الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* فائدة الأصل في المرفوعات
* شرح الترجمة (الإبتداء) ـ
* القسم الأول: مبتدأله خبر
* القسم الثاني: مبتدأ لا خبر له وشروطه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال الناظم رحمه الله تعالى: "الاِبْتِدَاء".
مُبْتَدَأٌ زَيْدٌ وَعَاذِرٌ خَبَرْ
…
إِنْ قُلْتَ زَيْدٌ عَاذِرٌ مَنِ اعْتَذَرْ
هذا شروع منه في الأحكام التركيبية، فكل ما سبق من أول المنظومة إلى آخر بيت وقفنا عنده في آخر المعرف بأداة التعريف، هذا متعلق بالأحكام الإفرادية، يعني الكلمات من حيث هي، ولذلك الأصل في البحث في الأسماء الستة والمثنى والجمع وجمع التكسير الأصل فيه أنها من مباحث الصرفيين وليس من مباحث النحاة، ولكن لما كانت الحاجة لازمة لمعرفة الحكم الذي يقال فيه بأنه مثنى ويرفع بالألف كانت الحاجة ماسة أن تذكر هذه المسائل في باب النحو وحينئذٍ انتقلت إلى فن النحو وإلا فالأصل هي من مباحث الصرفيين؛ لأن البحث عن أحوال الكلمة من حيث الإفراد هذا هو بحث الصرفي، والبحث عن الكلمة من حيث التركيب هذا هو بحث النحوي، ولذلك قلنا في حد النحو الشامل لنوعي الصرف والنحو الخاص: أنه علم بأصول يعرف بها أحوال الكلم إفراداً وتركيباً، إفراداً هذا ما يتعلق بجوهر الكلمة من حيث هي، كيف تثنى، كيف نأتي بها إذا أردنا أن نضعها في تركيب يفيد أنها مرفوعة أو أنها منصوبة، جمع المذكر السالم كيف يكون، كذلك جمع التكسير، الأسماء الستة .. إلى آخره، نقول: هذه الأصل فيها والبحث فيها يكون في فن الصرف، لأن متعلقها إفراد -مفرد- حينئذٍ النحو خاص بالتراكيب، وإذا أردنا أن يكون النحو خاصاً بالمصطلح الخاص عند المتأخرين حينئذٍ نقول: النحو هو علم بأصول يعرف بها أحوال أواخر الكلم إعراباً وبناءً، والإعراب والبناء إنما يكون في حال التركيب لا قبل التركيب كما سبق بيانه.
والابتداء، نقول: هذا شروع من الناظم رحمه الله تعالى في الولوج في أصول النحو؛ لأنه سيبين لنا أصل بل أصول متعلقة بالجملة الاسمية، متى يكون اللفظ مبتدأً، وما حكمه، وأقسام المبتدأ وأقسام الخبر، ومتى يجوز حذف كل منهما، ومتى يجب .. إلى آخره، فيما يأتي بيانه في المسائل التي نظمها رحمه الله تعالى.
إذاً: هذا شروع منه في الأحكام التركيبية، والتركيب المفيد إما جملة اسمية وإما جملة فعلية، هذا كما سبق أن الجملة نوعان: جملة اسمية؛ وهي ما صدرت باسم، وجملة فعلية؛ وهي ما صدرت بفعل.
ومن الجملة الاسمية اسم الفعل مع مرفوعه، هيهات العقيق قلنا: هذه جملة اسمية؛ لأن هيهات هذا اسم فعل ماضي، وإذا كان كذلك حينئذٍ صار مُصَدَّرَاً أو صارت هذه الجملة مُصَدَّرةً باسم، وإذا كانت مصدرة باسم حينئذٍ نحكم عليها بكونها جملة اسمية.
وكذلك من الجملة الاسمية: الوصف مع مرفوعه المغني عن الخبر، وهذا يدخل في بحثنا: الوصف مع مرفوعه المغني عن الخبر، أقائم الزيدان، وهذا وإن كان في قوة، أيقوم الزيدان -قوة الفعل-؛ لأن اسم الفاعل من حيث اللفظ هو اسم، ومن حيث المعنى هو فعل، وحينئذٍ: أقائم الزيدان، هل هو جملة فعلية أم أنها جملة اسمية؟ نقول: العبرة هنا باللفظ وليس العبرة بالمعنى والعمل، وإن رفع فاعلاً، والاسم في الأصل أنه لا يرفع فاعلاً، لكن نقول هنا: رفع فاعلاً واعتبرناه جملة اسمية، كما أن هيهات العقيق، هيهات اسم ورفع فاعلاً.
إذاً: الوصف مع مرفوعه المغني عن الخبر هذا يعتبر جملة اسمية.
والجملة الفعلية يدخل فيها كذلك الجملة الندائية: يا زيد، وهذا كما سبق أن الفارسي يرى أن هذه الجملة مركبة من حرف واسم، والصواب أنها مركبة من فعل وفاعل والمفعول الذي هو المنادى، وحينئذٍ: يا زيد أصلها: أنادي أو أدعو زيداً، فأصل الجملة جملة فعلية، وحينئذٍ تحسب في ضمن الجملة الفعلية.
هنا قدم أحكام المبتدأ على أحكام الفاعل تبعاً لسيبويه، فإنه قدم ما يتعلق بالمبتدأ على ما يتعلق بالفاعل، وبعضهم يقدم الفاعل، وبعضهم يقدم المبتدأ، هذا نزاع بين النحاة، أيُّ النوعين أولى بالتقديم؟ هل نقدم المبتدأ وأحكامه وهو مرفوع؟ أو نقدم الفاعل وأحكامه وهو كذلك مرفوع؟
سبب الخلاف في التقديم والتأخير هو خلاف آخر وهو: ما هو الأصل في المرفوعات؟ لا شك أن المرفوعات هذا يعتبر من إعراب العمد، العُمد التي هي الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر، الفعل الذي هو الفعل المضارع المجرد عن ناصب وجازم، وحينئذٍ نقول: أصل المرفوعات هل هو الفاعل أم أنه المبتدأ؟ فمن رجح أنه الفاعل حينئذٍ قدم أحكام الفاعل لأنه أصل والمبتدأ فرع، ومن رجح أن المبتدأ أصل المرفوعات حينئذٍ قدم المبتدأ وأحكامه على الفاعل.
إذاً: هذا التقديم والتأخير، فإن كان في ظاهره أنه من جهة التصنيف وترتيب المسائل إلا أنه مبني على أصل مختلف فيه عند النحاة، أيُّ هذا النوعين أصل في بابه، هل هو المبتدأ أو الفاعل؟ قيل: المبتدأ أصل المرفوعات، ووجهه: أن المبتدأ مبدوء به الكلام، وأنه لا يزول عن كونه مبتدأً وإن تأخر، ابتدئ به الكلام بخلاف الفاعل، الفاعل تقول: قام زيد، لم يبتدأ به الكلام وحينئذٍ جاء في المرتبة الثانية. قام زيد، زيد قائم، أيهما ابتدئ به في الكلام؟ الافتتاح، افتتح بماذا؟ بالمبتدأ، وأما الفاعل فلا يكون إلا بعد فعل، ولا يجوز تقديمه عند البصريين.
وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعِلٌ فَإِنْ ظَهَرْ
…
فَهْوَ وَإِلَاّ فََضَمِيرٌ اسْتَتَرْ
إذاً: كون المبتدأ مبدوءاً به في الكلام وأنه يكون مبتدأً وإن تأخر بخلاف الفاعل؛ فإنه يكون متأخراً، وإذا تقدم على عامله انتقل من كونه فاعلاً إلى كونه مبتدأً، حينئذٍ بتقدمه وتأخره زال عنه الوصف وثبت له الوصف، يثبت له إذا تأخر، ويزول عنه إذا تقدم، أما المبتدأ فلا، تقدم أو تأخر فهو مبتدأ، زيد أخوك، أخوك زيد، فنقول: تقدم أو تأخر، حينئذٍ لا يزول عنه وصف المبتدأ، بخلاف الفاعل.
