الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* فائدة التنبيه على اختلاف النسخ في ترتيب الأبيات
* المغايرة بين المضاف والمضاف إليه
* يكتسب المضاف من المضاف إليه التأنيث أو التذكير بشروط.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما وبعد:
قال الناظم رحمه الله:
وَلَا يُضَافُ اسْمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ
وَرُبَّمَا أَكْسَبَ ثَانٍ أَوَّلَا
…
مَعْنىً وَأَوِّلْ مُوهِمَاً إِذَا وَرَدْ
تَأْنِيثَاً إِنْ كَانَ لِحَذْفٍ مُوهَلَا
هذان البيتان مُختلَفٌ في تقديمِ بعضِهما على بعض، أكثرُ الشرّاحِ على تقديمِ البيت الثاني:(وَرُبَّمَا أَكْسَبَ) على قوله: (وَلَا يُضَافُ اسمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ مَعْنىً) ، هذا قدّمه ابنُ عقيل، وأخّر:(وَرُبَّمَا أَكْسَبَ ثَانٍ)، والأشمويي وكذلك السيوطي في شرحه والمكودي قدّموا:(وَرُبَّمَا أَكْسَبَ ثَانٍ)، على قوله:(وَلَا يُضَافُ اسمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ مَعْنىً) ، وكلاهما جائزان؛ لأن هذه مسألة مُستقلّة وهذه مسألة مُستقلّة، لكن الأولى أن يُقدّم (وَرُبَّمَا أَكْسَبَ ثَانٍ) على قوله:(وَلَا يُضَافُ اسمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ) ، لأنه له علاقة في جهة كونِ المضاف يكتسبُ شيئاً من المضاف إليه، وهذا تابعٌ للإضافة المحضة؛ لأنه لما تكلّمَ عن الإضافة المحضة في قوله: وَاخْصُصْ أَوَّلَا، ثم بيِّن وَإِنْ يُشَابِهِ المُضَافُ، ثم قال: وَرُبَّمَا أَكْسَبَ ثَانٍ أَوَّلَا تَأَنِيثَاً، بمعنى أنه قد يَكتسِب الأولُ من الثاني غيرَ التعريف والتخصيص، فهو قدرٌ زائد على قوله: وَاخْصُصْ أَوَّلَا
…
أَوْ أَعْطِهِ التَّعْرِيفَ، هذا مُناسِب .. ولا بأس، هذا أو ذاك، المهم الفائدة.
وَلَا يُضَافُ اسمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ مَعْنىً القاعدة عندَ البصريين خلافاً لما عليه الكوفيون من أنه لا يحوز إضافةُ الشيءِ إلى نفسه، لا بدّ أن يكون ثَم مغايرةٌ بينَ المضاف والمضاف إليه لأنه كما سبق؛ المضافُ يكتسبُ التعريف من المضاف إليه، وكذلك يكتسبُ التخصيص، والشيء لا يُعرِّف نفسَه ولا يخصِّصُ نفسَه، الشيء إذا أضفته إلى غيره قلنا اكتسب التعريف.
إذن: لا بد أن يكونَ مُغايراً له فلو كان مثله .. عينه حيئنذٍ كيف يُعرِّف الشيء نفسَه؟ وكيف يُخصِّص الشيء نفسَه؟ هذا بعيد، ولذلك اشترطَ البصريون أن تكونَ ثَم مُغايَرة ولو بوجهٍ ما بينَ المضاف والمضاف إليه.
وَلَا يُضَافُ هنا يُضاف هذا فعلٌ مُضارع فيه مصدر، والمصدر نكرة وقع في سياق النفي، لا يضاف يعني لا تُضف .. لا يُضاف حينئذٍ أي إضافة ممنوعة.
وَلَا يُضَافُ اسمٌ لما اتحدَ به معنى، لِمَا: هذا جار ومجرور مُتعلّق بقوله: يُضَافُ.
اتَّحَدْ بِهِ: (بِهِ) جارٌّ ومجرور مُتعلِّق بقوله: اتَّحَدْ.
مَعْنىً: هذا تمييزٌ أو على نزعِ الخافض يعني: في المعنى.
