الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* شرح الترجمة (الإضافة) وحدها
* ما يحدث لأجل الإضافة ،وحكم المضاف إليه
* معاني الإضافة وإختلاف النحاة في ذلك
* أنواع المضاف بإعتبار مايضاف إليه وفائدة الإضافة المعنوية.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
قال الناظم رحمه الله تعالى: الإِضَافَة.
أي: هذا بابُ بيانِ الإضافة وهو النوع الثاني من نوعي الاسم المجرور، الاسم المجرور إما أن يكون بحرفٍ، وسبق فيه الكلام في باب حروف الجر، وهذا النوع الثاني وهو المجرور بالمضاف أو بالحرف المقدّر على خلاف سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
الإِضَافَةُ: هذا مصدر: أضافَ يُضيفُ إضافةً، فأَلِفُهُ مُنقلبة عن ياء؛ لأنه قيل: مُشتقّ من الضيف باستناده إلى مَن ينزل عليه، ولذلك تقول: يُضيف، من أين جاءت هذه الياء؟ نقول: أصلها هي الألف المنقلبة ياءً، أضافَ يضيفُ إضافةً، من باب: أفعلَ يُفعِل إفعالاً، المصدر على الإفعال، وأفعَل إذا كانت عينه معتلةً .. حينئذٍ لو كانت عينه معلة وقلبت الواو أو الياء ألف، حينئذٍ تُحذَف في المصدر، هذا الصحيح، وقيل: المحذوف هو ألف المصدر، والصواب: هو أن المحذوف هو عينُ الكلمة؛ لأن أضافَ أصلُه (أَضْيَفَ) على وزن (أفعل)، كأقامَ أقوَمَ إقامةً، استعانَ استعانةً، ونحو ذلك، فـ أَضافَ أصله: أضْيَفَ، الضاد ساكنة في الأصل، ونحن نقول: إِضَا .. إِضَا .. تحرّكت، نقول: حركةُ الياء نُقِلت إلى ما قبلها فسكنَت، حينئذٍ نُظِر إليها بنظرين قبلَ النقل وبعدَ النقل، فيقال: تحرّكت الياء وانفتح ما قبلها فوجَبَ قلبها ألفاً، يعني: يُنظر فيها بنظرين، وهذا فيه تكلّف، وإن كان أكثر الصرفيين على هذا، فحينئذٍ نقول: الأولى أن يقال اكتفاءً بجزءِ العلة .. هذا أولى، فيُقال: أضيَفَ تحرّكت الياء وسكَنَ ما قبلها، وإن كان الأصل أن تتحرّك الياء ويُفتَح ما قبلها، لكن نقول: اكتفاء بجزء العلة قُلِبت الياء ألفاً، لماذا نقول هذا؟ لأن العربَ ما نطقَت بأضيَف، وإنما نطقَت بأضاف، إذن: قلبوها، ونظرنا فإذا بها على وزن أفعلَ، إذن: الفاء ساكنة، لابُد من إيجاد علة تكون سبباً في قلبِ الياء ألفاً، فابتكروا هذه؛ قالوا: تحرّكت الياء باعتبار الأول وفُتِح ما قبلها باعتبار الثاني، فقلبت الياء ألفاً، أو نقول اكتفاءً بجزء العلة؛ لأن العلة مركّبة، تحرُّك الياء وانفتاح ما قبلها.
إذن: مِن شيئين، لابد أن يتحرّك حرف العلة الواو أو الياء ويُفتَح ما قبله، حينئذٍ يجوزُ قلبُ الواو أو الياء ألفاً:(قَ، وَ، لَ)، تحرّكت الواو وانفتح ما قبلها، (بَ، يَ، عَ)، تحركت الياء وانفتح ما قبلها.
أما (أضيفَ) تحركت الياء ولم يُفتح ما قبلها، ومع ذلك نطقت العرب بماذا؟ أضافَ، إذن: قلبوا الياء ألفاً، مع وجودِ بعض العلة، إما أن نقول: بأن العلة كما هي ثابتة بالنظرين السابقين حصلَ إعلال بالنقل، وإما ان نقول: اكتفاء بجزء العلة، إذن: الإضافة نقول: هذا مصدر، أضافُ يُضِيفُ إضافةً، ومصدرُ الأفعلَ هو الإفعال، والألف هذه هي ألف المصدر، حينئذٍ اجتمعَ عندنا ألفان، الألف المنقلبة عن عينِ الكلمة: الياء، وألف المصدر، اجتمعا لابد من حذفِ أحدهما، واختلفوا في أيّ الألفين المحذوف، والصواب أنه عينُ الكلمة، وأما ألف المصدر لا، ما جِيءَ به -كقاعدة مطردة معك- ما جيءَ به زيادة على الكلمة فهو حرف معنى لا يُحذَف، يُحذَف أصلٌ من الكلمة ولا يحذف هذا الحرف، لماذا؟ لأن الحرف هذا جِيءَ به لمعنى؛ للدلالة على المصدرية، وأما حرفُ الكلمة العين، هذا لو حُذِف لابد من شيء يدلُّ عليه، هذا الأصل، ولو بردّ الكلمة إلى أصولها، ولذلك:((فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى)) [عبس:6]، اختلفَ النحاة: تتصدى هذا الأصل، بتائين، إحدى التائين هي حرفُ المضارعة، والتاء الثانية هي من أصل الكلمة: تتصدى، أي التائين محذوف؟ اختلفوا، قيل: حرفُ المضارعة وقيل التاء الأصلية .. مِن أصل الفعل، والصواب: أن المحذوف هو الذي مِن أصل الفعل، لماذا؟ لأن التاء التي هي حرفُ مضارعة لو حُذِفت لم يدل عليها شيء، وأما التاء التي هي أصلٌ لو حذفت لابد أنك تردّ الكلمة إلى أصلها، فتعرفُ أنه فعل مضارع، وأن أصله: تصدّى، هذا فعل ماضٍ: تتصدّى، دخلَ عليه حرفُ المضارعة، إذن: نقولُ الصواب في مثل هذا أن الذي حُذِف هو التاء الأصلية، يعني: مِن أصل الفعل، سواء كانت زائدة أو كانت أصلية، وأما حرفُ المضارعة فلا يمكن حذفُهُ؛ لأنه لا يدلُّ عليه شيء بعدَ حذفه، وهذه قاعدة عندَ النحاة أن المحذوف لا بدّ له من قرينة تدل عليه بعد حذفه، فلو حذفنا التاء الأصلية نقول: بإرجاعنا للفعل إلى أصله عرفنا المحذوف؛ نعرفه مباشرة، وأما التاء التي هي حرفُ المضارعة فلا؛ لأنها حرف معنى إنما زِيدت من أجل الدلالة على المضارعية.
هنا إضافة .. الإضافة مصدر، ولذلك وزنه الإفعال، أفعلَ يُفعِلُ إفعالاً، أكرمَ يُكرِمُ إكراماً، الألفُ هذه هل هي ألف أضاف، أم إفعال التي هي ألف المصدر؟ يحتملُ هذا وذاك؛ لأنه اجتمعَ عندنا ألفان: إضافة، ألف وألف لا يمكن النطق بها، حينئذٍ لابد من حذفِ إحدى الألفين، فيتعيّنُ أن يكون المحذوف هو عين الكلمة لا ألف المصدر، وهذا سيأتينا في باب المصدر.
الإضافة قلنا: مصدر أضافَ يُضيفُ إضافة، وهي في اللغة قيل: الإسناد، وقيل: الإمالة، ومنه ضافَت الشمسُ إلى الغروب يعني مالت، أو أَضفتُ ظهري إلى الحائط أملتُه إليه: فَلَمَّا دَخَلْنَاه أَضَفْنَا ظْهُورَنَا .. ففُسِّر أضفنا ظهورنا هنا بالإمالة، وفُسّر بالإسناد.
وأما في اصطلاح النحاة فلها معنى خاص، حقيقة عرفيّة عندهم، وهي: إما أن يقال بأنها إسناد اسم إلى غيره على تنزيل الثاني مُنزلة التنوين أو ما يقومُ مقامه، إسنادُ اسمٍ إلى غيره، على تنزيلِ الثاني منزلة التنوين مما قبلَه أو ما يقومُ مقامَ التنوين، إسنادُ اسم إلى غيره.
إسناد: ليس المراد به الإسناد التام الذي يكون النسبة بين المسند والمسند إليه، وإنما المرادُ به مُطلَق الإسناد، وعُرِّف أيضاً الإضافة بقولهم: نسبةٌ تقييدة بين اسمين تُوجِب لثانيهما الجرَّ أبداً، نسبة تقييدية، والنسبة هذه تُطلَق ويُراد بها المعنى المفهوم من الجملة إثباتاً أو نفياً، يعني: مدلول الجملة، مدلول الجملة ما هو؟ قامَ زيدٌ: قيام زيدٌ: ثبوت قيام زيد، ما قام زيدٌ، مدلول الجملة هو نفيُ قيامِ زيد، هذه النسبة مِن أين أُخِذت؟ من إسنادِ الفعل إلى فاعله، أو المبتدأ إلى خبره، حينئذٍ نقولُ: هذه نسبةٌ تامّة، وهو الإسناد الكلي الأصلي الذي أُخِذ جِنساً في حدّ الكلام، نحن قلنا: يُشترَط في الكلام أن يكون مركباً، ما المراد بالتركيب؟ المرادُ به الإسناد، إثباتُ حكمٍ لاسم أو نفيُه عنه، حينئذٍ نقول: الإسناد ذاك ليسَ هو المراد هنا، ولذلك قال: نسبةٌ تقييدية، يعني: ليسَت نسبة تامة كليّة يُفهَم منها مدلول الجملة لا، وإنما هو تُقييدُ لفظٍ بلفظ، والنسبُ هذه في الأصل هي معاني عقلية، معاني في العقل في الذهن، وإنما تُوجَد في ألفاظ على جهة التنزيل، حينئذٍ إذا قيل: غلامُ زيدٍ، نقول: غلامُ، هذا الأصل أنه مُطلَق، وزيد الأصل أنه مُطلق، فإذا نسبتَ غلامَ إلى زيد قيّدته، والأصل أن لفظَ غلام هذا لا يختصُّ بزيد، ولا يختصُّ لا بذكر وبأنثى، ولا بزيد ولا بعمرو، فإذا قلت: غلام صارَ مُبهماً مُطلقاً نكرة شائعة في جنسه، فحينئذٍ إذا قلت: غلامُ زيدٍ على جهة الإضافة حصلَ تقييد، ما هو هذا التقييد؟ ارتباطُ غلام بزيد هذا المراد به النسبة هنا: ارتباطُ اسمٍ باسمٍ، ولذلك قال: نسبة تقييدية بين اسمين، على جهةِ ماذا؟ على جهة أن الأول مُضاف إلى الثاني، لا على أنه حكمٌ محكومٌ به على الثاني لا؛ لأن هذا شأن المبتدأ مع الخبر والخبر مع المبتدأ، وأما الغلام وزيد فلا، وإن كان بينهما نسبة، إذن: النسبة التي هي الارتباط المعنوي بين كلمتين، هذه قد تكون نسبة أساسية، نسبة كُلّية، وهذه مأخوذة في حدِّ الكلام، ما عداها فهي نسبة تقييدية ليست كليّة، وهذه تكون بين الموصوف وصفته والمضاف والمضاف إليه، والبدل والمبدل منه .. كلّ اسمين لهما ارتباط بعضهما ببعض حينئذٍ نقولُ هذه نسبة، لماذا؟ لأنه لا يُوصَف الشيء بالشيء إلا إذا كان بينهما ارتباط، ولا يُضافُ الشيء إلى الشيء إذا كان بينهما ارتباط، ولا يُبدَل الشيء من الشيء إلا إذا كان بينَهما ارتباط، ولا يُعطَف الشيء على الشيء إلا إذا كان بينهما ارتباط، الارتباطُ هذا هو النسبة، المعنى الذي جعلَكَ تربطُ هذا بذاك نقول هذا نسبة، ويُسمّى حكماً، ويُسمّى إسناداً، حينئذٍ إذا كان بين مبتدأ وخبر فهو نسبة كلية، وإذا كان بين فعلٍ وفاعل فهو نسبة كلية، وإذا كان بينَ مُضاف ومُضاف إليه ونعت ومنعوته، وبدل ومُبدَل منه، حينئذٍ نقول: هذه نسبة قاصِرة ليست تامة.