وأنه عامل ومعمول، هو عامل في الخبر، كَذَاكَ رَفْعُ خَبَرٍ بِالْمُبْتَدَا.
وهو معمول للابتداء، فهو عامل ومعمول، والفاعل الأصل فيه أنه معمول فحسب، والفاعل معمول ليس غيره.
وقيل: الفاعل أصل، الفاعل هو الأصل في المرفوعات؛ لأن عامله لفظي، قام زيد، زيد: هذا مرفوع، ورفعه بالفعل، والفعل لفظي وهو الأصل في العمل، العمل وهو الأصل في الأفعال، وهو أقوى، وعامل المبتدأ معنوي فهو أضعف، وهو أضعف.
على كلٍ؛ هل ينبني على هذا الخلاف ثمرة؟ الجواب: لا. الخلاف في هذه المسألة مما لا طائل تحته، إلا اللهم من جهة الإعراب؛ وهو أنه إذا جاء لفظ مرفوع يحتمل أنه مبتدأ تقدر له خبراً محذوفاً، ويحتمل أنه فاعل لفعل محذوف، إن قلت: الأصل هو المبتدأ حينئذٍ جعلته خبراً لمبتدئٍ محذوف، وإن كان الأصل هو الفاعل حينئذٍ قدرت له فعلاً محذوفاً، أما من جهة ما يتعلق بالمعاني فلا.
الابتداء، قال رحمه الله: الابتداء. لم يقل المبتدأ وإن كان هو يريد المبتدأ، وحينئذٍ الابتداء هذا أمر معنوي، هل يريد العامل الذي هو يعمل في المبتدأ، أم يريد من باب إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول الذي هو المبتدأ به؟ يحتمل هذا ويحتمل ذاك، لكن قيل: قال الابتداء ولم يقل المبتدأ؛ لأن الابتداء يستدعي مبتدأً، لأنه إذا قيل ابتداء عامل، يعمل في ماذا؟ لا يعمل إلا في مبتدأٍ، إذا هو لزم منه مبتدأ، والمبتدأ يستدعي ماذا؟ يستدعي خبراً.
إذاً: بإطلاق لفظ الابتداء استدعى مبتدأً، والمبتدأ يستدعي خبراً؛ لأن الابتداء يستدعي مبتدأً وهو يستدعي خبراً، أو ما يسد مسده غالباً، فأطلق الابتداء وأراد ما يلزمه مباشرة وهو المبتدأ، أو بواسطة وهو الخبر.
"الابْتِدَاء": المبتدأ يقال: المبتدأ به، هذا هو الأصل فيه، مبتدأ به؛ لأنه اسم مفعول، فإذا كان كذلك حينئذٍ أين ذهب الضمير؟ قالوا: هذا من باب الحذف والإيصال، يعني حذف حرف الجر واتصل الضمير، يعني استكن اتصل باسم المفعول فصار مبتدأً، أي: مبتدأً به.
المبتدأ له حدود، من أشملها وأحسنها أن يقال: هو الاسم العاري عن العوامل اللفظية غير المزيدة أو الزائدة مخبراً عنه أو وصفاً رافعاً لمستغنىً به، الاسم العاري عن العوامل اللفظية غير المزيدة، وزاد بعضهم: أو شبهها لإخراج رُبَّ، مخبراً عنه أو وصفاً رافعاً لمستغنى به.
قوله: الاسم هذا جنس أدخل وأخرج، أخرج ماذا؟ أخرج الفعل، فلا يكون الفعل مبتدأً من حيث معناه، وأخرج الحرف فلا يكون الحرف مبتدأً من حيث معناه.
إذاً: المبتدأ خاص بالأسماء، فلا يكون مبتدأ إلا وهو اسم، وقلنا: الفعل لا يكون مبتدأ إذا قصد معناه، وأما إذا قصد لفظه فحينئذٍ جاز أن يكون مبتدأً، كما في قولنا: ضرب فعل ماض، وضرب هذا فعل في الأصل إذا اعتبر معناه، وأما إذا اعتبر لفظه فهو اسم، صار مبتدأً وأخبر عنه بقولنا: فعل ماض.
كذلك الحرف إذا قصد معناه نقول: هذا حرف، ولكن يكون ذلك في التركيب، وإذا قصد لفظه حينئذٍ صار علماً وصار مبتدأً إذا أسند إليه خبر.
إذاً: الاسم أخرج الفعل والحرف إذا قصد معناهما، وأما إذا قصد لفظهما فحينئذٍ هما اسمان فيدخلان في الحد معنا.
الاسم يشمل ماذا؟ إذاً أخرج الفعل والحرف، وأدخل الاسم بنوعيه: الاسم الصريح والمؤول بالصريح، الاسم الصريح هو الذي لا يحتاج في جعله مبتدأً إلى تأويل، مباشرة تلفظ به، زيد نطقت به، زيد أخوك، زيد كريم، فزيد هذا اسم صريح، يعني نطق به وهو اسم ظاهر.
وأما المؤول بالصريح؛ فهو ما دخلت عليه (أن) بأن يكون ثَمَّ مضارع وتدخل عليه (أن) فحينئذٍ نقول: (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر، وهذا المصدر قد يقع مبتدأ، وقد يقع فاعلاً، وقد يقع خبراً؛ فإذا كان واقعاً مبتدأً حينئذٍ صار اسماً مؤولاً بالصريح، يعني هو في نفسه في لفظه ليس باسم فضلاً عن أن يكون اسماً صريحاً، ولكن بالتأويل بأن جعل مكان (أن) وما دخلت عليه مصدر وهذا المراد بالسبك؛ حينئذٍ قلنا: هو مبتدأ.،مثاله قوله تعالى:((وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)) [البقرة:184] وأن تصوموا قلنا: هذا مبتدأ، لماذا؛ لأنه وجد الخبر وهو:(خَيْرٌ لَكُمْ) فلما وجد (خَيْرٌ لَكُمْ) عرفنا أن قوله: ((وَأَنْ تَصُومُوا)) [البقرة:184] مبتدأ، وإلا لا نجرأ أن نقول:(أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر هكذا مباشرة، بل أولاً: إذا كان التركيب فيه خبر محكوم به والخبر لا يصلح أن يكون إلا لمبتدئ فحينئذٍ نبحث عن المبتدأ، ولذلك أشكل عليهم قوله في المثل المشهور:(تَسْمَعُ بالمَعِيدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ).
((وَأَنْ تَصُومُوا)) [البقرة:184] هذا لا إشكال فيه، (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مبتدأ، لكن:(تَسْمَعُ بالمَعِيدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ).قلنا: هذا فيه ثلاث روايات: تسمعُ تسمعَ أن تسمعَ، والإشكال في: تسمعُ خيرٌ، خيرٌ هذا خبر، كيف خبر وهو فعل مضارع مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة على آخره؟ قلنا: هذا تأويل باستعانة بالروايات الأخرى حينئذٍ نظرنا فإذا (أن) أصلها داخلة عليه ثم حذفت ورفع الفعل، وإن كان شاذاً؛ إلا أنه في تأويل مصدر سماعك خير، سماعك بالمَعِيدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ، ولذلك سوغ حذفها من الأول وجودها في الثاني.
إذاً: إذا وجد خبر محكوم به في الكلام وثَمَّ فعل وهذا الفعل دخلت عليه (أن) المصدرية وفي ظاهر الكلام أنه محكوم عليه ولا يحكم إلا على الأسماء، وإذا حكم على الاسم دل على أنه مبتدأ ومخبر عنه بالخبر، وجب حينئذٍ تأويل ذلك الفعل (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مبتدأ. ((وَأَنْ تَصُومُوا)) [البقرة:184] أي: صيامكم أو صومكم خير لكم.
((وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ)) [النساء:25] أَنْ تَصْبِرُوا أن: حرف مصدر، وتصبروا: هذا فعل مضارع منصوب بـ (أن)، (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر. مصدر هذا ما إعرابه؟ مبتدأ، وهل إعراب المصدر المنسبك من (أن) وما دخلت عليه إعرابي محلي أو تقديري؟ فيه خلاف، والصحيح أنه إعراب محلي، أنه كالمبنيات؛ لأن التقديري هو ما تعلق بالحرف الأخير فحسب، وأما المبني فهو ما تعلق بجوهر الكلمة، وحينئذٍ:((وَأَنْ تَصُومُوا)) [البقرة:184] نقول: هذا التحليل كونه (أن) وما دخلت عليه هذا من جهة المعنى، وإلا من جهة اللفظ فهو (أن) حرف، وتصوموا أو تصبروا هذا فعل في اللفظ، وحينئذٍ لا يكون محلاً للإعراب. أين الكلمة التي تكون محلاً للإعراب؟ أما صيامكم وصومكم أو صبركم نقول: هذا تحليل من جهة المعنى.
إذاً: الاسم يشمل نوعين: الاسم الصريح، وهو ما لا يحتاج في تأويله إلى مصدر، لا نحتاج، زيد قائم. والاسم المؤول بالصريح هذا كـ: أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ، وكذلك:(تَسْمَعُ بالمَعِيدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ).
الاسم العاري يعني المجرد عن العوامل اللفظية، وهذا أخرج به اسم كان، كان زيد قائماً، زيد هذا اسم مرفوع، ولكنه لم يتجرد عن العوامل اللفظية، والعوامل جمع عامل، و (أل) فيه للجنس المبطلة للجمعية، فلا يقال: إنه لا يكون مبتدأً إلا إذا وجدت فيه ثلاث عوامل؛ لأن أقل الجمع ثلاث
…
أي: جنس العوامل اللفظية، فهي منفية عن المبتدأ، فلا يتقدم المبتدأ عامل لفظي البتة، والعامل اللفظي سبق حده: وهو أنه منا للسان فيه حظ، يعني ينطق به ويلفظ به كالفعل: كان زيد، كان نطقت بها لفظت بها، لم، لن، إن، في، الباء، يقوم، قم، نقول: هذه كلها عوامل لفظية؛ لأنك نطقت بها.
وأما العامل المعنوي وهو ما ليس للسان فيه حظ، يعني: لا ينطق به، وهذا قلنا يشمل نوعين: الابتداء في باب المبتدأ، والذي يأتي معنا، والتجرد في باب الفعل المضارع.
والعامل عرفناه بماذا؟ ما أوجب كون آخر الكلمة على وجه مخصوص من رفع أو نصب أو خفض أو جزم.
إذاً: المجرد أو العاري الاسم الذي عري وخلا وتجرد عن العوامل اللفظية، هذا فيه إشارة إلى أن عامل المبتدأ معنوي وليس بلفظي. هل دخل معنا التجرد عامل الفعل المضارع إذا لم يتقدمه ناصب ولا جازم؟ إذا قلنا: العاري عن العوامل اللفظية دخل معنا الفعل يقوم؛ فإنه عري عن العوامل اللفظية، خرج بالاسم، فلا يرد معنا الفعل المضارع المرفوع بأن عامله ليس لفظياً، بل هو معنوي، نقول: نعم، لكنه خرج بقولنا: الاسم.
إذاً: العاري عن العوامل اللفظية، أي: المجرد مخرج لنحو الفاعل ونائبه؛ فإنه لم يعر عن العوامل اللفظية. قام زيد، زيد هذا اسم صريح مرفوع لكنه لم يتجرد عن العامل اللفظي وهو قام، كان زيد وزيد هذا اسم صريح مرفوع لكنه لم يتجرد عن العامل اللفظي فلا يكون مبتدأً. ضُرِبَ زيدٌ، زيد هذا اسم صريح مرفوع لكنه ليس مبتدأً لأنه لم يتجرد عن العامل اللفظي وهو ضُربَ.
ومدخول النواسخ والخبر و (أل) في العوامل للجنس واللفظية نسبة إلى اللفظ، والمراد اللفظية تحقيقاً أو تقديراً لتدخل العوامل المقدرة لتشمل العوامل المقدرة، فهي منفية؛ لأنه إذا قيل: من قام؟ قال: زيد، زيد فاعل لفعل محذوف، هنا اسم عري عن العوامل اللفظية تحقيقاً، لكنه لم يعر عن العوامل اللفظية تقديراً، حينئذٍ خرج بقولنا: العاري عن العوامل اللفظية، سواء كانت منطوقاً بها تحقيقاً أو كانت مقدرة، فاللفظ شامل للنوعين. من جاء؟ زيد، نقول: جاء زيد، زيد هذا اسم عري عن العوامل اللفظية في اللفظ، لكنه في الحقيقة لم يعر، لماذا؟ لأنه فاعل لفعل محذوف مقدر.
وقيد العامل باللفظ بناءً على أن عامل المبتدأ معنوي وهو الابتداء كما سيأتي.
غير الزائدة .. -عن العوامل اللفظة غير الزائدة- احترازاً مما لو دخل على المبتدأ حرف جر زائد، نحو: بحسبك درهم، ((هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ)) [فاطر:3] الأول سماعي: بحسبك درهم، والثاني قياسي. بحسبك درهم؛ درهم: هذا خبر. بحسبك: هذا مبتدأ، لماذا لم نعكس وإن عكس البعضُ؟؟؟ نقول: لأن درهم هذا نكرة، وحسبك هذا أضيف إلى الضمير فهو أولى بأن يكون معرفة، حينئذٍ الباء نقول: هذه زائدة، الباء: حرف جر زائد، وحسبي نقول: مبتدأ ولا نقول: اسم مجرور بالباء، نقول: مبتدأ مرفوع بالابتداء، كيف مرفوع بالابتداء ولم يتجرد عن عامل لفظي؟ نقول: هذا العامل اللفظي الذي لم يتجرد عنه زائد، والعبرة بتجرده عن العوامل اللفظية إذا كانت أصلية، وأما الزائدة فقد تدخل على المبتدأ. بحسبك، حسبي: هذا مبتدأ مرفوع بالابتداء ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر زائد، حسبي: مضاف، والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه، درهم: خبر.
((هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ)) [فاطر:3] هل: حرف استفهام، من: حرف جر زائد، وخَالِقٍ .. هكذا بالخفض مجرور في اللفظ، خَالِقٍ نقول: مبتدأ، كيف مبتدأ وقد سبقه حرف جر؟ نقول: هذا حرف جر زائد، وشرط المبتدأ أن يخلو عن العامل اللفظي الحقيقي الأصلي وليس بالزائد، أما الزائد فلا يُنفى عن دخوله على المبتدأ، وهذا واضح بَيِّن، أصل التركيب: هل خالق غير الله؟ هَلْ مِنْ خَالِقٍ؟ من: حرف جر زائد، ولا بأس أن نقول في القرآن عند طلاب العلم: حرف جر زائد، وإن قلت: تأكيد أو صلة لا بأس بذلك.
وسَمِّ مَا يُزاد لغواً أَو صِلة
…
أَو قُلْ مُؤكّداً وكلٌ قِيلَ لَهْ
لِكِنَّ زَائِداً ولَغواً اجتَنبْ
…
إِطلَاقَهُ فِي منزل كَذا وَجَبْ
((خَالِقٍ)) [فاطر:3] هذا مبتدأ مرفوع بالابتداء، ورفعه ضمة مقدرة على آخره.