وَلَا يُضَافُ اسمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ مَعْنىً: الجمهورُ من النحاةِ –البصريينَ- على أنه لا يُضاف اسمٌ لمرادفِه ونعتِه ومنعوتِه ومؤكِّده، هكذا قالَ السيوطي في جمع الجوامع، لا يُضاف اسم لمرادفه ونعته ومنعوته ومؤكِّده، ثم علّلَ ذلك بقوله بأن المضاف يتعرّفُ أو يتخصّصُ بالمضاف إليه، والشيءُ لا يتعرّفُ ولا يتخصّصُ إلا بغيره، الشيء لا يتعرّف إلا بغيره ولا يتخصّصُ إلا بغيره، والنعت عينُ المنعوت، وكذا ما ذُكِر بعدَه، النعتُ غيرُ المنعوت، والرديفُ عينُ رديفه، وكذلك المؤكِّد والمؤكَّد، حينئذٍ لا يُضاف المؤكِّد لمؤكَّده، وكذلك النعتُ لمنعوته، ولا المنعوتُ لنعته، يعني: لا بالتقديم والتأخير، ودائماً يمرّ معنا هذا مِن إضافة الصفة إلى الموصوف، هذا مِن باب التسامح، أو على رأي الكوفيين فلا بأس، يقال بهذا أو ذاك، وشرطَ الكوفيون في الجوازِ اختلافُ اللفظ فقط، يعني: ولو اتحدا معنىً، لماذا؟ قالوا: لأنه سُمِع في لسان العرب العطفُ مع اختلاف اللفظ واتحاد المعنى، كذباً وميناً، الكذبُ هو المين والمينُ هو الكذب، جاءَ عطف الثاني على الأول، ما المسوغ؟ كون الثاني مخالفاً للأول في اللفظ فحسب، وأما في المعنى فهو مُوافِق له، وهذا نصَّ ابن تيمية رحمه الله في الإيمان على أنه لا يجوزُ القولُ به في القرآن، لا يُقالُ بأنه عطف الشيء على مثله، بمعنى: أن المغايرة بينهما في اللفظ فحسب لأنه حشو، إذا كان كذلك لا يجوزُ أن يُحمل عليه القرآن.
إذن: شرَطُ الكوفية في الجواز اختلافُ اللفظ فقط من غير تأويل تشبيهاً بما اختلفَ لفظه ومعناه، تشبهاً .. إذاً من باب التشبيه لما اختلَف لفظه ومعناه: كيومِ الخميس، يوم الخميس أُضيفَ هذا إلى ذاك، واليوم هو الخميس، والخميس هو اليوم، إذا قيل يومَ الخميس نحن في يوم الخميس، اليوم هو الخميس .. اسمه الخميس، والخميس هو اليوم.
إذن: أُضيفَ الشيء إلى نفسه هكذا قالوا، وشهرُ رمضان، رمضانُ هو الشهر والشهر هو رمضان. إذن: اختلفا في الفظ والمعنى واحد.
((وَعْدَ الصِّدْقِ)) [الأحقاف:16] الوعدُ لا يكون إلا صِدقاً والصدق هو الوعد، كما جاءَ ذلك في النعت والعطف والتوكيد نحو ((غَرَابِيبُ سُودٌ)) [فاطر:27] مثلوا بالقرآن، كذباً وميناً، ((كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ)) [الحجر:30] هذا توكيد، ((كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ)) [الحجر:30] مؤكَّد ومؤكِّد، توكيد بعد توكيد، حينئذٍ اختلفا في اللفظ والمعنى واحد.
((وَعْدَ الصِّدْقِ)) [الأحقاف:16] الوعد هو الصدق والصدق هو الوعد، ((غَرَابِيبُ سُودٌ)) [فاطر:27] الغرابيب هي السود والسود هي الغرابيب، حينئذٍ نقول: اختلفا في اللفظ والمعنى واحد، فلذلك حملوا الإضافة فيما اتحدَ معناه دون لفظه على الجواز.
وَلَا يُضَافُ وأما مذهبُ البصريين فعلى المنع لما ذكرناه سابقاً.
