الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* تأنيث عامله وحكم التأنيث
* إتصال الفاعل بعامله. وصور وجوب الإتصال
* متى يجب تقديم المفعول على الفاعل.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
لا زال الحديث في باب الفاعل، وقد عنون له الناظم رحمه الله تعالى بقوله: الفاعل. وقد ذكر رحمه الله تعالى الحدَّ بالمثال كما ذكرناه سابقاً في قوله:
الْفَاعِلُ الَّذِي كَمَرْفُوعَيْ أَتَى
…
زَيْدٌ مُنِيراً وَجْهُهُ نِعْمَ الْفَتَى
وحقيقة الفاعل أُخذت من المثال، وهذه طريقة الناظم رحمه الله تعالى؛ يعرِّف بالمثال، وهو مُعْتَبَر عند المتقدمين أنهم يعرِّفون الشيء بالمثال، ولذلك قال سيبويه:
الاسم كـ: زيد والفعل كـ: قام والحرف كـ (إذا)، عرَّفه بالمثال، وهذا لا بأس.
وهنا قال:
أَتَى
…
زَيْدٌ مُنِيراً وَجْهُهُ نِعْمَ الْفَتَى
عدد الأمثلة لما ذكرناه بالنظر إلى عامل الفاعل، وقد يكون فعلاً -وهو الأصل-، وقد يكون وصفاً وهو فرع مُنِيراً وَجْهُهُ، ثم الفعل قد يكون متصرفاً وقد يكون جامداً.
ذكر في هذا الباب سبعة أحكام للفاعل، أشار إلى الأول -وهو الرفع- بقوله: كَمَرْفُوعَيْ، وهذا يشمل: الرفع الظاهر والرفع المقدر والرفع المحلي، ويشمل الرفع إذا كان بحركة أو بحرف.
الرفع الظاهر واضح، والرفع المقدر كذلك إذا كان مقصوراً أو منقوصاً أو مضافاً إلى ياء المتكلم: جاء غلامي نقول: هذا مقدر الحركة فيه، جاء الفتى مثل ما ذكر الناظم:
نِعْمَ الْفَتَى، وقد يكون محلياً وذاك فيما إذا كان الفاعل مبنياً أو كان مؤولاً بالصريح، أو إذا كان محلياً أو .. المحلي إذا كان مؤولاً بالصريح أو كان مبنياً، فقط في هذين البابين. وأما إذا كان مجروراً بحرف الجر الزائد كـ (الباء ومن) وحينئذٍ يكون من المقدر أو المحلي؟ قلنا: فيه نزاع، والصواب أنه من المقدر. هذا الحكم الأول وهو الرفع.
والثاني: وجوب تأخيره عن عامله، وأشار إليه بقوله: وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعلٌ.
الثالث: لا بد منه في الظاهر وإلا مستتر، وأشار إليه بقوله:
فَإنْ ظَهَرْ
…
... فَهْوَ وَإلاّ فََضَمِيرٌ اسْتَتَرْ
والرابع: تجريد الفعل إذا أسند لمثنىً أو جمع، ومثله الوصف، إنما يذكر الفعل دائماً لأنه أصل في العمل، وأشار إليه بقوله: وَجَرِّدِ الْفِعْلَ .. البيتين. وقلنا: هذا هو الأصل في لسان العرب أنه يجرد، وَقَدْ يُقَالُ سَعِدَا وَسَعِدوا قلنا: هذه لغة بني الحارث أو نسبت إلى طي، ولكنها ليست بالمشهورة، فلا يحمل عليها فصيح الكلام، يعني: إذا جاء في القرآن ما ظاهره أنها لغة طي أو لغة أَكَلُوني الْبَرَاغِيثُ أو {يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ} ، سمها بما شئت؛ إذا جاء ظاهر القرآن على هذه اللغة لا ينبغي إعرابه؛ لأن الألف أو الواو حرف وما بعده فاعل، ولذلك جاء قوله:((وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)) وَأَسَرُّوا: -بالواو- النَّجْوَى: مفعول به، الَّذِينَ ظَلَمُوا، وهذا ظاهره مثل: قاموا الزيدون -ظاهره مثله-؛ لكن نقول: ينبغي -هنا- أن يجعل (الَّذِينَ) بدل أو جملة: أَسَرُّوا النَّجْوَى خبر مقدم، ولا ينبغي حمله على هذه اللغة.
وكذلك: ((ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ)) كَثِيرٌ: هذا مبتدأ مؤخر، وعَمُوا: بالواو، وظاهره أنه على لغة: أَكَلُوني الْبَرَاغِيثُ، وحينئذٍ ينبغي حمله على ما ذكرناه، ومثله:{يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ} يَتَعَاقَبُونَ –بالواو-، مَلَائِكَةٌ، نقول: هذا يجب حمله على ما ذكرناه.
إذاً: الرابع: تجريد الفعل إذا أسند لمثنى أو جمع.
الخامس: أنه يحذف الرفع جوازاً إذا دل عليه دليل، وأشار إليه بقوله: وَيَرْفَعُ الْفَاعِلَ
…
البيت -هذا الخامس-.
والسادس -وهو ما وقفنا عليه- وأشار إليه بقوله: وَتَاءُ تَأنِيثٍ، والمراد به: أن الفعل إذا كان الفاعل مؤنث حينئذٍ يؤنَّث الفعل باعتبار فاعله –مطلقاً- سواء كان مؤنثاً تأنيثاً حقيقياً أو كان تأنيثاً مجازياً، وحينئذٍ نقول: يلحق بالفعل علامة تدل على تأنيث الفاعل، قلنا: ثَمَّ فرق بين أن نلحقه علامة تدل على تأنيث الفاعل، وبين أن نلحقه علامة تدل على أنه مثنى أو جمع، إذ الأول -علامة تأنيث الفاعل- هذه مجمع عليه في سائر لغات العرب، ليست خاصة بلغة دون لغة.
كذلك قد يلتبس الفاعل: قام هند، هند هذا علم لمذكر وقد يقال لمؤنث، يسمى به ذاك وذاك، كذلك زيد قد يسمى به مذكر ومؤنث، حينئذٍ إذا لم نأت بعلامة تدل على أنه مؤنث وقعنا في لبس وحينئذٍ لا بد من التأنيث.
ثالثاً: أن التأنيث قد يكون واجباً في بعض الأحوال كما سيأتي: وَإِنَّمَا تَلْزَمُ فِعْلَ مُضْمَرِ
…
الخ، وحينئذٍ نقول: هذا واجب في بعض أحواله، وأما في لغة من ألحق بالفعل علامة تثنية أو جمع لا يوجبونه، وإنما هو جائز أن نقول: قاما الزيدان وقام الزيدان على الأصل، فدل على أنهم يعرفون هذه اللغة الأصل، وإنما ألحقوا العلامة -علامة التثنية أو الجمع- بالفرعية.
إذاً: يؤنَّث الفعل له إذا كان مؤنثاً بتاء ساكنة في آخر الماضي، وبتاء المضارع في أول المضارع، فيقال: قامت هند فيؤنث، ويقال: هند تقوم، تقوم هند؛ التاء هذه للتأنيث اكتفاءً بحرف المضارعة، ولا تتصل به تاء التأنيث الساكنة.
قال رحمه الله:
وَتَاءُ تَأْنِيثٍ تَليِ المَاضِي إِذَا
…
كَانَ لأُِنْثَى كَأَبَتْ هِنْدُ الأَذَى
وَتَاءُ تَأنِيثٍ تَلِي المَاضِي: تاء تأنيث ساكنة أصالة، وهي علامة من علامات الماضي: وَمَاضِيَ الأفْعَالِ بِالتَّا مِزْ -كما سبق-.
تَلِي المَاضِي: التَّاءُ مبتدأ، وهو مضاف وتَأنِيثٍ مضاف إليه وتَليِ - هي- التاء جملة في محل رفع خبر، والماضي هذا مفعول به سُكِّن للوزن، مَاضِيَ أصله الماضيا، يجب تسكينه من أجل الوزن، وحينئذٍ نقول: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الضرورة.
إذَا كَانَ لأُِنْثَى: إذا كان الماضي مسنداً لأنثى.
كَأَبَتً هِنْدُ الأَذَى: أَبَتْ أبى امتنع، أَبَتْ هِنْدُ، هند هذا فاعل وهو مؤنث، وحينئذٍ نقول: تلحقه تاء تدل على أنه مؤنث، هذه التاء هي ميزة وعلامة للفعل الماضي، وهي خاصة بالفعل الماضي لا تدخل على الفعل المضارع، ولا تدخل على فعل الأمر، لا تلحق الفعل المضارع لاستغنائه بتاء المضارعة، وكذلك لا تدخل الأمر لاستغنائه بالياء في المفرد والنون في الجمع، قومي: الياء هذه للمؤنث، كذلك: قمن؛ النون هذه للمؤنث، فاكتفينا بالياء والنون عن إلحاقه بتاء التأنيث الساكنة، فهي خاصة بالفعل الماضي.
وَتَاءُ تَأنِيثٍ: قلنا: من إضافة الدال للمدلول، يعني: تدل على تأنيث مدخولها، والمراد هنا: تدل على تأنيث الفاعل، ولسنا في مقام ذكر الفعل بجعلها علامة، هنا تَاءُ تَأنِيثٍ أخص، المراد به: تاء تأنيث تدل على تأنيث الفاعل، وسبق في مقام العلامات قلنا: تاء تأنيث تدل على تأنيث المسند إليه، هناك نعمم وهنا نخصص، والأولى أن نخصص هنا، نقول: تاء تأنيث ساكنة أصالة فلا يضر تحريكها لعارض تدل على تأنيث الفاعل، وحينئذٍ هي خاصة به.
تَلِي المَاضِي: يعني تتصل بالماضي، -الفعل الماضي-، ومثله الوصف، لكن اللاحقة له حركتها حركة إعراب؛ لأنها ليست ساكنة بل هي متحركة، أقائمة هند، نقول: أقائمة هذا مبتدأ، وهو معتمِد على استفهام، وحينئذٍ ما بعده فاعل، فهند فاعل رفعه قائمة، ما حكم التأنيث هنا؟ نقول: لا بد من التأنيث، بماذا يؤنث؟ بتاء التأنيث الساكنة؟ لا، وإنما يؤنث بالتاء المتحركة المربوطة، نقول: أقائمة؛ التاء هذه تاء تأنيث، دلت على تأنيث الفاعل.
