الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* أنواع اسم الفاعل ،وشروط عمل المجرد
* عمل اسم الفاعل المحلى بأل
* صيغ المبالغة وعملها.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد ..
قال الناظم رحمه الله تعالى: إِعْمَالُ اسْمِ الْفَاعِلِ.
كَفِعْلِهِ اسْمُ فَاعِلٍ فِي الْعَمَلِ
…
إِنْ كَانَ عَنْ مُضِيِّهِ بِمَعْزِلِ
عرفنا حقيقة اسم الفاعل، وعرفنا أنه يعمل عمل فعله في التعدي إن كان فعله متعدياً، ويعمل اللزوم إن كان فعله لازماً، وعرفنا وجه إعمال اسم الفاعل، أنه أشبه الفعل المضارع لفظاً ومعنى، لفظاً من حيث دلالته على الحال أو الاستقبال، ومن حيث اللفظ موافقته له في حركاته وسكناته وعدد الحروف.
وهنا شرط شرطين يعني لكن لا يعمل العمل المذكور إلا بشرطين: إِنْ كَانَ عَنْ مُضِيِّهِ بِمَعْزِلِ، وَوَلِيَ اسْتِفْهَاماً
…
فإن وجد الشرطان حينئذٍ صح إعماله، فإن انتفيا أو انتفى أحدهما، حينئذٍ لا يعمل عمل الفعل المضارع.
وهل هذان الشرطان لعمل اسم الفاعل مطلقاً ولو رفعاً، أم أنهما شرطان لعمل النصب فحسب دون الرفع؟ محل نزاع، والأكثر على أن هذين الشرطين لعمله النصب فحسب، وأما الرفع فهذا جائز مطلقاً.
إِنْ كَانَ عَنْ مُضِيِّهِ، يعني: كَفِعْلِهِ اسْمُ فَاعِلٍ فِي الْعَمَلِ، اسم فاعل كائن كفعله، في ماذا؟ في العمل. مطلقاً؟ لا. لكن لا يعمل العمل المذكور إلا بشرطين، وهذا شرط في عمله النصب لا في عمله الرفع، ومثله الشرط الآتي وهو الاعتماد، إن كان اسم الفاعل عَنْ مُضِيِّهِ بِمَعْزِلِ، بِمَعْزِلِ هذا خبر كان، وعَنْ مُضِيِّهِ: جار ومجرور متعلق بقوله: مَعْزِلِ، مَعْزِلِ هذا اسم مكان، إن كان اسم الفاعل بمعزل عن مضيه، عَنْ مُضِيِّهِ، أي: مضي حدثه بمعزل، أي: في مكانٍ عزلٍ، أي: إبعاد، والمكان هنا مجازي بمعنى التركيب، لأن الباء هنا ظرفية، بِمَعْزِلِ: الباء هنا بمعنى في، لأن المعزل اسم مكان، أي إن كان في مكان العزلة عن المضي، إن كان معزولاً عن دلالته على المضي حينئذٍ يعمل، مفهومه إن دل على غير المضي وهو الحال أو الاستقبال عمل، إذن نفى ما إذا كان اسم الفاعل دالاً عليه لا يعمل، إِنْ كَانَ عَنْ مُضِيِّهِ بِمَعْزِلِ: إن كان في عزلة عن دلالته على إيقاع حدث في زمن قد مضى وانتهى، حينئذٍ في هذه الحالة لا يعمل.
والأحوال ثلاثة: الحال، أو الاستقبال، أو الماضي، إذا تعين أنه لا يعمل إلا إذا عُزل عن حالة المضي فسكت عن الحالتين الأخريتين فدل على أنه لا يعمل إلا إذا كان دالاً على الحال أو الاستقبال.
إن كان في مكان العزلة عن المضي، والهاء في مُضِيِّهِ عائدة على اسم الفاعل، والمعنى عليه: إن كان اسم الفاعل بمعزل عن المضي المنسوب إليه، إذا كان بمعنى الماضي، ولذلك يشترط فيه إذا كان مجرداً .. والكلام في المجرد عن (أل) كما ذكرناه أن اسم الفاعل نوعان، مجرد عن (أل): ضارب، ومحلى بـ (أل): الضارب، المحلى بـ (أل) سيأتي ذكره، وأما هذان الشرطان فهما شرطان في المجرد.
