المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * بيان العلامة الثالثة للإسم (النداء) إلخ * بيان العلامة - شرح ألفية ابن مالك للحازمي - جـ ٧

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * بيان العلامة الثالثة للإسم (النداء) إلخ * بيان العلامة

‌عناصر الدرس

* بيان العلامة الثالثة للإسم (النداء) إلخ

* بيان العلامة الرابعة للإسم (أل) ـ

* بيان العلامة الخامسة للإسم (الإسناد إليه) ـ

* فائدة: ذكر بعض علامة الإسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فلا زال الحديث في ذكر العلامات التي تميز الاسم عن قسيميه الفعل والحرف، وذكرنا أن المصنف رحمه الله تعالى ذكر خمس علامات، وأن العلامات كما سيأتي ليست محصورةً في هذا المذكور بل هي أكثر، وقد أوصلها بعضهم إلى بضع وثلاثين علامةً، وبعضها مُسلَّم وبعضها غير مُسلَّم، لكن أكثرها من المُسَلَّمَات.

بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ وَالنِّدَا وَأَلْ

وَمُسْنَدٍ لِلاِسْمِ تَمْيِيزٌ حَصَلْ

عرفنا العلامة الأولى، وهي بالجر، وأنه متضمن لحرف الجر، وأن الأولى أن يعبر لكل منهما على حده، فهما علامتان مختلفتان، الجر الذي هو الكسرة التي يحدثها عامل الجر، وحرف الجر هذا يعتبر علامةً مستقلة، وهذا أولى خاصةً إلا إذا كان للمبتدئ، إذ بعض الكلمات قد لا يظهر فيها كسرة كالمبنيات، مررت بذا، حينئذٍ نقول: ذا هذا مبني، والذي دل على اسميته دخول حرف الجر، فلو عُلِّق بالكسرة، قلنا: المبني يكون في محل جر.

فإذا كان المبتدئ قد يصعب عليه التمييز التقديري .. - الإعراب التقديري عن الظاهر-، فمن بابٍ أولى وأحرى أن يصعب عليه الإعراب المحلي؛ لأن فيه نوع صعوبة.

إذاً: بالجر والتنوين: هذه العلامة الثانية، أي: من خواص الاسم الذي يميزه عن غيره -الفعل والحرف-، قبوله للتنوين، ولا نقول: لا بد من دخول التنوين، بل مجرد القبول .. صلاحية الكلمة لقبول هذه العلامة، نقول: هو اسم ولا يشترط فيه أن يدخل بالفعل، والشأن كذلك في حرف الجر، والكسرة نفسها.

ومراد المصنف هنا بالتنوين: الأنواع الأربعة التي ذكرناها: تنوين التمكين، وتنوين التنكير، وتنوي المقابلة، وتنوين العوض بأنواعه الثلاث، هذه التي عناها المصنف، فأل في قوله: التنوين، مراد بها العهد، حينئذٍ لا ينصرف إلا على ما جعله النحاة علامةً على الاسمية، فلا يدخل فيه ما سمي تنويناً ولو مجازاً، كالتنوين الغالي، والترنم، هذان لا يختصان بالاسم، بل يدخلان الفعل والحرف: عتابن .. أصابن .. قدن .. إنن، نقول: هذه كلها دخلت على ما ليس باسم، فحينئذٍ لا يختص بالاسم.

وما لا يختص لا يصلح أن يكون علامةً، أليس كذلك؟ لأن العلامة مطردة غير منعكسة، بمعنى: أنه يلزم من وجود العلامة وجود المعلَّم، من غير عكس، فلا يلزم من انتفاء العلامة انتفاء المعلَّم، وهذا مباين للحد؛ لأن الحد لا بد أن يكون مطرداً منعكساً، ولذلك الحد أضبط، ولكنه أصعب، والعلامة فيها نوع سعة، لكنها أسهل وأضبط؛ ولذلك يقدمها النحاة في الحدود هنا في معرفة الكلام وفي معرفة الاسم والفعل الحرف، مجرد أمثلة يستدل بها على نوعية هذا النوع، وهو الاسم أو الفعل أو الحرف.

والتنوينِ: قلنا: المراد به مسمى التنوين، لأن لفظ التنوين اسم، مسماه: النون المذكورة، يعني: النون الساكنة التي تلحق الآخر لفظاً لا خطاً لغير توكيد، هذه النون نقول: مسمى، والتنوين: اسم، والذي يلحق الكلمة من أجل تمييزها عن غيرها هو مسمى التنوين وليس هو عين التنوين.

العلامة الثالثة التي ذكرها: قوله: والندا، بكسر النون مع القصر، هذه العلامة الثالثة.

ص: 1

قال في المصباح: النداء: الدعاء، وكسر النون أكثر من ضمها، إذاً: يجوز الوجهان: كسر النون أكثر من ضمها، يجوز الضم ويجوز الكسر، إلا أن الكسر أكثر من الضم.

والمد فيهما أكثر من القصر، يعني: فيما كسر أو ضم من النون المد أكثر من القصر، إذاً: يجوز فيه القصر، ويجوز فيه المد، ما المراد بالمد؟ النداء –همزة-، والقصر: الندا -دون همزة-، إذاً: كم لغة صارت معنا؟ أربع لغات: نِدا .. نُدا .. نِداءٌ .. نُداءٌ، الندا بالكسر أكثر من الضم فيهما، يعني: النِدا والنِداءُ أكثر من النُدا والنُداء، والمد فيهما أكثر من القصر، النِداءُ أكثر من الندا، والنُداءُ أكثر من الندا، هذه أربع لغات.

إذاً قوله: والندا، هل قَصَرَ هنا من أجل الوزن أو لغة؟ لغة، هذه قاعدة مطردة، والنِدا نقول بالقصر، حينئذٍ قصره، هل هو لغة أم من أجل الوزن؟ نقول: من أجل اللغة، يعني: كل ما جاز فيه وجهان وهما لغتان فحينئذٍ حمله على إحدى اللغات أولى من حمله على الضرورة.

فعلم أن لغاته أربع، وأن القصر في عبارة الناظم ليس للضرورة بل على لغة، لكن المكسور الممدود مصدر قياسي وغيره سماعي .. نِداء فِعال، هذا مصدر قياسي، وغيره سماعي، وقيل: المضموم اسم لا مصدر، النُدا والنُداء –نُداء- فعال، قيل: هذا سماعي لا قياسي، قيل: هذا اسم لا مصدر.

والندا المراد به كما ذكرنا: الدعاء، وهل هو مطلق الدعاء، أم دعاء خاص؟ نقول: المراد به دعاء خاص؛ لأنه مصطلح خاص بالنحاة، حينئذٍ لا بد من حقيقة عرفية تختص بهذا الفن وأهل الفن، وهو أي: الندا: الدعاء بياء أو إحدى أخواتها، هذا سيأتي باب خاص به.

