الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* بيان انواع الكلمة ،حدالكلمة. والكلم.
* حد القول وعلامته مع الكلمة ،والكلم
* فائدة: بعض الحدود المهمة في باب الكلام.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال الناظم رحمه الله تعالى:
.........................................
واحِدُهُ كَلِمَةٌ ........
…
وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ
................................
عرفنا توجيه مراد المصنف رحمه الله تعالى، وأن هذا التقسيم إنما هو تقسيم للكلمة، وليس للكلم الاصطلاحي، فالاسم والفعل والحرف أقسام للكلمة، وهي محصورة في هذا التقسيم الثلاثي ولا رابع عليها، ومن زاد: الخالفة، فهو مردود عليه بإجماع النحاة.
ويدل على ذلك التقديم: واسم وفعل ثم حرف الكلم، قلنا: الكلم: هذا مبتدأ مؤخر، والمراد به الكلمات، واسم: هذا خبر مقدم؛ لأنه إذا اجتمع نكرة ومعرفة حينئذٍ تجعل المعرفة مبتدأً والنكرة خبراً على الأصل في المبتدأ والخبر.
وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ .. واسم: قدم الاسم هنا لشرفه على الفعل والحرف، يعني: على أخويه وقسيميه، لماذا؟ قالوا أولاً: فالاسم مشتق من السمو وهو: العلو، اسم: أصله مأخوذ من السمو والعلو .. وهو العلو على مذهب البصريين، ومأخوذ من: السمة، وهي العلامة على مذهب الكوفيين، أصله على مذهب البصريين: سِمْوٌ .. أو سُمْوٌ، فِعل أو فُعل، وجرى له ما جرى إلى أن صار اسماً، فوزنه حينئذٍ على مذهب البصريين: افعٌ! لأن المحذوف هو الواو، سِمو .. سُمو، أين الواو؟ نحن نقول: اسم، ليس عندنا واو، حينئذٍ نقول: حذفت اعتباطاً لغير علة تصريفية فصار وزنه ماذا؟ افع.
وأما على مذهب الكوفيين فالمحذوف منه هو الفاء، فوزنه: اعْلٌ، ففرق بينهما، وهذا مبين في غير هذا الشرح.
إذاً: الاسم مشتق من السمو، ولذلك قدمه على على قسيميه .. على على قسيميه الفعل والحرف.
وأهم من ذلك أن يقال: الاسم يوجد منه الكلام برمته، يعني: من نوعه، تحصل الفائدة الكلامية من نوعه: زيد قائمٌ، فحينئذٍ صار ماذا؟ صار الاسم مسنداً ومسنداً إليه، مخبراً به ومخبراً عنه، فارتفع عن قسيميه الفعل والحرف لهذه الميزة، وهو كونه يقع مسنداً ومسنداً إليه، محكوماً عليه ومحكوماً به، مخبراً عنه ومخبراً به، زيد قائٌم: زيد: هذا اسم وهو مبتدأ، وهو محكوم عليه، وقائمٌ هذا خبره، وهو مسند .. فحينئذٍ صار الاسم مسنداً ومسنداً إليه .. محكوم عليه ومحكوم به.
وأما الفعل ثنى به؛ لأنه ليس له من جزئي الكلام إلا كونه مسنداً فحسب، ولا يقع البتة، إذا قصد معناه لا يقع مسنداً إليه البتة، لماذا؟ لأن الإسناد الذي هو كونه مسنداً إليه، هذه من علامات الأسماء، لا يسند إلا إلى الأسماء، حينئذٍ صار الفعل مسنداً ولا يمكن أن يتركب الكلام من فعلين كما تركب من اسمين، لماذا؟ لأن الكلام لا بد فيه من مسند إليه، وإذا كان الفعل لا يقع مسنداً إليه حينئذٍ تعذر اجتماع فعلين في كلام واحد، يعني: يحصل منه الكلام.
وتعليل ذلك عند النحاة: أن الفعل في المعنى صفة، الأفعال كلها بأنواعها: الماضي والمضارع والأمر في المعنى صفات، والصفات تقتضي موصوفاً، حينئذٍ إذا قلت: جاء قام .. كما قلت: زيد قائم أسندت هذا إلى ذاك، قلت: جاء قام، جاء مسنداً إليه، وقام مسند، جاء: هذا يدل على وقوع حدث وهو المجيء، وقام كذلك يدل على حدث وهو وقوع القيام، من الذي قام بالمجيء، ومن الذي قام بالقيام؟ أين الموصوف؟ هل هو موجود في اللفظ؟ الجواب: لا.
إذا تجرد الكلام بفعلين حينئذٍ امتنع وجود الموصوف، ولذلك ثنى به.
ثُمَّ حَرْفٌ: ثلث بالحرف؛ لأنه يقع طرفاً، لا مسنداً ولا مسنداً إليه، والحرف سيأتي: أنه ما دل على معنىً في غيره فقط، فحينئذٍ كونه لا يقع مسنداً ولا مسنداً إليه صار خارجاً عن أصل الكلام، لماذا؟ لأن الكلام محصور في المسند والمسند إليه.
وإذا كان الحرف لا يقع مسنداً ولا مسنداً إليه، حينئذٍ امتنع أن يكون جزءً من الكلام، ولذلك سمي الحرف حرفاً؛ لأنه يقع طرفاً.
وأما قوله: ثُمَّ، وهذا في باب التقسيم عند بعضهم، بمعنى: الواو، كأنه قال: اسم وفعل وحرف، إذ لا معنى للتراخي بين الأقسام؛ لأن ثم تفيد ماذا؟ تفيد التراخي، هو: لا شك أن رتبته أدنى من رتبة الفعل، ولو أريد هذا المعنى لقيل: اسم ثم فعل ثم حرف، أليس كذلك؟ لأن الاسم أعلى درجةً، ثم أدنى منه الفعل؛ لكونه يقع مسنداً لا مسنداً إليه، ثم الحرف، لو أريد الترتيب من حيث الشرف لجيء بثم بعد الاسم، وعطف الفعل على الاسم بثم لإثبات التراخي.
ويكفي في الإشعار بانحطاط درجة الحرف عن قسيميه ترتيب الناظم لها في الذكر على حسب ترتيبها في الشرف وقوعه طرفاً، يعني: لا نحتاج أن تكون ثم على بابه؛ لأن كلاً من هذه الأقسام باعتبار الكلمة مرتبة واحدة، متحدة، الاسم قسم للكلمة، والفعل قسم للكلمة، والحرف قسم للكلمة، إذاً: كل منها قسم للكلمة، هل من هذه الحيثية فيه ترتيب؟ لا، وإنما الترتيب متى يكون؟ إذا نظر إلى ذات الاسم، وإلى ذات الفعل، وإلى ذات الحرف، فحينئذٍ بالنظر إلى الانقسام نقول: ثم بمعنى: الواو، وبالنظر إلى ذواتها: الاسم من حيث هو لا بكونه قسماً للكلمة وقسيماً للحرف، حينئذٍ نقول بالتساوي.
وقيل الأولى إبقاء ثم على حالها، يعني: لا نقول: إنها بمعنى الواو، وهذا جرى عليه الأكثرون: إذا جاءت ثم في هذا الموضع، قالوا: ثم بمعنى الواو؛ لأنه لا فرق بينها من حيث كونها قسماً للكلمة، وقيل: الأولى إبقاء ثم على حالها، وجعلها للتراخي الرتبي بين الأقسام من حيث ذواتها لا من حيث الانقسام، يعني: تبقى على المعنى الذي وضعت له في لسان العرب، والمراد به: التراخي الرتبي، يعني: رتبة الحرف بعد رتبة الفعل.