إذاً: تَلِي المَاضِي كذلك الوصف إذا رفع الفاعل، وحينئذٍ إذا تلت الماضي، تكون متأخرة عنه: قامت هند. وهل يؤنث الفعل المضارع؟ نقول: نعم يؤنث، ولكن التاء تكون فيه تاء المخاطبة التي هي تقوم -تاء الخطاب-، هذه الحرف -حرف المضارعة- أغنى عن استجلاب تاء زائدة على مجرد هذه التاء، لماذا؟ لأنك لو قلت: قومت تقومت هند يعني: جمع فيه علامتا تأنيث، وهذا ممتنع: أن يكون في اللفظ الواحد علامتان على مدلول واحد، فحينئذٍ إذا وجدت علامة متقدمة اكتفينا بها عن علامة مستجلبة.
وَتَاءُ تَأنِيثٍ: ساكنة.
تَلِي المَاضِي: وكان حقها ألا تلحقه؛ لأن معناها في الفاعل، إلا أن الفاعل لما كان كجزء من الفعل جاز أن يدل بالفعل على معنىً في الفاعل، كما جاز أن يتصل بالفاعل علامة رفع الفعل في الأمثلة الخمسة -هذا مثل ما ذكرناه يضاف إلى ما سبق-.
لماذا اتصلت تاء التأنيث بالفعل؟ هي لتأنيث الفاعل، حينئذٍ الأصل تتصل بالفاعل لا تتصل بالفعل، إذا قيل: قامت هند؛ هند هو الفاعل، والتاء هذه جاءت لتدل على أن الفاعل مؤنث، إذاً: الأصل تلحق المعمول، هذا الأصل، لماذا ألحقت بالعامل؟ لأن الفاعل كجزء من الفعل، كما ذكرناه، وهذا دليل ثالث يضاف إلى ما سبق.
كالنون التي تكون علامة للرفع في الأمثلة الخمسة، وهذا يدل على أن الفاعل كجزء من الفعل، وكأن الفاعل مع فاعله كلمة واحدة، ولذلك إذا أنث الفاعل جيء بعلامة اتصلت بالفعل، وهذا دليل على أنهما امتزجا.
وَتَاءُ تَأنِيثٍ تَلِي المَاضِي إِذَا كَانَ -الماضي- لأُِنْثَى: يعني مسنداً لفاعل هو أنثى؛ لتدل على تأنيث الفاعل، كقولك: أَبَتْ، أبى: فعل ماض، وهند: هذا فاعل، هندُ بمنع الصرف، يجوز فيه وجهان، والمنعُ أحَقْ كما سيأتي: والمنعُ أولى، وإلا يجوز أن يقول: هندٌ وهندُ بالمنع للصرف وبصرفه، والمنعُ أحَقْ.
أَبَتْ هِنْدُ الأَذَى: أَبَتْ أبى: فعل ماضي، والتاء: هذه حرف دال على تأنيث الفاعل مبني على السكون لا محل له من الإعراب، وهند: فاعل، نقول: هند فاعل مؤنث، ما الذي دلنا؟ وجود التاء السابقة المتصلة بالفعل، وانظر التاء هنا اتصلت بالفعل ولم تتصل بالفاعل.
الأَذَى: نقول: هذا مفعول به.
وكذلك إذا كان الفاعل مجازياً -مجازي التأنيث-، طلعت الشمس، كما تقول: أبت هندُ، وهذا فيه مثال يتعلق بالفاعل إذا كان مؤنث تأنيثاً حقيقياً، والمؤنث الحقيقي: هو ما له فرج أو يبيض كما سبق، وأما ما ليس له فرج فحينئذٍ نقول: هذا تأنيث مجازي وليس بتأنيث حقيقي، مثل: الشمس، ((وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا))، ((وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا)) أعاد الضمير عليها مؤنثاً فدل على أنها مؤنثة، وحينئذٍ تقول: طلعت الشمس.
إذاً: إذا كان الفاعل مؤنثاً سواء كان تأنيثاً حقيقياً أو مجازياً حينئذٍ اتصلت بالفعل الماضي علامة تدل على أنه مؤنث، أخبرنا بهذا البيت بالاتصال فحسب من حيث هو، ولكن هذه التاء قد تكون لازمة وقد تكون جائزة، يعني: التأنيث قد يكون واجباً وقد يكون جائزاً، بهذا البيت لم يشر إلى هذا، وإنما مراده مجرد أصل المسألة وهي: أنه تلحق الفعل علامة تدل على تأنيث الفاعل وهو ما ذكرناه.
إذا أسند الفعل الماضي إلى مؤنث لحقته تاء ساكنة تدل على كون الفاعل مؤنثاً، ولا فرق في ذلك بين الحقيقي والمجازي، قامت هند وطلعت الشمس، لكن لها حالتان: حالة لزوم وحالة جواز، متى يجب التأنيث ومتى يجوز؟ يجب في موضعين اثنين وما عداهما فهو جائز، إذا حفظ الموضعان الواجبان حينئذٍ عرفت الجائز، يجب في موضعين ويجوز في أربعة مسائل.
وَإِنَّمَا تَلْزَمُ فِعْلَ مُضْمَرِ
…
مُتَّصِلٍ أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ
شرع باللزوم وهو ما يجب تأنيثه من الفعل، متى يجب التأنيث؟ قال:
وَإِنَّمَا تَلْزَمُ فِعْلَ مُضْمَرِ
…
مُتَّصِلٍ -هذه المسألة الأولى-.
أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ: -هذه المسألة الثانية- وحصرها في الموضعين بقوله: إِنَّمَا تَلْزَمُ، يعني: يجب اتصال هذه التاء بالفعل إذا كان من المسألتين المذكورتين، وحينئذٍ قوله:(إِنَّمَا) أفاد الحصر، ولذلك غير هذين الموضعين لا يجب فيها التأنيث، وإنما يجب في هذين الموضعين فحسب.
إِنَّمَا؛ قلنا: حصر فلا تلزم التاء في غير هذين الموضعين.
وَإِنَّمَا تَلْزَمُ هذه التاء من الأفعال.
فِعْلَ مُضْمَرِ: فعل فاعل مضمر، يعني: النظر هنا إلى الفاعل؛ لأننا نحكم بوجوب اتصال التأنيث أو بجوازها بالنظر إلى الفاعل، ننطلق من الفاعل، هل هو مؤنث أو لا؟ إن كان مذكر لا نحتاج، وإن كان مؤنث حينئذٍ هل هو مؤنث تأنيث حقيقي أو لا؟ وننطلق من الفاعل، هنا قال: وَإِنَّمَا تَلْزَمُ فِعْلَ مُضْمَرِ: يعني فعل فاعل مضمر –ضمير-، سواء كان ضميراً مستتراً أو ضميراً بارزاً.
مُتَّصِلٍ: لا منفصل، متصل به يعني: بالفعل، وإنما يكون كذلك إذا عاد الضمير إلى متقدم، لأن الفاعل إذا كان متأخراً عن الفعل لا يمكن أن يكون في الفعل ضمير مستتر أو بارز إلا على لغة أَكَلُوني الْبَرَاغِيث، وحينئذٍ نقول: إذا قال: تلزم التاء فعل فاعل مضمر؛ حينئذٍ تعين أن يكون الفعل قد أسند إلى ضمير مستتر أو بارز، وهذا إنما يكون إذا تقدم عليه المؤنث، فتقول: هند قامت –بالتأنيث-، لماذا؟ لأن الفعل هنا (قام) أسند إلى فاعل ضمير يرجع إلى مؤنث، بقطع النظر عن كونه مؤنثاً حقيقياً أو مجازياً، (الشمس طلعت) –بالتأنيث-، واجب التأنيث هنا، لأن الفعل أسند إلى فاعل ضمير يعود إلى مؤنث بقطع النظر عن كونه مجازي أو حقيقي، وحينئذٍ إذا أسند الفعل إلى ضمير يرجع إلى مؤنث وجب تأنيث الفعل مطلقاً بدون نظر إلى نوع هذا التأنيث.
وَإِنَّمَا تَلْزَمُ فِعْلَ مُضْمرِ: يعني فعل فاعل مضمر، فعلاً مسنداً إلى ضمير، سواء كان الضمير مستتراً أو بارزاً، الزيدان قاما، الهندان قامتا، أين التأنيث؟ قامتا أُنِّث، ما حكم التأنيث هنا؟ واجب، لماذا؟ لأن الفعل أسند إلى فاعل ضمير، أين هو الضمير؟ الألف، الألف هذه فاعل ترجع إلى مؤنث حقيقي التأنيث، وحينئذٍ نقول: الهندان قامتا فالتأنيث واجب.
مُتَّصِلٍ به، يعني: بالفاعل لا منفصل، وهل يتصور الانفصال؟ نقول: نعم، يتصور الانفصال، لو قال: هند ما قام إلا هي، ما نقول: هند ما قامت إلا هي، لا يصح هذا، لماذا؟ لأن الفاعل الحقيقي هنا مذكر محذوف، وهو: ما قام أحد إلا هي، وحينئذٍ هنا رجع الضمير وهو (هي) إلى متقدم وقد أسند الفاعل إليه، ما قام إلا هي، هي: هذا هو الفاعل، لكن في المعنى يعني تحليل معنى تقدير معنى نقول: الأصل أن الفاعل هنا مذكر وهو لفظ أحد، كما سيأتي هناك في: ما استثني بـ (إلا): كَمَا زَكَا إِلَاّ فَتَاةُ ابْنِ الْعَلَا.
أن يسند الفعل إلى ضمير مؤنث متصل، ولا فرق في ذلك بين المؤنث الحقيقي والمجازي، فتقول: هند قامت، وهند تقوم (هي)، تقوم هذا التأنيث واجب، التاء هنا واجبة، والشمس طلعت، والشمس تطلع، نقول: التأنيث هنا واجب، والفعل المضارع واجب. ولا تقل: قام ولا طلع، هند قام، الشمس طلع لا يصح، بخلاف طلعت الشمس إذا تأخر وقامت هند، نقول: هذا واجب التأنيث، ومثله إذا تقدم، وأما الشمس نقول: هذا مجازي التأنيث إذا تأخر عن عامله جاز فيه الوجهان، وأما إذا تقدم صار من النوع الواجب.
إذاً: النوع الأول مما يجب فيه التأنيث: أن يسند الفعل إلى ضمير مستتر أو بارز متصل به يعود إلى مؤنث بقطع النظر عن كونه مجازياً أو حقيقياً.
الموضع الثاني أشار إليه بقوله: أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ: بمعنى أنه مؤنث تأنيث حقيقي، إذا أسند الفعل إلى اسم ظاهر وهذا الاسم مؤنث تأنيثاً حقيقياً بمعنى أن له فرج، كما قال هنا: مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ: يعني صاحبة فرج، وهذا هو المؤنث الحقيقي، نحو: قامت هند وقامت الهندان وقامت الهندات، قامت هند وقامت الهندان هذا متفق عليه، وأما قامت الهندات؛ هذا محل نزاع، وسيأتي في موضعه.