وياءُ النداء، هي أم الباب هي الأصل، ولذلك ينادى بها مذكورة ملفوظاً بها ومحذوفة:

وحَذفُ يَا يجوزُ في النّدَاءِ

كَقَولِهم ربِّ استجِبْ دُعائي

((رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا)) [آل عمران:8] ربنا، يعني: يا ربنا، أين يا؟ نقول: حذفت، وهذا كثير في القرآن، إذاً: الدعاء بيا أو إحدى أخواتها، أي: طلب إقبال مدخول الأداة بها، طلب؛ لأن الدعاء هو الطلب، إقبال مدخول الأداة بها، يا زيد .. يا: حرف ندا، زيد: هذا مطلوب إقباله بيا، أليس كذلك؟ هو منادى.

حينئذٍ من خواص الاسم أن تكون الكلمة مناداةً، بمعنى: أنه قد سبقها حرف من أحرف الندا، وقصد به أن يكون منادى، ونقيد بهذا لماذا؟ لأنه قد توجد ياء الندا، ولا يليها الاسم، بل يليها الحرف ويليها الفعل، حينئذٍ كما ذكرنا اليوم: أن العلامة إذا وجد بعدها ما ليس من خاصتها بطلت، كأل الموصولة، إذا قلنا: هي من خواص الأسماء حينئذٍ كيف دخلت على الفعل: ما أنت بالحكم الترضا؟ هذا إبطال لتخصيصها بالاسم، فنقض كونها علامة.

هنا يا، إذا قلنا: يا، مطلق وجود يا، علامةً على الاسمية حينئذٍ يا ربتما .. يا رب كاسية .. ((يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ)) [يس:26] .. ((يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ)) [الأنعام:27]((ألا يا اسجدوا)) .. تلا يا: حرف ((يَا لَيْتَ قَوْمِي)) [يس:26] ليت: حرف بالإجماع، وقد وقع بعد يا النداء، حينئذٍ إذا كانت العلامة كلما وجد حرف الندا يا وجد ما بعده اسم، حينئذٍ حكمنا على ليت: بأنها اسم.

ص: 2

يا رُبَّ كاسيةٍ .. يا رُبَّ، رُبَّ: حرف بالإجماع، وقد وقعت بعد يا الندائية، ألا يا اسجدوا في قراءة الكسائي وهو فعل أمر، حينئذٍ وقع الفعل بعد يا، حينئذٍ لا بد من توجيه هذا الدخول .. دخول يا على الحرف وعلى الفعل، فلنا أحد وجهين:

إما أن نقول: إن يا في مثل هذه التراكيب ليست حرف نداء، بل هي حرف تنبيه، وحرف التنبيه لا يختص بالاسم، بل يدخل على الحرف وعلى الاسم:((أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ)) [يونس:62] ألا إن: دخل على جملة مصدرة بإن، إذاً: لا يختص بالاسم، فدخل حرف التنبيه على رُبَّ، ودخل على ليت، ودخل على الفعل، ولا إشكال.

الجواب الثاني: أن يقال: يا، نعم هي حرف نداء، ولكن المنادى محذوف، ((يَا لَيْتَ قَوْمِي)) [يس:26] يا قومي، يا هؤلاء ليت قومي، هؤلاء: هو المنادى وهو محذوف وهو اسم، إذاً: قاعدة مطردة، ألا يا هؤلاء اسجدوا، إذاً: جعل المنادى محذوف، وأيهما أولى؟ هل نقول: ياء حرف تنبيه، أو المنادى محذوف؟ يحتمل هذا وذاك، إلا أنه يشكل على القول الثاني وهو جعل المنادى محذوفاً أنه قد يجلس المرء وحده، ويقول: لا ليتني فعلت كذا، فحينئذٍ كيف يقول: يا ليتني، أين التقدير .. أين المنادى؟ ليس عندنا منادى أصلاً، هو لوحده ويخاطب نفسه، يعاتب نفسه .. يا ليتني فعلت كذا، حينئذٍ يتعين أن تكون يا هنا حرف تنبيه، ولا يصح أن يكون ما بعدها منادى محذوف.

وحينئذٍ هل لا بد من الترجيح من أحدهما، أو ننظر إلى السياق ونُجَوِّزُ الأمرين؟ الثاني أرجح، بعضهم أبطل أن تكون ياء حرف تنبيه .. أن يكون المنادى محذوف، بعضهم أبطل التوجيه الثاني من النحاة، بأن يكون المنادى محذوفاً؛ لأنه قد يقع لمن لا ينادي إلا نفسه، يا ليتني فعلت كذا، نقول: هذا نعم يسلم، لكنه ليس بمطرد على جهة الإطلاق، فمتى ما وجدت قرينة تعين أن تكون يا حرف تنبيه، حينئذٍ توجه القول به، وإن لم يكن كذلك حينئذٍ جوز الأمران، قد تكون يا حرف تنبيه، وقد يكون المنادى محذوفاً بعد يا وهي على بابها، إذاً: لا يعترض بهذه الأمثلة على أن النداء ليس من خواص الأسماء، بل هو من خواص الأسماء، فحينئذٍ نقول: الاسم يتميز عن قسيميه الفعل والحرف بكون الكلمة مناداة وقعت بعد حرف نداء، فإن وجد بعده حرف أو فعل لا بد من التخريج .. لا بد من التخريج.

والندا: إذاً عرفنا أنها من خواص الأسماء، وأما نحو:((يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ)) [يس:26] ويا رب كاسية .. رُبَّ: حرف بالإجماع، ألا يا اسجدوا .. يا اسجدوا هكذا بالوقف، في قراءة الكسائي لتخلف الدعاء عن يا فإنها لمجرد التنبيه، وحرف التنبيه لا يختص بالاسم وهذا واضح.

أو أنها للنداء والمنادى محذوف تقديره: يا هؤلاء في الآيتين، يا هؤلاء .. ليت قومي .. ألا يا هؤلاء اسجدوا، وهو مقيس في الأمر كالآية، وفي الدعاء كقوله: ألا يا اسلمي .. اسلمي: هذا فعل أمر:

أَلَا يا اسْلَمي يا دارَ مَيَّ عَلى الْبِلى:

ص: 3

أي: يا هذه اسلمي، إذاً: المقصود من هذا أنه إذا وجد حرف الندا داخلاً على غير اسم لا بد من التأويل وتخريج هذا المثال على ما يوافق أحد الوجهين ولا نرجح بينهما؛ لأن يا حرف تنبيه، وألا حرف تنبيه، وكل منهما لا يختص بالاسم، بل يدخل على الحرف والفعل.