فحينئذٍ هذا بالنظر إلى ماذا .. إلى ذات الحرف أو إلى كونه قسماً؟ بالنظر إلى الحرف ذاته، أو من حيث كونه قسماً للكلمة؟ من حيث ذاته، وعليه نقول: كان الأولى أن يقول: اسم ثم فعل ثم حرف، والأولى أن تجعل هنا ثم بمعنى: الواو، ولا ينظر إلى ذواتها؛ لأن المقصود هنا التقسيم فحسب.
وقيل: الأولى إبقاء ثم على حالها وجعلها للتراخي الرتبي بين الأقسام من حيث ذواتها، لا من حيث الانقسام، يعني: له نظران.
وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ قلنا: هذا الصحيح أنه اسم جنس جمعي، اسم جنس على المختار لدلالته وضعاً على الماهية من حيث هي .. من حيث هي، يعني: لا بالنظر إلى الأفراد في الخارج، قد ينظر إلى الشيء ذهناً وهو المراد به الحقيقة الكلية الموجودة في الذهن .. وقد ينظر إليها باعتبار أفرادها في الخارج، وقد ينظر إليها لا باعتبار أفرادها في الخارج، وهذا قد يأتي معنا في النكرة.
وقيل: بل هو جمع، ورد: بأن الغالب تذكيره والغالب على الجمع تأنيثه، يعني: الكلم هذا ليس باسم جنس، بل هو جمع، كرجال ومسلمون، رد هذا القول، وهو قول الجرجاني وغيره، لماذا؟ لأن الغالب في الكلم تذكيره، ولذلك قال ابن مالك: واحده كلمة، والغالب في الجمع تأنيثه .. الغالب في الجمع إذا أعيد الضمير إليه .. الغالب فيه التأنيث.
وقيل: اسم جمع، ورد: بأن له واحداً من لفظه، والغالب على اسم الجمع خلافه، الغالب على اسم الجمع: ألا يكون له واحد من لفظه، وهذا له واحد من لفظه، فدل على أنه ليس باسم جمع.
إذاً: ثلاثة أقوال في لفظ: الكلم، هل هو اسم جنس، أو جمع، أو اسم جمع؟ ثلاثة أقوال، والصحيح أنه اسم جنس، والقائلون بأنه اسم جنس اختلفوا، هل هو اسم جنس جمعي، أو اسم جنس إفرادي والصواب الأول: أنه اسم جنس جمعي، لا إفرادي.
والمختار: أنه اسم جنس جمعي، والجمعي هذا صفة لاسم لا ..... فاسم جنس جمعيٌ أو جمعيٍ؟ فيه قولان:
اسم جنس جمعيٌ: هذا نعت لاسم، اسم جنسٍ جمعيٍ: هذا نعت للمضاف إليه، والصواب: الأول أنه نعت لاسم لا الجنس على الصواب وذلك لأنه لا يقال إلا على ثلاث كلمات فأكثر سواء اتحد نوعها أو لم يتحد، أفادت أم لم تفد، وقيل: لا يقال على الكلم يعني .. لا يقال إلا على ما فوق العشرة، والصواب الذي عليه الجماهير أنه من ثلاثة فأكثر، فما دون الثلاثة لا يطلق عليه أنه كلم ولو أفاد بل هو كلام.
وعلى المختار يجوز في ضميره، يعني: الكلم نفسه لا اسم الجنس الجمعي، نظر هنا باعتبارين: نظر إلى الكلم نفسه، ونظر إلى اسم الجنس الجمعي.
الكلم يجوز في ضميره العائد عليه التأنيث ملاحظةً للجمعية والتذكير على الأصل وهو الأكثر.
إذاً: قول ابن مالك: واحده، على الأصل أو لا؟ على الأصل، فلا نحتاج إلى قول الصبان أنه من باب الاستخدام، كلم: المراد به الكلمات، ثم قال: واحده، إذاً: واحد الكلم الاصطلاحي كلمة، بل الصواب أنه عائد على الكلم باعتبار كونه اسماً جنسياً جمعياً، اسم جنس جميعاً باعتبار كونا اسم جنس جمعياً، هذا هو الأصح.
ملاحظةً للجمعية: هذا إذا أنث، والتذكير على الأصل وهو الأكثر، وجاء في القرآن:((إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ)) [فاطر:10] إليه يصعد، ما قال: تصعد، ((إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ)) [فاطر:10] وهذا فاعل، ولو كان مؤنثاً لقال: تصعد بالتاء، لكن لما قال: يصعد، دلى على ماذا؟ على أنه مذكر، يعني: راعى فيه جانب التذكير.
((يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ)) [المائدة:41] مذكر أو مؤنث؟ مذكر، لو كان مؤنث لقال: مواضعها، أحسنت لقال: مواضعها.
وأما اسم الجنس الجمعي، يعني: لا بالنظر إلى الكلم، وإنما اسم الجنس الجمعي من حيث هو باعتبار مرجع الضمير فيه ثلاثة أحوال:
فمنه ما يجب تذكيره ولا يجوز تأنيثه: كغنم.
وما يجب تأنيث ضميره، ولا يجوز تذكيره: كبط.
وما يجوز في ضميره الأمران كبقر وكلم، هذا اسم الجنس من حيث هو، لا بالنظر إلى الكلم، قلنا: الكلم اسم جنس جمعي، أليس كذلك؟ بلى، يجوز في ضميره أمران، هل هذا الحكم مطرد في جميع اسم الجنس؟ لا، وإنما فيه تفصيل: بعضه يجب تذكيره، وبعضه يجب تأنيثه، وبعضه فيه الأمران، ومرده إلى لسان العرب، يعني: كيف تعرف أن هذا مما يجب تذكيره، وهذا مما يجب تأنيثه، وهذا مما يجوز فيه الأمران؟ بالرجوع إلى القاموس ولسان العرب ونحو ذلك.
وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ .. ثم حرف الكلم: عرفنا أن الكلم المراد به: اسم جنس جمعي، لا اسم جنس إفرادي، واسم الجنس الجمعي حقيقته هو الذي يفرق بينه وبين واحده بالتاء غالباً، بأن تكون التاء في المفرد لا في الجمع كلمة .. كلم، التاء موجودة في المفرد، شجرة .. شجر، بقرة .. بقر، إلى آخره.
نقول: وجود التاء في المفرد وتسقط في الجمع، هو عينه اللفظ: كلمة .. تحذف التاء، صار: كلم، بقر: هذا جمع اسم جنس جمعي، واحده: بقرة، لا فرق بينهما إلا التاء، هل التاء مطلقاً تكون فرقاً بينه؟ لذلك قلنا: غالباً، قد يكون العكس، التاء في الجمع لا في المفرد، مثل: كمئٍ وكمئةٍ .. كمئٍ: هذا مفرد، وكمئةٍ: هذا جمع، عكس بقرة وبقر، وقد يكون الفرق بينهما بالياء: زنج وزنجي، روم ورومي.
حينئذٍ الغالب فيه أن يفرق بينه وبين واحده بالتاء، هذا اسم الجنس الجمعي.
وأما اسم الجنس الإفرادي: فهو ما يصدق على القليل والكثير، يعني: يدل على الماهية بقطع النظر عن إفادة القلة أو الكثرة، الماهية من حيث هي: ماء، تقول: هذا ماء، وتنظر إلى البحر فتقول: هذا ماؤه، أليس كذلك؟ إذاً: اللفظ صدق على القليل والكثير، هذا تراب، أليس كذلك؟ هذا زيت، يصدق على القليل والكثير، النقطة تقول: هذه زيت وهي نقطة، وتأتي إلى الجردن وتقول: هذا زيت، يصدق على القليل والكثير.
هذا ضابط اسم الجنس الإفرادي: ما دل على الماهية لا بقيد قلة أو كثرة كماء وتراب.