إذن: المضاف يكون بينَه وبينَ المضاف إليه نسبة تقييدية، يعني: الأول قيّدَ الثاني وحدّده، أضفتَ الأولَ إلى الثاني فاكتسبَ منه التقييد والتحديد. نسبةٌ تقييدية بينَ اسمين، فخرجَ بالتقييدية الإسنادية التامة، التي يُعنَوَن لها بالنسبة الكلية أو النسبة الأساسية، نحو: زيدٌ قائمٌ، وبما بعده نحو: قامَ زيدٌ؛ لأنه نسبةٌ بينَ فعل واسم، ولا ترِدُ الإضافة إلى الجمل؛ لأنها في تأويل الاسم، إذا قيلَ: بين اسمين، سيأتي معنا أن بعضَ الألفاظ يُضاف إلى الجملة، فكيف يقال: الإضافة هنا خاصّة بين اسمين؟ هل هذا تعارض؟ نقول: لا، ليسَ بتعارض؛ لأن المُضاف إليه إذا كان جملة، حينئذٍ يُؤوّل بالمفرد، ولذلك جعلنا المضاف والمضاف إليه مِن علامة الاسم، إذا جاءَ اللفظُ مضافاً قلنا: هو اسمٌ، ما الدليل؟ كونُه مضافاً؛ لأنه لا يكون مُضافاً إلا الأسماء، إذا جاءَ مضافاً إليه حينئذٍ حكمنا عليه بأنه اسمٌ، لماذا؟ لأنه لا يكونُ مضافاً إليه إلا الاسم، طيب:((هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ)) [المائدة:119]، أُضيف يوم إلى ينفع، وهو جملة فعلية، نقول: هذا مُؤوّل بالاسم، فإذا أُوّل بالاسم حينئذٍ إما أن يكون مصدرا مضافاً إلى الاسم، وذلك إذا كان مُشتقّاً، وإما أن يكون كوناً مضاف إلى الاسم، وذلك إذا كان مشتقاً، وإما أن يكون كوناً مضاف إلى الاسم وذلك إذا لم يمكن تأويله على ما قيل في باب (أنّ) إذا كان الخبر مُشتقّاً حينئذٍ جِيءَ بمصدر .. إلى آخر ما ذكرناه سابقاً.
إذن: لا يُعترَضُ بإلإضافة إلى الجمل؛ لأنها في تأويل الاسم.
تُوجِبُ لثانيهما الجرّ أبداً. يعني: هذه النسبة لها أثرٌ، أثرٌ في الثاني الذي هو المضاف إليه على الصحيح، الثاني هو المضاف إليه، والأول هو المضاف، وهذا قولُ الجمهور، حينئذٍ المضاف يبقى على حاله من حيث تسلُّط العوامل عليه، فإن رُكِّب معه عامل يقتضي رفعَه رُفِع، أو عامل يقتضي نصبَه نُصِب، أو عامل يقتضي جرَّه جُرّ، وأما الثاني فيلزمُ الجرّ أبداً، لا يكون في حال من الأحوال مرفوعاً ولا منصوباً، إلا مِن حيث المحل؛ وذلك إذا أُضيف المصدر، وهي إضافته محضةٌ، إذا أُضيف المصدر إلى فاعله أو إلى مفعوله:((وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ)) [البقرة:251]، (الله) هذا ثاني مجرور وهو مُضاف إليه، طيب في المحلّ هو فاعل، ولذلك نَصَبَ:(لَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ)، ضربُ زيدٍ عمروٌ شديد، نقول: عمروٌ هذا فاعل، وزيدٍ: مفعول به، لكن مِن حيث المعنى. نسبةٌ تقييديةٌ بينَ اسمين تُوجِب لثانيهما الذي هو المضاف إليه الجرّ أبداً، وسَكَتَ عن المضاف لأنه يكونُ بحسب العوامل.
إذن: نسبةٌ تقييدية هذا ما أشارَ إليه بعضُهم بقوله: إسنادُ اسمٍ إلى غيره على تنزيل الثاني منزلة التنوين أو ما يقومُ مقامَ التنوين؛ لأنه سيأتي أنه مما يجبُ حذفُه من المضاف التنوين، غلامٌ: الأصل فيه وجوبُ التنوين، فإذا أضفتَه حينئذٍ وجبَ حذفُ التنوين كما سيأتي، فتقول: غلامُ زيدٍ، نزّلتَ الثاني المضاف إليه من غلام منزلة التنوين، ولذلك نُوِّن آخرُ زيدٍ، لماذا؟ لكونه صارَ كجزء من الكلمة، كذلك إذا كان آخرُه نوناً تلي الإعراب، يعني: نون المثنى أو جمع التصحيح، حينئذٍ تقول: هذان غلاما زيدٍ؛ ضاربو زيدٍ، حذفتَ النون وهي قائمةٌ مقامَ التنوين، هذا مما يجبُ إلحاقه بالمضاف.
إسنادُ اسمٍ إلى غيره على تنزيلِ الثاني منزلةَ التنوين أو ما يقومُ مقامَه .. التنوين مما قبله.
إذن: نسبةُ المراد بالنسبة الحكم والإسناد، وهو المعنى المفهومُ مِن الجملة إثباتاً أو نفياً، وكذلك يُعبَّرُ عنه بالربط المعنوي بين طرفي الجملة، لكن هذا الإسناد التامّ، المعنى الكلي، وأما هنا في هذا المقام لا، المراد به مُطلَق الإسناد، أي ارتباط بينَ اسمين لا على جهة الإسناد التام، أيُّ ارتباطٍ بين كلمتين بينَ اسمين لا على جهة الارتباط التام مع بقيةِ الأحكام، يعني: يُحذَف التنوين من الأول، وتُحذَف (أل) ويُضاف الثاني، ليست مُطلقة هكذا؛ لأن النعت والمنعوت نسبة تقييدية، إذا قيل: جاءَ زيدٌ العالمُ، زيدٌ العالمُ، عندنا هنا في هذا التركيب نِسبتان .. انتبه: جاءَ زيدٌ هنا فيه نسبة تامّة؛ لأنها وقعَت على جهة الإسناد التام، وهو إفادةُ القيامِ لزيد، نقول: هذا إسنادٌ تام وهو المُشترَط في حدّ الكلام، جاء زيدٌ، زيدٌ العالمُ، زيدٌ فاعل والعالم نعت، إذن: عندنا صفة وموصوف، ما العلاقة بينهما؟ بينهما إسنادٌ، وبينهما نسبة وحكم، كما أن بينَ جاءَ زيدٌ نسبة وحكم، لكن تلك تامّة وهذه ناقصة، تلك كُليّة وهذه تقييدية، وإن كان أيضاً بينَ: جاءَ زيدٌ نسبة تقييدية، لكنها على وجهِ التمام، حينئذٍ نقولُ: المضاف والمضاف إليه بينَهما نسبة، والمراد بالنسبة هو الربط المعنوي بين طرفي الجملة في الإسناد التامّ، وبينَ طرفي أو بينَ الاسمين على جهة الخصوص في المُضاف والمضاف إليه أو البدل والمبدل منه أو الصفة والموصوف، وهذا المراد به النسبة الكلية أو النسبة الأساسية.
وأما التقييديةُ التي هنا، فهي التي جاءت لإفادةِ التقييد والتحديدِ بإضافة الأول إلى الثاني، وتصحُّ هنا الإضافة بأدنى مُلابَسة، إضافةُ الأول للثاني نسبةٌ تقييدية هل ثم عنوانٌ يمكن ضبطُه متى نُضيفُ ومتى لا نُضِيف؟ هنا النحاة والبيانيون قالوا: أدنى نسبةٍ أدنى ارتباط بينَ الاسمين يجوزُ أن يُضاف الأول إلى الثاني، يعني: متى ما شَعَرَ الإنسان أن ثم ارتباطاً بين اللفظين، حينئذٍ جازَ إضافةُ الأول إلى الثاني، ولذلك قالوا في قوله تعالى:((لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا)) [النازعات:46]، العشية والضحى مختلفان، لكن قال:((عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا)) [النازعات:46]، الضميرُ يعودُ إلى العشية، يعني: ضُحى العشية، ما يأتي هذا كيف؟ هل هو مثل غلامُ زيد؟ ما العلاقةُ هنا .. ما النسبة بين اللفظين؟ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا، يعني: ضُحى العشية، قالوا: أدنى مُلابَسة، ما هي الملابسة؟ كونُ كلٍّ منهما طرفي النهار، هذا في أوله وهذا في آخره؛ لأنه قد يُحمَل الشيء على نقيضه، كما مرَّ معنا في (لا) النافية للجنس، قلنا: هذه أُعملت عمل (إنّ) بحملها على النقيض؛ لأنها مؤكِّدة للنفي وتلك مؤكِّدة للإثبات.
إذن: قد يُحمَل الشيء على نقيضه، هنا كذلك نُظِر إلى طرفي النهار، إذن: بينهما مُناسبة أو لا؟ بينهما مناسبة، فصحَّ، وإن لم تكن هذه المناسبة ظاهرة لكلّ أحد، قد يقولُ قائل: لماذا أُضيف ضحاها هنا لعشية وهو مُضاف إلى الضمير؟ نقول: وتصحُّ بأدنى مُلابَسة كالآية المذكورة، لما كانت العشية والضحى طرفي النهار صحّت إضافةُ أحدهما إلى الآخر.
وقولهم: كَوْكَبُ الخَرْقاءِ، الخرقاء امرأة تستيقظُ عندَ ظهور هذا الكوكب، كوكب الخرقاء ما العلاقة بينهما؟ أُضيفَ إليها لأنها كانت تتنبّهُ وقتَ طلوعه، إذن: أدنى مُلابسة بين اسمين، حينئذٍ لكَ أن تُضيف الأول إلى الثاني، وليسَ له ضابطٌ يمكن الاعتمادُ عليه بأنه إذا كان كذا .. إلى آخره، وإنما هي ليست كالعلاقات بين المجاز المرسَل لا، هناك ثمانية عشرَ نوعاً مما يجوزُ فيه إطلاق الكل على الجزء أو العكس إلى آخره، وأما في الإضافة لا، والأصح أن الأول قلنا: نسبة تقييدية بين اسمين، الأصحُّ أن الأول هو المضاف والثاني هو المضاف إليه، وهذا قولُ جماهير النحاة، غلامُ زيدٍ، غلامُ: هو المضاف وزيدٍ: هو المضاف إليه، وقيلَ العكس غلام هو المضاف إليه وزيدٍ هو المضاف، وقيلَ كلٌّ منهما مضاف ومضاف إليه، يعني: غلامُ مضاف إلى زيد، وأُضيف إليه زيد، وزيدٌ مُضاف إلى غلام، ومُضافٌ إليه غلام، كلّ منهما يصحَّ أن يقال بأنه مضاف ومضاف إليه، فيستفيدُ منه تخصيصاً وغيره.
