المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * أقسام الظرف من حيث الإبهام وا لتخصيص وحكم - شرح ألفية ابن مالك للحازمي - جـ ٥٨

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * أقسام الظرف من حيث الإبهام وا لتخصيص وحكم

‌عناصر الدرس

* أقسام الظرف من حيث الإبهام وا لتخصيص وحكم كل

* أقسام الظرف من حيث التصرف وعدمه

* ماينوب عن الظرف.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

ما زال الحديث في باب المفعول فيه وهو المسمى ظرفاً، عرفه الناظم بقوله:

اَلظَّرْفُ وقتٌ أَوْ مَكَانٌ ضُمِّنَا

فِي بِاطِّرَادٍ كَهُنَا امْكُثْ أَزْمُنَا

قلنا: الظرف هو اسم زمان -اسم وقت-، أو مكان، وهذا يشمل الظرف وغير الظرف، فحينئذٍ احتجنا إلى إخراج غير الظرف، قال: ضُمِّنَا معنى في، ثم قال: بِاطِّرَادٍ مراده الاحتراز من المكان المختص المنصوب بدخل ونحوه، وهذا بناءً على إعرابه عنده هو -رحمه الله تعالى- فإنه يرى أنه مفعول به بعد إسقاط الخافض، على وجه التوسع والمجاز، حينئذٍ بناءً على هذا هو اشترط بِاطِّرَادٍ من أجل إخراج ما ذُكِر، فحينئذٍ يحتاج إلى قيد الاطراد، فإن نصبه على التوسع والمجاز حكم اللفظ، فلا يخرجه ذلك عن معنى في، وهذا هو الذي اعتبر الناظم إلى قيد الاطراد، كَهُنَا امْكُثْ أَزْمُنَا.

ثم بيَّن العامل فيه، فقال: فَانْصِبْهُ بِالْوَاقِعِ فِيهِ، من فعل أو شبهه، مُظْهَرَاً كَانَ ذلك الواقع، وَإِلَاّ فَانْوِهِ مُقَدَّرَا، بمعنى أنه قد يكون ناصبه اللفظ الدال على المعنى الواقع فيه، فقد يكون فعلاً، وقد يكون اسم فعل، وقد يكون مصدراً، قد يكون وصفاً .. إلى آخره.

ثم له ثلاث حالات: أن يكون مذكوراً كالأمثلة السابقة، أن يكون محذوفاً جوازاً، كما إذا وقع في جواب سؤال، بمعنى أنه إذا دل عليه دليل، والثالث أن يكون محذوفاً وجوباً، وهذا في ست مسائل ذكرناها سابقاً.

ثم قال رحمه الله:

وَكُلُّ وَقْتٍ قَابِلٌ ذَاكَ وَمَا

يَقْبَلُهُ الْمَكَانُ إِلَاّ مُبْهَمَا

نَحْوُ الجِهَاتِِ وَالمَقَادِيرِ وَمَا

صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ كَمَرْمَى مِنْ رَمَى

وَكُلُّ وَقْتٍ قَابِلٌ ذَاكَ: الوقت -اسم الزمان- ينقسم إلى مبهم ومختص، واسم المكان كذلك ينقسم إلى مبهم ومختص، كُلُّ وَقْتٍ سواء كان اسم رمان أو اسم مكان، المختص من اسم الزمان ما دل على مُقدَّر معلوم، يعني ما دل على مقدار من الزمن معلوم، له أول وله آخر، هذا نسميه مختصاً، وإذا لم يدل على زمن معين حينئذٍ نسميه مبهماً، مثل: حين ووقت وساعة ولحظة وزمن، نقول: هذه ألفاظ هي اسم زمان، لكنها ليست مختصة، لأنها لا تدل على وقت له أول وآخر، زمن، لو قال: سرت زمناً، ما هو هذا الزمن متى يبتديء؟ ومتى ينتهي؟ من أي يوم؟ من أي شهر؟ نقول: هذا غير معلوم. سرت لحظة، سرت وقتاً .. ساعة .. -ليس الساعة المعهودة-، ساعة، حينئذٍ نقول: هذا مبهم؛ لأنه لا يدل على وقت معين.

ص: 1

وأما المختص فهو ما دل على مُقدَّر معلوماً كان، وهو المعرَّف بالعلمية: صمت رمضان، رمضان نقول: هذا اسم زمان مختص لماذا؟ لأنه علم على الشهر المعلوم، واعتكفت يوم الجمعة، هذا علم عند بعضهم؛ لأن الجمعة المضاف إليه علم على اليوم المعلوم، فصار من باب إضافة المسمى إلى الاسم، يوم اسمه الجمعة، اليوم هو المسمى، والاسم هو الجمعة، يكون من باب إضافة المسمى إلى الاسم، أو بـ (أل) كان معرفاً أو مختصاً بـ (أل)، نحو سرت اليوم، وأقمت العام، سرت اليوم هذا إذا كان بينك وبين المخاطب عهد فينصرف إليه وإلا يحمل على اليوم الحاضر، كذلك أقمت العام في مكة، يعني مثلاً هذا العام، أو بالإضافة جئت زمن الشتاء، وبعضهم يمثل: صمت يوم الخميس، على أنه مضاف ومضاف إليه فتخصص بالإضافة، أو غير معلوم وهو النكرة نحو صمت يوماً أو يومين أو أسبوعاً أو وقتاً طويلاً، نقول: هذا غير معلوم، لكنه فيه نوع اختصاص لما ذكر معه، إذا قال: صمت يوماً، اليوم له أول وآخر، صمتُ معلوم الصوم يقع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، إذاً له أول وله آخر، هذا اختصاص، بخلاف زمن ولحظة وساعة ليس لها أول ولا آخر، لكن يوم له أول وآخر، فمن حيث الابتداء والانتهاء فهو مختص، وبعضهم عدَّه في المبهم؛ لأنه إذا قال: صمت يوماً، أيُّ يومٍ هذا؟ يوم السبت أو يوم الأحد، مبهم، فيه إبهام، وبعضهم راعى عدم التعيين من حيث اليوم فأعده في المبهم، وهذا الظاهر أنه أولى، وبعضهم راعى أنه مبتدأ له أول وله أخر فعده في المختص.

كذلك أسبوعاً هذا مبتديء من يوم الجمعة إلى يوم الخميس، هذا هو الأسبوع الشرعي، وأما من السبت إلى الجمعة هذا اصطلاحي، يبتديء من يوم الجمعة، أول يوم في الأسبوع هو يوم الجمعة، وينتهي بالخميس، فحينئذٍ نقول: إذا قال: صمت أسبوعاً، عرفنا أوله وآخره، لكن أي أسبوع هذا؟ من أي شهر؟ هذا فيه نوع إبهام.

إذاً له ملحظ من جهة الاختصاص من حيث له ابتداء وانتهاء، وله ملحظ من جهة الإبهام في عدم تعيين هذا الأسبوع أي أسبوع هو؟

وكذلك سرت وقتاً طويلاً حصل اختصاص بماذا؟ سرت يوماً طويلاً، بالنعت بالصفة، إذاً هو في نفسه نكرة غير معلوم، لكن حصل له نوع اختصاص بالوصف، هذا ما يتعلق بالمختص، اسم زمان مختص، قد يكون بـ (أل)، قد يكون بالعلمية، قد يكون بالصفة .. بالوصف يعني، قد يكون بالإضافة، هذه أربعة أشياء تفيد الاختصاص.