وَلَا يُضَافُ اسمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ مَعْنىً لما اتحد به معنىً .. لما اتحدَ به معه، الباء هنا بمعنى (مع)، يجبُ أن يكون المضاف مُغايراً للمضاف إليه، ولو بوجهٍ ما، حينئذٍ يمتنعُ إضافة اللفظ إلى ما اتحدَ به في المعنى كالمرادف مع مرادفه: الليث والأسد، لا يقال ليث الأسدِ أو أسد الليث، لا يُضاف هذا إلى مرادفه.
كذلك الموصوف مع صفته، لا يُقال: مسجد الجامع؛ لأن الموصوف هنا مسجد موصوف بالجامع؛ لأنَ المضاف يَتخصَّص أو يتعرّفَ بالمضاف إليه، فلا بد أن يكون غيره في المعنى، لا بد أن يكون غيره في المعنى، فلا يصح قمحُ بُرٍّ، البر هو القمح والقمح هو البر، ولا رجلُ فاضلٍ؛ من باب إضافة الموصوف إلى صفته، ولا فاضلُ رجلٍ من إضافة الموصوف إلى الصفة، كله ممنوع هذا؛ لأنه عينه في المعنى.
فإن جاءَ في لسان العرب ما ظاهره من إضافة الشيء إلى نفسه دون مغايرة بينهما في المعنى أَوِّلْ، وأوِّل هذا على الوجوب، أَوِّلْ مُوهِمَاً؛ موهماً جواز إضافة الشيء إلى نفسه، متى؟ إذا وردَ في لسان العرب ما ظاهرُ ذلك، حينئذٍ يجبُ تأويلُه، إما أنه من باب إضافة المسمى إلى الاسم أو العكس، أو على حذف موصوف، على حذف موصوف: مسجد الجامع، المسجد مكان للجامع، فصار الجامع نعتاً للمكان.
قال الشارح: المضاف يتخصَّص بالمضاف إليه أو يتعرّف به- هذا قاعدة- بناءً على هذا الأصل بكون المضاف يتعرّف بالمضاف إليه أو يتخصّصُ به حينئذٍ لا بد عقلاً أن يكونَ غيره، إذ الشيء لا يُعرِّف نفسَه ولا يُخصِّص نفسَه، فلا بُد من كونه غيره، إذ لا يتخصّص الشيء ويتعرّف بنفسه، وَلَا يُضَافُ اسمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ في المعنى، كالمترادفين: الليث والأسد، والموصوف وصفته فلا يُقال: قمح برّ؛ لأن القمح هو البر والعكس، ولا رجل قائم، وما وردَ موهماً لذلك مُؤوّل كقولهم: سعيدُ كرزٍ، وظاهر هذا أنه من إضافة الشيء إلى نفسه؛ لأن كرز هذا لقب، وسعيد اسم، حينئذٍ اللقبُ هو عين المسمى بسعيد، وسعيد هو عين الملقب بكرز.
إذن: من إضافةِ الشيء إلى نفسه، سعيدُ كرزٍ، هذا مُؤوّل، ظاهره من باب إضافة الشيءِ إلى نفسه؛ لأن المراد بسعيد وكرزٍ في واحد، فيُؤوّل الأول بمسمى، والثاني بالاسم، والاسمُ خلاف المسمى، فرقٌ بين الاسم والمسمى، فيقال: سعيد كرزٍ من باب إضافة المسمى إلى الاسم، أوّلناهُ فجعلنا سعيد مسمى والثاني الاسم، هذا فيه تكلُّف؛ لأن المراد بسعيد فيُؤوّل الأول بمسمّى والثاني بالاسم، والاسمُ خلاف المسمّى، فكأنه قال: جاءني مُسمّى كرزٍ، حذَفَ سعيد وأبدَلَه بمسمّى، حينئذٍ نقولُ مّسمّى كرز، هذا ليس هو الظاهر، أي مُسمّى هذا الاسم؛ هذا إن أمكنَ أن يُؤوّل الأول بمسمّى والثاني بالاسم، وقد يكونُ العكس، لو قال: كتبتُ سَعيد كرزٍ، حينئذٍ يُؤوّل الأول بالاسم والثاني بمسمّى .. عكس الموجود، إذا كان سعيد مطلوب العامل صارَ سعيد بمعنى مُسمّى، فإن كان سعيد مطلوباً لتركيبٍ لا يستقيم كالكتابة، فهذا يجبُ أن يُؤوّل الأوّل بالاسم والثاني بالمسمّى، كتبتُ سعيد كرز، لا تكتبُ المسمّى أنت، لو قلتَ: الأول مُسمّى كرز، كتبتُ سعيد كرز مُسمّى كرز؛ ما يُكتب مُسمّى، أنت تكتبُ الاسم فتقول كتبتُ اسمَ المسمى، حينئذٍ صارَ مِن إضافة الاسم إلى المسمّى، لا مِن إضافة المسمّى إلى الاسم وعلى ذلك يُؤوَّل ما أشبهَ هذا من إضافة المترادفين كيوم الخميس، وأما ما ظاهره إضافة الموصوف إلى صفته فمُؤوّل على حذفِ المضاف إليه الموصوف بتلك الصفة، حبةُ الحمقاءِ هي نفسها، وصلاة الأولى، ومسجد الجامع، والأصل حَبةُ البقلةِ الحمقاءِ، والحمقاء هذا صفة للبقلة.