إِنْ كَانَ عَنْ مُضِيِّهِ بِمَعْزِلِ بأن كان دالاً على الحال أو الاستقبال، هذا ضارب زيداً الآن أو غداً، هذا ضارب زيداً، ضارب: هذا اسم فاعل، عمل لكونه أشبه الفعل المضارع، في الحركات والسكنات وفي المعنى، وهنا دل على زمن هو الحال، هذا ضارب زيداً الآن، غيَّرته، من باب التأكيد فحسب، وإلا لو أطلق انصرف إلى الحال، هذا ضارب زيداً غداً، قيدته، حينئذٍ يعمل عمل فعله، فهو دال على الاستقبال.
إن كان دالاً على المضي حينئذٍ لا يعمل، (هذا ضارب زيداً أمسِ) لا يصح، لا يصح أن يكون زيداً منصوب بـ (ضارب)، بل تجب حينئذٍ الإضافة، فيقال:(هذا ضاربُ زيدٍ أمس) ولا يجوز إعماله، لماذا؟ لتخلف شرط من شرطي إعمال اسم الفاعل النصب، وهو كونه: بمعزل عن المضي، فإن كان دالاً على الماضي حينئذٍ لا يعمل عمل فعله.
وإن كان بمعنى الماضي لم يعمل، لأنه حينئذٍ لا يكون بمعنى: يضرب، وإنما يكون بمعنى: ضرب، وإذا كان كذلك حينئذٍ صار بمعزل عن العمل. لعدم جريانه على الفعل الذي هو بمعناه فهو مشبه له معنىً لا لفظاً، يعني من حيث الدلالة على الحدث، دل على الحدث وهذا لا إشكال فيه، فلا تقول: هذا ضاربٌ زيداً أمس، بل تجب إضافته، تقول: هذا ضاربُ زيدٍ أمس، وأجاز الكسائي إعماله مطلقاً، يعني المجرد جوز الكسائي إعماله مطلقاً، ولم يقيده بدلالته على زمن الحال أو الاستقبال، بل عنده الماضي كذلك يعمل عمل الفعل، يعني ينصب، واستدل بقوله تعالى:((وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ)) [الكهف:18] بَاسِطٌ، هذا خبر، كَلْبُهُمْ مبتدأ، وباسط خبره، وفيه فاعل مستتر، هو أي: الكلب.
ذِرَاعَيْهِ: تثنية ذراع، جاء بالياء، إذن هو منصوب بـ (بَاسِطٌ)، وهنا باسط هذا دال على الزمن الماضي، هكذا قال: باسط، ((كَلْبُهُمْ بَاسِطٌ)) [الكهف:18] والحكاية حكاية شيء وقع في زمن مضى، حينئذٍ صار باسط بمعنى بسط ذراعيه، فليس بمعنى الحال أو الاستقبال وقد نصب هنا .. نصب ذراعيه، هكذا استدل الكسائي بهذه الآية.
فذراعيه منصوب بـ (بَاسِطٌ)، وهو ماضٍ، وأجيب من جهة المانع بأنه حكاية حال ماضية، والمعنى يبسط ذراعيه، يعني: باسط وإن كان في ظاهره أنه بمعنى الماضي، إلا أنه في معنى الاستقبال، بدليل ما قبله وهو قوله:((وَنُقَلِّبُهُمْ)) [الكهف:18]، ما قال: قلبناهم، ((وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ)) [الكهف:18]، ثم قال:((وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ)) [الكهف:18] إذن يبسط ذراعيه. ولم يقل: وقلبناهم، حينئذٍ صارت المسألة حكاية حال ماضية، بأن يفرض ما وقع واقعاً الآن فيعبَّر عنه بالمضارع، إذن لا وجه لاستدلال الكسائي بالآية، لأن (باسط) وهو ماض قد عمل في (ذراعيه) فنصبه وهو بمعنى الماضي، فالجواب أن (بَاسِطٌ) هنا بمعنى:(يبسط)، بدليل سياق الآية، لأنه قال:((وَنُقَلِّبُهُمْ)) [الكهف:18] ما قال: وقلبناهم، لما قال:((وَنُقَلِّبُهُمْ)) [الكهف:18]، علمنا أن باسط بمعنى يبسط، لا بمعنى بسط.