والصحيح أن المرفوع فيما إذا سبقه حرف جر زائد أو المنصوب مطلقاً إذا سبقه حرف جر زائد حينئذٍ يكون الإعراب تقديرياً ولا يكون محلياً وإن قيل به. هل الإعراب -تقدير الضمة هنا- الإعراب ((خَالِقٍ))؛ هل إعرابه تقديري أو محلي؟ قيل: محلي، وهو ضعيف، والصواب أنه تقديري؛ لأن الكلمة ملفوظ بها، وإذا كانت ملفوظاً بها حينئذٍ ننظر فيها؛ هل هي مبنية أو معربة؟ إذا كانت معربة حينئذٍ نقول: هل الحرف الأخير قابل لظهور الحركة أو لا؟ إن كان قابلاً زيدٌ حينئذٍ قلنا: هذا إعرابه ظاهر. إن لم يكن قابلاً حينئذٍ هل عدم قبوله لذاته أم لعارض؟ على القولين على النوعين يكون إعراباً تقديرياً، لأن إعراب الفتى نقول: هذا تقديري لذات الحرف، وغلامي هذا إعراب تقديري لا لذات الحرف وإنما لما عرض للحرف.
((مِنْ خَالِقٍ)) [فاطر:3]((خَالِقٍ)) لولا وجود من لظهر الإعراب، لو قال: هل خالق غير الله؟ حينئذٍ ظهر الإعراب. إذاً: ليس كغلامي وليس كالفتى.
((خَالِقٍ))؛ نقول: الضمة هنا مقدرة على الصحيح وليس الإعراب محلياً، ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.
إذاً: غيرِ الزائدة لإدخال المجرور يعني المبتدأ المجرور، كيف مبتدأ مجرور؟؟؟؟ مرفوع، وَرَفَعُوا مُبْتَدَأً بالاِبْتِدَا، نقول: لإدخال المبتدئ المجرور لفظاً، وحينئذٍ هو من حيث اللفظ مجرور، ومن حيث المحل يعني التقدير فهو مرفوع، يعني محل الكلمة نفسها، فهو مرفوع.
((مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ)) [المائدة:19] بَشِيرٍ هذا فاعل، جَاءَ: فعل ماض، ونَا: مفعول به، وبَشِيرٍ، من: حرف جر زائدة، وبَشِيرٍ: هذا مفعول به. ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ)) [الأنبياء:25] هذا مفعول به كذلك. بَشِيرٍ: هذا فاعل، ومِنْ رَسُولٍ: هذا مفعول به.
إذاً: غيرِ الزائدة لإدخال المجرور بحرف جر زائد، نحو: هَلْ مِنْ خَالِقٍ؟ وهنا الحرف قياسي، وبحسبك درهم؛ وهذا سماعي.
وشبه الزائدة مثل: رُبَّ، رُبَّ شبيهة بالزائدة.
الفرق بين الزائد والشبيه بالزائد: كلاهما لا يحتاجان إلى متعلق. الزائد ليس له معنىً من المعاني التي وضع لها في لسان العرب، حينئذٍ إذا استعمل لم يستعمل في معناه، ولو قيل: هل من خالق؟ من نقول: (مِن): حرف جر، وضع في لسان العرب لتدل على التبعيض مثلاً ولبيان الجنس، وحينئذٍ هل استعملت في هذا التركيب (مِن) بمعناها الأصلي الذي وضع له في لسان العرب؟ الجواب: لا قطعاً، وحينئذٍ لماذا جيء بها؟ نقول: جردت عن معناها الأصلي، وزيدت من أجل إفادة التأكيد، إذاً لها معنى، لكن ليس هو المعنى الذي وضع لها في لسان العرب، وهذا مراد النحاة بأنه حرف جر زائد، وليس مرادهم أنه يحذف حتى نبالغ في إنكار التعبير هذا وفي الاصطلاح.
نقول: مرادهم أن له معنى، وهذا المعنى هو التأكيد، إذاً: لا إشكال فيه، هو له معنى لكن باعتبار كونه لم يستعمل في معناه الذي وضع في لسان العرب صار زائداً، وأما هل له معنى أو لا؟ لا يختلف اثنان من النحاة باتفاق أنه له معنى وهو التأكيد.
والشبيه بالزائد والمقصود به رُبَّ ولعل ونحوها؛ قالوا: هذه استعملت فيما وضع لها في لسان العرب، يعني: رُبَّ تفيد التقليل أو التكثير، إذا جاءت: رُبَّ رجل كريم لقيته، رُبَّ رجل كريم قائمٌ، نقول: رجل هذا مبتدأ مرفوع بالابتداء، ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد، رُبَّ هل استعملت في معناها أو لا؟ استعملت في معناها، إن كان التقليل: رُبَّ رجل كريم لقيته أو قائم، إن كان المراد به التكثير على حسب نية القائل، فحينئذ كون رُبَّ استعملت في معناها صارت شبه زائدة. لماذا لم نحكم بكونها زائدة؟ لأنها استعملت في معناها. لماذا صارت شبيهاً بالزائدة؟ لأنه ليس لها متعلق تتعلق به، والتعلق إنما يكون بحرف الجر الأصلي.
لَا بُدَّ للجار مِن التَّعَلُّقِ
…
بِفعْلٍ اوْ مَعنَاهُ نحو مُرتَقِي
نقول: هذا خاص بحرف الجر الأصلي، وأما الزائد والشبيه بالزائد فلا متعلق لهما البتة. مررت بزيد، بزيد: جار ومجرور متعلق بقوله: مرّ، لماذا قلنا: جار ومجرور متعلق بمرّ؟ احتجنا إلى متعلق يتعلق به؛ لأن الباء هنا حرف جر أصلي، وأما الزائد والشبيه بالزائد فلا متعلق لهما البتة.
وشبيه الزائدة نحو: رُبَّ رجل كريم لقيته، فرجل: مبتدأ، ولا أثر لـ (رُبَّ) لأنها في حكم الزائد ولا تتعلق بشيء، لا أثر لها من حيث إخراج المبتدأ عن أصله، وحينئذٍ رجل نقول: هذا مبتدأ ومرفوع بالابتداء، ورُبَّ الموجودة هذه قالوا: لا اعتبار لها؛ لأنها لم تتعلق بمتعلق يؤثر في خروج المبتدأ عن كونه مبتدأً بل هو باق على أصله.
مخبراً عنه أو وصفاً رافعاً لمستغنىً به، هذا بَيَّن فيه نوعي المبتدأ، أن المبتدأ قسمان: مبتدأ له خبر، ومبتدأ ليس له خبر، وإنما له فاعل أغنى وسد مسد الخبر.
مخبراً عنه أي: محدثاً عنه، فالإخبار لغوي وليس المراد به المعنى الاصطلاحي.
أي: محدثاً عنه، فالإخبار لغوي لا مذكوراً بعده خبره الاصطلاحي للزوم الدور لأخذ كل منهما في تعريف الآخر، لأنه إذا قلنا بأن المراد به الخبر هنا إذاً ما هو الخبر؟ الخبر هو الجزء المتم الفائدة مع المبتدأ. ما هو المبتدأ؟ هو الاسم العاري إلى آخره مخبراً عنه، فيبقى ماذا؟ الدور، لا نفهم المبتدأ إلا إذا فهمنا الخبر، لكن إذا جعلنا الخبر هنا في هذا التعريف الخبر اللغوي حينئذٍ لا دور.
مخبراً عنه أو وصفاً مخرج لأسماء الأفعال بعد التركيب والأسماء قبل التركيب، رافعاً، يشمل الفاعل نحو: أقائم الزيدان، أو نائبه: أمضروب العبدان. أقائم الزيدان: هذا مبتدأ، وهو النوع الثاني. قائم: اسم وصف كما سيأتي، والزيدان هذا فاعل سد مسد الخبر.
إذاً: مبتدأ ليس له خبر، وإنما له فاعل، وهذا الفاعل أغنى واكتفينا به عن طلب الخبر، وكذلك: مضروب العبدان، مضروب: هذا اسم مفعول، فيفتقر إلى نائب فاعل، والعبدان هذا نائب فاعل أغنى عن الخبر وسد مسد الخبر، يعني: أفاد الجملة فائدة تامة وإن لم يكن ثَمَّ خبر لوجود هذا المرفوع.