إذاً: أَوْ: هذه (أَوْ) للتنويع.
مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ: أو فعل أسند إلى فاعل ظاهر متصل، أو فعلاً مسنداً إلى ظاهر، فحينئذٍ نقول: يجب تأنيث الفاعل، وهذا مقيد بالبيت الذي يليه.
وَقَدْ يُبِيْحُ الْفَصْلُ تَرْكَ التَّاءِ فِي
…
نَحْوِ أَتَى الْقَاضِيَ بِنْتُ الْوَاقِفِ
يعني: ولم يفصل بين عامله مطلقاً، لم يفصل بينه وبين عامله، ولم يكن العامل نِعْم وبئس، ليس كل مؤنث حقيقي التأنيث أسند إليه فعل صار واجباً لا، بل لا بد أن يكون متصلاً به، فتقول: قامت هند؛ متصل بالعامل، أما إذا قلت: حضرت اليوم هند؛ هذا يجوز فيه الوجهان للانفصال.
أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ: يعني أن يسند الفعل إلى اسم ظاهر.
ذَاتَ حِرِ: يعني مؤنث تأنيث حقيقي، والحِرِ: المراد به الفرج، يعني: صاحبة فرج، يعني تلد، سواء كان من العقلاء أو من غيرهم، وحينئذٍ نقول: هذا مما يجب فيه التأنيث وهو المؤنث الحقيقي، بشرط الاتصال، وأُخذ هذا الشرط من البيت الذي بعده، وبشرط: أن يكون العامل غير نِعْم وبئسِ:
وَالْحَذْفَ فِي نِعْمَ الْفَتاةُ اسْتَحْسَنُوا .. سيأتي مستثنى.
إذاً: بهذين القيدين، حينئذٍ يجب التأنيث، وهذه كلها محل وفاق لا خلاف فيها.
الثاني: أن يكون الفاعل ظاهراً متصلاً.
حقيقي التأنيث، نحو: قامت هند، وهو المراد بقوله: أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ، وأصل حِرِ: حِرِحٌ، فحذفت لام الكلمة، وفهم من كلامه أن التاء لا تلزم في غير هذين الموضعين، فلا تلزم في المؤنث المجازي الظاهر فتقول: طلع الشمس وطلعت الشمس، ولا في الجمع على ما سيأتي تفصيله.
إذاً: يجب تأنيث الفاعل في موضعين اثنين لا ثالث لهما، وأشار إلى الحصر بقوله: وَإِنَّمَا، وحينئذٍ نقول: هذه شروط له، لكن ينبغي تقييد الثاني: أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ بشرطين: الاتصال، وهذا مفهوم من البيت الذي يليه، وكذلك: أن يكون الفاعل نِعمْ وبئس، وحينئذٍ نقول: جاز نعمت المرأة هند ونعم المرأة هند، مع أن المرأة هذه ذَاتَ حِرِ صاحبة فرج، ومع ذلك جاز فيه الوجهان، هذا مستثنى لما سيأتي في محله.
وَقَدْ يُبِيْحُ الْفَصْلُ تَرْكَ التَّاءِ فِي
…
نَحْوِ أَتَى الْقَاضِيَ بِنْتُ الْوَاقِفِ
قلنا: السابق: أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ بشرط الاتصال، فإن انفصل؟ قلنا: مسألتان موضعان يجب فيهما التأنيث، انتهينا منهما، الآن سيشرع في جائز التأنيث.
وَقَدْ يُبِيْحُ الْفَصْلُ: فصل ماذا؟ العامل عن المؤنث الحقيقي، أما المؤنث المجازي وإن كان داخلاً في كلامه إلا أنه سواء فصل أو لم يفصل حينئذٍ يجوز فيه الوجهان: طلعت الشمس وطلع الشمس، وإن لم يفصل، حتى لو فصل نقول: طلعت الشمس وطلع الشمس؛ يجوز فيه الوجهان.
أما الحقيقي التأنيث إذا اتصل بعامله ولم يكن نِعْم وبئس وجب التأنيث، إذا فصل بينهما قلنا: جاز التأنيث وجاز تركه، والإثبات أجود، يعني: التأنيث أجود، لذا قال: أَتَى الْقَاضِيَ بِنْتُ الْوَاقِفِ.
بِنْتُ: هذا ذَاتَ حِرِ، فالأصل فيه وجوب التأنيث، أتى ما قال: أتت، لو أنث لقلنا: أتت، ويجوز ترك التأنيث فتقول: أتى القاضي بنت الواقف، فصل بين العامل والفاعل وهو بنت الواقف بالمفعول به، فلو تأخر تقول: أتى بنت الواقف القاضي وجب التأنيث، وجب التأنيث لاتصال هذا بعامله، وأما إذا فصل بينهما حينئذٍ نقول: جائز التأنيث، وهذا محل وفاق أيضاً.
وَقَدْ يُبِيْحُ: قد هنا للتقليل.
يُبِيْحُ: هنا جمع بين الإباحة وقد التي تفيد التقليل، دل على أن الإثبات أجود وأولى من الحذف، فأتت القاضي بنت الواقف أفصح من قولنا: أَتَى الْقَاضِيَ بِنْتُ الْوَاقِفِ، لماذا؟ لكون الأصل في المؤنث الفاعل المؤنث الحقيقي أنه يؤنث، هذا الأصل فيه، فإذا فصل بينهما جوَّز الترك ولم يكن هو الأفصح والأشهر، وإنما بقاؤه على ما هو عليه هو الأولى، لأنه لا زال فاعلاً، بالفصل لم ينفك عنه وصف الفاعل، فبقاؤه فاعل وهو مؤنث والعامل فعل فحينئذٍ الأصل بقاء ما كان على ما كان.
بالفصل جوز ترك التأنيث، وحينئذٍ نقول: قوله: وَقَدْ يُبِيْحُ: قد للتقليل، يُبِيْحُ: هذا أفاد منه الإباحة، للتعبير بـ (قَدْ) والإباحة إشعار بأن الإثبات أجود.
وَقَدْ يُبِيْحُ الْفَصْلُ: هذا فاعل يبيح.
الْفَصْلُ: هذا أيضاً يقيد بالبيت الذي يليه، بأن يكون الفصل بغير (إلا)، إن كان الفصل بـ (إلا) فله حكم آخر.
إذاً: كلها مرتبطة ببعضها البعض.
قَدْ يُبِيْحُ الْفَصْلُ بغير (إلا) بين الفعل وعامله الظاهر الحقيقي التأنيث ترك التاء، أي تاء؟ تاء التأنيث السابقة، فـ (أل) هنا للعهد الذكري.
قد يبيح الفصل بغير (إلا) بين الفعل وعامله الظاهر الحقيقي التأنيث ترك التاء، فلا يؤنث، كما في فعل مسند إلى ظاهر مؤنث حقيقي نحو قولك: أَتَى الْقَاضِيَ بِنْتُ الْوَاقِفِ، فبنت الواقف: هذا مؤنث حقيقي التأنيث، وأتى: فعله، وجرد عن التأنيث للفصل بينه وبين معموله الفاعل بالمفعول.
بِنْتُ الْوَاقِفِ الواقف يعني صاحب الوقف.
إذا فصل بين الفعل وفاعله مؤنث حقيقي بغير (إلا) جاز إثبات التاء وحذفها، والأجود الإثبات كما أشار إليه بـ (وَقَدْ يُبِيْحُ)، فتقول: أتى القاضي بنت الواقف، والأجود: أتت، وتقول: قام اليوم هند، والأجود: قامت.
إذاً: هذا البيت يعتبر استثناء وتخصيص لقوله: أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ؛ لأن قوله: أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ؛ يُفهِم أنه متى ما كان المؤنث حقيقي التأنيث وهو فاعل وجب التأنيث مطلقاً فصل أو لا، وسواء فصل بـ (إلا) أو بغير (إلا)، جاء بهذا البيت ليقيد المطلق الذي سبق.
وَالْحَذْفُ مَعْ فَصْلٍ بِإِلَاّ فُضِّلَا
…
كَمَا زَكَا إِلَاّ فَتَاةُ ابْنِ الْعَلَا
وَالْحَذْفُ: يعني للتاء من فعل مسند إلى ظاهر مؤنث حقيقي التأنيث مَعْ فَصْلٍ بين الفعل والفاعل بِ (إِلَاّ) فُضِّلَا، الحذف فضلا على الإثبات، عكس الفصل السابق، الإثبات فضل على الحذف.
إذاً: لا بد من تقييد البيت السابق، وقد يبيح الفصل بغير (إلا)؛ لأن الحكم مختلف، لا بد من تقييده بالبيت الذي بعده، وقد يبيح الفصل بغير (إلا).
وَالْحَذْفُ مَعْ فَصْلٍ: يعني بين الفعل والفاعل بِإلَاّ، فُضِّلَا: على الإثبات، وهذا خلاف ما عليه الجمهور، جمهور النحاة على أنه إذا كان الفاصل هو (إلا) وجب التذكير، التذكير واجب، لا يجوز فيه الوجهان، يجب تجريد الفعل من علامة تدل على تأنيث الفاعل، فإذا قيل: ما قام إلا هند، هذا المثال: ما قام إلا هند، قام: فعل، وهند: فاعل، وفصل بينهما بـ (إلا) ما قام إلا هند، الجمهور يعللون وجوب التذكير بأن (هند) ليست بفاعل في الحقيقة؛ لأن الأصل: ما قام أحد إلا هند، وحينئذٍ كان من باب الاستثناء المفرَّغ، وحينئذٍ وجب تذكير الفعل لكون الفاعل مذكراً، وهند هذا يعتبر بدلاً مما قبله، ولذلك الجمهور على خلاف ما ذهب إليه ابن مالك رحمه الله تعالى.
وَالْحَذْفُ مَعْ فَصْلٍ بِإلَاّ فُضِّلَا على الإثبات.
كَمَا: كقولك: مَا زَكَا إِلَاّ فَتَاةُ ابْنِ الْعَلَا - فَتَاةُ ذَاتَ حِرِ -، إذاً: مؤنث تأنيث حقيقي، فصل بينه وبين عامله بـ (إلا)، وحينئذٍ فيه قولان: جماهير النحاة على وجوب تجريده من علامة التأنيث، وذهب ابن مالك في قلة من النحاة إلى أنه لا بأس أن يؤنث، بل التأنيث جائز لكن الحذف أجود، ولذلك قال: وَالْحَذْفُ فُضِّلَا، الألف هذه للإطلاق.