واحِدُهُ كَلِمَةٌ: عرفنا أن المراد هنا بواحده: المراد به لفظ الكلم، وأن المراد بالكلم: اسم الجنس الجمعي، وهنا ذكَّر على الأصل، فلا نحتاج نقول: لماذا ابن مالك رحمه الله تعالى، لم يقل كما قال ابن معطي: واحدها كلمة؟ جرى على الأصل أو لا؟ جرى على الأصل.
واحِدُهُ كَلِمَةٌ: والكلمة: فعِلة، وفيها ثلاث لغات كما سيأتي لها معنيان: معنىً لغوي، ومعنىً اصطلاحي.
أما معناها في لسان العرب، الذي إذا أطلق عند العرب انصرف إليه المراد به: الجمل المفيدة، والمفيدة: هذا قيد لبيان الواقع لا للاحتراز، فحينئذٍ إذا كانت الجملة واحدةً أو متعددة صح إطلاق الكلمة عليها، على الجمل المفيدة، يعني: قد تأتي إلى سورة، وتقول: هذه جملة .. هذه كلمة، وهي جمل، وقد تأتي إلى جملة واحدة: قام زيد، أو زيد قائم، فتقول: هذه كلمة.
إذاً: الكلمة لغةً: هي الجمل المفيدة، قال تعالى:((وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا)) [التوبة:40] كلمة الله، وهي: لا إله إلا الله، هذه جملة اسمية، ((تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ)) [آل عمران:64] هذه جملة فعلية، ألا نعبد: هي الكلمة، ((تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ)) [آل عمران:64] ما هي هذه الكلمة: ((أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ)) [آل عمران:64] إذاً: أطلقت الكلمة على الجملة الفعلية، وهناك: كلمة الله هي العليا، أطلقت على الجملة الاسمية.
((كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا)) [المؤمنون:100] هذا إشارة إلى قوله: ((رَبِّ ارْجِعُونِ)) [المؤمنون:99] .... هذه جمل ليست بجملة واحدة، إذاً: هذان المثالان يصدقان على الكلمة، إذا أطلقت على الجملة المفيدة أو على الجمل المفيدة، وجاء في الصحيحين:{الكلمة الطيبة صدقة} سبحان الله ونحو ذلك، {وأفضل كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل} وهذا نصف بيت، وأطلق عليه أنه كلمة.
وهذا الإطلاق، قلنا: هذا معنىً لغوي، وهو الأصل في وضعها في لسان العرب، كما تقول: بيت، هذا موضوع وضعاً شخصياً والواضع له العرب، حينئذٍ إذا أطلق لفظ البيت انصرف إلى المعنى المخصوص، كزيد: إذا أطلق لفظ زيد انصرف إلى المعنى الذي وضع له.
كلمة: لَفْظٌ، لها معنىً في لسان العرب، إذا أطلق انصرف إليه، ما هو هذا المعنى؟ الجمل المفيدة، إذاً: مصدقها معنىً أو لفظ؟ مصدق الكلمة، يعني: ما تقع عليه الكلمة، معنىً أو لفظ؟ لفظ؛ لأن إذا قلت: زيد، اسم، مسماه .. هذا الشخص مثلاً، هذا مسمى، الاسم والمسمى، زيد: اسم، مسماه: الشخص الذي تراه، كلمة: هذه اسم، مسماها: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله المراد به لفظه، ألا نبعد إلا الله، المراد به لفظه، ألا كل شيء ما خلا باطل: المراد به لفظه.
إذاً: فمصدق لفظ كلمة: لفظ، وهذا لا مانع منه كما سيأتي معنا.
وهذا الإطلاق لمعنى الكلمة منكر في اصطلاح النحاة، يعني: إذا أطلقه أحد منهم شنعوا عليه، وأنكروا عليه، لماذا؟ لأنه قد استعمل لفظاً يشارك لفظاً عندهم له حقيقة عرفية، والكلمة عند النحاة المراد بها قول مفرد كما سيأتي، وهو حقيقة عرفية خاصة، يعني: ليس هو المعنى الذي وضع له في لسان العرب، فحينئذٍ إذا أطلق لفظ الكلمة مراداً به الجملة، أو الجمل المفيدة صار فيه تلبيس، فإذا فعله فاعل منهم أنكر عليه.
وهذا الإطلاق منكر في اصطلاح النحويين، ولذلك لا يتعرض لذكره في كتبهم بوجه من الوجوه، كما قال ابن مالك في شرح التسهيل، هو نص على هذا رحمه الله، قال: لا يجوز أن يطلق لفظ الكلمة عند النحاة مراداً به الجملة المفيدة، ولكنه خالف هنا في الألفية وقال:
وَكِلْمَةٌ بِهَا كَلَامٌ قَدْ يُؤَمْ:
هو قال: ينكر عليه، وهل ننكر عليه؟ نعم، ننكر عليه، ولذلك قال السيوطي: هذا الشطر من أمراضها التي لا دواء لها، يعني: بعض الأمور التي يمكن أن يكون فيها نوع زلل أو خلل يعتذر له، وأما هذا لا يوجد، ما في طريقة .. لأنه هو بنفسه، يعني: نحاربه أو نرد قوله بقوله، وهذا من أعظم الردود: أنه ينص على شيء في موضع، ويرى أنه منكر باتفاق النحاة، يعني: ينقل اتفاق، ثم هو يستعمله، هذه مصيبة، فقوله:
وَكِلْمَةٌ بِهَا كَلَامٌ قَدْ يُؤَمْ:
نقول: هذا ينكر عليه، لماذا؟ لأن هذا المصطلح غير مستعمل عند النحاة، والكلمة إذا أطلقت عند النحاة لها معنىً خاص .. حقيقة عرفية، كالعام عند الأصوليين والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ لها معان خاصة إذا أطلق اللفظ انصرف إليه، وهذا مثلها، إذاً: إطلاق هذا اللفظ بهذا المعنى الجمل المفيدة في كتب النحاة منكر، فإذا فعله فاعل حينئذٍ نقول: قد أخطأ، وإن كان هو الأصل في استعمال لغة العرب، وهو الحقيقة، واستعماله في القول المفرد، إن قلنا: حقيقة عرفية لا إشكال، بل لو عبر بعضهم بمجاز كما هم يقولون، نقول: هو الأصل، لماذا؟
لأنهم يقولون: استعمال لفظ الكلمة في الجمل المفيدة مجاز .. مجاز مرسل، علاقته الجزئية والكلية، يعني: أطلق الجزء مراداً به الكل: ((يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ)) [البقرة:19] أصابعهم! كل الأصبع أم الأنامل؟ الأنامل جزء من الأصبع، فأطلق الكل مراداً به الجزء، هنا العكس: أطلق الجزء مراداً به الكل، فإذا قيل:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
…
كلمة، نقول: ألا: كلمة .. كل: كلمة .. شيء: كلمة .. خلا: كلمة .. لفظ الجلالة: كلمة، كلمات، فأطلق .. أخذ هذا الجزء أطلق على الكل، إذاً: هو حقيقة أو مجاز؟ عندهم .. عند النحاة يعتبر مجازاً، مجازاً مهملاً .. مجازاً مرسلاً .. مهملاً علاقته الجزئية والكلية، وقد ذكره هنا في الألفية، فقد قيل: إنه من أمراضها التي لا دواء لها.
والكلمة اصطلاحاً عند النحاة: قول مفرد، أو اللفظ الدال على معنىً مفرد، هذا أو ذاك، والمشهور كما قال ابن هشام وغيره: قول مفرد، القول: هو اللفظ الدال على معنىً، ويشمل المفرد والمركب؛ لأن القول هذا خاص بالمستعمل، سبق معنا أن اللفظ: مهمل ومستعمل، والمستعمل هو الذي يسمى قولاً، ما العلاقة بين القول واللفظ؟ أيهما أعم؟ اللفظ أعم؛ لأنه يشمل المهمل والمستعمل، مدلوله شيئان، والقول مدلوله شيء واحد.
