذا متفق عليه، سواء كان جملة الصلة أو كان الموصول.

شرع الناظم في بيان العائد، -حكم العائد- يعني: الضمير الذي اشترطناه-عَلَى ضَمِيرٍ لائِقٍ مُشْتَمِلَهْ- هل يجوز حذفه أم لا؟ وإذا جاز حذفه نقول في الجملة يجوز حذفه لكن بشروط معتبرة، فحينئذٍ العائد إما أن يكون مرفوعاً وإما أن يكون منصوباً وإما أن يكون مخفوضاً، العائد: إما أن يكون مرفوعاً وهو المبتدأ، وإما أن يكون منصوباً، وإما أن يكون مخفوضاً، في كلٍّ منها تفصيل.

وَبَعْضُهُمْ أَعْرَبَ مُطْلَقاً وَفِي

ذَا الْحَذْفِ أَيَّاً غَيْرُ أَيٍّ يَقْتَفِي

إِنْ يُستَطَلْ وَصْلٌ وَإِنْ لَمْ يُسْتَطَلْ

فَالْحَذْفُ نَزْرٌ وَأَبَوْا أَنْ يُخْتَزَلْ

إِنْ صَلُحَ الْبَاقِي لِوَصْلٍ مُكْمِلِ

وَالْحَذْفُ عِنْدَهُمْ كَثِيرٌ مُنْجَلي

فِي عَائِدٍ مُتَّصِلٍ إِنِ انْتَصَبْ

بِفِعْلٍ اوْ وَصْفٍ كَمَنْ نَرْجُو يَهَبْ

وَفِي ذَا الْحَذْفِ أياً غَيْرُ أيٍّ يَقْتَفي: أي، أَيَّاً هذا مفعول به مقدم.

غَيْرُ أيٍّ: غَيْرُ هذه مبتدأ.

غَيْرُ أيٍّ يَقْتَفي: أَيَّاً فِي ذَا الْحَذْفِ، لأنه لمَّا ذكر (أيّ)، ذكر حذف الصلة.

أَيٌّ كَمَا وَأُعْرِبَتْ مَا لَمْ تُضَفْ

وَصَدْرُ وَصْلِهَا ضَمِيرٌ انْحَذَفْ

صَدْرُ وَصْلِهَا: الذي هو المبتدأ، (أَيُّهُمْ هُوَ أَشَدُّ) إذاً حُذف صدر الصلة، ((هُوَ أَشَدُّ)) أين العائد؟ المبتدأ هو نفسه العائد، حينئذٍ الضمير وهو مبتدأ وهو العائد وهو المرفوع محلاً، حُذِف.

غَيْرُ أيٍّ يَقْتَفي: يعني يَتَّبِعُ أَيَّاً فِي ذَا الْحَذْفِ: يعني يجوز حذف صدر الصلة في غير (أيٍّ) كما حذفت من (أيٍّ)، فالحكم حينئذٍ ليس خاصاً بـ (أيٍّ)، بل يجوز حذف صدر الصلة، وهو مرفوع -والكلام على المرفوع- كما جاز حذفه من صدر صلة (أيٍّ) كذلك غير (أيٍّ) كـ (ما ومن والذين والذي والتي والأُلى وأولاءِ) كلها يجوز حذف صدر الصلة منها.

ص: 4

وَفِي ذَا الْحَذْفِ: المذكور في: صلة (أيٍّ) ذَا الْحَذْفِ - (أل) هنا للعهد الذهني- يعني: الحذف الذي ذكرناه في قولنا: وَصَدْرُ وَصْلِهَا ضَمِيرٌ انْحَذَفْ: هذا الحذف ليس خاصاً بـ (أيٍّ) حذف صدر الصلة ليس خاصاً بـ (أيٍّ) بل هو عام في جميع الموصولات الاسمية، فيجوز حذف صدر الصلة لكن بشرط وهو إذا كان مرفوعاً.

إنْ يُستَطَلْ وَصْلٌ: إذاً: وَفِي ذَا الْحَذْفِ: المذكور في صلة (أيٍّ)، أي حذف صدر الصلة الذي هو العائد، إذا كان مبتدأً، لأن الكلام الآن في العائد المرفوع ولا يجوز حذف العائد المرفوع إلا بشرطين اثنين، وهما أن يكون مبتدأً، وأن يكون خبره مفرداً، شرطان؛ إن انتفيا، امتنع الحذف، إن وُجد أحدهما دون الآخر امتنع الحذف، لابد أن يكون مبتدأً ثم يكون الخبر مفرداً لا جملة، فإن لم يكن مبتدأ امتنع، كأن كان فاعلاً، وإن لم يكن مفرداً بأن كان جملة أو شبه جملة نقول امتنع، ولذلك المثال إذا حفظته عرفته، ((أَيُّهُمْ أَشَدُّ)) [مريم:69]، أَشَدُّ هذا خبر مبتدأ محذوف وهو مُفرد والمحذوف هنا مبتدأ، إذاً اجتمعا فجاز حينئذٍ الحذف.

غَيْرُ أيٍّ: مثل (أيٍّ) في هذا التركيب، بمعنى أنه يجوز حذف صدر الصلة إذا كان مبتدأً وخبره مفرداً، فإن لم يكن مبتدأً كأن كان فاعلاً أو نائب فاعل امتنع.

جاء اللذان ضَرَبَا زيداً، لا يصح أن تحذف (ضربا) –الألف- فتقول هذا مرفوع هو مثل صدر الصلة إذا كان مبتدأً، جاء اللذان ضُرِبا، نقول امتنع حذف الألف لأنه نائب فاعل، لابد أن يكون مبتدأً هذا أولاً.

وثانياً: أن يكون خبره مفرداً، فإن لم يكن مبتدأً كأن كان فاعلاً أو نائب فاعل، امتنع الحذف، إن لم يكن الخبر مفرداً، كأن كان جملة أو نحو ذلك، امتنع الحذف.

إذاً وَفِي ذَا الْحَذْفِ –المذكور- أي: حذف صدر الصلة -الذي هو حذف العائد- إذا كان مبتدأً غير ((أيٍّ) من بقية الموصولات يَقْتَفي يعني: يتبع (أَيَّاً)، ولكن قيَّدَ بقية الموصولات بشرطٍ، ليس على إطلاقه.

غَيْرُ أيٍّ يَقْتَفي (أَيَّاً) في حذف صدر الصلة، إذا كان مبتدأً مع الشرط الآخر وهو أن يكون الخبر مفرداً، لكن هل هو مطلقاً، قال: لا.

إنْ يُستَطَلْ وَصْلٌ: يعني: تطول الصلة، إذا طالت الصلة حينئذٍ جاز جوازاً قياسياً، يعني يجوز القياس عليه، وليست المسألة من النُّدرة أو القِلَّة.

إنْ يُستَطَلْ وَصْلٌ: يعني أن يوجد طولاً في الصلة -جملة الصلة- نحو ماذا: ((وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ)) [الزخرف:84] إله في السماء، (وهو الذي إله في السماء) هو في السماء إله، هذا الأصل، حينئذٍ نقول: الصلة هذه فيها طول بذكر الجار والمجرور حينئذٍ جاز الحذف، وَهُوَ الَّذِي، الذي ليست (أي)، ومثله: ما أنا بالذي قائلٌ لك سوءاً، قائلٌ: هذا خبر مبتدئٍ محذوف، تقديره هو، إذاً (هو) هذا مبتدأ، و (قائل) هذا خبر وهو مفرد، والصلة الموصول غير (أيٍّ)، وهنا طالت الصلة، يعني: وجد غير المبتدأ والخبر المُفرد، جار ومجرور، أو مفعول به

الخ.

ص: 5

أي لفظ يوجد من الفضلات قلنا: هذه الصلة طويلة، ما أنا بالذي قائلٌ لك سوءاً، يعني: بالذي هو قائل لك سوءاً، حينئذٍ جاز الحذف لطول الصلة، كذلك: جاء الذي هو ضاربٌ زيداً، جاء الذي ضاربٌ زيداً، نقول: هذا الذي بقي في قوة المفرد حينئذٍ هو خبر لمبتدئٍ محذوف، جاء الذي هو ضاربٌ زيداً.

إذاً في هذه المُثُل حُذف صدر الصلة مع غير (أيٍّ) بشرط استطالتها، بأن تكون طويلة، ما معنى طويلة؟ أن يُذكر شيء مع المبتدئ والخبر المفرد، يعني من جار ومجرور أو ظرف أو منصوب أو حال أو تمييز

الخ، فإن لم يذكر إلا المبتدأ والخبر حينئذٍ نقول هذه ليست بطويلة، فإن كان كذلك مع غير (أيٍّ) قال:

وَإنْ لَمْ يُسْتَطَلْ فَالْحَذْفُ نَزْرٌ –قليل- لا يقاس عليه عند البصريين وهو مَقيس عند الكوفيين.

وَإنْ لَمْ يُسْتَطَلْ وصلٌ: بمعنى أن كانت جملة الصلة قصيرة، مؤلفة من المبتدئ والخبر المفرد حينئذٍ في غير أَيٍّ نقول: الْحَذْفُ نَزْرٌ –قليل- وإذا عُبِّر في مثل هذه التراكيب بأنه قليل ونزر، فالأصل فيه عدم القياس عليه، يعني: يُسمع ويُحفظ ولا يُقاس عليه.

وَفِي ذَا الْحَذْفِ أَيَّاً غَيْرُ أيٍّ يَقْتَفي

إنْ يُستَطَلْ وَصْلٌ: يعني: أن تكون الصلة طويلة،

وَإنْ لَمْ يُسْتَطَلْ –الوصل- فَالْحَذْفُ -للعائد- نَزْرٌ: أي قليل، نحو: قول الشاعر:

مَنْ يُعْنَ بالحَمْدِ لم يَنْطِقْ بما سَفَهٌ: بما سَفَهٌ يعني: بما هو سفه، فسفه هذا خبر مبتدئٍ محذوف تقديره هو، وهنا الموصول (ما)، فإذا كان الموصول (ما) حينئذٍ الأصل أنه لا تحذف صدر الصلة إلا إذا كانت الصلة طويلة، وهنا ليست بطويلة (سفه)، هو سفه هذه ليست بطويلة، فالأصل عدم الحذف، عدم الجواز، وإن أجازه الكوفيون.

إذاً فالحذف للعائد المرفوع إذا كان مبتدأً وكانت الجملة الصلة قصيرة وليست بطويلة نزرٌ: أي قليل، كما ذكرناه، لا يُقاس عليه، وأجازه الكوفيون احتجاجاً بقراءة:{تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ} [الأنعام:154]، أي: هو أحسنُ، وإذا ورد مثل هذا فالأصل فيه الجواز.

إذاً قوله: إِنْ يُستَطَلْ وَصْلٌ وَإشنْ لَمْ يُسْتَطَلْ، هذا التفصيل في كون صدر الصلة يجوز حذفه قياساً أو لا يجوز حذفه قياساً، ليس هو على ظاهر النظم من أن (أيّ) مثل بقية الموصولات بل هذا التفصيل في غير (أيٍّ) فحسب، وأما (أيٌّ) نفسها فهذه لا يفرق بين طول الصلة ولا غيرها، فحينئذٍ الحذف -حذف صدر الصلة من (أَيٍّ) - نقول: يجوز مطلقاً، سواء كانت الصلة طويلة أم لا، وأما ما عدا (أَيٍّ) فحينئذٍ نقول: هذه لابد من التفصيل.

إنْ يُستَطَلْ وَصْلٌ وَإِنْ لَمْ يُسْتَطَلْ فَالْحَذْفُ نَزْرٌ، هذا التفصيل ليس عائداً إلى (أَيٍّ)، وإنما عائدٌ إلى غير (أَيٍّ)، ولذلك فيه إيهام.

وَفِي ذَا الْحَذْفِ أَيَّاً غَيْرُ أيٍّ يَقْتَفي: غَيْرُ أيٍّ -من بقية الموصولات- يقتفي (أَيَّاً)، أي يتبعها في جواز حذف صدر الصلة لكن بشرطٍ وهو أن تكون الصلة طويلة، فإن لم تكن طويلة، فالأصل عدم الحذف وأجازه الكوفيون.

ص: 6

قال: وأشار بقوله: وَفِي ذَا الْحَذْفِ

الخ: إلى المواضع التي يُحذف فيها العائد على الموصول، وهو إما أن يكون مرفوعاً أو غيره -منصوباً أو مجروراً- فإن كان مرفوعاً لم يُحذف إلا إذا كان مبتدأً وخبره مُفرد، وسيأتي التعليل لماذا خُص بهذه الحالة، نحو:((وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ)) [الزخرف:84] و ((أَيُّهُمْ أَشَدُّ)) [مريم:69] فلا تقول: جاءني اللذان قامَ، بحذف الألف، لأنها فاعل، وإذا كانت فاعلاً حينئذٍ شرط صحة حذف صدر الصلة أو العائد إذا كان مبتدأً، وقاما: الألف هذه فاعل، إذاً لا يجوز حذف العائد.

ولا اللذانِ ضُرِبا: يعني ضُرِبا بحذف الألف نقول هذا لا يجوز، لأن هذا العائد يعود على الموصول، وهو مرفوع، فلا يجوز حذفه لا لكونه مرفوعاً وإنما لكون شرط صحة جواز المرفوع أن يكون مبتدأً، وهذا نائب فاعل.