إن لم يكن كذلك بأن لا يدل على شيء معين ليس له أول ولا آخر اعتبرناه مبهماً، وقيل: المختص من ظرف الزمان ما يقع جواب متى، متى جئت؟ يوم الخميس، مختص، متى تسافر؟ شهر محرم، وهكذا، ما وقع في جواب متى فهو مختص، وما كـ: يوم الخميس، والمعدود، يقع في جواب كم، كم سرت؟ سرت يومين، هذا معدود، والمبهم ما لا يقع في جواب متى ولا كم، وهذا رأي ابن هشام في قطر الندى؛ قسَّم اسم الزمان إلى ثلاثة: مختص ومعدود ومبهم، والصواب إدخال المعدود في المختص؛ سرت يوماً أو يومين أو أسبوعاً أو وقتاً طويلاً، هذا معدود بالجملة وهو مختص، هذا الظاهر، ولو قسَّم هذا التقسيم الثلاثي أيضاً لا بأس.

ص: 2

قال: وَكُلُّ وَقْتٍ قَابِلٌ ذَاكَ، الوقت بنوعيه، اسم الزمان بنوعيه المختص والمبهم، قَابِلٌ ذَاكَ، الذي هو النصب على الظرفية. إذاً كل اسم زمان يصح أن ينصب على الظرفية بشرطه السابق، إذا ضمن معنى: فِي بِاطِّرَادٍ، إذا ضمن معنى: فِي بِاطِّرَادٍ صح نصبه ولا ينظر إلى التفصيل بين كونه مختصاً أو مبهماً.

يعني اسم الزمان يقبل النصب على الظرفية، مبهماً كان نحو سرت لحظة، نقول: لحظة هذا ظرف زمان، ما نوعه مختص أو مبهم؟ مبهم، هل ضمن معنى فِي بِاطِّرَادٍ؟ نعم، ضمن معنى فِي بِاطِّرَادٍ، سرت ساعة كذلك مِثلُهُ، أو مختصاً إما بإضافة نحو سرت يوم الجمعة، اعتبره مضافاً، وبعضهم اعتبره علماً، أو بوصف سرت يوماً طويلاً، أو بعدد سرت يومين، أدخل العدد في المختص وهو أظهر.

وَمَا يَقْبَلُهُ الْمَكَانُ إلا مُبْهَمَا: اسم المكان كذلك نوعان: مختص ومبهم، قال: وَمَا يَقْبَلُهُ يعني النصب على الظرفية، الْمَكَانُ يعني اسم المكان، إِلَاّ مُبْهَمَا لا مختصاً، والمراد بالمختص هنا ما له صورة وحدود محصورة، أرض لها حدود لها أول وآخر، الدار المسجد البلد المدينة، نقول: هذه مختصة لها أول ولها آخر له أقطار وحدود.

إذاً ما كان له أقطار وحدود محصورة، نقول: هذا اسم مكان مختص كالمسجد والبلد والدار ونحو ذلك، والمبهم ما ليس كذلك ما ليس له أقطار محصورة، مثل أرض، الأرض هذه تصدق على الأرض كلها، ليس لها حدود، وقيل: هو ما افتقر إلى غيره في بيان صورة مسماة، وهذا سيأتي في الجهات والمقادير، أنه لا يبين المراد إلا بالتمييز أو ما بعدها، حينئذٍ هو مفتقر في بيان صورته وحقيقته ومسماه بما بعده.

إذاً ما كان مختصاً لا يصح نصبه على الظرفية، إذا كان اسم مكان مختص لا يصح نصبه على الظرفية، فإن جاء في لسان العرب ما هو منصوب وهو اسم مكان مختص، قلنا: هذا الذي ذكرناه سابقاً: سكنت الشام، الشام هذا محدود، دخلت البلد، نقول: هذا محدود، نقول: هذا يحفظ ولا يقاس عليه، هو شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، ولذلك الناظم بقوله: بِاطِّرَادٍ أخرجه، ولا نقول: هو منصوب على الظرفية، وإنما نقول: هو منصوب على التشبيه بالمفعول به، أو أصله مفعول به دخل عليه حرف جر فأُسقِط فانتصب على المفعولية، يعني مفعول به، إما هذا أو ذاك، وأما كونه ظرفاً، وحُمِل على الظرف المبهم، هذا فيه نوع تكلف، وإلا الأصل أن اسم المكان المختص لا ينتصب على الظرفية مطلقاً.

قال: وَمَا هذه نافية، وَكُلُّ وَقْتٍ قَابِلٌ ذَاكَ، وَكُلُّ هذا مبتدأ، وَقْتٍ هذا مضاف إليه، قَابِلٌ هذا خبر المبتدأ، كُلُّ وَقْتٍ قَابِلٌ، والفاعل ضمير مستتر هو، (ذَاكَ)، المشار إليه النصب على الظرفية؛ لأنه قال: فَانْصِبْهُ بِالْوَاقِعِ فِيهِ، فأعاد الضمير على ما سبق، على اسم الإشارة (ذاك)، و (ذَاكَ) مثل الضمير لا بد له من مرجع، والمرجع المراد به النصب على الظرفية المفهوم من قوله: فَانْصِبْهُ بِالْوَاقِعِ فِيهِ.

ص: 3

ثم قال: وَمَا يَقْبَلُهُ، (مَا) نافية، يَقْبَلُهُ الضمير يعود إلى النصب على الظرفية، الْمَكَانُ فاعل يقبل، إلا مُبْهَمَاً استثناء، وهذا حصر، يعني إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه، فلما كان اسم المكان على نوعين: مبهم ومختص، والذي يقبل النصب على الظرفية هو المبهم دون المختص حصره فيه، ونفاه عن المختص، فقال: وَمَا نافية، يَقْبَلُهُ الْمَكَانُ إلا مُبْهَمَا، هذا حال من الفاعل وهو الْمَكَانُ، إِلَاّ مُبْهَمَاً يعني: لا يقبل النصب على الظرفية المكان في حال من الأحوال إلا في حال كونه مبهماً.

نَحْوُ الجِهَاتِِ وَالمَقَادِيرِ وَمَا

صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ، الظاهر أن الناظم مثَّل للمبهم بثلاثة أشياء: أولاً الجِهَاتِِ، والثانيالمَقَادِيرِعلى قولٍ، الظاهر أنها عنده من المبهم، وَمَا صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ هذا إما أن يكون معطوفاً على الجِهَاتِِ، فحينئذٍ يكون داخلاً في المبهم، وإما أن يكون معطوفاً على (مُبْهَمًا)، فحينئذٍ صار المستثنى مما ينصب على الظرفية وهو مكان شيئان: أن يكون مبهماً، ويقابله قسم آخر وهو ما صيغ من الفعل، هذا محتمل، هذا وذاك، لكن إذا نظرنا في: مَا صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ هذا قد يكون مختصاً، جلست مجلس زيد، وجلست مجلساً، فحينئذٍ قد يكون مختصاً وقد يكون مبهماً، وإن كان الأكثر فيه الإبهام.

