الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* شرح الترجمة (إن واخواتها) وبعض المهمات
* معان هذه الحروف وعملها
* حكم خبرها من حيث التقديم والتأخير
* ضابطالمعرفة حكم همزة (إن) من حيث الفتح والكسر
* مواضع فتح همزة (إن) مواضع كسرهمزة (إن) ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال الناظم رحمه الله تعالى:
(إِنَّ) وَأَخَوَاتِهَا: أي باب (إن) وأخواتها، وهذا الباب هو الباب الثالث أو إن شئت قل الثاني، كان الثاني باعتبار النواسخ؛ لأن النواسخ كما ذكرنا تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم منها ما يرفع المبتدأ وينصب الخبر، وهذا باب كان وأخواتها، وما عقد له الفصل في (ما) و (لا) و (إن)
…
المشبهات بـ (ليس)، ثم (كاد) وأخواتها.
كل هذه تعمل عملاً واحداً، ثم أتى باب إن وأخواتها وهو القسم الثاني من النواسخ، وهو ما ينصب المبتدأ على أنه اسم لها ويرفع الخبر وهو باب (إن) وأخواتها، وألحق به باب (لا) النافية للجنس، إن نظرنا إلى الأبواب فهذا هو الباب الثالث وقيل الرابع، لكن (فَصْلٌ فِي مَا) نقول: هذا ليس بباب مستقل وإنما هو داخل في ليس، وحينئذٍ إذا نظرنا إلى الأبواب فهذا هو الباب الثالث، وإن نظرنا إلى النواسخ فهذا هو الناسخ الثاني.
(إنَّ) وأخواتها وهي الحروف المشبهة بالفعل، والأصل في الحرف أنه لا يعمل، هذا هو الأصل، والأصل فيما اختص أن يعمل، الأصل في الحرف ألا يعمل لكن لما اختصت بعض الحروف ببعض مدخولاتها كالفعل مثلاً لم ولن، حينئذٍ لا بد من شيء يظهر هذا الاختصاص، حينئذٍ جعل له عمل، وإلا الأصل في الحروف أنها لا تعمل حتى حروف الجر والنواصب والجوازم .. الأصل فيها أنها لا تعمل، لكن لما اختصت بالأسماء بعضها وبعضها اختص بالأفعال ما الذي دلنا على أنها مختصة بها؟ لا بد من أثر يبين لنا هذا الاختصاص، حينئذٍ أعملت من هذه الحيثية، وأما ما كان مشتركاً فهو باق على أصله؛ لأنه غير مختص بفعل أو باسم، حينئذٍ (هل) مثلاً نقول: هذه ليست مختصة والأصل في (ما) النافية ليست مختصة وحينئذٍ إذا أعملت يرد السؤال لماذا أعملت -الحروف كلها-؟ وإذا أعملت العمل الخاص الذي اختص به مدخولها كالجزم مثلاً في (لم) و (إن) و (لما) حينئذٍ لا يسأل عنها، وإذا عملت غير الجزم حينئذٍ يسأل عنها، وحروف الجر اختصت بالأسماء فعملت الجر، حينئذٍ كل ما اختص بالأسماء فالأصل فيه أنه يعمل الجر، هذا هو الأصل، ولكن هنا عندنا في باب (إن) وأخواتها هذه اختصت بالأسماء، ولكنها لم تعمل الجر، إذاً خرجت عن أصلها وهو أن الأصل في المختص أن يعمل الأثر الذي اختص به مدخوله وهو الخفض في باب الأسماء.
وعلى القول الآخر أن المراد بالاختصاص أنه مطلق العمل، حينئذٍ لا إشكال، هذا لا يرد عليه تعليل، وأما على الأول فحينئذٍ لا بد من التعليل.
إذاً نقول هنا: اختصت (إن) وأخواتها بالأسماء، وهذه أعملت في المبتدأ فنصبته والخبر فرفعته تشبيهاً لها بالفعل؛ لأن الأصل أنه يعمل في مدخوله فحسب، يعني باء الجر تعمل في الاسم المفرد فحسب، وأما الدخول على الجملة فهذا الأصل فيه أنه شأن الأفعال يدخل الفعل فيرفع الفاعل، وإذا احتاج إلى مفعول نصبه، وأما ما اختص بالأسماء فالأصل أنه يعمل في المفردات، ولكن هنا (إنَّ) عملت في الجملة الاسمية وهي المبتدأ والخبر، لأنها أشبهت الفعل، فهي مشبهة بالفعل، مشبهة بالفعل في المعنى واللفظ معاً، يعني قوي شبهها فحينئذٍ ألحقت بالفعل، والفعل لا شك أنه يتعدى إلى -الأصل فيه الكمال- أن يتعدى إلى فاعل فيرفعه عن أنه فاعل له، ثم بعد ذلك يتعدى إلى مفعول فينصبه على أنه مفعول له.
هنا (إن) وأخواتها نقول: هي الحروف المشبهة بالفعل في كونها رافعة وناصبة، كما أن الفعل يرفع وينصب، وحينئذٍ هذه رافعة وناصبة.
وفي اختصاصها بالأسماء كذلك الفعل يختص بالاسم؛ لأنه يطلب فاعلاً، وفي دخولها على المبتدأ والخبر كما هو الشأن في كان وأفعال المقاربة.
وفي بنائها على الفتح، هذه الحروف مبنية على الفتح (إن) و (أن) و (ليت) و (لكن) و (لعل) و (كأن) كما أن الفعل الماضي مبني على الفتح، وفي كونها ثلاثية ورباعية وخماسية، وهذا هو تعداد الأفعال، (إن وأن وليت) ثلاثية، و (لعل وكأن) هذه رباعية، و (لكنَّ) هذه خماسية، إذاً الفعل يكون ثلاثياً ويكون رباعياً ويكون خماسياً.
لهذه المشابهة القوية بين (إن) وأخواتها بالفعل حينئذٍ أعملت (إن) وأخواتها -أعملت النصب- في المبتدأ والرفع في الخبر.
إذاً نقول هذه ما العلة في كونها تَنصب وتَرفع؟ نقول: شبهها القوي بالفعل، ما وجه الشبه؟ حينئذٍ نقول: من خمسة أوجه وهو شبه لفظي ومعنوي:
أولاً: أنها كلها على ثلاثة أحرف هجائية أو أكثر، فـ (إن) و (أن) وليت على ثلاثة أحرف، و (لعل وكأن) على أربعة أحرف، و (لكن) على خمسة أحرف.
ثانياً: اختصاصها بالأسماء كالفعل، الفعل يختص بالأسماء، بمعنى أنه يرفع فاعلاً، ثم إذا تعدى حينئذٍ ينصب مفعولاً.
ثالثاً: أنها كلها مبنية على الفتح كالفعل الماضي.
رابعاً: تلحقها نون الوقاية عند اتصالها بياء المتكلم كالفعل إنني وأنني وكأنني .. كما سبق معنا، حينئذٍ إذا اتصلت بها ياء المتكلم لحقتها نون الوقاية، والأصل في نون الوقاية أنها تلحق الفعل، حينئذٍ أشبهت هذه الأسماء الأفعال في اتصالها بنون الوقاية واتصال نون الوقاية بها.
خامساً: أنها تدل على معنى الفعل، هذا من حيث المعنى، تدل على معنى الفعل؛ فـ (إن) و (أن) تدل على معنى أكدت، و (ليت) تمنيت، و (لعل) رجوت، و (كأن) شبهت، لأنها للتشبيه المؤكد، هذا هو المشهور عند البصريين.
فحينئذٍ أعملت هذه الأحرف لهذه المشابهة القوية بالفعل أعملت في الجزأين رفعاً ونصباً، لكن عكسوا العمل، الأصل في الفعل أنه يرفع أولاً وينصب ثانياً، وهذه الأحرف نصبت أولاً ورفعت ثانياً، إذاً عكسوا، ما دام أنها أشبهت الفعل فالأصل فيها أنها ترفع ثم تنصب، كما أن الفعل يرفع ثم ينصب، لماذا؟ قالوا: عكسوا عملها لئلا تلتبس بالفعل، لأنه إذا ظن ظان أنها رفعت أولاً ثم نصبت قد يظن الظان أنها أفعال حقيقية، وليس الأمر كذلك، ثانياً تنبيههم على الفرعية؛ لأن هذه جاءت بالفرع وليست بالأصل، حينئذٍ رفع الفعل للمرفوع الذي طلبه إما فاعل وإما نائب فاعل وهذا عمدة.
والأصل في نصب اسم (إن) أنه للمبتدئ، حينئذٍ هو عمدة من جهة الأصل، فحينئذٍ عملت عملها معكوساً ليكون معهن كمفعول قدم وفاعل أخر تنبيهاً على الفرعية، ولأن معانيها في الأخبار فكانت كالعمد والأسماء كالفضلات فأعطي إعرابيهما، فحينئذٍ نقول: هذه أعربت أو عملت عمل الفعل تشبيهاً لها.
قال رحمه الله:
لإِنَّ أَنَّ لَيْتَ لَكِنَّ لَعْلّ
…
كَأَنَّ عَكْسُ مَا لِكَانَ مِنْ عَمَلْ
كَإِنَّ زَيْدَاً عَالِمٌ بِأَنِّي
…
كُفْءٌ وَلَكِنَّ ابْنَهُ ذُو ضِغْنِ
ِلإِنَّ أَنَّ لَيْتَ لَكِنَّ لَعْلْ بإسقاط حرف العطف، والأصل (لإِنَّ وأَنَّ ولَيْتَ ولَكِنَّ ولَعْلْ وكَأَنَّ) وقلنا هذا جائز متفق على جوازه في الشعر مختلف على جوازه في النثر، وابن مالك يجوزه.
عَكْسُ مَا لِكَانَ مِنْ عَمَلْ ما هو عمل كان؟ ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، (إن) عكسها بمعنى أنها تنصب الاسم وترفع الخبر.
عَكْسُ المراد بالعكس هنا العكس اللغوي، يعني المخالفة وليس المراد به العكس الاصطلاحي.
عَكْسُ مَا لِكَانَ مِنْ عَمَلْ عكس مبتدأ مؤخر وقوله: لإِنَّ وما عطف عليه خبر مقدم.