وحذف المنادى جائز كما يأتي في محله.

بالجر والتنوين والندا وأل .. الندا: من علامات الأسماء، وله وجه آخر وإن لم يكن ظاهراً، وهو أن المنادى في الأصل مفعول به، والمفعول به من خواص الأسماء، من علامات الأسماء أن يقع مفعولاً به، فإذا وقعت الكلمة مفعولاً به، حكمت عليها بأنها اسم، لماذا؟ لأن الفعل لا يقع مفعولاً به، والحرف لا يقع مفعولاً به، فإذا قلت: ضرب زيد عمرواً، فعمرواً نقول: هذه الكلمة اسم، ووجه كونها اسماً دخول التنوين، وكونه علماً، وكونه مفعولاً به، فنجعل المفعولية من علامة الأسماء، وهذا الذي معنا يا زيد، زيد نقول: هذا اسم بدليل دخول يا الندا فهو منادى، ثم هو مفعول به في الأصل؛ لأن أصل: يا زيد، أدعو زيداً أو أنادي زيداً، وزيداً هذا مفعول به.

إذاً: يا زيد، فرع أم أصل؟ فرع، ولذلك رد على من قال: إن الاسم يتركب، أو إن الكلام يتركب من حرف واسم، يا زيد، حصلت الفائدة التامة أو لا؟ حصلت الفائدة التامة الكلامية، إذاً حصلت الفائدة الكلامية من قولنا: يا زيد، هل نحكم على يا زيد أنه كلام مركب؟ نعم، أين المسند والمسند إليه؟ ليس عندنا مسند ومسند إليه، ليس ثم إسناد باعتبار اللفظ نفسه، يا زيد .. يا: حرف، والحرف لا يقع مسنداً ولا مسنداً إليه، وزيد: هذا أصله مفعول به، والمفعول به ليس مسنداً ولا مسنداً إليه، إذاً: ليس في الكلام التركيب –إسناد-، هل ننفي عنه كونه كلاماً وهو يقع في فصيح الكلام؟

الجواب: أن الكلام لا يتركب من اسم وحرف، وما وجد في النداء خاصةً إنما حكم عليه بأنه كلام باعتبار الأصل، وهو أنه جملة فعلية: أدعو زيداً، والذي يدل على هذا: أن قولنا: يا زيد، زيد: منادى مبني على الضم في محل نصب، والنصب الذي هو محل زيد قطعاً على القول الصحيح أن يا لا دخل لها فيه، يعني: لم تحدث يا النصب، يا لا تعمل، أليس كذلك؟ يا غير عاملة لا النصب ولا غيره.

إذاً: من أين جاء محل النصب؟ نحن نقول: في محل نصب، هكذا نعربه، من أين جاء؟ هل من: يا؟ لا، إذاً: باعتبار الأصل هو مفعول به، إذاً: رائحة المفعولية باقية أم زالت؟ باقية، إذاً: يا زيد له جهتان: من جهة إثبات كونه اسماً، كونه منادى، وكونه مفعولاً به في الأصل، فالتركيب حينئذٍ باعتبار أصله جملة فعلية، فرد على من زعم أن الكلام يتركب من حرف واسم أن: يا زيد، فرع لا أصل، والاعتبار في التقعيد والتأصيل هو بالأصول لا بالفروع.

إذاً: الحاصل أن يا زيد، نقول: هذا علم زيد اسم، بدليل دخول يا عليه، ثم هو مفعول به في الأصل، وهذا الأصل لم يهجر بالكلية لم يترك، لم يجعل نسياً منسياً بدليل ماذا؟ بقاء محل زيد على النصب وهو الأصل فيه.

ص: 4

والندا وأل .. هذه العلامة الرابعة .. العلامة الرابعة: أل، والمراد لفظ أل؛ لأن الحرف إذا قصد لفظه حينئذٍ صار علماً، والفعل إذا قصد لفظه صار علماً، كما سيأتي، وأل: المراد لفظ أل، فهو حينئذٍ اسم، وإذا كان اسماً فهمزته همزة قطع؛ لأنه ليس من الأسماء المستثناه، سيأتي عشرة أسماء مستثناه وهمزتها همزة وصل، هنا: أل، نقول: هذا اسم، وليست حرف تعريف، حرف التعريف هذا شيء آخر.

أل: اسم، مسماه: أل -التي في الرجل-، سيأتي معنا في الإسناد اللفظي، فهمزتها همزة قطع، وهذا التعبير هو الأجود، وقد يقال: الألف واللام، والخلاف في التعبير عن أل المعرفة، هل يقال: أل، أو الألف واللام، هذا الخلاف مبني على خلاف آخر، وهو: ما هو المعرف؟ نحن نقول: أل، معرفة، رجل نكرة، دخلت عليه: أل، فقيل: الرجل، رجل اكتسب التعريف من أل، ما الذي أثر في رجل وأحدث فيه التعريف؟ هل هو: أل برمتها .. هل هو اللام فقط .. هل هو الهمزة فقط .. هل إذا قلنا: أل، تكون همزة قطع، أم همزة وصل؟

أربعة أقوال: والصحيح منها قول الخليل: أن أل برمتها معرفة، ولذلك ابن مالك قال:

أل: حرف تعريفٍ أو اللام فقط ..

لما قدم أل، ثم قال: أو اللام، عرفنا أنه رجح الأول، وهو: أن أل برمتها يعني: جميعها تكون حرف تعريف، فهي المُعَرِّفَة، والهمزة فيها همزة قطع، كيف همزة قطع، ونحن نقول: مات الرجل؟ ولا نقول: مات ألرجل .. نقطع الكلام؟ قال الخليل:

الهمزة همزة قطع لكنها سُهِّلَت لكثرة الاستعمال، يعني: صارت همزة وصل، إذاً لا إشكال، هذا قول الخليل، وحينئذٍ إذا أردنا أن نعبر عنها لا نعبر إلا بلفظ واحد لا يحتمل غيره وهو أل، كبل وهل، ما كان على حرفين يحكى باسمه، فيقال: هل، ولا يقال: الهاء واللام، بل ولا يقال: الباء واللام، سوف، نقول: سوف، ولا يقال: السين والواو والفاء، بخلاف: سيقول، السين هنا نقول: السين حكيناه بماذا؟ باسمه لا بمسماه، ما هو المسمى؟ سَهْ .. سيقول سَ سَ، هذا مسمى، اسمه: السين، أليس كذلك؟

قلنا: زَهْ .. يَهْ .. دَهْ، هذا تقطيع لكلمة: زيد، الاسم زه .. الاسم الزاي، بدليل دخول: أل، نحن نقول: أل من خواص الأسماء، إذاً: الزاي نقول: هذا اسم، مسماه: زه في لفظ زيد، والياء نقول: هذا اسم، مسماه: يه، في لفظ زيد، والدال كذلك اسم مسماه: ده، في لفظ زيد، إذاً: ما كان على حرف يحكى باسمه، يلفظ باسمه .. وما كان على حرفين حينئذٍ يؤتى بالمسمى، وفرق بين الاسم والمسمى.