إذن: الأصحّ أن الأولَ هو المضاف والثاني المضاف إليه، وهو قولُ سيبويه؛ لأن الأول هو الذي يُضاف إلى الثاني، الأول الذي هو غلامُ هو الذي يُضاف إلى الثاني وهو زيد، فيستفيدُ منه تخصيصاً أو تعريفاً، وهذا في الإضافة المحضة.
وقيل: عكسُه، وثالثُها يجوز في كلٍّ منهما كلٌّ منهما، يجوزُ في كلٍّ منهما، يعني: غلام وزيد، كلٌّ منهما أنه مضاف أو مضاف إليه، وهذه عبارة السيوطي في (همع الهوامع)، ولا يكونُ المضاف إلا اسماً كما ذكرناه سابقاً، فهو من علامةِ الاسمية، ودليله أمران:
الأول: أن الإضافة تعاقِبُ التنوينَ، أو النونَ القائمة مقام التنوين، كما ذكرناه هنا أن الثاني يُنزّل منزلة الأول بمنزلة التنوين منه، وينزل منزلة ما يقومُ مَقامَ التنوين وهو النون في المثنى وجمع التصحيح.
الثاني: الغرضُ من الإضافة تعريفُ المضاف، والفعل لا يتعرّفُ، فلا يكون مضافاً؛ إذن: لهذين السببين حكمنا على المضاف بأنه لا يكون إلا اسماً.
السبب الأول: أن المضاف إليه يعقُبُ التنوين والنون، وهل التنوين والنون تدخلُ على الفعل؟ الجواب: لا، إذن: اختصَّ بالمضاف. والتنوينُ لا يدخل إلا الأسماء.
الثاني: أن الإضافة تفيد تعريفَ المضاف إليه، وهذه لا، لأن المضاف إليه يُفيدُ تعريفَ المضاف، حينئذٍ لا يكون المضاف فعلاً بل يكون اسماً، والأصل في المضاف إليه أن يكون اسماً كذلك؛ بسببِ كونه محكوما عليه في المعنى، لو نظرتَ إلى هذه النسبة بين الطرفين .. اسمين لخرجتَ بأن المضاف إليه في المعنى محكوم عليه، وإن لم يظهر في كل إضافة، لكن في الجملة المضاف إليه لا يكون إلا محكوماً عليه، ولا يُحكَم إلا على الأسماء، وإضافةُ الجمل على التأويل باسم هو مصدر المسند أو الكون العام كما ذكرناه سابقاً.
إذن: الإضافةُ تكونُ بين لفظين اسمين: مضاف ومضاف إليه، والأول هو المضاف والثاني هو المضاف إليه، وقيل: عكسُهُ، وقيل: كلٌّ منهما يصحّ إطلاق اللفظ عليه.
قال: الإِضَافَة
نُوناً تَلِي الإِعْرَابَ أَوْ تَنْوِينَا
…
مِمَّا تُضِيفُ احْذِفْ كَطُورِ سِينَا
وَالثَّانِيَ اجْرُرْ وَانْوِ مِنْ أَوْ فِي إِذَا
…
لَمْ يَصْلُحِ الَاّ ذَاكَ وَاللَاّمَ خُذَا
لِمَا سِوَى ذَيْنِكَ وَاخْصُصْ أَوَّلَا
…
أَوْ أَعْطِهِ التَّعْرِيفَ بِالَّذِى تَلَا
نُوناً: بالنصبِ على أنه مفعول به لقوله: احْذِفْ، كأن أول الكلام: احذِف نوناً تلي الإعراب أو تنويناً، إذن: إذا أردتَ إضافة اسمٍ إلى آخر لابدّ من عملية، هذه العملية تشملُ شيئين، ما يجب حذفُه وما يجوز حذفُه، ما يجبُ حذفُهُ هو ما نص عليه بقول: احْذِفْ .. هذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب.
إذن: إذا أردتَ إضافة اسم إلى اسم آخر يجبُ حذفُ التنوين والنون التي تلي الإعرابَ من المضاف، فالكلام هنا عن المضاف، فبيّنَ العمليةَ التي تُجرى أولاً من أجل التركيب الإضافي بأن تحذفَ النون من الأول؛ لأن الثاني نُزِّل منزل التنوين مما قبله، وتحذفُ النون التي تكون في المثنى وفي جمع التصحيح؛ لأنها قائمةٌ مقامَ التنوين، فحُذِف الأصل وفرعه، فإذا حُذِف التنوين الذي هو أصل، -تنوين الصرف-، إذا حُذِف فمن باب أولى وأحرى أن تحذف النون، لذلك قال: نُوناً تَلِي الإِعْرَابَ أَوْ تَنْوِينَا: وقدَّمَ النون هنا على التنوين من باب الضرورة فقط، وإلا التنوينُ هو الأصل والنون هذه قائمة مقامَه.
مِمَّا تُضِيفُ: يعني: مِن المضاف، مِمَّا تُضِيفُ، يعني: مما تريدُ إضافتَه إلى ما بعدَه، فالكلام حينئذٍ مُنصبٌّ على المضاف لا على المضاف إليه.
نُوناً تَلِي الإِعْرَابَ أَوْ تَنْوِينَا
…
مِمَّا تُضِيفُ احْذِفْ كَطُورِ سِينَا
نُوناً تَلِي الإِعْرَابَ، نُوناً: مفعول به مُقدّم على قوله: احْذِفْ، وصفَهُ بقوله: تَلِي الإِعْرَابَ: يعني: تلي حرفَ الإعراب، والنونُ التي تلي حرفَ الإعراب هي نونُ المثنى وجمع التصحيح، جمع التصحيح الذي هو جمع المذكر السالم، وأما النون التي يليها الإعرابُ فهذه لا تُحذَف؛ لأنها أصلٌ من الكلمة، كنونِ شياطين، إذا قلت: شَيَاطِينُ الإِنْسِ لا تحذف النون، لماذا؟ لأن هذه النون يليها الإعرابُ؛ فهي مَتلوّة لا تالية، فهي متلوة بالإعراب، شَيَاطِينُ، إذن: جاءت الضمة بعد النون عند نهايتها، وهذا على القول بأن الإعراب لاحق للحرفِ الأخير، وأما على القول بأنه مقارِنٌ له فلا، والمشهور الأول.
إذن: تَلِي الإِعْرَابَ، يعني: تابعة لحرفِ الإعراب الذي هو الألف في المثنى والياء كذلك والواو والياء في جمعِ التصحيح .. جمع المذكر السالم.
وأما التي يليها الإعرابُ فلا يجبُ حَذفُها، بل لا يجوزُ حَذفُها كنونِ شياطين، شَيَاطِينُ الإِنْسِ، بساتينُ زيدٍ نقول: هذه تُضافُ وتبقى على أصلها.
نُوناً تَلِي الإِعْرَابَ: وهي نونُ المثنى والمجموع على حدِّه، وما أُلحق بهما.
تَلِي الإِعْرَابَ: أي: حرفَ الإعراب.
أَوْ تَنْوِينَا: هذا معطوفٌ على قوله: نُوناً، احذِف تنويناً، سواءٌ كان التنوين ظاهراً مَلفوظاً به أو مقدراً، والظاهر مَثّلوا له بـ غلامُ زيدٍ، أصله غلامٌ بالتنوين؛ لأنه يُنطَق به، والمقدّر عنه بـ الممنوع من الصرف، هذا غلامُ زيدٍ ودراهمه؛ دراهم: هذا ممنوع من الصرف؛ لصيغة منتهى الجموع.
إذن: التنوينُ قالوا: فيه مُقدَّر، حينئذٍ تنوي؛ النيةُ محلها القلب، وتعتقدُ أنك لما أضفتَ دراهم -وهو ممنوع من الصرف- أنك حذفت التنوين.
إذن: أَوْ تَنْوِينَا: ظاهراً أو مُقدَّراً، والمقدَّر يكون في الاسم الممنوع من الصرف، والمانعُ من ظهوره شبَهُ الفعل كما سيأتي في محلِّه. دراهمه دراهمك، دنانيرُه دنانيرُك، نقول: هنا حُذِف التنوين على نيّة التقدير.
مِمَّا تُضِيفُ: يعني: مما تُريدُ إضافته .. احذِف مما، مِمَّا: جار ومجرور مُتعلّق بقوله: احْذِفْ.
مِمَّا تُضِيفُ: يعني: مما تُريدُ إضافته إلى غيره، وهو المضاف. إذن: الكلام مُنصبٌّ على المضاف.
مِمَّا تُضِيفُ احْذِفْ: إن كان فيه ما ذُكِر، وإلا فلا، مثل (لدُن)، لدُن ليس فيه ذا ولا ذاك؛ لأنه مبني، فليس فيه تنوين مُقدّر، وليس فيه نُون، ماذا نصنع؟ ليس فيه ما يَستدعي الحذف، لا نوناً تلي الإعراب، هذه نون أصلية، وإن قيلَ بأنها زائدة، (لَدُن) وكذلك ليس فيه تنوين؛ لأن التنوينَ الظاهر في المعرب المنصرف، والتنوينُ المقدّر في الممنوع من الصرف، هذا الثاني فيه نزاع، المُقدّر في الممنوع من الصرف، وإذا أُضيف المبني إذن: لا يُحذَف منه لا ذا ولا ذاك.
إذن: هذا على جهة الأغلبية، يعني: تحذف ما ذُكِر إن وُجِد، وإن لم يُوجَد فلا حذفَ، لماذا؟ لعدم وجود ما يستوجبُ الحذف، مثاله: لدن زيدٍ، جئت مِن لدن زيدٍ يعني: من عندِ زيد، فـ (لدن) بمعنى عند.
إذا كان فيه ما ذُكِر وإلا فلا حذفَ كما في: لدُن زيدٍ.
إذن: نُوناً تَلِي الإِعْرَابَ؛ نُوناً: قيل نُطِق بها أو لم يُنطق، يعني: لا يشترط في النون أن يكون منطوقاً بها، يعني: قد تكون مَنويّة كالتنوين المقدَّر، التنوين المقدَّر في دراهم ليس ملفوظاً، كذلك لو قيل مثلاً: لبيكَ، كما سيأتي هذا مُثنى، لم يُنطَق بالنون بل هو ملازم للإضافة، لبيك إجابة بعد إجابة، حينئذٍ نقول: لبيك هذا مُثنى، أين النون التي حُذِفت؟ هو ما سُمِع إلا هكذا لبيك، أو ما خُلِق هكذا لبيك، فحينئذٍ نقول: أين النون التي حذفت؟ ليس فيه نونٌ محذوفة، وكذلك إذا قيل:(ذوَي مالٍ) على الإضافة، ذو هذه مُلازمة للإضافة، فإذا ثنّيته حينئذٍ تَبِعَ أصله المفرد، وهو ملازمة الإضافة، فإذا قلت: ذوي مالٍ وذوا مالٍ أينَ النون التي حُذِفت؟ ليسَ فيه نون، مع كونه ماذا مُثنى، والأصلُ فيه أن يكون مُلحَقاً بالنون عوضاً عن التنوين، كذلك ذوي مالٍ بالجمع، حينئذٍ نقول: ليس فيه نون.