عَكْسُ مَا الذي لِكَانَ الناقصة ليست للتامة، لأن التامة لا تنصب، وإنما هي ترفع فحسب، فحينئذٍ الذي يرفع وينصب هو كان الناقصة.
عَكْسُ الذي لكَان جار ومجرور متعلق بمحذور، صلة الذي، يعني الذي استقر لكان.
مِنْ عَمَلْ هذا متعلق بالاستقرار المحذوف، من عملٍ إذاً المشابهة بكان هنا من جهتين في كون كان تدخل على المبتدئ والخبر، فحينئذٍ (إن) تدخل على المبتدأ والخبر، وكان تعمل في جزأين رفعاً في الأول والثاني نصباً، و (إن) تعمل عكس عمل كان، وهو نصباً للأول ورفعاً للثاني، مع اتفاقهما في كونهما يدخلان على المبتدئ والخبر، وكل ما اشترط في المبتدئ الذي يجوز الدخول عليه في باب كان مشترط في هذا الباب، فقلنا هناك: يشترط في كان أنها لا تدخل على مبتدئ له لزوم الصدر كأسماء الاستفهام، وكذلك المبتدأ الذي هو واجب الحذف كالنعت المقطوع والمبتدئ الذي هو لازم للابتداء لا يتصرف كطوبى للمؤمن، فحينئذٍ نقول: فكل ما اشترط في المبتدئ هناك يشترط فيه هنا في باب (إن) وأخواتها.
فهذه الحروف لا تدخل على جملة يجب فيه حذف المبتدأ كما لا تدخل على مبتدئ لا يخرج عن الابتدائية مثل ما التعجبية، كما لا تدخل على مبتدئ يجب له التصدير، أي الوقوع في صدر الجملة كاسم الاستفهام، ويستثنى من هذا ضمير الشأن، فإنه له الصدارة وحينئذٍ تدخل عليه كان الشأنية، كان الناس صنفان، كان هو، أو كانهُ .. إذاً صح دخول كان على ضمير الشأن مع كون ضمير الشأن له الصدارة في الكلام.
كذلك هنا في باب (إن) يجوز دخولها على ضمير الشأن، وسيأتي هناك وَإِنْ تُخَفَّفْ أَنَّ فَاسْمُهَا اسْتَكَنْ الذي هو ضمير الشأن، فحينئذٍ نقول: دخولها على ضمير الشأن مستثنى من منع دخولها على ما له الصدارة في الكلام.
ويستثنى من هذا الأخير ضمير الشأن فإنه مما يجب تصديره وقد دخلت عليه (إن) إنَّ مَنْ يَدْخُلِ الكنِيسَةَ يَوْماً (إن) من، من هذه بمعنى الذي من يدخل الكنيسة يوماً، (من) شرطية فدخلت عليها (إن)، فحينئذٍ نقول: لا بد من التقدير فنجعل اسم (إن) ضمير الشأن، وليس اسم الاستفهام؛ لأن اسم الاستفهام لا تدخل عليه (إن) البتة، فحينئذٍ يصير لنا ضمير الشأن كالوسيلة والمفر الذي نلجأ إليه إذا وجد شيء مما يمتنع دخول كان عليه أو (إن) عليه، فنقول مباشرة اسمها ضمير الشأن محذوف، وما امتنع دخول (إن) أو (كان) عليه نقول: هذا هو جملة الخبر.
إِنَّ مَنْ يَدْخُلِ الكنِيسَةَ يَوْماً
…
يَلْقَ فِيهَا جَآذِراً وظِبَاءَ
حينئذٍ نقول: كل ما صح دخول (كان) عليه يلزم ذلك الحكم في (إن) وأخواتها، فلا تدخل على ما امتنع دخول (كان) عليه، لماذا؟ لأنه قال: كَأَنَّ عَكْسُ مَا لِكَانَ مِنْ عَمَلْ، والعمل هذا فرع صحة ما دخلت عليه (كان)؛ لأن (كان) لا تدخل على أي مبتدئ، إذا صح دخولها صح عملها، وإذا لم يصح دخولها (لم) يصح العمل، فحينئذٍ كَأَنَّ عَكْسُ مَا لِكَانَ مِنْ عَمَلْ، لا بد أن يكون مقيداً بماذا؟ بما صح دخول (إن) عليه، ويستثنى من المبتدءات تلك التي ذكرناها.
وكذلك من جهة الخبر، فالخبر لا يقع هناك جملة طلبية زيد اضربه، قلنا: زيد هذا لا مانع من دخول (كان) عليه، لكن يمتنع في هذا التركيب أن تدخل (كان)، لماذا؟ لكون الخبر جملة طلبية، كذلك الحكم هنا إن زيداً اضربه، نقول هذا ممتنع، وكذلك الجملة الإنشائية نعم وبئس، لا تدخل عليهما إن، ولو كان خبراً، لماذا؟ لأن الإنشاء شيء لم يقع .. شيء غير واقع، و (إن) الأصل فيها أنها للتقوية تقوية النسبة يعني التأكيد كما سيأتي، فحينئذٍ يمتنع أن يؤكد شيء لم يقع.
ولا تدخل هذه الحروف على جملة يكون فيها الخبر طلبياً أو إنشائياً حينئذٍ يرد قوله تعالى: ((إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [التوبة:9] سَاءَ هذا مثل بئس تعمل عملها ملحقة بها، إنهم (إن) هذا حرف توكيد نصب، والهاء اسمها وساء الجملة خبر، وكذلك قوله:((إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ)) [النساء:58] وحينئذٍ نعم نقول هذه إنشاء أم خبر؟ إنشاء، وقع الإنشاء خبراً لـ (إن) ما جوابه؟ نحن نمنع هذا وقد وقع في القرآن، نقول: الخبر محذوف هنا، وإنما هو قول ويصير ما ذكر من ساء ونعم معمولان لذلك القول المحذوف.
فإنها على تقدير قول محذوف يقع خبراً لـ (إن) وتقع هذه الجمل الإنشائية معمولة له، فيكون الكلام من باب حذف العامل وإبقاء المعمول، ولذلك قال قائل:
إِنَّ الَّذِينَ قَتَلْتُمْ أَمْسِ سَيِّدَهُمْ
…
لَا تَحْسَبُوا لَيْلَهُمْ عَنْ لَيْلِكُمْ نَامَا
إن الذين: الذين هذا اسم (إن)، لا تحسبوا: طلبية لا تحسبوا طلب، وقع خبره.
إِنَّ الَّذِينَ قَتَلْتُمْ أَمْسِ سَيِّدَهُمْ: مقول في شأنهم لَا تَحْسَبُوا لَيْلَهُمْ لا بد من التأويل، إذاً كل ما وقع خبراً وهو جملة طلبية أو إنشائية، حينئذٍ نقول: هو معمول لعامل محذوف، وذلك العامل هو الخبر.
عَكْسُ مَا لِكَانَ مِنْ عَمَلْ بمعنى أنها تنصب المبتدأ على أنه اسم لها، وترفع الخبر على أنه خبر لها.
سمع نصب الجزأين في لغة، فهل هو لغة معتبرة، أم أنه شاذ يحفظ ولا يقاس عليه؟ لا شك أنه الثاني.
إِذا اسْوَدَّ جُنْحُ اللَّيلِ فَلْتَأْتِ ولَتَكَنْ
…
خُطَاكَ خِفَافاً إِنَّ حُرَّاسَنَا أُسْدَا
إِنَّ حُرَّاسَنَا أُسْدَا: (إن) حرف توكيد ونصب، حراسنا اسم (إن) منصوب، أسداً هذا منصوب، والأصل أنه يقول: أسد بالرفع على أنه خبر (إن).
هل نقول يجوز الوجهان الرفع والنصب لخبر (إن)، أم نقول المطرد الأصل هو الرفع وما جاء كذلك حينئذٍ يؤول؟ لا شك أنه الثاني.
إن حراسنا يشبهون أسداً: فأسداً هذا مفعول به لفعل محذوف، والفعل المحذوف هو خبر (إن)، فإذا جاء مثل هذا التراكيب حينئذٍ لا بد من التأويل، إذاً كل ما جاء مما نسب إلى بعض العرب أنه ينصب الجزأين نقول: هذا يحفظ ولا يقاس عليه، بل يعتبر شاذاً ولا يخرج عليه، ولذلك نقول: إذا قال المؤذن: أشهد أن محمداً رسولَ الله، نقول: لا يصح، أشهد أن محمداً رسولَ .. أين الخبر؟ لم يأت الخبر، فالكلام هنا ليس مركباً بل هو كلمة واحدة أشهد أن محمداً رسولَ الله، لا بد أن يقول رسولُ، تخريجه على هذه اللغة لا، ليس بجيد.
إذاً نقول:
لإِنَّ أَنَّ لَيْتَ لَكِنَّ لَعْلّ
…
كَأَنَّ عَكْسُ مَا لِكَانَ مِنْ عَمَلْ
عكس الذي استقر لكان الناقصة من عمل، وهو أنها ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، العكس هو نصب المبتدأ ورفع الخبر.
لإِنَّ بالكسر هنا (إِنَّ) وهي أصلية ثلاثية.
وأَنَّ هذه فرعي عنها، ولذلك عدها بعضهم خمسة لا ستة، لم يعدها سيبويه، لأنها فرع (إِنَّ)، (أَنَّ) بالفتح فرع (إِنَّ).
وقيل: (أَنَّ) أصل، وإن فرع، وقيل كل منهما أصل، أقوال ثلاثة، لكن المشهور عند جماهير النحاة أن (أَنَّ) فرع (إِنَّ)، إذاً عدها سيبويه خمساً بإسقاط (أَنَّ) المفتوحة؛ نظراً إلى كونها فرع المكسورة، قد يقال بأن كَأَنَّ هي (أَنَّ)، إذاً نعدها أربعة، (إِنَّ) أصل فرعها (أَنَّ) فرعها (كَأَنَّ) لأن (أَنَّ) هي الأصل، وزيدت عليها الكاف فقيل:(كَأَنَّ) إذاً كأن فرع (أَنَّ).
