المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * شرح الترجمة (تعدي الفعل ولزومه) ومعنى التعدي * علامة - شرح ألفية ابن مالك للحازمي - جـ ٥١

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * شرح الترجمة (تعدي الفعل ولزومه) ومعنى التعدي * علامة

‌عناصر الدرس

* شرح الترجمة (تعدي الفعل ولزومه) ومعنى التعدي

* علامة الفعل المعدي وأثره

* علامة الفعل اللازم من حيث الوزن والمعنى

* تعدي الفعل الازم.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

قال الناظم رحمه الله تعالى:

تَعَدِّي الفِعلِ وَلُزُومُهُ أي: هذا باب بيان الفعل المتعدي ولزومه.

تَعَدِّي الفِعلِ من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي: الفعل المتعدي، لأنَّ الفعل يوصف بكونه متعدياً ويوصف بكونه لازماً، وحينئذٍ إذا أضفنا تعدي الفعل أو لزوم الفعل نقول: هذا من إضافة الصفة إلى الموصوف، فالفعل موصوف والصفة هي تعدي.

أي الفعل المتعدي بنفسه بحسب الوضع، لأننا أردنا أن نفرق بين الفعل المتعدي والفعل اللازم، وهذا كالتوطئة، أو إن صح جَعلُ هذا الباب بباب المفعول به لأنه ذكره بقوله:

فَانْصِبْ بِهِ مَفْعُولَهُ إِنْ لَمْ يَنُبْ

ثم ذكر التنازع، ثم ذكر المفعول المطلق، فدل على أنه أراد بهذا الباب أن يبين الفعل المتعدي أصالة بحسب الوضع لا بالذي يكون بإسقاط حرف الجر، أو يكون مفعولاً به في المعنى، وإن ذكرها على جهة التبع في الباب، وحينئذٍ إذا كان المراد به الفعل المتعدي أصالة، حينئذٍ نقول: بحسب الوضع لا بحسب ما يعتريه من معنى، لأن البيانيين هناك لهم نظر في التعدي واللزوم مغاير للتعدي واللزوم عند النحاة، بينهما فرق.

ص: 1

هناك قد يُنَزَّل المتعدي مُنَزَّلَة اللازم لأغراض معنوية عندهم، وقد يُنَزَّل اللازم مُنَزَّلَة المتعدي العكس، كل منهما يجري مجرى الآخر، ولذلك قعد لها السيوطي في الأشباه والنظائر: إجراء اللازم مجرى المتعدي، قاعدة، وقعَّد أيضاً أظنه في نفس القاعدة: إجراء المتعدي مجرى اللازم، العكس: إجراء اللازم مجرى المتعدي، وإجراء المتعدي مجرى اللازم، لكن هذا ليس له علاقة من حيث الإعراب، إنما ينتفي اللازم، لا يطلب مفعولاً وإن كان في أصل الوضع هو يطلب مفعولاً:((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)) [الزمر:9] يَعْلَمُونَ الأصل فيه أنه متعدي لكن في هذا التركيب لازم، لا تقل: المفعول به محذوف أو نبحث عنه .. لا، المراد: من اتصف بصفة العلم فحسب، ليس عندنا تعدي ((هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)) أين المفعول به؟ يَعْلَمُونَ، هذا يتعدى إلى مفعول، يعرفون، أو يعلمون إذا كانت بمعنى اليقين والاعتقاد، نقول: لا، لا تقدر هذا ولا ذاك، سواء كانت بمعنى معرفة فلا مفعول لها أول، أو كانت بمعنى اعتقد فليس لها مفعولان، لماذا؟ لأنه أجري في هذا التركيب المتعدي مجرى اللازم، هل هذا المراد هنا؟ لا، ليس هذا المراد، المراد بحسب الوضع بالنظر إلى استعماله الأصلي في لسان العرب، ولذلك نقول: تَعَدِّي الفِعْلِ أي: الفعل المتعدي بنفسه بحسب الوضع؛ أما لو أجري اللازم مجرى المتعدي وإن أخذ أحكامه لكنه ليس بحسب الوضع، أو أجري المتعدي مجرى اللازم فلا مفعول له، لكن له مفعول باعتبار الوضع، كالمثال الذي ذكرناه، لأنه المراد عند الإطلاق؛ إذا أطلق المفعول المتعدي انصرف إلى هذا، لا المتعدي بحرف الجر؛ لأنه سيأتي: وَعَدِّ لَازِماً بِحَرْفِ جَرِّ، متعدي لكنه ليس هو الذي إذا أطلق انصرف اللفظ إليه أو المعنى إليه، لماذا؟ لأن المتعدي يراد به معنىً خاص عند النحاة، وهو ما نصب مفعولاً به، ضربت زيداً، ضربت نقول: هذا فعل متعدي، وأما مررت بزيد؛ تعدى إلى المفعول، مر: يطلب مفعولاً في المعنى، ولكن لم يصل إليه بنفسه، وإنما وصل إليه بواسطة وهو حرف الجر، حينئذٍ نقول: مر؛ متعدي، كيف متعدي؟ نقول: متعدي في المعنى لأنه يطلب مفعولاً به، ووصل إليه بحرف الجر، هل هذا المراد إذا أطلق تعدي الفعل؟ لا، ليس مراداً، لا يدخل معنا ما تعدى إلى مفعوله بحرف جر.

ولا المتعدي بنفسه بواسطة إسقاط الخافض، هذا مثل اخترت القوم الرجال زيداً، اخترت الرجال زيداً، زيداً تعدى إليه بنفسه، والرجال تعدى إليه بواسطة إسقاط حرف الجر، والأصل اخترت من الرجال زيداً، اخترت من الرجال تعدى إلى أحدهما بنفسه والآخر بحرف الجر، قد يسقط حرف الجر وحينئذٍ يتعدى إليه بنفسه، فيكون الناصب له هو الفعل كما سيأتي خلافاً لمذهب الكوفيين.

ص: 2

وَلُزُومُهُ: هذا معطوف على تعدي بالرفع، تَعَدِّي مرفوع هذا، تَعَدِّي الفِعلِ، تَعَدِّي: هذا مبتدأ، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف وهو أولى، هذا باب تعدي الفعل، لكن الذي أردته أن تقول: تعدي مبتدأ أو خبر مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، تعدي الفعل، أنت ما تقول: تعديي الفعل، إنَّما: تعدي الفعل.

إذاً: مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، تَعَدِّي: مضاف، والفِعلِ: مضاف إليه.

وَلُزُومُهُ، أي: لزوم الفعل أيضاً من إضافة الصفة إلى الموصوف، والتعدي واللزوم يتصف بهما الفعل والاسم، فيقال: هذا اسم متعدي كضارب، وتقول: هذا اسم لازم كجالس، سيأتينا أن اسم الفاعل يعمل عمل فعله، إن كان متعدياً رفع ونصب، وإن كان لازماً رفع ولم ينصب، فهو يعمل عمل الفعل.

إذاً: يوصف الفعل بكونه متعدياً وكذلك لازماً، ويوصف الاسم بكونه متعدياً ولازماً، إلا أن الوصف الفعلي هو الأصل؛ لأن عمل اسم الفاعل واسم المفعول محمول على الفعل، فحينئذٍ صار فرعاً فيه.

تَعَدِّي الفِعلِ وَلُزُومُهُ:

عَلَامَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى أَنْ تَصِلْ

هَا غَيْرِ مَصْدَرٍ بِهِ نَحْوُ عَمِلْ

قسَّم لك الناظم الفعل إلى قسمين: إما متعدي وإما لازم، فالقسمة عنده محصورة في اثنين لا ثالث لهما، حينئذٍ أورد بعضهم (كان وأخواتها) وبعض الأفعال المتعدية بنفسها وبحرف جر، يعني: تارة تتعدى بحرف جر وتارة تتعدى بنفسها.

فـ (كان وأخواتها) هذه ترفع وتنصب، كان زيد قائماً، كان: فعل ماضي، وزيد: اسمها، وقائماً: خبرها، هل نصف (كان) بكونها متعدية لأنها نصبت؟ إن قيل: بأن الاسم هنا فاعل حقيقة كما قد قيل به، وقائماً مفعول به حقيقة كما قد قيل به فلا إشكال في كونها متعدية، وإن قيل: لا، بل يسمى الاسم فاعلاً مجازاً، وقائماً يسمى مفعولاً به مجازاً، والأصل أن (كان) لا تنصب مفعولاً به البتة ولذلك لا يعرب مفعولاً به، وحينئذٍ صارت ناقصة، ولذلك جمهور النحاة على إثبات الواسطة بين المتعدي واللازم، فعندهم الأفعال ثلاثة: متعدي ولازم -وهذه التي اعتنى بها الناظم في الأبيات-، ولا متعدي ولا لازم، لا يوصف بهذا ولا بذاك وهو (كان وأخواتها).

بقي نوع جاء فيه تعديه بالحرف وجاء تعديه بنفسه، شكرته وشكرت له؛ جاء هذا وذاك. نصحته ونصحت له، هذا تعدى بنفسه شكرته ونصحته وتعدى بحرف الجر، إذا تعدى بنفسه فهو متعدي، وإذا تعدى بحرف الجر فهو لازم، لأننا قلنا: الأصل هنا في التقسيم والتقعيد والتأصيل المراد به المتعدي بالوضع، وأما المتعدي بالحرف فليس داخلاً معنا، قلنا: تعدي الفعل ولزومه المراد بالمتعدي هنا ما تعدى بحسب الوضع بنفسه، مباشرة تعدى إلى المفعول فنصبه، ضربت زيداً، أما مررت بزيد وإن كان مفعولاً به في المعنى إلا أنه ليس مراداً هنا.

ص: 3

شكرته؛ تعدى بنفسه، إذاً: هو متعدٍ، شكرت له هذا مثل: مررت بزيد، لازم؟ لازم، كيف شكر ينصب بكونه لازماً وينصب بكونه متعدياً؟ قيل: بأنه داخل في الواسطة، لا ينصب بكونه متعدياً ولا لازماً، وقيل: ينصب بهما معاً، وقيل بالتفصيل: الأصل فيه اللزوم، الأصل: شكرت له، وشكرته فرع لا أصل، لأنه يجوز حذف الحرف وهو اللام من باب التوسع والاختصار ثم يتصل الضمير بالفعل، وهذا يسمى الحذف والإيصال، حذف لأي شيء؟ للحرف، والإيصال؟ للضمير، اتصل بالفعل، وحينئذٍ الأصل فيه: شكرت له، ثم حذفت اللام فاتصل الضمير بالعامل، ونصحت له؛ هذا الأصل، إذاً: هي لازمة لا متعدية، قيل: متعدية والحرف زائد أيضاً، وقيل: لازم وحذف الحرف توسع من باب الحذف والإيصال.

وقيل: شكرت له؛ الحرف زائد، لكن لا داعي أن نقول: زائد، وإنما نقول: من باب التوسع أولى، يعني الحذف والإيصال أولى من الحكم بكونه زائداً، لأن الزيادة خلاف الأصل، والأصل في الحرف أنه أصلي، ثم باب الحذف والإيصال كثير هذا مطرد، يحذف الحرف ويتصل الضمير بعامله الأصلي، وحينئذٍ: شكرته، شكرت له، الأصل: شكرت له وشكرته فرع، ونصحت له هو الأصل، ونصحته نقول: هذا فرع لا أصل.