نَحْوُ الجِهَاتِِ: هذا مثال للمبهم، وهو ما ليس له أقطار تحويه، نحو الجهات الست، وكل لفظ دل على الجهات الست فهو داخل فيها، ليس المراد ألفاظاً ستة، لا، المراد كل ما دل على الجهات نحو أمام ووراء ويمين وشمال وفوق وتحت، وما أشبهها في الشياع كمكان وجانب، هذه كلها تدل على الجهات، ((وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)) [يوسف:76] فَوْقَ، نقول: هذه منصوب على الظرفية، وهو من الجهات الست، ((وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)) [يوسف:76]، ((قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا)) [مريم:24] تَحْتَكِ، نقول: هذا منصوب على الظرفية المكانية، ((وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ)) [الأنفال:42] هذا منصوب على الظرفية المكانية، ((وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ)) [الكهف:79] وَرَاءَهُمْ بالنصب على الظرفية المكانية، ((وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ)) فقال:((ذَاتَ الْيَمِينِ)) ثم قال: ((تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ)) [الكهف:17]، فحينئذٍ هذه الجهات الست نقول: من قبيل المبهم.

وَالمَقَادِيرِ: يعني ونحو المقادير، وهذا من المبهمات على رأي أحد المذاهب.

ص: 4

جَعْلُ المقادير من المبهم أحد مذاهب النحاة، وهذا ظاهر صنيع الناظم هنا، أنه مبهم، والثاني أنها من المختص؛ لأن فيها نوع علم نوع تحديد؛ لأن الميل مثلاً مقدار معلوم من المسافة وكذا البواقي، وقيل: غلوة، كيلو، متر، ونحو ذلك هذه معلومة لها أول ولها آخر، حينئذٍ هي معلومة المقدار، لكنها مجهولة الصفة، معلومة المقدار، الميل كم يسوى؟ الكيلو كم مقداره؟ نقول: هذه معلومة المقدار، لكن كيلو من أي شيء؟ من الأرض، من السمن، من العسل، من أي شيء، نقول: هذا مجهول الصفة، أما مقداره؛ الكيلو معلوم، وأما الصفة فهي مجهولة. إذاً تنازعه أمران، فقيل: أنه من المختص باعتبار أن له أول وآخر، له حدود، فحينئذٍ نقول: هذا شيء معلوم، لو قال: عندي كيلو، نقول: هذا معلوم المقدار، لكن كيلو من أي شيء، ما صفته؟ حصل نوع جهل.

إذاً المذهب الثاني: الناظم اختار أنه من المبهم مطلقاً، لم يعتبر معلومية المقدار، وإنما نظر إلى الصفة، والمذهب الثاني أنها من المختص؛ لأن الميل مثلاً مقدار معلوم من المسافة، وكذا البواقي.

والمذهب الثالث وصححه أبو حيان: أنها شبيهة بالمبهم من حيث إنها ليست شيئاً معيناً في الواقع، فإن الميل مثلاً يختلف ابتداؤه وانتهاؤه وجهته بالاعتبار، فهي مبهمة حكماً، يعني لو قيل: ميل، من أي شيء؟ له أول وآخر من حيث هو، لكن من أين ابتدأت الميل، من أي أرض، من أي بقعة، أين انتهاؤه؟ أين جهته؟ هذه مجهولة، حينئذٍ هو في نفسه مختص معلوم، ومن حيث الصفة هو مجهول، فأعطاه حكم المبهم، فقال: المبهم نوعان: مبهم حقيقة، ومبهم حكماً، المبهم حقيقة هو الجهات، والمبهم حكماً هو المقادير، هذا وسط، ويحتمل أن المصنف جرى على هذا وأراد بالمبهم ما يشمل المبهم حكماً.

نَحْوُ الجِهَاتِِ وَالمَقَادِيرِ: نحو غلوة وميل وفرسخ وبريد، نقول: جلست فوق الدار وسرت غلوة، فتنصبهم على الظرفية.

وَمَا صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ: هذا الثالث، وكما ذكرنا إما أنه داخل تحت المبهم، فيكون معطوفاً على قوله: الجِهَاتِِ، وإما أن يكون مبايناً –قسيماً- له، فحينئذٍ يكون معطوفاً على مُبْهَمًا، يحتمل هذا ويحتمل ذاك، معطوف على الجهات فيكون من المبهم، وقيل: من المختص، وعليه فيكون وَمَا صِيغَ معطوفاً على مُبْهَماً، والتقدير: إلا في حال كونه مبهماً أو مصوغاً من الفعل، جعلنا المستثنى شيئين، إذا جعلناه معطوفاً على مُبْهَمًا، وَمَا يَقْبَلُهُ الْمَكَانُ إلا مُبْهَمَا، وَمَا صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ، قسمان، وإذا جعلناه معطوفاً على الجِهَاتِِ، نَحْوُ الجِهَاتِِ وَالمَقَادِيرِ وَمَا، يكون معطوفاً على الجِهَاتِِ، فهو في محل جر، ما موصولة في محل جر، فحينئذٍ استثنى فقط المبهم، فنحكم على ما صيغ من الفعل، أنه مبهم مطلقاً بلا تفصيل، والأظهر أنه معطوف على (مُبْهَمًا).

وأما ما صيغ من المصدر نحو مجلس، مجلس زيدٍ ومقعده، فهذا مما توافق فيه المصدر والعامل، يعني: ما كان على وزن مَفعَل أم مَفعِل، كما سيأتي.

ص: 5

(وَمَا) يعني والذي، صِيغَ يعني أُخذ، اشتُق، مِنَ الْفِعْلِ، مِنَ الْفِعْلِ، هل الفعل أصل في الاشتقاق؟ مَا صِيغَ يعني: ما اشتق من الفعل، هل ظاهر العبارة مراد مَا صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ يعني ما اشتق؟ نقول: قام صيغ من القيام، وأكل صيغ من الأكل، يعني: أخذ من المصدر، وهذا الذي ذهب إليه الناظم: وَكَوْنُهُ أَصْلاً لِهذَيْنِ انْتُخِبْ. إذا عُلِم ذلك فحينئذٍ إذا جاءت مثل هذه العبارات، لا نقول: وظاهر كلام الناظم أن ما صيغ من الفعل مشتق من الفعل، لا، وإنما نقدر له مضافاً يناسب مذهبه، مَا صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ من مادة الفعل، ومادة الفعل تدل على المصدر كما سبق، فلا بد من التقدير، ما صيغ من مادة الفعل العامل فيه كمرمى من مادة رمى، مرمى ليس مشتقاً من رمى؛ لأن رمى فعل، ومرمى اسم مكان، فحينئذٍ لا يشتق من الفعل، وإنما يشتق من المصدر، فإذا كان كذلك فلا بد من التأويل، ولا نقول: ظاهره أنه مشتق من الفعل، وهو خلاف الصواب، بل نقول: ظاهر كلام الناظم يوافق ما اختاره سابقاً: وَكَوْنُهُ أَصْلاً لِهذَيْنِ انْتُخِبْ، والأحكام تؤخذ من مظانها، هذه قاعدة حتى في الشرع، إذا اشتبه أمر، حكم بحكم، وعندنا ما فصَّل الحكم في محله، فحينئذٍ إذا التبس واحتمل يكون ما سيق لبيان الأحكام الشرعية في محله في مظانه مقدماً على غيره، إذا جاء حكم شرعي حديث كامل يتحدث عن بيع العينة مثلاً، وجاء حديث آخر في فضائل أو في أحكام أخرى، وفيه إشارة محتملة إلى ما يخالف الآخر، لا نقول: هذا يعارض ذاك، بل نقول: ذاك مقدم، الخالص الذي سيق في محله مقدم على ما هو محتمل، وهذا له أمثلة كثيرة.