وذكرت كَأَنَّ مع (أَنَّ) أصلها (إِنَّ) المكسورة أدخلت عليها الكاف التشبيهية ففتحت الهمزة للحرف، (إِنَّ) إذا سبقها حرف لا بد من فتحها، إذاً (إِنَّ) الأصل التي هي أصل (أَنَّ) دخلت عليها الكاف ففتحت صار كَأَنَّ، أدخلت عليها الكاف التشبيهية ففتحت الهزة لانتساخ هذا الأصل بإدخال الكاف، وجعل المجموع كلمة واحدة، يعني لماذا لم نسقط كَأَنَّ مع أنها فرع مركبة من (إِنَّ) أو (أَنَّ)، لماذا لم نسقطها كما أسقطنا (أَنَّ)؟ قالوا: لأن الكاف صارت كالجزء من الكلمة غير معتبرة، بدليل أنها لو كانت أصلية معتبرة لاحتجنا إلى متعلق تتعلق به، لو لم تجعل جزءاً من الكلمة قيل: كَأَنَّ هذا مثل بزيد، يحتاج إلى جار ومجرور، فلما لم يلتفت إلى المتعلق لكَأَنَّ علمنا أن الكاف هذه ليست أصلية، بل هي زائدة نزلت منزلة الجزء من الكلمة، إذاً صار التركيب منسوخاً –الأول- ولم يلتفت إليه، فصار كالكلمة الواحدة، لانتساخ هذا الأصل بإدخال الكاف وجعل المجموع كلمة واحدة بدليل عدم احتياج الكاف إلى متعلق، وعدم كون مدخولها في موضع جر عند الجمهور، لو قال: كأن زيداً عالم، هذا دليل آخر على أن الكاف هنا صارت نسياً منسياً، كأن زيداً عالم، (أن) وما دخلت عليه تأويل مصدر، لو كانت الكاف معتبرة لصار المصدر مجروراً بالكاف، لكن هذا لم يقل به أحد من النحاة، وعلى الأقل أنه لم يقل به الجماهير، فدل على أن هذه الكاف لا تجر المصدر الذي بعدها؛ لأنها صارت كجزء من الكلمة من مدخولها.
ثم هذه الكاف ليس لها متعلق؛ إذ لو كان لها معنى مستقل حينئذٍ لوجب أن يكون لها متعلق.
لَا بُدَّ لِلجَارِ مِنَ التَّعَلُّقِ
…
بِفِعْلٍ اوْ مَعْنَاهُ نَحْوُ مُرْتَقِي
وعدم كون مدخولها في موضع جر عند الجمهور بخلاف (أن) المفتوحة، فليس أصلها منسوخاً بدليل جواز العطف بعدها على معنى الابتداء كما يعطف بعد المكسورة، إذاً سيبويه والجمهور على أن (أن) فرع (إن)، وحينئذٍ تعد خمسة.
وابن هشام في التوضيح عدها ثمانية أبقى (أن) على أصلها -الستة المذكورة هذه-، وزاد عليها (عسى) في لغية، عسى سبق معنا أنها يتصل بها الضمير المرفوع، هذا المشهور في لسان العرب، وعلى قلة يتصل بها الضمير المنصوب، ولذلك قال: عسى في لغية، تصغير لغة، يعني شيء قليل نادر، فإذا اتصل بها الضمير المنصوب اختلف النحاة فيها: جماهير البصريين على أنها باقية على أصلها، وأنها فعل، وأنها من أفعال المقاربة، ولا بد من التأويل ويختلفون في كل شاهد بطريقة معينة.
ابن هشام تبع سيبويه قال: لا، قد تكون عسى فعلاً وتكون من أفعال المقاربة ترفع وتنصب، وإذا اتصل بها الضمير المنتصب خرجت عن الفعلية، وصارت حرفاً من حروف (إن) وأخواتها.
إذاً لها اعتباران –تفصيل-: إن رفعت اسماً ظاهراً أو ضميراً متصلاً مرفوعاً فهي فعل، وإن دخلت على ضمير نصب كما في قول القائل (فَقُلْتُ: عَسَاهَا نَارُ كَأْسٍ وَعَلَّهَا
…
)، عَسَاهَا نَارُ كَأْسٍ: نَارُ هذا اسم عسى –بالرفع-، و (ها) عَسَاهَا هذا في محل نصب.
فقالوا: إذا اتصل بها ضمير النصب –منتصب- حكمنا عليها بأنها حرف، وهذا يمنعه جماهير البصريين، بل يقولون: الأصل في عسى أنها فعل وإذا ثبتت فعليتها لا تخرج عنها البتة، وخاصة إذا كان الذي يستدل به على خروجها عن الفعلية شيء يسير قليل نادر، يدل على ذلك أن ابن هشام قال: في لغية، حينئذٍ يكون الأصل أنها فعل بدليل قبولها لآثار الفعلية، ولذلك لم يرد حرف واحد منها في القرآن أنها نصبت، وإنما هي في بعض الأقاويل المنقولة عن العرب.
إذاً هذه سبعة، بقي الثامن وهو عند ابن هشام (لا) النافية للجنس عَمَلَ (إِنَّ) اجْعَلْ لـ (لَا) فِي نَكِرَهْ، هذا سيأتي باب مستقل صارت ثمانية عندهم، والمشهور أنها ستة.
لإِنَّ أَنَّ لَيْتَ قلنا: هذان إما أنهما أصلان أو الثاني فرع عن الأول.
لَيْتَ يقال فيها لَتَّ لغة، لَتَّ زيداً قائم، هذا إذا أردت أن تضحك على أحد قل: لَتَّ زيداً قائم بإبدال الياء تاء وإدغامها في التاء، قلبت ليت -الياء قلبت تاء-، ثم اجتمع عندنا مثلان أدغم الأول في الثاني لت زيداً قائم.
ولَكِنَّ هذه اختلف فيها هل هي مركبة أم بسيطة؟ هل هي مركبة .. بمعنى أنها لم توضع أصالة هكذا لَكِنَّ، وإنما هي مؤلفة من جزأين؟ الأصح أنها ليست مركبة، وعند الفراء مركبة أصلها لَكِنْ أَنْ، إذاً هي مؤلفة من كلمتين (لَكِنْ) وكلمة (أَنْ) فحذفت الهمزة للتخفيف، ثم التقى ساكنان النون والنون، نون لكن ونون أن، حذفت الهمزة صار عندنا نونان، الأولى ساكنة والثانية كذلك ساكنة، فحذفت النون الأولى لالتقاء الساكنين.
وقال الكوفيون: مركبة من (لا وإن) المكسورة والكاف الزائدة لا التشبيهية، وحذفت الهمزة تخفيفاً.
إذاً قيل مركبة واختلف في تركيبها وقيل: هي بسيطة بمعنى أنها هكذا لفظ بها أصالة، وهذا هو الأولى.
لَعْلَّ ليست مركبة على الأصح، وفيها عشر لغات مشهورة، وأشهرها أربعة: لعلَّ، لعلِّ، علَّ، علِّ .. بإثبات اللام مع كسر اللام وفتحها، لعلِّ لعلَّ احذف اللام مع الكسر والفتح علِّ وعلَّ هذا أربع لغات مشهورة.
كَأَنَّ وهي مركبة على الصحيح وقيل: بإجماع أنها مركبة وليست بسيطة، مركبة من ماذا؟ قيل من كاف التشبيه و (إن) فأصل كأن زيداً أسد إن زيداً كأسد. هذا الأصل .. إن زيداً كأسد، فقدم حرف التشبيه اهتماماً به ففتحت همزة (إن) لدخول الجار أو تخفيفاً لثقل الكلمة بالتركيب.
كَأَنَّ أصلها إن زيداً كأسد، قدمت الكاف على (إن) من باب الاهتمام ففتحت همزة (إن) لأنها إذا سبقها حرف حينئذٍ تفتح.
لإِنَّ أَنَّ لَيْتَ لَكِنَّ لَعْلّ
…
كَأَنَّ عَكْسُ مَا لِكَانَ مِنْ عَمَلْ
ثم مثَّل لنا بمثال قال:
كَإِنَّ زَيْدَاً عَالِمٌ بِأَنِّي
…
كُفْءٌ وَلَكِنَّ ابْنَهُ ذُو ضِغْنِ
كم مثال؟
كَإِنَّ يعني كقولك: (إن) فالكاف داخلة على قول محذوف.
إِنَّ زَيْدَاً عَالِمٌ (إن) حرف توكيد ونصب ينصب المبتدأ على أنه اسم له، والخبر على أنه خبر له، -خبر لـ (إن) اسم لـ (إن) -، اسم (إن) لا إشكال فيه، خبر (إن) هل هو خبر لـ (إن) أو خبر لاسم (إن)؟
إذا قلت: إن زيداً عالم (إن) هذا عامل نصب زيداً فهو اسمها، (عالم) -أخبرت بالعلم إثبات العلم- لـ (إن) أو لمدخولها؟ الثاني، كيف نقول خبر (إن)؟ من باب التوسع وإلا هو خبر اسم (إن)، وإلا هذا ليس بالصحيح أن يقال: خبر (إن)؛ لأن (إن) حرف ولا يخبر عن الحروف وإنما يخبر عن الأسماء.
كَإِنَّ نقول هذا حرف توكيد ونصب مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.
زَيْدَاً اسم (إن) منصوب بها.
عَالِمٌ خبر (إن) مرفوع بها على الصحيح، نَصْبُ اسمِ (إن) بـ (إن) متفق عليه بين البصريين والكوفيين، وأما (عالم) فالصحيح أنه مرفوع بـ (إن)، وذهب الكوفيون إلى أنه مرفوع بما رفع به قبل دخول (إن) كما قالوا في اسم (كان)، والصواب أنه مرفوع بـ (إن).
بِأَنِّي كُفْءٌ أي مثلٌ، الباء هذه حرف جر، وأني (أن) هذه فرع (إن) والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم أن، وكفءٌ هذا خبرها وكلاهما معمولان لـ (أَنِّي).
وَلَكِنَّ ابْنَهُ ذُو ضِغْنِ يعني حقد وعداوة.
وَلَكِنَّ: لَكِنَّ حرف تشبيه ونصب مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.
ابْنَهُ ابْنَ هذا اسم لَكِنَّ، منصوب بها ونصبه فتحة ظاهرة على آخره وهو مضاف والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر مضاف إليه.