وأما المبتدأ فيُحذف مع (أَيٍّ) وإن لم تطل الصلة، انتبه، يعني: التفصيل الذي ذكره ابن مالك: إنْ يُستَطَلْ وَصْلٌ لَمْ يُسْتَطَلْ: ليس في (أَيٍّ)، بل (أيٌّ) يحذف منها صدر الصلة مطلقاً بدون استثناء، بدون تفصيل، وأما غير (أَيٍّ) فيأتي التفصيل.

كما تقدم من قولك: يُعْجِبُني أيهم قائم، أيهم هو قائم ونحوه، ولا يُحذف صدر الصلة مع غير (أَيٍّ) إلا إذا طالت -بهذا الشرط- نحو: جاء الذي هو ضاربٌ زيداً، انظر كيف حكمنا عليه بكونها طويلة، هو ضاربٌ مبتدأ وخبر، ثم هذا الخبر رَفَعَ ضميراً مستتراً يعود على زيد "هو"، زيداً، نقول: هذا مفعول به، إذاً طالت الصلة، جاء الذي ضاربٌ زيداً، صح لماذا؟ لأنه لا يلتبس يُعلم المحذوف من لفظ الجملة، لأن الذي بقي بعد الحذف مُفرد، والمفرد لا يمكن أن يكون صلة البتة، لأنه كما سبق:

وَجُمْلَةٌ أوْ شِبْهُهَا الَّذِي وُصِلْ بِهِ: لابد أن يكون جملة أو أن يكون شبه جملة، وجاء الذي ضاربٌ زيداً، ضاربٌ هذا ليس بجملة، ولا بشبه جملة، حينئذٍ علمنا أن ثمَّ ما هو محذوف من التركيب، الذي هو ضاربٌ زيداً.

فإن لم تطل الصلة في غَيْر أَيٍّ فالحذف قليل، لا يُقاس عليه عند البصريين، وأجازه الكوفيون قياساً، نحو: جاء الذي قائمٌ، جاء الذي هو قائم، مثل:((أَيُّهُمْ أَشَدُّ)) [مريم:69]، نقول: هذا الأصل عدمه، لماذا؟ لأن الصلة هنا ليست بطويلة بل هي قصيرة، جاء الذي هو قائم، ومنه قوله تعالى:{تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ} بقراءة الرفع، بقراءة يحيى بن يعمر، والتقدير هو أحسنُ، ومثلها:{إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةٌ فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة:26]، -بالرفع- ((مَا بَعُوضَةٌ)) على جعل (ما) هنا موصولة، مثلاً الذي هو بعوضة فما فوقها، فحينئذٍ نقول: هذا مسلك الكوفيين استدلالاً بهذه القراءة في الرفع في الحالتين، حينئذٍ يكون الأصل هو جواز الحذف مطلقاً، لكن لندوره وقلته قالوا: لا يكون قياساً مطلقاً، بمعنى أنه: يكون في متسع الكلام وفي الاختيار وإنما عند الحاجة إليه.

ثم قال رحمه الله:

ص: 7

وَأَبَوْا أنْ يُخْتَزَلْ، وَأَبَوْا: يعني امتنع النُحاة، أبى يأبى، يعني: امتنع، ((وَيَأْبَى اللَّهُ)) [التوبة:32]، وَأَبَوْا: أي امتنع النُحاة. أنْ يُخْتَزَلْ: يعني من تجويز أنْ يُخْتَزَلْ، أن يُقطع العائد، يعني يحذف.

إِنْ صَلُحَ الْبَاقِي لِوَصْلٍ مُكْمِلِ: يعني: إن كان بعد المحذوف ما يصلح أن يكون جملةً امتنع الحذف، وهذه عامة في أَيٍّ وفي غيرها، ليست خاصة بـ (أي) وليست خاصة بغير (أي) بل هي عامة في جميع الموصولات التي جوَّزنا فيها حذف العائد، فحينئذٍ إِنْ صَلُحَ الْبَاقِي بعد الحذف لِوَصْلٍ مُكْمِلِ -يكمل به الموصول- في تمام المعنى امتنع الحذف، لأنه لا يجوز حذف ما لا يُعلم بعد الحذف، هذه قلنا قاعدة مضطردة في كل الفن من أوله إلى آخره، ما لا يُعلم بعد الحذف لا يجوز أن يُحذف، لو كان التركيب: جاء الذي هو يضربُ، هل يجوز الحذف هُنا؟ لا يجوز لأنك إذا قلت: جاءَ الذي يَضْرِبُ ظننت أن الجملة -جملة الصلة- ابتداءً جملة فعلية وهي جائز، جاء الذي هو عندك، يجوز؟ لا يجوز، جاء الذي عندك، حينئذٍ يُظن أن عندك ابتداءً هي جملة الصلة، جاء الذي هو في الدار، نقول: هو لا يجوز أن يُحذف لماذا؟ لأنه بعد الحذف لا يُعلم المحذوف، وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ، فإن لم يعلم حينئذٍ امتنع الحذف.

وَأَبَوْا: يعني: امتنعوا، أنْ يُخْتَزَلْ العائد، أن يحذف العائد ويقتطع إِنْ صَلُحَ الْبَاقِي يعني: بعد حذفه لِوَصْلٍ مُكْمِلِ، يعني: للموصول، كأن يكون جملةً، يعني: بعد الحذف، ولهذا قلنا: الشرط أن يكون مبتدأً، وأن يكون الخبر مفرداً، فإن كان الخبر جملةً فعلية أو اسمية أو ظرفاً تامَّاً، أو جارَّاً ومجروراً تاماً امتنع الحذف، كل ما يصلُح أن يكون جملة صلة بعد الحذف امتنع حذف العائد، كأن يكون جملةً أو ظرفاً أو مجروراً تاماً، لأنه لا يُعلم أَحُذِف منه شيء أم لا، لعدم ما يدل عليه ولا فرق في ذلك بين صلة (أَيٍّ) وغيرها، فالحكم عام في (أَيٍّ) وغيرها.

فلا يجوز جاءني الذي يضربُ، نقول: لا يجوز، على أن المراد جاءني الذي هو يضرب، لأن (هو) مبتدأ وجملة يضرب خبر لمَّا حذف المبتدأ جاز للخبر أن يكون صلة، فحينئذٍ التبس هل فيه محذوف أم لا؟ فالأصل عدم الحذف. على أن المراد الذي هو يضرب أو جاءني الذي أبوه قائم، لو قال الأصل: جاءني الذي هو أبو قائم، فأبوه مبتدأ ثاني، حينئذٍ حذف الأول، وقال: جاءني الذي أبوه قائمٌ، نقول: لا يصح، لأن أبوه قائم هذا يصلح أن يكون جملةً استقلالاً، حينئذٍ: يجب أن يُذكر المبتدأ الأول، فيقال: جاءني الذي هو أبو قائمٌ، ولا يجوز حذفه، أو جاءني الذي عندك أو في الدار على أن المراد الذي هو عندك أو هو في الدار ولا يعجبني أيُّهم يضرب، على أن المراد: هو يضرب، هذا لا يجوز، جاز هناك {أَيُّهُمْ أَشَدُّ} ، أيهم هو أشد، لأنه لما حذف هو بقي أَشَدُّ، نقول: أَيُّهُمْ أَشَدُّ، أشد هذه كلمة واحدة، ويشترط في جملة الصلة أن تكون جملةً أو ظرفاً أو جاراً ومجروراً وليست بظرف ولا بجر حينئذٍ تعيَّن أن تكون جملة، وإذا تعيَّن أن تكون جملة حينئذٍ هي خبرٌ لمبتدئٍ محذوف لأن التركيب لا يتم إلا بذلك.

ص: 8

حينئذٍ: أيهم يضربُ على أن الأصل أيهم هو يضرب، نقول هذا لا يصح حذف العائد البتة، أو أيهم أبوه قائم، أو أيهم عندك أو في الدارِ كذلك كلها نقول لا يجوز الحذف فيها، أما إذا كان الباقي غير صالح للوصلِ، بأن كان مفرداً كما مثلنا: أَيُّهُمْ أَشَدُّ، أو خالياً عن العائد نحو:((وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ)) [الزخرف:84] جاز -يعني الحذف للعلم بالمحذوف-.

إذاً الحذفُ في باب العائد على الموصول هذا إما أن يكون مرفوعاً وإما أن يكون منصوباً أو مخفوضاً إن كان مرفوعاً لا يجوز حذفه إلا بشرطين وهما:

أولاً: أن يكون مبتدأً مرفوعاً بالابتداء.

ثانياً: أن يكون الخبر بعد حذفه مفرداً.

إن انتفيا أو انتفى أحدهما امتنع الحذف، ثم نقول: إن صلح الباقي بعد حذف المحذوف لأن يكون جملةً للصلة امتنع الحذف، وهل هذه القاعدة عامة، أم أنها خاصة بالمرفوع؟

عامة، بمعنى أنها تشمل المرفوع والمنصوب والمخفوض، ولذلك كلام ابن مالك هنا غير مرتب في هذه الأبيات، يعني: ذَكَرَ حكم (أَيٍّ)، ثم انقطع عنها، ثم رجع إلى حكم (أَيٍّ)

الخ، فالكلام فيه إيهام كما انتقده ابن عقيل في آخر شرحه.

إِنْ صَلُحَ الْبَاقِي لِوَصْلٍ مُكْمِلِ: لما ذكر هذه الجملة في سياق الكلام على العائد المرفوع قد يُظن أنه خاصٌ بالمرفوع، والصواب أنه عام يشمل المنصوب ويشمل المخفوض، فإذا قلت مثلاً: حذف العائد الذي يوهم اللبس، جاء الذي زيداً ضَرَبْتُهُ، هل يصح حذف العائد ضربته –الضمير-؟

جاء الذي زيداً ضَرَبتُه، قلنا: يجوز تقديم بعض أجزاء الصلة على بعضها، زيداً ضربتُه، هل يصح أن يحذف الضمير، فتقول: زيداً ضربتُ، الجواب: لا. لماذا؟ لأنه يُوهم أن زيداً هذا معمول لضربت، وهو ليس معمولاً له، بل هو معمول لفعل محذوف من باب الاشتغال.

إِنْ صَلُحَ الْبَاقِي لِوَصْلٍ مُكْمِلِ: لأنه لا يُفطن لحذفه، ومنه نأخذ الشرط الثاني في صحة الحذف، وهو كونه خبراً مفرداً يعني: من هذه الجملة: إِنْ صَلُحَ الْبَاقِي لِوَصْلٍ مُكْمِلِ: علمنا أنه إن لم يَصلُح حينئذٍ جاز، وهذا إنما يتعيَّن في حالة واحدة فحسب، وهي أن يكون الخبرُ مفرداً، لأننا قلنا حذف المرفوع بشرطين، أن يكون مبتدأً، وهذا أخذناه من: وَصَدْرُ وَصْلِهَا ضَمِيرٌ انْحَذَفْ. أن يكون مرفوعاً هل يمكن أخذه من كلام المصنف؟ نقول: نعم، لأنه قال: وَأَبَوْا يعني النُحاة أنْ يُخْتَزَلْ ومنه المرفوع إِنْ صَلُحَ الْبَاقِي لِوَصْلٍ مُكْمِلِ، ومتى يصَلُحَ الْبَاقِي لِوَصْلٍ مُكْمِلِ؟ إذا لم يكن مفرداً، فإن كان مفرداً مثل:((أَيُّهُمْ أَشَدُّ)) [مريم:69] حينئذٍ لا يصلح أن يكون جملة لصلة الموصول.

إِنْ صَلُحَ الْبَاقِي لِوَصْلٍ مُكْمِلِ: إلى هنا انتهى الكلام في المرفوع.

ثم قال:

...................................

وَالْحَذْفُ عِنْدَهُمْ كَثِيرٌ مُنْجَلي

بِفِعْلٍ اوْ وَصْفٍ كَمَنْ نَرْجُو يَهَبْ

فِي عَائِدٍ مُتَّصِلٍ إِنِ انْتَصَبْ

وَالْحَذْفُ: هذا مبتدأ.

عِنْدَهُمْ: يعني عند العرب، نُطقاً –وضعاً-، أو بالحكم عند النُحاة، عِنْدَهُمْ وهو الظاهر أنه العرب.

كَثِيرٌ: هذا خبر المبتدأ.

ص: 9

مُنْجَلي: يعني ظاهر، تأكيد لمعنى كثير، مُنْجَلي: جلى ينجلي فهو منجلي، اسم فاعل.

فِي عَائِدٍ: يعني ضمير يعود على الموصول.

عَلَى ضَمِيرٍ لائِقٍ مُشْتَمِلَهْ.

فِي عَائِدٍ: هذا جار ومجرور متعلق بقوله كَثِيرٌ.

وَالْحَذْفُ كَثِيرٌ عِنْدَهُمْ فِي عَائِدٍ -ضميرٍ-: شرط له شرطين، أن يكون متصلاً، احترازاً من المنفصل.