إذاً: وَمَا صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ يعني من مادة الفعل، كَمَرْمَى مِنْ رَمَى، يعني: من مادة رمى، ومرمى هذا اسم مكان على وزن مَفعَل، وَمَا صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ كَمَرْمَى مِنْ رَمَى، قال: وأما ما صيغ من المصدر نحو مجلس زيد ومقعده، فشرط نصبه قياساً أن يكون عامله من لفظه، لا بد أن يتفقا:

وَشَرْطُ كَوْنِ ذَا مَقِيسَاً أَنْ يَقَعْ

ظَرْفاً لِمَا فِي أَصْلِهِ مَعَهْ اجْتَمَعْ

ص: 6

يعني: لا بد أن يكون العامل فيه ما اجتمع معه في الاشتقاق، جلست مجلس زيد، جلست ومجلس اتفقا في الحروف، أما جلست مقعد زيد لا، لا يصح، لماذا؟ لعدم التوافق في المادة، لا بد أن يكون العامل المسلط على ما صيغ من الفعل، ما كان على وزن مفعَل، لا بد أن يكون العامل فيه من لفظه، جلست مجلس زيدٍ، صحيح، وهو منصوب وهو قياسي، جلست مقعد زيد، لا، نقول: هذا لا يصح، لا يصح نصبه على الظرفية، لماذا؟ لفقد الشرط وهو كونه لم يجتمع مع العامل فيه في أصله، يعني في المادة التي اشتق منها، وشرط نصبه قال: قياساً أن يكون عامله من لفظه، نحو قعدت مقعد زيد، وجلست مجلس عمرو، فلو كان وأنا جالس مجلس زيد، جالس مجلس، وافقه وهو نوعه اسم فاعل، جالس مجلس زيد، قاعد مقعد زيد، وهَلُمَّ جرًّا، وأعجبني جلوسك مجلس زيد، قعودك مقعد زيد، العامل فيه المصدر، قد يكون العامل فيه الموافق له في حروفه مادته، قد يكون فعلاً وقد يكون اسم فاعل وصفاً، وقد يكون مصدراً، قعدت مقعد زيد وجلست مجلس عمرو، فلو كان عامله من غير لفظه تعين جره بـ (في)، جلست في مرمى زيد، ولا يصح أن تقول: جلست مرمى زيد، لا يصح هذا، لا يوافق اللسان العربي، وإنما تقول: جلست في مجلس زيد، جلست في مقعد زيدٍ، ليس في مجلس زيد، إذا اختلفا في المادة حينئذٍ وجب جره بـ (في)، فلا تقول: جلست مرمى زيد إلا شذوذاً، وقد ورد ذلك في قولهم: هُوَ مِنِّى مَقْعَدَ القَابِلَةِ، مقعدَ بالنصب أين عامله؟ ومَزْجَرَ الكَلْبِ ومَنَاطَ الثّرَيَّا، أي: كائن مقعد القابلة، إذاً كائن هو العامل، ومقعد هنا منصوب على الظرفية نقول: شذوذاً، لماذا؟ لفقد شرط القياس، فإنما يصح القياس فيما إذا اتفقا العامل والمعمول في الحروف، فإن اختلفا ونصب على الظرفية نقول: هذا شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه، إن أردت استعماله ابتداءً فجُره بـ (في)، من أجل أن توافق ما جرى، وفي مَزْجَرَ الكَلْبِ، أي كائن مقعد القابلة ومزجر الكلب ومناط الثريا، هذا كله متعلق بمحذوف ليس من لفظ المذكور، فحينئذٍ نقول: نصبه على ذلك يعتبر شاذاً يحفظ ولا يقاس عليه، والقياس هو مني في مقعد القابلة، وفي مزجر الكلب وفي مناط الثريا، يعني بالتصريح بـ (في)، ولكن نُصب شذوذاً، وعامله الاستقرار وليس مما اجتمع معه في أصله، ولا يقاس عليه خلافاً للكسائي.

وإلى هذا أشار بقوله:

وَشَرْطُ كَوْنِ ذَا مَقِيسَاً أَنْ يَقَعْ

ظَرْفاً لِمَا فِي أَصْلِهِ مَعَهْ اجْتَمَعْ

شَرْطُ: لا بد من تحققه، ما يلزم من وجوده الوجود، ولا يلزم من عدمه عدم.

وَشَرْطُ: هذا مبتدأ وهو مضاف وكَوْنِ مضاف إليه، ذَا: هذا اسم الكون، مَقِيسَاً خبر الكون، وَشَرْطُ مبتدأ أن يقع وقوعه ظَرْفاً نقول: أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر المبتدأ، وَشَرْطُ كَوْنِ ذَا المشار إليه المصوغ من مادة الفعل مَرْمَى، شَرْطُ كَوْنِ ذَا مَقِيسَاً، والقياس معناه أن يكون مطرداً، أن تستعمله في كلامك المنثور دون أن تقف على ما سمع في لسان العرب، وَشَرْطُ كَوْنِ ذَا مَقِيسَاً، مَقِيسَاً يقاس عليه:

إِنَّمَا النَّحْوُ قِيَاسٌ يُتَّبَعْ

وَبِهِ فِي كُلِّ عِلْمٍ يُنتَفَعْ

ص: 7

وَشَرْطُ كَوْنِ ذَا مَقِيسَاً، هذا قلنا: خبر، أَنْ يَقَعْ ظَرْفاً هذا حال من فاعل يقع، لِمَا متعلق بِهِ، يعني لفعل، لِمَا اسم موصول بمعنى الذي يصدق على فعل، لِمَا لفعلٍ اجْتَمَعْ معه في أصله، ما المراد بالأصل؟ فِي أَصْلِهِ المراد به الحروف الأصلية، التي تكون قدراً مشتركاً بين المصدر والفعل، وسبق معنا أن الفعل يدل على المصدر بمادته، يعني: بحروفه، الفعل يدل على الفعل بمادته يعني بحروفه، إذا قلت: قام مشتق من القيام هكذا من رأسك أم بدليل؟ الأول أم الثاني؟ الثاني لا شك بدليل، ما الدليل؟ نقول: اجتماعه معه مع المصدر القيام؛ لأن القيام هذا محفوظ في لسان العرب، القيام والصوم والأكل والمشي والنوم والشرب، هذه محفوظة مصادر، حينئذٍ كون شرب مشتقاً من الشرب نقول: هذا دل عليه المادة وهي الحروف، هنا قال: ظَرْفاً لِمَا اجْتَمَعْ، هذه صلة ما، لِمَا اجْتَمَعْ مَعَهْ هذا متعلق بـ اجتمع، فِي أَصْلِهِ يعني في الحروف الأصلية، أي لما اجتمع معه في أصل مادته، هذا التركيب، لما يعني الذي، اجتمع معه في أصل مادته، أي: وشرط كون نصب ما اشتق من المصدر مقيساً أن يقع ظرفاً لما اجتمع معه في أصله، أي: أن ينتصب بما يجامعه في الاشتقاق من أصل واحد، كمجامعة جلست بمجلس في الاشتقاق من الجلوس، وأصلهما واحد وهو الجلوس.