كَمَا زَكَا إِلَاّ فَتَاةُ ابْنِ الْعَلَا
معناه: ما زكا أحد إلا فتاة ابن العلا، ويجوز: ما زكت إلا فتاة ابن العلا، ما قامت إلا هند بالتأنيث، بالوجهين عند ابن مالك رحمه الله تعالى والحذف أجود، وخصه الجمهور بالشعر، أما في النثر فهو ممنوع.
قال: وإذا فصل بين الفعل والفاعل المؤنث بـ (إلا) لم يجز إثبات التاء عند الجمهور أياً كان الفاعل، لم يجز إثبات التاء عند الجمهور، فتقول: ما قام إلا هند وما طلع إلا الشمس، ولا يجوز: ما قامت إلا هند ولا: ما طلعت إلا الشمس، وقد جاء في الشعر كقوله:
فَمَا بَقِيَتْ إلَاّ الصُّدُورُ الجَرَاشِعُ
فقول المصنف: إن الحذف مفضل على الإثبات يشعر بأن الإثبات أيضاً جائز وليس كذلك، ومذهب ابن مالك رحمه الله تعالى له أصل في لسان العرب، بل له أصل في القرآن، قال تعالى:((فَأَصْبَحُوا لا تُرَى إِلَاّ مَسَاكِنُهُمْ)) -في قراءةٍ- ((لا تُرَى إِلَاّ مَسَاكِنُهُمْ)) مساكن هذا جمع، فحينئذٍ يؤنث ويترك، وقد أنث مع وجود الفصل هنا بـ (إلا).
كذلك قوله تعالى: ((إِنْ كَانَتْ إِلَاّ صَيْحَةٌ وَاحِدَةً)) صَيْحَةٌ: هذا مؤنث تأنيث مجازي، ومراد المصنف هنا: وَالْحَذْفُ مَعْ فَصْلٍ بِإلَاّ فُضِّلَا؛ ما يشمل النوعين، سواء كان المؤنث مؤنثاً حقيقياً أو مؤنثاً تأنيثاً مجازياً، ولذلك ابن عقيل مثل بمثالين للنوعين: ما قام إلا هند وما طلع إلى الشمس، حينئذٍ دل على أن مراده عام، حينئذٍ الاستدلال بهذه الآية:((فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَاّ مَسَاكِنُهُمْ)) استدلال صحيح، فلا يقال بأنه مؤنث مجاز.
وكذلك في قوله: ((إِنْ كَانَتْ إِلَاّ صَيْحَةٌ وَاحِدَةً)) نقول: مؤنث مجازي لكنه مراد، فصل بينه وبين عامله بـ (إلا).
مَا بَرِئَتْ مِنْ رِيبَةٍ وَذَمِّ
…
فيِ حَرْبِنَا إلَاّ بَنَات العَمِّ
مَا بَرِئَتْ مِنْ رِيبَةٍ وَذَمٍّ، جاء في الشعر تأنيثه مع الفصل بـ (إلا) وهذا مؤنث تأنيثاً حقيقياً.
إذاً: قول ابن مالك له أصل، ولذلك هو معتبر لكنه في قلة، نقول: نعم يجوز التأنيث مع الفصل بـ (إلا) ولو كان المؤنث تأنيثاً حقيقياً لكنه على قلة والحذف أجود من الإثبات، وخصه الجمهور بالشعر خاصة؛ لأنه سمع في الشعر فحسب، لكن قراءتان ثابتتان.
إذاً: وَالْحَذْفُ: يعني التأنيث إذا كان الفاصل (إلا) خاص بالشعر، نص عليه الأخفش، وجوزه ابن مالك رحمه الله تعالى في النثر والشعر، كما هنا.
وَالْحَذْفُ: هذا مبتدأ.
مَعْ فَصْلٍ: هذا متعلق بقوله: َالْحَذْفُ
بِإلَاّ: هذا جار ومجرور متعلق بفُضِّلَا.
فُضِّلَا: الجملة خبر المبتدأ والألف للإطلاق، يعني: فضل على الإثبات.
ثم قال:
والْحَذْفُ قَدْ يَأْتِي بِلَا فَصْلٍ وَمَعْ
…
ضَميرِ ذِي المْجَازِ فِي شِعْرٍ وَقَعْ
وهذا مخصوص بالشعر، يعني: لا يجوز على إطلاقه، حكى سيبويه: قال فلانة، هنا قال: أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ؛ هذا كله تخصيص لما سبق.
أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ
هل يقال: قام هند؟ لا يصح، حَكى سيبويه: قال فلانة، إذاً: أسقطت التاء مع المؤنث تأنيث حقيقي والفاعل ليس نِعْم وبئس وليس ثَمَّ فاصل لا (إلا) ولا غيرها، والأصل في مثل هذا التركيب وجوب التأنيث، هذا الأصل فيه، وحينئذٍ لو قيل بأنه سائغ ما وجب التأنيث، لو قلنا: قال فلانة؛ هذا قياسي، وحينئذٍ: أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ؛ نقول: نسقطه من أصله، نجعله في الجائز ولن نجعله في الواجب، ولكن نقول: هذا يسمع ولا يقاس عليه، فهو محفوظ.
أشار إليه بقوله: والْحَذْفُ، يعني حذف التاء من فعل مسند إلى ظاهر مؤنث حقيقي قَدْ يَأْتِي: قَدْ للتقليل، يَأْتِي مع الظاهر الحقيقي التأنيث بلا فَصْلٍ شذوذاً، قد يأتي شذوذاً لا بد من التقدير: والْحَذْفُ وَمَعْ ضميرِ ذِي المْجَازِ فِي شِعْرٍ وَقَعْ
وَمَعْ: يعني والحذف مع الإسناد إلى الضمير ذي التأنيث المجازي في شعر وقع، بمعنى: أنه إذا أسند الفعل إلى ضمير عائد إلى مؤنث مجازي قلنا: هذا يجب التأنيث، لكنه وقع في الشعر بدون تأنيث، قال الشاعر:
فَلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَها
…
وَلَا أَرْضَ أَبْقَلَ إبْقَالَهَا
وَلَا أَرْضَ أَبْقَلَ؛ الأصل أن يقول: أبقلت بالتاء، مثل: الشمس طلعت، لكن نقول: هذا شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه، بل يجب أنه إذا عاد الضمير إلى مؤنث مطلقاً وجب التأنيث.
وَلَا أَرْضَ أَبْقَلَ: هذا أمكن تأويله بأن الضمير هنا عائد على محذوف، أي: ولا مكان أرض أبقل، إذاً: أمكن تأويله، فإذا أمكن تأويله حينئذٍ لا نأتي للقاعدة فنخدشها. والضمير في إبْقَالَهَا يكون للأرض، فأمكن تأويله.
إذاً: وَالْحَذْفُ قَدْ يَأْتِي بِلَا فَصْلٍ؛ وذلك فيما إذا أسند الفعل إلى اسم ظاهر حقيقي التأنيث، مثل: قام هند، نقول: هذا قد يأتي في الشعر وهو شاذ، وما حكاه سيبويه: قال فلانة؛ شاذ يحفظ ولا يقاس عليه.
وكذلك: جاء إسناد الفعل إلى ضمير عائد لمؤنث مجازي، والأصل وجوب التأنيث، ولم يؤنث، وَلَا أَرْضَ أَبْقَلَ، وحينئذٍ نقول: هذا خاص بالشعر ولا يقاس عليه، وهذه كلها مسائل متفق عليها.
والْحَذْفُ قلنا: هذا مبتدأ.
قَدْ يَأْتِي الجملة خبر.
بِلَا فَصْلٍ متعلق به.
وَمَعْ
…
ضَمِيرِ ذِي المْجَازِ فِي شِعْرٍ وَقَعْ
ووَقَعْ: يعني الحذف ضَمِيرِ ذِي المْجَازِ فِي شِعْرٍ وَقَعْ
َمَعْ: هذا متعلق بوَقَعْ، وفِي شِعْرٍ: متعلق بِوَقَعْ، وَمَعْ: مضاف، وضَمِيرِ: مضاف إليه، وضَمِيرِ: مضاف، وذِي: بمعنى صاحب مضاف إليه، وَالمْجَازِ: يعني التأنيث المجازي وهو ما ليس له فرج، وفِي شِعْرٍ هذا متعلق بوَقَعْ أيضاً.
قال: قد تحذف التاء من الفعل المسند إلى مؤنث حقيقي من غير فصل، وهو قليل جداً، حكى سيبويه: قال فلانة، وقد تحذف التاء من الفعل المسند إلى ضمير المؤنث المجازي وهو مخصوص بالشعر، مثال ما ذكرناه.
وَالتَّاءُ مَعْ جَمْعٍ سِوَى السَّالِمِ مِنْ
…
مُذَكَّرٍ كَالتَّاءِ مَعْ إِحْدَى اللَّبِنْ
وَالتَّاءُ: أي: تاء التأنيث السابقة.
مَعْ جَمْعٍ: هذه حال من التاء، يعني: متعلق بمحذوف حال، حال كونه مع جمع. كيف مع جمع؟ يعني: دالة على تأنيث فاعل وقع جمعاً، هذا المراد به، إذا كان الفاعل جمعاً حينئذٍ المصنف هنا يرى أنه مما يجوز فيه الوجهان: التأنيث وعدم التأنيث، واستثنى جمع المذكر السالم فحسب فيجب فيه التذكير، تقول: قام الزيدون، ولا يصح أن يقال: قامت الزيدون.
قوله: وَالتَّاءُ مَعْ جَمْعٍ: يعني مع فعل مسند إلى جمع؛ لأن الإسناد هنا -إسناد التاء إلى الفاعل- نقول: هذا ليس هو الأصل، وإنما الاتصال يكون بالفعل.
وَالتَّاءُ مَعْ جَمْعٍ: قلنا: َالتَّاءُ مبتدأ، وَمَعْ: هذا متعلق بمحذوف حال، وهو مضاف، وجَمْعٍ: مضاف إليه.
مع فعل مسند إلى جَمْعٍ، وحينئذٍ نقول: الجمع في اللغة: ما دل على جماعة أو دل على متعدد، وهنا أطلق الجمع، حينئذٍ: كل ما دل على جمع فهو داخل هنا، داخل في هذا الحكم، فيشمل الجموع الاصطلاحية والجموع اللغوية، الجموع الاصطلاحية هي جمع المذكر السالم وجمع المؤنث السالم وجمع التكسير المذكر وجمع التكسير المؤنث، هذه أربعة، ويزاد عليه ما دل على متعدد وجمع وجماعة وهو اسم الجمع واسم الجنس الجمعي، هذه ستة مما يدل على الجمع لا يكاد يخرج عنها البتة.