إذن: أُضيف حبة إلى البقلة لا إلى الحمقاء، وإن كانت النتيجة في ظاهرِهِ أنه مُضاف إلى .. حبّة البقلة الحمقاء، هذا الأصل، كقولهم: وصلاة الساعة الأولى، فالحمقاءُ صفة للبقلة .. حبة البقلة الحمقاء، هذا صفة للبقلة، لا للحبة، والأولى صفة للساعة لا للصلاة، ثم حُذِف المضاف إليه وهو البقلة والساعة، وأُقيم صفتُه مقامَه وصارَ حبة الحمقاء، وصلاة الأولى، فلم يُضَف الموصوف إلى صفته بل إلى صفة غيره، هذا مذهبُ البصريين، وَلَا يُضَافُ اسمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ، فإن جاءَ في لسان العرب ما ظاهرُه أنه من إضافة الشيء إلى نفسه أُوِّل إمّا على المسمّى، وإما على حذف الموصوف، وهذا الظاهر أنّ فيه تكلفا.
وَأَوِّلْ مُوهِمَاً أي: إذا وردَ من كلام العرب ما يُوهِمُ جوازَ ذلك وجبَ تأويلُه، وأجازَ الفراء إضافة الشيءِ إلى ما بمعناه لاختلافِ اللفظين، ونسبَ هذا للكوفيين، وجعلوا مِن ذلك ((وَلَدَارُ الآخِرَةِ)) [يوسف:109] الدارُ هي الآخرة والآخرةُ هي الدار، ((وَلَدَارُ الآخِرَةِ)) [يوسف:109] و ((حَقُّ الْيَقِينِ)) [الواقعة:95]((حَبْلِ الْوَرِيدِ)) [ق:16] الوريد هو الحبل والحبل هو الوريد ((وَحَبَّ الْحَصِيدِ)) [ق:9] وتأويلُهُ عندَ الجمهور أنه مِن إضافةِ العام إلى الخاص .. لا بد من التأويل، حينئذٍ مذهبُ الكوفيين يُؤيّده السماعُ كثير جداً في القرآن وفي غيره، ويكون المعنى معلوماً من السياق؛ بأنه مِن إضافة الشيءِ إلى نفسه، ثم يُؤوّل على جهة بيانِ المعنى لا على جهة إعرابٍ كما ذكرناه مراراً، يعني: نفهمُ حبّة الحمقاء بأنّ الحمقاء صفةٌ للبقلة، هذا واضحٌ لكن مثله نقولُ: جوازُ إضافة الشيء إلى نفسه إذا عُلم المعنى حينئذٍ لا إشكال فيه، وأمّا إذا وقعَ لبسٌ فالأصل فيه المنع، وكلّ ما جاءَ من ذلك يجبُ تأويلُهُ ونقول هذا فيه تكلّف.
وَرُبَّمَا أَكْسَبَ ثَانٍ أَوَّلَا
…
... تَأْنِيثَاً إِنْ كَانَ لِحَذْفٍ مُوهَلَا
رُبَّمَا هذا يحتمِل أنها للتكثير أو أنها للتقليل يحتمل هذا أو ذاك، وإذا كانت للتقليل حينئذٍ مرادُه التقليل النسبي أي قليل بالنسبة إلى ما ليسَ كذلك لا أنه قليلٌ في نفسه فإنه كثير؛ لأنّ القلة والكثرة هذه تختلفُ بالنسبة .. باعتبار إذا نسبتَها إلى شيءٍ قد يكون قليلاً، وإذا نسبتَهُ لشيءٍ آخر يكون كثيراً، وهنا رُبَّمَا يحتملُ أنه للتكثير أو أنه للتقليل، وإذا كان للتقليل حينئذٍ صارَ التقليل نسبياً.