ذُو ضِغْنِ: ذُو يعني صاحب، إذاً هو من الأسماء الستة فهو خبر (لَكِنَّ) مرفوع بها ورفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الستة.
وَلَكِنَّ ابْنَهُ ذُو ضِغْنِ (ذو) مضاف و (ضغن) مضاف إليه.
إذاً أشار بهذه الأمثلة الثلاثة إلى أن هذه العوامل تدخل على زيد وهو اسم ظاهر وأني هذا ضمير، وابنه هذا مضاف ومضاف إليه وهو في الأصل نكرة.
ثم عملت الرفع على الأصل في عالم وهو بالضمة، وعملت الرفع في ذو على الفرعية وهو الواو.
وقس على هذه الأمثلة ما يقال في (لعل) و (ليت) و (كأن) وقس الباقي على ما ذكر، وهذه كما ذكرنا اللغة المشهورة وهناك من ينصب الجزأين لكنه محفوظ.
قال ابن عقيل: هذا هو القسم الثاني من الحروف الناسخة للابتداء وهي ستة أحرف.
إن وأن وكأن ولكن وليت ولعل وعدها سيبويه خمسة بإسقاط أن المفتوحة؛ لأن أصلها إن المكسورة كما سيأتي.
ومعنى إن وأن التوكيد، ولذلك قلنا: هي أشبهت الفعل من جهة المعنى، إن زيداً عالم، معناه: أؤكد علم زيد، ولذلك قيل، هذه الكلمة أقيمت مقام جملتين أو ثلاث، الأصل: زيد عالم .. زيد عالم .. زيد عالم التأكيد إنما يكون بالتكرار فحذفت الجملتان الثانية والثالثة من باب الاختصار، وأُكِّدَ النسبة التي بين زيد وعالم بقولنا:(إن)، فـ (إن) هذه للتوكيد أي تقوية النسبة وتقريبها في ذهن السامع إيجابية كانت أو سلبية على الصحيح، وتوكيد النسبة تارة يكون لدفع الشك فيها، وتارة يكون لدفع إنكارها، وتارة يكون لا ولا، يعني لا لهذا ولا لذاك .. يعني متى تؤكد؟ إما لخال الذهن، هذا الأصل فيه أنه لا يؤكد له، وإما لمتردد وهذا يؤكد له استحساناً، وإما لمنكر وهذا يؤكد له وجوباً، ومر معنا هذا بحثه فيه في البلاغة.
فالأول مستحسن والثاني واجب والثالث لا ولا، ولا ينافي كون المفتوحة للتوكيد أنها بمعنى المصدر؛ لأنه إذا قلنا أن زيداً عالم، هذا في قوة المفرد؛ لأنها مما يؤول بمصدر، وسبق معنا من الموصولات الحرفية التي تؤول مع ما بعدها بمصدر وهي متفق عليها (أنْ وأنَّ وكي) قلنا: هذا متفق عليه، و (مَا) الظرفية الزمانية، و (لو) هذا مختلف فيه، فحينئذٍ أنَّ إذا قلنا: هي للتوكيد -لتوكيد النسبة يعني الجملة-، هي لا تؤكد مفرداً حينئذٍ نقول: هي للتوكيد التقوية تقوية النسبة ثم هي في نفس الأمر تؤول بمصدر، هذان متعارضان.
أن زيداً عالم، هذا مفرد كلمة واحدة، ولذلك صح أن تأتي في محل الفاعل ((أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا)) [العنكبوت:51] إنزالنا، فدل على أن (أنَّ) في قوة المفرد فهو كلمة واحدة، فكيف نقول: هي لتقوية النسبة؟ ولا ينافي كون المفتوحة للتوكيد أنها بمعنى المصدر، وهو لا يفيد التوكيد؛ لأن كون الشيء بمعنى الشيء لا يلزم أن يساويه في كل ما يفيده فاندفع ما لأبي حيان، حينئذٍ إذا قيل بأن الشيء شابه الشيء لا يلزم منه المساواة من كل وجه، بمعنى أن الجهة منفكة، فحينئذٍ باعتبار كون مدخول (أن) كما سبق أنها توصل بالجملة الاسمية، بهذا الاعتبار هي مؤكدة، وباعتبار كونها بعد الدخول والتأكيد هي مؤولة بمصدر، فالجهة حينئذٍ تكون منفكة، فلا اعتراض بين هذا وذاك، لا يقال بأنها في قوة المفرد ثم بعد ذلك هي مؤكدة، نقول: اشترطنا فيما سبق أن الذي توصل به (أن) أن يكون جملة اسمية، والجملة الاسمية مركبة من فعل وفاعل، حينئذٍ هذه الجملة بعد دخول (أن) تئول إلى المفرد، ونحن نؤكد قبل التأويل، فحينئذٍ انفكت الجهة.
(إِنَّ وأَنَّ) التوكيد، ومعنى (كَأَنَّ) للتشبيه، -التشبيه المؤكد-؛ لأنها مركبة، ولا تخرج كَأَنَّ عن التشبيه عند البصريين، وزعم الكوفيون أن كَأَنَّ كما تأتي للتشبيه تأتي للتحقيق، وقيل للظن، إذا كان خبرها فعلاً أو ظرفاً أو صفة من صفات أسمائها، وقيل: تأتي للتقريب وقيل: للنفي، والمشهور أنها تأتي للتشبيه، والتشبيه قيل: مشروط بأن كان خبرها جامداً، فإن كان مشتقاً وصفاً أو فعلاً، فالظاهر أنها للظن ليست للتشبيه، ولا بد من التفصيل، ولا بأس أن يكون للحرف الواحد عدة معاني كما سيأتي في حروف الجر.
إذاً كأن للتشبيه مشروط بأن (كان) خبرها جامداً، كأن زيداً أسد، نقول: هنا للتشبيه، كأن زيداً عالم، ليس عندنا تشبيه وإنما هو ظن، نظن ظناً علم زيد، فلا إشكال من التفصيل.
(لَكِنَّ) للاستدراك وهو تعقيب الكلام بنفي ما يتوهم منه ثبوت، أو إثبات ما يتوهم منه نفي، وقيل رفع التوهم ليس لازماً للكن بل هو أغلبي؛ لأنه قد يأتي بعض التراكيب ليس فيه استدراك.
بل هو أغلبي فقط؛ لأنها قد لا تكون لرفع التوهم، زيد قائم لكنه ضاحك، ليس عندنا استدراك هنا، إذاً هو أغلبي.
فالتعريف أغلبي، و (لَيْتَ) للتمني وهو طلب ما لا طمع فيه أو ما فيه عسر –أمران-: طلب ما لا طمع فيه، وهذا يكون مستحيلاً عادة: *أَلا لَيْتَ الشَّبابَ يَعُودُ يَوماً *، نقول: لَيْتَ هنا طمع ماذا -يمكن أو لا يمكن يعود الشباب-؟ عادة لا، والله عز وجل قادر أن يعيد الشباب، لكن في العادة التي جرت عليها السنن الإلهية نقول: لا يعود، *أَلا لَيْتَ الشَّبابَ يَعُودُ يَوماً*، إذاً طلب مالا طمع فيه، فالأول ما كان مستحيلاً في مجرى العادة، أو ما فيه عسر -يمكن أن يقع وليس بمستحيل في مجرى العادة إلا أنه بعيد فيه عسر-، الفقير ماذا يقول؟ ليت لي مالاً، أو ليت لي جبلاً من ذهب فأتصدق به، نقول: هذا ممكن يكون له جبل مثل الذهب، لكن أين هو؟
ولَعْلَّ للترجي والإشفاق، الإشفاق: هو توقع المخوف، والترجي: هذا يكون في المحبوب، للترجي والإشفاق، الترجي في المحبوب والإشفاق في المكروه وهو توقع المخوف.
وزاد في التسهيل أن لَعْلَّ تكون للتعليل، نحو قوله:((لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ)) [طه:44] هذا للتعليل والاستفهام نحو: ((وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى)) [عبس:3] وتختص لَعْلَّ بالممكن، ولذلك جاء:((لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)) [الطلاق:1] هنا لماذا؟ ((لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)) رجاء وليس للتعليل ((فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ)) [الكهف:6] هذا للإشفاق.
والفرق بين الترجي والتمني أن التمني يكون في الممكن نحو: ليت زيداً قائم وفي غير الممكن لَيْتَ الشَّبابَ يَعُودُ يَوماً، وأن الترجي لا يكون إلا في الممكن فلا تقول: لعل الشباب يعود، هذا بعيد، والفرق بين الترجي والإشفاق أن الترجي يكون في المحبوب "لعل الله يرحمنا"، والإشفاق في المكروه "لعل العدو يقدم". هذا في المكروه.
وهذه الحروف تعمل عكس عمل كان فتنصب الاسم وترفع الخبر نحو: إن زيداً قائم، فهي عاملة في الجزأين وهذا مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى أنها لا عمل لها في الخبر، وهذا ضعيف؛ لأنه سيكون عندنا عامل ينصب ولا يرفع، وهذا لا نظير له، وإنما هو باق على رفعه الذي كان له قبل دخول (إن) وهو خبر المبتدئ.
هو لم يكن مبتدأ صار اسم (إن)، وحينئذٍ زال العامل من حيث الوصف لا من حيث الحقيقة، وكذلك في شأن: كان قائماً.
وَرَاعِ ذَا التَّرْتِيبَ إِلَاّ فِي الَّذِي
…
كَلَيْتَ فِيهَا أَوْ هُنَا غَيْرَ الْبَذِي
هذه الحروف لما كانت فرعاً عن الفعل فحينئذٍ صار العمل فيها ضعيف؛ لأنها إنما أعملت بالحمل، يعني الحمل على غيرها -مشابهتها للفعل لفظاً ومعنى-، حينئذٍ ما كان شأنه كذلك يبقى على أصل الترتيب فلا يتقدم خبره على اسمه، لماذا؟ لضعفها؛ لأنها ضعيفة، وهي لا تتصرف، وكل ما لا يَتَصَرَف الأصل فيه ألا يُتَصَرَف في معمولاته، هذا الأصل، وهذا في باب الحروف.