الجمهور على أن (كان وأخواتها) واسطة بين اللازم والمتعدي، يعني: لا نصفها بكونها لازمة ولا نصفها بكونها متعدية، وسيأتي أن الناظم أخرج (كان وأخواتها) من هذه الأعلام التي ذكرها فيما سيأتي.

وقال بعضهم: التحقيق أن الواسطة هو الفعل الذي يأتي تارة متعدي وتارة لازم، مثل: شكر ونصح، لكن هذا ليس بجيد، ذكره بعض المعاصرين من مشايخنا.

وشكر؛ إن كانت متعلقة بالنعمة -فائدة هذه- إن كانت متعلقة بالنعمة فهي متعدية بنفسها، ((اشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ))، اشْكُرُوا نعمته، في القرآن، غالب هذا، إذا كان متعلَق الشكر النعمة تعدت بنفسها، وإن كان متعلق الشكر المنعم تعدى إليه باللام، ((اشْكُرُوا لِي)((اشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ)).

شكر إن كانت متعلقة بالنعمة فهي متعدية؛ ((اشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ))، وإذا تعلق شكر بالمنعم به حينئذٍ تعدى بحرف الجر، هذا هو الأكثر، هذا الغالب، قد يكون عكس، لكن الأكثر فيه هو ما ذكرت: أنه إذا كان الشكر متعلقاً بالنعمة تعدى بنفسه بدون لام، ((اشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ))، شكرته، وإن كان المراد به المنعم نفسه حينئذٍ الأكثر أن يتعدى بالحرف، ولو وجد فهو خلاف الأصل.

عَلَامَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى أَنْ تَصِلْ

هَا غَيْرِ مَصْدَرٍ بِهِ نَحْوُ عَمِلْ

الناظم رحمه الله تعالى لم يجر مجرى الجمهور، وهو في تقسيم الفعل إلى ثلاثة أقسام: متعدي ولازم ولا متعدي ولا لازم، يعني: واسطة بين الطرفين، لذلك قال:

عَلَامَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى بينه، ثم قال: وَلَازِمٌ غيْرُ المُعَدَّى، غير المعدى لازم، فحكم على كل ما لم يوجد فيه علامة المتعدي بأنه لازم، فدخل فيه (كان)، لكن الصواب أنه لم يقصد (كان) البتة وإنما عنى غير (كان) وهو القسمين المشهورين: المتعدي واللازم.

عَلَامَةُ الْفِعْلِ: عَلَامَةُ: مبتدأ وهو مضاف، والْفِعْلِ: مضاف إليه.

الْمُعَدَّى: نعت للفعل.

ص: 4

ذكر لنا علامة ولم يذكر لنا الحد؛ لأنه كما سبق أن الناظم كثيراً ما يجري بذكر العلامات وذكر الأمثلة، وحينئذٍ الضوابط عنده أعم من الحدود والتعاريف، وهذا أجود، أسهل بالنسبة للطالب، فعلامة الفعل المعدى أن تصل به هاء غير مصدر، يعني: يتصل به ضمير، هذا أولاً، مرجع هذا الضمير لا يكون مصدراً بل يكون غير مصدر، إن اتصل بالفعل ضمير غير عائد على مصدر فهو متعدي، وإلا فهو لازم.

عَلَامَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى أَنْ تَصِلْ

أَنْ تَصِلْ: (أَنْ) وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر عن المبتدأ.

أَنْ تَصِلْ هَا: هَا هذا مفعول.

غَيْرِ مَصْدَرٍ: ضمير راجع إلى غير مصدر.

بِهِ: يعني بالفعل، هذا جار ومجرور متعلق بقوله: تَصِلْ.

نَحْوُ عَمِلْ: الخير عمله زيد، عمله اتصل بعمل ضمير، مرجع الضمير ما هو؟ خير، هل هو مصدر؟ لا، إذاً هو فعل متعدي، فلو كانت عائدة على المصدر حينئذٍ لا يصح أن يحكم عليه بهذه العلامة بأنه متعدي.

الضربُ ضربته زيداً، ضرب هو متعدي في نفسه، لكن ما علامته في هذا التركيب؟ أن نجعل الهاء هنا ضميراً عائداً على غير المصدر أم أنها عائدة على المصدر؟ ضربته مرجع الضمير الضرب، والضرب ما نوعه؟ مصدر هنا، إذاً نقول: الضربُ ضربته، الهاء هذه لا تدل على أنه متعدي، لماذا؟ لأنه اتصل به ضمير يعود على مصدر، حينئذٍ كيف نعربه ضربته، الهاء؟ نقول: مفعول مطلق؛ لأنه عاد على المصدر، ضربت ضرباً فمرجع الضمير على المصدر، وحينئذٍ نقول: الهاء هنا في محل نصب مفعول مطلق، وليست مفعولاً به.

عَلَامَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى إلى مفعول به فأكثر.

أَنْ تَصِلْ

هَا غَيْرِ مَصْدَرٍ بِهِ نَحْوُ عَمِلْ، فإنك تقول: الخير عمله زيد، فهو معمول.

عَلَامَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى: يتعدى إلى نصب المفعول به، وما عدا المفعول به لا يشترط في نصبه أن يكون الفعل متعدياً، الحال والتمييز والمفعول المطلق والمفعول لأجله والمفعول معه، ما عدا المفعول به لا يشترط أن يكون الناصب له فعلاً متعدياً، لماذا؟ لأن الفعل اللازم يشترك مع المتعدي في نصب الحال، جاء زيد: فعل وفاعل، جاء هذا هل ينصب مفعولاً به؟ لا ينصب. جاء زيد راكباً، راكباً نَصَب، كيف تقول: هذا غير متعدي؟ نقول: لا، متعدي وغير متعدي في نصبه للمفعول به، وأما ما عدا المفعول به ليس له دخل في الحكم على الفعل بكونه متعدياً أو لا؛ لأن الحال والتمييز وبقية المفاعيل تُنصب بالمتعدي وتُنصب باللازم، إذاً: لا فرق بينهما بما ذكر، وإنما الفرق يكون بخصوص المفعول به فحسب؛ لأن المعنى يقتضي ذلك، لأن الفعل اللازم يدل على قيام حدث بفاعله لم يتعدَ.

الحدث نوعان: حدث له علاقة بالغير، كالضرب والقتل مثلاً، وحدث يتعلق بالشخص نفسه، الأول –المتعدي- هذا لا بد من محل يظهر عليه أثر الفعل وهو الحدث، والثاني: يدل على قيام الحدث بفاعله فحسب، قام زيد، زيد اتصف بالقيام، أما ضرب زيد لا بد أن الضرب يتعدى إلى غيره فيحتاج إلى مفعول به، حينئذٍ كل ما نصب مفعولاً به فهو فعل متعدي، سواء كان مفعولاً واحداً أو أكثر.

ص: 5

وكل ما نصب حالاً أو تمييزاً أو بقية المفاعيل غير المفعول به لا يشترط فيه أن يكون متعدياً؛ لأن الحال يُنصب باللازم، كقولك: جاء زيد راكباً، راكباً: هذا حال، والعامل فيه (جاء) وهو لازم.

وضربت زيداً راكباً، راكباً: هذا حال من التاء أو من زيد، وقد نصبه فعل متعدي.

إذاً قوله: عَلَامَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى إلى مفعولٍ به فأكثر، يريد أن يميز لنا هذا النوع، وأما المعدى إلى حال وتمييز ونحوه هذا لا يختص بالفعل المعدى الاصطلاحي.

عَلَامَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى إلى مفعول به فأكثر، أما بقية المفاعيل فيعمل فيها المتعدي واللازم.

قوله: عَلَامَةُ الْفِعْلِ؛ هل المراد به الفعل التام أم ما يشمل الناقص؟ الفعل كما أنه ينقسم إلى متعدي ولازم كذلك ينقسم إلى تام وناقص، والناقص المراد به ما لا يكتفي بمرفوعه وهو (كان وأخواتها)، والتام هو الذي يكتفي بمرفوعه.

قوله: عَلَامَةُ الْفِعْلِ؛ هل المراد به الفعل التام فيختص بما عدا كان أو مطلق الفعل فيدخل فيه الناقص فتكون (كان) عند الناظم من الفعل المتعدي؟

عَلَامَةُ الْفِعْلِ؛ هل المراد به التام؟ إذا قيل: الفعل التام خرجت (كان)، إذاً: ليست متعدية، وليست لازمة، أو حكم عليها بكونها لازمة؛ لأنه قال: وَلَازِمٌ غيْرُ المُعَدَّى.

وإن قلنا: المراد بقوله الفعل؛ -مطلق الفعل- ليشمل التام والناقص إذاً: (كان) عنده من المعدى -مما يتعدى-، حينئذٍ يكون قائماً منصوب بـ (كان) على أنه مفعول به، نقول: الجواب أراد به التام فحسب، التام، ولم يرد به ما يشمل الناقص.

عَلَامَةُ الْفِعْلِ: أي: التام؛ لأنه فرَّع عليه بعد ثبوت الوصف له بالعمل، أثبت له الوصف بكونه متعدياً، فإذا ثبت قال: فَانْصِبْ بِهِ، أين يرجع هذا؟

فَانْصِبْ بِهِ مَفْعُولَهُ إِنْ لَمْ يَنُبْ

عَنْ فَاعِلٍ دخلت (كان)؟ لا، إذاً: هذه قرينة واضحة بينة على أن الناظم أراد بقوله: عَلَامَةُ الْفِعْلِ التام دون (كان)، ولذلك بعضهم قال: بأن الناظم أراد بهذا الباب: المفعول به وهو أول المنصوبات كما سيأتي.

إذاً: علامة الفعل التام وليس المراد به ما يشمل الناقص للقرينة التي ذكرناها سابقاً.

عَلَامَةُ الْفِعْلِ: أي التام، بقرينة قوله: فَانْصِبْ بِهِ مَفْعولَهُ.

كذلك لتقدم الكلام على (كان) الناقصة، سبق أنه عنون ببابٍ تام ذكر فيه ما يتعلق بكل أحكام (كان وأخواتها) حينئذٍ إذا قال الفعل هنا، فالمراد به ما عدا ما سبق، هذا هو الأصل، حينئذٍ إذا فُسِّر الفعل بالتام صارت (أل) هنا للعهد الذهني وهو ما عُهِد مصحوبها ذهناً، لا ذكري ولا حضوري.

عَلَامَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى أَنْ تَصِلْ

هَا غَيْرِ مَصْدَرٍ بِهِ نَحْوُ عَمِلْ

أن تصل به هَاءَ غَيْرِ مَصْدَرٍ .. نَحْوُ عَمِلْ هذه علامة، العلامة الثانية: أن يصاغ منه اسم مفعول تام، يصاغ من الفعل نفسه اسم مفعول تام، إن صحَّ فهو متعدي، وإن لم يصح فهو الثاني وهو اللازم.