رُبَّمَا أَكْسَبَ ثَانٍ، ثَانٍ: هذا فاعل، ثان من المتضايفين وهو المضاف إليه أَوَّلَا يعني: اكتسبَ الأولُ المضافُ من المضاف إليه التأنيث، وهنا فيه اكتفاء تأنيثاً أو تذكيراً؛ يعني: إمّا هذا أو ذاك، وإنما ذكرَ التأنيثَ دون التذكير لأنه الأكثر في لسان العرب، وأما التذكير فهذا قليل، لكنه يكتسبُهُ المضاف من المضاف إليه.
إذن: أَوَّلَا: نقول هذا مفعول أول لأكسبَ منهما وهو المضاف. تأنيثاً أو تذكيراً تأنيثاً هذا مفعول ثاني لأكسب، أكسبَ يتعدّى إلى مفعولين، اكسبَ ثان هذا فاعل أكسب، والمراد به المضاف إليه. ثان من المتضايفين وهو المضاف إليه.
أولاً منهما وهو المضاف، تأنيثاً هذا مفعول ثاني لأكسب، أو تذكيراً، ويعبّر عنه هذا بأنه اكتفاء ففي كلامه اكتفاء، وخصَّ التأنيث بالذكر؛ لأنه الأغلب، ويكتسبُ المضاف من المضاف إليه غيرهما، سبقَ أنه يكتسب التعريف والتخصيص، وزِد عليه التأنيث أو التذكير، وزِد عليها رفع القبح والتخفيف والظرفية والمصدرية والصدارة؛ هذه كلها يكتسبُها المضاف من المضاف إليه.
إذن: قولهم: وَاخْصُصْ أَوَّلَا أَوْ أَعْطِهِ التَّعْرِيفَ إنما قصدوا التعريفَ والتنكيرَ فحسب، وليسَ الحكمُ خاصّاً بهذين المعنيين فحسب، يعني: الإضافة المعنوية إذا قيلَ بأنها أفادت الأولَ تعريفاً أو تخصيصاً ليسَ معناهُ أن الإفادة محصورة في هذين الشيئين فحسب لا، قد يستفيدُ الأول من الثاني .. المضاف من المضاف إليه التأنيث، إذن: الإضافة معنوية، أو التذكير، إذن: الإضافة معنوية؛ لأنه أفاده تذكيراً.
إذن: نقول: ويكتسبُ المضافُ من المضاف إليه غيرهما أيضاً كالتعريف والتخصيص والتخفيف ورفعَ القبح، وهذان يكونان في الإضافة اللفظية، وكالظرفية نحو: كل وقت؛ كل هذا ظرف، لماذا؟ لأنه أُضيف إلى اسم زمان، وكل هذه باعتبار ما تُضاف إليه.
إذن: الظرفية، استفاد كل الظرفيةَ من المضاف إليه، وهذا تأثيرٌ معنوي، والمصدرية مثل: كلّ الميل؛ كلّ هذا مصدر تقديراً؛ لأنه أُضيف إلى المصدر. إذن: استفادَ المضاف من المضاف إليه المصدرية.
كذلك وجوب التصدير أولَ الكلام، غلام مَن عندك؟ غلام مَن: هذا واجب التصدير، لماذا؟ (غلام) واجب التصدير وهو مضاف و (مَن) مضاف إليه؛ لأنه أُضيف إلى ما له الصدارة في الكلام.
والبناء كما سيأتي فيما أُجري مجرى إذا؛ بأنه يستفيد البناء من المضاف إليه.
إذن: وربما أكسبت ثان أولا تأنيثاً أو تذكيراً، لكن اشترطَ الناظمُ هنا إِنْ كَانَ لِحَذْفٍ مُوهَلَا، أي: أهلاً أي: صالحاً للحذف والاستغناء عنه بالثاني، يعني إذا صحَّ أن يُحذَف المضاف ويُستغنى عنه بالمضاف إليه، وصحَّ التركيب اكتسبَ التأنيث أو التذكير، وإذا لم يكن كذلك حينئذٍ لا يصحّ.