فكل قول لفظ ولا عكس، لماذا؟ لأن اللفظ أعم، والقول خاص بالمستعمل، قول، قلنا: يشمل المفرد ويشمل المركب؛ لأن المستعمل قسمان: مفرد كزيد، ومركب كقام زيد، الكلمة: قول مفرد، مفرد أخرج المركب، ما المراد بالمفرد؟ ما لا يدل جزؤه على جزء معناه، هذا مشهور في كتب النحاة وهو غلط.
المفرد: ما دل جزؤه على جزء معناه، عفواً! العكس: ما لا يدل جزؤه على جزء معناه، زيد، ما معناه؟ ذات مشخصة، زه: جزء من زيد، هل دل على شيء مما دل عليه زيد؟ لا، إذاً: هذا ماذا نسميه؟ نسميه مفرداً، هذا عند المناطقة، وتبعهم كثير من النحاة، وهذا من تداخل الاصطلاحات، من خلط اصطلاح باصطلاح، وسيأتي ما الذي ينبني عليه.
إذاً: الكلمة اصطلاحاً: قول مفرد، فخرج بالقول: غيره من الدوال كالخط والإشارة، وبالمفرد: وهو ما لا يدل جزؤه على جزء معناه المركب، فيصد على زيد، زاد بعضهم: قول مفرد مستقل، يعني: لا تسمى الكلمة كلمة إلا إذا كانت مستقلة، يعني: تنفصل لوحدها، وأما إذا كانت لا توجد لوحدها إلا مع غيرها فليست بكلمة، يضرب .. نضرب .. تضرب .. أضرب، كم كلمة؟ .. نضرب هذه أمثلة، نضرب كم كلمة؟ فيه قولان .. نضرب، هذه النون حرف من أحرف المضارعة، أنيت .. أضرب، إذاً: الهمزة هذه والنون ويضرب وتضرب، هذه الأحرف تسمى أحرف مضارعة، هل هي حرف مبنى أو حرف معنى؟ ما الفرق بينهما؟ حرف المبنى هو جزء الكلمة، وحرف المعنى هو كلمة بذاتها، هل يضرب وأضرب هذه الأحرف حروف معاني أو مباني؟ معاني.
إذاً: هو كلمة، هذا هو الأصل؛ لأنه قسيم للاسم والفعل، الاسم والفعل والحرف هذه أقسام للكلمة، ما حقيقة الحرف؟ ما دل على معنى في غيره، إذاً: يضرب .. أضرب دلت على معنى في غيرها، فهي حرف معنى، وليست حرف مبنى، وإذا أطلق الحرف في هذا المقام انصرف إلى حرف المعنى، ولا يدخل معنا حرف المبنى، ولذلك لن يقيده ابن مالك، قال: واسم وفعل ثم حرف، ولم يقل: حرف جاء لمعنى، أو حرف معنى، احترازاً عن حرف المبنى، هذا كثير، نقول: هذا ليس بوارد، بل التقييد في مثل هذه التراكيب لبيان الواقع لا للاحتراز.
إذاً: أضرب، هذا الحرف الهمزة نقول: هذا حرف معنى، ثم الفعل بعده فهما كلمتان، هل يضرب ونضرب النون والهمزة توجد لوحدها مستقلة دون فعل مضارع، لا توجد، هل هي كلمة؟ من اشترط الاستقلال قال: ليست بكلمة، فحينئذٍ لا بد من إخراجها، فنقول: قول مفرد مستقل احترازاً عن أحرف المضارعة، واحترازاً عن تاء التأنيث، عائش .. عائشة، نقول: هذه التاء تدل على التأنيث، أليس كذلك؟ هل هي حرف مبنى أو حرف معنى؟ حرف معنى، عائشة: كم كلمة؟ نقول: كلمتان في الأصل، قرشي، يعني: منسوب إلى قريش، هذه الياء حرف مبنى أو حرف معنى؟ حرف معنى، هل هي كلمة مستقلة أم لا؟ بناءً على الخلاف الواقع.
وبالمستقل الذي اشترطه بعضهم، وذهب إليه السيوطي في جمع الجوامع خرج به أبعاض الكلمات الدالة على معنىً كحروف المضارعة، وياء النسب، وتاء التأنيث، وألف ضرب، فليست بكلمات لعدم استقلالها، ومن أسقط هذا القيد وهو الأصح، وهو الذي ذهب إليه الرضي وغيره، ذهب إلى أن هذه الأحرف مع ما هي فيه صارت كالكلمة الواحدة، يعني: امتزجت، لشدة امتزاج المعنى صارت كالكلمة الواحدة، وهذا هو الظاهر.
فحينئذٍ يقال فيها: إنها كلمة، لكنها في هذا المقام لعدم استقلالها، لماذا لم تستقل؟ نقول: لامتزاجها بمدخولها، ما الدليل على أنها امتزجت بمدخولها؟ تخطي العامل لها:((لَمْ يَلِدْ)) [الإخلاص:3] .. لم اضرب .. لو قيل: أضرب، الهمزة هذه كلمة، وهي: مراعاة، يعني: ننظر إليها، ولها استقلال، فحينئذٍ: لمْ- أَ- .. دخل الحرف على الحرف، وهذا خلل، هل يدخل الحرف على الحرف؟ الجواب: لا، دخول الحرف علامة على الاسمية، لم أضرب، ملحظ آخر: لم، هذه تجزم، فلو جوزنا جدلاً دخول الحرف على الحرف، حينئذٍ أين ظهر أثر لم؟ في آخر: أضربْ –الباء-، لو كانت: لم داخلةً على الهمزة لظهر أثرها فيها وعليها، ولكن لما ظهر في آخر الكلمة: أضرب، دل على أن الهمزة جزء من الفعل لا ينفك عنه البتة، إذاً: تخطي العامل لهذه الأحرف أحرف المضارعة دليل على أن هذه الكلمة التي هي حرف المضارعة امتزجت بالفعل حتى صارت جزءً منه.
وهذا ما ذهب إليه الرضي، قال: من أنها مع ما هي فيه كلمتان في الأصل، صارتا واحدةً لشدة الامتزاج فجعل الإعراب على آخره كالمركب المزجي، إذاً: الأصح إسقاط لفظ: مستقم.
ولم يزد، أو نزد: دال بالوضع كما قال بعضهم: اللفظ الدال بالوضع، لماذا احتاج الدال بالوضع؟ لأنه أخذ اللفظ جنساً في حد الكلمة، وإذا أخذنا القول جنساً في حد الكلمة لا نحتاج إلى هذا الفصل؛ لأنه خرج بالجنس، فقولنا: قول، حينئذٍ اختص بماذا؟ بالموضوع الذي هو المستعمل، وإذا قيل: هي لفظ، الكلمة لفظ نحتاج إلى ماذا؟ إلى إخراج المهمل، فلا بد من فصل، فحينئذٍ صار لفظ القول جنساً قريباً في الحد، وصار اللفظ اللفظي جنساً بعيداً، واستعمال الأجناس القريبة هو المعتمد عند أرباب الفنون والحدود، دون أن يجعل اللفظ البعيد هو المأخوذ جنساً في حد الكلمة أو في حد اللفظ.