وخرج به نحو: أقائم؛ من قولك: أقائم أبوه زيد؛ فإنه مرفوع غير مستغنىً به. أقائم أبوه زيد، أقائم أبوه، أقائم هذا وصف. أبوه زيد، أين الرافع؟ أين المرفوع؟ قائم: وصف. وأبوه لا يكون فاعلاً، وإنما يكون زيد مبتدأ مؤخر، وقائم أبوه: هذا خبر مقدم، وزيد: هذا مبتدأ مؤخر.
و (أو) في التعريف للتنويع لا للترديد، أي: المبتدأ نوعان: مبتدأ له خبر، ومبتدأ ليس له خبر، بل له مرفوع أغنى عن الخبر، مثل: أقائم الزيدان، أغنى عن الخبر يعني لا يطلب خبراً وإن كان الأصل في المبتدأ أنه يستدعي خبراً كما ذكرنا، هذا في الغالب، لكن لما رفع قائمٌ وهو وصف، رفع الزيدان على أنه فاعل له. قائمٌ: هذا وصف فهو اسم فاعل، وقلنا: اسم الفاعل في المعنى في قوة الفعل، ولذلك يرفع فاعلاً وينصب مفعولاً، وحينئذٍ من حيث اللفظ هو اسم، ومن حيث المعنى والعمل هو فعل، ولما اعتمد على الاستفهام أو النفي قوي عنده جانب الفعلية، وإذا كان كذلك ورفع فاعلاً حينئذٍ الفعل لا يصح أن يخبر عنه، بل يطلب فاعلاً، فإذا كان كذلك صار قولنا: أقائم الزيدان في معنى قولك: أيقوم الزيدان، فقائم هذا قام مقام الفعل، والفعل لا يصح الإخبار عنه فكذلك ما قام مقامه، حينئذٍ لا يصح أن يكون الزيدان هذا خبراً للمبتدئ، لماذا؟ لأنه في معنى أيقوم الزيدان، في معنى الفعل في قوة الفعل، ولذلك رفع ونصب، فإذا كان كذلك حينئذٍ ما وقع موقع الفعل أخذ حكم الفعل والفعل لا يخبر عنه بل يرفع مرفوعاً إما فاعل وإما نائب فاعل.
وأشار إلى النوع الأول بقوله:
مُبْتَدَأٌ زَيْدٌ وَعَاذِرٌ خَبَرْ
…
إِنْ قُلْتَ زَيْدٌ عَاذِرٌ مَنِ اعْتَذَرْ
عرَّف المبتدأ الذي له خبر بالمثال: زيد عاذر، زَيْدٌ: مبتدأ، وعَاذِرٌ: خبره. حينئذٍ في كل اسم صريح مثل زيد وهو قد عري عن العوامل اللفظية وغير الزائدة والشبيهة وقد أخبر عنه بلفظ عاذر فهو محكوم عليه حينئذٍ تحكم عليه بأنه مبتدأ، وهذا المبتدأ له خبر.
مُبْتَدٌَأ زَيْدٌ وَعَاذِرٌ خَبَرْ: أعرب لك المثال، إن قلت: زَيْدٌ عَاذِرٌ، زيد: مبتدأ، وعاذر: خبره.
ومَنِ اعْتَذَرْ: هذه تتمة، مَنِ اعْتَذَرْ، من: اسم موصول بمعنى الذي، فهو في محل نصب مفعول به لعاذر.
واعْتَذَرْ هذه جملة الصلة لا محل لها من الإعراب.
مُبْتَدَأ زَيْدٌ: مُبْتَدَأ خبر، وزَيْدٌ: مبتدأ. إعراب البيت. مُبْتَدَأ: خبر، وزَيْدٌ: مبتدأ. وعاذر: مبتدأ، وخبر: خبر -خبر له-.
إِنْ قُلْتَ زَيْدٌ عَاذِرٌ مَنِ اعْتَذَرْ
هذا ما يتعلق بالقسم الأول: مبتدأ له خبر، وهو واضح وبين، أن يكون المبتدأ اسماً عارياً صريحاً أو مؤول بالصريح عارياً عن العوامل اللفظية غير الزائدة أو شبهها وقد أخبر عنه، وهذه كلها موجودة في هذا التركيب. زيد اسم عار عن العوامل اللفظية لم يسبقه شيء وأخبر عنه بعاذر.
مُبْتَدَأٌ زَيْدٌ وَعَاذِرٌ خَبَرْ
…
إِنْ قُلْتَ زَيْدٌ عَاذِرٌ مَنِ اعْتَذَرْ
النوع الثاني من المبتدئ: وهو الذي يشترط فيه شروط: أن يكون وصفاً، وهذا الوصف معتمد على نفي أو استفهام ورفع اسماً ظاهراً أو ضميراً منفصلاً وتم الكلام به، مثل له بقوله:
وَأَوَّلٌ مُبْتَدَأٌ وَالثَّانِي
…
فَاعِلٌ اغْنَى فِي أَسَارٍ ذَانِ
هذا النوع الثاني وهو ما أغنى الفاعل عن الخبر، يعني: اكتفى الوصف بمرفوعه عن أن يطلب خبراً، إذاً: ليس كل مبتدأ له خبر، وإنما قد يكتفي بالمرفوع عن طلب الخبر لحصول الفائدة.
وَأَوَّلٌ -من الجزأين- مُبْتَدَأ، وَالثَّانِي –منهما- فَاعِلٌ أو نائبه أَغْنَى المبتدأ عن طلب الخبر في نحول قولك: أسَارٍ ذَانِ الرجلان. سَارٍ هذا اسم فاعل من سرى، سرى يسري فهو سَارٍ.
وهنا قد اعتمد على استفهام -سبقه استفهام- حينئذٍ سَارٍ: هذا وصف واعتمد على استفهام، ذَانِ: هذا مرفوع على أنه فاعل، وهو تثنية ذا، ذان تثنية ذا، وهو مرفوع إما بالألف على القول بأنه معرب، أو على الألف على القول بأنه مبني، على القولين.
بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى ..
…
وذَانِ تَانِ لِلمُثَنَّى المُرْتَفِعْ .. إذاً: النظر فيه من هذه الحيثية.
ضابط هذا النوع الثاني: أنه يشترط فيه أو إن شئت قل كـ (تعريف): كل وصف اعتمد على استفهام أو نفي ورفع فاعلاً ظاهراً أو ضميراً منفصلاً وتم الكلام به، إن استوفى هذه الشروط الثلاثة حينئذٍ حكمنا عليه بكون الوصف مبتدأً ومرفوعه فاعل سدَّ مسد الخبر.
وصف: المراد بالوصف هنا: ما دل على ذات وحدث، ذات متصفة بحدث، وهذا يشمل اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة والمنسوب. أقرشي زيد؟ قرشي: هذا مبتدأ، وزيد: هذا فاعل سد مسد الخبر؛ لأن قرشي هذا في قوة المشتق منسوب إلى قريش.
إذاً: وصف نقول: المراد به اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة والمنسوب.
كل وصف اعتمد على استفهام، يشترط في هذا الوصف: أن يكون سابقاً متقدماً -يشترط في هذا الوصف- أن يكون سابقاً، فليس منه نحو: أخواك خارج أبوهما، أخواك: مبتدأ، وخارج: خبر، أبوهما لا يصح أن نقول: خارج مبتدأ وأبوهما فاعل سد مسد الخبر، لماذا؟ لأنه يشترط في الوصف كخارج الذي يرفع فاعلاً يسد مسد الخبر أن يكون سابقاً، فإذا تقدمه غيره حينئذٍ امتنع أن يكون رافعاً لفاعل يسد مسد الخبر ولا يكون مبتدأً، بل في مثل هذا التركيب أخواك: مبتدأ. وخارج: خبر. وأبوهما: هذا فاعل له ولا يكون هو في نفسه مبتدأ، لا يكون خارج مبتدأً، لماذا؟ لكونه مسبوقاً، وشرط الوصف الذي يصح إعرابه مبتدأ: أن يكون سابقاً فلا يتقدم عليه شيء.