مُوهَلَا أي: أهلاً إذ أصلُه المجعول أهلاً وليسَ هو الشرط، وإنما أن يكونَ أهلاً في نفسِه لا أن يُجعَل أهلاً .. أن يكونَ أهلاً في نفسه، هذا هو الشرط، وإما موهلاً .. مؤهلاً هذا الأصل حينئذٍ نقولُ: هل الشرط أن يجعل أهلاً أو أن يكون أهلاً في نفسه؟ الثاني، ولذلك موهلاً المراد به أهلاً أي: صالحاً للحذف والاستغناء عنه بالثاني.
قال الشارح: قد يكتسبُ المضافُ المذكر من المؤنث المضاف إليه التأنيث، لفظٌ مضاف مذكّر يُضافُ إلى مؤنث يكون المضاف إليه مؤنثاً فيستفيد ويكتسب المضاف التأنيث مِن المضاف إليه، بشرط أن يكون المضاف صالحاً للحذف وإقامة المضاف إليه مقامه، ويُفهَم منه ذلك المعنى، قُطعت بعضُ أصابعه، بعض مُذكّر أُضيفَ إلى أصابع اكتسبَ التأنيث بدليل تأنيث الفعل، ما قال: قُطعَ بعضَ أصابعه، قال: قُطعت، فدلَّ على أن نائب الفاعل هنا مُؤنث قُطعت بعض أصابعه، هنا بعض مُذكّر أُضيف إلى أصابع .. أصابعه فهي مُؤّنث لأنه جمع، وكل جمع مؤنث حينئذٍ نقول اكتسبَ المضاف وهو لفظ بعض وهو مذكّر في الأصل .. اكتسب التأنيث من المضاف إليه، ولذلك أنّث له الفعل قال: قُطعت بعضُ أصابعه، احذف المضاف بعض: قطعت أصابعه، يكون مجازاً من إطلاق الكلّ مُراداً به البعض، صحّ التركيب.
إذن: جازَ أن يستفيدَ من المضاف إليه التأنيث فصحَّ تأنيثُ بعض لإضافته إلى أصابع، وهو مُؤنّث لصحة الاستغناء بأصابع عنه فتقول: قُطعت أصابعه، ومنه: جادَتْ عَلَيْهِ كُلُّ عَيْنٍ ثَرَّةٍ، جادت عليه كلُّ عين، هذا أوضحُ؛ جادت جاد، أنّثَه، كلّ عين: هذا فاعل، (كلّ) لفظٌ مُذكّر أُضيف إلى عين وهو مؤنث فاكتسب منه التأنيث فقال جادت، جادت عينُ، وجاء قوله تعالى:((يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ)) [آل عمران:30] كلّ نفسٍ تجد، ما قال: يجد، قال: تجدُ كل نفس، بالتأنيث (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) على قراءة (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) إذن: السيارة مُؤنّث أُضيف إلى بعض مثل السابق.
مَشَيْنَ كَمَا اهتزَّتْ رِمَاحٌ تَسَفَّهْتْ
…
أَعَاليها مَرَّ الرِّياحِ
تَسَفَّهْتْ مَرَّ الرِّياحِ، مَرّ مذكّر والرياح مُؤنّث وتسفهت هذا مؤنّث بإلحاق التاء، فدلَّ على أن الفاعل مؤنث، ومرّ الرياح هذا فاعل تسفّهت، فأنث المرّ لإضافته إلى الرياح، وجازَ ذلك لصحة الاستغناء عن المرّ بالرياح، نحو: تسفهت الرياح، وربما كان المضاف مُؤنثاً فاكتسبَ التذكير من المضاف إليه .. من المذكر المضاف؛ عكس يعني، يكون المضاف مؤنثا والمضاف إليه مذكراً فيكتسبُ التذكير من المضاف إليه:
إِنَارَةُ العَقْلِ مَكْسُوفٌ بِطَوعِ هَوىً، إِنَارَةُ العَقْلِ مَكْسُوفٌ، ما قال: مكسوفة؛ لأنّ التأنيث هنا يُراعى، إذا قيل المضاف اكتسبَ التأنيث حينئذٍ يُؤنّث له الفعل والنعت والضمير واسم الإشارة إلى آخرة، نعرفُ أنه مُؤنّث بهذه الأمور، وهنا قال: إنارةُ العقلِ مكسوف، إنارة هذا مُؤنّث وهو مضاف والعقل مُضاف إليه وهو مُذكّر، نقول: استفادَ إنارة التذكير وهو مُؤنّث من المضاف إليه بدليل الوصف؛ لأنه قال: مكسوف لو كان مونثاً لقال مكسوفة بالتاء.