ثانياً: أن يكون منصوباً بِفِعْلٍ أوْ وَصْفٍ، إذاً متى يجوز حذف العائد إذا كان منصوباً؟

نقول: إذا توفر فيه الشرطان، أن يكون الضمير متصلاً، فإن كان منفصلاً لا يجوز أن يحذف، جاء الذي إيَّاه ضربتُ، أين العائد؟ ضربتُ إياهُ، إياهُ ضربتُ، أين العائد؟ إياهُ، هل هو ضمير نصبٍ؟ نعم، هل يجوز حذفه؟ نقول: لا، لماذا؟ لأنه منفصل، وشرط صحة جواز العائد المنتصب، أن يكون متصلاً، فإن لم يكون متصلاً، بأن كان منفصلاً، نحو: جاء الذي إياهُ ضربتُ، نقول: امتنع الحذف، والمسألة سماعية.

إنِ انْتَصَبْ: هذا شرطٌ ثاني، وكان النصب بِفِعْلٍ هل هو تام أو ناقص محل خلاف، وابن مالك قال: بِفِعْلٍ وأطلق، وقيَّده كما قال الشُّراح، لقوله: كَمَنْ نَرْجُو: مثَّل بالتام، يعني: كَانَهُ زيدٌ، جاء الذي كَانَهُ زيدٌ، كَانَهُ: هذا الضمير يعود على الذي، هو العائد، متصل ومنتصب، كَانَهُ زيدٌ، زيدٌ: اسم كان، والضمير: هذا خبرها وهو في محل نصب، إذاً وجد فيه الشرطان متصل ومنتصب، وبفعلٍ أيضاً، لكن إذا اشترطنا التمام حينئذٍ لا يجوز حذفه، تام لا ناقص، والمراد بالناقص هو الذي يفتقر إلى اسم وخبر –نواسخ-.

فحينئذٍ إذا قلنا بفعلٍ كما هو ظاهر النظم:

بفعلٍ تامٍ: احترزنا من الناقص، فلا يجوز حذف الضمير المتصل المنتصب، في قوله: جاء الذي كَانَهُ زيدٌ، لماذا مع كونه منتصباً متصلاً؟ نقول لأن العامل وإن كان فعلاً إلا أنه ناقص، وشرط الحذف أن يكون العامل تاماً.

بِفِعْلٍ أوْ وَصْفٍ: المراد بالوصف هنا: اسم الفاعل، ويشترط فيه أن يكون عاملاً، ومتى يكون عاملاً؟ إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال، فإن لم يكن بمعنى الحال والاستقبال، بأن كان بمعنى المُضي –الماضي- حينئذٍ لا يعمل.

إذاً:

كَمَنْ نَرْجُو يَهَبْ، كَمَنْ: مَن، هذه اسم موصول، بمعنى الذي.

نَرْجُو يَهَبْ: ترجو، نَرْجُو نقول هذا: فعلٌ وهو تامٌ، وانتصب به الضمير العائد وهو نرجوه، كمن نرجوه يعني: الذي نرجوه يهب، يعني: يعطي، نأمل منه أن يهب يعطي العطية، إذا علَّق به الأمل.

كَمَنْ نَرْجُو يَهَبْ: كمن نرجوه حذف الضمير المتصل هنا وهو في محل نصب، ووُجد فيه الشرطان:

أولاً: منصوبٌ بفعلٍ.

ثانياً: متصلٌ.

ثالثاً: -إذا أردنا أن الفعل قيد واحد- بفعلٍ تامٍ، فنقيِّد قوله بِفِعْلٍ، بالمثال، قد ذكرنا القاعدة أن ابن مالك رحمه الله تعالى يعطي الأحكام بالأمثلة.

إذاً فِي عَائِدٍ مُتَّصِلٍ: هذا شرطٌ أول، إن انتصب: هذا شرطٌ ثاني، وكان النصب بفعلٍ هذا تفصيل للشرط الثاني -بفعلٍ تام- قال السيوطي: أو ناقصاً في شرحه، لأن ابن مالك يرى في غير هذا الكتاب أن الحكم عام، لكن ظاهر الألفية لا.

ص: 10

إذاً فلا يجوز حذف المنفصل، نحو: جاء الذي إياه ضربتُ، لا يصح أن يُحذف المنفصل، جاء الذي ضربتُ، ولا المنصوب بغير الفعلِ إن نُصب بغير الفعل والوصفِ نقول: امتنع الحذف، إن انتصب الضمير العائد بغير الفعل والوصف، نقول: امتنع الحذف، مثل ماذا؟ جاء الذي إنه قائمٌ، إنه قائم: الجملة لا محل لها صلة الموصول، أين العائد؟ اسم إنَّ الضمير المتصل بها. هل يجوز حذفه؟ لا يجوز، لماذا؟ هو متصل ومنصوب، لكنه نُصِبَ بغير الفعل والوصف وشرط الحذف أن يكون منصوباً بفعلٍ أو وصف، ولا المنصوب بصلة (أل) جاء الذي أنا الضَّاربُهُ، أنا: مبتدأ، والضَّاربُهُ، الضارب: هذا خبر، والهاء: في محل نصب؛ لأن الضارب: اسم فاعل حُلِّي بـ (أل)، وإذا حُلِّي بـ (أل) حينئذٍ عمل مطلقاً بلا شرطٍ ولا قيد.

حينئذٍ الضَّاربُهُ: الضمير هنا في محل نصبٍ مفعول به للضارب، هل يجوز حذفه وهو العائد؟ لا يجوز، لماذا؟ غير وصف، وغير فعل، لماذا هو غير وصف؟ قلنا: بفعلٍ أو وصفٍ؛ أن يكون بقيد، وهو أن يكون بمعنى الحال، أو الاستقبال، الوصف هنا مُطلق، بمعنى: أنَّ (أل) إذا دخلت على اسم الفاعل حينئذٍ لا يُشترط في اسم الفاعل، أن يكون بمعنى الحال أو الاستقبال، بل يعمل مطلقاً، وإذا كان كذلك حينئذٍ إذا نصب الضميرَ نقول: لا يجوز حذفه؛ لأنه منصوبٌ بصلة (أل)، والشرط أن يكون الوصف خالياً من (أل)، فحينئذٍ يتعين أن يكون بمعنى الحال، أو الاستقبال، إلا إذا أُريد عهدٌ، أو قُيِّد بأمسِ ونحوها، سيأتي المثال.

ولا المنصوب بصلة (أل): جاء الذي أنا الضَّاربُهُ، نقول: هذا ممتنع.

قال ابن عقيل: وأشار بقوله: وَالْحَذْفُ عِنْدَهُمْ كَثِيرٌ مُنْجَلي: إلى العائد المنصوب، وشرط جواز حذفه أن يكون متصلاً منصوباً بفعلٍ تامّ -قال: بفعلٍ تامّ- أخذ الحكم من المثال، وفي غير هذا الكتاب لابن مالك رحمه الله لم يَشترط، بل جوَّز مطلقاً؛ سواء كان العامل فيه فعلاً تامّاً، أَمْ ناقصاً.

بفعلٍ تامٍّ أو بِوصْفٍ: نحو جاء الذي ضربتُهُ، نقول:(ضربتُه) يجوز حذف العائد، فتقول: جاء الذي ضربتُ، حذفتَه لماذا؟ لكونِهِ منصوباً بفعلٍ تامّ؛ فيجوز حذفُه، والذي أنا مُعطيكَه دِرهمٌ، يصح أن تقول: والذي أنا معطيكَ درهم بحذف الهاء؛ لأنه معمول لوصف بمعنى الحال أو الاستقبال، وكذلك هو منصوب متصل، يعني: ضميرٌ متصل، جاء الذي ضربتُه والذي أنا مُعطيكَه درهم، فيجوز حذف الهاء من ضربتُه، فتقول: جاء الذي ضربتُ، ومنه قوله تعالى:((ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا)) [المدثر:11]، خلقتُه، ((أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا)) [الفرقان:41] هذا الذي بعثه الله رسولا، بعثه، حذف الضمير لكونه منصوباً ومتصلاً، والعامل فيه فعلٌ تامّ، وكذلك يجوز حذف الهاء من مُعطيكَه، فتقول: الذي أنا مُعطيكَ دِرهمٌ، ومنه قول الشاعر:

مَا اللهُ مُوليكَ فضلٌ فاحمدنْهُ بهِ

فما لَدى غيرِهِ نفعٌ ولَا ضَررُ

ما اللهُ مُوليكَ: الأصل مُوليكَهُ، حذف الضمير هنا لما ذكرناه.

ص: 11

وكلام المصنف يقتضي أنه كثير، يعني: الحذف بالوصف كثير؛ لأنه قرنه بالفعل قال: بِفِعْلٍ أوْ وَصْفٍ: لم يقيِّد بأن الأول كثير والثاني قليل، وسوّى بينهما، وهذا محل اعتراض على المصنف، بل الكثير حذفه من الفعل، وأما مع الوصف فالحذف منه قليل، والناظم هنا سوَّى بينهما، ولعلّه إنّما لم ينبّه عليه للعلم بأصالة الفعل في ذلك، وفرعية الوصف فيه، مع إرشاده إلى ذلك بتقديم الفعل وتأخير الوصف.

يعني: يمكن أن يُجاب عن الناظم بأنه قدَّم الفعل، وأخّر الوصف، ومعلوم أن الشيء المقدم هو أكثر، وهو أهمّ وهو أصلٌ في العمل، وما بعده -وهو الوصف- متأخر عنه؛ لأن عمل الوصف فرعٌ عن عمل الفعل، فالأصل في العملِ للأفعال، والأسماءُ مشتقة وغيرُها إن عملت حينئذٍ يكون من باب الفرع، فالتقديمُ هنا مُراد.

إذاً ظاهر كلامِه التسويةُ بين الوصف الذي هو غير صلةِ (أل)، والذي هو صلتُها، ومذهب الجمهور أن منصوبَ صلةِ (أل) لا يجوز حذفه كما ذكرناه سابقاً، إذا كان منصوباً بصلة (أل) فهذا مستثنى مما ذكره الناظم، والجمهورُ على هذا، يعني: لا يصح أن يقول: جاء الذي أنا الضَّاربُه؛ بحذف الهاء، هذا مستثنى؛ لماذا؟ لأن المنصوب هنا منصوبٌ بصلة (أل)، والناظمُ أطلقَه، وحينئذٍ يَدخل في كلامه.

إذاً ما ذكره الناظم هنا من حذف العائد: إما أن يكون مرفوعاً، وإما أن يكون منصوباً، فإن كان مرفوعاً؛ حينئذٍ جاز حذفه بشرطين:

الأول: أن يكون مبتدأً، فإن كان فاعلاً، أو نائب فاعل امتنع.

ثانياً: أن يكون الخبر مفرداً، فإن كان جملة ونحوها قلنا: امتنع.

مُطلقاً في (أيٍّ) وغيرها؟ في غير (أيٍّ) يشترط استطالة الصلة، وأما في (أيٍّ) فلا يشترط استطالة الصلة، يعني: لابد من التفصيل في غير (أيٍّ)، إن كانت الصلة طويلة حينئذٍ صار الحذف قياساً، وإن كانت قصيرة حينئذٍ امتنع، أو كان الحذفُ نَزْر كما قال الناظم، وأجازه الكوفيون قياساً.

إِنْ صَلُحَ الْبَاقِي لِوَصْلٍ مُكْمِلِ: نقول هذا قيد يُفسِّر الشرطَين الماضييَن، وهو: أنّ ما حذف إن بقي بعده ما يصلح أن يكون جملة للصلة، أو شبه جملة؛ امتنع الحذف مطلقاً، سواء كان العائِدُ مرفوعاً، أو منصوباً، أو مخفوضاً، ثم ذكَر العائد المنصوب بأنه يجوز حذفُه، بل هو كثير مُنْجلي لكن بشرطَين:

الأول: أن يكونَ الضمير متصلاً؛ احترازاً من المُنفصل، الثاني: أن يكون منصوباً بعاملٍ هو فعل تامّ على ظاهر اللفظ، أو وصفٍ، وهذا الوصف مُشتَرطٌ فيه أن يكون بمعنى الحال، أو الاستقبال.

ص: 12

ولذلك قال ابن عقيل: فإن كان الضمير منفصلاً لم يجز الحذف، لكن عدم جواز الحذف يقيَّد بما إذا كان واجبَ التقديم، يعني: جاء الذي إياه ضربتُ، نقول هنا: لا يجوز؛ لأنه لو حُذف جاء الذي ضربتُه؛ قد يقال بأنه الضمير نفسُه، ولا إشكال فيه، لكن يفوت تمامُ المعنى، وهو إنما قَدَّم (إياه) لإفادة الحصر والقصر، فإذا حُذف حينئذٍ فات هذا المعنى -فات الغرض الذي قصده المتكلم- لكن لو قال: جاء الذي ضربتُ؛ وحذفه (إياه) حينئذٍ لا بأس، هذا الأصل فيه، ولذلك إذا قصد معنىً زائداً بالتقديم امتنع الحذف، وإلا فالأصلُ الجواز؛ لأنه في قوة قوله: ضربتُه، وهذا هو الأصل، وإنما قصد معنىً فانفصل الضمير فقدَّمه كما هو في حال قوله تعالى:((إِيَّاكَ نَعْبُدُ)) [الفاتحة:5]، فحينئذٍ الذي لا يجوز حذفه هو الضمير الواجب الانفصال، فأما الضمير الجائز الانفصال، فيجوز حذفه.