إذاً: هذا لا يعرب مبتدأ لعدم سبقه.
كل وصف اعتمد على استفهام أو نفي، وهذا وإن ذكره ابن عقيل لكنه لا يشترط عند الناظم رحمه الله تعالى، لأنه قال:
وَقَدْ
…
يَجُوزُ نَحْوُ فَائِزٌ أُولُو الرَّشَدْ
فهذا ليس بشرط عند المصنف، وإنما هو شرط عند جمهور البصريين: أنه لا يرفع فاعلاً يسد مسد الخبر ولا يكون الوصف مبتدأ إلا إذا اعتمد على نفي أو استفهام، وأما عند ابن مالك فلا، وشرطه ابن مالك استحساناً لا وجوباً، فأجازه دونه بقبح، يعني لُغَيَّ، في لُغَيَّةٍ يقال فيها: فَائِزٌ أُولُو الرَّشَدْ، سَارٍ ذَانِ، على أن سار هو مبتدأ، وذان: فاعل سد مسد الخبر، هنا لم يعتمد على نفي ولا استفهام، نقول: هذا شرطه ابن مالك استحساناً لا وجوباً، فعلى كلامه لا يجب أن يكون الوصف معتمداً عل نفي أو استفهام، ولكن على المشهور عند الجماهير أنه لا يرفع فاعلاً يسد مسد الخبر ويكون مبتدأً إلا إذا اعتمد يعني اتكأ وتقدمه نفي أو استفهام.
إذاً: كل وصف اعتمد على استفهام أو نفي بأي أدوات الاستفهام سواء كانت حرفاً أو اسماً، وبأي أدوات النفي سواء كان حرفاً أم اسماً أم فعلاً، وحينئذٍ يكون ما بعده رافعاً لمكتفىً به عن طلب الخبر، وهذا الشرط -وهو شرط الاعتماد على الاستفهام أو النفي- إنما هو عند البصريين، وأما الكوفيون فلا، وهو الذي مال إليه المصنف بقوله:
وَقَدْ
…
يَجُوزُ نَحْوُ فَائِزٌ أُولُو الرَّشَدْ
كل وصف اعتمد على استفهام أو نفي. قلنا: الاستفهام هذا عام يشمل الحرف، كما في قولك: أقائم الزيدان. وكذلك الاسم، كما في قولك: كيف جالس العمران. وكذلك النفي يعم الحرف: ما قائم الزيدان، ويعم الفعل: ليس قائم الزيدان، ويعم الاسم: غير قائم الزيدان، فهو عام كما سيأتي.
إذاً: اعتمد على استفهام أو نفي، أقائم الزيدان نقول: قائم هذا وصف واعتمد على استفهام وهو حرف، يعني اتكأ على استفهام، سبقه استفهام، هذا المراد بالاعتماد.
لم يسمع إلا في الهمزة وما وقيس عليهما البواقي، وقصره عليهما أبو حيان.
الاستفهام الأصل فيه أن يكون بالهمزة، والنفي الأصل أن يكون بـ (ما) النافية، الذي سمع في لسان العرب أنه مبتدأ ورفع فاعلاً سد مسد الخبر هو ما جاء بالاستفهام بالهمزة فحسب، وما جاء في النفي بـ (ما) النافية فحسب، قيس عليهما البواقي. فاسم الاستفهام قيس على همزة الاستفهام، والفعل في النفي والاسم في النفي قيس على (ما) النافية، ولذلك قصره أبو حيان على الاستفهام بالهمزة و (ما) النافية فحسب، وما عداه لا يكون وصفاً رافعاً لمكتفى به.
أقائم الزيدان وما قائمون الزيدان، فإن لم يعتمد الوصف على نفي أو استفهام حينئذٍ نقول: لا يعرب الوصف مبتدأً ولا يكون الذي يليه فاعلاً سد مسد الخبر.
الشرط الثاني: أن يكون رافعاً لفاعل. أن يكون رافعاً، والوصف إذا اعتمد على الاستفهام إما أن يرفع ضميراً مستتراً وإما أن يرفع فاعلاً ظاهراً، وإما أن يرفع ضميراً بارزاً. أحوال ثلاثة.
إن رفع ضميراً مستتراً خرج من الباب، ليس داخلاً معنا، ولذلك: ما زيد قائم ولا قاعد، قاعد هذا سبقه نفي؛ لأنه معطوف على ما قبله، ما زيد قائم ولا قاعد، نقول: قاعد هذا سبقه نفي وهو وصف، اسم فاعل. ورفع ضميراً مستتراً هل يصح أن نقول: قاعد هذا مبتدأ، والفاعل الضمير المستتر الذي رفعه فاعل أغنى وسد مسد الخبر؟ الجواب: لا؛ لأن من شرط إعمال اسم الفاعل على أنه مبتدأ ويرفع فاعلاً سد مسد الخبر: أن يكون رافعاً لشيء محسوس، وهو إما أن يكون اسماً ظاهراً وإما أن يكون ضميراً بارزاً، فإن لم يكن كذلك حينئذٍ لا يصح أن يكون مبتدأً ولا فاعلاً سد مسد الخبر.
ورفع فاعلاً ظاهراً أو ضميراً منفصلاً، نحو: أقائم أنتما. ومنع الكوفيون أن يكون هذا التركيب مما يكون الوصف فيه مبتدأً، وأنتما: هذا قائم مقام الخبر.
وتم الكلام به، بمعنى ماذا؟ أنه يشترط أن تحصل الفائدة بذكر مرفوع الوصف، فإن لم تحصل الفائدة حينئذٍ لم يغن عن الخبر؛ لأنه كما سيأتي:
وَالْخَبَرُ الْجُزْءُ الْمُتِمُّ الفَائِدَهْ
فصارت الفائدة التامة بوجود الخبر، تجوَّزنا بأن هذا الفاعل سد مسد الخبر إذاً: لا بد أن يؤدي وظيفة الخبر، فإن نقص حينئذٍ لا يصلح أن يكون نائباً عنه، لا يصلح أن يكون ساداً مسد الخبر بل لا بد من تصحيح الكلام.
وتم الكلام به شرطه: أن يكون كافياً أي: مغنياً عن الخبر، ليخرج نحو: أقائم أبواه زيد، فإن الفاعل فيه غير مغن ولا يحسن السكوت عليه، فزيد: مبتدأ، وقائم: خبر مقدم. أقائم أبواه زيد، وحينئذٍ نقول: أقائم أبواه، أين مرجع الضمير؟ زيد. إذاً ما تم الكلام بقوله: أبواه. ماذا نصنع؟ لا نقل: أقائم هذا وصف ومبتدأ وأبواه فاعل، نقول: لا، زيد مبتدأ مؤخر، وقائم خبر مقدم. وأبواه؟ فاعل، كيف نقول فاعل ولم يسد مسد الخبر؟ عندنا مسألتان: إعمال اسم الفاعل على أن يرفع فاعل وينصب مفعول، هذه مسألة مستقلة ليس بحثنا فيها. عندنا مسألة ثانية وهي أخص من مطلق إعمال اسم الفاعل، ليس البحث في إعمال اسم الفاعل لا. اسم الفاعل يرفع فاعلاً وينصب مفعولاً، ثم قد يكون هذا الفاعل الذي رفعه قد يكون فاعلاً سد مسد الخبر وقد لا يصلح أن يكون.