قال ابن عقيل: وظاهر كلام المصنف أن المقادير وما صيغ من الفعل مبهمان، نحو الجهات متفق عليه، لذلك قال: نَحْوُ الجِهَاتِِ وَالمَقَادِيرِ وَمَا صِيغَ، الجهات لا إشكال فيها، وأما المقادير وما صيغ من الفعل قال: ظاهر كلام الناظم أنه مبهمان، أما المقادير فمذهب الجمهور أنها من الظروف المبهمة، وافق الجمهور؛ لأنها وإن كانت معلومة المقدار فهي مجهولة الصفة.

إذاً لم يلتفتوا إلى كونها معلومة المقدار، وإنما نظروا إلى كونها مجهولة الصفات، حينئذٍ جعلوها مبهمة حقيقة، ورأي أبي حيان هناك وجيه، أن تجعل مبهمة حكماً، بمعنى أنه لا يتجاهل كونها مختصة من حيث المقدار، لأنها معلومة، الميل معلوم والفرسخ معلوم والبريد معلوم ولها أول ولها آخر، وهذا حقيقة المختص، فحينئذٍ نقول: كونها مجهولة الصفة لا يخرجها عن كونها مختصة، وكونها مختصة لا يجعلها مختصة مع جهلنا بالصفة، فنعطيها حكماً وسطاً وهي كونها مبهمة حكماً، وذهب أبو علي الشلوبين إلى أنها ليست من الظروف المبهمة؛ لأنها معلومة المقدار كما سبق أنه هو المذهب الثاني.

وأما ما صيغ من المصدر فهذا قد يكون مبهماً وقد يكون مختصاً، إذا أضفته حصل له اختصاص جلست مجلس زيدٍ، هذا واضح أنه مختص، كما تقول: هناك يوم الخميس جعلته مختصاً بالإضافة، هذا مثله، زيد هذا علم، ومجلس هذه نكرة، استفاد التعريف، إذاً هو مختص، وهذا حقيقة المختص، جلست مجلساً هذا مبهم؛ لأنه لم يضف، وظاهر كلامه أيضاً أن مرمى مشتق من رمى، وليس هذا على مذهب البصريين، كيف ليس هذا؟! هو قرر في السابق هذا،

ص: 8

قال: وَكَوْنُهُ أَصْلاً لِهذَيْنِ انْتُخِبْ، صرح به، وهذا محتمل، فكيف نقول: هذا ليس على مذهب البصريين؟ فإن مذهبهم أنه مشتق من المصدر لا من الفعل، الصواب أن كلامه فيه احتمال نعم لكن مُفسَّر بما سبق، يعني: الاحتمال الوارد بقوله: وَمَا صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ لا نجعله مخالفاً لما ذهب أولاً، بل ما ذهب إليه أولاً هو المحكم، وهذا متشابه، فنحمل المتشابه على المحكم، فنقدر له مضاف هنا من مادة الفعل.

إذا تقرر أن المكان المختص وهو ما له أقطار تحويه لا ينتصب ظرفاً فاعلم أنه سُمِعَ نصب كل مكان مختص مع دخل وسكن، مع فعلين: دخل وسكن، ونصب الشام مع ذهب، دخلت البيت وسكنت الدار وذهبت الشام، واختلف الناس فيه على ثلاثة مذاهب ذكرناها في السابق، وزاد بعضهم مذهباً رابعاً، الصواب منها أنها منصوبة على المفعول كما قال ابن مالك -رحمه الله تعالى-: مفعول به بنزع الخافض، ولا إشكال فيه.

إذاً وَكُلُّ وَقْتٍ قَابِلٌ ذَاكَ، يعني: ينصب على الظرفية، اسم الزمان بنوعيه المختص والمبهم، وَمَا يَقْبَلُهُ الْمَكَانُ إلا مُبْهَمَا وما صيغ من الفعل فهو شيئان، والجهات والمقادير، نقول: الجهات هذا مبهم حقيقةً، والمقادير هذا مبهم حكماً، وَمَا صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ نقول: هذا قد يكون مبهماً وقد يكون مختصاً، وَشَرْطُ كَوْنِ ذَا مقِيساً أن يكون موافقاً للعامل فيه.

بقي مسألة وهي متى نقول: مَفعَل -يعني اسم الزمان واسم المكان-؟ هذه مبحثها في فن الصرف، لكن نذكرها باختصار تتميماً للباب، اسم الزمان والمكان من الثلاثي على وزن مَفعَل، وقد يأتي على وزن مَفعِل، متى يكون على وزن مَفعَل بفتح الميم وإسكان الفاء وفتح العين مَفعَل، إن كان المضارع مضموم العين أو مفتوحها، متى يكون مضموم العين؟ إذا كان ماضيه فَعَل أو فَعِل؛ لأن فَعَل يأتي منه المضارع على ثلاثة أنواع: فَعَل يَفعَل، وفَعَل يَفعِل وفَعَل يَفعُل، وفَعِل يأتي منه المضارع على اثنين فَعَل يَفعِل، هذا على خلاف القياس وفَعِل يَفعَل بالفتح، ولم يرد فَعِل يَفعُل، وفَضِل يَفضُل شاذ، أو من تداخل اللغتين، وفَعُل لم يسمع فيه إلا يَفعُل، فَعُل يَفعُل، ولم يسمع فيه فَعُل يَفعِل، ولا فَعُل يَفعَل، وما سمع من ذلك فهو شاذ، رحبتك الدار.

إذاً نقول: إن كان المضارع مضموم العين، وهذا فيما إذا كان ماضيه فعُل أو فعَل، هل مضموم العين يأتي من فَعِل؟ مضموم العين يَفعُل ليس له إلا ماضيان،: فعَل وفعُل فقط، ليس له إلا ماضيان، ولذلك قد يستدل بالمضارع على الماضي كما ذكرناه في كان، قلنا: كان هذا محتمل أنه كَوَن، كَوِن كَوُن، يحتمل؛ لأن الألف هذه منقلبة عن واو، طيب كيف نستدل كيف نصحح كيف نعرف؟ ننظر في المضارع، فحينئذٍ المضارع يَكُونُ أصله يَكْوُنُ: يفعُل، إذاً يفعُل ليس من باب فَعِل، إذاً يمتنع أن يكون كان كَوِن، سقط، بقي كَوَن أو كَوُن، فَعَل يَفعُل هذا يكون في اللازم الذي يدل على السجايا والأفعال الطبيعية الخلقية، وليس كان منها، بل قيل: أنها لا تدل على حدث أصلاً، إذاً سقط فعُل كوُن، بقي بقي كوَن، فنستدل بالمضارع على حركة عين الماضي.