ثم قال:

كَذَاكَ حَذْفُ مَا بِوَصْفٍ خُفِضَا

كَأَنْتَ قَاضٍ بَعْدَ أَمْرٍ مِنْ قَضَى

هذا شُروع في الكلام على العائد إذا كان مخفوضاً في محل جرٍ، والعائد المخفوض إما أن يكون مخفوضاً بالإضافة، أو بالحرف، والخفض محصور في هذَين العامِلَين، بالإضافة يعني: مضاف.

قال رحمه الله:

كَذَاكَ حَذْفُ مَا بِوَصْفٍ خُفِضَا

كَأَنْتَ قَاضٍ بَعْدَ أَمْرٍ مِنْ قَضَى

كَذَاكَ حَذْفُ: (حَذْفُ) هذا مبتدأ مؤخر.

حَذْفُ مَا بِوَصْفٍ خُفِضَا: (مَا) اسم موصول بمعنى: الذي.

وخُفِضَا: الألف للإطلاق، وهي جملة الصلة.

بِوَصْفٍ: جار ومجرور متعلق بقوله: (خُفِضَا)، كأنه قال: حذف ما خُفِض بوصف كذاك، أي: مثل حذف العائد المنصوب، حذف ما خُفِض بوصفٍ، إذاً اشترط في المخفوض؛ العائد إذا كان مخفوضاً اشترط في جواز حذفه أن يكون الخافِض له الوصف، يعني: اسم فاعل، أو اسم مفعول، حينئذٍ إذا كان كذلك جاز حذفه، كَأنْتَ قَاضٍ، (أَنْتَ): مبتدأ، و (قَاضٍ): خبر، يعني: كَأنْتَ قَاضٍ بَعْدَ أمْرٍ الواقع بعد أمرٍ -بعد فعل أمرٍ- مشتق من (قضى) في قوله تعالى: ((فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ)) [طه:72]، كَأنْتَ قَاضٍ، كلمة (قَاضٍ) الواقعة بَعْدَ أمْرٍ مِنْ قَضَى، فاقضِ، هذا الأمر الذي قضى، مأخوذ مشتق من قضى، ((فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ)) يعني: ما أنت قاضيه، هذا هو الأصل: ما أنت قاضٍ.

مَا: اسم موصول بمعنى الذي.

وأَنْتَ: مبتدأ.

وقاضيه: قاضي نقول: هذا خبر، وهو مضاف، والهاء ضمير متصلٌ مبني على الكسر في محل جرّ مضاف إليه، وهو العائد، هل يجوز حذفه؟ نقول: نعم يجوز حذفه؛ لماذا؟ لكون الخافِض له وصفاً، فإذا كان الخافض وصفاً حينئذٍ جاز حذفه، بخلاف إذا كان الخافض له اسم جامد؛ فلا يجوز حذفه، (كذاك) أي: مثل حذف العائد المنصوب المذكور في جوازِه وكَثرتِه؛ لماذا؟ لأن حذف العائد المنصوب هو الأصل، وحُمِل عليه المجرور؛ لأن كلاً من المنصوب والمخفوض فضلة، هذا الأصل فيه، المخفوض هذا فضله، والمنصوب فضله، وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لَمْ يَضِرْ، فإن ضَرّ حينئذٍ امتنع الحذف.

ص: 13

كذاك يجوز حذف (مَا بِوَصْفٍ)، (بِوَصْفٍ) هذا متعلِّق بقوله:(خُفِضَا) بوصف لابد أن يُقيَّد؛ لأنه عامل في التقدير ليس في المعنى، فإذا كان عاملاً في التقدير حينئذٍ لابد من تقييد الوصف بكونه بمعنى الحال أو الاستقبال، فإن كان بمعنى الماضي حينئذٍ لا يَعمل إلا إذا حُلِّي بـ (أل).

مَا بِوَصْفٍ: بمعنى الحال أو الاستقبال، عاملٍ (خُفِضا) بإضافته إليه، (كَأنْتَ قَاضٍ) يعني: كَكَلِمة (أنتَ قاضٍ) الواقع بعد فعل أمرٍ مشتقٍ من مادة قضى، إشارة إلى قوله تعالى:((فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ)) أي: قاضيه.

(مِنْ قَضَى)، أو يكون (قَضَى) هنا مصدر قصره الأصل فيه بقصر الممدود للضرورة على تقدير المصدرية؛ من قضاءٍ –هذا الأصل- فقصره للضرورة، أو مِنْ قَضَى أيضاً على تقدير المصدر، لأن المَصْدر لا يشتق من الفعل الماضي، وإنما (قاضي) الأصل يُشتقُّ من المَصْدر.

والمَصْدَرُ الأَصْلُ وَأيُّ أَصلِ

ومِنهُ يَا صَاحِ اشتِقَاقُ الفِعلِ

إذاً إشارة إلى قوله: ((فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ)) أي: قاضيه، فلا يجوز الحذف من نحو: جاء الذي أنا غلامُه، غلامه: الضمير هذا هو العائد وهو مخفوض باسم، هل يجوز حذفه؟ لا يجوز؛ لماذا؟ لأن شرط صحة جواز الحذف أن يكون الخافض وصفاً، وغلام هذا جامد، لا يصح أن يُقال: أنا غلام؛ بحذف الهاء، لأن غلامَ العاملَ في الضمير العائد المخفوض جامد وليس بوصفٍ، أو مضروبُه، أو ضاربُه أمسِ، جاء الذي أنا ضاربُه أمسِ لا يجوز؛ لأنه لغير الحال والاستقبال؛ لأنه قال: أَمسِ، جاء الذي أنا ضاربه، يجوز؛ لأن الأصل في اسم الفاعل أن يكون للحال، هذا هو الأصل، فإن قُيِّدَ حينئذٍ، أو كان ثَمّ قَرِينة أو عهد؛ حينئذٍ إن كان للماضي فهو للماضي، وإلا فالأصل فيه أنه للحال.

جاء الذي أنا ضاربُه، ضاربٌ، جاء الذي أنا ضاربٌ، على الأصل من جواز حذف الضمير لكون الخافض وصفاً، وهو بمعنى الحال أو الاستقبال، أما إذا قال: أمسِ؛ فحينئذٍ لا يجوز.

قال: فإن كان مجروراً بالإضافة لم يُحذف، إلا إذا كان مجروراً بإضافة اسم فاعل، هو الذي قال: بوصفٍ بمعنى الحال، أو الاستقبال، وهذا مأخوذ من المثال، نحو: جاء الذي أنا ضاربُه الآن أو غداً، هذا تقييد من باب التأكيد فقط على الشرطية، وإلا لو لم يقيِّده فالأصل فيه أنه للحال.

وكقوله: جاء الذي أنا ضاربٌ؛ بحذف الهاء، ونقول: بمعنى: الحال أو الاستقبال؛ لأن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال شابه الفعل من حيث العمل؛ لأنه أقرب إلى الفعل، بخلاف إذا كان ماضياً كما سيأتي في محلِّه.

كَذَا الَّذِي جُرَّ بِمَا الْمَوْصُولَ جَرْ

كَمُرَّ بِالَّذِي مَرَرتُ فَهْوَ بَرّ

هذا النوع الثاني من العائد المخفوض؛ إذا كان مخفوضاً بحرف جر، حينئذٍ يشترط فيه أن يُجرّ الموصول بما جُرّ به العائِد، الحرف نفسه الذي دخل على العائد، نقول: به مثلاً، أو منه.

هل يجوز حذف الضمير إذا كان عائداً، وهو مخفوض بـ (من) أو (الباء)؟ نقول: ننظر في الاسم الموصول: إن دخل عليه مثل الحرف الذي دخل على الضمير العائد بشرط أن يتحدا لفظاً، ومعنىً، ومُتعلقاً؛ جاز وإلا فلا.

كَذَا: يعني: يجوز حذف العائد.

ص: 14

الَّذِي جُرَّ بِمَا: بمثل الحرف الذي جَرّ الموصولَ –بالنَّصْب- هذا مفعول مقدَّم لقوله: (جَرْ)، (كَذَا الَّذِي جُرَّ) يعني: كذا، أي: مثل الضمير العائد المحذوف باسم الفاعل؛ الذي جُرّ بما جَرّ الموصول، بالذي جَرّ الموصول، فالموصول هذا اسم مفعول مقدَّم، يعني: التركيب إذا قرأته على الأصل تقول: الذي جُرَّ بما جَرَ الموصولَ، حينئذٍ إذا خُفِضٍَ العائد بحرفٍ دخل عليه، وهو نفسه مثل الذي دخل على اسم الموصول؛ حينئذٍ جاز الحذف، بالمثال يتضح.

مُرَّ بالذي مَررتُ فهو بَرّ: فهو بَرْ هذه تتمة ليس لها .. مُرَ بالذي مررتُ، أصل التركيب: مُرَ بالذي مررتُ بِه، به: هنا الضمير حذفه، في المثال محذوف، به، أين هو بِهِ؟ نقول: محذوف؛ لأنه إذا حذف الضمير ذهبت الباء معه، ما تبقى لوحدها، مُرَّ بالذي مررتُ به، حينئذٍ ما الذي سوغ حذف العائد وهو مجرورٌ بالباء؟ نقول: دخول حرفٍ مثلِه على اسم الموصول، أين اسم الموصول؟ مُرَّ بـ (الذي)، الذي: اسم موصول. قال: مررتُ بِه، (الباء) نفسه دخل على (الذي)، إن دخل عليه واتفقا لفظاً ومعنىً ومتعلَّقاً؛ حينئذٍ جاز الحذف، يعني: حذف العائد مع حرفه، فإن تخلَّف واحدٌ من هذه الشروط الثلاثة حينئذٍ نقول: لا يجوز الحذف.

قال الشارح:

وإن كان مجروراً بحرفٍ فلا يُحذَفُ -يعني: العائد المجرور بالحرف- إلا إن دخل على الموصول حرفٌ مثله لفظاً ومعنىً، واتفق العامل فيهما مادة -يعني: من نفس الحروف- بهذه القيود الثلاثة: اتفقا معنىً ولفظاً، يعني: الباء هي عين الباء، والمعنى واحد، ما تكون الباء الأولى للسببية، والثانية للتَعْدِيَة؛ لا، لابد أن يتحدا معنىً، وأن يتحدا مُتعلَّقاً؛ أن تكون الباء الأولى متعلِّقة بفعل أو وصفٍ تعلقت به الباء الثانية، ولا يشترط فيهما نفس الفعل الفعل، أو الاسم الاسم؛ لا، قد يكون ذاك فعلاً وهذا اسمٌ، لكن المادة واحدة، مُرّ بالذي أنا مارٌ به، حينئذٍ نقول: تعلقا بمادة واحدة، وإن اختلفا في الفعلية والاسمية.

إذاً لابد أن يدخل على الموصول حرفٌ مثلُه لفظاً ومعنىً، واتفق العامل فيهما مادة، نحو: مررتُ بالذي مررتَ بِه، أو أنتَ مارٌّ بِه، حينئذٍ يصحُّ حذف الضمير مِن (بِه) فتذهب الباء معه، فيجوز حذف الهاء: مررتُ بالذي مررتَ، لم يقل: بِه؛ لوجود الشرط، قال الله تعالى:((وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ)) [المؤمنون:33]"منه"، ويشربُ مما تشربون منه، أين الشروط هنا؟ ((وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ)) "منه"، منه: الضمير حُذِف، حينئذٍ نقول: دخل على الضمير (مِنْ) كما دخل على الاسم الموصول، (مِمَّا): أصلها من ما، اللفظ واحد، والمعنى واحد، وهي للتبعيض، والمادة واحدة؛ لأن (مِمَّا) متعلِّقٌ بقوله: يشربُ، ((يَشْرَبُ مِمَّا)((تَشْرَبُونَ)) منه، (منه) متعلق بـ (تشربون)، اتحدا في المادة، ولو يُشتَرط أن يكونا فعلين، يعني: الاختلاف في الصيغة لا بأس به.

وقَدْ كُنْتَ تُخْفِي حُبَّ سَمْرَاءَ حِقْبَةً

فَبُحْ لَانَ مِنْهَا بِالَّذِي أَنْتَ بَائِحُ

به يعني.

ص: 15

فإن اختلف الحرفان لم يجز الحذف، نحو: مررتُ بالذي غضبتَ عليه، بالذي عليه، (عليه): هو الضمير العائد، جُرّ بـ (على) حرف جرّ، وقال:(بالذي)، دخل على الموصوف حرفُ جرّ ليس هو عينُه الذي دخل على العائد، هل يجوز الحذف؟ لا يجوز الحذف، هذا واضح، فلا يجوز حذف (عليه).

وكذلك: مررتُ بالذي مررت بِه على زيدٍ، لا يجوز؛ لماذا؟ لأنهما وإن اتحدا لفظاً إلا أنهما اختلفا معنىً، ليس كلّما رأيتَ الباءَ والباءَ مباشرة .. ؛ لا، لابد أن يكون معنى الباء الأولى التي دخلتْ على اسم موصول؛ هي عَيْن معنى الباء التي دخلتْ على العائِد، فلا يجوز حذف (به) منه لاختلاف معنى حرفين؛ لأن الباء الداخلة على الموصول للإلصاق، والداخلة على الضمير للسببية.