إذاً: أقائم أبواه زيد نقول: أقائم أبواه، لم يحصل الاكتفاء هنا بهذا الفاعل، هو فاعل لكنه لا يكون ساداً مسد الخبر، لماذا؟ لكونه لم يستغن به عن غيره، فتمم الكلام بقوله: زيد، حينئذٍ زيد: هذا مبتدأ مؤخر، وقائم أبواه: خبر مقدم. قائم خبر، وأبواه فاعل للوصف.
إذاً: وتم الكلام به شرطه أن يكون كافياً أي: مغنياً عن الخبر، ليخرج نحو: أقائم أبواه زيد، وحينئذٍ التركيب لا يصلح أن يكون مما ذكرناه.
إذاً بهذه الشرط الثلاثة: كل وصف اعتمد على استفهام أو نفي ورفع فاعلاً ظاهراً أو ضميراً منفصلاً وتم الكلام به حينئذٍ نقول فيها باجتماع هذه الشروط الثلاثة: يصح أن يكون الوصف مبتدأً ومرفوعه فاعلاً سد مسد الخبر، وهذه كلها موجودة في قوله: سَارٍ ذَانِ، أشار إليها بقوله: أَسَارٍ: الهمزة للاستفهام، وسَارٍ: هذا مبتدأ. أعربناه مبتدأً لأنه وصف.
واعتمد على استفهام استحساناً عند الناظم: أَسَارٍ، وذَانِ هذا فاعل لسار، سد مسد الخبر لأنه استغنى به عن الخبر وتم الكلام به، فهو وصف سَارٍ واعتمد على الاستفهام ورفع اسم ظاهراً وهو ذَانِ وتم الكلام به.
وقوله: استفهام أو نفي، قلنا: الاستفهام الأصل فيه أن يكون بالهمزة. وقيس عليه الاسم، كيف جالس العمران، كيف: اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال من العمران. جالس: هذا وصف اعتمد على استفهام، ما نوع هذا الاستفهام؟ اسم، هل هو سماعي أم مقيس؟ مقيس. جالس: مبتدأ وهو وصف اعتمد على الاستفهام، ورفع اسماً ظاهراً وهو العمران وتم الكلام به. إذاً: جالس مبتدأ، والعمران: فاعل سد مسد الخبر.
وكذلك في النفي الأصل فيه أن يكون بالحرف. (ما ولا وإن).
أو بالفعل: ليس قائم الزيدان. ما إعراب ليس؟ ليسني.
ليس فعل ماضي ناقص، وقائم اسمها. والزيدان؟؟؟؟ نحن بحثنا في المبتدئ: أَسَارٍ ذَانِ، والذي حشر ليس قائم الزيدان النفي، والجواب أن الكلام هنا في ما كان مبتدأً بالأصل أو دخل عليه ناسخ. ليس قائم الزيدان، قائم هذا في الأصل هو مبتدأ، فحينئذٍ هو اسم ليس، لو حَذفتَ ليس وجئت بالأصل الذي هو (ما) النافية حينئذٍ نقول: ما قائم الزيدان، عُبِّر بالفعل لغرض بلاغي، حينئذٍ يبقى قائم في المعنى مبتدأ، وأما في اللفظ بعد دخول (ليس) فهو اسم ليس، والعمران: هذا فاعل سد مسد الخبر، لكن تنبه أنه في باب المبتدأ الفاعل يسد مسد الخبر المرفوع، وهنا سد مسد الخبر المنصوب ولا إشكال في هذا.
إذاً: بالفعل يكون النفي مثل: ليس قائم الزيدان، فالزيدان هذا أغنى عن خير ليس، وخبرها منصوب ولا إشكال، وإدخال هذا التركيب هنا باعتبار كونه مبتدأً في الأصل.
كذلك النفي يكون بالاسم، مثل: غير قائم الزيدان، غير: هذا مبتدأ وهو مضاف، وقائم: هذا مضاف إليه. الزيدان فاعل لغير، غير مبتدأ للمضاف إليه لأنه هو الأصل، قائم الزيدان أصلها: ما قائم الزيدان، قيس على (ما) في النفي فجيء بالاسم: غير، وغير هذه ملازمة للإضافة، فحينئذٍ أضيفت إلى الوصف، فقيل: غير قائم، غير: مبتدأ وهو مضاف، وقائم: مضاف إليه. الزيدان: هذا فاعل سد مسد الخبر غير، لماذا؟ لكون المضاف إليه- الذي هو الأصل- لكونه وصفاً اعتمد على نفي، قائم وصف، واعتمد على نفي وهو اسم (غير) قياساً على (ما) النافية.
غير قائم: هذا مضاف ومضاف إليه، فاعتبر كالكلمة الواحدة، أو أنه في قوة المرفوع بالابتداء، غير قائم كأنه كلمة واحدة، والزيدان هذا يعتبر فاعلاً سد مسد الخبر.
لذلك قال ابن عقيل: وقائم مخفوض الإضافة، والزيدان فاعل سد مسد الخبر خبر غير؛ لأن المعنى: ما قائم الزيدان، فعومل غير قائم معاملة ما قائم، ومنه قوله:
غَيْرُ لَاهٍ عِدَاكَ فَاطَّرِحِ الَّلهْوَ
…
وَلَا تَغْتَرِرْ بِعَارِضِ ِسَلْمٍ
بِعَارِضِ ِسَلْمٍ -على الإضافة-.
غَيْرُ لَاهٍ عِدَاكَ، غَيْرُ: هذا مبتدأ وهو مضاف، ولَاهٍ: هذا اسم فاعل من لهى يلهو فهو لاه، اسم فاعل مثل قائم.
وعِدَاكَ: هذا فاعل بلاه، يعني مرفوع به سد مسد الخبر.
ومثله قوله:
غَيْرُ مَأَسُوفٍ عَلَى زَمَنِ
…
يَنقَضِي بِالْهَمّ وَالحزَنِ
غَيْرُ مَأَسُوفٍ عَلَى زَمَنِ، غَيْرُ: مبتدأ وهو مضاف، ومَأَسُوفٍ: مضاف إليه، ومَأَسُوفٍ هذا اسم مفعول، إذاً يطلب نائب فاعل.
غَيْرُ مَأَسُوفٍ عَلَى زَمَنِ: هذا في موضع رفع نائب فاعل سد مسد الخبر، سد مسد خبر غير، فغير: مبتدأ، ومأسوف: مخفوض بالإضافة، وعلى زمن: جار ومجرور في موضع رفع بمأسوف لنيابته مناب الفعل وقد سد مسد خبر غير.
إذاً: هذه الشروط الثلاثة بفهم الاستفهام على وجه العموم والنفي على وجه العموم حينئذٍ نقول: لابد من استيفاء هذه الشروط من أجل أن يكون الوصف مبتدأً، ومرفوعه فاعلاً سد مسد الخبر.
وَأَوَّلٌ مُبْتَدَأ وَالثَّانِي
وَأَوَّلٌ: يعني من الجزأين.
فِي أسَارٍ ذَانِ
أسَارٍ: هذا مبتدأ. والثاني منهما الذي هو ذان فاعل.
أَغْنَى: يعني المبتدأ عن طلب الخبر، في قولك: أسَارٍ ذَانِ الرجلان، من كل وصف إلى آخر ما ذكرناه. وقس على المثالين المذكورين وهو: زيد عاذر وأسار ذان، وهذا يؤكد القاعدة المستنبطة أن ابن مالك رحمه الله تعالى يقرر الأحكام بالأمثلة؛ لأنه ذكر مثالاً لتعريف المبتدأ الذي له خبر، وذكر مثالاً لتعريف المبتدأ الذي ليس له خبر، وإنما له فاعل سد مسد الخبر، قال: وقس على هذا، فحينئذٍ القياس داخل في باب النحو، إنَّما الَّنحوُ قِياسٌ يُتَّبع، فهو قياس. ولذلك في باب الإعراب إذا حفظت مثالاً من كل تركيب ضبطت النحو، يعني لو أخذت صفحتين أو ثلاثاً من القرآن تضبطه حفظاً يعني إعراب تضبط البقية؛ لأن الأفعال كلها من القرآن من أوله إلى آخره لا تخرج عن ماضي ومضارع وأمر، والمرفوعات لا تخرج عن مبتدأ وخبر .. إلى آخره، إذا حفظت مرة واحدة:(إن الذين) إن: حرف توكيد ونصب مبني على الفتح لا محل له من الإعراب. كل (إن) تعربها بهذا الإعراب، (الذين) اسم (إن) اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب، مباشرة. كلما جاءك (الذين) تعرب نفس الإعراب.