إذاً: على قول الخليل: أل برمتها، حرف تعريف، الهمزة واللام، حينئذٍ نقول: أل، ولا يصح على هذا القول، أن نقول: الألف اللام، فهو باطل.

ص: 5

القول الثاني: قول سيبويه منسوب لسيبويه، وهو أن أل برمتها حرف تعريف إلا أنه افترق عن قول الخليل -شيخه- أن الهمزة همزة وصل معتد بها في الوضع؛ لأن الحرف الزائد قد يزاد وضعاً، يعني: في وضع الواضع، كهمزة الوصل في فعل الأمر، اجلس، وزنه: افعل، هذا فعل أمر، الهمزة زائدة أو أصلية؟ زائدة قطعاً ليست أصلية، همزة وصل، من الذي زادها: بالاستعمال، أو بوضع الواضع؟ بوضع الواضع، إذاً: الزائد قد يكون بوضع الواضع وهو الأصل، وقد يكون شيء طرأ عليه، هنا: أل، قال سيبويه: برمتها مُعَرِّفَة، والهمزة هذه همزة وصل معتد بها في الوضع.

على هذا القول الأقيس أن نقول: أل، كالقول الأول، ويجوز أن نقول: الألف واللام، كما عبر به ابن آجروم، بناءً أو نظراً إلى كون الهمزة زائدةً، بهذا الاعتبار نقول: الألف واللام، يجوز فيه وجهان بخلاف القول الأول.

القول الثالث: أن المُعَرِّف هو اللام فقط:

وقال قوم إنها اللام فقط ..

وهذا قول الأخفش وهو اختيار الجمهور _جمهور النحاة-، أن المُعَرِّف هو: اللام فقط، وأن هذه الهمزة همزة وصل زائدة، لا في الوضع، كما هو مذهب سيبويه، لا بد من أن نفرق بين هذا وذاك، لماذا جيء بهذه الهمزة؟ قالوا: الأصل أن تقول لرجل، اللام ساكنة في أصل الوضع، أليس كذلك؟ الْرَّجُل .. الْرَّجُل، ألْ .. اللام ساكنة، حينئذٍ إذا أردت أن تبتدئ بها وقد أدخلتها على كلمة .. على اسم هل يمكن النطق والابتداء بساكن؟ الجواب: لا، والحركات ثلاثة: إما كسر وإما فتح وإما ضم، إذا أردنا أن نحركها، فإذا حركناها من أجل التمكن من الابتداء بالساكن .. بالكسرة التبست بلام الجر لِزَيْدٍ .. لِزَيْدٍ .. لِرَجُلٌ، إذا قرأت ووجدت الكسر يحتمل أنه جار ومجرور ففيه التباس.

لو قيل: لَرجلٌ بالفتح، التبست بلام الابتداء، إذاً: لا يمكن تحريكها لا بالكسر ولا بالفتح، أما الكسر فلالتباسها بلام الجر لأنها مكسورة، ولا الفتح؛ لأن لام الابتداء مفتوحة، بقي ماذا؟ الضم .. لُرَجُلٌ، هذا فيه ثقل، قالوا: هذا لا نظير له حرف واحد مبني وهو ثقيل، حرف معنى، ثم يحرك بالضم، قالوا: هذا لا نظير له، وأما: قمتُ وضربتُ فهذا اسم وليس بحرف والكلام في الحرف، ماذا نصنع؟ قالوا: اجتلبنا همزة الوصل للتمكن من الابتداء بالساكن، والهمزة ساكنة واللام ساكنة فالتقى ساكنان فحركت الهمزة على الأصل بالكسر للتخلص من القتاء الساكنين.

إذاً: على هذا القول نقول: أل، أو: الألف واللام؟ الألف واللام، هذا قول ثالث في المسألة، وهو قول الأخفش وعليه اختيار الأكثر.

بقي قول المُبَرِّد، وهو قول أشبه ما يكون بالشاذ، وهو: أن الهمزة هي المعرفة، ولئلا يلتبس اللفظ بالاستفهام جيء باللام زائدةً فرقاً بين همزة التعريف وهمزة الاستفهام، وهذا شاذ لم يعول عليه.

إذاً: الأقوال أربعة: اثنان ثنائيان، واثنان أحاديان، اثنان من القولين من العلماء الخليل وسيبويه، قالوا: بأن المعرف ثنائيان، يعني: حرفان، وإن اختلفا في نوعية الهمزة، واثنان، يعني: من الأقوال أو من العلماء أحاديان، وهو الأخفش، قال: بأن المعرف هو اللام، والمبرد، قال: بأن المعرف هو الهمزة،

وَآلةُ التَّعريفِ أَلْ فمَن يُرِدْ

ص: 6

وَقَالَ قومٌ إِنَّها اللَاّمُ فقطْ

تَعرِيفَ كَبْدٍ مُبهَمٍ قالَ الكَبِدْ

إِذْ ألِفُ الوَصلِ مَتى تُدرَجْ سَقَطْ

هذان قولان مشهوران، إذاً: قوله: أل، نقول: همزته همزة قطع، وهذا التعبير هو الأجود على القول بأن حرف التعريف ثنائي الوضع، وهمزته قطع وصلت لكثرة الاستعمال، والأقيس على القول بأنه ثنائي وهمزته وصل وهو قول سيبويه منسوب إليه، معتد بها في الوضع، ويجوز على الثاني على قول سيبويه التعبير بالألف واللام نظراً إلى زيادة الهمزة، وأما على القول بأن المعرف اللام وحدها، فاللائق بالتعبير نقول: الألف واللام، وكذلك على قول المُبَرِّد.

قوله: أل، وهذه من خواص الأسماء، المراد بها: أل مطلقاً؛ لأن أل تأتي معرفةً، وتأتي زائدةً، وتأتي موصولةً، بهذه الأنواع الثلاثة، وسيعقد المصنف لها باباً خاصاً.