إذن يشترط في اسم الفاعل أن يعمل النصبَ كعمل فعله، حينئذٍ يشترط له أن يكون بمعنى الحال أو الاستقبال، فإن كان بمعنى الماضي حينئذٍ لا يعمل، لماذا؟ لفقد وجه المشابهة بينه وبين الفعل المضارع، لأنه إنما عمل لكونه أشبه الفعل المضارع في اللفظ والمعنى، فحينئذٍ وهو عامل في قوة:(يضرب)، وأما إذا كان بمعنى الماضي في قوة:(ضرب)، فأشبه الفعل الماضي ولم يشبه الفعل المضارع فبعد الشبه فضعف العمل بل بطل العمل.
إذن: كَفِعْلِهِ اسْمُ فَاعلٍ فِي الْعَمَلِ
…
... إِنْ كَانَ عَنْ مُضِيِّهِ أي: مضي حدثٍ بِمَعْزِلِ: أي في مكان عزلٍ أي: إبعاد.
والمكان هنا مجازي بمعنى: التركيب، بـ (مَعْزِلِ): بأن كان بمعنى الحال أو الاستقبال، لأنه إنما عمل حملاً له على المضارع، وهو كذلك أي المضارع بمعنى الحال أو الاستقبال، فإذا كان بمعنى الماضي حينئذٍ صار بعيداً عن مشابهة الفعل المضارع.
وَوَلِيَ اسْتِفْهَاماً: هذا الشرط الثاني، أن يكون معتمداً على شيء قبله، هذه قاعدة عامة، أن يكون معتمداً على شيء قبله، لماذا؟ قالوا لأنه إذا اعتمد على شيء قبله قرَّبه من الفعل فأثبت وأكَّد مشابهته للفعل، فقوي حينئذٍ، أو قويت المشابهة بينه وبين الفعل، وولي ما يقرِّبه من الفعلية.
وَوَلِيَ، أي: اسم الفاعل، ما يقرِّبه من الفعلية، بأن (ولي)، ذكر هنا استفهاماً، أو نداءً، أو نفياً، أو صفةً، أو مسنداً، خمسة أشياء، وعند التفصيل ستة أشياء؛ لأن الصفة هنا المراد بها بالمعنى الأعم، ما يشمل الصفة التي هي النعت، وما يشمل الحال؛ لأن الحال وصف في المعنى، أَوْ جَا صَفَةً، يعني: نعتاً أو حالاً، حينئذٍ عند البسط هي ستة أشياء.
هذه تقرب اسم الفاعل من الفعل، متى؟ إن وقع اسمُ الفاعل إما تالياً لبعض ما ذكر، أو حالاً في محل بعض ما ذكر، إن ولي اسم الفاعل ما يقربه من الفعلية، بأن ولي استفهاماً بأن وقع بعد استفهام مطلقاً سواء كان الاستفهام ملفوظاً به أو مقدراً.
أضارب زيدٌ عمراً؟
أقائم الزيدان؟
أضاربٌ زيدٌ عمراً؟
ضاربٌ، نقول هذا اسم فاعل، هل يعمل مطلقاً؟ الجواب: لا، بل لا بد من تحقق شرطين:
الشرط الأول: أن يكون ضارب بمعنى الحال أو الاستقبال، وهذا قد تحقق هنا.
الشرط الثاني: أن يكون معتمداً على شيءٍ وقد اعتمد هنا على استفهام. آآ أضارب، إذن سبقه استفهام، أن يكون اسم الفاعل تالياً لاستفهام، سواء كان حرفاً أو اسماً.
فحينئذٍ (أضارب) نقول: هذا وجد فيه الشرطان.
(زيدٌ) هذا فاعل لضارب.
(عمراً) هذا مفعول به لضارب، عمل الرفع والنصب.