الحمد لله، الحمد: مبتدأ مرفوع بالابتداء ورفعه ضمة ظاهرة على آخره، كلما جاءك مبتدأ تعربه بهذا الإعراب.
لله: اللام حرف جر، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر تقديره كائن أو استقر. تمشي على هذا. ولذلك وقس يعني: كل ما يأتيك من الأمثلة التي هي مثيل لـ: زَيْدٌ عَاذِرٌ أو أسَارٍ ذَانِ حينئذٍ الحكم واحد، ليس موقوفاً على السماع إلا من جهة إثبات الأصول والقواعد فحسب، وهو ما يسمى بالوضع النوعي، وأما ما عداه فالأمثلة والآحاد فإنما هي قياسية.
وَقِسْ: على هذين المبتدأين اللذين في المثالين المذكورين، أو قس على المثال المتأخر في أسار ذان، وهذا التعبير لبعضهم وهو الأشموني، وعمم المكودي فقال: على المثالين، وهو أولى، لا بأس أن يكون على المثالين وعلى المتأخر.
.. وَكَاسْتِفْهَامٍ النَّفْيُ وَقَدْ
…
يَجُوزُ نَحْوُ فَائِزٌ أُولُو الرَّشَدْ
وَكَاسْتِفْهَامٍ النَّفْيُ، هو ذكر في المثال أسار. قال: وقس على المثال السابق لئلا يفهم أن الذي يعتمد عليه الوصف هو الاستفهام فحسب، حينئذٍ نقول: النفي مثله.
وَكَاسْتِفْهَامٍ في اعتماد الوصف عليه النفي، فالنفي كالاستفهام مطلقاً سواء كان النفي بالحرف أو بالفعل أو بالاسم، كما أن الاستفهام ذكره بالحرف ويقاس عليه الاسم.
وَكَاسْتِفْهَامٍ النَّفْيُ: النفي كاستفهام: هذا مبتدأ مؤخر، وكاستفهام: خبر مقدم.
في اعتماد الوصف عليه النفي بلفظ صالح احترازاً مما يختص بالفعل كـ (إن ولم)، يعني ليس كل حرف، لا إشكال فيه، (إن ولم) هذا حرف نفي، ولفظه النفي عام يشمل ما يختص بالفعل وما يمكن أن يدخل على الاسم، ما مراده؟ ما يصلح أن يكون داخلاً على الاسم، وأما (لم) وإن الشرطية هذه نافية، لكنها لا تدخل على المبتدأ.
إذاً: وَكَاسْتِفْهَامٍ النَّفْيُ المراد به: بلفظ صالح، احترازاً مما يختص بالفعل كـ (إن ولم).
وَقَدْ
…
يَجُوزُ نَحْوُ فَائِزٌ أُولُو الرَّشَدْ
قال الأخفش والكوفيون: -هذا وفاقاً لما ذهب إليه الكوفيون- يجوز كون الوصف مبتدأ وله فاعل يغني عن الخبر من غير اعتماد على نفي أو استفهام. عبر بـ قد، و (قد) الأصل فيها أنها للتقليل، هل التقليل مراد؟ نقول: نعم. ولذلك قلنا: اشترط الاعتماد على الاستفهام والنفي استحساناً لا وجوباً، مع أنه يرى أنه جائز لكن على قبح.
وَقَدْ يَجُوزُ: يعني يجوز في الوصف الذي يرفع فاعلاً ويكون مبتدأ ويرفع فاعلاً سد مسد الخبر؛ ألا يعتمد على نفي أو استفهام وفاقاً للكوفيين والأخفش من البصريين.
وَقَدْ يَجُوزُ نَحْوُ فَائِزٌ أُولُو الرَّشَدْ
قال الأخفش والكوفيون: يجوز كون الوصف مبتدأً، وله فاعل يغني عن الخبر من غير اعتماد على نفي أو استفهام، فأجازوا: قائم الزيدان، هذا قائم مبتدأ وهو وصف، والزيدان هذا فاعل سد مسد الخبر. عند الكوفيين هذا جائز، وعند البصريين لا يجوز، قائم الزيدان لا يجوز، وحينئذٍ قائم لا يصح أن يكون مبتدأً، لماذا؟ لكونه لم يعتمد على نفي أو استفهام ولا يصح أن يكون خبراً مقدماً ولا الزيدان مبتدأً مؤخراً، التركيب غلط، لماذا؟ لعدم التطابق، لو قال: قائمان الزيدان، قائمان الزيدان قد يقال على لغة أكلوني البراغيث وأما قائم الزيدان لا يصح، التركيب يكون خطأً.
إذاً: ذهب الأخفش والكوفيون إلى عدم اشتراط ذلك، فأجازوا: قائم الزيدان، وقائم: مبتدأ، والزيدان: فاعل سد مسد الخبر، وإلى هذا أشار المصنف بقوله:
وَقَدْ يَجُوزُ نَحْوُ فَائِزٌ أُولُو الرَّشَدْ
أي: قد يجوز استعمال هذا الوصف مبتدأً من غير أن يسبقه نفي أو استفهام، وزعم المصنف أن سيبويه يجيز ذلك على ضعف، ومما ورد منه قوله:
فَخَيْرٌ نَحْنُ عِنْدَ النَّاسِ مِنْكُمْ: فَخَيْرٌ نَحْنُ، خَيْرٌ أفعل التفضيل. خَيْرٌ: هذا مبتدأ، ونَحْنُ: هذا فاعل سد مسد الخبر، هكذا استدل به الكوفيون، خير مبتدأ، ونحن فاعل سد مسد الخبر، ولم يسبقه نفي ولا استفهام، ما الجواب؟ نقول: هذا يمكن أن يؤول، بمعنى: أن يعرب إعراباً موافقاً للقواعد والأصول، فيقال: نحن هذا مبتدأ مؤخر، وخير: هذا خبر مقدم.
خَبِيرٌ بَنُو لِهْبٍ فَلَاتَكُ مُلْغِياً
…
مَقَالَةَ لِهْبِيٍّ إذَا الطّيَرُ مَرَّتِ
لا نلغيها.
خَبِيرٌ بَنُو لِهْبٍ، خبير: هذا مبتدأ، وبنو لهب: هذا فاعل سد مسد الخبر، ولم يتقدمه نفي ولا استفهام، ولذلك لم يشترطه الكوفيون، والجواب أن يقال: أنه على التقديم والتأخير: بنو لهب خبير، بنو: هذا جمع، وخبير: هذا واحد، لم يحصل التطابق، نقول: لا، فعيل هذا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، يعني لا يلزم فيه المطابقة من باب قوله:((وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ)) [التحريم:4].
إذاً: ما دام أنه يجوز كون الوصف خبراً مقدماً على حد ما ذكرناه من الآية حينئذٍ لا يصح الاستدلال به، وكل دليل ورد إليه الاحتمال عندهم يعتبر باطلاً.
خبير بنو لهب، أجيب بأن خبير خبر مقدم، ولم يطابق لأن باب فعيل لا يلزم فيه المطابقة.
إذاً: يشترط في المبتدأ الذي يكون وصفاً أن يكون معتمداً على نفي أو استفهام إلا على مذهب الكوفيين والأخفش.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
…
!!!