وَرَاعِ ذَا التَّرْتِيبَ -هذا وجوباً-، راعاه: لاحظه، إذاً مأخوذ من الملاحظة لاحظه والتزمه؛ لأنه ذكر لنا الأمثلة بالترتيب كَإِنَّ زَيْدَاً عَالِمٌ، قدم الاسم على الخبر إذاً راع هذا الترتيب، فلا يجوز لك أن تقدم الخبر على الاسم، فلا تقل: إن عالم زيداً، هذا باطل لا يصح.
وَرَاعِ ذَا: (ذَا) اسم إشارة مفعول به، (التَّرْتِيبَ) بدل أو عطف بيان، التَّرْتِيبَ الرتبة والمرتبة: المنزلة، فمنزلة الاسم مقدمة على منزلة الخبر، ولذلك يعبر النحاة: عاد عليه لفظاً ورتبة، رتبة يعني: منزلة.
ورتب الشيء ثبت وبابه دخل، وأمر راتب أي: دائم ثابت.
وَرَاعِ ذَا التَّرْتِيبَ يعني: الترتيب السابق، الزمه والتزمه، فقدم الاسم على الخبر كما هو الأصل، فلا تقدم الخبر على الاسم.
وَرَاعِ ذَا التَّرْتِيبَ أي: المعلوم من الأمثلة السابقة لضعف العمل بالحرفية، وأيضاً قصدوا أن يدلوا على أنها فروع في العمل، وعلى أنها ليست أفعالاً على الحقيقة، فلا يتقدم خبرهن مطلقاً بل ولا يتوسط إلا الظروف والجار.
لا يتقدم الخبر عليها، هذا مقطوع به، ولا يتوسط، فلا يقال: عالم إن زيداً، لا يصح، ولا يصح أن يتوسط، فإذا منع التوسط فالتقدم من بابٍ أولى وأحرى.
إذاً: لا يتقدم خبرهن مطلقاً عليهن، ولا يتوسط إلا ما استثناه الناظم هنا وهو الظرف والجار والمجرور، فحينئذٍ له أن يتوسط بين (إنَّ) واسمها، ((إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا)) [المزمل:12] إن أنكالاً لدينا .. هذا الأصل، ففصل بين (إنَّ) واسمها بالخبر وهو: لَدَيْنَا وهو ظرفه.
((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً)) [آل عمران:13] عِبْرَةً اسم (إن)، ((فِي ذَلِكُ)) جار ومجرور متعلق محذوف خبر (إنَّ) مقدم على خبرها.
إذاً يستثنى الظرف والجار ولمجرور، لماذا؟ يتوسع فيهما ما لا يتوسع في غيرهما.
إذا توسع فيهما لماذا لم يتقدما على (إن) نفسها؟ نقول: لأنها حروف، والحروف غير متصرفة، فلا تعامل معاملة الفعل المتصرف، فحينئذٍ إذا سمع ((إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا)) [المزمل:12] نقول: الفصل جائز، ولعدم سماع تقدم الظرف والجار والمجرور على (إن) نقول: لعدم سماعه لا يجوز، إذاً يتوسع في الظروف ما لا يتوسع في غيرها -ليست على إطلاقها-، وإنما هي مقيدة بالسماع بما سمع.
وَرَاعِ أي وجوباً، ذَا التَّرْتِيبَ؛ لأنها غير متصرفة، وهو تقديم اسمها وتأخير خبرها وجوباً راعه، وحكم معمول خبرها حكم خبرها، معمول الخبر ما حكمه هنا؟ سبق أنه لا يلي (كان)، وَلَا يَلِى الْعَامِلَ مَعْمُولُ الْخَبَرْ، أليس كذلك؟ فحينئذٍ هل يلي هنا معمول الخبر (إن)؟ لو قال: إن زيداً قائم عندك، هل يصح أن يقال: إن عندك زيداً قائم؟ الجواب: لا، وإنما يستثنى الخبر نفسه فقط، إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً، وما عداه فلا على الأصل.
وحكم معمول خبرها حكم خبرها، فلا يجوز تقديمه، وبعضهم استثنى أنه إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً جاز تقديمه قياساً على الخبر، فصحَّح وجوز إن عندك زيداً مقيم، وإن فيك عمرواً راغب.
وأما تقديم معمول الخبر على الخبر دون الاسم فجائز، يعني: إن زيداً عندك قائم، جائز؛ لأنه لم يتقدم على الاسم، وإنما تقدم على الخبر، تقديم معمول الخبر على الخبر لا إشكال فيه دون الاسم.
وأما إذا تقدم على الاسم معمول الخبر فالأصل المنع، لماذا؟ لأن الخبر منع وهو عامل وهو أصل، فمعموله من بابٍ أولى وأحرى، ولأن تقديم المعمول يؤذن بتقديم العامل وعلمنا أن تقديم العامل ممتنع، فمعموله كذلك مثله، لكن جوز بعضهم حملاً على الظرف -إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً-.
إِلَاّ: استثنى الناظم إِلَاّ فِي الَّذِي، يعني إلا الخبر في الموضع الذي يكون الخبر فيه ظرفاً أو جاراً ومجروراً للتوسع في الظروف والمجرورات كَلَيْتَ فِيهَا غَيْرَ الْبَذِي .. كَلَيْتَ هُنَا غَيْرَ الْبَذِي.
لَيْتَ نقول: هذه تعمل عمل (إن)، فِيهَا: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم.
غَيْرَ الْبَذِي: بذي يعني فاحش اللسان قذر، وهو اسم ليت.
إذاً توسط هنا وهو ظرف بين ليت واسمها غَيْرَ الْبَذِي.
كذلك فِيهَا أو هنا للتنويع -تنويع المثال- أو كَلَيْتَ فِيهَا غَيْرَ الْبَذِي: توسط هنا الجار والمجرور وهو فِيهَا بين العامل ومعموله.
هذا في حالة الجواز فيما إذا لم يكن ثم مانع، وقلنا هذا الباب لما قال: عَكْسُ مَا لِكَانَ مِنْ عَمَلْ، حينئذٍ الأصل ما اشترط هناك يشترط هنا، فما منع هناك في باب (كان) وفي باب المبتدئ والخبر من جهة أن يتصل بالجار والمجرور أو الظرف ضمير يعود على الخبر - كَذَا إِذَا عَادَ عَلَيْهِ مُضْمَرُ- إذا اتصل بالاسم ضمير يعود على الخبر، في الدار صاحبها، إن في الدار صاحبها، هل يصح أن نقول: إن صاحبها في الدار؟ إذاً ما حكم تقديم الخبر هنا؟ إن في الدار صاحبها، تقديم الخبر على الاسم نقول: هذا واجب.
إذاً قوله: كَلَيْتَ فِيهَا أَوْ هُنَا: ليس فيه ما يوجب توسط الخبر بين ليت واسمها.
فحينئذٍ نقول: لم يرد الناظم إلا المسألة التي يجوز فيها التوسط بين العامل والمعمول، وهو الاسم، وأما ما عداه فيؤخذ من الشرح، فنقول: هناك ما يجب أن يتوسط فيه الخبر بين العامل والاسم وهو ظرف أو جار ومجرور، ليت في الدار صاحبها، نقول: هذا مثال لما وجب فيه التوسط.
إن عند زيد أخاه، إن عند زيد ما إعرابه؟
(إن) حرف توكيد ونصب، و (عند) اسم إن، إن عند هذا متعلق بمحذوف خبر (إن)، منصوب أو مرفوع؟ منصوب، وعندَ فيها النّصبُ يَستمرُّ.
منصوب على الظرفية إن عند زيد أخاه.
أخاه؟
اسم (إن).
وعند زيد هذا خبره، تقدم الخبر على اسم (إن)، ما حكم تقدم الخبر والتوسط هنا جائز أم واجب؟
واجب.
واجب، لماذا؟ لأن الاسم وهو أخاه اتصل به ضمير يعود على جزء من الخبر.
قال: فلا يجوز تأخير: في الدار لئلا يعود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وكذلك إذا اقترن الاسم بلام الابتداء ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً)) [آل عمران:13] سيأتي أن الذي يدخل عليه لام الابتداء الأصل فيه خبر كما سيأتي.
وإذا دخلت لام الابتداء على الاسم حينئذٍ لا يجوز أن يلي ذلك الاسم العامل (إن)، (الأصل إن لعبرة)، لكن لا يتوالى مؤكدان في جملة واحدة؛ لأن (إن) مؤكدة، واللام مؤكدة، فحينئذٍ لا بد من زحلقة الاسم مع لامه.
((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً)) [آل عمران:13] هذا مما يجب فيه التوسط، ماذا بقي؟ بقي وجوب تأخير الخبر، إذا كان ظرفاً؛ -الكلام في الظرف والجار والمجرور-.
وذلك فيما إذا اقترن بهذا الخبر لام الابتداء ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) [القلم:4]، وَإِنَّكَ الكاف اسم (إن)، لَعَلى .. على خلق، هذا جار ومجرور وهو خبر، دخلت عليه لام الابتداء، واجب التأخير كما سيأتي في آخر الباب .. واجب التأخير، حينئذٍ تقدم وتوسط الخبر على اسم (إن) وأخواتها ممنوع، يستثنى الجار والمجرور، وهذا له ثلاثة أحوال: ما يجوز فيه التوسط والتأخير، وهو الذي ذكره الناظم رحمه الله.
بقي حالتان وهما: وجوب التوسط، وذلك إذا اشتمل اسم (إن) على ضمير يعود على خبر مثل: إن في الدار صاحبها، إن عند زيد أخاه.
أو الحالة الثالثة: أنه يجب تأخير الجار والمجرور أو الظرف، وذلك إذا دخل على الخبر لام الابتداء ((إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) [القلم:4].
قال ابن عقيل: أي ويلزم تقديم الاسم في هذا الباب وتأخير الخبر إلا إذا كان الخبر ظرفاً أو جاراً ومجروراً فإنه لا يلزم تأخيره وتحت هذا قسمان:
أحدهما: أنه يجوز تقديمه وتأخيره، وهذا الذي ذكره الناظم رحمه الله تعالى.
والثاني: أنه يجب تقديمه: ليت في الدار صاحبَها، فلا يجوز تأخير في الدار لئلا يعود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وكذلك إذا اقترن الاسم بلام الابتداء نحو ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً)) [آل عمران:13].