أَلْ حَرْفُ تَعْرِيفٍ أَو اللَاّمُ فَقَطْ

فَنَمَطٌ عَرَّفْتَ قُلْ فِيهِ النَّمَطْ

نمط، النمط .. رجل الرجل، حصل التعريف به أو لا؟ حصل به التعريف، أل: هنا معرفةً، أو زائدةً، أو موصولةً، مطلقاً تعتبر من علامات الأسماء، أما المعرفة فهذا محل إجماع، وأما الزائدة فهذه هل هي معرِّفة أم لا؟ الصحيح أنها في الأصل معرفة، حينئذٍ تلحق بالأولى، وأما الموصولة فهذه محل نزاع .. محل نزاع بين النحاة، أل: مطلقاً معرِّفةً كالفرس والرجل. كالفرس –فرس- هذا لا يعقل دخلت عليه أل فعرفته، الفرس، ورجل: هذا يعقل دخلت أل فقيل: الرجل، إذاً: أل المعرفة تعرف من يعقل وما لا يعقل.

أو زائدةً: كالعباس، وطبت النفس، كما سيأتي في محله .. العباس عباس هذا علم، والأعلام لا تعرف، فإذا دخلت عليها أل فهي زائدة قطعاً، وإن كانت تدل على معنىً وهو لمح الصفة، لكنها من حيث التعريف وعدمه هي زائدة، ومن حيث دلالته على معنىً أو لا؟ هذه مسألة أخرى، هذه مسألة أخرى سيأتي في موضعها، إذاً: العباس والحارث، حارث هذا علم، كزيد وعمرو، دخلت عليه: أل، فدخول: أل، هنا هل هي معرفة أثرت التعريف أم لا؟ هل أثرت شيء؟ لم تؤثر، لماذا؟ لأنه علم قبل دخول أل، فهو معرفة، فدخول أل هنا كخروجها، لكن لها معنىً باعتبار آخر.

وكذلك: الحارث، وطبت النفس: أصلها: طبت نفساً، ونفساً ما إعرابه؟ تمييز، والتمييز عند البصريين واجب التنكير، فإذا دخلت أل على الأعلام أو على واجب التنكير حكمنا عليها بأنها زائدة، وطبت النفس: هذه أل لم تفد تعريفاً؛ لأنها لم تؤثر، وشرط أل التي تؤثر التعريف، أو وشرط أل المعرفة أن تكون مؤثرةً للتعريف في الكلمة، يعني: في مدخولها، فإن لم تؤثر فيه فحينئذٍ ليست بمعرفة، ولذلك سيأتي قول ابن مالك:

نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا

هذا شرط، إذا لم تؤثر حينئذٍ لا يكون معرفةً، وطبت النفس: هذا نكرة، وأل هذه تعتبر زائدة، أو موصولة، وهذه محل خلاف، موصولة اسمية، أل المعرفة وأل الزائدة حرفية، حرف باتفاق، وأما أل الموصولة فهذه محل نزاع، والصحيح أنها اسم وليست بحرف، والدليل؟

ص: 7

الدليل على أنها حرف ذكره السيوطي رحمه الله في جمع الجوامع، قولنا: قد أفلح المتقي ربه، المتقي، يعني: الذي اتقى ربه، المتقي .. متقي: هذا اسم فاعل دخلت: عليه أل، فعملت .. متقي هو، أليس كذلك؟ المتقي هو، الضمير هنا يعود على من؟ قد أفلح نأخذها من البداية .. قد: حرف، أفلح: هذا فعل ماضي يطلب فاعلاً، أين الفاعل؟ المتقي، إذاً: المتقي هذا فاعل أفلح، والمتقي هذا يرفع وينصب، يرفع فاعلاً وينصب مفعولاً به، أين الفاعل هنا؟ ضمير مستتر، تقديره: هو، ضمير يعود على أي شيء؟ على أل في المتقي، وعود الضمير على الكلمة يدل على اسميتها.

ربه: هذا مفعول به وهو مضاف والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر مضاف إليه، أين مرجع الضمير؟ أل أيضاً، إذاً: عود الضمير على أل في المتقي نقول: هذا يدل على اسميتها، وهذا واضح بَيِّن، لأن متقي: هذا وصف،

وَصِفَةٌ صَريِحَةٌ صِلَةُ أَلْ، أل: الموصولة لا يليها إلا اسم فاعل، أو اسم مفعول، وعلى خلاف في الصفة المشبهة، وسيأتي في محله.

إذاً: الموصولة اسم وليست بحرف، فقوله: أل، هذا يشمل النوعين، يصير لفظاً مشتركاً في الدلالة على الاسمية وعلى الحرفية، لكن الحرفية باعتبار المسمى؛ لأننا قررنا: أن أل هنا في هذا النظم .. (والندا وأل)، أنه يعتبر اسماً، إذاً: الموصولة نقول: اسمية.

وإذا دخلت على النكرة حينئذٍ نقول: صار علماً، متقي .. متقي، دخلت عليه: أل، صار معرفةً .. ليس صار معرفةً، دل على أن مدخولها يعتبر اسماً، لأن أل الموصولة خاصة بالأسماء، أو موصولة على قول الجمهور باختصاصها بالاسم، وأن دخولها على الفعل ضرورة، إذا سمع من كلام العرب إدخال أل الموصولة على الفعل، إن جعل لغةً ولو لم يكن فصيحاً، حينئذٍ نرجع إلى العلامة بالنقض والإبطال، وهذا رأي ابن مالك رحمه الله تعالى.

ولذلك لا يقصد بها هنا: أل الموصولة؛ لأنه قال في باب الموصول:

وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ ألْ

وَكَوْنُهَا بِمُعْرَبِ الأَفْعَالِ قَلَّ

يعني: قل دخولها على معرب الأفعال وهو الفعل المضارع، إذاً: قليل، وإذا عبر عن الشيء بأنه قليل دل على أنه جائز الاستعمال، وإن لم يكن فصيحاً، فالقلة قد تنافي الفصاحة، لكنها لا تنافي الجواز فيجوز استعماله مطلقاً نثراً وشعراً، والصحيح أن يقال: بأن دخول أل على الفعل المضارع لا يجوز إلا شعراً، وحينئذٍ إما أن يقال: بأنه ضرورة كما قال ابن هشام في الأوضح، أو يقال: بأنه شاذ كما قال الأشموني في شرح الألفية.

وعلى القولين: ضرورة أو شاذ، لا يجوز استعماله في النثر البتة، فقوله: ما أنت بالحكم الترضى، نقول: هذا شاذ أو ضرورة، وعليه لا يجوز استعماله في سعة الكلام.

وأما أل الاستفهامية التي يقال فيها: بأنها من خواص الفعل الماضي: أل فعلت كذا؟ يعني: هل فعلت كذا؟ هذه هل يشملها قوله: أل؟ نقول: لا يشملها، لماذا؟ لأن هذه أل الاستفهامية نادرة، وإذا كان الشيء نادراً نقول: النادر لا حكم له، إذاً: لا يعترض على المصنف بأن أل الاستفهامية ليست من خواص الأسماء، بل هي من خواص الفعل الماضي، أل فعلت كذا، يعني: هل فعلت كذا؟ لا يرد على الناظم بهذا الاعتراض.