ومنه المقدر نحو: مُهِينٌ زَيْدٌ عَمْراً أم مُكْرِمُهُ، أم هذه ماذا تسمى؟ تسوية، حينئذٍ تقع بعد همزة التسوية، إذن في الكلام ما هو محذوف، أمهين .. أمهين .. أين الهمزة؟ محذوفة، مهين هذه اسم فاعل، أهان، يهين، فهو مهين، أكرم يكرم، فهو مكرم، حينئذٍ مهين نقول هذا اسم فاعل، عمل لكونه معتمداً على استفهام وهو مقدر بدليل (أم).
وَوَلِيَ اسْتِفْهَاماً أَوْ للتنويع حَرْفَ نِدَا يعني: ولي حَرْفَ نِدَا، مثل ماذا؟
يَا طَالِعاً جَبَلاً.
(جَبَلاً): مفعول به لـ طالعاً.
و (طَالِعاً): هذا منادى منصوب، وهو اسم فاعل.
إذن عمل فيما بعده، لماذا؟ لتحقق الشرطين:
أولاً: كونه بمعنى الحال أو الاستقبال، وليس بمعنى المضي.
ثانياً: كونه تالياً لنداء .. لحرف نداء، فإذا كان اسم الفاعل تالياً لنداء، يعني: وليه .. ولي نداء، حينئذٍ صار مسوغاً له ومعتمداً عليه.
أَوْ حَرْفَ نِدَا نحو: يَا طَالِعاً جَبَلاً، هكذا أورده المصنف رحمه الله تعالى، والصواب أن النداء ليس من ذلك في شيء، لماذا؟ لأننا نريد أن نقرِّب اسم الفاعل من الفعلية، حينئذٍ لا بد أن يلي شيئاً يقربه ولا شك أن النداء من خصائص الأسماء، ولذلك هو من علامات الأسماء، فيكف يكون مقرباً له؟ هذا محل إشكال.
والصواب: أن النداء ليس من ذلك، والمسوِّغ إنما هو الاعتماد على الموصوف المقدر، والتقدير: يا رجلاً طالعاً جبلاً، يا رجلاً طالعاً، فـ (طالعاً) هذا صفة لموصوف محذوف، إذن اعتمد على ماذا؟ على موصوف محذوف، وسيأتي أن الصفة قد تكون مذكورة، وقد تكون محذوفة.
إذن:
يَا طَالِعاً جَبَلاً، أصله: يا رجلاً طالعاً جبلاً؛ لأن حرف النداء، مختص بالاسم فكيف يكون مقرباً من الفعل، وأجيب بأن الناظم لم يدَّعِ أنه مسوِّغ، إنما قال: يلي، فقط يلي، حينئذٍ إذا وليه لا يلزم منه أن يكون المسوغ له حرف النداء، وإنما شيء آخر وهو اعتماده على موصوف مقدر، إذن لماذا ذكره؟ ذكره لئلا يتوهم متوهم أن اسم الفاعل إذا ولي النداء، والنداء من خصائص الأسماء ألا يعمل، فدفعاً لهذا الوهم ذكره، إذن لم يدعِ الناظم هنا أن النداء مسوغ، بل أن الوصف إذا ولي حرف النداء عمل، هذا مراده، ولذلك قال: وَوَلِيَ اسْتِفْهَاماً أَوْ حَرْفَ نِدَا، إذا جاء اسم الفاعل بعد حرف النداء يعمل، لم يقل بأنه اعتمد عليه، وهذا لا ينافي كون المسوغ الاعتماد على الموصوف المحذوف، وإنما صرح به هنا مع كونه داخلاً في قوله الآتي:
وَقَدْ يَكُونُ نَعْتَ مَحْذُوفٍ عُرِفَ لدفع توهم أن اسم الفاعل لا يعمل إذا ولي حرف النداء لبعده عن الفعل، إذن: دفعاً لهذا الوهم ذكره هنا وإلا الأصل أنه داخل في البيت الآتي: وَقَدْ يَكُونُ نَعْتَ مَحْذُوفٍ عُرِفَ
ومنه أن يكون تالياً للنداء، كل ما وجدت اسم فاعل تالياً لحرف النداء فاعلم أنه ليس معتمداً عليه وليس المسوغ له حرف النداء، وإنما هو موصوف محذوف.