والحالة الثالثة -ما ذكرها ابن عقيل نزيدها- وهي: وجوب تأخير الخبر الظرف والجار، وذلك فيما إذا اقترنت بهذا الخبر لام الابتداء ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) [القلم:4].
ولا يجوز تقديم معمول الخبر على الاسم إذا كان غير ظرف ولا مجرور، استثنى الظرف والمجرور –رأي-، إن زيداً آكل طعامك، فلا يجوز: إن طعامك زيداً آكل، لا يتوسط بين (إن) ومعمولها، لماذا؟ لأنه مفعول به ليس بظرف.
وكذا إن كان المعمول ظرفاً أو جاراً ومجروراً: إن زيداً واثق بك، أو جالس عندك، فلا يجوز تقديم المعمول على الاسم، فلا تقل: إن بك زيداً واثق، أو: إن عندك زيداً جالس، فهذا أولى، المنع أولى، معمول الخبر إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً لا يقاس على الخبر إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً، بل جوز في الخبر لأنه عمدة في نفسه، وأما متعلق الخبر ليس بعمدة، إن زيداً قائم عندك، عندك ليس بعمدة، وأما إذا كان ظرفاً هو في نفسه خبر فالأصل فيه أنه من العمد.
ثم قال:
وَهَمْزَ إِنَّ افْتَحْ لِسَدِّ مَصْدَرِ
…
مَسَدَّهَا وَفِي سِوَى ذَاكَ اكْسِرِ
هذا شروع منه في بيان مواضع كسر همزة (إنَّ) أو فتح همزة (إنَّ)، متى نقول:(إنَّ)، ومتى نقول:(أنَّ)، وجوباً في الحالتين ومتى يجوز الوجهان؟
أراد أن يبين لنا المواضع، وهذه كلها سماعية، بمعنى أنه يُسمع في لسان العرب ما كسرت فيه (إنَّ) أو ما فتحت فيه (أنَّ)، أو ما يجوز فيه الوجهان.
فالأحوال كم؟ ثلاثة، وجوب الفتح، وجوب الكسر، جواز الأمرين.
وكل من هذه الأحوال الثلاثة ينظمها ضابط إذا فهمه الطالب وعرف حينئذٍ لا يحتاج أن يعرف هذه المواضع،: كل موضع يحتاج فيه ما قبل (إنَّ) إلى مفرد، ولا يجوز صناعةً أن يكون جملة فإن همزة (إنَّ) تكون مفتوحة.
يعني إذا جاءت (إنَّ) ولا تدري هل هي (إنَّ) أو (أن) تنظر في هذه الجملة، هل يمكن أن تكون في مقام مفرد؟ بحيث يحتاجها ما قبلها أن يكون فاعل، أو مبتدأ، أو حال .. أو نحو ذلك، إن صح أن تعرب هذه الجملة في محل مفرد فيتسلط عليها العامل، فوجب حينئذٍ فتح (أن) مثل ماذا؟ ((أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا)) [العنكبوت:51] ننظر في: أَنَّا أَنْزَلْنَا أو إِنَّا أَنْزَلْنَا -القراءة ثابتة-؟ لكن نقول هنا: إذا تردد هل هي بالكسر أو بالفتح؟ نقول: انظر ما قبلها ((أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ)) [العنكبوت:51] يكفي هذا فعل، فحينئذٍ ننظر في هذه الجملة، ذاك الفعل لم يستوف فاعله، هل يمكن أن نجعل هذه الجملة تقوم مقام الفاعل وهو مفرد في المعنى؛ لأن (أن) تؤول بمفرد مصدر إن أمكن وصح صناعة، يعني في الإعراب حينئذٍ وجب فتح أن، فإن لم يمكن وجب كسر (إن).
إن جاز الوجهان يعني يمكن أن تكون جملة مستقلة، ويمكن أن يوجد مفرد فتكون الجملة في قوة المفرد تسلط عليها العامل السابق، ويمكن أن يتخلى عن هذا المفرد من جهة الإعراب .. حينئذٍ نقول: جاز الوجهان.
وكل ما اختلف فيه مرده إلى هذه المواضع الثلاثة، ثلاثة ضوابط لكل هذه الأبواب:
كل موضع يحتاج فيه ما قبل (إن) إلى مفرد، ولا يجوز صناعة أن يكون جملة فإن همزة (إن) تكون مفتوحة.
الثاني: كل موضع يحتاج فيه ما قبل (إن) إلى جملة ولا يجوز صناعة أن يكون مفرداً تكون همزة (إن) مكسورة.
ثالثاً: كل موضع يجوز فيه الوجهان صح فيه فتح الهمزة وكسرها، حينئذٍ من عنده ملكة في الإعراب يستطيع أن يعرف هذا الموضع هل هو بالكسر أو بالفتح.
قال رحمه الله: وَهَمْزَ إِنَّ افْتَحْ لِسَدِّ مَصْدَرِ
…
مَسَدَّهَا
وَهَمْزَ إِنَّ هذا بالنصب هَمْزَ مفعول به لقوله: افْتَحْ، افتح همز إن، متى؟ لِسَدِّ مَصْدَرِ مَسَدَّهَا
إذا صح أن يسد المصدر مسد الجملة حينئذٍ وجب فتح (إن) فيقال: أن.
وما سِوَى ذَاكَ إذا لم يصح أن تؤول الجملة بمصدر اكسر. افتح قال: اكسر، كم موضع؟ وَهَمْزَ إِنَّ افْتَحْ، وما سِوَى ذَاكَ اكْسِرِ كم موضع؟ موضعان، ونحن نريد أن ندخل الموضع الثالث، لا بد من إدخاله، فحينئذٍ إما أن نجعل افْتَحْ ليس على الوجوب –الأول-، وإما أن نجعل اكسر –الثاني- ليس على الوجوب، لا بد من التأويل في واحد منهما.
وَهَمْزَ إِنَّ افْتَحْ وجوباً، وجوباً بمعنى: أنه لا يجوز الكسر، هذه حالة واحدة.
وما سِوَى ذَاكَ اكْسِرِ وجوباً وجوازاً، فشمل حالتين.
وَهَمْزَ إِنَّ افْتَحْ وجوباً وجوازاً، وما سِوَى ذَاكَ اكْسِرِ وجوباً، إما أن يكون التأويل في الأول وإما أن يكون التأويل في الثاني، فيحمل صيغة افعل على الحقيقة والمجاز، افتح وجوباً وجوازاً، فيشمل ما تعين فيه الفتح، وهو المواضع التي يجب فيها فتح همزة (إن)، والمواضع التي يجوز فيها الوجهان ويفتح فيها في أحد الوجهين همزة (إن)، ويختص قوله: وما سِوَى ذَاكَ اكْسِرِ بالوجوب، أو بالعكس: هَمْزَ إِنَّ افْتَحْ يعني وجوباً لا يجوز إلا الفتح، وما سِوَى ذَاكَ اكْسِرِ وجوباً فيما لا يجوز فيه إلا الوجوب وجوازاً فيما جاز فيه الفتح، فيكون مرجحاً من هذه الحيثية.
وَهَمْزَ إِنَّ افْتَحْ لِسَدِّ مَصْدَرِ فهم منه أن الأصل المكسورة الهمز؛ لأنه قال: وَهَمْزَ إِنَّ افْتَحْ الأصل ماذا؟ (إن) و (أن) فرع عنها، وهذا هو المشهور عند النحاة، أن الأصل هي المكسورة الهمزة وقيل المفتوحة، وقيل هما معاً أصل، يعني لا أصالة لأحدهما على الآخر.
لِسَدِّ مَصْدَرِ هو مصدر خبرها إن كان مشتقاً، والكون إن كان جامداً، يعني كيف نقول: افْتَحْ لِسَدِّ مَصْدَرِ؟
نقول: إما أن يكون الخبر مشتقاً، وإما أن يكون جامداً -بأن يكون جامداً أو ظرفاً وجاراً ومجروراً-، على ما ذكرناه سابقاً في الموصولات الحرفية أنك تنظر في الخبر وتأتي بمصدر المشتق فتضيفه إلى اسم أن، علمت أن زيداً قائم، كيف سدت مسد المصدر هنا؟
نقول: علمت قيام زيد، علمت أن زيداً في الدار، علمت كون زيد في الدار، علمت أن زيداً أسد، علمت كون زيد أسداً، فتأتي بالكون تضيفه إلى علمت كون زيد الاسم ثم تنصب الخبر على أنه خبر للكون، وبعضهم يأت بالمصدر المولد، علمت أسدية زيد مضاف للياء والتاء، نقول: هذا مصدر مولد.
علمت أسدية زيد، وهذا جائز وذاك جائز.
وَهَمْزَ إِنَّ افْتَحْ لِسَدِّ مَصْدَرِ قال: لِسَدِّ مَصْدَرِ ولم يقل: لسد مفرد؛ لأنه قد يسد المفرد مسدها ويجب الكسر، المصدر أخص من المفرد، أيهما أعم؟ المفرد أعم من المصدر؛ لأن المفرد هذا يشمل زيد، وليس بمصدر، يشمل رجل وليس بمصدر، لكن المصدر يكون أخص، فقوله: لِسَدِّ مَصْدَرِ هذا مقصود، ولم يقل: لسد مفرد؛ لأنه قد يسد المفرد ويجب كسر (إن)، وذلك في باب ظن، أنه يقع المفعول الثاني جملة، فإذا كان مصدرة بـ (إن) وجب كسرها.
ظننت زيداً إنه قائم، جملة إنه قائم هذه في مقام المفرد؛ لأن ظن هذه داخلة على المبتدئ والخبر، فالأصل فيه -المفعول الثاني- أن يكون مفرداً، فإذا وقعت جملة إنه قائم حينئذٍ نقول: تفسر بالمفرد -في قوة المفرد- ومع ذلك لا نقول بأنه يجب فتح همزة أن.
وإنما قال: لسد مصدر، ولم يقل: لسد مفرد؛ لأنه قد يسد المفرد مسدها ويجب الكسر كالمثال الذي ذكرناه.