وحينئذٍ نقول: ما يدل على الجمع محصور في هذه الستة: اسم الجنس الجمعي، مثل: كلِم وكلمة، تمر وتمرة، اسم الجنس الجمعي قلنا: الذي يفرق بينه وبين واحده بالتاء أو بالياء، وحينئذٍ نقول: تمر وتمرة، تمر هذا اسم جنس جمعي، شجر وشجرة، بقر وبقرة، نبق ونبقة، سدر وسدرة، روم ورمي، كمإٍ وكمأة، لبن ولبنة نقول: هذا اسم جنس جمعي. اسم الجمع وهو ما دل على جمع ولا واحد له من لفظه مثل: قوم، نسوة، نساء، رهط، إلى آخره.
جمع التكسير لمذكر كرجال وغلمان ونحو ذلك.
جمع تكسير لمؤنث كزيود وهنود.
جمع مذكر سالم واضح.
جمع المؤنث السالم واضح.
هذه الستة فيها خلاف بين البصريين والكوفيين، البصريون يرون أن الجموع الأربعة: اسم الجمع واسم الجمع الجنسي وجمع التكسير بنوعيه، هذه أربعة يجوز فيها الوجهان: التأنيث وتركه، وما عداهما وهو جمع المذكر السالم فيجب فيه التذكير قولاً واحداً عندهم، وجمع المؤنث السالم يجب فيه التأنيث قولاً واحداً عندهم مراعاة لمفرده، قالوا: الزيدون هذا جمع واحده سلِم في الجمع، بالنظر إلى سلامة واحده في الجمع إذاً يعامل من حيث التذكير والتأنيث وإسناد الفعل إليه معاملة المفرد، فكما أننا نقول: قام زيد ولا يصح أن نقول: قامت زيد؛ كذلك في الجمع نقول: قام الزيدون ولا يصح أن نقول: قامت الزيدون.
وكذلك في جمع المؤنث السالم قالوا: هو سالم في الجملة سلم مفرده واحده في الجمع، فكما تقول: قامت هند ولا يصح أن تقول: قام هند؛ كذلك يجب أن يقال: قام الهندات، ولا يجوز أن يقال: قام الهندات بترك التاء.
إذاً: هذان النوعان مستثنيان.
مذهب الكوفيين الجواز في الجميع بدون استثناء، الستة الأنواع يجوز فيها الوجهان، فيصح عندهم فيما انفرد به المذهب الكوفي عن البصري أن يقال: قامت الزيدون وقام الزيدون، وقام الهندات وقامت الهندات بالوجهين. إن أُنِّثَ على المذهبين فمراعاة لمعنى الجماعة، وإن ذُكِّر فمراعاة لمعنى الجمع، يعني: بالتأويل، قال الصحابة قالت الصحابة، بعضهم يستشكل: لماذا نقول أحياناً قالت الصحابة! نقول: قالت جماعة الصحابة بالتأويل، قال الصحابة بترك التاء، قال جمع الصحابة، وحينئذٍ الصحابة هذا اسم جمع أو جمع تكسير؟ مختلف فيه، وحينئذٍ نقول: هذا أو ذاك يجوز فيه الوجهان.
((قَالَتْ الأَعْرَابُ))، ((إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ)) بترك التاء، هذا من حجج الكوفيين. مذهب أبي علي الفارسي استثنى جمع المذكر السالم فحسب من الجموع السابقة الستة، فأوجب فيه التذكير وجوز الوجهين في جمع المؤنث السالم وفاقاً للكوفيين دون البصريين، وحينئذٍ المذاهب ثلاثة، الناظم رحمه الله تعالى ماذا اختار من هذه المذاهب؟ الظاهر أنه مذهب أبي علي الفارسي، ولكن الأشموني وغيره أبوا إلا حمل كلامه على مذهب البصريين.
فقوله: وَالتَّاءُ مَعْ جَمْعٍ؛ أطلق الجمع هنا كل جمع.
كَالتَّاءِ مَعْ إِحْدَى اللَّبِنْ: إحدى اللبن لبنة، يعني: مؤنث تأنيث مجازي، مثل الشمس، تقول: سقط اللبنة وسقطت اللبنة، مثل: طلع الشمس وطلعت الشمس، يجوز فيها الوجهان.
وَالتَّاءُ مَعْ جَمْعٍ كالتاء مع إحدى اللبن، أطلق الناظم في كل الجموع، فشمل جمع المؤنث السالم وجمع المذكر واسم الجمع واسم الجنس وجمع التكسير بنوعيه.
قال: سِوَى السَّالِمِ مِنْ مُذَكَّرٍ: استثنى جمع المذكر السالم.
إذاً: جمع المؤنث السالم عند الناظم يجوز فيه الوجهان، فتقول: قامت الهندات وقام الهندات، وهذا مذهب أبي علي الفارسي، ولكن لما لم يكن هذا مشهوراً إلا عن الكوفيين وأرادوا حمل ابن مالك على مذهب البصريين قدروا محذوفاً: سوى السالم من مذكر والسالم من مؤنث على أنه حذف للواو مع ما عطفت، وهذا ضعيف؛ لأن المذهب موجود مستقر، وهو مذهب أبي علي الفارسي، وله أدلته، وهو موافق لمذهب الكوفيين، وإنما خالفهم في مسألة واحدة فحسب، فهو داخل في مذهب الكوفيين إلا أنه في مسألة واحدة خالفوه.
وحينئذٍ نقول: الناظم هنا يرى أن جمع المؤنث السالم يجوز فيه الوجهان، وأما تحميله ما لم يحتمل نقول: هذا فيه بعد.
وَالتَّاءُ مَعْ جَمْعٍ: نقول: حق كل جمع أن يجوز فيه الوجهان وهو التأنيث والترك، هذا الأصل فيه. حق كل جمع أن يجوز فيه الوجهان، إلا أن سلامة نظم الواحد في جمعي التصحيح الذي هو المؤنث والمذكر أوجبت التذكير في نحو: قام الزيدون، والتأنيث في نحو: قامت الهندات، وخالف الكوفيون فيهما، يعني: في الوجهين، ووافقهم في الثاني أبو علي الفارسي، واحتجوا بقوله تعالى:((آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ)) بَنُو هذا هم احتجوا به على أنه جمع مذكر سالم، وحينئذٍ أنث مع وجود الفصل، فيدل على أنه جمع مذكر سالم وقد ألحقت به التاء، لكن جواب هذا نقول: بأن (بني) هذا ليس بجمع مذكر سالم، هذا ملحق بجمع المذكر السالم.
كذلك: ((إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ)) جَاءَكَ ما قال: جاءتك، فُصِل بينهما، هم احتجوا بهذا على أنه يجوز ترك التاء مع المؤنث إذا كان حقيقي التأنيث وهو جمع مؤنث سالم. وقال: جَاءَكَ ولم يقل: جاءتك، فدل على جواز الترك، وأجيب: بأنه تُرك التأنيث للفاصل هنا.
وقوله: فَبَكَى بَنَاتِي، كما قال الشاعر:
فَبَكَى بَنَاتِي شَجْوَهُنَّ وَزَوْجَتِي
…
والظَّاعِنُونَ إِلَيَّ ثُمَّ تَصَدَّعُوا
بَكَى بَنَاتِي، بَنَاتِ قالوا: هذا جمع مؤنث سالم، أو جمع تكسير، وهم يريدونه على أنه جمع مؤنث سالم، وفيه إشكال، فحينئذٍ قال: بَكَى ولم يقل: بكت، فدل على أنه يجوز ترك التأنيث مع جمع المؤنث السالم.
وأجيب: بأن البنين والبنات لم يسلم فيهما نظم الواحد.
إذاً لو قيل: بأن بعضه جمع مذكر إلا أنه ليس بحقيقي.
إذاً: أجيب بأن البنين والبنات لم يسلم فيهما نظم الواحد، وبأن التذكير في:((جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ)) بالفصل، أو لأن الأصل: النساء المؤمنات، والنساء هذا مما يجوز فيه الوجهان؛ لأنه اسم جمع، أو لأن (أل) مقدرة باللاتي وهو اسم جمع.
((إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ)) (أل) هذه مقدرة باللاتي، وحينئذٍ جاز فيه الوجهان: الترك وعدمه وهو التأنيث.
وَالتَّاءُ مَعْ جَمْعٍ سِوَى السَّالِمِ مِنْ
…
مُذَكَّرٍ كَالتَّاءِ مَعْ إِحْدَى اللَّبِنْ
إذا أسند الفعل إلى جمع فإما أن يكون جمع سلامة لمذكر أو لا، فإن كان جمع سلامة لمذكر لم يجز اقتران الفعل بالتاء فنقول: قام الزيدون ولا يجوز: قامت الزيدون، إلا على مذهب الكوفيين فيجوزون الأمرين، وما عداه من الجمع فيجوز فيه الأمران، ولذلك جاء في القرآن:((كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ)) قَوْمُ هذا اسم جمع.
((وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ)) كَذَّبَ بدون التاء.
((قَالَتْ الأَعْرَابُ)) ويقال: أورقت الشجر وأورق الشجر.
((وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ)) و ((غُلِبَتْ الرُّومُ)) نقول: هذه كلها يدل على جواز الفعل التأنيثي والتركي.
وإن لم يكن جمع سلامة لمذكر بأن كان جمع تكسير لمذكر كالرجال أو لمؤنث كالهنود أو جمع سلامة لمؤنث كالهندات؛ جاز إثبات التاء وحذفها، جاز إثبات التاء على التأويل بالجماعة، وحذفها على التأويل بالجمع، فتقول: قام الرجال وقامت الرجال، قام الرجال أي: قام جمع الرجال، وقامت الرجال أي: قام جماعة الرجال، وقام الهنود وقامت الهنود وقام الهندات وقامت الهندات، فإثبات التاء لتأوله بالجماعة وحذفه لتأوله بالجمع.
إذاً: الناظم هنا يرى العموم، واستثنى جمع المذكر السالم، وهذا مذهب أبو علي الفارسي.
وَالتَّاءُ مَعْ جَمْعٍ سِوَى
مَعْ جَمْعٍ: قلنا مضاف ومضاف إليه وهو حال.
سِوَى: هذا نعت لجمع.
سِوَى السَّالِمِ مِنْ مُذَكَّرٍ: لما قال: سِوَى السَّالِمِ؛ يحتمل أن يدخل معه جمع المؤنث؛ لأنه قد يوصف بكونه سالماً.
مِنْ مُذَكَّرٍ: هذا متعلق بالسالم احترازاً من المؤنث.
كَالتَّاءِ: والتاء مبتدأ.
كَالتَّاءِ: هذا خبر.