ومثّلَ ابن عقيل بقوله: ((إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ)) [الأعراف:56] رحمةُ هذا المثال محتمل وحوله كلامٌ طويلٌ، رحمة الله، رحمة في اللفظ مُؤنّث أضيفت إلى لفظ الجلالة فاكتسبَ التذكير، وكما قلنا سابقاً: لا بأسَ أن يُوصَف اللفظ بكونه مُذكّراًَ، فالحكم على اللفظ لا على الموصوف، لئلا يُقال كيف يُقال بهذا الوصف؟ نقول: في لسان العرب ثم ما هو ضمير مذكّر وضمير مونّث، ما الذي اعتبر لفظ الجلالة هنا؟ وهو الله عادَ عليه الضمير وهذا قطعاً أنه لمذكر، حينئذٍ نقول: اللفظ هنا هو الذي يوصف بكونه مذكّراً فلا اعتراض حينئذٍ بكون المسمّى يلزم منه وصفه بالتذكير وهو وصف لم يثبت في الشرع.
نقول: نعم، وصفُهُ لا يثبت لكن لفظُهُ لا إشكال فيه ((إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ)) [الأعراف:56] قريب لم يقل: قريبة، وهذا المثال فيه نظر؛ لأن قريب هذا فعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث، فيحتمل أنه قريبةً، لكن لا يُقال بأنه قريب، فعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث، وهذا سبق معنا جريح هناك في باب جمع المذكر السالم، قلنا: ما كان مما استوى فيه المذكر والمؤنث لا يجمع بواو ونون؛ لأنه يقال: امرأة جريح، وزيد جريح، هذا مثله.
إذن: الشاهد ليسَ بجيد.
فإن لم يصلح المضاف للحذف والاستغناء بالمضاف إليه عنه لم يجز التأنيث، فلا تقل: خرجَت غلامُ هندٍ، إذ لا يقال: خرجتْ هندٌ، غلامُ هندٍ هل وُجِد فيها الشرط؟ إِنْ كَانَ لِحَذْفٍ مُوهَلَا؛ أن يصح الاستغناء بالمضاف إليه عن المضاف .. يحذف المضاف فيكون المضاف إليه مقاماً مكان المضاف، فتقول: خرجت غلام هندٍ على أن غلام اكتسبَ التأنيث من هند، نقول: احذِف غلام؛ خرجت هند صحّ؟ إذ لا يقال: خرجت هندٍ، ويُفهَم منه خروج الغلام، ولا قامَ امرأة زيد، امرأة نقول هذا لم يَكتسِب التذكير من زيد، ولذلك لا يقال: قامَ امرأة؛ لأنه لا يُقال: قام زيد، ويفهم المضاف الذي هو امرأة.
إذن: هذا مراده بقوله:
وَرُبَّمَا أَكْسَبَ ثَانٍ أَوّلَا
…
تَأَنِيثَاً إِنْ كَانَ لِحَذْفٍ مُوهَلَا
يعني: يُشترَط فيما يصح اكتساب التأنيث من المضاف إليه للمضاف أو التذكير أن يستغنى بالمضاف إليه عن المضاف، فيكون خلفاً له، فإن صحّ التركيب صحّ حينئذٍ دعوى أنه اكتسب التذكير أو التأنيث، فإن لم يصح حينئذٍ لا يجوز.
وَبَعْضُ الَاسْمَاءِ يُضَافُ أَبَدَا
…
وَبَعْضُ ذَا قَدْ يَأْتِ لَفْظَاً مُفْرَدَا
نقف على هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
…
!!!