وَهَمْزَ إِنَّ افْتَحْ لِسَدِّ مَصْدَرِ
…
مَسَدَّهَا وَفِي سِوَى ذَاكَ اكْسِرِ
مَسَدَّهَا هذا ما إعرابه؟
لِسَدِّ مَصْدَرِ مَسَدَّهَا، ضربت زيداً ضرباً؟
مفعول مطلق.
لِسَدِّ مَصْدَرِ مَسَدَّهَا مع معموليها لزوماً بأن وقعت في محل فاعل كما في قوله تعالى: ((أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا)) [العنكبوت:51] أي: يَكْفِهِمْ إنزالنا، أو وقعت موقع نائب الفاعل ((قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ)) [الجن:1] أُوحِيَ هذا مغير الصيغة ((أَنَّهُ اسْتَمَعَ)) [الجن:1] انظر هنا وقعت ((أَنَّهُ اسْتَمَعَ)) الجملة، حينئذٍ إذا تردد هل هي بالكسر أو بالفتح تنظر ما قبلها ((أَوْحَيْ)) هذا يفتقر إلى نائب فاعل، إذاً هو مفرد، هل استوفى نائب فاعله؟ لم يستوف، لو أَوَّلْتَ هذه الجملة بمفرد حينئذٍ هل يتسلط عليه العامل فيرفعه على أنه نائب فاعل؟ نعم.
إذاً تقول هذه يجب أن تكون بالفتح ((أَنَّهُ اسْتَمَعَ)) أوحي استماع نفر من الجن، إذاً تقع أّنَّ في مقام الفاعل وفي مقام نائب الفاعل، وتأتي كذلك في مقام الاسم المجرور بحرف الجر، وتأتي في مقام المفعول به ((وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ)) [الأنعام:81] ولا تخافون إشراككم، هنا وقعت في موقع المفرد وهي جملة اسمية مصدرة بـ (إن) نقول: وجب الفتح، لماذا؟ لوقوعها مقام المفعول به، أو في موضع مجرور بحرف ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ)) [الحج:6] إذا جرت بحرف، -حرف جر- مباشرة تحكم عليها بأنها بفتح الهمزة وجوباً ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ)).
كذلك تأتي في مقام المبتدئ ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ)) [فصلت:39] ومن آياته رؤيتك الأرض، (رؤيتك) هذا مبتدأ مؤخر، إذاً وقعت في مقام المفرد، سدت مسد المصدر.
كذلك في موضع خبر مبتدئ بشرط أن يكون ذلك المبتدأ غير قول، وبشرط ألا يكون خبر أن صادقاً على ذلك المبتدئ: ظني أنك مقيم معنا اليوم، يعني ظني إقامتك، ظني أنك مقيم معنا اليوم .. ظني إقامتك، وعبر ابن هشام عن هذه الحالة بقوله: أو خبراً عن اسم معنىً غير قول ولا صادق عليه خبرها: اعتقادي أنه فاضل، حينئذٍ نقول: أنه فاضل هذا في قوة المصدر، ويعرب ماذا؟ اعتقادي هذا مبتدأ وأنه فاضل: خبر المبتدأ.
إذاً الحاصل أن قوله: لِسَدِّ مَصْدَرِ مَسَدَّهَا يعني مع معموليها لزوماً؛ بأن وقعت في محل فاعل كالآية التي ذكرناها، ولو كان الفعل مقدراً نحو:((وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا)) [الحجرات:5] ولو ثبت أنهم صبروا، يعني ولو ثبت صبرهم، على قول الكوفيين أن المرفوع بعد لولا فاعل ثبت مقدراً، وقال أكثر البصريين: هي مبتدأ محذوف الخبر وجوباً ((وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا)) [الحجرات:5] لو هذه هل يلزم أن يكون ما بعدها فعل؟
على قول الكوفيين: أن المرفوع بعد لو فاعل ثبت مقدراً.
وقال أكثر البصريين: هي مبتدأ محذوف الخبر وجوباً.
من هذين القولين تأخذ أن عند الكوفيين أنه لا يلي لو إلا الفعل، وعند البصريين لا يشترط، ليست كـ (إن) و (إذا) وإنما يستثنون (إن) و (إذا) لما سيأتي في باب الاشتغال.
أو مفعول غير محكي بالقول نحو: ((وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ)) [الأنعام:81] أو خبر عن اسم معنىً غير قولٍ ولا صادق عليه خبرها: اعتقادي أنك فاضل، بخلاف قولي: إنك فاضل، أو مجرور بالحرف كما ذكرناه سابقاً.
هذه المواضع قرابة التسع كلها تكون محلاً لـ (أن) فاعل، ومفعول به، ونائب فاعل، ومبتدأ، وموضع المضاف إليه ((إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ)) [الذاريات:23]، وكذلك إذا عطفت على شيء وجب فيه فتح أن، أو أبدلت من شيء وجب فيه فتح أن حينئذٍ نقول: هذه المواضع كلها يجب فيها الفتح، وتؤول بمصدر.
والضابط: هو أنه كل موضع صح أن يحل فيه المفرد ويتسلط عليه العامل، ويصح صناعة إعرابية .. حينئذٍ تعين أن يكون بالفتح.
ثم قال:
فَاكْسِرْ فِي الاِبْتِدَا وَفِي بَدْءِ صِلَهْ
…
وَحَيْثُ إِنَّ لِيَمِينٍ مُكْمِلَهْ
هذه الأحوال وجوب كسر همزة (إن)، فَاكْسِرْ وجوباً في ستة مواضع سيذكرها الناظم
فِي الابْتِدَا: يعني في ابتداء الجملة إما حقيقة وإما حكماً.
حقيقة متى؟ إذا لم يتقدمها شيء، لم يسبقها قطعاً ((إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)) [الكوثر:1] نقول: هذا واجب، لماذا؟ لأنها وقعت في ابتداء الكلام حقيقة، لم يسبقها شيء البتة ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)) [القدر:1] نقول: هذه وجب فيها كسر همزة إن.
أو حكماً بأن يسبقها شيء ولكن لا يخرجها عن كونها جملة ابتداءً، يعني لا يخرجها عن ابتدائيتها مثل: ألا ((أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ)) [يونس:62](إن) هنا نقول: واجبة الكسر، لأنها وقعت في ابتداء الكلام، كيف وقعت في ابتداء الكلام و (ألا) قبلها؟ نقول: أل الافتتاحية لا تؤثر في الجملة التي بعدها في كونها مبتدأً بها، فهي ابتدئ بها حقيقةً لكن باعتبار اللفظ (ألا) نقول: حكماً وإلا في نفسها فهي مبتدأ بها؛ لأنه لو نفي عنها الابتداء لما صح كسر همزة (إن).
فالثاني الواقعة بعد أل الاستفتاحية كالآية التي ذكرناها.
مثلها الواقعة بعد حَيْثُ، حيث هذه ملازمة للإضافة إلى الجمل، حينئذٍ إذا صدرت الجملة بـ (إن) وجب كسرها؛ لأنها في هذا التركيب هي مبتدأ بها (اجلس حيث إن زيداً جالس) بالكسر وجوباً، فحينئذٍ دخل هذا الموضع في قوله:(فَاكْسِرْ فِي الابْتِدَا) ومنه حيث؛ لأنها ملازمة للإضافة إلى الجمل، فإذا جاءت (إن) بعدها وجب كسرها.
والواقعة خبراً عن اسم ذات نحو: زيد إنه قائم، زيد مبتدأ، إنه قائم، نقول: وجب الكسر هنا، لأن الجملة وقعت خبراً عن اسم ذات، فحينئذٍ هي مبتدأٌ بها حكماً.
فَاكْسِرْ فِي الابْتِدَا إذاً قوله: فِي الابْتِدَا يشمل الابتداء حقيقة والابتداء حكماً، والابتداء حكماً يدخل تحته المستفتح بألا الاستفتاحية.
وَحَيْثُ: وإذا وقعت جملة خبراً عن اسم ذات، ولو زدنا عليه إذ؛ لأنها ملحقة بحيث لكان جيد.
فَاكْسِرْ فِي الابْتِدَا وَفِي بَدْءِ صِلَهْ: يعني في صدر الصلة، إذا وقعت (إن) في صدر الصلة وجب كسرها، جاء الذي إنه قائم، وجب الكسر؛ لأنها وقعت في صدر الصلة، لماذا كسرت إذا وقعت في صدر الصلة؟ نقول: سماعاً، هكذا العرب إذا أوردوا هذا الموضع كسروا وجوباً.
وَفِي بَدْءِ صِلَهْ: يعني ابتداء الصلة، سواء كان حرفاً أو اسماً، ومثل الصلة الصفة (مررت برجل إنه فاضل)، وأما الصلة فنحو:((إِنَّ مَفَاتِحَهُ)) [القصص:76] الذي إن مفاتحه، بخلاف حشو الصلة نحو: جاء الذي عندي أنه فاضل، لا يشترط فيه حشو الصلة، جاء الذي عندي أنه فاضل، لا يشترط فيه أن تكسر همزة (إن) هنا، بل تفتح؛ لأنها لم تقع في صدر الصلة، والذي وقع في صدر الصلة هو الظرف، وإن (لم) لم تأت، ومثله: لا أفعله ما أن في السماء نجماً، هنا بالفتح لا بالكسر، أي: ما ثبت أن في السماء نجماً.
وَحَيْثُ إِنَّ لِيَمِينٍ مُكْمِلَهْ، هذا الموضع الثالث الذي يجب فيه كسر همزة (إن).
حَيْثُ إِنَّ هذا مبتدأ.
لِيَمِينٍ مُكْمِلَهْ .. مكملة ليمين، يعني وقعت جواباً له، ومكملة هذا ما إعرابه؟
حَيْثُ إِنَّ: قلنا: (إن) مبتدأ، لِيَمِينٍ متعلق بقوله: مُكْمِلَهْ، مُكْمِلَهْ هذا خبر (إن)، أي وقعت جواباً له سواء مع اللام أو دونها، ولا فرق معها بين وجود فعل القسم أو لا ((وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ)) [العصر:1، 2].
حَيْثُ إِنَّ لِيَمِينٍ مُكْمِلَهْ، يعني وقعت جواباً للقسم، حينئذٍ يجب كسر همزة (إن)، وهذا يدخل تحته ثلاث صور، يعني مواضع كسر همزة (إن) في جواب القسم له ثلاثة أحوال؛ لأن الصور أربعة: واحدة يجوز فيها الوجهان، وثلاثة يجب فيه كسر همزة (إن).