ص: 6

أن يصاغ منه اسم مفعول تام أي: مستغن عن حرف الجر، مثل ضرب، لو قال: ضرب؛ هل هو لازم أو متعدي؟ قد يقال: زيد ضربته عادت الهاء هنا غير مصدر على زيد وهو ليس بمصدر، هذه علامة، زيد مضروب صار اسم مفعول وتام، بمعنى: أنه لم يفتقر إلى جار ومجرور، خرج زيد، خرج هذا هل هو لازم أو متعدي؟ صل به الهاء، الخروج خرجه زيد، ليس متعدي؛ لأن الهاء هنا هاء المصدر، زيد مخروج به: غير متعدي، لأن اسم المفعول ليس تاماً، لم يستغن عن الجار، ولذلك نقول: مخروج به لا بد من به، أو إليه، فلما لم يستغن عن حرف الجر دل على أنه ليس بتام، وإذا لم يكن تاماً حينئذٍ لم يكن فعلاً متعدياً.

إذاً: ثَمَّ علامتان تدل على أن الفعل متعدي أو لا، تختبر الفعل، أولاً: تصل به ضمير، هذا الضمير لا يعود على المصدر، وسيأتي (هاء) الظرف و (هاء) السكت.

والثانية: أن تصوغ من الفعل اسم مفعول على وزن مفعول بشرط أن يكون تاماً، بمعنى: أنه لا يفتقر إلى حرف جر، فإن صح حينئذٍ حكمت عليه بأنه متعدي، إن لم يصح فهو الثاني قطعاً وهو لازم غير معدى.

هَا غَيْرِ مَصْدَرٍ بِهِ نَحْوُ عَمِلْ

فإنك تقول: الخير عمله زيد، فهو معمول، بخلاف خرج فلا يقال: زيد خرجه عمرو، وإنما يقال: الخروج خرجه عمرو، هذا يصح؛ لأن (هاء) هذه هاء المصدر، فهي ليست مفعولاً به، الخروج خرجه عمرو، أما زيد خرجه عمرو لا يصح، وإنما يقال: أخرجه عمرو، أو خرَّجه، لا بد من تضعيف، ولا هو مخروج،- زيد مخروج، لا يصح هذا، وإنما: مخروج به، أو مخروج إليه، مخروج: اسم مفعول،- ولا هو مخروج، بل مخروج به، أو إليه، فلا يتم إلا بالحرف.

قال ابن عقيل: ينقسم الفعل إلى متعدٍّ ولازم، فالمتعدي: هو الذي يصل إلى مفعوله بغير حرف جر، وقلنا: إذا أطلق المتعدي انصرف إلى هذا، مع كون الذي يصل إلى المفعول في المعنى بحرف الجر هو المتعدي في المعنى، ولكن هذا قول ابن مالك: وَعَدِّ لَازِماً، إذاً: يتعدى، وَعَدِّ لَازِماً بِحَرْفِ جَرِّ، فدل على أن ما وصل إلى مفعوله بحرف الجر هو متعدي، لكنه لا يطلق عليه بأنه متعدي هكذا بإطلاق؛ لأن الاصطلاح خاص بما ذكرناه.

هو الذي يصل إلى مفعوله بغير حرف جر؛ ضربت زيداً، نصبه، واللازم ما ليس كذلك، وهو ما لا يصل إلى مفعول إلا بحرف جر، نحو: مررت بزيد، أو لا مفعول له أصلاً، لا يطلب مفعولاً مثل: قام زيد، جلس عمرو، ما يحتاج إلى مفعول، فإن احتاج إلى مفعول في المعنى حينئذٍ عدَّيناه بحرف جر، وَعَدِّ لَازِماً بِحَرْفِ جَرِّ.

ص: 7

ويسمى ما يصل إلى مفعوله بنفسه فعلاً متعدياً وواقعاً؛ لأن الحدث وقع على المفعول به، سمي واقعاً، ومجاوزاً؛ لأن الحدث تجاوز الفاعل إلى المفعول به، ضرب زيد: أوقع زيد الضرب ثم تجاوز إلى المفعول به، وما ليس كذلك يسمى لازماً وقاصراً وغير متعدٍّ، ويسمى متعدياً بحرف الجر، إذا سمي متعدي لا بد من تقييده؛ لأن المقصود باللازم: الإخبار بحصول الحدث من الفاعل، -هذا هو المقصود-، المقصود بالفعل اللازم: الإخبار بحصول الحدث من الفعل. وقد قلنا: الحدث نوعان: حدث لا يتعدى، قام زيد ليس له أثر في الغير، أما ضرب حينئذٍ نقول: هذا يتعدى إلى الغير، قتل زيد لا بد من مقتول وإلا لا يكون قاتلاً، ضرب زيداً لو ضرب هكذا في الهواء لا يسمى ضارباً، هذا لعب، لا بد من مفعول به يصدق عليه وقوع الضرب، وأما اللازم لا، إنما يدل على إخبار بحصول حدث من الفاعل.

وعلامة الفعل المتعدي أن تصل به هاء تعود على غير المصدر، فإن عادت على مصدر لا يعتبر علامة وهي هاء المفعول به. الباب أغلقته، أغلقته: هذا فعل متعدي بدليل اتصال هاء ضمير تعود على غير المصدر وهو الباب، والباب ليس بمصدر، هذا جثة، إذاً: أغلقته؛ تقول: هذا مفعول به، لأنه اتصل به ضمير يعود على الباب والباب ليس مصدراً، واحترز بهاء غير المصدر من هاء المصدر، هاء المصدر هذه تتصل باللازم وبالفعل المتعدي.

الضرب ضربته زيداً والخروج خرجه زيد؛ اتصلت به هذا وذاك، الضرب ضربته زيداً، الضرب المعهود بيني وبينك، ضربته زيداً، والخروج خرجه زيد، أيضاً قد يكون (أل) هنا للعهد، اتصلت (هاء) التي تعود على المصدر بالفعل اللازم وهو خرج كما أنها اتصلت بالفعل المتعدي.

وما كان مشتركاً بين نوعين متقابلين لا يصلح علامة لتمييز أحدهما عن الآخر كما ذكرناه في علامات الاسم والفعل والحرف، فما كان علامة للاسم لا بد أنه لا يدخل على الفعل، وما كان علامة للفعل لا يمكن أن يدخل على الاسم، إذ لو دخل عليهما لما صح أن يسمى علامة، هنا هاء غير المصدر علامة على أن الفعل متعدي، إذاً: لا يمكن أن تدخل على اللازم، لو دخلت عليه ما صح أن تسمى علامة.

إذاً: احترز بـ (هاء) غير المصدر من (هاء) المصدر؛ فإنها تتصل بالفعل المتعدي واللازم، فلا تدل على تعدي الفعل، فمثال المتصل المتعدي: الضرب ضربته زيداً، ضربته هذا نائب عن المفعول المطلق في محل نصب وليس مفعولاً به؛ لأنه كأنه يقال: ضربت زيداً ضرباً، ضرباً هذا تقدم واتصل به ضمير يعود عليه، فكأنه ناب عن المفعول المطلق، ولا تقل: مفعول به، أي: ضربت الضرب زيداً، ومثال المتصل باللازم: القيام قمته، قمته الضمير هنا عاد على القيام، قام زيد هذا لازم، اتصل به هنا الضمير (هاء) لكنها ليست (هاء) غير المصدر؛ لأنها تعود على المصدر وهو القيام، القيام قمته أي: قمت القيام.

أما (هاء) الظرف فهذه تتصل بالمتعدي واللازم، الليل قمته، قمته الضمير هنا يعود على الليل، إذاً صار ظرفاً، والنهار صمته، ولم يذكرها المصنف؛ لأن اتصال ضمير الظرف بالفعل إنما على سبيل التوسع في حذف حرف الجر، والأصل: الليلَ قمت فيه، -الحذف والإيصال-، الليلَ قمت فيه والنهارَ صمت فيه، فيكون من باب الحذف والإيصال.

ص: 8

كذلك قيل: (هاء) السكت هذه تتصل بالقسمين: الفعل اللازم والمتعدي، حينئذٍ نقول:(الهاء) كم نوع؟ هاء المصدر، هاء الظرف، هاء السكت، هاء غير ما ذكر من الثلاثة، أَيُّ أنواع الهاءات علامة على كون الفعل متعدي؟ الرابع، ألا تكون هاء الظرف ولا هاء السكت ولا هاء المصدر بل تكون هاء غير ما ذكر من الثلاثة، وإنما لم يذكر المصنف هاء الظرف والثانية هذه لقلتها، ولأنها على الحذف والإيصال، فلا يرد عليها قوله:

عَلَامَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى أَنْ تَصِلْ

هَا غَيْرِ مَصْدَرٍ

شمل هاء السكت وهاء الظرف، لأنها ليست هاء المصدر، لكن ليس بوارد على المصنف.

إذاً قوله:

عَلَامَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى أَنْ تَصِلْ

هَا غَيْرِ مَصْدَرٍ بِهِ نَحْوُ عَمِلْ

تَصِلْ: أي ولو بحسب الأصل، فلا يرد على عكس التعريف الأفعال اللازمة للبناء للمفعول؛ لأنها صالحة لذلك بحسب الأصل، ضُرِب زيد، ضرب، لو أردنا أن نحكم عليه هل هو متعدي أو لازم؟

نقول: هو باعتبار الأصل قابل لهاء غير المصدر، وهنا ضُرِب عند البصريين فرع ضَرَب فَعَل، خلافاً للكوفيين، الكوفيون عندهم ضُرِب هذا أصل مستقل بنفسه، وعند البصريين وهو الأصح أن فُعِل فرع فَعَل، فضُرِب عند الكوفيين وضع مرتين، ضَرَب على وزن فَعَل مبني للمعلوم، ووضع مرة ثانية فُعِل ضُرِب، حينئذٍ لا نقول: يضم أوله ويكسر ما قبل آخره .. الخ، هذا ينبني على القول بأن المبني للمجهول -إن صح التعبير-، فرع الأصل -المبني للمعلوم، وإن قيل: كل منهما أصل حينئذٍ لا ترد المسألة، فضُرِب فرع ضَرَب، ودائماً التقعيد والتأصيل إنما يتعلق بالأصول لا بالفروع، فتقول: ضُرِب أصله ضَرَب، إذاً: يتصل بها غير مصدر، وأما ضُرب نفسه لا تحكم عليه، وإنما تحكم على أصله، فتقول: زيد ضربه عمرو اتصل به هاء غير مصدر، إذاً: هو متعدي، أما ضُرِب زيد؛ هذا لا ينصب هنا، لا يتعدى إلى مفعول به، لأن زيد كان مفعولاً به، وحينئذٍ الحكم على الأصل لا على الفرع. التقعيد والتأصيل إنما يكون على الأصول لا على الفروع، وضُرِب هذا فرع.

إذاً: أَنْ تَصِلْ هَا غَيْرِ: أن تصل أنت، أن تصل به.