إذن: نُوناً: احذِف نوناً نُطِق بها أو لم يُنطَق بها، كما في (لبيك) و (ذَوَي مال) و (ذَوِي مالٍ) على أنه جمع أو ملحق بجمع المذكر السالم.
إذن:
نُوناً تَلِي الإِعْرَابَ أَوْ تَنْوِينَا
…
مِمَّا تُضِيفُ احْذِفْ كَطُورِ سِينَا
هذا اسمُ جبلٍ بالشام يُقال طورُ سينين، وأصله طورٌ، وهو أيضاً اسم جبل، طورٌ هذا الأصل بالتنوين، لما أُرِيد إضافته إلى ما بعدَه، حينئذٍ وجبَ منه حذف التنوين، فقيل: طُورِ سِينَا، طورُ طورِ طورَ، يعني: سواء رفعتَ أو نصبتَ أو خفضتَ، والمضاف يأخذُ حكمَ ما قبلَه من العوامل، فحينئذٍ الشاهد من المثال: أن الأصلَ طورٌ سينا، فأضفت الأول إلى الثاني، والأصل فيه أنه مُنوّن تنويناً ظاهراً فوجبَ حذف التنوين.
وهنا الناظم لم يذكر مما يجبُ حذفه حذفَ الألف؛ لأنه إذا كان محلىً بـ (أل) وجبَ حذفُ الألف منه، إذا قيل: الغلامُ وأردتَ إضافته حينئذٍ يجبُ تجريد الغلام من (أل)؛ لأنه لا يجتمعُ معرِّفان على لفظ واحد؛ لأن المضافَ يكتسبُ التعريف مما قبله، أو يستفيدُ التخصيص مما قبلَه، حينئذٍ يلزمُ من ذلك أن لا يكون المضاف محلىً بـ (أل) وهذا أمرٌ ثالث يُزاد على المضاف مما يجب حذفه.
إذن: ما يُحذَف من المضاف لأجل الإضافة نوعان:
النوع الأول: ما يجب حذفه، وهو ثلاثة أشياء، ذكرَ الناظم منها شيئين:
الأول: نُوناً تَلِي الإِعْرَابَ: عرفنا الاحتراز، نُوناً تَلِي الإِعْرَابَ، يعني: تلي حرف الإعراب، يعني: تكون تابعةً، إذا قلت: غلامان، النون هذه تابعةٌ للألف، والألف هو حرف الإعراب، إذا قلت: ضاربون فالنون هذه تالية للواو، والواو هذا حرفُ الإعراب، وأما إذا كانت هي مَتلوّة بالإعراب، فحينئذٍ تبقى على أصلها.
إذن: يُحذف التنوين سواء كان ظاهراً أو مقدراً.
ثانياً: النون في المثنى والجمع على حدِّه كما ذكرناه.
ثالثاً: (أل) المُعرِّفة، هذا يجب حذفها ولا نزاعَ فيها، وإنما الإضافة اللفظية هي التي يأتي الاستثناء فيها، (أل) المُعرِّفة وذلك في الإضافة المحضة مطلقاً بدون تفصيل، وأما الإضافة اللفظية فهذا سيأتي فيه تفصيل.
النوع الثاني: ما يجوزُ حذفه ولا يجب؛ وذلك تاء التأنيث، بشرطِ أن لا يُوقِعَ حذفها في لبسٍ، فإن أوقَعَ مُنِع، تاء التأنيث يجوز حذفها للإضافة بالشرط الذي ذكرناه، نحو عِدة وإقامة، يجوز أن تقول: عِدتُك وإقامتُك بذكرِ التاء، ويجوز الحذف، نحو: وإقام الصلاة، قيل: أصله إقامةُ الصلاة، وحُذِفت التاء هنا جوازاً لا وجوباً، ومنه قول الشاعر:
وَأَخْلَفُوْكَ عِدَا الأَمْرِ الَّذِي وَعَدُوا
يعني: عدة الأمر الذي وعدوا.
إذن: قد تُحذَف تاء التأنيث للإضافة عند أمن اللبس للشاهد الذي ذكرناه:
وَأَخْلَفُوْكَ عِدَا الأَمْرِ الَّذِي وَعَدُوا
أي: عدة الأمر، والحذف هذا جائز، حينئذٍ هل يرد على الناظم؟ لا، لا يرد؛ لأنه أرادَ أن يذكرَ ما يجب حذفه، وإنما يرِدُ عليه (أل) المعرِّفة، وأما تاء التأنيث لا؛ لأنه يجوز ذكرها ويجوز حذفها، وهو إنما عنى ما يجبُ حذفه عند الإضافة، فلا يَرِد على المصنف؛ لأن كلامه في الحذف الواجب الكثير، وحذفُ هذه التاء جائز على قلة، حيث أُمِن اللبس، وإلا لم يجز كما في تمرة وخمسة، ثم هو سماعي وقيل: قياسي.
نُوناً تَلِي الإِعْرَابَ أَوْ تَنْوِينَا
…
مِمَّا تُضِيفُ احْذِفْ كَطُورِ سِينَا
ثم قال:
وَالثَّاني اجْرُرْ: لما أنهى ما يتعلّقُ بالأول بيّنَ حكم الثاني، انظر .. هنا غايَرَ بينهما، في الأول بيّنَ الصيغة التي يكون عليها المضاف، ولم يتكلّم عن حكمِهِ الإعرابي، والثاني: بيّنَ حكمَه الإعرابي ولم يتكلم على الصيغة.
قال: وَالثَّانِيَ: مفهومُه أن البيت الأول مُتعلّق بالأول الذي هو مضاف، فحينئذ: مِمَّا تُضِيفُ: يُراد به المضاف، احْذِفْ .. مِمَّا تُضِيفُ: يعني: من المضاف؛ بدليل قوله: وَالثَّانِيَ. طيب .. نُوناً تَلِي الإِعْرَابَ أَوْ تَنْوِينَا .. احذِف، هذا يتعلق بالإعراب أو بالصيغة؟ بالصيغة، سكتَ عن إعرابه.
ثم قال: وَالثَّاني اجْرُرْ: تكلّمَ عن الإعراب ولم يتكلّم عن الصيغة، سكتَ عن الحكم في الأول لبقائِهِ على أصله، وهو أنه على حسبِ ما يقتضيه من عوامل.
وَالثَّاني اجْرُرْ: بيّنَ حكمه لأنه مخالف للأصل، وسكتَ عن صيغته؛ لأنه ليس له ما يتعلّقُ به من جهة الصيغة، وإنما الحذفُ للتنوين ونحو ذلك يكون من الأول لا من الثاني.
إذن: فرقٌ بين البيت الأول والجزء الأول من البيت الثاني.
وَالثَّاني اجْرُرْ: يعني: والثاني من المتضايفين، وهو المُضاف إليه: اجْرُرْ، وجوباً أو جوازاً؟ وجوباً: وَالثَّاني اجْرُرْ: إذن: احذِف واجرُر، نقول: المراد بهما على أصلهما، وهو وجوبُ الأمر، يعني: مقتضاه الأصلي.
وَالثَّاني اجْرُرْ: يعني: والثاني هذا مفعول مُقدَّم، اجْرُرْ: يعني: من المتضايفين، أي: احكم بكون المضاف إليه مجروراً أبداً، سواءٌ لُفِظ به أم لا، والعاملُ فيه هو المضاف، على الصحيح، وهو مذهبُ سيبويه، وعليه الجمهور، لا بمعنى اللام خلافاً للزجاج ولا بالإضافة، ولا بحرف جرٍّ مُقدّر، حرف جر أصلي، فيه أربعة مذاهب، والصواب أن المُضاف إليه مجرور بالمضاف، وأعظمُ الأدلة على ذلك اتصالُ الضمير بالمضاف؛ لأن الضمير لا يتصلُ إلا بعامله، ولذلك تقول: غلامُه بالضمير اتصل به، غلامك.
إذن: وَالثَّاني اجْرُرْ، والعامل فيه المضاف نفسُه: غلامُ زيدٍ، فتقول: جاءَ غلامُ، غلامُ على أصله مرفوع بـ (جاء)؛ لأنه فاعل، ولذلك لم يتعرّض له الناظم.
قال: وَالثَّاني اجْرُرْ: الذي هو المضاف إليه، فتقول: غلام مضاف وزيدٍ مضاف إليه مجرور والعامل فيه (غلامُ) .. نفس اللفظ، كما تقول: غلامُ مرفوع بـ (جاءَ) نفسه، حينئذٍ تقول: زيدٍ: بجرور بغلام نفسه، وهو المضاف، وعمِلَ وهو كونه جامداً والأصل في الجامد أنه لا يعملُ؛ لأنه اقتضى ما بعدَه كاقتضاء اسم الفاعل لما بعده، يعني: له طلب، لا يتمّ معناه إلا بما بعده، وقلنا: هذه العلة هي التي اقتضت العمل أصلاً في الفعل وفي غيره، لماذا يعملُ الفعل؟ لاقتضائه لما بعدَه، لماذا كان الفعل أصلاً؟ لشدّة اقتضائه لما بعده؛ لأن فيه إبهاما لا يزيله إلا العوامل، ثم الاسم عمل لاقتضائه، وُجِدت العلة التي في الفعل، ولم تكن أصلاً فيه لأن العلةَ الموجودة في الفعل ليست موجودة في الاسم، وهو شدّة الاقتضاء.
كذلك المضاف إذا قلتَ: غلامُ على نيّة الاضافة، زيدٍ نقول: لا يتم معنى غلامُ إلا بإضافته إلى زيد، وهذا معنى الاقتضاء، بمعنى أنه يطلبُ ما بعدَه طلباً في تتميم معناه، ولا يتمّ معناهُ إلا بلفظ زيد، لا بمعنى اللامِ خلافاً للزجاج؛ لأنه سيأتي أن اللام مُقدّرة من جهة المعنى، وقيل: إن (زيدٍ) هذا مجرور باللام المقدرة، وهذا ضعيف، لماذا؟ لأن الحرف لا يعملُ وهو مُقدّر، ولا بالإضافة التي هي نسبة تقييدية بين اسمين تُوجِب لثانيهما الجرّ أبداً، هذه الإضافة، هي عامل معنوي، حينئذٍ نقول: هل المضاف إليه مجرور بالإضافة التي هي عامل معنوي؟ نقول: لا، لماذا؟ لأنّ عندنا أمرين:
أولاً: إذا ظهرَ في اللفظ ما أمكنَ تعليقُ الحكم عليه فهو مُقدّر، وهنا قد أمكنَ تعليق الحكم بالمضاف، ومرَّ معنا أن عشرين ونحوه هو العامل في التمييز: عندي عشرون كتاباً، كتاباً هذا منصوب، ونصبَهُ عشرون اللفظ السابق، شبرُ أرضٍ، شبرٌ أرضاً، قلنا: هذا منصوب بالمفسَّر، والمفسَّر اسم جامد، كيف عمل؟ لاقتضائه ما بعده.