الصورة الأولى: أن يذكر فعل القسم وتقع اللام في خبر (إن)، هنا يتعين مثل ((وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ)) [التوبة:56] (يَحْلِفُونَ) ذُكر القسم الفعل، ثم قال:((إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ)) جُمع بين الفعل واللام، وجب كسر همزة (إن).
الصورة الثانية: أن يحذف فعل القسم وتقع اللام في خبر (إن): ((وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي)) [العصر:1، 2]. وقعت اللام في في خبر (إن)، أين الفعل؟ محذوف ((وَالْعَصْرِ)).
في هذين الموضعين باتفاق إجماع أنه يجب كسر همزة (إن)، وانظر الضابط فيهما وجود اللام في خبر (إن)، وجدت اللام سواء ذكر الفعل أم حذف وجب كسر همزة (إن).
إذاً الضابط ليس هو في ذكر فعل القسم، بل ذُكِر في الأولى وحُذِف في الثانية ((وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ)) هنا جَمَعَ بين الأمرين: ذُكِرَ الفعل، ووجدت اللام في خبر (إن).
الثاني: ((وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي)) وُجِدت اللام وحُذف الفعل.
إذاً الضابط ما هو القدر المشترك؟: وجود لام الابتداء واقعة في خبر (إن) سواء حذف الفعل أم ذكر، في هاتين الصورتين بالإجماع أنه يجب كسر همزة (إن).
الثالث: أن يحذف فعل القسم ولا تقترن اللام بخبر (إن)، يحذف الأمران الاثنان: الفعل، واللام، هذه محل نزاع، والنزاع صوري مثل ماذا؟ {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ (3)} [الدخان: 1 - 2 - 3] ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ)) هذه جواب قسم، أين فعل القسم؟ محذوف، أين اللام؟ لا لام، إذاً انتفيا -الفعل واللام-، هنا يجب على مذهب البصريين كسر همزة (إن)، هذه الصورة اختلفوا فيها:
فالكوفيون أجازوا فيها الوجهين: الكسر والفتح، ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ)) ((أَنَّا أَنزَلْنَاهُ)) يجوز فيها الصورتان، والبصريون منع الفتح وأوجبوا الكسر، وقد غُلِّطَ الكوفيون في هذه المسألة، وحكي الإجماع السابق على أنه يجب فيها الكسر؛ لعدم السماع، لم يأتوا بسماع لفظ واحد أنه فيما إذا حذف فعل القسم مع اللام أنه يجوز فيها فتح همزة أن، لا يحفظ أبداً في لسان العرب، ولذلك نص السيوطي في جمع الجوامع على أن الكوفيين غَلِطُوا في هذه المسألة، مذهبهم غلط من أصله، فحينئذٍ تكون هذه المسائل كلها الثلاث مجمع عليها، وإن كان الإجماع في الصورة الأولى والثانية متحقق، وفي الثالثة على النزاع المذكور.
وَحَيْثُ إِنَّ لِيَمِينٍ مُكْمِلَهْ يدخل تحته هذه الصور الثلاثة، بقي صورة واحدة يجوز فيها الوجهان يأتي هناك إن شاء الله.
أَوْ حُكِيَتْ باِلْقَوْلِ: الباء هذه باء الآلة حكيت ما هو الذي حكي؟ (إن) ومعمولاها ((قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ)) [مريم:30] قال إني، يقول إني، قل إني .. كل ما تصرف من مادة قال، فإذا جاءت بعده (إن) فبالكسر فلا تلحن.
أَوْ حُكِيَتْ بِالْقَوْلِ أَوْ حَلَّتْ مَحَلّ
…
حَالٍ: جاءت بموضع حال، جملة سواء تقدمتها الواو أم لا، أن تقع في جملة في موضع الحال كما مثل الناظم: كَزُرْتُهُ وَإِنِّي ذُو أَمَلْ
زُرْتُهُ فعل وفاعل ومفعول به، وإني الواو هذه واو الحال، إني وقعت (إن) بعد الواو، هل هو خاص بالواو أم أنه عام؟ عام ((إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ)) [الفرقان:20] هذه الجملة حالية وجاءت مكسورة وهي بدون واو، إذاً لا يشترط فيها الواو كما هو ظاهر كلام الناظم.
أوْ حَلَّتْ مَحَلّ
…
حَالٍ (إن) ومعمولاها (محل) هذا مفعول فيه، حَالٍ إما مع الواو كما ذكره الناظم أو بدونها.
ولم تفتح هنا (إن) لماذا؟ لأن وقوع المصدر حالاً وإن كثر سماعي، قد يقول قائل: لماذا -الحال الأصل فيها أنها مفردة كما سيأتي- لماذا منعنا في هذه الصورة الفتح وأوجبنا الكسر؟ لأننا إذا أولنا أولناه بمصدر، وحينئذٍ المصدر هل يقع حالاً قياساً؟ الجواب: لا، وإنما هو مع كثرته سماعي، وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ حَالاً يَقَعْ
…
بِكَثْرَةٍ، كثير لكنه قياسياً، وإنما هو سماعي، وقوع المصدر حالاً وإن كثر سماعي على أن السماعي إنما ورد في المصدر الصريح لا المؤول، ولأن المصدر المنسبك مع أن المفتوح الناصبة لمعرفة معرفة والحال نكرة.
يعني: قد يرد أن المصدر يكون معرفة، مصدر أن المفتوحة الناصبة لمعرفة يكون معرفة، إذا نصبت أنّ معرفة صار المصدر معرفة، وإذا نصبت لنكرة ولو كانت مخصصة، حينئذٍ صار نكرة، ولا يقع المصدر المعرفة حالاً البتة.
إذاً لا تكون الجملة الحالية سواء سبقت بواو أو لا، لا تكون مفتوحة الهمزة بل يجب فيها الكسر.
وَكَسَرُوا مِنْ بَعْدِ فِعْلٍ عُلِّقَا: هذا الموضع السادس.
وَكَسَرُوا: أيضاً أي العرب نطقوا بها مكسورة.
مِنْ بَعْدِ فِعْلٍ –قلبي- عُلِّقَا، سيأتينا في باب ظن وأخواتها ما يسمى بالتعليق، فإذا علق الفعل حينئذٍ وجب كسر همزة (إن)
مِنْ بَعْدِ فِعْلٍ –قلبي- عُلِّقَا أي الفعل، والألف للإطلاق بِالَّلَامِ لام الابتداء فقط، من المعلقات لام الابتداء مثل ماذا؟ كما مثل الناظم: كَاعْلَمْ إِنَّهُ لَذُو تُقَى.
اعْلَمْ إِنَّهُ لَذُو تُقَى، هنا دخلت اللام على خبر (إن)، اعْلَمْ إِنَّهُ لَذُو تُقَى، الأصل في دخول اللام هنا يكون على (إن) هذا الأصل؛ لأن التعليق إنما يكون بين الفعل وبين معموليه (ظننت لزيد قائم) هذا مثال واضح، (ظننت زيداً قائماً) ظننت زيداً: زيداً مفعول أول، وقائماً مفعول ثاني، قد يعلق العمل في اللفظ فَيَنْصَبُّ على المحل، يعلق: يعني لا يُنصب في اللفظ وإنما يكون العمل في المحل كما سيأتي.
من المُعَلِقَات اللام، فإذا قلت: ظننت زيداً قائماً، ظن نصبت لفظاً، ظننت لزيد قائم، اللام لام الابتداء، زيد مبتدأ وقائم خبر، والجملة من المبتدئ والخبر في محل نصب مفعولي ظننت، لماذا وجه النصب إلى المحل دون اللفظ؟ لوجود اللام -لام الابتداء-.
إذاً اللام تكون داخلة على الاسم الأول.
اعْلَمْ (لَإِنَّهُ) هذا الأصل، لكن لا يجتمع مؤكدان، فزحلقت اللام.
لَذُو تُقَى: أصل اللام هذه مزحلقة ليست اللام داخلة على الخبر، فحينئذٍ صارت هذه اللام معلِّقة، فإذا علقت جملة كانت مصدرة بـ (إن) وجب كسرها، وَكَسَرُوا أيضاً مِنْ بَعْدِ فِعْلٍ عُلِّقَا بِالَّلَامِ -لام الابتداء فقط لا غيرها- كَاعْلَمْ إِنَّهُ لَذُو تُقَى.
قال أن تقع بعد فعل من أفعال القلوب وقد علق عنها باللام نحو: (علمت إن زيداً لقائمٌ) وسنبين هذا في باب ظن، فإن لم يكن في خبرها اللام فتحت نحو: علمت أن زيداً قائم.
إذاً هذه المواضع الستة يجب فيها كسر همزة (إن)، زاد المصنف: إذا وقعت بعد (ألا) الاستفتاحية، أُوُرِدَ على المصنف، -وهل هذا يرد عليه-؟ لا، لماذا؟ لأنها داخلة في قوله: فَاكْسِرْ فِي الابْتِدَا.
كذلك أورد عليه: إذا وقعت بعد حيث، هل يرد عليه؟ لا يرد عليه، وإنما هي داخلة في قوله: فَاكْسِرْ فِي الابْتِدَا.
إذا وقعت في جملة هي خبر عن اسم عين (زيد إنه قائم) يرد عليه؟ لا يرد عليه؛ لأنها داخلة في قوله: فَاكْسِرْ فِي الابْتِدَا.
فقوله: فَاكْسِرْ فِي الابْتِدَا يشمل الابتداء الحقيقي والابتداء الحكمي، ولذلك قال: ولا يرد عليه شيء من هذه المواضع لدخولها تحت قوله: فَاكْسِرْ فِي الابْتِدَا؛ لأن هذه إنما كسرت لكونها أول جملة مبتدئٍ بها.
كذلك الصفة: مررت برجل إنه فاضل، يجب كسر همزة (إن) في هذا الموضع، أو لـ (إذ)، جئتك إذ إن زيداً أمير).
ثم قال من بعد: بَعْدَ إِذَا فُجَاءَةٍ أوْ قَسَمِ.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
…
!!!