ص: 8

فجوابه: أن أل الاستفهامية نادرة، والنادر لا حكم له، وإنما لم يستثنها لندرتها والنادر كالعدم.

وأل ومسندٍ: .. هذه العلامة الخامسة: ومسند، هل المراد به هنا مصدر ميمي، أو يبقى على ظاهره؟ مصدر ميمي، بمعنى: اسم المفعول، فيفسر بالإسناد ثم بالإسناد إليه، ثم قد حذف إلى ووصل الضمير بالإسناد، على الحذف والإيصال، حذف حرف الجر ثم وصل به الضمير فاستكنا، يحتمل هذا ويحتمل ذاك، فسره بعضهم على ظاهره.

ومسند: المسند هل هو من علامات الأسماء؟ قلنا: عندنا مسند ومسند إليه، الاسم يقع مسنداً إليه ومسنداً، والفعل مسنداً لا مسنداً إليه، إذاً: اشترك الفعل والاسم في كون كل منهما يقع مسنداً، وافترق الاسم عن الفعل في كونه يقع مسنداً إليه، واضح؟

فحينئذٍ الذي اختص به الاسم هو كونه مسنداً إليه، وأما المسند فهذا يشترك فيه الاسم والفعل، زيد قائم .. زيد قام .. قام زيد، زيد قائٌم: زيد مبتدأ وهو مسند إليه، قائٌم: هذا خبر وهو مسند، يعني: في معنى الإخبار، أخبرت عن زيد بكونه قائماً، زيد قام، زيد: مبتدأ، وقام: فعل، وفاعله ضمير مستتر، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، حينئذٍ صار مسنداً، وهو جملة، لكن أحسن المثال أن يقال: قام زيد، هذا أجود؛ لأن قام هنا فعل فقط، وزيد: هذا فاعل، والفاعل: مسند إليه، والفعل هنا في هذا التركيب يعتبر مسنداً.

إذاً، قوله: ومسندٍ، لو أبقيناه على ظاهره ومسندٍ، أي: إسنادٍ إليه، هذا على التأويل، ومسندٍ، يعني: بأن يصحب الكلمة مسند من اسم أو فعل، إذا اصطحب الكلمة مسند من اسم أو فعل دل على أن تلك الكلمة اسم، لماذا؟ لأنه يتعين أن تكون مسنداً إليه، بدلالة الالتزام.

إذا وجد المسند وصح الكلام حينئذٍ لا بد من وجود المسند إليه، -ومسند- من علامات الكلمة وجود مسندٍ معها، من علامات الاسمية وجود مسندٍ معها، سواء كان فعلاً أو جملةً أو اسماً، فحينئذٍ نقول: دلالة اللفظ على علامة الاسمية بدلالة الالتزام، وأما كثير من الشراح فأولوا كما قال المصنف هنا ابن عقيل: مسند، هذا مصدر ميمي، استعمله بمعنى: الإسناد إليه على الحذف والإيصال، وهذا جائز وهذا جائز، وإبقاء اللفظ على ظاهره أولى، وخاصةً إذا كان المعنى لا يفسد.

حمل الشارح لفظ مسند في النظم على إسنادٍ، فقال: ومسندٍ، إي: مسندٍ إليه، فأقام اسم المفعول مقام المصدر وحذف صلته اعتماداً على التوقيف، يعني: على المعلِّم، ولا حاجة إلى هذا التكلف، هكذا قال الأشموني، فإنَّ تَرْكَهُ على ظاهره كافٍ، أي: من علامات الاسم: أن يوجد معها مسند، فتكون هي مسنداً إليها ولا يسند إلا إلى الاسم، وهذا واضح بين وليس فيه تكلف.

وأما مسند مراداً به الإسناد إليه، نقول: هذا فيه نوع تكلف، والمراد بالإسناد إليه الإخبار عنه والحديث عنه، فكل كلمة أخبر عنها بخبر أو حكم عليها بحكم فهي اسم، سواء أريد به الإسناد المعنوي أو الإسناد اللفظي.

ص: 9

الإسناد المعنوي: هو الإخبار عن مسمى المبتدأ، والإخبار اللفظي من باب التوضيح والاختصار: هو الإخبار والحكم على الاسم دون المسمى، مثال: قام زيد، زيد: مسند إليه، زيد قائم، زيد: مسند إليه، قام قائمٌ، زيد عندنا فيه أمران .. ملحظان .. اعتباران: زيد الاسم، ومسمى زيد وهو الذات، أنت اسمك: زيد، أنت ذات .. تتحرك وتمشي وتجلس وتنام وتأكل وتشرب، هذا مسمى زيد، وزيد: هذا اسم، إذا قلت: قام زيد، وزيد قائمٌ، من الذي اتصف بالقيام؟ هل هو اسم زيد .. لفظ زيد، أو مسماه؟ مسماه، إذاً: أريد معنى المسند إليه، أريد بالإخبار بالقيام معنى المسند إليه.

لو قلت مثلاً: زيد اسم ثلاثي، زيد: مبتدأ، واسم: هذا خبر، أو: زيد ثلاثي، ثلاثي: هذا خبر، هل المراد الذات أنها ثلاثية الحروف، أو المراد به الاسم؟ المراد به الاسم، حينئذٍ صار الإسناد لفظياً لا معنوياً؛ لأن الحكم بكونه ثلاثياً هذا حكم ومسند المراد به اللفظ دون المسمى، إذاً: المحكوم عليه .. قاعدة: المحكوم عليه قد يراد بالحكم أن ينصب على المسمى، وقد يراد بالحكم أن ينصب على اللفظ، الأول: يسمى الإسناد المعنوي، والثاني: يسمى الإسناد اللفظي .. الأول متفق عليه أنه من علامات الأسماء والثاني مختلف فيه.