هَا غَيْرِ مَصْدَرٍ: أي: ولو بحسب الأصل، -الوضع يعني-، فلا يرد على عكس التعريف، الأفعال اللازمة للبناء للمفعول، لأنه صار لازماً غير متعدي، ضُرِب زيد، لأنها صالحة لذلك بحسب الأصل، فهي متعدية، واستعمالها لازمة للبناء للمفعول عارض بعد الوضع، فلا يقال: بأن ضُرِب زيدٌ لازم؛ لأنه لم ينصب مفعولاً به، نقول: لا، هو باعتبار الأصل متعد لقبوله علامة هاء غير المصدر، والمراد: أن تصل من غير توسع بحذف الجار، فلا يرد على طرد التعريف الليلةَ قمتها، والنهارَ صمته والدار دخلتها؛ لأنه على الحذف والإيصال. الليل قمت فيه، والدار دخلت فيها، حذف الجار واتصل الضمير بما قبله.

فَانْصِبْ بِهِ مَفْعولَهُ إِنْ لَمْ يَنُبْ

عَنْ فَاعِلٍ نَحْوُ تَدَبَّرْتُ الْكُتُبْ

ص: 9

هذا شروع في حكم الفعل المتعدي، حكمنا على الفعل بأنه متعدي ثم ماذا؟ يبقى كما هو أم أنه يطلب ما يقتضيه؟ لا بد أن يكون له أثر، إذا كان فعلاً متعدياً لا بد أن يكون له تأثير، والتأثير إنما يطلب مفعولاً به، واحداً أو أكثر على حسب نوع الفعل.

فَانْصِبْ بِهِ: أي بالفعل المتعدي، دل على أن المفعول به يُنصب بالفعل نفسه، وهذا أرجح الأقوال، أصح الأقوال أن المفعول به منصوب بالفعل، وثَمَّ أقوال أخرى ضعيفة.

ضربت زيداً، نقول:(ضرب) هنا عمل في الفاعل الرفع، وعمل في المفعول به النصب، هذا هو الصحيح، وأما أنهما بالمفعولية أو أنهما ترافعا، الفاعل نصب المفعول والمفعول نصب .. هذه كلها أقوال اجتهادية.

والأصل في الفعل، إذا قررنا أن الأصل في العمل للفعل حينئذٍ كل ما أمكن تعليقه بالفعل فهو مقدم، هو أرجح، هذه قاعدة في الترجيح: كل ما أمكن تعليقه بالفعل وصح الكلام معه فهو أرجح، حينئذٍ وجد عندنا فعل ووجد مفعول به، ونعلم أن الضرب وهو حدث لا بد له من مكان يقع عليه. إذاً: العامل إنما يعمل ليتمم معناه، هذا معنى العمل ارتباط بين العامل والمعمول، إن قيل: عمل فيه؛ ما معنى عمل فيه؟ بمعنى: أن العامل لا يتم معناه إلا بهذا المعمول، وهذا واضح بين. ضرب زيداً، زيداً: مفعول به؛ لأن (ضرب) يحتاج إلى محل يقع عليه الحدث، فهو المفعول به، إذاً: لا نحتاج أن نقول بالفاعلية وإلى ما يذكره البعض.

فَانْصِبْ بِهِ: أي بالفعل المتعدي.

مَفْعولَهُ: أي مفعول؟ المفعول المطلق وإلا المفعول معه أو لأجله أو به؟ المفعول إذا أطلق في المنصوبات انصرف إلى المفعول به، إذا أطلق دون أن يقيد حينئذٍ انصرف إلى المفعول به، وإن سمي المفعول المطلق هناك لا باعتبار الاستعمال وإنما باعتبار القيد، لماذا سمي مفعولاً مطلقاً؟ مطلقاً عن القيد، لم يقال: مفعول به، ولم يقال: مفعول معه، أو لأجله، أو فيه، أطلق عن القيد، قيل: مفعول فقط، فيصدق حينئذٍ بهذا الاعتبار على المفعول المطلق الخاص، وأما هنا فالمراد بالمفعول المفعول به، ولذلك أطلقه الناظم.

فَانْصِبْ بِهِ مَفْعولَهُ: هذا هو الأصل، وما سمع من رفعه: خرق الثوبُ المسمارَ، خرق المسمارُ الثوبَ، فالثوب هو المفعول به، رفع: خرق الثوبُ، مرفوعاً، نقول: هذا يسمع ويحكى ولا يقاس عليه، وهو مسموع، -باتفاق أنه مسموع-، تأخذ منه فائدة: وهو أنه ليس كل ما سمع يصير فصيحاً أو يطرد معه القياس، نقول: لا، قد يسمع الشيء ويكون ثابتاً في لسان العرب لكنه لا يكون هو المستعمل، ولذلك نحكم على نوع من الألفاظ أو التراكيب بأنه شاذ، يعني: شاذ مخالف للقياس -القواعد والأصول-، وهذا يدل عليه؛ لأنه لا يقول قائل: بأنه يرفع المفعول به وينصب الفاعل كما ذكرناه سابقاً، لا، لا أحد يقول بهذا، ومع كونه سمع هل نستثنيه من القاعدة؟ نقول: لا، ليس كل ما سمع يؤصل له قاعدة أو يستثنى من أصل، بل يبقى على وصفٍ، وهو كونه شاذ، إذاً الشاذ لا بد من وجوده وهو ما انفرد، خرج عن الأصل.

ص: 10

إذاً: فَانْصِبْ بِهِ مَفْعولَهُ: المفعول به منصوب، واجب النصب، إلا إذا دخل عليه حرف جر زائد فحينئذٍ يكون منصوباً تقديراً لا لفظاً ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ)) [النساء:64] رَسُولٍ: مفعول به، أرسلنا رسولاً، دخلت عليه (من) الزائدة، وحينئذٍ نقول: رَسُولٍ: مفعول به منصوب ونصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.

((مِنْ رَسُولٍ)) لا تقل: جار ومجرور متعلق بأرسل، فاسد، مثله مثل:((مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ)) [المائدة:19].

إذاً: فَانْصِبْ بِهِ مَفْعولَهُ إِنْ لَمْ يَنُبْ

عَنْ فَاعِلٍ

إن لم ينب ذلك المفعول عن فاعل فارفعه، لماذا؟ لأن نائب الفاعل مرفوع، نحو: تَدَبَّرْتُ الْكُتُبْ، الكتب جمع كتاب فُعُل ويسكن الثاني لغة كُتْب، الكتب تدبرت: فعل وفاعل، الكتبُ تدبرتها، إذاً: هو فعل متعدي، تعدى هنا إلى الكتب فنصبها على أنها مفعول به.

إذاً: العامل تدبر وهو فعل، والكتبَ منصوب بالعامل وهو مفعول به، والفتحة هنا فتحة مقدرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الروي أو الض؟؟؟.

إِنْ لَمْ يَنُبْ عَنْ فَاعِلٍ: فإن أنيب عن فاعله حينئذٍ أخذ حكمه وهو الرفع، فيكون الحكم عليه بكونه مفعولاً به باعتبار المعنى والأصل لا باعتبار الحال، هو في الحال ليس مفعولاً به، لأن المفعول به فضلة، وضُرِب زيدٌ، زيدٌ هذا عمدة، وفرق بين النوعين: الفضل والعمدة.

أما باعتبار الأصل قبل النيابة فهو مفعول به وهو فضلة.

فَانْصِبْ بِهِ مَفْعولَهُ إِنْ لَمْ يَنُبْ ذلك المفعول عَنْ فَاعِلٍ

نَحْوُ تَدَبَّرْتُ الْكُتُبْ

قال رحمه الله: شأن الفعل المتعدي أن ينصب مفعوله إن لم ينب عن فاعله، نحو: تَدَبَّرْتُ الْكُتُبْ، فإن ناب عنه وجب رفعه كما تقدم، تُدُبِّرَت الكتبُ، تَدَبَّرْتُ: التاء فاعل، حُذِفت، قيل: تُدُبِّرَت الكتبُ والتاء للتأنيث.

وقد يُرفع المفعول ويُنصب الفاعل عند أمن اللبس، كقولهم: خرق الثوبُ المسمارَ، ولا ينقاس ذلك بل يقتصر فيه على السماع، وهذا شاذ قياساً لا استعمالاً؛ لأنه مستعمل في لسان العرب.

والأفعال المتعدية على ثلاثة أقسام: ما يتعدى إلى مفعولين، وهذا تحته قسمان، ما يتعدى إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، الثاني: ما يتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، الأول: باب ظن وأخواتها، والثاني: باب كسى وأعطى، مر معنا كثيراً هذا.

القسم الثاني: ما يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل: كأعلم وأرى.

القسم الثالث: ما يتعدى إلى مفعول واحد وهو الكثير، هذا في لسان العرب أكثر، ما يتعدى إلى مفعول واحد كضرب ونحوه.

وَلَازِمٌ غيْرُ المُعَدَّى

غيْرُ المُعَدَّى: مبتدأ مؤخر.

وَلَازِمٌ: هذا خبر مقدم، نفهم من هذه العبارة: أن القسمة ثنائية عند الناظم؛ إما معدى وإما لازم، لأنه حكم على المعدى بأنه ما قبل أو اتصلت به هاء غير مصدر، إن لم تقبل فهو غير معدى، طيب، غير المعدى يحتمل أنه لازم ويحتمل أنه واسطة، لكن حكم عليه هنا بكونه لازماً، فدل على أن القسمة ثنائية عندهم، هذا هو ظاهر العبارة.

وَلَازِمٌ غيْرُ المُعَدَّى

وعرفنا معنى اللازم وهو ما لا يتعدى .. ما لا ينصب مفعولاً به.

ص: 11

وَلَازِمٌ غيْرُ المُعَدَّى: غير المعدى لازم، واللازم يسمى قاصراً وغير مجاوز وغير واقع لما ذكرناه؛ لأن المراد به الإخبار عن حصول حدث فحسب، فلا يفتقر إلى مفعول.

........................... وَحُتِمْ

لُزُومُ أَفْعَالِ السَّجَايَا كَنَهِمْ

وَمَا اقْتَضَى نَظَافَةً أَوْ دَنَسَا

كَذَا افْعَلَلَّ وَالْمُضَاهِي اقْعَنْسَسَا

أَوْ عَرَضاً أَوْ طَاوَعَ المُعَدَّى

لِوَاحِدٍ كَمَدَّهُ فَامْتدَّا

أراد أن يبين لنا مواضع الحكم على الفعل بكونه لازماً؛ لأنه قد ينظر إلى المعنى وقد ينظر إلى الوزن، باعتبار الوزن؛ كل ما كان على وزن فَعُل فهو لازم، هذا باعتبار الوزن، كل ما كان على وزن افْعَنْلَلَ: اقْعَنْسَسَا، نقول: هذا لازم، كل ما دل على طبيعة وسجية هذا باعتبار المعنى، إذاً: قد نحكم على الفعل اللازم إما باعتبار معناه وإما باعتبار وزنه.

قال هنا: وَحُتِمْ: يعني لزم.

وَحُتِمْ لُزُومُ أَفْعَالِ السَّجَايَا: السجايا جمع سجية، والمراد به: ما يلازم الفاعل بلا انفكاك، يعني صفة تقوم بالفاعل لا تنفك عنه في حال من الأحوال، طبيعة وجبلة خِلقة، لا تنفك عنه في حال من الأحوال، نقول: هذا يسمى سجية، أفعال السجايا كلها لازمة لا تتعدى.