مَعْ إِحْدَى اللَّبِنْ
قوله: كَالتَّاءِ مَعْ إِحْدَى اللَّبِنْ، قد يقال: بأن (إِحْدَى اللَّبِنْ) يجوز فيه الوجهان، وأيهما أرجح؟ إذا قيل: طلع الشمس وطلعت الشمس؟ التأنيث أرجح، وهنا عدم التأنيث أرجح في الجمع مطلقاً، عدم التأنيث أرجح جمع التكسير وغيره، وحينئذٍ نقول:((كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ)) أو (كَذَّبَتْ قَوْمُ) نقول: هذا يجوز فيه الوجهان، وترك التأنيث أرجح من التأنيث.
هنا قال: كَالتَّاءِ مَعْ إِحْدَى اللَّبِنْ: سوَّى بينهما في كونه يجوز التذكير والتأنيث دون نظر إلى الأرجحية؛ لأن اللبن هذه يجوز فيها الوجهان والتأنيث أرجح.
وَالتَّاءُ مَعْ جَمْعٍ
والترك نقول: يجوز فيه الوجهان والترك أرجح، إذاً: فرق بينهما.
قوله: كَالتَّاءِ: أي في أصل الجواز، فلا يرد اختلافهما في الرجحان حيث تقدم رجحان الإثبات في المجاز، وهنا العكس، فجمع التكسير مطلقاً والجمع بألف وتاء لمذكر واسم الجمع واسم الجنس الجمع حذف التاء أجود معها، وللسيوطي في الأربعة استواء الأمرين، استواء الأمرين عند السيوطي، على كلٍ؛ خلاف.
وَالتَّاءُ مَعْ جَمْعٍ سِوَى السَّالِمِ مِنْ
…
مُذَكَّرٍ كَالتَّاءِ مَعْ إِحْدَى اللَّبِنْ
وَالْحَذْفَ فِي نِعْمَ الْفَتَاةُ اسْتَحْسَنُوا
…
لأَنَّ قَصْدَ الْجِنْسِ فِيهِ بَيِّنُ
هذا أيضاً تخصيص لقوله: أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ، قلنا هناك: نقيد العامل بأن لا يكون نِعْم وبئس، لأن فاعل نِعم وبئس يقصد به الجنس، والجنس في أصله مذكر، ولما كان في معنى الاستغراق للأفراد صار في معنى الجمع فجاز تأويله بالمذكر وتأويله بالمؤنث، يعني: جمع أو جماعة.
وَالْحَذْفَ فِي نِعْمَ الْفَتاةُ اسْتَحْسَنُوا
الْحَذْفَ: هذا مفعول به، لقوله: اسْتَحْسَنُوا، يعني: رأوه حسناً، هو مستحسن وإن كان الإثبات أحسن منه، وحينئذٍ اسْتَحْسَنُوا: ليس المراد أنه مرجح لا، وإنما هو حسن في نفسه، ولا يلزم منه أن يكون هو أحسن من حيث الترك.
وَالْحَذْفَ فِي نِعْمَ الْفَتاةُ: يعني في قولك: نِعْمَ الْفَتاةُ، وهو ما كان الفاعل فيه مؤنثاً حقيقي التأنيث وأسند إلى نِعْمَ وأخواتها، وهو كل فاعل مسند إلى جنس المؤنث الحقيقي.
اسْتَحْسَنُوا: رأوه حسناً.
لأَنَّ قَصْدَ الْجِنْسِ فِيهِ بَيِّنُ: هذا بيان للعلة، لفظ الجنس مذكر، ويجوز التأنيث على مقتضى الظاهر؛ لأنه في ظاهره امرأة، نعم المرأة نعم الفتاة في اللفظ هو مؤنث حقيقي، ولكن في المعنى نقول:(أل) هذه للجنس، وإذا كان كذلك حينئذٍ فيه معنى الجماعة، وإذا كان كذلك صار ملحقاً بالجمع في المعنى.
نَعْم الفتاة، نعمت الفتاة، نعمت الفتاة هذا باعتبار اللفظ، نِعْم الفتاة باعتبار المعنى؛ لأن (أل) هذه للجنس، فتفيد استغراق الأفراد وحينئذٍ صار مذكراً.
لأَنَّ قَصْدَ الْجِنْسِ فِيهِ
فِيهِ: في ماذا؟ في الفاعل الْفَتاةُ، في فاعل نِعْم وبئس لأَنَّ قَصْدَ الْجِنْسِ فِيهِ بَيِّنُ -ظاهر-، فالمسند إليه الجنس، و (أل) في الفتاة جنسية، خلافاً لمن زعم أنها عهدية.
إذاً: هذا النوع نقول: يجوز فيه الوجهان، وليس بواجب، فهو استثناء من قوله: أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ؛ بأنه إذا كان العامل نِعْم وبئس جاز الوجهان والإثبات أولى وأرجح.
وَالْحَذْفَ: قلنا: هذا مفعول به للتاء.
فِي نِعْمَ الْفَتاةُ: في فعل مسند إلى جنس مؤنث حقيقي.
اسْتَحْسَنُوا: يعني رأوه حسناً، وهو مستحسنٌ في نفسه وإن كان الإثبات أحسن منه؛ لأَنَّ قَصْدَ الْجِنْسِ فِيهِ بَيِّنُ، ظاهر واضح، بين لكل سامع أن المراد جنس المرأة وجنس الفتاة.
إذاً: الحاصل: أن الفعل ومثله الوصف إذا أسند إلى فاعل وهذا الفاعل مؤنث؛ حينئذٍ تلحق أو يلحق الفعل علامة تدل على تأنيثه، ثم هذه العلامة قد تكون لازمة واجبة وقد تكون جائزة.
واللازم يكون في موضعين:
أولاً: المؤنث الحقيقي الذي ليس مفصولاً بينه وبين عامله، وليس عامله نِعْم وبئس.
إذاً: المؤنث الحقيقي الذي ليس مفصولاً وليس عامله نِعْم وبئس.
ثانياً: أن يكون ضميراً مستتراً عائد إلى مؤنث مطلقاً، يعني: سواء كان حقيقي أو مجازي.
والجائز يكون في أربعة مسائل:
الأول: أن يكون المؤنث اسماً ظاهرياً مجازي التأنيث، طلع شمس وطلعت الشمس، وجاء في القرآن:((قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ))، ((جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ)) هذا وذاك، والتأنيث أرجح في هذه.
الثاني: أن يكون المؤنث اسماً ظاهرياً حقيقي التأنيث فصل من عامله بغير (إلا)، "حضرت الْقَاضِيَ بِنْتُ الْوَاقِفِ"، والتأنيث أرجح.
الثالث: أن يكون العامل نِعْم وبئس.
الرابع: أن يكون الفاعل جمعاً على التفصيل السابق.
ثم قال:
وَالأَصْلُ فِي الْفَاعِلِ أَنْ يَتَّصِلَا
…
وَالأَصْلُ فِي الْمَفْعُولِ أَنْ يَنْفَصِلَا
وَقَدْ يُجَاءُ بِخِلَافِ الأَصْلِ
…
وَقَدْ يَجِي الْمَفْعُولُ قَبْلَ الْفِعْلِ
هذا أراد أن يبين علاقة المفعول بفاعله من حيث التقديم والتأخير.
الأصل في الفاعل أن يتصل بعامله؛ لأنه جزء منه كما سبق، إذا قلت: ضرب زيد. والأصل في المفعول أن ينفصل عن العامل بالفاعل، هذا الترتيب المنطقي العقلي، تأتي بالعامل أولاً والحدث ثم الذي فعل الحدث ثم الذي وقع عليه الحدث، هذا الذي جاء في لسان العرب وهو الذي يوافقه المنطق السليم، ولذلك قال:
وَالأَصْلُ فِي الْفَاعِل أَنْ يَتَّصِلَا
يتصل بالفعل، ليس المراد أن يتصل كالضمير البارز لا، المراد ألا يفصل بينهما فاصل، ألا يقع المفعول بينه وبين عامله، فلا يقال: ضرب عمْراً زيد.
وَالأَصْلُ: هذا مبتدأ.
فِي الْفَاعِل: متعلق أََنْ يَتَّصِلَا في محل رفع خبر المبتدأ، والمراد بالأصل هنا الغالب الراجح، أي: الكثير، وإن سمع غيره لكن هذا هو الذي يبين المراتب، فرتبة العامل أولاً ثم رتبة الفاعل ثم رتبة المفعول.
وَالأَصْلُ فِي الْفَاعِلِ أََنْ يَتَّصِلَا بالفعل؛ لأنه كجزء منه، ((وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)) هذا الأصل.
وَالأَصْلُ فِي المَفْعُولِ أَنْ يَنْفَصِلَا، هذا مفهوم من الشطر السابق؛ لأنه إذا قال: وَالأَصْلُ فِي الْفَاعِلِ أََنْ يَتَّصِلَا اتصل بعامله، إذاً: لن يقع المفعول فاصلاً بينهما، سيقع المفعول منفصل، هذا قطعاً، إذاً ماذا زادنا بقوله: وَالأَصْلُ فِي الْمَفْعُولِ أَنْ يَنْفَصِلَا؟ ليس فيه شيء جديد.
وَالأَصْلُ: هذا مبتدأ، يعني: الغالب الراجح.
فِي الْمَفْعُولِ: المفعول به.
أَنْ يَنْفَصِلَا: يَنْفَصِلَا عنه عن العامل بالفاعل لأنه فضلة، وشأن الفضلات تكون في الأطراف، تقول: ضرب زيد عمْراً.
وَقَدْ يُجَاءُ بِخِلَافِ الأَصْلِ: خلاف الأصل ما هو؟ تقدم المفعول وتأخر الفاعل.
وَقَدْ يُجَاءُ بِخِلَافِ الأَصْلِ
قَدْ: هنا للتقليل أو للتحقيق؟ يحتمل هذا وذاك، منهم من حملها على التقليل، ومنهم من حملها على التحقيق، فيقدم المفعول على الفاعل إما جوازاً وإما وجوباً، وقد يمتنع ذلك.
قَدْ يُجَاءُ: هنا أضمر نائب فاعل؛ لأنه يختلف باختلاف المتكلم.
بِخِلَافِ الأَصْلِ: ما هو الأصل؟ فِي الْفَاعِلِ أََنْ يَتَّصِلَا، وَالأَصْلُ فِي الْمَفْعُولِ أَنْ يَنْفَصِلَا، ((وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ)) النُّذُرُ هذا فاعل، وآلَ: مفعول به تقدم، فصل بين العامل وفاعله بالمفعول به، ثم هذا قد يكون واجباً وقد يكون جائزاً، الأصل فيه الجواز.
إذاً: يمتنع في ماذا؟ نقول: يمتنع في ثلاث مسائل:
الأول: ما ذكره الشارح: إذا كان المفعول اسم شرط، أو اسم استفهام، بمعنى: أنه إذا كان له الصدارة في الكلام.