فإذا قيل: زيد ثلاثي، نقول: زيد: المراد به الاسم وليس المراد به المسمى، وثلاثي: هذا خبر على الاسم اللفظي لا على المسمى، ومنه تخريج ضرب: فعل ماضي، ومن: حرف جر، إذا قلت: ضرب: فعل ماضي، هذا مركب أو لا؟ أولاً: حصلت الفائدة التامة أو لا؟ حصلت الفائدة التامة .. حصلت الفائدة الكلامية؛ لأن الأصل في الكلام إذا تكلم متكلم ويعقل ما يتكلم به أنه جار على قواعد العرب، فلا بد من تنزيله على قواعد العرب، حينئذٍ كل كلام يعرب، لا بد من إعرابه، فإذا لم يمكن إعرابه فليس بكلام، هذيان، واضح؟

كل كلام لا بد من إعرابه، فإذا قيل: ضرب زيد عمرواً .. زيد، ضرب: فعل ماضي، وزيد: فاعل، وعمرواً: مفعول به، ضرب: فعل ماضي، حينئذٍ ما المراد بضرب في هذا التركيب؟ هل هو اللفظ فقط أو مسماه؟ مسماه، ما هو المسمى؟ المسمى: الفعل في الاستعمال .. في التركيب، ضرب زيد عمرواً، الفعل يراد به ماذا؟

يراد الإخبار به عن حدث وقع في زمن مضى، وأن هذا الحدث قد وقع من فاعل، وإذا كان متعدياً وقع على مفعول به، إذا أريد به هذا المعنى حينئذٍ لا بد من استعماله في تركيب صحيح، لكن في قولنا: ضرب: فعل ماضي، هل أريد به الإخبار عن وقوع حدث في زمن قد مضى؟ الجواب: لا، وإنما المراد هذا اللفظ كما قلنا: زيد ثلاثي، نقول: المراد هذا اللفظ، وضرب: فعل ماضي المراد به هذا اللفظ، فحينئذٍ صار علماً .. صار اسماً، لماذا؟ لأننا أخبرنا عنه بكونه فعلاً ماضياً، ولا يخبر إلا عن الأسماء، لأنه لا يكون مسنداً إليه إلا الاسم، وهنا ضرب: مسند إليه، كيف يكون مسنداً إليه وهو اسم، ثم نقول: فعل ماضي؟

ص: 10

نقول: فعل ماضي لا باعتبار هذا التركيب، ليس في هذا السياق، ضرب: فعل ماضي، في قولنا: ضرب زيد عمرواً، وأما في هذا التركيب ضرب: فعل ماضي، فليس بفعل بل هو اسم، بدليل: الإخبار عنه بقولنا: فعل ماضي .. بدليل: أنه لا يدل على حدث ولا على زمن محصل، ليس فيه حدث، ولذلك لا يرفع فاعلاً، أين فاعله؟

وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعلٌ فَإنْ ظَهَرْ

ضرب: أين الفاعل؟ ليس فيه فاعل، بل لا يطلب فاعلاً، بل هو مجرد لفظ فهو علم شخصي مسماه: ضرب في قولك: ضرب زيد عمرواً، فلسفة لا بد منها، ومثلها: من: حرف جر، كذلك تقول: مرفوع .. ضرب زيد عمرواً، زيد: فاعل مرفوع بضرب، دخل عليه حرف الجر، فدل على أنه اسم، من: حرف جر مثلها، من في هذا التركيب علم، اسم؛ لأنه أسند إليها ولا يسند إلا إلى الأسماء، فدل على أن: من، في هذا التركيب تعتبر علماً.

فإذا قصد اللفظ بقطع النظر عن كونه اسماً أو فعلاً أو حرفاً فهو علم، هذه نتيجة؛ لأننا قلنا: قد يقصد بالخبر المعنى أو اللفظ، إذا قصدنا اللفظ مطلقاً سواء كان اسماً أو فعلاً أو حرفاً فهو علم، ولذلك صح أن يقال: إياك واللو، لو: هذه حرف دخلت عليها أل، وأل من خواص الأسماء، كيف دخلت أل على لو، وهي حرف؟ نقول: قصد لفظها، وهي حرف في قولك: لو أني فعلت كذا لكان كذا، هنا حرف، وأما في قوله: إياك واللوَّ، فهي اسم، ولذلك صح دخول أل عليها.

لو أن لوَّاً بالتنوين، والتنوين من خواص الأسماء، كيف دخل على لو؟ قصد لفظه.

إذاً: القاعدة يا إخوان، تفهمون: إذا قصد بالمسند .. بالمحكوم عليه .. إذا أخبرت عن شيء، إما أن يقصد معناه أو يقصد لفظه، إن قصد معناه فلا بد أن يكون اسماً، وهو إسناد معنوي، وإذا قصد لفظه فحينئذٍ يستوي الاسم والفعل والحرف وكلها تسمى أسماء.

زيد ثلاثي: إسناد لفظي، زيد: واضح لا إشكال فيه، ضرب: فعل ماضي، نقول: ضرب هنا علم .. علم شخصي، وهو اسم بدليل الإخبار عنه بقولنا: فعل ماضٍ، من: حرف جر، من: في هذا التركيب تعتبر اسماً فهي علم شخصي، مسماه: من، في قولك: خرجت من الدار، من: في هذا التركيب: من الدار، نقول: هي حرف، وأما في قولنا، من: حرف جر فهي اسم، واضح هذا؟

بقي مسألة واحدة: ضرب فعل ماضي، كيف نعربه؟ زيد: ثلاثي واضح الإعراب، أما ضرب: فعل ماضي، نقول: ضرب لنا فيه وجهان: إما الإعراب، وإما الحكاية، ضرب تبقيه كما هو، فتقول: ضرب: مبتدأ مرفوع بالابتداء، هل إعرابه محلي أو تقديري؟ لا، تقديري ليس محلياً؛ لأنه ليس مبنياً، بل هو معرب، لكن تعربه على الحكاية، بمعنى: أنك تحكيه كما هو، فتقول: ضرب، لأنه فعل ماضي في الأصل مسماه: فعل ماضي.

والفعل الماضي في مثل هذا النوع يكون مبنياً على الفتح، فتقول: ضرب: مبتدأ مرفوع بالابتداء ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحكاية، وفعل: هذا خبره.

وجه آخر: أن تعربه منوناً، فتقول: ضرَبٌ، مثل: زيدٌ، يجوز فيه هذا الوجه، ضرَبٌ: هذا مبتدأ مرفوع بالابتداء إلى آخره، إذاً: إما أن تحكيه كما هو وتقدر الإعراب، وإما أن تعربه رفعاً وبالتنوين؛ لأنه صار منصرفاً، والتنوين هذا تنوين تمكين، حينئذٍ نقول: فيه وجهان:

ص: 11

من: حرف جر، من: مبتدأ مرفوع بالابتداء، ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الحكاية؛ لأنه محكي، ويجوز: مِنٌ، كقولنا: ضربٌ، منٌ بالرفع والتنوين، هذا متى؟ إذا كان من على حرفين، وثانيهما صحيح، وأما إذا كان الثاني حرف علة، فحينئذٍ جاز فيه التضعيف، فيقال: في .. فيٌ، بالتضعيف، لو .. لوٌ بالتضعيف، لماذا؟ لكون ثانيه حرف لين، يعني: حرفاً من حروف العلة، هذه ثلاثة أوجه في ماذا؟ هذان وجهان في الفعل وفي الحرف، وأما إذا كان ثانيه حرف لين جاز لك أن تقول: لوٌ وتقول: لوٌّ بالتضعيف، في .. فيٌّ بالحركة والتنوين، هذان وجهان في إعراب هذا التصريف.