القولُ هو عينُ القول في المضاف، يزيدُ عليه أمرٌ آخر: اتصال الضمير به، بالمضاف، والضمير لا يتصلُ إلا بعامله، تقول: ضربته اتصلَ بعامله، إنه: اتصلَ بعامله، إنك نقول: اتصل بعامله، غلامُه الضمير هنا مضاف إليه، وقد اتصلَ بعامله، ولذلك كان أرجحَ من أن يُقال: بأن العامل هو الإضافة؛ لأنها عامل معنوي، ولذلك لا يصحُّ تعليق العمل بالعامل المعنوي البتة إلا ما اضطررنا إليه، وهو الابتداء والتجرد فقط، وما عداه يبقى على أصله.
ولا بحرف جرّ مُقدّر أصلي، وهذا فاسد، لأنه يقتضي أن يكون هذا الحرف المقدّر، وهو حرف جرّ أصلي أن يكون له مُتعلّق، إذا كان حرف جرٍ أصلياً وجب أن يكون له مُتعلّق، أين هو؟ حينئذٍ لابد من الفصل بين المضاف والمضاف إليه.
إذن: الأصح هو مذهب سيبويه، وهو قولُ الجمهور، ومن أدلتهم: اتصال الضمير بالمضاف والضمير لا يتصل إلا بعامله.
وَالثَّاني اجْرُرْ: عرفنا حكمه، ثم تعرَّضَ لمسألة وهي: أن المضاف والمضاف إليه .. بعد أن عرفنا أن العاملَ هو المضاف وهذا لا يُنافي المسألة الآتية، وهو أن تكونَ الإضافة على معنى حرف من حروف الجرّ، لا أنه هو العامل ومُؤثِّر، وإنما لكونِ الاسم الأول المضاف نحتاجُ إلى ما يُوصِل معناه إلى الثاني، يعني: الآن حروف الجرّ قلنا: هي تجرُّ معاني، من سابق إلى لاحق، طيب: غلامُ زيد؟ لا يمكن أن يجرَّ الأول معناه المطلوب منه إلى الثاني وهو النسبةُ إلا بواسطة، وهذه الواسطة حرف منوي.
إذن: لا بدّ من تقديرِ حرف مَنوي ليصحَّ إيصال معنى المضاف إلى المضاف إليه، ولذلك الجمهور وهم يقولون: بأنّ المضاف هو العامل في المضاف إليه لم ينازعوا في تقدير هذا الحرف، ولا يلزم من تقدير الحرف أن يكون هو العامل لا، العاملُ هو المضاف، ثم تكون الإضافة على معنى حرفٍ، لماذا تكون على معنى حرف؟ لأن وظيفةَ الحرفِ هي إيصال المعاني إلى ما بعدَه، وهنا عندنا معنى من المضاف وهو جامد في الأصل، والمضاف إليه وهو جامد في الأصل، إذن: لا بد من توصيلةٍ تُوصِل المعنى الأول الذي هو معنى المضاف إلى معنى المضاف إليه.
قال:
.. وَانْوِ مِنْ أَوْ فِي إِذَا
…
لَمْ يَصْلُحِ الَاّ ذَاكَ وَاللَاّمَ خُذَا
جمهور النحاة على أنه لا بدَ من التقدير، وذهبَ أبو حيان إلى أنه لا يُقدَّر لا حرفٌ ملفوظٌ به ولا منوياً، وخالف جماهير النحاة، والجماهير على خلافه.
ذهبَ بعضهم، وهو أبو حيان أن الإضافة ليست على معنى حرف أصلاً، ولا هي على نيّة حرف، يعني: مجرّد ارتباط بين المضاف والمضاف إليه، حينئذٍ نقول: نسبةٌ تقييدية .. التي سبقَ التعريف، هل هي مُنطبِقة على المضاف والمضاف إليه دونَ إشعار بحرف، أو أنه لا بدّ من حرف؟ أبو حيان يقول: لا، ما دام أنها نسبة تقييدية بين اسمين لا يلزمُ من ذلك أن يكون بينهما واسطة وهو حرف، والجمهور على المنع، ومذهبُ الزجاج أن الإضافة تكونُ على معنى اللام ليس غير، اللام فقط، هذا مذهب ثاني، وجعلَها هي العامل في المضاف إليه كما سبق، وهذا ضعيف، من جهةِ التخصيص ضعيف، كونه لا تكون إلا على معنى اللام ضعيف، وكونها هي العامل هذا أضعفُ وأضعفُ، ومذهبُ الجمهورِ أن الإضافة تكون على معنى اللام ومِن فقط، وعلى معنى اللام بأكثرية، وعلى معنى مِن بكثرة.
وذهبَ ابنُ مالك رحمه إلى زيادة حرف على ما ذهبَ إليه الجمهور، وهو (في) الدالّة على الظرفية، ونُوزِع في إثبات هذا الحرف، ولذلك قال أبو حيان: ولا أعلمُ أحداً ذهبَ إلى هذه الإضافة غيره، يعني: غير الإمام ابن مالك رحمه الله تعالى، ولكن ردّه السيوطي بأنه ذهبَ إليه الجرجاني وابنُ الحاجب، فهو متابع ليس بمبتدع في هذا الكلام، وإنما سبقَ ابن مالك رحمه الله الجرجاني عبد القاهر وهو البياني المشهور، وابن الحاجب.
إذن: هذه مما زاده ابن مالك رحمه الله تعالى، ولذلك قال: وَانْوِ مِنْ: هذا محل وفاق عند الجمهور.
أَوْ فِي: هذا مما انفردَ به ابن مالك تبعاً للجرجاني وابن الحاجب.
إِذَا
…
لَمْ يَصْلُحِ الَاّ ذَاكَ وَاللَاّمَ خُذَا .. لِمَا سِوَى ذَيْنِكَ: إذن: هي ثلاثةُ أحرف، زادَ الكوفيون (عند)، يعني: تأتي الإضافة على معنى (عند) تقدر عند، نحو:"هَذِه نَاقَةٌ رَقُودُ الحَلبِ"، يعني: رقودٌ عندَ الحلبِ؛ ليس بحرف هذا، وإنما هو ظرف، وهذا بعيد؛ لأنه لا يُقدّر الظرف وهو محذوف، وإنما تُقدّر الحروف التي حروف المعاني.
إذن: مذهب الجمهور هو ما ذهبَ إليه الناظم هنا من تقدير مِن واللام وزاد عليها (في).
قال: واشتمالُ الإضافةِ المحضة على حرف جرٍّ أصلي، فيُلاحَظ وجوده، يعني: إذا قيل: وَانْوِ (مِنْ)، ليس المراد أن الأصل أن الكلام مُشتمِل على الحرف، ثم حذف فنُوِي نفس اللفظ المحذوف، لا، وإنما المرادُ هنا كالمراد في باب التمييز والحال والظرف، هذا باب رابعٌ تُضيفه إلى ما سبق.
يعني: يُلاحَظ في العلاقة بين المضاف والمضاف إليه معنى اللام.
ولا يُشترَط فيه أن يلفظ باللام، ولا يُشترَط فيه أن يصلح المقام لأن يلفظ باللام لا، هل المعنى على الملكية والاختصاص أو لا؟ كما نقول في الظرفية هناك في الظرف، هو على معنى (في)، هل المراد هنا (في) نفسها لفظها أن ينطق بها؟ الجواب: لا، وإنما المراد أن يُلحَظ معنى الظرفية، وكذلك في التمييز وكذلك في الحال، هنا كذلك، حينئذٍ يُلحَظ معنى اللام وهو الملكية أو الاختصاص، إذن: اشتمال الإضافة المحضة على حرف جرٍّ أصلي، فيُلاحَظ وجوده والغرض منه الاستعانة بحرف الجرّ على توصيل معنى ما قبلَه إلى ما بعده، كما ذكرناه سابقاً.
فمجرّد ملاحظة معنى اللام هذا يكفي، يعني: تُلاحَظ معنى اللام بين المتضايفين، فإذا ظهرَ تغير الأمر:"غلامُ زيدٍ"، "غلامٌ لزيدٍ"، هل هما سِيّان؟ هذا الذي أنكرَه أبو حيان، هذا دليله، قال: أنتم تقولون على معنى اللام، يلزمُ من ذلك:"غلام زيدٍ" أصله "غلامٌ لزيدٍ"، فحينئذٍ كيف يُسوّى المعرفة بالنكرة، وتقولون: هم سِيان، "غلام زيدٍ" معرفة، و"غلام لزيد" نكرة، فكيف يُسوى هذا بذاك .. هذا باطل، إذن لا نقول بأن الإضافة على معنى اللام، لا نقول: على معنى اللام ولا يقتضي هذا التصريح بها بل مُلاحظتها، ثم لا يُسوّى بين الطرفين من كلِّ وجه، إذا قلنا هذا على معنى: غلام لزيد، لا يلزم منه أن يكون مُساوياً له من كل وجه في التعريف والتنكير، وإنما يُراد به ملاحظة هذه اللام.
إذن: مجرّد ملاحظة اللام .. معنى اللام هو المقصود هنا، فإذا ظهرَ تغيّرَ الأمر فلا مُضاف ولا مضاف إليه، "غلامٌ لزيد"، ليس عندنا مضاف ولا مضاف إليه، أما "غلامُ زيد" هذا مضاف ومضاف إليه، غلام زيد معرفة، غلام لزيد هذا نكرة وليس عندنا مضاف ولا مضاف إليه، ولا تعريف ولا تخصيص، إذن: شتّان ما بينَ التركيبين، فلا يُقال بأنّ أصله .. إلا على جهة التعليل أو جهة بيان التأصيل فقط، وأما مِن جهة التقرير للمسائل النهائية فلا يُقال "غلام زيدٍ" مساوٍ لـ"غلامٌ لزيدٍ"؛ لأن غلام زيد معرفة، و"غلام لزيد" نكرة، "غلام زيد" فيه مضاف ومضاف إليه، "غلام لزيد" لا مضاف ولا مضاف إليه، "غلام زيدٍ" فيه اكتساب التعريف من المضاف إليه، وغلام لزيدٍ ليس فيه اكتساب التعريف مما بعده، حينئذٍ نقول: هذا لا يساوي ذاك.
واختِيرت هذه الأحرف الثلاثة أو الاثنين عندَ الجمهور؛ لأنها أقدرُ على تحقيق الغرض المعنوي، يعني: بالاستقراء أن أنسبَ ما يكونُ مُقدّراً هو اللام، ولذلك بالأكثر، أكثرُ ما يكون في المضاف والمضاف إليه هو معنى اللام الملكيّة أو الاختصاصيّة، فتكون الإضافة على معنى اللام بأكثرية؛ لأنّ ذلك هو الأصل، وليسَ لها ضابط، لم يَضبطوها لكثرتها، ثم على معنى (مِن) بكثرة، وعلى معنى (في) بقلّة، ولكلٍّ منهما ضابط يأتي بيانه في الشرح.
إذن: وَانْوِ معنى (مِنْ)، (من) البيانية التي لبيان الجنس، ليست مطلق (من)، وإنما هي التي لبيان الجنس، فانو معنى من، متى؟ إذا كان المضاف بعضاً من المضاف إليه، هذا شرطٌ أول، إذا كان المضاف بعضاً من المضاف إليه، مع صحة إطلاق اسمِه عليه، يعني: أن يُخبَرَ بالمضاف إليه عنه، بهذين القيدين تقول: مِن، تقول: الإضافة على معنى (من) البيانية، مثل إذا قلت:"خاتمُ حديدٍ" أيهما بعضٌ من الآخر؟ الخاتم بعض الحديد، هل يصح أن تقول:"هذا خاتمٌ حديدٌ" أو "هذا الخاتمُ حديدٌ"؟ صحّ.