يَا طَالِعاً جَبَلاً، يعني: يا رجلاً طالعاً جبلاً، وذِكرُ الناظم هنا له ليس لكونه مسوغاً لذاته، وإنما لدفع وهم ألا يتوهم متوهم أن حرف النداء من خصائص الأسماء، فإذا تليه -وهذا ظاهر-، إذا تليه اسم الفاعل فالمتبادر للذهن أنه لا يعمل؛ لأنه قد تلى ما هو من خصائص الأسماء، هذا الظاهر، فذِكرُه هنا حينئذٍ لا ينافيه.
أَوْ نَفْياً: أَوْ للتنويع، نَفْياً يعني: بعد أداة نفي ولو تأويلاً، مثل: ما ضاربٌ زيدٌ عمراً، (ما): حرف نفي، (ضاربٌ) هذا اسم فاعل، عمل لوجود وتحقق الشرطين، وهما: كونه بمعنى الحال أو الاستقبال، وقد اعتمد على نفي، والنافي هنا حرف.
ما ضاربٌ زيدٌ عمراً، زيد فاعل لضارب، وعمراً هذا مفعول به. والمراد هنا أو نفياً يعني: ولي أداة نفي، ولو تأويلاً، إنما قائم الزيدان، إنما أداة حصر، إنما قائمٌ الزيدان، الزيدان هذا فاعل لقائم، وقائم هنا اعتمد على نفيٍ تأويلاً، يعني: إنما متضمن لمعنى النفي، لأنها للقصر والحصر، والقصر فيه نفي، كأنه في قوة ما قائم إلا الزيدان، إنما قائمٌ الزيدان، أي ما قام إلا الزيدان.
أَوْ جَا صِفَةً، جَا بدون همز، وهذا لغة، جا يجي، وجاء يجيء بالهمز وبدون، أَوْ جَا صِفَةً، يعني جاء اسم الفاعل صفة لغيره، بأن كان نعتاً، حينئذٍ اعتمد على المنعوت، أو كان حالاً حينئذٍ اعتمد على صاحب الحال، إذن: متكئ على شيء سابق.
مَرَرَتُ بِرَجُلٍ ضَارِبٍ زيداً، (ضارب) صفة لرجل، (زيداً) هذا مفعول به، عمل اسم الفاعل لكونه معتمداً على موصوف مذكو، وهو:(رجل).
أو حالاً: جاء زيدٌ راكباً فرساً، جاء زيدٌ فعل وفاعل، راكباً حال، وهو اسم فاعل، كونه حال لا يمنع أن يعمل، حينئذٍ: ما المسوغ له؟ كونه معتمداً على موصوفٍ في المعنى، لأن صاحب الحال محكوم عليه وهو موصوف في المعنى، أما نقول الحال قيد لعاملها وصفٌ لصاحبها؟ إذن أَوْ جَا صِفَةً يشمل النعت النحاة، ويشمل الحال، فكلٌ منهما صار مسوغاً لاسم الفاعل أن يعمل النصب فيما بعده.
أَوْ جَا صِفَةً، ثم هذه الصفة قد تكون ملفوظة، وقد تكون مقدرة، والمقدرة أفردها ببيت خاص.
أَوْ مُسْنَدَا.
إذن: أَوْ جَا صِفَةً، مراد الناظم هنا ليست الصفة الخاصة التي هي مرادفة للنعت، وإنما المراد بها الأعم، ما يشمل النعت والحال.
أَوْ مُسْنَدَا يعني جاء مسنداً لمبتدأ، يعني خبراً لمبتدأ في الحال، أو لما أصله مبتدأ، حينئذٍ تقول: زيدٌ ضارب عمراً، زيد مبتدأ وضارب خبر، كونه خبراً معتمداً على المبتدأ، فكأنه موصوف في المعنى، فضارب هذا معتمد، كونه مسنداً قد اعتمد على المبتدأ، حينئذٍ نصب ما بعده.
إن زيداً ضاربٌ عمراً، هذا مسند باعتبار الأصل.
كان زيدٌ ضارباً عمراً.
ظننت زيداً ضارباً عمراً.
أعلمت زيداً بكراً ضارباً عمراً.