كَنَهِمْ: مثل الناظم هنا بنهم، نهم إذا كان كثير الأكل، كثير الأكل هذا صفة لازمة، بمعنى لا يكون في الصباح قليل الأكل وفي المساء كثير الأكل، فنهم على وزن فعِل وهي صفة لازمة سجية، كونه على وزن فَعِل نرد به على من قال بأن أفعال السجايا كلها على وزن فَعُل، وهذا ليس بصحيح، بل منه ما كان على وزن فَعُل ومنه ما كان على وزن فَعِل؛ لأن القاعدة العامة في الفعل الماضي الثلاثي: أنه إما أن يكون من باب: فَعَل أو فَعِل أو فَعُل ثلاثة لا رابع لها. فَعَل بفتح العين وفَعِل بكسر العين وفَعُل بضم العين، الأكثر فَعَل ثم يليه في الرتبة فَعِل فهو أقل من فَعَل، ثم يليه في الرتبة الثالثة فَعُل، فَعُل باعتبار فَعِل قليل، فَعِل باعتبار فَعُل كثير، فَعِل باعتبار فَعَل بفتح العين قليل، فَعَل باعتبار الجميع كثير، وهو الأكثر، ولذلك أكثر الأفعال في لسان العرب لو فتحت القاموس من أوله إلى آخره تجدها على وزن فَعَل، ثم أقل منه على وزن فَعِل، ثم القليل على وزن فَعُل، هذا من حيث الصيغة، من حيث التعدي واللزوم: فعَل لكثرته في لسان العرب واستعماله، فالأكثر في الأحداث المتعلقة بين الناس أن تكون متعدية؛ لأن الأصل في الكلام إنما جيء به للإخبار والتخاطب مع بعضهم البعض، وحينئذٍ الأحداث المتعدية لما كثرت وكثر فعََل الذي هو خفيف بفتح العين، كثر فيه التعدي، فالتعدي فيه كثير، واللزوم قليل، إذاً: يأتي فَعَل لازماً ويأتي متعدياً.

فَعِل بكسر العين -الكسر ثقيل-، خف من جهة الاستعمال، ولذلك اللزوم فيه أكثر من التعدي، فَعُل لثقله بضم العين صار كله لازماً، لا يكون متعدياً البتة، إلا ما ذكره البيانيون من جعل كل فعل دال على اللزوم ينقل إلى باب فعُل، علُم وضرُب هذا يأتي في محله، حينئذٍ نقول: فعَل قسمان: متعدي ولازم، والتعدي أكثر من اللزوم. فعِل قسمان: متعدي ولازم، واللزوم فيه أكثر من التعدي. فعُل لا يكون إلا لازماً.

ص: 12

إذاً: إذا جاء معك على وزن فعُل فاحكم عليه بأنه لازم. فعِل وفعَل يحتمل الوجهين، فلا بد من النظر في المعنى. نهِم على وزن فعِل.

إذاً: ماجاءك على وزن فعِل وهو دال على سجية فاعلم أنه لازم، لأنه قال:

وَحُتِمْ

لُزُومُ أَفْعَالِ السَّجَايَا كَنَهِمْ

وهو على وزن فعِل، فدل على أن ما كان على وزن فعِل بكسر العين وهو دال على سجية فهو لازم.

لُزُومُ أَفْعَالِ السَّجَايَا كَنَهِمْ: كَنَهِمَ

كَذَا افْعَلَلَّ: اقشعر واطمأن واشمأز، كل ما كان على هذا الوزن فهو لازم، إذاً: هذا حكم عليه باعتبار الوزن.

وَالْمُضَاهِي اقْعَنْسَسَا: يعني والذي شابه اقْعَنْسَسَ.

وَالْمُضَاهِي: هذا معطوف على افْعَلَلَّ، اشمأز.

اقْعَنْسَسَا: الألف هذه للإطلاق.

الْمُضَاهِي: يعني الذي ضاهى، فهو اسم فاعل محلى بـ (أل) فيتعدى إلى مفعول.

فاقْعَنْسَسَا: قيل: إنه مفعول به.

وَالْمُضَاهِي اقْعَنْسَسَا: يعني الذي شابه اقْعَنْسَسَا، ومراده احْرَنْجَمَ، احْرَنْجَمَ هذا لازم، احْرَنْجَمَت الإبل إذا اجتمعت، حينئذٍ شبَّه احْرَنْجَمَ بـ اقْعَنْسَسَا، والأصل عند الصرفيين أن اقْعَنْسَسَا ملحق بـ احْرَنْجَمَ –العكس-.

الْمُضَاهِي اقْعَنْسَسَا: إذا جعلنا اقْعَنْسَسَا مفعولاً به حينئذٍ المراد هنا الْمُضَاهِي الذي شابه اقْعَنْسَسَا، ما مراده بالْمُضَاهِي اقْعَنْسَسَا؟ احْرَنْجَمَ، وعند الصرفيين: اقْعَنْسَسَا ملحق بـ احْرَنْجَمَ، فاقْعَنْسَسَا شابه احْرَنْجَمَ لا العكس، حينئذٍ الأولى أن يجعل اقْعَنْسَسَا هنا فاعل، والمفعول محذوف، وَالْمُضَاهِي اقْعَنْسَسَا، الأولى جعله فاعلاً والمفعول محذوف، أي: المضاهيه اقْعَنْسَسَا، فصار اقْعَنْسَسَا مُشَبَّه، واحْرَنْجَمَ مُشَبَّهٌ به.

وعلى ظاهر اللفظ إذا جعلنا اقْعَنْسَسَا مفعولاً به صار اقْعَنْسَسَا مُشَبَّهَاً به واحْرَنْجَمَ مُشَبَّه، وهكذا عكس.

وَالْمُضَاهِي اقْعَنْسَسَا: يعني: والذي ضاهاه اقْعَنْسَسَا، الذي ضاهاه: شابهه اقْعَنْسَسَا، والمراد به احْرَنْجَمَ؛ لأنه هو الأصل، وأما اقْعَنْسَسَا فهذا فرع ليس بأصل، وهو كذلك لازم.

وَالْمُضَاهِي اقْعَنْسَسَا: أي: المشابه في الوزن افْعَنْلَلَ، هكذا نفسره نحو: احْرَنْجَمَ، هو الأصل. الْمُضَاهِي: المضاهيه اقْعَنْسَسَا، واقْعَنْسَسَا إنما ضاهى افْعَنْلَلَ واحْرَنْجَمَ، فدل بهذا على نوعين: أصل وفرع.

إذاً: الْمُضَاهِي اقْعَنْسَسَا؛ أي: المشابه في الوزن افْعَنْلَلَ نحو: احْرَنْجَمَ، يقال: احْرَنْجَمَت الإبل أي اجتمعت، وما ألحق به وهو وزن افْعَنْلَلَ، اقْعَنْسَسَا ملحق بـ احْرَنْجَمَ.

وما أُلحق به وهو وزن افْعَنْلَلَ بزيادة إحدى اللامين، نحو: اقْعَنْسَسَا البعير إذا امتنع من انقياد، افْعَنْلَا:(افْعَنْ لَا) هذا بزيادة النون والألف الأخيرة، نحو: احرنبا الديك إذا انتفش عند القتال، احرنبا الديك على وزن افْعَنْلَا، واسلنقا الرجل إذا نام على ظهره، هذه كلها ملحقة بباب احْرَنْجَمَ، وهذه مفصلة في متن البناء.

ص: 13

المراد: أن ما كان على وزن اقْعَنْسَسَا واحْرَنْجَمَ وما ألحق بهما أو بـ احْرَنْجَمَ نقول: هذا فعل لازم، من أين أخذناه؟ من الوزن، لا باعتبار المعنى وإنما هو بالوزن.

وَمَا اقْتَضَى نَظَافَةً أَوْ دَنَسَا

اقْتَضَى: يعني طلب.

نَظَافَةً: يعني دل على نظافة مثل: طهر، وضؤ، نقول: طهر دل على نظافة، ونظف دل على نظافة.

أَوْ دَنَسَا الألف للإطلاق، دنِس دنَس، دنِس على وزن فعِل، نقول: هذا ضد الطهارة دنِس يعني: الخبث، الشيء الخبيث ضد الطهارة، دنِس زيد إذا كان خبيثاً، ونجُس وقذُر، نجُس ذكره البعض، الصبان ضبطه بجواز ضم العين: نجُس ينجُس هل يرد أو لا؟ يرد، نعم، الصحيح. نجُس ينجُس، نجَس ينجُس، وبعضهم جوّز: نجِس كذلك، نجُس ثابت في اللغة، ولذلك ضبطه بضم العين الصبان، وكذلك الأشموني وفي التوضيح ومحيي الدين، وكذلك السيوطي في شرح الألفية وفي حاشية الغزي عليها كلهم ضبطوه بنجُس، فهو ثابت لغة، حينئذٍ يكون مضارعه على وزن يفعُل، لا يفعَل ولا يفعِل، لماذا؟ لأنه باطراد أن مضارع فعُل يفعُل، بخلاف فعَل؛ فقد يكون يفعُل وقد يكون يفعَل، قد يكون يفعُل بضم العين وقد يكون يفعَل، وأما نجُس نقول: هذا ثابت؛ لأن بعضهم ذكر نجَس ينجُس، فعَل يفعُل، نقول: نعم، هذا الأكثر نجَس بالفتح، وأما نجُس فهو ثابت لا إشكال فيه.

وَمَا اقْتَضَى نَظَافَةً أَوْ دَنَسَا: كنظُف ووضؤ ودنِس ونجُس وقذُر وطهُر، كلها نقول: هذه أفعال لازمة؛ لأن معانيها إما أن تدل على نظافة وإما أن تدل على دنس.

أَوْ عَرَضاً: العرض هذا ضد الجوهر، وهو ما ليس حركة جسم من معنىً قائم بالفاعل غير ثابت فيه، يعني: ما يأتي ويزول مقابل لأفعال السجايا، السجايا هذه ثابتة لازمة مستقرة مثل: نهم، وأما العرض فهو يأتي مثل المرض، فتقول: مرِض زيد، نقول: هذا مرِض دل على المرض، المرض هذا في الغالب في الأصل أنه يأتي ويزول فهو عارض، كذلك تقول مثلاً: كسِل زيد بالكسر، كسِل على وزن فعِل، الكسل في الغالب أنه يأتي ويزول، وقد يكون سجية عند البعض.

ونشط كذلك على وزن فعِل، وفرح وحزِن هذه كلها على وزن فعِل، فهي أعراض تأتي وتزول، حزِن الحزن يأتي ويزول، النشاط، الكسل، المرض، الفرح كلها تأتي وتزول، نقول: كل فعل دل على عرض وهو على وزن فعِل حينئذٍ نحكم عليه بأنه لازم.