ولم نزد دالاً بالوضع مخرجاً المهمل؛ لأن من أخذ اللفظ جنساً في الحد احتاج إلى هذا القيد، ومن أخذ القول جنساً أسقط هذا القيد؛ لأن القول موضوع لمعنى، وما قيل: من أن ذكر اللفظ أولى عند بعضهم وهو أولى .. أن ذكر اللفظ أولى لإطلاق القول على غيره، كالرأي هذا ممنوع عند بعضهم، كابن هشام وغيره، ولذلك ذهب في القطر إلى أن استعمال الأجناس البعيدة مع إمكان القريبة معيب عند أهل النظر، والصواب أنه ليس معيب، وإنما هو ترك للأولى.
كالرأي ممنوع لعدم تبادره إلى الأذهان إذ هو مجاز .. استعمال القول مراداً به الرأي والاعتقاد، هذا قول الشافعي، يعني: رأي الشافعي، هذا اعتقاد .. هذا قول أهل السنة والجماعة، يعني: اعتقاد أهل السنة والجماعة، إذاً: استعمل لفظ القول في الرأي والاعتقاد، فحينئذٍ أخذه جنساً في حد الكلمة أو الكلام نقول: هذا لفظ مشترك، وإذا كان كذلك فاللفظ المشترك ممنوع في الحدود، وفي الحد جعلنا الإفراد صفة القول، وجعله ابن الحاجب وأبو حيان صفة المعنى، حيث قالوا: وضع لمعنىً مفرد.
قلنا: لا .. قول مفرد، مفرد هنا وصف لأي شيء؟ للقول، وذهب أبو حيان، كذلك ابن الحاج، وهو الذي ذكره ابن عقيل: أنه لفظ وضع لمعنىً مفرد، مفرد صفة لأي شيء؟ للمعنى، وأيهما أولى بالوصف: القول الذي هو اللفظ، أو المعنى بالإفراد؟ كل منهما على الصحيح يوصف بالإفراد والتركيب، اللفظ قد يكون مفرداً وقد يكون مركباً، وكذلك المعنى قد يكون مفرداً وقد يكون مركباً، إلا أن وصف اللفظ بالإفراد والتركيب أولى؛ لأن المعنى تبع له.
حيث قال: وضع لمعنىً مفرد؛ لأنه كما قال الرضي وغيره: صفته في الحقيقة وإنما يكون صفةً للمعنى بتبعية اللفظ، ولسلامته من الاعتراض بنحو الخبر، فإنه كلمة ومعناه مركب، يعني: لا يشترط في مدلول الكلمة أن يكون المعنى مفرداً، بل قد يكون مدلول الكلمة معنىً مركباً، إذا قلت: الكلام ينقسم إلى قسمين خبر وإنشاء، قد يكون مدلول اللفظ معنىً، وقد يكون مدلول اللفظ لفظاً كما ذكرناه قبل قليل، حينئذٍ إذا قلت: قام زيد، هذا خبر، خبر هذا المفرد أو لا، خبر .. كلمة: خبر مفرد أو لا؟ قولوا: مفرد، مدلوله مفرد أو مركب؟ مركب؛ لأن قام زيد هو مدلول لفظ الخبر، فدل على أن معنى الكلمة أو ما يصدق عليه الكلمة قد يكون مفرداً وقد يكون مركباً، فإذا أخذنا المفرد وصفاً للمعنى، حينئذٍ خرج المعنى المركب.
وضرب، كلمة أو لا؟ كلمة، مدلوله مفرد أو مركب، الفعل يدل على أي شيء؟ على شيئين: حدث وزمن، إذاً: معناه مركب أو لا؟ معناه مركب.
ولسلامته من الاعتراض بنحو الخبر فإنه كلمة، ومعناه مركب، وهو زيد قائم مثلاً، ونحو ضرب فإنه كلمة، ومعناه مركب من الحدث والزمان، إذاً: واحده: كلمة، نقول: المراد بالكلمة هنا: القول المفرد، وسبق أن تعريف المفرد عن النحاة: هو ما لا يدل جزؤه على جزء معناه، وهذا غلط، لا نقول: خلاف الأولى، ولا نقول: قابل للتأويل، نقول: هذا غلط ليس بصواب، كيف غلط وابن هشام في كتبه كلها يقول: المفرد ما لا يدل جزؤه على جزء معناه؟!
نقول: تسليمهم بهذا التعريف لزم منه محذور، وهو المركب الإضافي علماً، عبد الله مركب إضافي، أليس كذلك؟ إذا أريد به الوصف تقول: هذا عبد الله، يعني: يعبد الله تعالى، هذا لا إشكال فيه عندهم أنه مركب، لكن لما نقل وجعل علماً صار مسماه شيئاً واحداً، فمدلول عبد الله علم المدلول زيد، مدلول زيد نفسه ذات مشخصة، كما قلنا هناك: زيد لا يدل جزؤه على جزء معناه: زه .. يه .. ده، لا يدل واحد من هذه الأجزاء على جزء المعنى الذي دل عليه اللفظ كله، وهو زيد.
عبد الله صار مثله، لا يدل جزؤه على جزء معناه، فعبد لا يدل شيء البتة، ولفظ الجلالة لا يدل على شيء البتة، فعبد هذه كالزاي من زيد مثلها، هذا مسلم عند المناطقة أو لا؟ مسلم عند المناطقة، لكن عند النحاة غير مسلم، بل عبد الله علماً، نقول: هذا مركب.
ولذلك سيأتينا أن العلم منه مركب إضافي، فحينئذٍ إذا كان مركباً إضافياً وهو علم باعتبار أصله، مركب إضافي وبعد العلمية، هل خرج عن كونه مركباً إضافياً أم لا؟ الصواب: لا، لم يخرج عن أصله، بل هو مركب، عبد الله وصفاً، وعبد الله علماً مركب إضافي، إذا قلنا: المفرد هو ما لا يدل جزؤه على جزء معناه شمل عند المناطقة نوعين: زيد وعبد الله فهو مفرد، لأنه لا يدل جزؤه على جزء معناه، وإذا قلنا: عبد الله مركب إضافي، وسلمنا بهذا في باب النحو حينئذٍ إيراد تعريف المناطقة يترتب عليه تناقض، ولذلك نعدل عنه إلى تعريف المفرد بأنه الكلمة الواحدة، والملفوظ مرة واحدة، أو اللفظ الواحد، هذا أجود ما يعرف به المفرد.
وقد بين ذلك ياسين الحمصي في حاشيته على مجيب النداء، وكذلك ابن اللحام في مختصر أصول الفقه، والفتوحي في شرح الكوب، نصوا على أن المفرد بهذا الحد خطأ، وهو من خلط اصطلاح باصطلاح كما قال البيجوري في شرح العمريطي لنظم الأجرومية، إذاً: هذا القول ليس من كيسي، بل أنا متابع لغيري، فنقول: هذا الحد غلط، ماذا أجابوا عن: عبد الله علماً؟
قال السيوطي: وهو مشى على هذا القول: أن تعريف المفرد ما ذكرناه، وكذلك الأشموني، قالوا: قول مفرد شمل الحد الكلمة تحقيقاً كزيد، وتقديراً كأحد جزئي العلم المضاف كعبد الله، فجعلوا الكلمة نوعين:
كلمة تحقيقاً كزيد، وكلمة تقديراً، ما المراد بالكلمة تقديراً هنا؟ قالوا: أحد جزئي العلم المضاف، عبد: هذا كلمة، لكنه ليس حقيقةً، لماذا ليس حقيقةً؟ لأنه لا يدل جزؤه على جزء معناه، أولاً: عبد الله مفرد لا يدل جزؤه على جزء معناه، لما كان هذا مركباً إضافياً، والإضافة تقتضي مضافاً ومضافاً إليه، كم كلمة؟ كلمتين، كيف نقول: هو كلمة، ثم هو مؤلف من كلمتين؟ تناقض أو لا؟ تناقض، انفكوا عن هذا التناقض قالوا: عبد الله، كله كلمة تحقيقاً، ثم عبد كلمة تقديراً ولفظ الجلالة كلمة تقديراً، وهذا فاسد، لماذا؟
لأنه لو جعل عبد الله كله كلمةً واحدة .. كلمة واحدة تحقيقاً كزيد، نقول: زيد، جاء زيد، ورأيت زيداً، ومررت بزيد، أين ظهر الإعراب؟ أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل في آخر الكلمة، إذاً محل الإعراب آخر الكلمة، أليس كذلك؟ فزيد: جاء زيد، زيد نقول: هذا معرب، وهو فاعل، ورفعه ضمة ظاهرة في آخره وهو ضم الدال
، واضح الكلام أو هذه أسرار؟ هي من أسرار النحو، لكنها ليست عليكم، إذاً: جاء زيد، زيد، نقول: هذا فاعل، ورفعه ضمة ظاهرة على آخره، لو قلت: جاء عبد الله، جاء: فعل ماض، وعبد الله: لو قلنا: إنه كلمة تحقيقاً كزيد، أين يظهر الإعراب؟ على الهاء، جاء عبد الله، هذا الأصل، هل يسلمون بهذا؟ لا يسلمون، كيف يكون كلمةً تحقيقاً ثم يظهر الإعراب في أثناء الكلمة، جاء عبد الله .. رأيت عبد الله .. مررت بعبد الله، كيف يكون كلمةً تحقيقاً ثم يظهر الإعراب في أثناءه، ولذلك هذا باطل.