وإن اختلف العاملان لم يَجُز الحذف أيضاً، العاملان .. يعني: إن اختلفا في المادة، وليس المراد الاختلاف من حيث كونه فعلاً أو اسماً؛ لا.

مررتُ بالذي فرحتُ بِه، بالذي:(الباء)، فرحتُ به، هل يجوز حذف (به) الضمير؟ نقول: لا؛ لماذا؟ لأن (به) تعلَّق بـ (فرح)، وبالذي تعلق بـ (مرّ)، إذاً اختلفا في المادة، فلا يجوز حذف (بِه).

وهذا كلُه هو المُشار إليه بقولِه:

كَذَا الَّذِي جُرَّ بِمَا الْمَوْصُولَ جَرْ، (كَذَا): أي: مثل الذي سبق الكلام فيه من حَذف العائد المُنْتَصِب، حذفُ (الذي جُرُّ بما الموصول جَر)، يعني: يجوز حذف- ليس المنتَصِب إنما المخفوض بالوصف- يجوز حذفُ ما جَرّ الموصولَ، بهذا الشرطِ.

(كَذَا الَّذِي جُرَّ بِمَا الْمَوْصُولَ جَرْ) أي: كذلك يُحذَفُ الضميرُ الذي جُرَّ بمثل ما جُر الموصولُ بِه، نحو: مررتُ بالذي مررتَ بِه فهو بَر، و (بِه) هذا من باب التقدير.

إذاً أشار في هذه الأبيات المتأخرة إلى العائد، وقلنا: العائد إما أن يكون مرفوعاً، وإما أن يكون منصوباً، وإما أن يكون مخفوضاً، إن كان مرفوعاً فيه شرطان:

أن يكون مبتدأً، والخبر مفرد، وهذا شَرطٌ مطلقاً في (أيٍّ) وفي غيرها، لكن في غير (أيٍّ) لابد من استطالَة الصلة؛ أن تكون طويلة، فإن لم تكن فالحَذفُ نَزْرٌ، قليل، ولا يُقاس عليه.

الثاني: المُنْتَصِب، له شَرطان: أن يكون متّصِلاً؛ احترازاً من المنفصل، أن يكون منصوباً بفعلٍ أو وصف، بشرط أن يكون هذا الوصف بمعنى الحال أو الاستقبال، وشَرَط الجمهورُ ألا يكون منصوباً بِصِلة (أل): أنا الضاربُه، هذا لا يجوز.

الثالث: أن يكون مخفوضاً إما بإضافة، أو بحرفٍ، شرط الإضافة: أن يكون مخفوضاً بوصفٍ؛ اسم فاعل بمعنى الحال، أو الاستقبال.

الثاني: أن يُجرَّ العائِد بما جُرَّ به الموصول لفظاً ومعنىً ومتعلَّقاً.

ثم قال رحمه الله تعالى:

المُعرَّف بأداة التعريف، وهذا هو النوع الأخير الذي ذكره الناظمُ رحمه الله تعالى في باب المعارِف:

فمُضْمَرٌ أَعرَفُها ثُم العَلَمْ

فَذُو إِشارةٍ فَمَوصولٌ مُتَمّ

فَذُو أَداةٍ ..

فِذُو أَداةٍ، هذا هو الخامس.

فمُضْمَرٌ أَعرَفُها ثُمَّ العَلَمْ

فَذُو إشارةٍ فَمَوصولٌ مُتَمّ

فَذُو أَداةٍ فمُنادَى عُيِّنا

فَذُو إِضَافةٍ بها تَبَيَّنا

ص: 16

أما المنادى يأتي في بابه، وأما الإضافة هذا سيأتي في أول باب المضافِ أنّه يَتعرَّف بالمضاف إليه، وقلنا: أنّه في مرتبة ما أُضيف إليه؛ إلا ما أُضيف إلى الضمير فهو في مرتبة العلم عند الجمهور، وأما المعرَّف بـ (أل) فهو يأتي في المرتبة الخامسة.

والسيوطي رحمه الله في جمع الجوامع قَدَّم المعرَّف بـ (أل) على الموصول؛ لا لكونه أعرف عنده، وإنما قال: لكون الكلام على الموصول طويل، وأما الكلام على (أل) فهو قصير.

المعرَّف بأداة التعريف، يعني: بآلته، ولو قال: ذو الأداة؛ لكان أخْصَر، لو قال: ذو الأداة؛ لكان أخصر من أن يقال: المعرَّف بأداة التعريف.

وقوله: بأداة التعريف؛ هذا ليَعُمَّ (أَمْ) في لغة حِمْيَر، فإنها نائبة منابَ (أل)، فجمهور العرب أنهم إذا عرَّفوا إنما يأتون بـ (أل) المعرِِّفة؛ الرجُل، وأما حِميَر فيأتون بـ (أَمْ) بدلاً من (أل)، ومنه الحديث: {ليس من امْبِرٍ امْصِيامٌ في امْسَفَر)، حينئذٍ هذه كلها (أل) لكنها مبدلة اللام ميماً، وهذا خاصّ بلغة حِمْيَر، ولذلك إذا قيل: ذو الأداة؛ يعني: الأداة التي تُعرِّف، وهذا يشمل (أل)، ويشمل (أََمْ)، ويشمل (أل) بنوعيها؛ سواء كانت (أل) بجملتها معرِّفة، أو اللام على قول الجمهور، أو الهمزة على قول المُبَرِّد كما سبق.

قال رحمه الله تعالى:

أَلْ حَرْفُ تَعْرِيفٍ أَوِ اللَاّمُ فَقَطْ

فَنَمَطٌ عَرَّفْتَ قُلْ فِيهِ النَّمَطْ

(أل) حرف تعريف، (أل) قُصِد لفظها وهي مبتدأ، حرف: هذا خبر؛ خبر المبتدأ، كيف نقول:(أل) حرف، و (أل) مبتدأ وهي اسم؟ نقول: نعم؛ الإخبار بكونها حَرفاً لا في هذا التركيب، وإنما في قولك: جاء الرجل، (أل) هنا حرف، إذا نطقتَ بها مع مَدْخُولِها صارت (أل) حرفاً، وأما في مثل هذا التركيب الإخبار عنها بكونها حرفَ تعريف؛ نقول: في هذا التركيب ليست حرفاً، وإنما هي اسمٌ، حينئذٍ هل بين الخبر والمبتدئ تناقض؟ نقول: لا؛ لأن بعضَهم يُوْرِد -أَرباب الحواشي-: بأن ثمّ تناقض في مثل هذه التراكيب، كيف نقول:(أل) ونُخبر عنها بأنها حرف، والإخبار عن الشيء يدل على أنه اسم، وإذا كان اسماً حينئذٍ نُعرِبُه مبتدأً في هذا التركيب، ونُخبِر عنه بأنه حرف، والحرف مُباين للاسم؟

نقول: هنا في هذا التركيب هي اسمٌ، والإخبار بكونها حرفاً ليس في هذا التركيب، وإنما في دخولها على مَدْخُلوها كرجل.

أَلْ حَرْفُ تَعْرِيفٍ أو اللَاّمُ فَقَطْ، حَكَى لنا القولَين المشهورَين، وإن شئتَ قُل: الثلاثة؛ لشمول قوله: (أل) لقول الخليل وسيبويه الذي ذكرناه سابقاً.

وأما اللام فقط فهذا على قول الأَخْفَش، وهو اختيار الجمهور، فـ (أو) حينئذٍ تكون لتنويع الخلاف.

إذاً؛ ما هو المعرِّف: هل هو (أل)؟ هل هو (اللام)؟ هذه قلنا: فيها أربعة مذاهب على المشهور:

(أل) بجُملتها أداة تعريف، يعني: الهمزة واللام معاً أداة تعريف، وعليه الخليل بن أحمد شيخ سيبويه، أن (أل) برمتها - الهمزة واللام - مُعرِّفة، وصحَّحه ابنُ مالك رحمه الله تعالى، وهذا ظاهر تقديمه هنا من قول الأول في هذا المقام؛ لأنه نَطَق في السابق:

ص: 17

بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ وَالنِّدَا وَأَلْ قال: (أل)، لم يقل: الألف واللام كما قال ابنُ آجُرُّوْم، فدل على أنه يختار أن (أل) بِرُمَّتِها هي المُعرِّفة، وهنا قال:(أل) حَرْفُ تَعْرِيْف أو اللامُ، فقَدَّم القول الأول، وتقديمه يُدل على أنه يختاره، هذا هو الظاهر والله أعلم.

فهي حرفٌ ثنائيُ الوضعِ بمنزلة (هل) و (بل)، يعني: عند الخليل (أل) بجملتها حرف تعريف، حينئذٍ تكون ثُنائية الوضع مثل:(هل) و (بل)، وإذا كان كذلك حينئذٍ تُنطَق باسمها لا بمسماها، كما أنه لا يُقال في (قد): القاف والدال، و (هل): الهاء واللام؛ كذلك لا يقال في هذه: الألف واللام؛ هذا خطأ، على هذا القول إذا جعلنا الهمزة همزة قطع في الأصل، وهي داخلة في مسمَّى (أل)؛ جُزء منها كالزَّاي من زيد؛ حينئذٍ لا يَصح أن يقال: الألف واللام، هذا غلط، كمن يقول:(قد) القاف والدال، و (هل) الهاء واللام، نقول: هذا لحن.

قال ابنُ جني: وكان الخليل يسميها (أل)، ولم يكن يسميها الألف واللام، كما لا يقال في (قد): القاف واللام.

ثم اختُلِف على هذا القول: هل الهمزة قطع أم وصل؟

(أل) إذا قيل بأنها هي المعرِّفة، حينئذٍ الخليل اختار أنها همزة قطع، وليست بهمزة وصل؛ بدليل ماذا؟ أنها مفتوحة: الرَّجُل، الرَّجُل، إذا بدأت به تقول: العالِم، (أَل)، ولو كانت همزة وَصْل لكانت مكسورة؛ اضرب، اسم، نقول: همزة الوصل مكسورة، وهمزة القطع الأصل أنها مفتوحة. إذ لو كانت همزة وصل لكسرت؛ لأن الأصل في همزة الوصل الكَسرُ، ولا تُفتح أو تُضَم إلا لعارضٍ.

والقول الثاني - وهو منسوب لسِيْبَوَيْهِ -: أنها همزة زائدة مُعتَدٌّ بها في الوضع، وسيأتي ثمرة الخلاف، وقيل: أداة التعريف (اللام) فقط؛ اللام، وأما الهمزة فهي زائدة ليس معتداً بها في الوضْع.

والهمزة وصل اجْتُلِبَتْ للابتداء بالساكن، وفتحتْ تخفيفاً؛ لكثرة الاستعمال، وعليه سيبويه، نسب لسيبويه، والقول الأول نُسب لسيبويه، فالظاهر أن له قولين.

ونقله أبو حيان عن جميع النحويين إلا ابن كيسان، يعني: نقل أن اللام هي المعرِّف فقط، القول الثاني الذي ذكره الناظم نقله أبو حيَّان عن جميع النحويين -وهذا فيه نظر- عن جميع النحويين، وأن (أل) هذه تعتبر زائدة، وهي موصولة.

وثمرة الخلاف إذا قلنا بأن الهمزة: هل هي همزة قطعٍ أم وصلٍ؟ إذا قلت: قام القوم؛ حينئذٍ إذا قلنا: بأن الهمزة موجودة في أصل الكلمة - وهو القول الأول (أل) - حينئذٍ: قام القوم، وُجدت الهمزة أصالة، ثم سقطت الهمزة في دَرْج الكلام؛ لأن همزة الوصل تثبت وقفاً، وتسقط دَرْجاً، يعني: في دَرْج الكلام، هذا الأصل فيها.

وإن قلنا: بأن الأصل هي اللام؛ حينئذٍ: قام القومُ ليس عندنا همزة وصْل؛ لأن همزة الوصل إنما اجْتُِلبَتْ لأجل تَمَكُّن الابتداء بالساكن، وهنا ليس قبله ساكن: قام القوم، فتحه ثم بعد ذلك اللام، وهنا يمكن الابتداء بالساكن، أما في أول الكلام قد نحتاج إلى الهمزة.

ص: 18

إذاً إذا قيل بأن اللام فقط هي المُعرِّف فقولنا: قام القوم؛ ليس فيه همزة وصل، وإذا قلنا: بأن (أل) بِرُمَّتِها، وأن الهمزة همزة وصل أو قطع وسُهِّلت لكثرة الاستعمال؛ حينئذٍ وُجِدت الهمزة، ولكن لكونها في دَرْج الكلام سَقطت.

(أَل حَرْفُ تَعْرِيفٍ أو اللام فََقط فَنَمَطٌ)(فَقَط)، الفاء هذه يقولون فيها: أنها زائدة لتحسين اللفظ، و (قَطْ) بمعنى حسب، أي: واللام حَسبُكَ، وقيل: في جواب شرط مُقَدَّر، و (قَطْ) بمعنى: انته، فيكون اسم فعل، يعني: اسم فعل أمر، أو بمعنى: حَسْب، أي: إذا عَرفتَ ذلك فانتَهِ عن طلب غيره، أو فهو حَسْبُكَ، أي: كافِيكَ.