إذن: إذا صحَّ الشرطان أو وجد الشرطان حكمنا على الإضافة بكونها على معنى (مِن) البيانية، ولذلك تقول: هذا خاتمٌ من حديدٍ أو من فضةٍ، ثم يكون المضاف بمعنى بعض من المضاف إليه، ثم يصحُّ الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف، فتقول: هذا الخاتم فضة أو حديد، إذن: إذا كان المضاف بعضاً من المضاف إليه؛ جزء منه يعني، بعضهم عبّرَ بالجزئية، بعضاً من المضاف إليه، معَ صحةِ إطلاق اسمه عليه: كـ"ثوبُ خزٍ" و"خاتمُ فضةٍ" تقول: خاتمٌ من فضة، بعضُ الفضةِ خاتمُ، لا إشكال فيه، كذلك تقول: هذا الخاتم فضةٌ تخبر به عنه .. صار خبراً، والتقدير: ثوبٌ من خزٍ وخاتمٌ من حديد، والثوبُ بعضُ الخزّ والخاتم بعضُ الفضةِ.
وأنه يُقال: هذا الثوبُ خزٌّ، وهذا الخاتمُ فضةٌ، فإن انتفى الشرطان؛ فُقِد الشرطان، يعني ليس بعضاً ولا يصح الإخبار به عنه، حينئذٍ نقول: هذا ليسَ على معنى (مِن)، ثوب زيدٍ؛ هل الثوب بعض زيد؟ لا، هل يصحّ الإخبار به عنه، هذا الثوب زيدٌ؟ لا يصح.
إذن: انتفى أو فُقِد الشرطان، "حصير المسجد"، الحصيرُ بعض المسجد؟ لا، الحصيرُ المسجدُ؟ لا.
إذن: فُقِد الشرطان، لا يصحُّ الإخبار عنه ولا يكون بعضاً.
أو الأول فقط .. الذي هو كونه بعضاً من المضاف إليه: "يومُ الخميسِ"، هل اليوم بعضُ الخميس؟ لا، هل يصحّ الإخبار بالخميس عن اليوم؟ نعم، هذا اليومُ الخميسُ، صحّ الإخبار به عنه.
إذن: فُقِد الشرط الأول، أو الثاني فقط: يدُ زَيدٍ، هذه يدُ زَيدٍ، مضاف ومضاف إليه، اليدُ بعضُ زيدٍ، لكن هل يصح ّالإخبار بزيد عن اليد؟ لا، إذن: في هذه الأحوال الثلاثة، فيما إذا فُقِد الشرطان، أو الأول -وهو البعضية- أو الثاني -وهو صحة الإخبار- حينئذٍ نقول: الإضافة هنا لا على معنى من، بل يتعيّنُ أن تكون على معنى اللام إذا لم يُوجَد فيها ما يقتضي أن تكون على معنى (في)، بل هي على معنى لام الملك أو الاختصاص، ونَقَل في الهمع –السيوطي في همع الهوامع- نقل عن ابن كيسان والسيرافي أنهما لا يشترطان صحةَ الإخبار، بل اكتفيا بكون المضافِ بعضاً، والجمهورُ على الأول، يعني: عندَ السرافي وابن كيسان لا يَشترِطان صحة الإخبار، وإنما يَكتفيان باشتراط أن يكون المضاف بعضاً من المضاف إليه.
إذن: "يَدُ زيدٍ" على مذهب ابنِ كيسان على معنى (مِن)؛ لأن المضاف بعضٌ مِن المضاف إليه، فإذا كان بعضاً صحَّ أن تكون على معنى (مِن)، ولو لم يصحّ الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف، حينئذٍ نقول: على هذا المذهب: "يد زيد" هذه إضافة على معنى (من)، والصواب هو الأول، وهو ما عليه الجمهور.
إذن: وَانْوِ (مِنْ)، هذا مفعول به قُصِد لفظه على تقدير مضاف، وانوِ معنى (مِن)؛ لأنه ليس المراد انوِ لفظ (من)، لا، وإنما المراد معنى (من)، حينئذٍ لابد من تصحيح المعنى ليستقيم التركيب، وانو معنى (من).
أَوْ: للتخيير هذه أو التنويع والتقسيم؟ للتنويع والتقسيم. إذن: قسم مقابل للأول، فلا بدّ أن يكون مُبايناً له في صفاته وشروطه، أو معنى (في)؛ أيُّ (في)؟ الظرفية، انوِ معنى في، يعني: أن تُقدّر لفظ (في) أو معناها؟ معناها لا شك، وانو معنى (في)؛ متى؟ إذا كان المضاف إليه ظرفاً للمضاف شرط واحد، إذا كان المضاف إليه ظرفاً للمضاف سواءٌ كان ظرفاً زمانياً أو مكانياً، حينئذٍ نقول: التقديرُ هنا على معنى (في)، وهذا كما ذكرنا قلّة ممن زاده، وذكر ابن هشام في التوضيح أنّ قلة من النحاة ممن ذكروا هذا الحرف وأكثر النحاة على هجره، نحو ((مَكْرُ اللَّيْلِ)) [سبأ:33]، الليل مُضاف إليه وهو ظرف زماني: مكر في الليل، فالليل ظرف للمكر، أي: في الليل، وسواءٌ كان الظرف زمانياً أو مكانياً حقيقاً أو مجازياً فالحكمُ واحد، ((يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ)) [يوسف:39]، صاحبي في السجن، مكانية أو زمانية؟ مكانية، ((تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ)) [البقرة:226]، تربصٌ في أربعة أشهر، ((أَلَدُّ الْخِصَامِ)) [البقرة:204]، ألدُّ في الخصام، يعني: يجادِلُ، "قتيل المعركة" قتيل في المعركة، إذن ظرف مكان.
والأكثرُ في هذه أن يكون المضاف مصدراً، لو لاحظت:((تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ)) ((مَكْرُ)) ((أَلَدُّ)) "قتيل"، الأكثرُ فيها أنها مصدرُ، وقليل ما تخرجُ عن المصدرية، قد تأتي غير مصدر، مثل:((يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ)) [يوسف:39]، لكن الأكثر فيها أن المضاف يكون مصدراً.
إذن: ضابطُ الإضافة على معنى في أن يكون المضاف إليه ظرفاً للمضاف، إن انتفى كونها بمعنى (مِن) أو معنى (في) تعين أن تكون بمعنى اللام ولا ضابط لها. الضابط هو عدمي، هذا مثل علامة الحرف، ما لا يصلحُ معه دليل الاسم ولا دليل الفعل، ما لا يصلحُ هنا الإضافة معه دليل (من) الإضافة على معنى (من)، ولا دليل (في) فاحكم عليها بأنها على معنى اللام، أيُّ لام؟ اللام تأتي للانتهاء وتأتي للملك وتأتي للاختصاص وتأتي لشبه الملك، تأتي للاستحقاق، أيّ لام؟ قيل: اللامُ بمعنى الملك وشبهِهِ الذي هو الاختصاص. "دارُ زيدٍ"، هذا على معنى اللام، ملكية أو اختصاص؟ ملكيّة؛ لأن ما بعدَ اللام إذا قَدَّرتها يصح أن يكون مالِكاً.
طيب، باب الدار؟ اختصاص، إذن: نقول هنا: تقدر اللام سواء كانت ملكية أو غيره.
وَانْوِ معنى مِنْ أَوْ فِي إِذَا لَمْ يَصْلُحِ الَاّ ذَاكَ: لم يصلح إلا ذاك الذي هو الفاعل، الذي هو نية معنى (من) أو (في).
وَاللَاّمَ خُذَا لِمَا سِوَى ذَيْنِكَ: واللام خذَن، الألف هذه بدلٌ عن نون التوكيد الخفيفة، واللامُ هذا مفعول به مُقدّم، وقلنا: هذا فيه محذور، وهو أنه لا يتقدّمُ معمول الفعل المؤكَّد إلا في الضرورة في مثل هذا المقام، والأصل: خذن اللامَ.
لِمَا سِوَى: لغير.
سِوَى ذَيْنِكَ: المُشارٌ إليه ذين، ذين هذا تثنية ذا، مجرور بإضافة إلى سوى إذا قلنا أنه مُعرَب، ومبني على النون إذا قلنا أنه مبني.
لِمَا سِوَى ذَيْنِكَ: الذي هو معنى (مِن) أو (في).
إِذَا لَمْ يَصْلُحِ الَاّ ذَاكَ: حينئذٍ تنوي معنى (من) أو (في)، إذا لم يصلح إلا معنى (من) نويت معنى (من)، وإذا لم يصلح إلا معنى (في) نويت معنى (في).
اللَاّمَ خُذَا .. لِمَا سِوَى ذَيْنِكَ: إذا لم يصلح لا (من) ولا معنى (في) حينئذٍ خذ اللام، سواء كانت ملكية أو اختصاصية، لِمَا: هذا جار ومجرور مُتعلّق بقوله خُذَا، يعني: قدّر، وما هذه موصولة، وسوى مُتعلّق بمحذوف صلة الموصول.
لِمَا سِوَى ذَيْنِكَ: هل يشملُ الإضافة اللفظية، أم أنه خاصّ بالإضافة المعنوية؟ هذا مختلَف فيه، والجماهيرُ أن التقدير هنا خاصٌّ بالإضافة المحضة، وأما الإضافة اللفظية فليست داخلة.
قال: إِذَا لَمْ يَصْلُحِ الَاّ ذَاكَ: أي بحسبِ القصد، يعني: اعتبار النية مُعتبَر هنا؛ لأنه قد يحتمِل أن يكون التركيب صالحاً لأن يُجعَل على معنى في أو اللام، يصلح هذا أو ذاك، ماذا تصنع أنت؟ هنا إنما الأعمال بالنيات، إذا نَوى أن تكون على معنى في، حينئذٍ قلنا: هذا مُقدَّم؛ لأنه خاصّ وذاك عامّ، والخاص مُقدّم على العام، وإذا لم يقصد هذا أو ذاك واحتمل الأمرين، حينئذٍ نحملُهُ على العام، وهو معنى اللام.
إذن: إذا لَمْ يَصْلُحِ الَاّ ذَاكَ باعتبار مَن، المتكلم أم السامع؟ إن كان المتكلم خصَّ أحدَ المعنيين مع جوازِهما، حينئذٍ نقول: هو المعتبَر، ولذلك قيل:"حصيرُ المسجدِ"، هذا يحتمل أن تكون الإضافة على معنى (في) وعلى معنى اللام، إن قصد الإضافة على معنى (في) فهي مُقدّمة:"حصيرٌ في المسجد" جوّزَه الصبان، فحينئذٍ نقول: إذا قصدَ معنى (في) ونواها فهو مُقدّم، إذا لم ينوِ (في) عاملناه على معنى اللام.