الذي أوردهم هذا المورد هو التقليد، لا إشكال في هذا، أقول: تقليد، أخذوا الاصطلاح كما هو مشهور عند النحاة، المفرد: ما لا يدل جزؤه على جزء معناه، أقول: هذا المفرد عند المناطقة، وليس هو المفرد عند النحاة، قد تتفق الألفاظ وتختلف المعاني والاصطلاحات، بل عند النحاة المفرد له عدة معان، المفرد له معنى في باب الإعراب، وله معنى في باب الخبر، وله معنى في باب: لا، نافية للجنس.
حينئذٍ أقول: اللفظ واحد وله عدة اصطلاحات، فحينئذٍ المفرد عند المناطقة، لا يلزم باتفاق اللفظ مع المفرد عند النحاة أن يكون المعنى واحداً، ولهذا المنطق دخل في بعض الفنون فأفسدها، ومن هذا في علم النحو، إذاً: قوله: وشمل الحد الكلمة تحقيقاً كزيد، وتقديراً كأحد جزئي العلم المضاف كعبد الله، فإن كلاً منها كلمة تقديراً، إذ لا تتأتى الإضافة إلا في كلمتين، وإن كان مجموعهما كلمةً تحقيقاً لعدم دلالة جزئه على جزء معناه، وهذا فاسد وتناقض واضح بين يجب رده.
والصحيح أن المفرد هو الكلمة الواحدة، أو إن شئت قل: اللفظ الواحد، أو الملفوظ مرةً واحدة، زاد بعضهم: قول مفرد، أو منوي معه، لماذا؟ لما ذكرناه في حقيقة اللفظ، قم؟ مؤلف من كلمتين، قم: هذه كلمة، والمسند إليه الضمير المستتر كلمة، كيف هو كلمة وليس بقول؟ لا بد من إدخاله، فنزيد: أو منوي معه، يعني: مع اللفظ، احترازاً من الكلمات التي تكون منويةً لا مع اللفظ، هنا الضمائر المستترة منوية، لكنها لا بد أن تكون مجاورةً للفظ، وأما إذا نوى في نفسه كلمة هكذا، نقول: هذا لا اعتبار له ولا يسمى كلمةً.
وشمل المنوي المستكن وجوباً وجوازاً وخرج معه ما نواه الإنسان في نفسه من الكلمات المفردة، فإنه لا يسمى كلمةً في اصطلاحهم؛ لأنه لم ينو مع اللفظ، ومنع ابن الخباز تسمية الضمير المستكن اسماً، قال: لأنه لا يسمى كلمة، وهذا يذكره بعض الأصوليين، وهو مشى عليه صاحب الورقات، أنه يتألف الكلام: من حرف وفعل، أليس كذلك؟ ما قام، عنده قال: هذا يتألف من حرف وفعل، بناءً على أنَّ الضمير المستكن ليس بكلمة وليس بصواب، بل الصحيح أنه كلمة؛ لأن العرب أسندت إليها، فدل على أنها مقصودة، وكذلك عطفت عليها، فدل على أنها موجودة، وأكدتها فدل على أنه أيضاً موجودة، ولو كانت عدماً ليست بشيء لما صحت هذه الثلاثة كلها.
إذاً: قوله: ما قام، هذا مؤلف من فعل وحرف واسم كذلك، أما أنه يتألف من حرف وفعل، نقول: هذا فاسد، وهذا قول الشلوب
واحِدُهُ كَلِمَةٌ والقَوْلُ عَمّ
…
وَكِلْمَةٌ بِهَا كَلَامٌ قَدْ يُؤَمّ
هنا قال: واحِدُهُ كَلِمَةٌ، كلمـ على وزن: فعل، ثم قال: وكلمة، سكن اللام، هل هو ضرورة من أجل الوزن، أم لغة؟ ضرورة، أو الثاني؟ نعم، إذاً، كَلِمة: هذا لغة، وكِلْمة: هذا لغة، بقي ماذا؟ كَلْمَة، إذاً: فيها ثلاث لغات، كَلِمة كنبقة، يجمع على: كلِمٍ، الذي ذكرناه، واحده كلمة، واحد ماذا؟ واحد الكلم كنبق، وكِلْمة كسدرة، جمعها: كِلْم، كسدر، بقي: كَلْمة كتمرة، يجمع على تمر .. كلم مثلها، فهذه ثلاث لغات.
وفي الكلمة ثلاث لغات: كَلِمة على وزن نَبِقة، وتجمع على كَلِم كنَبِق، وكِلْمة على وزن سِدْرة، وتجمع على كِلْم كسدر، وكَلْمة على وزن تمرة، وتجمع على كَلْم كتمر، وهذه اللغات في كل ما كان على وزن فعل: ككبد وكَتِف .. كَتْف .. كِتْف .. هذه لغات، كَبِد كَبْد كِبْد، كبدة هذا ثابت ليس فيه إشكال!
فإن كان وسطه حرف حلق جاز فيه لغة رابعة، وهي إتباع فائه لعينه في الكسر، اسماً كان نحو فَخِذ فَخْذ فِخْذ وفِخِذ، إتباع الفاء للعين، وكذلك: شَهِد شَهْد شِهْد شِهِد بالكسر إتباعاً لحركة العين.
والقَوْلُ عَمْ: عم ما ذكر .. عم: هذا فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر، حينئذٍ يكون الخبر جملةً فعلية، ويحتمل أن يكون: عم، أصله: أعم، والقول أعم، يعني: مما ذكر، حينئذٍ حذفت همزته تخفيفاً لكثرة الاستعمال مثل: خير وشر، ويحتمل أنه اسم فاعل: عام، والقول عام، وحذفت ألفه لضرورة الوزن، والصواب: أنه يحمل على أنه فعل؛ لأن القول بأن خير وشر هذا غلبة فيها، وأما عم فلا، فحينئذٍ أقول: عم، المراد به فعل ماضي هذا هو الصواب.
والقَوْلُ عَمْ، والقَوْلُ، أي: المقول، المقول، يعني: الذي هو أثر المصدر، المراد بالقول كما سبق معنا: هو اللفظ الدال على معنى، اللفظ: هذا جنس يشمل المستعمل والمهمل، المستعمل هو القول، فلما أخذنا اللفظ جنساً في حد القول احتجنا إلى فصل واحد لنخرج المهمل، فاللفظ: هذا عام، الدال على معنىً، والمعنى: هو ما يقصد من اللفظ، والدال هنا المراد به: بالوضع الشخصي أو النوعي، يعني: يشمل الوضع بنوعيه، الوضع نوعان: وضع شخصي ووضع نوعي.