أَلْ حَرْفُ تَعْرِيفٍ أو الَّلامُ فَقَطْ، فَنَمَطٌ: هذا مبتدأ. (عَرَّفْتَ) أي: أردتَ تعريفه، صفة له. (قُلْ) هذا خبر. (فِيهِ النَّمَطْ) أَدخلتَ عليه (أل) فصار معرفة، رَجُل: قل: الرَّجُل، غلام: تقول فيه: الغلام.

والنَّمَط: هو ثوب يُطرَح على الهَوْدَج، والجمع أنماط، اختُلف في تفسيره، وقال –الشارح-: ضَرْبٌ من البُسُطِ، والجمع أنماط، وقيل أيضاً: جماعة من الناس الذين أمرهم واحد، كذا قاله الجَوْهَري.

(أل) نوعان: عَهدية، وجنسية، ولذلك قسمها ابن عقيل، (أل) نوعان: عهدية، وجنسية، فالعهدية هي: ما عُهِدَ مدلول مَصْحُوبها بحضورٍ حِسِّي؛ بأن تقدَّم ذكره لفظاً فأُعيد مصحوباً بـ (أل)، وهذه دائماً نقول: هي التي عُهِد مصحوبها ذِكراً، ((إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا)) [المزمل:15] ((فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ)) [المزمل:16]، الثاني الرسول هو عين الأول، هذه (أل) نقول فيها: للعهد الذكري، عُهِد مدلول مَصحوبها بحضور حِسِّيّ.

أو عِلْميّ؛ الذي هو الذهني بأن لم يتقدَّم له ذكر، عكس الأولى، الأولى تقدم له ذكر في اللفظِ، وهذه لا، بل ثَمّ عهد ذهني بَيْني وبينَكَ؛ إشارة، أو عِلمي - يعني: ذهني - بأن لم يتقدَّم له ذِكرٌ، ولم يكن مشاهَدَاً حال الخطاب؛ ((إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ)) [التوبة:40]، ما ذُكر الغار، لكنه معلوم عند الصحابة لما نزلت الآية، ((تَحْتَ الشَّجَرَةِ)) [الفتح:18]، معلومة الشجرة، (أل) هذه للعهد الذِّهْني العِلْمي، أمرٌ معلوم مُدْرَكٌ بالعِلْم والذِّهن، ((بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى)) [طه:12] كذلك معلوم.

والجنسية: إما لتعريف الماهية؛ وهي التي لا يخلفها (كل) لا حقيقة ولا مجازاً، يعني: لا يحل محلها لفظ (كل) لا حقيقة ولا مجازاً، مثل ماذا؟ الرجُل خَيرٌ من المرأة، ما المراد هنا: الأفراد أم حقيقة الرجل؟ حقيقة الرجل من حيث هو، وليس المراد أفراد الرجال، الرجل خير من المرأة، يعني: جنس الرجل خيرٌ من جنس المرأة، أو حقيقة الرجل خير من حقيقة المرأة، ((وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)) [الأنبياء:30] يعني: من جنس الماء.

ص: 19

وإما لاستغراق الأفراد، وهي التي تخلفها (كلٌّ) حقيقة، نحو ماذا؟ ((وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا)) [النساء:28]، وعلامتها: صحة الاستثناء من مَدْخُولها -إن أمكن وإلا فلا- ((إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا)) [العصر 3،2]((إِنَّ الإِنسَانَ)) الإنسان واحد، اللفظ واحد، لكن من جهة المعنى والأفراد فهو متعدد، ولذلك صح الاستثناء من مدخول (أل) فقيل:((إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ)) ((إِلَّا الَّذِينَ))، فكل إنسان في خسر، صَحَّ حُلول (كُلّ) محلها حقيقة، كل إنسان لفي خُسرٍ.

وإما لاستغراق خصائص الأفراد؛ مبالغة في المدح أو الذَّم، وهي التي تَخلُفُها (كُلٌّ) مجازاً لا حقيقة؛ أنت الرجُلُ عِلْماً، أنتَ الرجُل كَرَماً، يعني: كأن الصفات كلها اجتمعت فيك، هذه من باب المبالغة، أنت كلُّ الناس عِلْماً، اجتمع كلُّ الكَرَم والعِلْم فيك، نقول: هذا على سبيل المبالغة، يعني: صار كاملاً في هذه الصفة.

وهذا التقسيم لـ (أل) مذهب الجمهور، يعني: أنها قسمان: عهدية، وجنسية، مذهب الجمهور، وقيل: لا تكون إلا عهدية.

قال ابن عُصْفُور: لا يَبْعُدُ عندي أن تسمّى الألف واللام اللتانِ لتعريف الجنس عهديتين، لأن الأجناس عند العقلاء معلومة مُذْ فهموها، والعهد تقدُّم المعرفة. لكن المشهور خلاف هذا.

وقيل: العهدية بالأعيان، والجِنْسية بالأذهان.

واختلف في نيابة (أل) عن الضمير -دائماً يمرُّ معَنا في حَلِّ الأبيات- اختُلِف في نيابة (أل) عن الضمير المضاف إليه، منعه أكثر البصريين، أكثر البصريين على المنع، وجوزه الكوفية، وبعض البصريين، وكثير من المتأخرين، وخرَّجوا عليه:((فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)) [النازعات:41] يعني: مأواهُ، هذا الأصل، مضاف ومضاف إليه، وحُذف المُضاف إليه - وهو الضمير - وعُوِّض عنه (أل)؛ فقيل: المأوى، حينئذ نقول:(أل) هذه نائبة عن المضاف إليه إذا كان ضميراً، لكن أكثر البصريين على المنع.

قال رحمه الله:

وَقَدْ تُزَادُ لَازِماً كَاللَاّتِ

وَالآنَ وَالَّذِينَ ثُمَّ اللَاّتِ

وَلاِضْطِرَارٍ كَبَناتِ الأَوْبَرِ

كَذَاَ وَطِبْتَ النَّفْسَ يَا قَيْسُ السَّرِي

وَقَدْ تُزَادُ (أل)؛ الأصل فيها أنها حرف معنى، ما معنى حرف معنى؟ بمعنى أنها تدل على معنى، مثل: في وعن وعلى

الخ، فإذا كان كذلك فالأصل إذا أطلقت انصرفت إلى المعنى الأصلي وهو: المعرفة، التعريف، يعني: تفيد تعريفاً، ولذلك سبق معنا:

نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا

ص: 20

ما معنى التأثير؟ هو: التعريف، إفادة التعريف، وهل هذا التأثير وإفادة التعريف هو معناها الأصلي في لسان العرب؟ نعم، فإن لم تكن كذلك حينئذٍ فالأصل في (أل) أنها ليست مُعرِّفة، خرجتْ عن أصلها، وإذا خرجت عن أصلها حينئذٍ حكمنا عليها بكونها زائدة، حينئذٍ:(أل) حَرْفُ تَعْرِيْف، متى؟ إذا أثَّرتْ وأفادتْ التعريف، إذاً (أل) متى تكون حرف تعريف؟ إذا أثرت وأفادت في مدخولها التعريف، فإن لم تؤثر حينئذٍ لابد لها من مَخْرَجٍ فنحكُم عليها بالزيادة؛ ولذلك قال:(وَقَدْ تُزَادُ) يعني: (أل) غير مُعَرِّفةٍ (لازِماً)، ثم قال:(وَلاضْطِرَارٍ)، قسّم لنا (أل) الزائدة قسمين: وهي زائدة لازمة، وزائدة غير لازمة، زائدة لازمة لا تنفك عنها الكلمة، وزائدة غير لازمة.

والزائدة اللازمة هي ألفاظ محفوظة -ذكر منها المصنِّف بعضاً- ألفاظ محفوظة، يعني: محصورة معدودة، وغير لازمةٍ، وهي على نوعين: اضطراري، وغيره، المراد بغيره: ما يأتي في لمح الصفة ونحوها.

إذاً تُزاد (أل)، والأصل فيها أنها للتعريف، فإذا كان كذلك حينئذٍ نقول:(أل) إذا كانت مُعَرِّفة فهي على أصلها، وإن لم تكن مُعَرِّفة فحينئذٍ نحكم عليها بأنها زائدة كما يُزاد غيرها من الحروف، فحينئذٍ إذا كانت زائدة - كما يُزاد غيرها من الحروف - فتَصْحَب مُعرَّفاً بغيرها، يعني: قد تَصْحَب معرفةً كما هو الشأن في الأعلام، قلنا: العبَّاس هذا علم فدَخلتْ عليه، إذاً صحبتْ معرَّفاً بغيرها، عبَّاس معرَّف بالعَلَميِّة، إذا دخلتْ عليه (أل) نقول:(أل) هنا صَحِبتْ معرَّفاً بغيرها.

وقد تَصْحَب نَكِرة: إما في اللفظ والمعنى، وإما في المعنى، في اللفظ والمعنى كما مثَّل له بـ (طبتَ النفسَ)، هذا في اللفظ والمعنى، و (أل) زائدة؛ لأنه تمييز فيجب أن يكون نكرةً لفظاً ومعنىً، أو في المعنى دون اللفظ، وهذا في (أل) الجنسية.

وَلقَد أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيم يَسُبُّني

الجملة هنا قالوا: صفة، لكن المراد به الأول: طِبْتَ النَّفْس، وأما الثاني هذا محلُّه آخر.

(أل) الزائدة؛ أي: ما لا تُفيد تعريفاً؛ بأن يكون الاسم قام به سبب للتعريف غير دخول (أل)، فحينئذٍ يُحكم بزيادة (أل)، والاسم لا يوجد فيه مُعرِّفان، لا يجتمع مُعرِّفان على الاسم الواحد.

وهذه الزائدة: إما لازمة كالتي في عَلَمٍ وقارنت وضعه، كما مثَّل له بقوله:(كالّلاتي)، نقول: هذا عَلَم؛ دَخلتْ على عَلَم، و (أل) المُعرِّفة لا تجتمع مع العَلَم، لا تدخل على العَلَم، فإن وُجدتْ معه حينئذٍ حكمنا عليها بكونها زائدة، وهل زيادتها لازِمة أم مُنْفكّة؟ ننظر في العَلَم نفسه: إن كان أصل وضعه قَارنَتَه (أل)؛ حكمنا عليها بكونها لازمة، وإن لم يكن كذلك كما في قوله: رأيتُ الوليدَ بن اليَزيدِ مُبارَكاً؛ نقول الأصل فيها: أنها لا تدخل عليه، لكن لعله سهَّل دخوله عليه دُخولُها على الوليد، وإلا الأصل عدم الدخول.

(وقد تُزادُ) أي: (أل) غير معرِّفةٍ؛ لأنها بزيادتها خرجت عن المعنى الذي وضعت له في لسان العرب.

ص: 21

(لازِماً) أي حال كونه لازماً، الذي هو (أل) أو الذي هو الزيادة، (كالّلاتي) هذا اسم صنمٍ ودخلت على علمٍ، فحينئذٍ لا يجتمع مُعرِّفان فنحكم على (أل) بأنها زائدة، لأنه في أصل الوضع هكذا وضع؛ علم قارنت وضعه، (كاللاتي) مثل ما مثَّل له الناظم، (والعُزى) و (اليسع).

والآن: هذا اسم للوقت الحاضر، وملازمٌ لفتح الآخِر، وهذا متفق عليه، اسمٌ للوقت الحاضر فهو علم إذا أُطلق انصرف إلى الزمن الحاضر، وهو ملازمٌ لفتح الآخر، وهذا متَّفق عليه.

وهو مبني لتضمنه معنى (أل) الحضورية، هكذا قيل، ولذلك يعجب منهم السيوطي يقول:(أل) موجودة، ثم يبنى من أجل (أل) مضمَّنة! هذا تناقُض، وهو مبني لتضمنه معنى (أل) الحضورية، وبني على الحركة لالتقاء الساكنين، وكانت الحركة فتحة ليكون بناؤها على ما يستحقه الظروف.

إذاً كَـ (الَّلاتِ) و (الآنَ) نقول: اللام هذه زائدة، بناءً على أن تعريفه إنما هو بالعلمية في الزمن الحاضر، حينئذٍ دخلت على شبه علمٍ، وبُني لتضمنه معنى لام الحضور، أو أنه مبني على أنه متعرف بما تعرفت به أسماء الإشارة لتضمنه معناها، بل عده بعضهم من أسماء الإشارة لأنه إذا أُطلق انصرف إلى المعنى كأنه أشار إلى الوقت الحاضر، ففيه معنى (أل) التي لم يضعها العرب -حرف إشاري- لم يضعه العرب فأشبهته أسماء الإشارة فبُني لأجلها، هو نفسه موجود في (الآن) لكن هذا كما ذكرناه محل خلاف.

إذاً المقصود هنا: أن (اللات) ألِفُه لازمة، لماذا؟ لأنه وُضع علماً هكذا، قارنته (أل) وضعاً ومثله العُزى، واليسع، و (الآن) كذلك مثله.

(وَالَّذِينَ ثُمَّ اللَاّتِ)، (وَالَّذِينَ ثُمَّ اللَاّتِ) هذه أسماء موصولة، وكل ما دخل عليه (أل) من الموصولات ففيه قولان:

إما أن نحكم على (أل) بكونها زائدة، أو أنها مُعرِّفة، والناظم هنا حكم عليها بكونها زائدة، بناءً على أن التعريف حصل بالصلة، فإذا حكمنا على الموصول بكونه مُعرَّف بالصلة حينئذٍ لزم أن نحكم على (أل) بأنها زائدة، لماذا؟ لا يجتمع معرِّفان، بل لابد من مُعرِّف واحد.