ص: 9

الحاصل: إن كان المضارع مضموم العين أو مفتوحها أو معتل اللام مطلقاً، سواء كان مضمومها أو مفتوحها أو مكسورها، كمنصَر، منصَر أصله نَصَر يَنصُر، إذاً مضموم العين ينصر يفعُل وماضيه فعَل، حينئذٍ يأتي منه اسم المكان واسم الزمان على وزن مفعَل، كمنصَر، مذهب: ذهب يذهب على وزن يفعَل، إذاً هو مفتوح العين، كذلك: مرمى رمى يرمي، هذا من معتل اللام مطلقاً، ولو كان مكسور العين يَرمِيُ يَفعِلُ، هذا الأصل فيه، فحينئذٍ نقول: جاء منه اسم الزمان واسم المكان على وزن مفعَل، بفتح العين، وموقى، وقى يقي، مثل وعد يعِد، حينئذٍ نقول: هذا جاء على وزن مفعَل، ومسعى سعَى يسعَى، ومقام قام يقوم، ومخاف خاف يخاف، ومرضى، إذا قيل: خاف أصله مَخْوَف، صار على وزن مخاف، أصله مَخْوَف، أُرِيدَ قلب (الواو)(ألفاً)، فحصل فيه ما حصل في يقال هنا، فحينئذٍ ألقيت الحركة إلى ما قبلها، وقيل: تحركت باعتبار الآن، وسكن ما قبلها باعتبار الأصل، يعني بالنظرين، فقلبت (الواو)(ألفا).

وعلى مفعِل .. إذاً على مفعَل إذا كان مضموم العين في المضارع أو مفتوح أو معتل اللام مطلقاً، سواء كان مضمومها أو مفتوحها أو مكسورها، وأما على وزن مفعِل، إن كانت عين مضارعه مكسورة، أو مثالاً مطلقاً، في غير معتل اللام؛ لأن معتل اللام السابق قلنا: يأتي منه على وزن مفعَل، كمجلِس جلس يجلس، يجلس على وزن يَفعِل، حينئذٍ يأتي اسم الزمان والمكان منه مجلس، ومبيع وموعد وميسر وموجب، ومن غير الثلاثي يكون وزنه وزن المفعول مكرم ومستخرج ومستعان.

ثم قال:

وَمَا يُرَى ظَرْفَاً وَغَيْرَ ظَرْفِ

فَذَاكَ ذُو تَصَرُّفٍ فِي الْعُرْفِ

وَغَيْرُ ذِي التَّصَرُّفِ الَّذِي لَزِمْ

ظَرْفِيَّةً أَوْ شِبْهَهَا مِنَ الْكَلِْمِ

هذا سبق معنا أن الظرف ينقسم إلى نوعين: متصرف وغير متصرف، المتصرف هو الذي يخرج عن الظرفية، بمعنى أنه قد يأتي مبتدأ، قد يأتي فاعلاً، قد يأتي نائب فاعل، اسم إن، خبر إن .. إلى آخره، يأتي في جميع المواضع، أو في جملتها، نقول: هذا ظرف متصرف، صمت يوماً، هذا ظرف، نجد أن يوماً هذا يأتي مبتدأ ويأتي خبر ويأتي مفعول به، حينئذٍ نقول: هذا متصرف، والذي يلزم الظرفية ولا يخرج عنها البتة، مثل: إذا وقط وعَوضُ، هذه أبداً لا تجر لا بمن ولا بغيرها، ولا تقع لا مبتدأ ولا خبراً ولا ولا .. إلى آخره، جميع المحال منفية عنها، فحينئذٍ نقول: هذا ملازم للظرفية.

بقي نوع وهو ما يخرج عن الظرفية إلى شيء واحد وهو الجر، ثم الجر ليس بكل حرف بل بحرف واحدٍ وهو مِن، وهو قبل وبعد ولدن وعند، هذه تخرج عن الظرفية، فحينئذٍ تجر بـ (من)، من قبل، من بعد، حينئذٍ دخلت عليها من، من لدن، من عند:

وَعِندَ فِيهَا النَّصْبُ يَستَمِرُّ

لَكِنَّهَا بِمِنْ فَقَطْ تُجَرُّ

هذا يعبر عنه بأنه متصرف أو غير متصرف؟ إن جعلنا القسمة ثنائية قلنا: غير متصرف، ونجعل غير متصرف منه ما هو خارج عن الظرفية إلى الجر بمن فقط، وإن جعلناها ثلاثة أقسام: متصرف، ملازم للظرفية لا يخرج عنها أصلاً، ما هو شبيه بالظرف، يعني ما هو ملازم للظرفية أو شبهها.

وَمَا يُرَى ظَرْفاً وَغَيْرَ ظَرْفِ

فَذَاكَ ذُو تَصَرُّفٍ فِي الْعُرْفِ

ص: 10

وهذا تعريف واضح بين، ابن مالك في بعض الأبيات قراءتها شرحها، فحينئذٍ نمرها.

وَمَا يُرَى: والذي هذا مبتدأ، يُرَى مغير الصيغة، ظَرْفاً مفعول ثاني لـ يُرَى، يُرَى ظَرْفاً وَغَيْرَ ظَرْفِ، فَذَاكَ (الفاء) هذه ما نوعها؟ هذه مراراً وقفنا معها، المبتدأ إذا كان صيغة عموم أو فيه معنى العموم، حسُن أن يدخل في المبتدأ الفاء تشبيهاً له بالشرط، الذي يأتيني فله درهم، (الفاء) هذه رابطة، رابطة للخبر بالمبتدأ، لما في المبتدأ من معنى عموم، إما أن يكون لفظه لفظ عموم ككل والذي، وإما أن يكون فيه معنى العموم، وهنا (مَا) اسم موصول بمعنى الذي، فهي من صيغ العموم، لاشك، حينئذٍ وقوع (الفاء) في جوابها، استحساناً، جوازاً لا وجوباً، وأما وقوعها في الشرط على التفصيل فهذا واجب.

وَمَا يُرَى ظَرْفاً: ظَرْفاً هذا مفعول ثاني، وَغَيْرَ ظَرْفِ، مَا يُرَى ظَرْفاً وما يرى من أسماء الزمان والمكان ظرفاً تارة وغير ظرف أخرى، هكذا حل البيت، وما يرى من أسماء الزمان والمكان ظرفاً تارة وغير ظرف أخرى؛ لأنه لا يرى ظرفاً وغير ظرف في وقت واحد، (الواو) تدل على مطلق الجمع، فلو كنا ظاهرية وقفنا مع النص، لقلنا: وما يرى ظرفاً وغير ظرف في وقت واحد، نقول: لا، ليس هذا المراد، بل لا بد من فك الجهتين؛ لأنه يمتنع أن يكون ظرفاً وغير ظرف في وقت واحد، كيف يكون ظرفاً على معنى فِي بِاطِّرَادٍ ثم لا يكون ظرفاً لا على معنى في؟ تناقض، فلا بد من فك الجهة.

وَمَا يُرَى ظَرْفاً تارة وَغَيْرَ ظَرْفٍ أخرى، فَذَاكَ الفاء رابطة للخبر بالمبتدأ، فَذَاكَ أي الذي يكون ظرفاً وغير ظرف بالاعتبار السابق مبتدأ ثاني، ذُو يعني صاحب، تَصَرُّفٍ هذا خبر المبتدأ الثاني، والجملة المبتدأ والخبر في محل رفع خبر المبتدأ الأول، وهو (مَا).