أَوْ طَاوَعَ المُعَدَّى لِوَاحِدٍ

طَاوَعَ: وطاوع أن يكون الأول أثر، تأثير في الثاني، فيحصل أثر من الأول للثاني، كسرته فانكسر نقول: انكسر هذا مطاوع، مطاوع لواحد احترازاً مما طاوع ما تعدى لاثنين، مثل: علَّمت زيداً الحسابَ فتعلَّّم الحسابَ، تعلم الحساب نقول: هذا مطاوع لاثنين، والناظم قال:

أَوْ طَاوَعَ المُعَدَّى لِوَاحِدٍ

مثل: كسرتُ الزُّجاجَ فانكسر الزجاجُ، كسرتُ الزُّجاجَ: فعل وفاعل ومفعول به متعدي إلى واحد.

فـ انكسر الزجاج: انكسر على وزن انفَعَل، وسبق معنا في الصرف: أن كل ما كان على وزن انفَعَل فهو لازم، هذا هو الأصل فيه.

ص: 14

فانكسر الزجاج: هذا مطاوع لكسر، وحينئذٍ نقول: انكسر -الكلام في انكسر لا في كسرتُ-، كسرت الزجاج هذا متعدي لواحد، طاوعه انكسر، يعني: قبل الأثر، أنت كسرت، يحتمل أن هذا لو كسرت الآن، تكسر تكسر قد يقبل وقد لا يقبل، إذا لم يقبل ما صار مطاوعاً، إذا قبله تقول: انكسر الخشب، أو انكسر الزجاج، إذاً صار مطاوعاً، لكن مطاوع لما يتعدى إلى واحد، أما إذا كان متعدياً إلى اثنين فلا.

علمته النحو فتعلم النحو، إذاً: علمته النحو صار متعدي إلى مفعولين، فتعلم، استجاب، فتعلم صار مطاوعاً لما تعدى لاثنين فتعدى لواحد، المطاوع لما تعدى لواحد صار لازماً، ينقص، إن كان متعدياً لواحد طاوعه نَقَص صار لا يتعدى إلى مفعول، إن كان المطاوَع بفتح الواو يتعدى لاثنين؛ المطاوِع ينقص واحد ويصير يتعدى إلى واحد. علمته النحو فتعلم النحو؛ نقص. كسرت الزجاج فانكسر؛ انتهى، لماذا؟ لأنه طاوع متعد لواحد، وهذا الذي قصده الناظم وهو لازم.

إذاً:

.... أَوْ طَاوَعَ المُعَدَّى

لِوَاحِدٍ كَمَدَّهُ فَامْتدَّا

مد الحبل تعدى إلى واحد، فامتد الحبل؛ انتهى ليس له مفعول، لأنه طاوع واحداً. فلو طاوع ما يتعدى الفعل لاثنين تعدى لواحد كعلمته الحساب فتعلمه.

إذاً قوله: وَلَازم غيْرُ المُعَدَّى: أي ما سوى المعدى هو اللازم إلا واسطة، ويسمى قاصراً؛ لقصوره على الفاعل وغير واقع وغير مجاوز لذلك، ثم اللازم منهما يستدل على لزومه بمعناه، ومنه ما يستدل على لزومه بوزنه، لو نظرنا هنا في المعنى لأنه ما رتبها:

لُزُومُ أَفْعَالِ السَّجَايَا: هذا بالمعنى،

اقْتَضَى نَظَافَةً أَوْ دَنَسَا أَوْ عَرَضاً: هذا بالمعنى،

افْعَلَلَّ وَالْمُضَاهِي اقْعَنْسَسَا، .. أَوْ طَاوَعَ المُعَدَّى لِوَاحِدٍ كَمَدَّهُ فَامْتدَّا: هذا الظاهر أنه بالوزن.

وَلَازِمٌ غَيْرُ المُعَدَّى وَحُتِمْ

لُزُومُ أَفْعَالِ السَّجَايَا كَنَهِمْ

وَكَذَا افْعَلَلَّ: افعلل اقشعر افعلل.

وَالْمُضَاهِي: أي المشابه.

اقْعَنْسَسَا: الألف للإطلاق، واقْعَنْسَسَا الأول نعربه فاعل، أي: المضاهيه اقْعَنْسَسَا، فاقْعَنْسَسَا مضاهي احَرَنْجَمَا، فـ احَرَنْجَمَا هو اللازم هو الذي عناه هنا، يصدق عليه الْمُضَاهِي، ثم اقْعَنْسَسَا وما ألحق به ملحق بـ احَرَنْجَمَا.

وَمَا اقْتَضَى: يعني والذي –فعل- اقْتَضَى: أفاد أو دل.

نَظَافَةً أَوْ دَنَسَا

أَوْ عَرَضاً أَوْ طَاوَعَ المُعَدَّى

لِوَاحِدٍ كَمَدَّهُ فَامْتَدَّا

قال: كَنَهِمْ، وبعضهم ألحق به حمِق وحمُق، حمِق وحمُق فيه وجهان: إن كان حمُق فلا إشكال، واضح من حيث الصيغة، وأما حمِق بالكسر حينئذٍ نحتاج النظر في المعنى؛ لأنه ليس كل فَعِل يكون لازماً، فباعتبار المعنى الدال على السجية صار لازماً، أما إذا كان حمُق فهو من باب فَعُل، يستدل عليه بجهتين: كونه على وزن فعُل وكونه دالاً على سجية، فاجتمع فيه المعنى والوزن، وأما حمِق فوجد فيه المعنى فقط دون الوزن.

كنهم الرجل إذا كثر أكله، يعني: فرَط وأفرط في الأكل.

وكذا شجُع وجبُن وقبُح وطال وقصُر.

ص: 15

قال الشارح: اللازم هو ما ليس بمتعد، وهو ما لا يتصل به هاء ضمير غير المصدر، -هذه علامة ذكرها ابن هشام أول العلامات، ذكر اثني عشر علامة، عد ما سبق وأضاف إليه: ألا يتصل به هاء ضمير غير المصدر، وهذا معلوم مما سبق؛ لأنه قال: عَلَامَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى أَنْ تَصِلْ

هَا غَيْرِ مَصْدَرٍ، إذاً: إذا لم تتصل به فهو لازم.

والعلامة الثانية: ألا يُبنى منه اسم مفعول تام، هذه علامة على كونه لازماً، يعني: يفتقر إلى جار ومجرور مثل: مخروج؛ هذا ليس بتام، وحينئذٍ نقول: خرج زيد، ما الدليل على أنه لازم ليس متعدياً؟ نقول: اسم المفعول منه مخروج به أو مخروج إليه، حينئذٍ لا يستقل بنفسه، بل لا بد من حرف جر.

وذلك خرج، فلا يقال: زيد خرجه عمرو ولا هو مخروج، وإنما يقال: الخروج خرجه عمرو بإعادة الضمير هنا إلى مصدر، وهو مخروج به أو مخروج إليه فصار لازماً-، ويتحتم اللزوم لكل فعل دال على سجية -وهي الطبيعة- نحو: شرُف وكرُم وظرُف ونهم بالكسر،-انتبه لهذا؛ لأن بعضهم -وهذا مشتهر عند بعضهم-: أن كل ما كان على وزن فعُل فهو سجية وما عداه فلا، لا، نقول: قد يكون من باب فعِل وهذا مثَّل به الناظم هنا-، وكذا كل فعل على وزن افْعَلَلَّ، اقشعر، اطمأن، أو على وزن افْعَنْلَلَ: اقْعَنْسَسَا واحْرَنْجَمَ، أو دل على نظافة: طهُر الثوب ونظُف، أو دل على دنس: دنِس الثوب بالكسر فعِل ووسِخ، أو دل على عرض: مرِض زيد واحمَر، أو كان مطاوعاً لما تعدى إلى مفعول واحد نحو: مددت الحديد فامتد، ودحرجت زيداً فتدحرج، تدحرج زيد، والكلام في الثاني لا في الأول.

واحترز بقوله: لواحد مما طاوع المتعدي إلى اثنين؛ فإنه لا يكون لازماً، بل يكون متعدياً إلى مفعول واحد، فَهَّمتُ زيداً المسألة ففهمها، يعني: فهم المسألة، تعدى إلى واحد، هذا لا يكون لازماً، وعلمته النحو فتعلمه، تعلم النحو تعدى إلى واحد.

إذاً: ما كان مطاوعاً لمتعدٍّ لواحد صار لازماً، وما كان مطاوعاً لمتعدٍّ لاثنين صار قاصراً على واحد.

وَعَدِّ لَازِماً بِحَرْفِ جَرِّ

وَإِنْ حُذِفْ فَالنَّصْبُ لْلِمُنْجَرِّ

نَقْلاً وَفِي أَنَّ وَأَنْ يَطَّرِدُ

مَعْ أَمْنِ لَبْسٍ كَعَجِبْتُ أَنْ يَدُوا

لما بين لك حقيقة اللازم، الآن بين حكمه، الأصل في اللازم إما أن يكون قاصراً على نفسه فلا يفتقر إلى مفعول في المعنى، قام زيد، انتهينا، قام: فعل ماضي، وزيد: فاعل، هل يحتاج القيام بأن يكون ثَمَّ ما يقع عليه القيام؟ الأصل لا، قام زيد اكتفى بنفسه، وقد يكون ثَمَّ ما يفتقر إلى مفعول في المعنى، مرّ زيد، مر بمن؟ لا بد المرور والمجاوزة تتعلق بشيء آخر، إذاً: لا بد من مفعول، فمرّ هذا من حيث المعنى يفتقر إلى مفعول به، فحينئذٍ يتعدى إليه بحرف الجر، تقول: مررت به وغضبت عليه، وقال هنا: وَعَدِّ لَازِماً بِحَرْفِ جَرِّ

ص: 16

وَعَدِّ لَازِماً: الفعل إذا طلب مفعولاً من جهة المعنى ولم يصل إليه بنفسه لضعفه عنه عدي إليه بحرف الجر، وهذا إنما يكون في اللازم، ولذلك إذا قيل: ضعفه، يعني ليس الضعف من حيث العمل، وإنما الضعف من حيث المعنى؛ لأن الحدث هنا قلنا: لا بد من النظر فيه؛ هل يتعدى الحدث أم لا؟ فإن تعدى لا بد أنه يقتضي ما يقع عليه، وإلا بقي على أصله وهو اللزوم.

وَعَدِّ لَازِماً بِحَرْفِ جَرِّ عده بحرف جر، ويختلف، كل فعل في لسان العرب قد يختص بحرف جر دون غيره، وهذا مرجعه إلى فقه اللغة، يعني ينظر في القواميس هذه الأفعال استعملت متعدية بأي الحروف؟ ليست المسألة عشوائية هكذا تعدي فيما شئت لا، لا بد من النظر في لسان العرب، ما عدي بـ (إلى) اقتصر به، ولذلك لما اختص بعضها بحروف جاءت مسألة التضمين، جاءت مسألة التضمين لماذا؟ لأنه قد يعد فعل بغير حرف وضع له في لسان العرب، وحينئذٍ نقول: ضمنه كذا، وهذا مر معنا في أول الألفية: وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ، قلنا: في (أستعين) لا يتعدى بـ (في) وإنما يتعدى بـ (على)، ((وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ)((وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا))، إذاً: ضمنه معنى استخير؛ لأن استخار يتعدى بـ (في). لماذا نقول هذا؟ لأننا في لسان العرب لم نجد الاستعانة ومشتقاتها متعدية إلا بـ (على)، أو (الباء)((وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)) فحينئذٍ إذا عدي بغير الحرف الذي وضع له في لسان العرب لا بد من القول بأنه مضمن؛ لأن المسألة ليست عشوائية تضع ما شئت من الحروف، لا بد من قيد.