وَقَدْ يَجِي الْمَفْعُولُ قَبْلَ الْفِعْلِ
ويمتنع تقدم الفاعل على المفعول لما تقرر سابقاً: وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعلٌ.
وأما المفعول فحينئذٍ يجوز لعدم التباسه بالمبتدأ أن يتقدم على العامل، ((فَرِيقاً هَدَى)) هدى فريقاً، فريقاً هدى، عمْراً ضرب زيد، وحينئذٍ نقول: جاز تقدم المفعول على الفاعل، وحينئذٍ أيضاً مثل السابق يجوز ويجب.
قال الشارح: الأصل أن يلي الفاعل الفعل من غير أن يفصل بينه وبين الفعل فاصل؛ لأنه كالجزء منه، ولذلك يُسَكَّنُ له آخر الفعل، إن كان ضمير متكلم أو مخاطب نحو: ضربتُ وضربتَ، وإنما سكنوه كراهة توالي أربع متحركات، وهم إنما يكرهون ذلك في الكلمة الواحدة، فدل ذلك على أن الفاعل مع فعله كالكلمة الواحدة.
وَالأَصْلُ فِي الْمَفْعُولِ أَنْ يَنْفَصِلَ من الفعل بأن يتأخر عن الفاعل، ويجوز تقديمه على الفاعل إن خلا مما سيذكره، فتقول: ضرب زيداً عمرو، زيداً: هذا مفعول به تقدم على الفاعل، وهذا معنى قوله: وَقَدْ يُجَاءُ بِخِلَافِ الأَصْلِ.
وأشار بقوله: وَقَدْ يَجِي الْمَفْعُولُ قَبْلَ الْفِعْلِ؛ إلى أن المفعول قد يتقدم على الفعل، وهذا نوعان كما أن الأول نوعان، يعني كل منهما قد يكون جائزاً وقد يكون واجباً.
وَقَدْ يُجَاءُ بِخِلَافِ الأَصْلِ
…
وَقَدْ يَجِي الْمَفْعُولُ قَبْلَ الْفِعْلِ
يجب تقديمه إذا كان المفعول مما له صدر الكلام كاسم الشرط واسم الاستفهام، مثل ماذا؟ أي رجل ضربتَ؟ ضربت أي رجل، ضربت التاء هذا فاعل، وأي رجل تقدم على العامل، ما حكمه؟ نقول: يجب تقديمه، لماذا؟ لأنه له صدر الكلام، وهذا محل وفاق.
أياً تضرب أضرب، ((أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)) نقول: هذا شرط وهو مفعول به وجب تقديمه على عامله.
الثاني: أن يكون المفعول ضميراً منفصلاً ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ)) أصلها: نعبدك، تقدم هنا المفعول على الفاعل -على العامل- وجوباً، لماذا؟ لأنه لو تأخر لاتصل، وقد أريد بهذا التركيب القصر والحصر، وهذا لا يوجد مع الاتصال، فوجب الانفصال، ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ)) فلو أخر المفعول للزم الاتصال وكأنه يقال: نعبدك، فيجب التقديم لإرادة الحصر، بخلاف قولك: الدرهم إياه أعطيتك؛ فإنه لا يجب تقديم (إياه)؛ لأنك لو أخرته لجاز اتصاله وانفصاله على ما تقدم في باب المضمرات، وهو باب سلنيه وسلتنيه.
الموضع الثالث: أن يكون العامل في المفعول واقعاً في جواب (أما)، ((فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)) -هذا التركيب- ((فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)) نقول: الْيَتِيمَ هنا واجب التقديم؛ لأنه تلا (أمَّا)، وهذا سيأتي في موضعه.
إذاً: في هذه الثلاث المواضع يجب تقديم المفعول على العامل. ((وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ)) هذا تقديراً، وهذا سيأتي في محله.
والثاني: ما يجوز تقديمه وتأخيره نحو: ضرب زيد عمْراً.
ثم قال رحمه الله تعالى:
وَأَخِّرِ الْمَفْعُولَ إِنْ لَبْسٌ حُذِرْ
…
أَوْ أُضْمِرَ الْفَاعِلُ غَيْرَ مُنْحَصِرْ
أَخِّرِ الْمَفْعُولَ أَخِّرِ: هذا أمر، والفاعل أنت.
الْمَفْعُولَ: مفعول به، الْمَفْعُولَ هنا إعرابه: مفعول به، أخره عن ماذا؟ عن الفاعل، وحينئذٍ يجب البقاء على الأصل، هذا ما فيه التزام الأصل، فيجب أن يكون الفاعل متقدماً والمفعول متأخراً على محله، متى؟ إِنْ لَبْسٌ حُذِرْ، إِنْ حُذِرْ لَبْسٌ، إِنْ لَبْسٌ حُذِرْ، لَبْسٌ: هذا نائب فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور، بسبب خفاء الإعراب وعدم القرينة وسبق أنه إذا كانا معرفتين أو مبنيين أو موصولين أو مقصورين حينئذٍ يتعين أن يكون الأول مبتدأ والثاني خبر، لماذا؟ لأنه لو قدم الخبر على المبتدأ التبس، وهنا كذلك، لو قال: ضرب موسى عيسى؟ ما يُعرَف لو قَدَّمَ وأَخَّرَ من الفاعل ومن المفعول، لكن لو التزم أن يقدم الفاعل على المفعول: ضرب موسى عيسى؛ عرفت أن موسى هو الفاعل وعيسى هو المفعول.
إِنْ لَبْسٌ حُذِرْ: حينئذٍ نقول: هذا فيه لبس، لماذا؟ لعدم التمَيُّز، أما إذا وجدت قرينة معنوية أو لفظية حينئذٍ نقول: جاز التقديم، لفظية مثل لو وصفته: ضرب موسى العاقلُ عيسى، ضرب عيسى العاقلَ موسى، لما وصفت العاقلَ بالنصب عرفت أنه مفعول به، هذا جائز، وكذلك إذا كانت قرينة معنوية، مثل ماذا؟ أرضعت الصغرى الكبرى، أيهما مفعول؟ الصغرى مفعول، لماذا؟ لأن الأصل الكبرى هي التي ترضع الصغرى، أرضعت الصغرى الكبرى؛ تعلم أن الأول هو مفعول به وليس بفاعل.
إذاً: بسبب خفاء الإعراب وعدم القرينة، إذ لا يعلم الفاعل من المفعول والحالة هذه إلا بالرتبة كما في: ضرب موسى عيسى، وأكرم ابني أخي، ابني أخي: إعراب مقدر لا يعرف إلا إذا جعلت الفاعل في مرتبته والمفعول في مرتبته.
فإن أمن اللبس لوجود قرينة جاز التقديم نحو: ضربت موسى سلمى، هذا يحتمل الضارب والمضروب، وأما إذا قلت: ضربت بالتاء عرفت أن هذا الفاعل مسند إلى سلمى، كما قال هنا.
أَوْ أُضْمِرَ الْفَاعِلُ غَيْرَ مُنْحَصِرْ
إذاً: يجب تأخير المفعول به، متى؟ إن خشي التباسه بالفاعل، فيجب حينئذٍ أن نلتزم كل مرتبة في مرتبتها، ولا يجوز التقديم ولا التأخير إلا بقرينة.
أَوْ أُضْمِرَ الْفَاعِلُ غَيْرَ مُنْحَصِرْ: بمعنى أن الفاعل يكون ضميراً، ضربت زيداً، ما حكم تأخير المفعول هنا؟ واجب؛ لأنه لا يمكن أن يفصل بين ضرب والتاء، متى ما أمكن الاتصال لا يجوز الانفصال.
وَفِي اخْتِيَارٍ لَا يَجِيءُ المنُْْفَصِلْ
…
إِذَا تَأَتَّى أَنْ يَجِيءَ المُتَّصِلْ
وحينئذٍ نقول: يجب هنا أن يكون الفاعل متصلاً؛ لأنه ضمير، ولذلك قال: أَوْ أُضْمِرَ يعني: جيء به ضميراً إذا كان الفاعل ضميراً غير محصور، أي: وأخر المفعول عن الفاعل أيضاً وجوباً إن وقع الفاعل ضميراً غير منحصر، نحو: أكرمتك وأهنت زيداً، أهنت التاء، أكرمتك الكاف هنا مفعول به، والتاء: فاعل، لا يمكن التقديم والتأخير.
غَيْرَ مُنْحَصِرْ: يعني إذا لم يكن ثَمَّ حصر، كما في قولك: ما ضرب زيداً إلا أنا، انفصل لإرادة الحصر صار فاعلاً، فهو متأخر بعد (إلا).
أَوْ أُضْمِرَ الْفَاعِلُ غَيْرَ مُنْحَصِرْ؛ لأن الفصل يؤدي إلى انفصال الضمير مع إمكان اتصاله.
وَمَا بِإلَاّ أَوْ بِإِنَّمَا انْحَصَرْ
…
أَخِّرْ
هذا النوع الثالث، وهذا يشمل الفاعل والمفعول به، يجب تأخير الفاعل إذا كان محصوراً، ويجب تأخير المفعول به إذا كان محصوراً.
وَمَا بِإلَاّ أَوْ بِإِنَّمَا انْحَصَرْ أَخِّرْ يعني: أَخِّرْ مَا انْحَصَرْ بِ (إِلَاّ) أو بِ (إِنَّمَا)، مَا: هذه مفعول به في محل نصب، وبـ (إِلَاّ) إو بـ (إِنَّمَا) هذا متعلق بقوله: انْحَصَرْ، انحصر بـ (إلا) أو بـ (إن) وسبق معنا أن المحصور سواء كان مبتدأ أو خبر أو فاعل أو مفعول إذا كان بـ (إلا) يكون ما بعد (إلا)، وإذا كان بـ (إنما) يكون متأخراً.
المحصور منهما من الفاعل أو المفعول وجب تأخيره مطلقاً هنا لم يفصل الناظم، وفيه ثلاثة مذاهب.
وَمَا بِإِلَاّ أَوْ بِإِنَّمَا انْحَصَرْ
…
أَخِّرْ وَقَدْ يَسْبِقُ إِنْ قَصْدٌ ظَهَرْ
قد يتقدم إذا دلت قرينة عليه، وهذا إنما يكون إذا كان الحصر بـ (إِلَاّ)، أما بـ (إِنَّمَا) فلا، بـ (إِنَّمَا) لا يكون متميزاً، إذا قلت: إنما ضرب زيدٌ عمْراً؛ أيهما المحصور فيه؟ عمْراً، لو قدمته؟ ما يتبين فيحصل لبس، لكن: ما ضرب زيد إلا عمْراً؛ معلوم أن عمْراً هذا محصور فيه، لو قلت: ما ضرب إلا عمْراً زيد بتقديم (إلا عمْراً) هذا واضح أنه مع (إلا) أنه هو المحصور.