فِي الْعُرْفِ ما أعرابه؟ تصرف في العرف متعلق به، إذا أشكل عليك انظر في ما يتمم المعنى، لو قيل: فَذَاكَ ذُو تَصَرُّفٍ فِي الْعُرْفِ، فذاك في العرف ذو تصرف، فَذَاكَ ذُو تَصَرُّفٍ فِي الْعُرْفِ، يحتمل هذا وذاك؛ لأن اسم الإشارة يكون متعلقاً للجار والمجرور والظرف، وتصرف هذا تفعل مصدر، وهو كذلك يكون متعلقاً للجار والمجرور، هذا جائز وهذا جائز، لكن تعليقه بالتصرف هو أولى.

فِي الْعُرْفِ، يعني: عرف النحاة كيوم ومكان، يوم هذا نقول: متصرف، ومكان هذا كذلك نقول: متصرف، تقول: سرت يوماً، وجلست مكاناً، هذا منصوب على الظرفية الزمانية والمكانية، ويستعمل مبتدأ، يومُ الجمعة يومٌ مبارك، ومكانُك حسنٌ، رفع بالابتداء، إذاً صار مبتدأً، وجاء فاعلاً، جاء يومُ الجمعة، وارتفع مكانُك، إذاً تبدل باعتبار المحال، فلما خرج عن الظرفية إلى الابتداء والفاعل .. إلى آخره، حينئذٍ حكمنا عليه بأنه متصرف.

ص: 11

وَغَيْرُ ذِي التَّصَرُّفِ الَّذِي لَزِمْ ظَرْفِيَّةً، وَغَيْرُ ذِي صاحب التَّصَرُّفِ منهما -أسماء الزمان والمكان- الَّذِي لَزِمْ ظَرْفِيَّةً، كقط وعوض، أَوْ للتنويع والتقسيم، شِبْهَهَا أو لزم ظرفية أو شبهها، لو عطفناه على ظرفية شبهَها بالنصب، لو قلنا:(أو) حرف عطف، وشبهَها معطوف على ظرفية فسد المعنى، لأن (أو) هنا للتقسيم، فالثاني يقابل الأول، طيب كيف يكون المعنى؟ الذي لزم ظرفية، ثم الذي لزم شبه الظرفية، ولم يكن ظرفاً، هل هذا مراد؟ عند تكون ظرفية، وتكون شبه ظرف، متصرفة، وشبه المتصرفة، لو قلنا:(أو) شبهها هكذا دون تقدير لصار القسمة ثنائية: ظرفية ثم شبه الظرفية، إذاً عند ولدن وقبل وبعد لا تكون إلا شبه ظرف، وليس هذا مراد؛ لأنها تكون ظرفية، إذا لم تجر بمن، وتكون شبيهاً بالظرف إذا جرت بمن، هذا المراد. إذاً أَوْ شِبْهَهَا نقول: هذا معطوف على منصوب محذوف مع عامله، أو لزم ظرفية أو شبهها، معطوف على محذوف تقديره: أو لزم ظرفية أو شبهها، وهو عند ونحوه، فإنه يلزم أحد هذين الأمرين، إما هذا أو ذاك، ولا يجوز أن يكون معطوفاً على ظرفية المنصوبة المنطوق بها، إذ يلزم عليه أنه يلزم شبه الظرفية فقط، وهذا معنى فاسد، انظر الإعراب له أثر في المعنى، لو قلت: ظرفية أو شبهها أو حرف عطف شبهها معطوف على ظرفية، والمعطوف على المنصوب منصوب، فسد المعنى، ولذلك الصناعة النحوية مرتبطة بالمعنى، ولن تجيد إذا أردت المعاني في فن النحو إلا بدراسة البلاغة معه، متلازمان، يعني: لن تفهم حقيقة الفهم وتخرج عن الظاهرية في الإعراب، لن تكون كذلك إلا إذا درست علم المعاني على جهة التفصيل.

وَغَيْرُ ذِي التَّصَرُّفِ الَّذِي لَزِمْ ظَرْفِيَّةً، هذا النوع الأول، يعني: لا يخرج عن النصب على الظرفية البتة، لا يدخل عليه مِن ولا غيرها، لا يكون مبتدأ ولا فاعل ولا خبر ولا ولا .. إلى آخره، جميع المحال التي يكون فيها المتصرف قط وعوض وإذا، لا تكون كذلك.

أو لَزِمْ ظَرْفِيَّةً أَوْ شِبْهَهَا، وهو ما خرج عن الظرفية إلى شيء واحد وهو الجر بـ (من)، لأن الجر هذا تصرف، نوع تصرف، ثم الأصل فيه أنه يجر بكل حرف، لكن لما جر بـ (مِن) على جهة الخصوص، قلنا: هذا نوع قصور، فلم يتصرف كامل التصرف، لا في الجر، في الخروج إليه، ولا في كونه يقع مبتدأ وما ذكر.

ظَرْفِيَّةً أَوْ شِبْهَهَا مِنَ الْكَلْمِ: هذا متعلق بشبهها، ويكون الكلم واقع على (مِن)، ويجوز أن يتعلق بالظرفية، فيكون الكلم واقع على الظرف، يعني التي تستعمل أو شبهها.

غير المتصرف هو الملازم للظرفية، إذا جعلناهما قسمين وهو أولى: متصرف وغير متصرف، غير متصرف هو الملازم للظرفية، وهو على نوعين: ما لا يخرج عنها أصلاً كـ قط وعوض، تقول: ما فعلته قط، ولا أفعله عوض، قط لما مضى، وعوض للمستقبل، ولها شروط، وما يخرج عنها إلى شبهها وهو الجر بالحرف (مِن) خاصة، نحو قبل وبعد ولدن وعند، فهي غير متصرفة مع أن (مِن) تدخل عليهن، ثم الظرف المتصرف، منه المنصرف ومنه غير المنصرف، والظرف غير المتصرف منه المنصرف وغير المنصرف.

ص: 12

إذاً كل منهما يدخله الصرف وعدمه، يعني: ينون يأتيه التنوين، ينون وقد لا ينون، والأكثر فيهما -في النوعين- أن يكونا منصرفين.

ثم الظرف المتصرف، منه منصرف كيوم وشهر وحول، ومنه غير منصرف وهو غدوة وبكرة علمين لهذين الوقتين قصد بها التعيين أو لم يقصد، ولا ثالث لهما، قليل متصرف غير المنصرف لم يحفظ إلا غدوة وبكرة، ولا ثالث لهما، قاله في شرح التسهيل: وزِيدَ ضحوة فإنها لا تنصرف للعلمية والتأنيث.

والظرف غير المنصرف، منه منصرف وغير منصرف، فالمنصرف نحو سحر وليل ونهار وعشاء وعتمة ومساء وعشية، غير مقصود بها كلها التعيين، وغير منصرف نحو سحر مقصوداً به التعيين، ومن العرب من لا يصرف عشيةً في التعيين.

إذاً الحاصل أن المنصرف المتصرف وغير المتصرف كل منهما ينقسم إلى منصرف، يعني: يدخله التنوين، وقد لا يدخله التنوين، والمطرد أن يكون منصرفاً إلا في ألفاظ محفوظة.