الوضع الشخصي: هو جعل اللفظ دليلاً على المعنى، وهذا خاص بالمفردات، يعني: كلمة زيد وسماء وأرض، كل المفردات هذه واضعها وضع هذه الألفاظ بإزاء معانٍ خاصة، ألفاظ خاصة دالة على معانٍ خاصة، هذا نسميه ماذا؟ وضعاً شخصياً، لتعلقه بأشخاص الألفاظ بعينه نفسه، بزيد نفس زيد، هذا شخص من أشخاص الألفاظ، حينئذٍ نقول: جعل اللفظ دليلاً على المعنى، فالمعنى مدلول عليه، واللفظ دليل عليه، فاللفظ دليل، والمعنى مدلول عليه، تخصيص هذا الدليل بهذا المدلول نقول: هذا وضع شخصي.
وأما الوضع النوعي: فالمراد به القواعد العامة في لسان العرب، إذا أردت الإخبار بجملة فعلية حينئذٍ تأتي بالفعل أولاً، ثم تأتي بالفاعل ثانياً، من الذي وضع هذا بأن قدم الفعل على الفاعل؟ الواضع، لكن وضعه لهذه المسائل وضعاً نوعياً أو وضعاً آحادياً بأن نطق بكل فعل مع فاعله، أم أنه وضع قاعدةً إذا أردت أن تخبر بفعل فحينئذٍ قدم الفعل على الفاعل، ولا يصح تقديم الفاعل على الفعل، نقول: هذه قاعدة كلية، هل هي موضوعة وضعاً نوعياً، أم أنها أمر مستنبط من جهة العقل، فدليله العقل؟ نقول: لا، هي موضوعة.
وكذلك إذا أردت ماذا؟ إذا أردت الإضافة حينئذٍ عندك مضاف ومضاف إليه، تقول: غلام زيد، غلام: بدون تنوين، سلب تنوينه وأضيف إليه زيد، وانتقل التنوين من الأول إلى الثاني لتنزيله منزلة الجزء منه، فحينئذٍ نقول: هذا التركيب بهذا السياق: غلام زيد، تقديم المضاف على المضاف إليه من غير عكس، هذا موضوع أم لا؟ موضوع، إذا أردت أن تركب تركيباً إضافياً فابدأ بالمضاف، ثم تأتي بالمضاف إليه، نقول: هذه قاعدة عامة وهي أصل من أصول النحاة، هذه موضوعة، لكنها ليست وضعاً شخصياً، بمعنى: أن الواضع لم ينطق بكل المركبات الإضافية، بل وضع لك قاعدة ثم أنت تؤلف ما شئت من تلك المركبات.
كون المضاف إليه مجروراً دائماً والثاني يجرر، وكون المضاف بحسب العوامل، إن دخل عليه ما يقتضي الرفع رفعه، أو النصب نصبه، أو الجر جره، نقول: هذه قاعدة وأصل.
إذاً: إن تعلق الوضع بالقواعد العامة فهو وضع نوعي، إذاً: قوله في تعريف القول: أنه اللفظ الدال، هل المراد هنا الدلالة شخصية فيختص بالمفردات، أو هو أعم فيشمل النوعي فهي تدخل فيه المركبات؟ الثاني؛ لأنه قال والقَوْلُ عَمْ، يعني: عم الكلام والكلمة.
هو ذكر عندنا كم شيء؟
كَلامُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ كاسْتَقِمْ
…
وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ
هذه كم؟ كلام، وكلم اثنان.
وَكِلْمَةٌ، واحده: كَلِمة، هذه ثلاثة أشياء، القول عم الكلام، وعم الكلم، هذا على القول بجعله كلماً اصطلاحياً، وعم الكلمة، فالقول أعم من هذه الثلاثة، بقي شيء واحد ذكره ولا يصح إدخاله؟ اللفظ أحسنت؛ لأنه قال: كلامنا لفظ، هل القول عم ما ذكر كله ويدخل فيه أو تحته اللفظ أم نستثني اللفظ؟ لا بد من استثناء اللفظ، لماذا؟ لأنه تقرر عندنا أن القول أخص من اللفظ مطلقاً، فبينهما العموم والخصوص المطلق.
إذاً: ذكر ابن مالك حد الكلام، ثم أخذ في حد الكلام جنساً اللفظ، ثم ذكر الكلم وفسره بعضهم بالكلم الاصطلاحي، ثم ذكر الكلمة، هذه أربعة أشياء.
المراد بقوله: والقَوْلُ عَمْ، أي: عم ما ذكر مما يكون القول جنساً له، يعني: شاملاً له، وأما ما كان القول نوعاً منه، وهو المستعمل، وهو فرد من أفراد اللفظ، حينئذٍ لا يدخل تحته.
واحده كلمة والقول عم، عرفنا القول: بأنه اللفظ الدال على معنىً، والقَوْلُ عَمْ، أي: عم الكلام والكلم والكلمة عموماً مطلقاً، فكل كلام قول ولا عكس، وكل كلم قول ولا عكس، وكل كلمة قول ولا عكس، إذاً: بينهما عموم وخصوص مطلق، والعموم والخصوص المطلق نحتاج فيه إلى مادتين اثنتين:
مادة الاجتماع، ومادة الافتراق، القول أعم من الكلمة، نأخذ هذه السهلة، ما مادة الاجتماع؟ اعطوني مثال لمادة الاجتماع، نعم شيء نقول: هذا قول وكلمة، مثل ماذا؟ زيد، زيد نقول: هذا كلمة؛ لأنه قول مفرد، وهو قول لأنه لفظ دال بالوضع على معنى، ودال بالوضع، قلنا: يشمل الوضع النوعي والوضع الشخصي، فدخل فيه زيد، إذاً: اجتمعا في زيد.
أعطني مثالاً يكون كلمةً لا قولاً؟ لا يمكن .. لا يتصور، لماذا؟ لأن القول أعم من الكلمة، ولا يتصور أن يوجد الأخص دون الأعم، هذا باطل لا وجود له.
أعطني مثالاً يصدق عليه أنه قول لا كلمة؟ قام زيد، هذا قول وليس بكلمة، إذاً: هذه العلاقة بين الكلمة والقول.
العلاقة بين الكلام والقول، العموم والخصوص المطلق نحتاج إلى مادتين: مادة الاجتماع، ومادة الافتراق، مثال لمادة الاجتماع، يعني: ما يصدق عليه أنه قول وكلام في وقت واحد، قام زيد: هذا كلام؛ لأنه لفظ مفيد مركب بالوضع، وهو قول؛ لأنه لفظ دال على معنى إذ اجتمعا في: قام زيد.
أعطني كلاماً ليس بقول؟ لا وجود له؛ لأن الكلام أخص من القول، حينئذٍ لا يمكن أن ينفرد عن الأعم، لا يمكن هذا بعيد.
مثال يكون قولاً لا كلاماً؟ إن قام زيد، هذا قول وليس بكلام.