إذاً: وقد يسبق المحصور فاعلاً كان أو مفعولاً غير المحصور.
إِنْ قَصْدٌ ظَهَرْ: وهذا يكون مع (إلا).
قال الشارح: إذا انحصر الفاعل أو المفعول بـ (إِلَاّ) أو بـ (إِنَّمَا) وجب تأخيره، وقد يتقدم المحصور من الفاعل أو المفعول على غير المحصور إذا ظهر المحصور من غيره، يعني: إذا قصد حصر المفعول وجب تأخيره، ووجب تقديم الفاعل، إذا قصد حصر المفعول وجب تأخيره وتقديم الفاعل، فتقول: ما ضرب زيد إلا عمْراً، فعمْراً هذا محصور فيه في كونه مضروباً، وقد يكون لزيد مضروب آخر، أما عمرو هو المضروب فقط دون غيره، وأما زيد قد يكون له مضروب آخر.
ما ضرب زيد إلا عمْراً، وإنما ضرب زيد عمْراً، عمْراً هذا مفعول به وهو محصور؛ لأنه جاء بـ (إنما) والذي يكون محصوراً بـ (إنما) يكون متأخراً -هو الثاني-، وأما بـ (إلا) فهذا يكون بعد (إلا).
وإذا قصد حصر الفاعل وجب تأخيره وتقديم المفعول: ما ضرب عمْراً إلا زيد، فزيد: هذا متأخر وهو مرفوع بعد (إلا) وهو فاعل وهو محصور فيه.
وإنما ضرب عمْراً زيد، فزيد هذا متأخر بعد (إنما) وحينئذٍ يكون محصوراً.
وقوله: وَقَدْ يَسْبِقُ إِنْ قَصْدٌ ظَهَرْ
قد يسبق منهما من المحصور بـ (إلا) أو بـ (إنما) إذا ظهر القصد، وهذا لا يتصور إلا في المحصور بـ (إلا)، وأما المحصور بـ (إنما) فلا، يبقى على الأصل.
ولا يظهر القصد إلا في المحصور بـ (إلا)، وأما المحصور بـ (إنما) فقد لا يعلم حصره إلا بتأخيره.
قال الشارح: فمثال المحصور بـ (إنما) قولك: إنما ضرب عمْراً زيد، أي: لا ضارب له غيره، وقد يكون لزيد مضروب آخر.
ومثال المفعول المحصور بـ (إنما): إنما ضرب زيد عمْراً، أي: لا مضروب له غيره، وقد يكون لعمرو ضارب آخر.
ومثال الفاعل المحصور بـ (إلا): ما ضرب عمْراً إلا زيد.
ومثال المفعول المحصور بـ (إلا): ما ضرب زيد إلا عمْراً.
ومثال تقدم الفاعل المحصور بـ (إلا) قولك: ما ضرب إلا عمرو زيداً، هذا واضح. الأصل فيه التأخير: ما ضرب زيداً إلا عمرو؛ لأنه يجب تأخيره، ولكن لما علم فحينئذٍ نقول: جاز تقديمه.
إذاً: نقول: المحصور بـ (إنما) لا خلاف في أنه لا يجوز تقديمه، وأما المحصور بـ (إلا) ففيه ثلاثة مذاهب:
مذهب أكثر البصريين والفراء وابن الأنباري أنه لا يخلو، إما أن يكون المحصور بها فاعلاً أو مفعولاً، فإن كان فاعلاً امتنع تقديمه، وإن كان المحصور مفعولاً جاز تقديمه على التفصيل، مع كون الناظم أطلق.
والثاني: مذهب الكسائي أنه يجوز تقديم المحصور بـ (إلا) فاعلاً كان أو مفعولاً لأمن اللبس فيه بخلاف (إنما)، وهذا واضح بين وهو الظاهر، وعليه كلام الناظم رحمه الله تعالى.
المذهب الثالث -مذهب بعض البصريين-: أنه لا يجوز تقديم المحصور فيه بـ (إلا) فاعلاً كان أو مفعولاً، والصواب ما ذهب إليه الكسائي رحمه الله تعالى.
وَشَاعَ نَحْوُ خَافَ رَبَّهُ عُمَرْ
…
وَشَذَّ نَحْوُ زَانَ نَوْرُهُ الشَّجَرْ
أشار بهذا البيت أنه قد يجب تقديم المفعول به على الفاعل إذا اتصل بالفاعل ضمير يعود على المفعول به؛ لأن الأصل والقاعدة في الضمير أنه يعود إلى متقدم، إما مذكور وإما دال عليه بقرينة، إما أن يكون مذكور: زيد قام؛ هذا عاد إلى مذكور، أو دل عليه الحال مثلاً:((اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ)) هُوَ عاد إلى -الضمير لا يرجع إلى الأسماء-، هنا (اعْدِلُوا) جملة أي: العدل المفهوم من الفعل، {وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} وهو أي: الشارب ولا يشرب الخمر، هو؛ نقول: مرجع الضمير الشارب المفهوم من السياق.
وكذلك قد يكون بالحال: ((كَلَاّ إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِي)) بَلَغَتْ يعني: الروح.
إذاً: الحاصل: أن الضمير لا بد أن يكون مرجعه متقدماً، ولا يجوز أن يكون مرجعه متأخراً، لماذا؟ لأن وقع الضمير في لسان العرب هو ما ذكرناه، وهذا بالاستقراء التام لما ورد في النصوص، حينئذٍ إذا رجع إلى متأخر فإما أن يرجع إلى متأخر لفظاً ورتبة أو رتبة فحسب.
الثاني: جائز، إذا رجع إلى متأخر في الرتبة دون اللفظ هذا جائز، وإذا رجع إلى متأخر لفظاً ورتبة هذا ممنوع إلا في ست مواضع.
وَشَاعَ نَحْوُ خَافَ رَبَّهُ عُمَرْ
شَاعَ: هذا كثير أو قليل؟ هنا اتصل بالمفعول به ضمير يعود على الفاعل، الأصل: خَافَ عُمَرُ رَبَّهُ، لا إشكال فيه، خَافَ عُمَرُ رَبَّهُ، رَبَّهُ: اتصل به ضمير مفعول به يعود إلى متقدم في الرتبة واللفظ، هل يجوز تقديم المفعول به المتصل بضمير يعود على الفاعل أن يتقدم على الفاعل؟ نقول: نعم يجوز، لماذا؟ لأنه وإن عاد إلى متأخر في اللفظ إلا أنه متأخر في الرتبة.
خَافَ رَبَّهُ عُمَرْ
رَبَّهُ: هذا متأخر في اللفظ دون الرتبة، فمرجع الضمير إلى متأخر في اللفظ دون الرتبة هذا جائز.
خَافَ رَبَّهُ عُمَرْ
عُمَرْ: فاعل، تقدم المفعول به هنا فعاد الضمير على متأخر في اللفظ، أما في الرتبة فلا؛ لأن رتبة الفاعل التقدم، وحينئذٍ هذا لا بأس به وهو شائع في كلام العرب. ((وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ)) هذا مثله، هذا جائز وجاء في فصيح الكلام.
وَشَاعَ: أي كثر وظهر تقديم المفعول على الفاعل إذا اتصل به ضمير يعود على الفاعل ولم يبالغ بعود الضمير على متأخر؛ لأنه متقدم في الرتبة.
وَشَذَّ نَحْوُ: شَذَّ تقديم الفاعل إذا اتصل به ضمير يعود على المفعول لعوده على متأخر لفظاً ورتبة.
زَانَ نَوْرُهُ الشَّجَرْ، نقول: نَوْرُهُ؛ هذا فاعل، اتصل به ضمير يعود إلى الشجر وهو مفعول به، إذاً: عاد على متأخر في اللفظ والرتبة، وهذا مختلف فيه، قيل: يجوز في الشعر والنثر مطلقاً، وقيل: يجوز في الشعر لا في النثر، وهذا ظاهر كلام ابن مالك رحمه الله تعالى. وقيل: يمتنع في الشعر والنثر.
إذاً: قيل: يجوز مطلقاً ويمتنع مطلقاً، وقيل: يجوز في الشعر لا في النثر.
إذاً: وَشَاعَ نَحْوُ خَافَ رَبَّهُ عُمَرْ؛ هذا جائز وموجود في لسان العرب، بل موجود في فصيح الكلام وهو القرآن.
وَشَذَّ نَحْوُ زَانَ نَوْرُهُ
زَانَ نَوْرُهُ: المراد النور إزهار الشجرة، يقال: نورت الشجرة تنويراً وأنارت أي: أخرجت نورها.
نَوْرُ: هذا فاعل اتصل به ضمير يعود إلى متأخر في اللفظ والرتبة، وهذا ممتنع إلا في ست مسائل:
الأولى: أن يكون الضمير مرفوعاً بـ (نِعْمَ وبابه) نِعْم رجلاً زيد، باب (نِعْمَ) أن يكون الضمير مرفوعاً بنعم وبابه، نعم رجلاً زيد، أين الفاعل؟ مستتر، أين مرجعه؟ زيد، متأخر، وظرف رجلاً زيد؛ مثله.
الثاني: أن يكون مرفوعاً بأول المتنازعين المعمول ثانيهما، (جَفَوْنيِ وَلَمْ أَجْفُ الأخِلاّءَ إنَّنِي)، وهذا سيأتينا.
الثالث: أن يكون مخبراً عنه بخبر يفسره، ((إِنْ هِيَ إِلَاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا)) هِيَ: مبتدأ، وحَيَاتُنَا الدُّنْيَا: هذا خبر، هي؛ الضمير يرجع إلى الحياة، إذاً: رجع إلى متأخر.
رابعاً: ضمير الشأن والقصة، وهذا سبق معنا مراراً ((هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)).
خامساً: أن يجر برُبَّ، رُبَّهُ فَتَى، رُبَّه: مرجع رُبَّ يكون متأخراً وسيأتي في حروف الجر.
سادساً: أن يبدل منه المفسر، نحو: ضربته زيداً، زيداً بدل من ضربته، ضربته زيداً، مرجع الضمير (ضربته) المتأخر وهو مفسر للضمير.
إذاً: هذه ست مواضع يجوز فيها لغة وهو فصيح مرجع الضمير أن يكون متأخراً، وما عداها يعتبر شاذاً، وهو الذي أشار إليه بقوله: وَشَذَّ نَحْوُ زَانَ نَوْرُهُ الشَّجَرْ.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
…
!!!