أَوْ مُسْنَدَا يعني كونه خبراً، خبر لمبتدأ قبل دخول الناسخ، وخبر لما هو في الأصل مبتدأ بعد دخول الناسخ، فتقول: زيدٌ ضاربٌ عمراً، هل فيها إشكال؟ زيدٌ مبتدأ، ضاربٌ عمراً، ضارباً هنا خبر، وعمراً مفعول به لضارب، لماذا عمل؟ لكونه استند. إلى أي شيء؟ كونه خبراً استند إلى المبتدأ .. اتكأ على المبتدأ.
إن زيداً ضاربٌ عمراً، هي نفسها، لكن دخلت (إنَّ) وزيداً اسم إن في الأصل هو مبتدأ، وضارب في الأصل هو المسند، إذن نفس الكلام، فالحكم عام.
أَوْ مُسْنَدَا لمبتدأ أو لما أصله المبتدأ، فيشمل خبر إن وخبر كان ومفعول ظن، ومفعول أعلم.
زيدٌ ضاربٌ عمراً.
كان زيدٌ ضارباً عمراً، (ضارباً) هذا خبر كان منصوب، وهو ناصب لما بعده، حينئذٍ وقع مسنداً.
إن زيداً ضاربٌ عمراً، (ضاربٌ) خبر إن.
وظننت زيداً ضارباً عمراً، (ضارباً) هذا مفعول ثاني، وعمراً مفعول لضارب، أعلمت زيداً عمراً ضارباً بكراً، أربعة منصوبات، أعلمت: فعل فاعل، زيداً عمراً: مفعول أول وثاني، ضارباً: مفعول ثالث، عمراً: مفعول رابع.
إذن: ضارباً بكراً نقول ضارباً هذا مفعول ثالث، وبكراً ليس مفعولاً رابعاً، لأن أعلم هذه تتعدى إلى ثلاثة، فبكراً مفعول لضارباً؛ لأن المفعول الثالث في باب أعلم قلنا هو الخبر في الأصل، والمفعول الثاني هو المبتدأ، والمفعول الأول هو الفاعل.
إذن أَوْ مُسْنَدَا يشمل ما كان مسنداً لمبتدأ أو لما أصله المبتدأ، إن ولي اسم الفاعل واحداً من هذه الست، مع دلالته على الحال أو الاستقبال، حينئذٍ يعمل، وهل هذه شروط لإيجاب العمل؟ أم لجوازه؟ لجوازه.
يعني يجوز أن تقول: ما ضاربٌ زيدٌ عمراً، ما ضاربُ زيدٍ عمراً، يجوز الإضافة ويجوز عدم الإضافة.
فإن تخلف شرط من هذين لم يعمل، بأن كان بمعنى الماضي خلافاً للكسائي، فلا تقول: أنا ضاربٌ زيداً أمسِ، كما سبق، أو لم يعتمد على شيء مما سبق خلافاً للكوفيين والأخفش، ولذلك سبق: يَجُوزُ نَحْوُ فَائِزٌ أُولُو الرَّشَدْ، فَائِزٌ هل اعتمد على شيء؟ لا، هذا مذهب الأخفش والكوفيين، فلا يجوز ضاربٌ زيداً أمس، ضارب هكذا دون أن يعتمد على شيء لا يصح، هذا اجتمع فيه تخلف .. ضاربٌ زيداً أمس، تخلف الشرطان؛ لأن ضارب هنا لم يعتمد على شيء، لم يل استفهاماً ولا نفياً ولا نداء ولا ولا الخ، وكذلك جاء بمعنى الماضي. إذن: ضاربٌ زيداً أمسِ تخلف فيه الشرطان، وعلى مذهب الكسائي إذا جوز عدم الاعتماد جائز؛ لأن الماضي عنده يعمل، وإذا قيل في مذهب الكوفيين أنه لا يشترط فيه الاعتماد، حينئذٍ يعمل، إذن ليس متفق عليها.
فلا يجوز ضاربٌ زيداً أمسِ لانتفاء الشرطين الاعتماد وكونه لغير الماضي، وهذا الخلاف بين الجمهور والكسائي في عمل الماضي دون (أل) بالنسبة إلى لمفعول به. يعني الخلاف هل يعمل وهو ماضي أو لا؟ وهل يعمل إذا اعتمد أو لا؟ خلاف في عمل الماضي في المفعول به، يعني في عمل النصب، وإن كان ظاهر كلام الناظم الإطلاق؛ لأنه قال كَفِعْلِهِ اسْمُ فَاعِلٍ فِي الْعَمَلِ، مطلقاً.