بِحَرْفِ جَرِّ: ذهبت بزيد، الباء هنا للتعدية، وزيدٍ في المعنى مفعول به؛ لأنه في قوة أذهبته، وأذهب هذا يتعدى بنفسه، هو موازٍ له، من حيث المعنى موازي، لماذا؟ لأن ذهبت بزيدٍ من حيث العمل هو لازم، لكن من حيث المعنى هو متعدي، فوازنه أذهبته من حيث اللفظ والمعنى، فسرته بما يوافق المعنى من حيث اللفظ والمعنى كذلك، فأذهبته: هذا متعدي معنىً ولفظاً، وذهبت: هذا متعدي من حيث المعنى لا من حيث اللفظ، وحينئذ: وَعَدِّ لَازِماً بِحَرْفِ جَرِّ

حكم اللازم أن يتعدى بالجار، نحو: عجبت منه، ومررت به، وغضبت عليه.

وقوله: لَازِمَاً: يعني ولو بالنسبة إلى ما يتعدى إليه بحرف الجر، فيدخل المتعدي إلى المفعول الثاني بحرف الجر، سمَّى يتعدى إلى مفعولين: أحدهما يتعدى إليه بنفسه، والثاني بحرف الجرن سميت ابني بمحمد، سميت ابني محمداً، يجوز أن يتعدى للثاني بنفسه ويجوز أن يتعدى إليه بحرف الجر، المثال في الثاني -إذا تعدى إليه بحرف الجر-، حينئذٍ ننظر إلى سمَّى باعتبارين: باعتبار تعديه إلى الأول بنفسه لا إشكال فيه، والثاني تعدى إليه بحرف الجر، نقول: بهذه النظرة أو بهذا الاعتبار نعامله معاملة اللازم، وإن تعدى إلى الأول بنفسه، لكن لما احتاج إلى الثاني أن يتعدى إليه بحرف الجر عاملناه معاملة اللازم، ولذلك قوله: وَعَدِّ لَازِمَاً؛ يشمل ما لا يتعدى أصلاً، مررت بزيد، أذهبت بزيد، ويشمل المفعول الثاني فيما يتعدى إلى مفعولين إذا كان يتعدى إليه بحرف الجر.

ص: 17

إذاً: ولو بالنسبة إلى ما يتعدى إليه بحرف الجر فيدخل المتعدي إلى المفعول الثاني بحرف الجر، يدخل في الجملة هنا، قد يحذف حرف الجر ويبقى عمله، لكن نحكم عليه بكونه شاذاً، قد يحذف حرف الجر ويبقى عمله، يبقى عمله: مررت بزيد، مررت زيدٍ، زيدٍ؛ نقول: هذا مجرور بالباء المحذوفة، هل يجوز حذف حرف الجر وإبقاء عمله؟ نقول: الصواب: لا، لماذا؟ لأن الحرف وهو ملفوظ به ضعيف -عامل ضعيف-، لأن الأصل في الحروف كلها بلا استثناء ألا تعمل، فإذا أُعملت حينئذٍ صارت فرعاً، وإذا كانت فرعاً يقيد في إعمالها أن تكون ملفوظاً بها، فإن لم يلفظ بها وحذفت حينئذٍ ازداد الحرف من حيث العمل ضعفاً وضعفاً وضعفاً، فامتنع أن يعمل وهو محذوف، فتقيد إعماله بذكره، فإن حذف فالأصل في المجرور أن ينتصب، ولذلك يقال: مررت زيداً، وأما ما حكي عن رَؤْبَةُ: كَيفَ أَصْبَحْتَ؟ قال: خَيْرٍ، يعني بخير، هذا يحفظ ولا يقاس عليه، كَيفَ أَصْبَحْتَ؟ قال: خَيْرٍ، يعني بخير، حذف حرف الجر وأبقى المجرور كحاله كما هو، نقول: هذا ضعيف، يعني يحفظ ولا يقاس عليه بل هو شاذ.

إذاً: قد يحذف حرف الجر ويبقى الجر شذوذاً، أَشارَتْ كُلَيْبٍ بالأَكُفِّ الأَصابِعُ، أَشارَتْ كُلَيْبٍ، يعني: أشارت إلى كليب، حذف (إلى) وأبقى كليب كما هو مجرور، نقول: هذا يحفظ ولا يقاس عليه، وهو شاذ.

................................

وَإِنْ حُذِفْ فَالنَّصْبُ لْلِمُنْجَرِّ

نَقْلاً وَفِي أَنَّ وَأَنْ يَطَّرِدُ

.......................................

قسَّم لنا المحذوف -إن حذف حرف الجر- إلى نوعين: قياسي وسماعي، قياسي مطرد يقاس عليه، وسماعي.

إذاً: قد يحذف الحرف وينصب المجرور، وهذا قيل: ثلاثة أقسام، وقيل: قسمان، قسمه ابن هشام في التوضيح إلى ثلاثة أقسام، واعترض بأن الأولى أن يجعل قسمين: سماعي كما قال الناظم هنا: نَقْلاً، إذاً: سماعي، يعني منقول، وبـ (أَنَّ) و (أَنْ) يَطَّرِدُ، إذاً قياسي، قابَل هذا بذاك فدل على أن القسمة ثنائية، وهذا أولى، وابن هشام جعلها ثلاثة: الأول: سماعي جائز في النثر، مثَّل له بـ: نصحته وشكرته، نصحته وشكرته، أصلها قلنا: نصحت له، هذا لازم، ثم حذف حرف الجر واتصل الضمير بالعامل فانتصب على أنه مفعول به له.

إذاً: حذف حرف الجر وانتصب.

وَإِنْ حُذِفْ فَالنَّصْبُ لْلِمُنْجَرِّ: الضمير هو منجر في المحل، لما حذف اللام اتصل الضمير بشكر فانتصب على أنه مفعول به له.

كذلك: نصحته، أصلها: نصحت له، هو لازم، والمتعدي فرع عنه؛ لأن الأصل نصحت له حذفت اللام ثم اتصل الضمير بالعامل، والأكثر ذِكرُ اللام:((وَنَصَحْتُ لَكُمْ)) جاء في القرآن، ((أَنْ اشْكُرْ لِي)).

النوع الثاني: سماعي خاص بالشعر، كقول القائل:(كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ)، الثعلب: فاعل، عَسَلَ الطَّرِيقَ، يعني: عسل في الطريق، حذف (في) ثم نصب ما بعده، هذا سماعي؛ لأنه ليس من القسم المطرد الآتي ذكره.

وقوله:

آلَيتُ حَبَّ الْعِرَاقِ الدَّهرَ أَطعَمُهُ

آلَيتُ: حلفت يعني، حلفت على حب العراق، آلَيتُ حَبَّ الْعِرَاقِ، حذف على وانتصب ما بعده بنزع الخافض.

ص: 18

الثالث: القياسي، وذلك في (أنَّ) بالتشديد و (أنْ وكي) ثلاثة، الناظم ذكر ثنتين وبقي عليه الثالث، والأولى جعله قسمين موقوف على السماع ومطرد كما قال الناظم هنا.

إذاً: وَإِنْ حُذِفْ حرف الجر.

فَالنَّصْبُ لْلِمُنْجَرِّ: واجب، يجب نصب المنجر؛ لأنه لا يبقى على حاله، لأننا لو أبقيناه على حاله لوقعنا في محذور كبير؛ وهو إعمال حرف الجر وهو محذوف، وهذا منكر، يجب عدم القول به، فحينئذٍ يتعين نصب المجرور، فتقول: مررت زيداً، كيف أصبحت؟ خيراً، هذا الأصل فيه، لكن هذا يسمع في ألفاظ وتحفظ ولا يقاس عليها، وإنما القياس يكون في المطرد فحسب.

وَإِنْ حُذِفْ: يعني وإن حذف بإسكان الفاء، مجزوم بـ (إن) لأنه فعل ماضي، حذف: فعل ماضي، سكنه هنا من أجل الروي.

وَإِنْ حُذِفْ فَالنَّصْبُ: الفاء واقعة في جواب الشرط، والنصب هذا مبتدأ.

لْلِمُنْجَرِّ: جار ومجرور خبر، فالنصب للمنجر وجوباً، وناصبه عند البصريين الفعل، وعند الكوفيين إسقاط الحرف، إذا قلت: مررت زيداً هذا منصوب، والأصل فيه: مررت بزيد، ما الناصب له؟ نقول: الفعل مر، وهذا مذهب البصريين، وإسقاط الحرف هو العامل فيه على مذهب الكوفيين، ويضعفوا الثاني: أن إسقاط الحرف عدم، وإذا كان كذلك حينئذٍ صار العامل معنوياً، وسبق قاعدة: أنه لا يصار إلى العامل المعنوي إلا عند عدم إمكان تعليق الحكم بالعامل اللفظي؛ لأن العامل المعنوي ضعيف في نفسه، عدم، ليس بشيء كيف ينصب؟ كيف يرفع؟ كيف يجر؟ نقول: الأصل عدمه، فهو عدم، والعدم لا يحدث شيئاً، فمتى ما أمكن تعليق الحكم هنا -العمل نصب أو رفع أو جر- بلفظ ملفوظ به فهو أولى ومرجح، ولذلك انحصر العامل المعنوي في اثنين لا ثالث لهما كما سبق بيانه.

وَإِنْ حُذِفْ: يعني حرف الجر.

فَالنَّصْبُ لْلِمُنْجَرِّ: بالفعل، على مذهب البصريين.

نَقْلاً: يعني منقولاً، فهذا نقلاً، هل هو راجع للحذف أو للنصب؟

وَإِنْ حُذِفْ فَالنَّصْبُ لْلِمُنْجَرِّ نَقْلاً: عندنا أمران: إما الحذف وإما النصب، ظاهر الكلام في النصب وليس الأمر كذلك، بل المراد به الحذف.

قوله: نَقْلاً؛ ظاهره أنه راجع للنصب وليس كذلك، بل هو راجع لحذف حرف الجر، وأما النصب فليس بنقل، وإنما هو الحذف، لأنَّ كلامنا فيه: هل يجوز حذف حرف الجر أو لا؟ نقول: نعم، يجوز من جهتين: سماعاً ومقيساً.

إذاً: نَقْلاً؛ نقول: هذا المراد به أن الحذف منقول في لسان العرب، وحينئذٍ يسمع ولا يقاس عليه. متى يحذف حرف الجر؟ نقول: لا يحذف إلا في ما هو قياس مطرد، وهو ما أشار إليه بقوله:

وَفِي أَنَّ: أخت إنَّ، وأنْ الناصبة للفعل المضارع، وزد عليها كي، هذه ثلاثة أحرف يجوز حذف حرف الجر الداخل عليها قياساً مطرداً، يعني تستعمله في لسانك مطلقاً، تتكلم به، وأما المنقول سماعاً لا، لا تتكلم به، وإنما إذا سمعته في كلام العرب تحمله على أنه شاذ ولا تقس عليه.