العلاقة بين الكلم والقول: العموم والخصوص المطلق، مادة الاجتماع: إن قام زيد قمت، هذا كلام مفيد .. لفظ مُفِيدٌ كاسْتَقِمْ، هذا كلم؛ لأنه تركب من ثلاث كلمات فأكثر، هل هو قول؟ نعم، طيب! أعطني مثالاً يكون كلماً لا قولاً؟ لا يمكن، العكس: إن قام زيد، هذا كلم وليس بقول، هل هذا صحيح؟ ما العلاقة بين الكلم والقول؟ العموم والخصوص، ما الدليل .. ؟ .... لا، إذا قيل ما الدليل عند الشناقطة هو القول عم، هذا دليل! لأن ابن مالك هنا يقرر قواعد، فإذا قيل لك: ما الدليل؟ تقول: والقول عم، هذا الدليل؛ لأن القول عم، يعني: أعم من الكلم، إذاً: الكلم أخص من القول، هذا الدليل، طيب.
عندنا مادتان: مادة اجتماع، ومادة افتراق، ما الذي يفترق هنا؟ الأعم يفترق عن الأخص، الأخص هو الكلم، والقول أعم منه، حينئذٍ إذا قلت: إن قام زيد قمت، هذا كلم وقول، غلام زيد: هذا قول وليس بكلم، إذاً: القول عم، إذاً: صح أن يقال بأن القول أعم من الكلمة، وأعم من الكلم، وأعم من الكلام، ما العلاقة بين الكلمة والكلام؟ العموم والخصوص المطلق .. راسبين! كيف عموم وخصوص مطلق؟! كلمة مفرد .. قول مفرد، والكلام يشترط فيه أن يكون مركباً، هل يجتمعان؟ ما يجتمعان، القول المفرد هذا مباين للقول المركب، فحينئذٍ العلاقة بين الكلمة والكلام التباين، التباين التخالف، يعني: ليس بينهما ارتباط، ما يصدق عليه كلمة زيد، والذي يصدق عليه أنه كلام: قام زيد، هذا مركب وذاك مفرد، إذاً: العلاقة بين الكلمة والكلام التباين، والعلاقة بين الكلمة والكلم؟ التباين أيضاً، العلاقة بين الكلام والكلم؟ العموم والخصوص الوجهي، وهذا مغاير للعموم والخصوص المطلق؛ لأنه يحتاج إلى ثلاث مواد:
مادة اجتماع، ومادتي افتراق، افتراق الأعم عن الأخص، وافتراق الأخص عن الأعم، هيا أعطوني، مادة الاجتماع؟
ضرب زيد عمراً، اجتمعا، هذا كلم وكلام، كلم؛ لأنه ثلاث كلمات وصاعداً، وكلام؛ لأنه مركب مفيد.
كلم لا كلام؟ إن قام زيد، هذا كلم وليس بكلام، لماذا؟ لأن الكلام يشترط فيه الإفادة هذا مركب: إن قام زيد مركب .. لفظ مركب، لكن يشترط فيه الإفادة وهنا انتفت، هل انتفت الإفادة مطلقاً؟ لا، إنما انتفت الإفادة التامة، وأما الجزئية والناقصة والتركيبية فهي موجودة، هذا كلم ليس بكلام.
كلام ليس بكلم؟ قام زيد، هذا كلام ليس بكلم، هذا كلام: قام زيد؛ لأنه مركب من كلمتين، ويشترط في الكلم أن يكون ثلاثةً فصاعداً.
والقَوْلُ عَمْ، أي: عم الكلام والكلم والكلمة عموماً مطلقاً، فكل كلام أو كلم أو كلمة قول ولا عكس.
وَكِلْمَةٌ بِهَا كَلَامٌ قَدْ يُؤَمْ هذه يقال فيها: أنها جملة كبرى، كِلْمة على وزن: سِدْرة، ما إعرابه؟ مبتدأ، ولا يجوز الابتداء بالنكرة، وكِلْمة هذ نكرة أو معرفة؟ كلمة من حيث هي، الكلمة .. كلمة، الكلمة هذه معرفة لدخول: أل، وكلمة، هذا نكرة، لكن هنا قصد لفظها، والشيء إذا قصد لفظه صار علماً، وإذا صار علماً، العلم معرفة، فحينئذٍ قوله: كِلْمة، هذا معرفة وليس بنكرة؛ لأنه معرف بالعلمية، لأنه لا يشترط أن يكون التعريف بأل دائماً، بل قد يكون ضميراً .. قد يكون معرفةً .. قد يكون علماً، قد يكون اسم إشارة، نقول: هذا معرفة وليس فيه: أل، إذاً: لا يشترط في المعرف أن يكون دائماً بأل، فإذا قيل: كلمة، نقول: هنا جعل علماً، وسيأتي هذا التفصيل فيما بعد.
إذاً: كِلْمة، هذا مبتدأ، أكملوا .. وكلمة بها كلام قد يؤم، يعني: قد يقصد، أما الشيء:((آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ)) [المائدة:2] يعني: قاصدين.
وَكِلْمَةٌ بِهَا كَلَامٌ قَدْ يُؤَمْ، يعني: قد يقصد، قد يقصد بالكلمة الكلام، وهذا شرحناه فيما سبق، لكن الإعراب، وكلمة، نقول: هذا مبتدأ أول، وهو معرفة، بها: جار ومجرور متعلق بقوله: يؤم.
وكلام: هذا مبتدأ ثانٍ، وهنا لا يحتاج إلى مسوغ؛ لأنه مفيد بنفسه، قد: حرف تحقيق، يفيد التقليل، يؤم، يعني: يقصد، فعل وفاعل والجملة خبر عن المبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره خبر عن المبتدأ الأول، هذه تسمى جملة كبرى، إذا وقع الخبر جملةً فحينئذٍ الجملة كلها تسمى: جملة كبرى، وجملة الخبر بعينها تسمى صغرى، وهنا كبرى باعتبار ماذا؟ كلمة بها كلام قد يؤم، هذه كبرى، قد يؤم صغرى، كلام قد يؤم لها اعتباران: كبرى وصغرى، كونها وقعت خبراً للمبتدأ الأول فهي صغرى، كون الخبر فيها جملةً فهي كبرى.
وقوله: قد يؤم، قد: هذه للتقليل، ومراده التقليل النسبي، أي: استعمال الكلمة في الجمل قليل بالنسبة إلى استعمالها في المفرد، لا قليل في نفسه، فإنه كثير، فهنا النسبة اعتبارية، لكن هذا إذا قلنا الأصل في إطلاق لفظ الكلمة: أن المراد به الجمل أو الجملة المفيدة حينئذٍ نقول: الأصل في إطلاق اللفظ ما جاء به لسان العرب، وما استعمل حقيقة عرفيةً فحينئذٍ يجعل خاصاً بطائفة معينة؛ لأن هذا هو الأصل في الاصطلاح: اتفاق طائفة مخصوصة على أمر معهود بينهم متى أطلق انصرف إليه، وهذا قول مفرد لم يلفظ به العرب .. لم يطلق العربي الفصيح لفظ كلمة على: زيد، ليس عندهم ولا مثال واحد، أن عربياً يستشهد بكلامه أطلق على لفظ زيد: أنه كلمة، فحينئذٍ صار ماذا؟ صار اصطلاحاً خاصاً بأهل النحو.
حينئذٍ لا ينبغي المقارنة بينه وبين الإطلاق الأصلي، بل يقال: الأصل الحقيقة اللغوية: أنه يطلق على الجملة أو الجمل المفيدة، وأما استعمالهم في القول المخصوص، فهذا اصطلاح خاص بالنحاة:
كَلامُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ كاسْتَقِمْ
…
واحِدُهُ كَلِمَةٌ والقَوْلُ عَمْ
وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ
…
وَكِلْمَةٌ بِهَا كَلَامٌ قَدْ يُؤَمْ
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
- ما هو التعريف المختار للمفرد ......... ؟
- كلها، كلمة واحدة، أهم شيء أن يكون ملفوظاً مرةً واحدة، وأما ما ذكره النحاة فهو فاسد ....
تركنا أشياء اختصاراً موجودة في الملحة خاصة باب الكلام
…