إذن: إذا لَمْ يَصْلُحِ الَاّ ذَاكَ الذي هو نيّة معنى مِن أو في، أي: بحسبِ القصد بأن أُريدَ بيان الظرفية أو الجنس، فلا يِرِد أن التي على معنى من أو في يصلح أن تكون على معنى اللام؛ لامُ الاختصاص، وهذا صحيح، إذا قيل كالمثال السابق هناك: ثوبُ خزٍّ، هذا يحتمل أنه على معنى اللام اختصاص، إذا لم يكن الثوب إلا مِن الخزّ، أو الخاتم إن لم يكن إلا من الحديد مثلاً، قد يحتمل أنه للاختصاص، فحينئذٍ نقول هنا: معنى من مُقدَّم؛ لأنه نواها فالقصد مُعتبَر. فلا يَرِد أن التي على معنى (من) أو معنى (في) يصلح أن تكون على معنى لام الاختصاص؛ لأنّ كلاً من الظرف والبعض يصلحُ فيه معنى لام الاختصاص، إذا قدَّرنا البعضية أو الظرفية صلحَ معها لامُ الاختصاص.
وقوله: لِمَا سِوَى ذَيْنِكَ: أي: لأن لم يُرَد ما ذُكِر، يعني: لم يقصد معنى (من) أو معنى (في)، ولو احتملَ معنى اللام، فإذا لم يقصد معنى (من) أو (في) حينئذٍ رجعنا إلى الحالة الثالثة وهي تقديرُ اللام، فإن قصدَ معنى (من) فهو المعتبر، إن لم يقصد معنى (من) واحتمل (من) واللام حينئذٍ رجعنا إلى اللام.
وَاللَاّمَ خُذَا: أي: اجعل معنى اللام ملحوظاً فيما سوى ذينك، وليسَ المراد أن اللام مُقدَّرة في نظم الكلام، إذ قد لا يصلحُ لتقديرها نحو:"كل رجل قادم"، كل رجل: هذا لا يصح أن تنطق باللام، "غلام زيدٍ" يمكن أن تنطق باللام، أما كلّ رجل؟ كلٌ لرجلٍ: هذا ما يصح أن تفكّهُ وتأتي باللام. ركاكة.
فإن معنى اللام ملحوظ فيه؛ لأنه بمعنى أفراد الرجل ولا يصلح نظمُهُ لأن تُقدَّر فيه اللام، فلا يلزمُ صحة التصريح باللام، بل تكفي إفادةُ مدلولها، فقولك: يومُ الأحد، يوم للأحد؛ على معنى اللام، لكن لا يصلح أن تقدّر، كذلك: علمُ الفقه، علمُ النحو، هذه على معنى اللام، لكنها لا يصلح أن تُصرِّح بها، كذلك "شجر الأراك" بمعنى اللام الاختصاصية ولا يصح إظهارها البتة، محلُّ وفاقٍ هذا.
لأن الشأن هنا كالشأن في باب الظرف، الظرف هناك مع المظروف، الظرف قد يصلح أن تُصرّح بـ (في) وبعضها لا يصلح: في عندَك؟ لا يأتي هنا، مع أن (عندك) هذه ظرف، في عندِك؟ لا يصلح، لكن "يوم السبتِ": في يوم السبت صحت، إذن: المراد معنى (في)، وهنا كذلك المراد معنى (من) أو اللام.
وَانْوِ معنى مِنْ أَوْ معنى فِي إِذَا
…
... لَمْ يَصْلُحِ الَاّ ذَاكَ وَالّلامَ خُذَا
لِمَا سِوَى ذَيْنِكَ.
ثم قال: وَاخْصُصْ أَوَّلَا أَوْ أَعْطِهِ التَّعْرِيفَ بِالَّذِي تَلَا: هذا شروعٌ منهُ في بيان قسمي الإضافة.
الإضافة تنقسمُ إلى قسمين .. هذا المشهور، وزِيدَ ثالث؛ زادَه ابن مالك، لكنه مردّه إلى المحضة. إما إضافة محضة معنوية، وإما إضافة غيرُ محضة لفظية، إما معنوية وإما لفظية هذا أوضحُ، معنوية: بمعنى أنها أثّرت في المعنى.
ثَم تعريفٌ أو تخصيصٌ حصلَ للمضاف من المضاف إليه، وأمّا اللفظية فليسَ ثم تعريف ولا تخصيص حصلَ بالإضافة .. لا هذا ولا ذاك.
وَاخْصُصْ أَوَّلَا: مِن المتضايفين.
أَوْ: هذا تقسيم، أَعْطِهِ: أعط الأول، التَّعْرِيفَ بِالَّذِي تَلَا: هذا مُتنازَع فيه، واخصص أولاً بالذي تلا، بالذي: جار ومجرور مُتعلّق بقوله (أعطه)، جار ومجرور مُتعلّق بقوله اخصص؛ لأن التخصيص حصلَ بالذي تلا، تلا ماذا؟ تلا الأول، وهو المضاف إليه، وهنا حذَفَ الضمير، يعني: بالذي تلاه للعلم به " وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ "، إذن: بالذي تلاهُ يعني: المضاف إليه، واخصُص أولاً مِن المتضايفين الذي هو المضاف بالأول، متى؟ إذا أُضيفَ إلى نكرة، إذا أُضيفَ إلى نكرة المضاف .. وهو نكرة في الأصل، حينئذٍ نقول: يَكتسِبُ الأول من الثاني التخصيص، والمرادُ بالتخصيص تقليلُ الشيوعِ، أو إن شئتَ قل: تقليل الاشتراك.
أَوْ أَعْطِهِ التَّعْرِيفَ: التعريف معلوم والمراد به رفعُ الشيوعِ أو رفعُ الاشتراكِ، فالتخصيصُ المراد به التقليل، والتعريف المراد به الرفع: غلامُ زيدٍ، هنا "غلام" نكرة أُضيفَ إلى معرفة، حينئذٍ نقول: اكتسبَ "غلام" مِن الذي تلا أو بالذي تلا .. اكتسب التعريف، لماذا؟ لأنه أُضيفَ إلى معرفة، إذن: هذه الإضافة كوننا أضفنا الأول إلى الثاني حصلَ تغيير معنى، الأول غلام هو نكرة، حينئذٍ تعرف بالثاني، هذا أمر لفظي أو معنوي؟ أمر معنوي، لذلك سُمّيت إضافة معنوية محضة خالصة.
أوِ اخْصُصْ أوَّلَا: بأن تخصّه بالثاني، يعني: تُقلّل الاشتراك، وذلك فيما أُضيف إلى نكرة، "غلامُ امرأة"، حصلَ تقليل أو لا؟ حصل؛ لأنك إذا قلت:"غلام" هذا يحتمل أنه لامرأة وأنه لرجل، فإذا قلت:"غلام امرأة" حصلَ له تقليل في الاشتراك، يعني: تخصيص، لماذا لم نقل بأنه حصل له رفع؟ لأنه صار مختص بالمرأة، وخرجَ الرجلُ هذا للتخصيص، لماذا لم نقل أنه تعريف؟ نقول: لأن "امرأة" هذا فيه إبهام إطلاق، مَن هي المرأة هذه؟ غلامُ امرأةٍ: هند، فاطمة، عائشة؟ يحتمل هذا وذاك. إذن فيه إبهام، وإنما حصلَ تقليلُ الاشتراك لأنه كان في جملةِ أفرادِ الذكور والنساء، فلما أخرجتَ جملةَ الذكور بقي جملةُ النساء إذا لم يحصل له التعريف.
اخْصُصْ: هذا أمر، والأمرُ يقتضي الوجوب، إن أُضِيف إلى نكرة، وفُهِم ذلك من ذكرِ المعرفة في المقابل؛ لأنه قال: وَاخْصُصْ أَوَّلَا .. بالَّذي تَلَا: ما قالَ إذا أضفتَه لنكرة، مَن أين أخذناه؟ أوْ أعْطِهِ التَّعْرِيفَ: لما قال التعريف، حينئذٍ علِمنا أنه أُضيف الثاني إلى المعرفة فاكتسبَ منه التعريف، وليس ثَم ما يقابل المعرفة إلا النكرة، هذا كقوله هناك: مَوْصُولُ الَاسْمَاءِ الَّذِي الأَُنْثى الَّتي، قلنا: الذي للمفرد المذكر، مِن أينَ أخذناه؟ لأنه قال: الأَُنْثى الَّتي، فبالمقابل، هنا قال: أوْ أعْطِهِ التَّعْرِيفَ، التعريف إنما يكتسب بالتعريف، إذن: إذا أضفته إلى معرفة. مقابل المعرفة هو النكرة. حينئذٍ بالمقابل.
وَاخْصُصْ أوَّلَامن المتضايفين بالَّذي تَلَا: يعني: بالمضاف إليه؛ بالذي تلاه.
إن أُضيف إلى نكرة، وفُهِم ذلك من ذكر المعرفة في قسيمه، وهو قوله: أوْ أعْطِهِ التَّعْرِيفَ، أعطه فعل أمر، أنت فاعل، والهاء مفعول به.
متى يكون المفعول الأول هو المُقدَّم وهو المرجَّح؟ إذا كان فاعلاً في المعنى، هنا مَن الفاعل؟ أعطه أنت؛ المتكلم، التعريفَ، التعريفَ مُعطى هذا الأصل. إذن: الأول هو الضمير الهاء، والثاني هو التعريف؛ لأنّ الأوّل هو فاعلٌ في المعنى، وهو الأولى أن يكونَ مفعولاً أول، إذن: أَعْطِهِ التَّعْرِيفَ، التعريف هذا مفعول ثاني لأعطِ؛ لأنه يتعدّى إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر.
قال الشارح: إذا أُرِيد إضافة اسم إلى آخر حُذِفَ ما في المضاف من نونٍ تلي الإعراب وهي نونُ التثنية أو نونُ الجمع، وكذا ما أُلحِق بهما يعني: بالمثنى والجمع، فكلُّ نون سواء كانت بالمثنى الحقيقي أو الملحق أو الجمع الحقيقي أو الملحق تُحذَف.
أو تنوينٍ وجُرّ المضاف إليه أبداً، مطلقاً، سواء كان الجرّ ظاهراً أو مقدراً، وسواء كان الجرُّ بحركة أصلية وهي كسرة، أو بحركة فرعية وهي المضاف إليه.
فتقول: هذان غلاما زيدٍ، غلامان هذا الأصل، حُذِفت النون للإضافة، فغلاما: مضاف، وزيدٍ: مضاف إليه، غلاما مُثنى آخره نون قامت مقام التنوين وجبَ حذفها كذلك هو غيرُ محلى بـ (أل)، وزيدٍ: مضاف إليه، وهو مجرور أبداً، وغلاما: مرفوع على أنه خبر للمبتدأ هذان. واثنا زيد مثله حُذِفت النون وإن لم تكن أصلية، وهي قائمة مَقام التنوين.
وهؤلاء بنُوه، وهذا صاحبُه، صاحبٌ حذف التنوين للإضافة.