وَفِي أَنَّ: يعني وحذف حرف الجر في (أنَّ وأنْ) يَطَّرِدُ، مطرد، يعني: يوجد كثير فهو مطرد قياساً.

ص: 19

مَعْ أَمْنِ لَبْسٍ: يعني إذا أمن اللبس، مفهومه: إذا لم يؤمن اللبس ليس بمطرد؛ لأن القاعدة كما سبق وعليها يجري ابن مالك رحمه الله تعالى: أن أمن اللبس وعدمه لا بد من تعليق الأحكام عليها، فما جاز حذفه وأبهم المعنى لا يجوز؛ لأنه يوقع في لبس، وما حذف ولم يوقع في لبس، حينئذٍ نقول: الأصل فيه الجواز، كما سبق في المفاعيل.

مَعْ أَمْنِ لَبْسٍ: إذاً: مفهومه إذا لم يؤمن اللبس لا يجوز حتى مع (أنَّ وأنْ وكي).

كَعَجِبْتُ أَنْ يَدُوا: عجبت، عجب يتعدى بـ (من)، عجبت من زيد.

عَجِبْتُ أَنْ يَدُوا: (أنْ) هذه حرف مصدريي.

ويَدُوا: هذا بمعنى يعطوا الدية، عجبت من أن يدوا، هذا الأصل، فحذفت (من) وبقي أَنْ يَدُوا، (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر، حينئذٍ هل نقول: منصوب أو مجرور؟ هذا يأتي الخلاف فيه في كلام الشارح.

إذاً: وَفِي أَنَّ وَأَنْ يَطَّرِدُ

مَعْ أَمْنِ لَبْسٍ

فإن خيف اللبس امتنع الحذف، كما في رغبت، رغب يتعدى بـ (في) ويتعدى بـ (عن) والمعنى يختلف، رغبت فيه أحببته، رغبت عنه كرهته، اختلف المعنى، حينئذٍ: رغبت؛ هل يجوز أن يحذف مدخول حرف الجر، وحينئذٍ نقول: يرغب يقوم زيد؟ لا يجوز، لماذا؟ لعدم أمن اللبس. رغبت أن يقوم زيد، هذا التركيب، هذا يحتمل: رغبت في قيام زيد، ورغبت عن قيام زيد، فلما أوقع في لبس امتنع الحذف، فيجب أن يذكر الحرف: رغبت في أو عن، لا بد من ذكره.

فإن حذف، لا بد من التماس معنىً أعم روعيت فيه المصلحة ودفعت تلك المفسدة، وهو كقوله: -يعني أجيب بهذا عن قوله-: ((وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ)) تَرْغَبُونَ في أو عن؟ هذا محتمل، وإذا قلنا: مع أمن اللبس شرطٌ، حينئذٍ: ما لا يؤمن معه اللبس لا يجوز الحذف، وكيف حذف في الآية؟ قيل: المراد به إفادة العموم، فروعي العموم وقدم على المفسدة الحاصلة، وهذا جواب لبعضهم.

إذاً: رغبت في أن تفعل، أو عن أن تفعل، نقول: هذا لا يجوز حذف (في) ولا (عن).

وأما قوله: ((وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ)) فيجوز أن يكون الحذف فيه بقرينة، أو لإفادة العموم.

نَقْلاً وَفِي أَنَّ وَأَنْ يَطَّرِدُ: يعني حذف الجار والمجرور بطولهما بالصلة.

مَعْ أَمْنِ لَبْسٍ كَعَجِبْتُ أَنْ يَدُوا

قال الشارح: تقدم أن الفعل المتعدي يصل إلى مفعوله بنفسه، وذكر هنا أن الفعل اللازم يصل إلى مفعوله بحرف الجر نحو: مررت بزيد، وقد يحذف حرف الجر فيصل إلى مفعول بنفسه –شذوذاً-، مررت زيداً، ومنه جاء:

تَمُرُّونَ الدِّيارَ أي: بالديار، هذا يحفظ ولا يقاس عليه.

ومذهب الجمهور أنه لا ينقاس حذف حرف الجر مع غير (أنَّ وأنْ) -وزد عليها (كي) -؛ لأن اللام تحذف، لكي؛ تحذف اللام قبلها، لا نقول منوية فتقدر، وهذا من المواضع التي يجوز فيها قياساً-، بل يقتصر فيه على السماع، (كي المصدرية) جئتك كي تقوم، يعني: لكي تقوم، حذف اللام نقول: هذا قياس، وقلَّ من نبه عليه كما ذكر ابن هشام رحمه الله تعالى.

ص: 20

بل يقتصر فيه على السماع، وذهب أبو الحسن -الأخفش الصغير- إلى أنه يجوز الحذف مع غيرهما قياساً بشرط: تعين الحرف ومكان الحذف، -لكنه مرجوح-، تعين الحرف، ما هو الحرف؟ أن يكون متعين، يعني: هذا الفعل لا يتعدى إلا بهذا الحرف، لا يحتمل وجهين مثل: رغب في وعن، لا يحتمل إلا حرفاً واحداً.

ومكان الحذف: نعرف أن الحذف حُذف من هذا المكان، فإن احتمل، لا، إن احتمل عدم التخصيص بالحرف نقول: لا، مثل: بريت القلم بالسكين، هذه الباء باء الآلة والسكين آلة، أيهما يبرى الأول بالثاني؟ القلم يبرى بالسكينن إذاً لو قال: بريت القلم السكينَ؛ جاز، لأن السكين هنا آلة ولا يدخل على الآلة إلا باء الآلة فهو متعين، ثم الحرف هنا لا يحتمل: بريت بالقلم أو بريت بالسكين لا يحتمل، إذاً: تعين المكان وهو قوله السكين، وتعين الحرف؛ لأن السكين هذا آلة ولا يدخل عليه إلا الباء باء الآلة، هذا جائز.

فإن لم يتعين الحرف لم يجز الحذف، رغبت في زيد بيناه، فلا يجوز حذف في؛ لأنه لا يدرى حينئذٍ هل التقدير رغبت عن زيد أو في زيد، وكذلك إن لم يتعين مكان الحذف لم يجز: اخترت القوم من بني تميم، اختار هذا يتعدى إلى اثنين أحدهما بنفسه والثاني بحرف، وقد يجوز إسقاط الحرف ونصبه على المفعولية، مثل: اخترت الرجال زيداً، اخترت القوم من بني تميم، لا يصح حذف (من) اخترت القوم بني تميم؛ لأنه فرق، اخترت من القوم بني تميم أو اخترت من بني تميم القوم، هذا مختلف، وإذا اختلف حينئذٍ لم يجز الحذف.

نحو: اخترت القوم من بني تميم فلا يجوز الحذف، فلا تقول: اخترت القوم بني تميم، لا يجوز حذف الحرف، إذ لا يدرى هل الأصل: اخترت القوم من بني تميم أو اخترت من القوم بني تميم، أما اخترت الرجال محمداً، يجوز؛ لأنه مقطوع أن محمداً مختار من الرجال، اخترت من الرجال محمداً.

إذاً: اخترت، لا يجوز أن تقول: اخترت القوم من بني تميم، إذ لا يدرى هل الأصل اخترت القوم من بني تميم أو اخترت من القوم بني تميم، لاحتمال اللبس، وأما اخترت الرجال محمداً نقول: هذا متعين؛ لأن محمد واحد والرجال هذا متعدد، فحينئذٍ لا بأس بحذف حرف الجر.

وأما (أنَّ) بالتشديد فرع (إنَّ)، و (أنْ) بالتخفيف فيجوز حذف حرف الجر معهما قياساً مطرداً، بشرط: أمن اللبس، كقولك: عَجِبْتُ أَنْ يَدُوا، يعني: من أن يدوا، حذفت (من)؛ لأن المعنى واضح، لأن (عجب) لا يتعدى إلا بـ (من)، عجبت من أن يدوا، أي من أن يعطوا الدية.

ومثال ذلك مع (أنَّ) بالتشديد: عجبت من أنك قائم، عجبت أنك قائم لا بأس به، فإن حصل لبس لم يجز الحذف، رغبت في أن تقوم، رغبت في أنك قائم، فلا يجوز حذف في لاحتمال أن يكون المحذوف (عن) فيحصل لبس.

واختُلف في محل (أنَّ وأنْ) عند حذف حرف الجر، فذهب الأخفش إلى أنهما في محل جر، وذهب الكسائي إلى أنهما في محل نصب، وجوز سيبويه الوجهين؛ لأن كلاً منهما له دليل معتبر.

ذهب الكسائي إلى أنهما في محل نصب؛ لأنه الأقيس.

وَإِنْ حُذِفْ فَالنَّصْبُ لْلِمُنْجَرِّ ** نَقْلاً

ص: 21

إذاً: عجبت أن تقوم نقول: هذا محتمل للنصب والجر، حمله على المسموع أولى؛ لأنه لما حذف في المسموع المنقول ولو كان سماعياً، لما انتصب علمنا أن (أنَّ) إذا حذف منها حرف الجر أنه في محل نصب.

الثاني: بكونهما في محل جر نظروا إلى محل رُبَّ، وسيأتي أن رُبَّ تحذف ويبقى عملها: ولَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ، لَيْلٍ أي: رُبَّ ليل، بقي الحذف، فقيس عليه حرف الجر إذا حذف وكان مدخوله (أنَّ وأنْ) أيهما أولى بالقياس؟ ما سمع منصوباً ولو كان شاذاً في باب حذف حرف الجر، أو حرف منفك خارج عن الباب، أيهما أولى؟ لا شك أن قياسه على المذكور في الباب نفسه أولى ولو كان شاذاً.

فمن قال بأنه في محل جر قاسه على مجرور رُبَّ؛ لأن رُبَّ تحذف ويبقى عملها، الذي سوغ القياس هنا، لماذا خاصة رُبَّ؟ لأنه يجوز قياساً حذف رُبَّ وإبقاء عملها، وهنا يجوز قياساً حذف حرف الجر السابق لـ (أنَّ وأنْ) ويبقى عمله على الأصل، لكن نقول: هناك شيء بعيد وشيء قريب كلاهما له حظ من النظر، ولذلك سيبويه ذهب إلى تجويز الوجهين؛ لأن كل دليل صحيح، لكن هناك دليل أقوى من دليل، ونظره أبعد، وهو القول بكونهما في محل نصب؛ لأن القياس على شيء في نفس الباب أولى من القياس على شيء في باب خارج ولو كان القياس صحيحاً، يعني مستوفي للشروط والأركان، فحينئذٍ يترجح أن يكون محلهما النصب.

وحاصله: أن الفعل اللازم يصل إلى مفعوله بحرف الجر، ثم إن كان المجرور غير (أنَّ وأنْ) لم يجز حذف حرف الجر إلا سماعاً، وإن كان (أنَّ وأنْ) جاز ذلك قياساً عند أمن اللبس، وهذا هو الصحيح.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

!!!

ص: 22