(وَالَّذِينَ ثُمَّ اللَاّتِ) هذا جمع التي: وبقية الموصولات مما فيه (أل) نفس الحُكم.

وأما (من) و (ما) فهذه قيل: المَنْوية، إن لفظ بـ (أل) في الموصولات فهي مُعرِّفة، إن لم يلفظ بها كـ (من) و (أيٍّ) ونحوها فحينئذٍ نحكم على كونها معرفة بكونها متضمنة لـ (أل)، يعني (أل) المَنْوية، وقيل لا بل نُفصِّل فما كانت فيه (أل) فهو معْرِفة بـ (أل)، وما لم يكن مُحلّىً بـ (أل) فحينئذٍ حصل التعريف له بالصلة، هذا قول لم يذكره ابن عقيل.

ص: 22

وَالَّذِينَ ثُمَّ اللَاّتِ: ذكر المصنف في هذين البيتين أن الألف واللام تأتي زائدة وهي في زيادتها على قسمين: لازمة وغير لازمة، وغير اللازمة هذه نادرة، ثم مثَّل للزائدة اللازمة بـ (اللاتي): وهو اسم صنمٍ كان بمكة، وبالآن وهو ظرف زمان مبني على الفتح، واختلف في الألف واللام الداخلة عليه، فذهب قوم إلى أنها لتعريف الحضور، كما في قولك: مررت بهذا الرجل؛ لأن قولك (الآن) بمعنى هذا الوقت، إشارة إلى الوقت الحاضر، وعلى هذا لا تكون زائدة، وذهب قوم منهم المصنف إلى أنها زائدة، وهو مبني لتضمنه معنى الحرف وهو لام الحضور، ومثَّل أيضاً بالذين واللاتي، والمراد بهما ما دخل عليه (أل) من الموصولات على التفسير الذي ذكرناه سابقاً.

وأما غير الزائدة فأشار إليه بقوله: (ولاضطرارٍ) يعني: في الشِّعر، يعني: تُزاد زيادة غير لازمة لاضطرار، يعني: لسبب ِأو لأجلِ اضطرار في الشعر، (كبنات الأوبرِ).

وَلَقَدْ جَنَيْتُكَ أَكْمُؤاً وَعَسَاقِلاً

وَلَقَدْ نَهَيْتُكَ عَنْ بَنَاتِ الأَوْبَرِ

الأصل: بنات أوبر، بدون (أل)، وهو عَلَم على ضربٍ من الكمأة رديء، بنات الأوبر لأجل الوزن أدخل (أل) بين المضاف والمضاف إليه، حينئذٍ نقول: الأوبر هذا محلىً بـ (أل)، و (أل) هذه زائدة وليست بمعِّرفة؛ لأن أوبر هذا علم.

وذهب المبرِّد أن (بنات أوبر) ليس بعلم، وإذا لم يكن علم حينئذٍ (أل) تكون عنده معرِّفة غير زائدة، أصلية.

(كَذَاَ وَطِبْتَ الَّنفْسَ) يعني: مثل ذلك الاضطرار، والحكم بزيادتها إذا دخلت (أل) على التمييز، وهو واجب التنكير عند البصريين بخلاف الكوفيين.

(وَطِبْتَ الَّنفْسَ يَا قَيْسُ) كما جاء في قول القائل:

رأيتُك لما أنْ عرفتَ وُجوهَنا

صَدَدتَ وَطِبْتَ النَّفْسَ يَا قَيْسُ عَنْ عَمْروِ

(وَطِبْتَ النَّفْسَ) وطبت نفساً، اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً، نقول: هذا مثله، وطبت نفساً: هذا تمييز، والأصل فيه أنه نكرة كما سيأتي، وعلى مذهب الكوفيين من جواز وقوع التمييز معرفةً؛ (أل) حينئذٍ لا تكون زائدة.

كَذَاَ وَطِبْتَ النَّفْسَ يَا قَيْسُ السَّرِي، (السَّرِي) هذا الشريف تتميم للبيت، وليس من أصل التعريف.

إذاً الزائدة نقول: إما لازمة كالتي في علمٍ وقارنت وضعه، هكذا قيَّده ابن هشام في التوضيح، كاللاتي والعُزى واليسع، أو في إشارة: وهو الآن وفاقاً للزجَّاج والناظم، أو في موصولٍ وهو (الذي) و (التي) وفروعهما؛ لأنه لا يجتمع تعريفان، هذه العلة في الحكم على (أل) بأنها زائدة.

وهذه معارفٌ بالعلمية في (اللاتي)، والإشارة في (الآن)، والصلة في (الذين) ثم (اللاتي)، وإما عارضة، إما خاصة بالضرورة كـ (بنات الأوبر)، و (طبت النفس)، وإما للمح الأصل كما سيأتي.

قال رحمه الله تعالى:

وَبَعْضُ الَاعْلَامِ عَلَيْهِ دَخَلَا

لِلَمْحِ مَا قَدْ كَانَ عَنْهُ نُقِلَا

كَالفَضْلِ وَالْحَارِثِ وَالنُّعْمَانِ

فَذِكْرُ ذَا وَحَذْفُهُ سِيَّانِ

وَبَعْضُ الَاعْلَامِ: لا كل الأعلام.

بَعْضُ الَاعْلَامِ هذا مبتدأ.

دَخَلَا: خبر.

ص: 23

عَلَيْهِ: جار وجرور متعلق بقوله دَخَلَا، وهنا قال: دَخَلَا، ولم يقل: دخلت، مراعاة للفظ (أل)؛ لأنه مُذكر، أي: دخلت ولكنه ذكر الفعل أي الحرف باعتبار الحرف، وإلا الأصل أن يقول: دخلت.

(وَبَعْضُ الَاعْلَامِ عَلَيْهِ دَخَلَا) نقيد الأعلام بكونها منقولة، لأن العلم كما سبق منه منقول ومنه ذو ارتجال، والحكم هنا خاص بالمنقول، ولا تدخل (أل) التي للمح الصفة على المرتجل أبداً، من أين نأخذ كونها منقولة؟ من قوله: مَا قَدْ كَانَ عَنْهُ نُقِلَا: يعني عن الوصف الذي نُقِل عنه قبل العلمية، فدل على أن الحكم هنا خاصٌ بالأعلام المنقولة، وأما المرتجلة فلا دخل لها، وبعض الأعلام المنقولة لقوله:(نقلا) عليه دخلا، حينئذٍ فلا يكون في المرتجلة.

دَخَلَا لِلَمْح: جار ومجرور متعلق بقوله دَخَلَا، دَخَلَا: الألف للإطلاق، لِلَمْح، ما المراد بِلَمْح؟ المراد به ملاحظة، يعني: من أجل أن يُلحظ معنىً، هذا المعنى هو الذي نُقلَ منه اللفظ إلى العلمية، (عبَّاس) قبل جعله علماً هو وصفٌ مأخوذ من العبوسة، عبوسة الوجه، حينئذٍ إذا جُعِل علماً تَجرد عن هذا المعنى، ليس كأعلام النبي صلى الله عليه وسلم، أو كأعلام الرب جل وعلا تدل على معانيها؛ لا، صار مُجرَّداً، مثل غلام؛ جامد، لكن لو رأى شخصاً اسمه عباس، ورأى أنه عابس الوجه، حينئذٍ إذا أراد أن يدل على أن الاسم قد وافق مُسمَّاه الذي نُقل عنه في الأصلٍ قال: جاء العباس، مشيراً إلى أن المعنى الذي نُقِل منه لفظ عباس قبل العلمية موجود في المسمَّى، حينئذٍ إذا أُريد أن هذا المعنى موجود ولا زال في مُسمّاه جيء بـ (أل)، وإلا فحينئذٍ فنقول: الأصل عدم دخولها على الأعلام، هذا هو الأصل ولو كانت منقولة، لكن إذا أُريد بها معنىً غير التعريف - لأنها معرفة بالعلمية - وهو الإشارة إلى المعنى أو الوصف الذي نُقِل منه العلم؛ إذا أُرِيد به بعد العلمية أن يشار إليه -لذلك المعنى السابق- جيء بـ (أل) وتسمى (أل) للمح الوصف، أو للمح المعنى الذي نقل عنه قبل العلمية.

لِلَمْحِ: أي: ملاحظة.

مَا: أي: المعنى الذي قد كان ذلك البعض عَنْهُ نُقِلَا: نقل عنه، الألف للإطلاق، و (عنه) هذا متعلق بقوله نُقِلَا، أي لأجل ملاحظة الوصف الذي كان عنه نقلا ذلك البعض؛ لأن الكلام في بعض الأعلام لا في كلها.

وذلك أن العلم المنقول مما يقبل (أل) .. هذا شرطٌ زاده كثير من الشُراح، وإن أطلق الناظم هنا، وذلك أن العلم المنقول مما يقبل (أل) قد يُلمَح أصلُه، يعني: قبل العلمية، يُلمح أصله، يعني: يلاحظ أصله الذي نُقِل عنه، فتدخل عليه (أل)، وأكثر وقوع ذلك في المنقول عن صفةٍ كالحارث، الحارث، هذا أنه يحرُث ويعيش، فإذا أردت في رجل اسمه حارث وترى أن عنده همة وهو يسعى الخ، وقلت: جاء الحارث، حينئذٍ نقول: وافق الاسم المُسمِّى، أُشير إلى المعنى الذي سُلب عنه أصلاً؛ لأن هذا العلم منقول عن ذلك المعنى، وأن ذلك المعنى موجود في مسمى هذا العلم؛ إحالةً على الأصل.

ص: 24

وأكثر ما يكون أو وقوع ذلك في المنقول عن صفةٍ، كحارثٍ، وقاسم، وعباس، وضحَّاك، أو من مصدرٍ: كفضلٍ، أو اسم عين كنعمان، فإنه في الأصل اسمٌ للدَّم، والباب كله سماعي، الباب هذا كله سماعي، فلا يجوز في محمد، وصالح، ولم تقع في نحو يزيد، ويشكر؛ لأن أصله الفعل لا يقبل (أل).

ولذلك نقول في الأعلام المنقولة مما يقبل (أل)، فلو نُقِلَت الجملة الفعلية، أو الفعل وسمِّي به أحمد هل يجوز دخول (أل) التي للمح الصفة تقول: جاء الأحمد؟ لا يصلح هذا، حينئذٍ نقول: يشترط في العلم المنقول أن يصح دخول (أل) عليه قبل العلمية، وقبل العلمية أحمد ويشكر ويزيد، لا يصح دخول (أل) عليه، أما عبَّاس وفضل وحارث الأصل أنها أسماء، ويجوز دخول (أل) عليها ولو لم تكن أعلام، فلما نقلت إلى العلمية، وأُريد الإشارة إلى المعنى السابق حينئذٍ دخلت عليه (أل).

(وَبَعْضُ الأعْلَامِ) إذاً بعضها والمراد بها الإعلام المنقولة، فخرج غير المنقول كسعاد، وأُدَد، لا يقال: السعاد، ولا الأُدَد، لماذا؟ لكون (أل) لا تدخل إلا للمح الصفة، وهذا ليس فيه صفة أصلاً، ليس منقولاً.

والمنقول عما لا يقبل (أل) كـ (يزيد) و (يشكر).

(وَبَعْضُ الأعْلَامِ) منقولة فلا يكون في المرتجلة.

دَخَلَا عليه، دخل: هذه الجملة خبر قلنا، لِلَمْحِ: جار ومجرور متعلق بقوله دخل، (مَا): لِلَمْحِ مَا: أي الوصف، أو المعنى، (قَدْ كَانَ) ذلك البعض؛ الأعلام المنقولة، (نُقِلَا) عَنْهُ في السابق كَالفَضْلِ، وذلك كَالفَضْلِ مصدر، والفضل المراد به الزيادة، حينئذٍ إذا سُمِّي فضلٌ وقيل: الفضل، جاء الفضل الذي عنده الزيادة والبركة في الكلام والعلم ونحو ذلك فلا بأس، وَالْحَارِثِ: هذا صفة، وَالنُّعْمَانِ: اسم عين.

فَذِكْرُ ذَا وَحَذْفُهُ سِيَّانِ

فَذِكْرُ ذَا: أي (أل) التي هي للمح الصفة، يقول ابن مالك: ذكره وحذفه سيان، هل يسلَّم له بأنهما بمعنى واحد، يستوي الحذف والذكر، هل يستويان الحذفُ والذكر؟ نقول: نعم، ولا.

أما باعتبار التعريف فهما سيان؛ لأن عباس والعباس كلاهما علمٌ، وهل (أل) أثرت العلمية؟ لا، هل أثرت التعريف؟ لا، إذاً عباس قبل (أل) والعباس بعد (أل) من حيث التعريف لا فرق بين ذكر (أل) وحذفها.