قال في الشرح: والذي لزم الظرفية أو شبهها: عند ولدن، والمراد بشبه الظرفية أنه لا يخرج عن الظرفية إلا باستعماله مجروراً بـ (مِن) خاصة دون غيرها، نحو خرجت من عند زيد:

وَعِندَ فِيهَا النَّصْبُ يَستَمِرُّ

لَكِنَّهَا بِمِنْ فَقَطْ تُجَرُّ

ولا تجر (عند) إلا بـ (مِن) فلا يقال: خرجت إلى عنده، وقول العامة: خرجت إلى عنده، خطأ، العامة كاسمهم.

وَقَدْ يَنُوبُ عَنْ مَكَانٍ مَصْدَرُ

وَذَاكَ فِي ظَرْفِ الزَّمَانِ يَكْثُرُ

عرفنا اسم الزمان واسم المكان، ظرف الزمان وظرف المكان، قَدْ يَنُوبُ عنهما مصدر، قَدْ يَنُوبُ عنهما في ماذا؟ في النصب على الظرفية، كما نيب هناك في باب المفعول المطلق، قد ينوب المصدر هناك، وافْرَحْ الجَدَلِ على رأي ابن مالك، ناب المصدر مناب المفعول المطلق، فهو مصدر، وافْرَحْ الجَدَلِ، قعدت جلوساً، جلست قعوداً، هذا عند ابن مالك رحمه الله من باب النيابة، هنا قَدْ يَنُوبُ المصدر عن ظرف الزمان، وقد ينوب عن ظرف المكان إلا أنهما ليسا على مستوى واحد، بل بعضها مقيس، وبعضها سماعي، وَقَدْ يَنُوبُ عَنْ مَكَانٍ يعني عن ظرف مكان لا بد من التقدير، ليس عن لفظ مكان، وإنما عن ظرف مكان، مَصْدَرُ، قَدْ يَنُوبُ: قَدْ للتقليل، قد ينوب مصدر عن ظرف مكان، فينتصب بانتصابه على الظرفية، فنقول: هذا مصدر ناب مناب الظرف -ظرف المكان-، حينئذٍ نقول: هو منصوب على الظرفية: جلست قرب زيدٍ، أصل التركيب: جلست مكانَ قربِ زيدٍ، حذف مكان وهو المضاف، مكان منصوب على الظرفية، جلست مكانَ منصوب على الظرفية؛ لأنه بمعنى في، جلست في مكان، حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، فانتصب انتصابه، فحينئذٍ نقول: جلست قرب زيد، قرب نقول: منصوب على الظرفية المكانية، أصالة أو بالنيابة؟ بالنيابة، أي: مكانَ قربِ زيد، فحذف المضاف وهو مكان، وأقيم المضاف إليه مقامه، فأعرب إعرابه وهو النصب على الظرفية، ولا ينقاس ذلك لقلته.

إذاً هو سماعي، في باب ظرف المكان سماعي لا يقاس عليه، فتقول: جلست قرب زيد لا إشكال؛ لأنه سمع، فتلفظ بما نقل، وما لم ينقل حينئذٍ تتركه:

..............................

فَمَا أُبِيحَ افْعَلْ وَدَعْ مَا لَمْ يُبَحْ

ص: 13

فلا تقل: آتيك جلوس زيد، يعني مكان جلوس زيد، لماذا؟ لأنه لم يسمع، لم تنطق العرب بقولهم: آتيك جلوس زيد.

وَذَاكَ فِي ظَرْفِ الزَّمَانِ يَكْثُرُ: وَذَاكَ ما هو؟ ينوب مصدر عن ظرف الزمان، إنابة المصدر عن ظرف الزمان يكثر في لسان العرب، وإذا كثر الشيء صار مقيساً، إذاً يقاس عليه، بخلاف إنابة المصدر عن ظرف المكان، فحينئذٍ يكون سماعياً.

وَذَاكَ يَكْثُرُ: وَذَاكَ مبتدأ، يَكْثُرُ خبر، فِي ظَرْفِ الزَّمَانِ يحتمل، ذَاكَ أي المشار، هذا فيه معنى الفعل دون حروفه، ويتعلق به جار ومجرور، ذَاكَ فِي ظَرْفِ الزَّمَانِ، يكثر في ظرف الزمان، يحتمل هذا وذاك، لكن أيهما أليق بالمعنى؟ يكثر في ظرف الزمان، الذي هو إنابة المصدر عن ظرف الزمان كثير.

وَقَدْ يَنُوبُ عَنْ مَكَانٍ مَصْدَرُ، قلنا: قد للتقليل، ثم قال: وَذَاكَ فِي ظَرْفِ الزَّمَانِ يَكْثُرُ دل على أن قَدْ قطعاً محمولة على التقليل، فحينئذٍ نفسر المعنى -معنى قد- وهي حرف مشترك نفسره بالتقليل، ويكثر إقامة المصدر مقام ظرف الزمان، نحو: آتيك طلوع الشمس وقدوم الحاج وخروج زيد، أيضاً على حذف مضاف، والأصل: وقت طلوع الشمس ووقت قدوم الحاج، ووقت خروج زيد، وحذف المضاف، وأعرب المضاف إليه بإعرابه، وهو مقيس في كل مصدر، لكن شرطه إفهام تعيين وقت أو مقدار، ليس على إطلاقه، لابد أن يكون المعنى واضحاً، يعني: أن يفهم، إذا قلت: آتيك طلوع الشمس، لا بد أن يفهم تعيين وقت أو مقدار، نحو: كان ذلك خَفوق النجم، أي: غروب الثريا، وطلوع الشمس، وانتظرته نحر جزور، يعني: وقت أو مقدار، وحلب ناقة، أي: مقدار حلب ناقة، والأصل وقت خَفوق النجم، ووقت طلوع الشمس ومقدار، -مقدار انظر-، لم نقل: وقت، وإنما قلنا: مقدار نحر جزور، ومقدار حلب ناقة، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، وهنا ذكر المصدر مما ينوب عن اسم الزمان واسم المكان، وليس خاصاً بالمصدر، بل ينوب عنه أيضاً صفته وعدده وكليته أو جزئيته، جلست طويلاً من الدهر شرقي مكان، ما نوعه؟ أين الإنابة هنا؟ أين حصلت؟ في أي لفظ؟ جلست طويلاً من الدهر شرقي مكان، هذا مما ناب فيه الصفة عن الظرف، وسرت عشرين يوماً، عشرين نقول: هذا ناب العدد فيه عن ظرف الزمان، سرت عشرين بريداً، مشيت جميع اليوم، جميع هذا ناب عن الزمان، مشيت جميع البريد، مكان، كل اليوم، بعض اليوم، كل البريد، بعض البريد، نقول: هذا مما ينوب، لكن القاعدة أنه ينوب عنه صفته وعدده وكليته أو جزئيته، كل، لفظ كل يعني وبعض، وكما سبق أنه إذا أضيف إلى المصدر صار معناه مصدراً، وإذا أضيف إلى اسم الزمان كل يوم كل مكان صار ظرف زمان أو ظرف مكان، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

!!!

ص: 14