أما زيد ثلاثي، فهو على أصله، زيد: اسم ثلاثي، نقول: هذا على أصله، على: حرف جر، على نقول: مبتدأ مرفوع بالابتداء، ورفعه ضمة مقدرة على آخره، لماذا؟ لأن على هنا كالفتى، والفتى هذا لا تظهر فيه حركة الإعراب.

إذاً: العلامة الخامسة: ومسندٍ، أي: محكومٍ به من اسم أو فعل أو جملة، نحو: أنت قائمٌ، قائمُ: هذا مسند، دل على اسمية: أنت، هكذا؟ قائم، نقول: هذا مسند دل على اسمية: أنت، لماذا؟ لأن المسند في كلام صحيح يستلزم مسنداً إليه، بدلالة الالتزام، كذلك: قمت، أين المسند؟ قام، والتاء: مسند إليه، في الأول قلنا ماذا؟ أنت قائمٌ، المسند إليه تقدم، وقمت: المسند إليه تأخر، قائمٌ المسند اسم، قمت: المسند فعل.

زيد أبوه قائمٌ، زيد هل هو اسم أو فعل أو حرف؟ نقول: هو اسم، بدليل ماذا؟ أبوه قائم، هذه الجملة خبر، وهي مسند ولا يسند إلا إلى الأسماء.

طيب! يرد علينا إشكال، تسمع بالمُعيدي خيرٌ من أن تراه، خير: هذا مسند، أليس كذلك؟ خير: خبر أو لا؟ خبر ماذا بكم؟ تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه، خيرٌ مثل:((وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)) [البقرة:184]((وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ)) [النساء:25] إذاً نقول: خير: هذا خبر، هذا خبر مسند، كل مسند يستلزم مسنداً إليه، طيب! تسمع، هذا إشكال فعل أو اسم؟ فعل، كيف نقول: المسند دليل على المسند إليه وهو الاسم؟

على القاعدة الأصل، قلنا: إذا تقرر عندنا صحة علامة حينئذٍ لا يعترض عليها بالفروع والصور والأمثلة، قاعدة في الشريعة كلها، حتى في باب المعتقد: إذا أصل أهل العلم .. أهل السنة والجماعة اتفقوا على أصل نصوا عليه صراحةً حينئذٍ إذا مر بك حديث، مرت بك آية، قد يفهم منها شيء يعارض ذاك الأصل، ما تأتي وتشكك في الأصل، لا، وعندنا القاعدة هنا: رد المتشابه إلى المحكم، وهذا كذلك يقال في الفقه ويقال هنا في النحو.

إذا قعد قاعدة .. قعدت قاعدة، وكانت أدلتها ثابتة من كلام العرب، حينئذٍ إذا وجد مثال أو مثالان أو أربعة أو خمسة، يخالف ظاهرها تلك القاعدة، لزاماً نوؤل هذا المثال، لا نقول: يشكل علينا ونشتغل به لا، مباشرة تقول: هذا أصل متفق عليه عند أهل العلم، سواء كان في النحو أو في غيره، وهذا المثال قد يعارض في الظاهر، إذاً هو الذي يقبل التأويل لا ذاك الأصل.

ص: 12

إذاً: لا يسند إلا إلى الاسم، هذه قاعدة، إذا جاءنا مثل هذا التركيب لا بد من تأويله، فحينئذٍ نقول: تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه، فتسمع هذا منسبك مع أن المحذوفة بمصدر، أي سماعك، أين: أن؟ محذوفة، وإذا حذفت: أن ارتفع الفعل، الأصل أن تسمع، وإذا قلت أن تسمع حينئذٍ صار سماعك؛ لأن: أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، والمصدر اسم، إذاً: صح الإخبار أو لا؟ صح الإخبار، وقد جاء في أفصح الكلام، أي:((وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)) [البقرة:184] خير: هذا خبر، وهو مسند، أين المسند إليه؟ نقول: موجود، أين هو؟ أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، صومكم أو صيامكم خير لكم.

((وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ)) [النساء:25] صبركم خير لكم، أن تسمع بالمعيدي، حذفت: أن، فارتفع الفعل: تسمع، فحينئذٍ لا بد من القول بأن: تسمع هنا في قوة المصدر، وإن حذفت أن، فحينئذٍ نقول: الإخبار هنا بقولنا: خير في المثل عن مصدر، والمصدر لا يكون إلا اسماً، من علامات الأسماء كونه مصدراً.

إذاً: تسمع منسبك مع أن المحذوفة بمصدر، والأصل: أن تسمع، أي: سماعك، فحذفت أن ورفع المثل، وحذف أن مع رفع الفعل ليس قياسياً، وإن كان مخالفاً للقياس، وحسَّن حذفها وجودها في أن تراه، تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه، لما وجدت أن في الطرف الأخير سوغ حذفها من أولها، روي هذا المثل بوجه آخر: أن تسمع على الأصل .. أن تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه، فيه إشكال؟ لا إشكال فيه، وروي بالنصب على إضمار أن: تسمعَ بالمعيدي خيرٌ من أن تراه، وهذا يقوي الوجه الأول، تسمع بالنصب، يعني: ضُمِّن أو قدِّر أن ووجد أثرها بعد حذفها، وهذا شاذ سيأتي في باب النواصب أنه شاذ.

لكنه لما روي بهذا وذا وذاك، حينئذٍ بمجموع هذه الأمثلة نقول: يتقوى القول بأن: خيرٌ: خبر عن اسم، سواء قلنا سماعك أو لا، لا بد من تأويل تسمع باسمه على أي وجه كان.

وروي بالنصب على إضمار أن؛ لأن المضمر في قوة المذكور بخلاف المحذوف، لكن نصبه على إضمارها في مثل ذلك شاذ كما سيأتي في بابه.

وهذا المثل للرجل الذي له صيت في الناس لكنه محتقر المنظر، وأما قولهم: زعموا: مطية الكذب، هذا مثل ضرب زيد، ضرب: فعل ماضي، زعموا مطية الكذب، مطية: خبر، وهو مسند، أين المسند إليه؟ زعموا، زعموا: هذه جملة فعل وفاعل، هل هي مسند إليه؟ نعم، مسند إليه، لماذا؟ قصد لفظها.

لا حول ولا قولة إلا بالله: كنز من كنوز الجنة، كنز، فكنز: هذا خبر مسند، إذاً: أين المسند إليه؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.

ونقف على هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه

ص: 13