وأما باعتبار المعنى ولمح الصفة التي نقل عنها اللفظ: هل هما سِيَّان؟ الجواب: لا، إذاً ليس حذفها كذكرها، ولذلك اعترض على الناظم، ولكن مراد الناظم والله أعلم هو المعنى الأول، لأنه يتكلم عن (أل) المُعرفة؛ لذلك قال:(أل) حَرْفُ تَعْرِيْفٍ، وصَدَّر الباب بماذا؟ قال: المُعرَّف بأداة التعريف، حينئذٍ لا اعتراض على الناظم؛ لأنه قال: أن (أل) قد تكون حرف تعريف، وقد تكون زائدةً، والزائدة قد تكون لازِمة، وقد تكون غير لازِمة، وغير اللازمة قد تكون لاضطرار، وقد تكون لغير اضطرار كما هو في لَمْحِ الصفة؛ لأنه لست مُضطراً إليه، إن شئت قلت: عباس أو العباس، ولك أن تعبر عن المعنى الآخر بجملة مركبة لا تدل عليها (أل).

ص: 25

حينئذٍ ذكر (ذا)(أل) التي للمح الصفة وحذفها باعتبار التعريف سيان، لا فرق بينهما، وأما باعتبار لمح الوصف، المعنى الذي دلت عليه حينئذٍ نقول: لا، ثَم فرق بينهما، فذكر (أل) له معنى قد لا يدل عليه حذفها.

فَذِكْرُ (ذَا) أي: (أل)، والمعنى أنه سيانِ، أي: لا يفيد تعريفاً، هكذا نفسر كلام الناظم، وهذا هو الظاهر، ولا نتحامل عليه.

أنه (سيانِ) أي: لا يفيد تعريفاً سواء ذُكرت (أل) أم لا، أما من ناحية المعنى ففيها معنى وهو: ملاحظة الأصل، وإنما المنفي هنا هو التعريف، وليس المعنى الذي دلت عليه (أل) السابقة. فذكر (ذا)(أل)، وحذفه (أل)؛ سيانِ بالنسبة للتعريف لا مطلقاً.

وَقَدْ يَصِيرُ عَلَماً بِالْغَلَبَهْ

مُضَافٌ اوْ مَصْحُوبُ أَلْ كَالعَقَبَةْ

وَحَذْفَ أَلْ ذِي إِن تُنَادِ أَو تُضِفْ

أَوْجِبْ وَفِي غَيْرِهِمَا قَدْ تَنْحَذِفْ

هذا المراد به العلم بالغلبة، ولذلك ابن هشام رحمه الله تعالى قال: الأصل أن يوضع هذا في باب العلم، فيقال: العلمُ قسمانِ: علمٌ بالوضع، وعلم بالغَلَبة، حينئذٍ وضعه هنا من باب الاستطراد.

(وَقَدْ يَصِيرُ عَلَماً بِالْغَلَبَهْ)(قد) يصير، (قد) هذه للتقليل، أو التحقيق، يحتمل هذا ويحتمل ذاك، لكن العلم بالغلبة بالنسبة للموضوع قليل، وإن كان في نفسه قد يكون كثيراً، فالقلِّة والكثرة قد تكون نسبية.

(وَقَدْ يَصِيرُ مُضَافٌ عَلَماً بِالْغَلَبَهْ) مضاف هذا ما إعرابه؟ يَصِيرُ: هذا فعل مضارع من صارَ، وصارَ: أخت كان، فتعمل عملها، فحينئذٍ ترفع المبتدأ على أنه اسم لها، وتنصب الخبر على أنه خبر لها.

(وَقَدْ يَصِيرُ مُضَافٌ عَلَماً)(علماً) هذا خبر (يَصِيرُ) مقدَّم، و (مُضَافٌ) هذا: اسمها.

(وَقَدْ يَصِيرُ) مفهومه أن العلمية طرأت عليه، أليس كذلك؟ مفهومه قَدْ يَصِيرُ، إذاً قبل ذلك ليس علماً بالغلبة، إذاً العلمية طارئة عليه، وهذا مأخوذ من الفهم.

(وَقَدْ يَصِيرُ عَلَماً) على بعض مسمَّياته (مُضَافٌ).

وَقَدْ يَصِيرُ عَلَماً بِالْغَلَبَهْ، هذا جار ومجرور متعلق بـ (يصير) علماً، (يصير علماً بالغلبة) أي: أن يغلب اللفظ على بعض أفراد ما وضع له، وإن شئت قل: ذو الغلبة: كل اسمٍ اشتهر به بعض أفراد معناه، كذا عرَّفه المَكُوْدِي.

كل اسم اشتهر به بعض أفراد معناه، حينئذٍ اللفظ في أصل وضعه يكون عامّاً يصدق على أفرادٍ متعددة، فإذا اشتَهر ببعض الأفراد دون بعض صار علماً بالغلبة، كل اسم اشتهر به بعض أفراد معناه، ابن عمرَ، ابن عمر هذا لا يصدق على عبد الله فحسب، كل من كان ابناً لعُمَر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - فيصْدُق عليه، نقول: هذا ابن عُمَر، وهذا ابنُ عُمَر، وهذا ابن عمر، إذاً هو صادق على الكُل على الجميع، لكنه اشتهر في البعض بحيث إذا أطلق انصرف إلى عبد الله، فإذا قيل: ابن عمر .. قال: ابن عمر؛ تقول: ابن عمر من هذا؟ المراد به عبد الله بن عمر، إذاً صار لفظ ابن عمر - وهو مضاف- صار علماً بالغلبة، ما وجهه؟ نقول: كونه مضافاً إلى ما بعده، وهو اسمٌ في أصل وضعه؛ بالنظر إلى الوضع اللغوي الفصيح، نقول: يصدق على كل مفرداته، لكنه اشتهر في بعض الأفراد.

ص: 26

المدينة: بـ (أل)(مُضَافٌ أوْ مَصْحُوبُ ألْ كَالعَقَبَةْ) المدينة الأصل في المدينة يطلق على كلِ مدينة، لكنه اشتهر صدقها على مدينة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حينئذٍ نقول: المدينة إذا أطلق انصرف على بعض الأفراد مع صدقه في اللغة على كل فردٍ يدخل تحته.

كل اسم اشتهر به بعض أفراد معناه، وهو على ضربين نوعين: مضافٌ: كابن عمر، وذو أداةٍ كالمدينة، والنابغة، والأعشى، والعَقَبة، كما مثَّل الناظم، وهذا النوع تعرَّف قبل الغلبة بالإضافة أو بـ (أل) ثم غلبت عليه الشهرة فصار علماً وأُلغي التعريف السابق، هكذا علله المكودي.

وَقَدْ يَصِيرُ عَلَماً بِالْغَلَبَهْ

مُضَافٌ اوْ مَصْحُوبُ أَلْ كَالعَقَبَةْ

(أل) هنا نقول: زائدة، أو مُعَرِّفة؟

زائدة لأننا في سياق بيان أنواع (أل) الزائدة، قلنا:(أل) الزائدة غير اللازمة تكون اضطرارية، وتكون لغيره، منها: أن تكون للمح الصفة، ومنها: أن تدخل على ما هو علم بالغلبة.

ولذلك الشاهد من هذه المسألة ذكرها في باب (أل)(مُضَافٌ أوْ مَصْحُوبُ ألْ): (مصحوب أل)، حينئذٍ صارت (أل) هنا تُفيد العلمية بالغلبة، لكنها زائدة.

ولذلك قال المكودي: وهذا النوع تعرَّف قبل الغلبة، هو مَعْرِفة قبل كونه علماً بالغلبة، بالإضافة أو بـ (أل)، ثم غلبت عليه الشهرة فصار علماً، وأُلغي التعريف السابق، إذا قلت ابن عمر، قبل أن يشتهر على عبد الله هو مَعْرِفة أو لا؟ مَعْرِفة، إذاً قبل كونه علماً بالغلبة هو مَعْرِفة، وإذا قلت: مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم مَعْرِفة أو لا؟ مَعْرِفة؛ لأنه أُضيف إلى رسول، ورسول أُضيف إلى لفظ الجلالة فاكتسب التعريف، فهو مَعْرِفة قبل جعله علماً.

مِن المعرَّف بالإضافة أو الأداة ما غَلَب على بعض من يستحقه حتى التحق بالأعلام، كابن عباس، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عمرو بن العاص؛ غلبت على العبادلة دون غيرهم.

والثاني: كالنجم للثريا، والعقبة، والمدينة، والأعشى.

(وَقَدْ يَصِيرُ عَلَماً بِالْغَلَبَهْ) أي: غلبة الاستعمال، (مضافٌ) هذا اسم يصير كابن عمر، (أو مصحوب أل) الزائدة غير اللازمة، (كالعقبة) يعني: أن (أل) التي للغلبة، هذه إذا دخلت على الاسم المعرَّف قبل جعله علماً، وغلب على بعض أفراده؛ نحكم على (أل) بأنها للغلبة، سمَّاها هكذا أكثر النُحاة على أنها للغلبة، لكنها زائدة، مثلما نقول:(أل) للمح الصفة، إذا قيل:(أل) للمح الصفة؛ صار لها معنىً غير التعريف، وإذا قلنا:(أل) التي للغلبة - أظن ابن عقيل سماها كذلك - حينئذٍ نقول: أفادت غلبة العلمية.

وَحَذْفَ أَلْ ذِي إِن تُنَادِ أَو تُضِفْ

أَوْجِبْ وَفِي غَيْرِهِمَا قَدْ تَنْحَذِفْ

(وَحَذْفَ أَلْ ذِي)(ذِي) يعني: المتأخرة التي هي للغلبة.

وَحَذْفَ أَلْ ذِي إن تُنَادِ مدخولها أَو تُضِفْ أوْجِبْ، (أوجِبْ) هذا فعل أمرٍ، (وَحَذْفَ) المتقدِّم هذا منصوب له.

(أوْجِبْ) حذف (أل ذي) الأخيرة (إن تنادِ) مدخولها (أو تُضف) يعني: تضفه؛ لأن أصلها المعرِّفة -في الأصل- لأن أصلها المعرِّفة، فلم تكن بمنزلة الحرف الأصلي اللازم أبداً، حينئذٍ لزومها ليس أبديّاً، بمعنى أنها زائدة غير لازمة.

ص: 27

(وَفِي غَيْرِهِمَا) يعني: في غير النداء والإضافة، (قَدْ تَنْحَذِفْ) وهذا للتقليل، أفاد التقليل.

قال ابن عقيل: من أقسام الألف واللام أنها تكون للغلبة، سمّاها للغلبة، نحو: المدينة، والكتاب، فإن حقهما الصدق على كل مدينة، وعلى كل كتاب، لكن غَلَبت المدينة على مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، والكتاب على كتاب سيبويه رحمه الله، حتى إنهما إذا أُطلقا لم يتبادر إلى الفهم غيرهما.

وحُكْم هذه الألف واللام أنها لا تحذف إلا في النداء، أو الإضافة، بل هو واجب، لا تحذف إلى في كذا، يعني: يجب حذفها مع المنادى، والإضافة، فتقول: يا صَعِقُ! هذه مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجب حذفُها مع الإضافة، نحو: يا صَعِقُ! في الصعقِ، وهذه مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تحذف في غيرهما شذوذاً، سُمِع من كلامهم: هذا عَيُّوقُ طالعاً، عَيُّوق لم يضف ولم ينادَى، والأصل فيه: العَيُّوْق: وهو اسم نجمٍ، حينئذٍ العيوق: الأصل أن يبقى بـ (أل)؛ لأنها للغلبة، صار علماً بالغلبة.

قال: هذا عيوق طالعاً، لم يُضَفْ ولم ينادَى، فحذفت (أل)، حينئذٍ نقول: هذا الحذف شذوذ ولا يقاس عليه، وقد يكون العلم بالغلبة أيضاً مضافاً كابن عمر، وابن عباس؛ فإنه غلب على العبادلة دون غيرهم من أولادهم، وإن كان حقُّه الصدقَ عليهم، لكن غلب على هؤلاء حتى إنه إذا أطلق ابن عمر لا يفهم منه غير عبد الله، وكذا ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين، وهذه الإضافة لا تفارقه لا في نداء، ولا في غيره، يا ابن عمر!

ولذلك قال:

وَحَذْفَ أَلْ ذِي إِن تُنَادِ أَو تُضِفْ

أَوْجِبْ .................

وأما المضاف فمع المنادى .. ولو أضيف إلى غيره نقول: هذا يبقى على أصله، فهو علم بالغلبة، وباقٍ على أصله، (وَقَدْ يَصِيرُ عَلَماً بِالْغَلَبَهْ)(يصير) مفهومه أن العلمية طَرَأَتْ عليه، وأن التعريف بالإضافة والأداة سابق للعلمية.

(مُضَافٌ أوْ مَصْحُوبُ ألْ) لهذين النوعين، وهما نوعان للعلم بالغلبة، ثم بيَّن أن حذف (أل) من العَلَمْ بالغلبة يجب إذا نُودِيَت الكلمة، أو أُضيفت، وأما إذا لم يكن كذلك فالحذف يكون شاذاً، والله أعلم.

بهذا انتهى كلام المصنف في الأحكام الإفرادية، قلنا: من أول قوله: كَلَامُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ إلى هنا: وَحَذْفَ (ألْ) هذه مقدمة، المعارك تبدأ من قوله:(مبتدأٌ زيدٌ) التطبيق النحوي؛ الأحكام التركيبة تبدأ من قوله: (مبتدأٌ زيدٌ) أما قبله كله تمهيد.

وصلى الله وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين

!!!

ص: 28