كذلك صاحبو زيدٍ، ضاربو زيدٍ، أهلو عمروٍ، ((إِنَّا مُهْلِكُوا)) [العنكبوت:31] إنا مهلكون .. هذا الأصل، كذلك:((إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ)) [العنكبوت:33] أصلها منجون حُذِفت النون للإضافة، ((يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ)) [يوسف:39] يا صاحبانِ هذا الأصل بالألف، واختُلِف في الجار للمضاف إليه، فقيلَ: هو مجرور بحرف مُقدَّر وهو اللام أو مِن أو في، وقيل: هو مجرور بالمضاف، وهو الصحيح مِن هذه الأقوال، لكن هذا لا يجري على كلام الزجاج، الحال هذا فيه نظر. فقيل هو مجرور بحرف مُقدَّر، القائل هو الزجاج، لكنه خصَّ المقدَّر (اللام) فقط لا يرى (مِن) ولا (في)، حينئذٍ كيف يُقال بأن الجار هو (من) أو (في)؟ (في) هذه لم يزدها إلا ابن مالك والجرجاني وابن الحاجب، ويرون أن العامل هو المضاف والتعميم هذا فيه نظر، وقيل: هو مجرور بحرف مُقدَّر هو اللام فحسب، هذا مذهب الزجاج، وأما (من) أو (في) فلا.
وقيل: هو مجرور بالمضاف وهو الصحيح من هذه الأقوال.
ثم الإضافة تكونُ بمعنى اللامِ عند جميع النحويين. لا، الإطلاق هذا ليسَ بصواب فيه نظر، بل ذهبَ أبو حيان أن الإضافة لا تكونُ على تقدير حرفٍ أبداً، لا مذكور ولا مَنوي مطلقاً، "غلام زيدٍ" ليس فيها حرف مَنوي.
وزعم بعضهم أنها تكون أيضاً بمعنى (من) أو (في)، وهو اختيار المصنف، وإلى هذا أشارَ بقوله: وَانْوِ مِنْ أَوْ فِي .. إلى آخره، لكن هذا أيضاً فيه نظر، زعَمَ بعضُهم أنها تكون أيضاً بمعنى (من) أو (في)، الجمهور على أنها بمعنى اللام أو من، جمهورُ النحاة على هذا، ونسبَه السيوطي في همع الهوامع إلى الجمهور، إذن: ليسوا بقلة القائلين على معنى (من) واللام .. ليسوا بقلة، وهو اختيارُ المصنف هنا، وإلى هذا أشارَ بقوله: وَانْوِ مِنْ أَوْ فِي ..
وضابط ذلك أنه إن لم يصلح إلا تقدير (من)، (من) قلنا: البيانية، التي لبيان الجنس .. جنس المضاف، ويصحّ على الإضافة التي على معنى (من)، إتباع المضاف إليه للمضاف بدلاً أو عطفَ بيان، ونصبُهُ على الحال أو التمييز، مثل إذا قلت: هذا خاتمُ حديدٍ، يصحّ أن تقول: هذا خاتمٌ حديدٌ، حديدٌ هذا عطف بيان أو بدل، حينئذٍ صحَّ، ويصحُّ على الإضافة التي بمعنى (مِن) إتباع المضاف إليه للمضاف بدلاً أو عطف بيان، أو نصبُه على الحال أو التمييز على السابق معنا، الذي هو: هذا خاتمٌ حديداً، سيبويه يَرى أنه نصبٌ على الحال، قلنا: الصواب أنه منصوبٌ على التمييز، لماذا؟ لأنه مُلازمٌ وليس منتقلاً، ثم صاحبُه –خاتمٌ- جامدٌ، ثم هو جامدٌ في نفسه والأصل فيه أن يكون مُشتقّاً. إذن: الصواب أنه منصوب على التمييز لا على الحال، فحينئذٍ ضابطُ ذلك أنه إذا لم يصلح إلا تقدير (من) أو (في) فالإضافة بمعنى ما تعيّنَ التقدير منهما، وإلا فالإضافة بمعنى اللام التي للملك أو الاختصاص، فيتعينُ تقديرُ (من) إن كان المضاف إليه جنساً للمضاف نحو: هذا ثوبُ خزٍ وخاتمُ حديدٍ، هذا ثوبٌ مِن خزٍ، وهذا الثوبُ خزٌ يصح، وهذا بعضُ الخزّ وخاتمٌ من حديد، ويتعينُ تقدير في إن كان المضاف إليه ظرفاً واقعاً فيه المضاف، فيجوزُ فيها نصبُ المضاف إليه على الظريفة، نحو: أعجبَني ضربُ اليومِ زيداً، ضربُ زيدٍ في اليوم، ومنه قوله تعالى:((لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ)) [البقرة:226]، يعني: تربصٌ في أربعةٍ .. ظرف زمان: ((بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)) [سبأ:33]، يعني: مكرٌ في الليل والنهار، فإن لم يتعيّن تقديرُ (مِن) أو (في) فالإضافة بمعنى اللام، لكن هذا الحكم خاصّ بالإضافة المحضة .. هذا الصحيح، ويختصُّ التقديرُ عندَ مِن قال به بالمحضة، وقيل: في اللفظية أيضاً، لكنه ضعيف؛ لظهورها في قوله:((ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ)) [الكهف:35]، ظالمُ نفسه، ((ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ))، قالوا: ظهرت هذا على الخطأ الذي ذكرَه أبو حيان، يعني: إذا قلت: ظالمُ نفسِه، ليسَ هو ظالمٌ لنفسه .. فرق بينهما، فإذا قيل: الإضافة اللفظية على معنى اللام؛ لأنه جاءَ مُصرّح بها: ((ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ))، نقول: لا ليس بصحيح؛ لأن "ظالمُ نفسِه" ليست هي "ظالمٌ لنفسِه".
إذن: قيلَ في اللفظية أيضاً لظهورها في قوله: ((ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ))، ((حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ)) [النساء:34]، حافظاتُ الغيبِ، ((حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ)) ليسَ هما سِيّان المعنى مختلف، ((مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ)) [البقرة:89]، مُصدّقُ ما معهم فليست هي.
ورُدَّ هذا القول بعدمِ اطراده إذ لا يسوغُ في الصفة المشبهة؛ لأنّ قوله: وَإِنْ يُشَابِهِ المُضَافُ يَفْعَلُ: هذا يشمَلُ الصفةَ المشبهة، ولذلك مثَّلَ لهما ابن مالك بمثالين: عظيمُ الأمَلِ قَلِيلُ الْحِيَلِ، وقيل: مُرَوَّعُ الْقَلْبِ كذلك هو صفة مشبهة.
إذن: لابدّ أن الحكمَ يشمَلُ الصفة المشبهة، وهذه لم تطرد معها، وإنما سُمِع في:((ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ)) [الكهف:35]، ((مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ)) [البقرة:89] هذا اسم فاعل، حينئذٍ يُرَدُّ من جهتين، أولاً: عدمُ اطراد ظهور هذه اللام مع الصفة المشبهة.
ثانياً: أن " ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ " ليست هي "ظالمُ نفسه" فرقٌ بينَهما، وأشارَ بقوله: وَاخْصُصْ أَوَّلَا: إلى أن الإضافة على قسمين محضة وغير محضة، فالمحضة غيرُ إضافة الوصف المشابه للفعل المضاف إلى معموله، يعني: أن لا تُعرَف إلا إذا عُرِفت الإضافة اللفظية، وهذه التي عناها بالأبيات الآتية.
وغيرُ المحضة .. التي هي اللفظية إضافةُ الوصفِ المذكور كما سنذكرُهُ بعدُ، وهذه لا تُفيدُ الاسمَ الأول تخصيصاً ولا تعريفاً على ما سيأتي.
أما الإضافة المعنوية، فهذه تُفِيد تعريفاً إن أُضِيف إلى معرفة، وتُفِيد تخصيصاً إن أُضِيف المضاف إلى نكرة، هل يُضاف المعرفة؟ الجواب: لا. إذن: لا يكون المضاف معرفة البتة في الإضافة المحضة.
ومما لا يتعرّفُ بالإضافة .. لو أُضيف شيئان، يُستثنى من الإضافة شيئان: الأول: ما وقَعَ موقعَ نكرةٍ لا تقبلُ التعريف، هذا لا يتعرّفُ بالإضافة، مثل: ربَّ رجلٍ وأخيه، أخيه: هذا هل هو معرفة أو نكرة؟ أولاً: هل هو إضافة محضة؟ محضة ليست لفظية، ليس المضاف وصفاً، ليسَ اسم فاعل ولا اسم مفعول ولا صفة مشبهة، و (أخيه) هل هو معرفة أو نكرة؟ نكرة ليس بمعرفة، لماذا؟ لأنه وقعَ في موقعٍ لا يقبلُ التعريف البتة؛ لأننا لو اعتقدنا أنه معرفة، لكان العامل في السابق المعطوف عليه هو العامل فيه وهو رُبّ، ورُبّ لا تدخلُ على معرفة.
إذن: رُبّ رجلٍ وأخيه، نقول: أخيه هنا لم يَكتسِبْ التعريفَ بإضافة إلى المعرفة، ولذلك هو في قوّة: وأخٍ له، ربّ رجلٍ وأخٍ له، إذن: لا يكتسبُ التعريف؛ لأنه وقعَ موقعَ نكرةٍ لا تقبل التعريف، نحو: رُبّ رجلٍ وأخيه، وكم ناقةٍ وفصيلِها، فصيلها مُضاف إلى الضمير، هل اكتسبَ التعريف؟ الجواب: لا؛ لأنه معطوف على ناقةٍ، وناقة مدخولُ (كم)، وهي على معنى (مِن) التي لبيان الجنس: وفعل ذلك جهدهُ وطاقتهُ هذا حال؛ لأن رُبّ وكم لا يجرّان المعارف، والحال لا يكون معرفة.
إذن: جُهدَهُ وطاقتَهُ، طاقتَه: هذا مضاف إلى الضمير معطوف (على جهدَه)، "فعلَ ذلك جُهده أو جَهده" يجوز الوجهان، جَهدَه مثل وَحدَه حال، وطاقتَه معطوفٌ على (جهده) .. على الحال، حينئذٍ نقول: وطاقتَه مُضاف إلى الضمير؛ ولم يكتسب التعريف لأنه معطوف على واجبِ التنكير، مثل المعطوف على مدخول (رُبّ)، والحال لا يكونُ معرفة.
الثاني مما لا يتعرّفُ بالإضافة: ما لا يقبلُ التعريف لشدّة إبهامه، هذه جعلها ابنُ هشام في الأوضح قسماً مُستقلاً، والصوابُ أنها داخلة في المحضة، لكنها لا تفيدُ تعريفاً. لشدّة إبهام كـ (مثل وغير وشبه)، نقول: هذه لو أُضيفت لا تَكتسِبُ التعريف، لكنه يُفيد تخصيصَ المضاف دونَ تعريفه، وضابطُها أن يكونَ المضاف مُتوغِّلاً في الإبهام، ولذلك صحَّ وصفُ النكرة بها، "مررتُ برجلٍ غيِرك"، غيرِ: هذا الرجل الذي كلّمتَه العالمُ كلُّه يدخلُ فيه، كلُّ رجالِ العالم، صارَ نكرة؛ لأنه غيرُ مُعرَّف، "مررتُ برجلٍ مثلِك"، مثلك: مَن هو؟ كلّ غير الرجلِ هذا يصدُقُ على أنه مثلٌ، كلّ العالم، "مررتُ برجل غيرك"، مَن هو المغاير لزيد؟ المِثل الذي يصدق على رجل؟ كل العالم، نقول: هذا لا يكتسِبُ التعريفَ، لكنه اكتسَبَ تخصيصاً.
والمحضة ليست كذلك وتُفِيدُ الاسم الأول تخصيصاً إن كان المضاف إليه نكرة، نحو:"هذا غلامُ امرأة"، وتعريفاً إن كان المضاف إليه معرفة نحو:"هذا غلام زيدٍ".
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
…
!!!