إِنْ كَانَ عَنْ مُضِيِّهِ بِمَعْزِلِ، في العمل سواء رفع ولم ينصب أو نصب ولا بد وأن يرفع، فهو مطلق، ولكن ظاهر كلام كثير من النحاة أن هذين الشرطين إنما هما للنصب فحسب، وأما الرفع فلا. وهذا الخلاف بين الجمهور والكسائي في عمل الماضي دون (أل) بالنسبة للمفعول به.
وأما رفعه الفاعل فذهب بعضهم إلى أنه لا يرفع الفاعل؛ لأنه يشترط فيه ما اشترط في النصب، لا يرفع الظاهر، وقيل يرفعه وهو ظاهر كلام سيبويه، يعني ولو كان بمعنى الماضي.
قال السيوطي: - وهو الأصح - يعني يرفع الظاهر ولو لم يعتمد، ولو لم يكن بمعنى الحال أو الاستقبال. قال السيوطي - وهو الأصح – لكن بشرط الاعتماد، إذن منهم من أطلق، ومنهم من اشترط الشرط الثاني دون الأول.
إذن هل يعمل اسم الفاعل ماضياً؟ نقول ليست المسألة محل وفاق، جمهور النحاة على المنع، وبعضهم فصَّل: إن اعتمد جاز، وإن لم يعتمد فلا، وهذا الذي رجحه السيوطي، ومنهم من منعه مطلقاً، وهو قول الجماهير.
إذن: أما رفعه الفاعل، فذهب بعضهم إلى أنه لا يرفع الظاهر، وقيل يرفعه وهو ظاهر كلام سيبويه، قال السيوطي: وهو الأصح، لكن بشرط الاعتماد، وحينئذٍ فشرط عمل الرفع في الظاهر الاعتماد لا كونه بمعنى الحال أو الاستقبال، هذا على رأي السيوطي، لا كونه بمعنى الحال أو الاستقبال.
وأما المضمر أي البارز، فحكى ابن عصفور الاتفاق على أنه يرفعه وحكي المنع، البارز الضمير يعني أضاربٌ أنت؟ هل يرفعه مطلقاً ولو كان بمعنى الماضي، ولم يعتمد؟ حكى ابن عصفور الاتفاق على أنه جائز، وحُكِيَ المنع.
وأما المستتر فيرفعه بلا خلاف، إذن للنصب لا بد من تحقق شرطين، للرفع دون النصب لا يشترط تحقق الشرطين، وشرط السيوطي الاعتماد دون الحال أو الاستقبال، وأما البارز وحينئذٍ لا يشترط لا هذا ولا ذاك، وأما المستتر فيرفعه بلا خلاف .. على هذا التفصيل.
إذن الظاهر والله أعلم أن تحقيق الشرطين إنما هما للنصب فحسب، وأما ما عداه فلا
…
.
وَوَلِيَ اسْتِفْهَاماً أَوْ حَرْفَ نِدَا
وَقَدْ يَكُونُ نَعْتَ مَحْذُوفٍ عُرِفَ
…
أَوْ نَفْياً أَوْ جَا صِفَةً أَوْ مُسْنَداَ
فَيَسْتَحِقُّ الْعَمَلَ الَّذِي وُصِفْ
(قَدْ) هذه للتقليل، وإن شئت قل: للتحقيق، لا بأس، لكن الظاهر أنه للتقليل، وَقَدْ يَكُونُ اسم الفاعل نَعْتَ مَحْذُوفٍ عُرِفَ، هذا تعميم لقوله: أَوْ جَا صِفَةً، يعني الموصوف قد يكون مذكوراً كما ذكرناه سابقاً، وقد يكون محذوفاً.
وكونه نعتاً لمحذوفٍ لا يمنع كون اسم الفاعل عاملاً فيما بعده، وقد يكون اسم الفاعل نَعْتَ مَحْذُوفٍ عُرِفَ، عُرِفَ يعني: معروف؛ لماذا؟ وهذا قيد لبيان الواقع فحسب لأنه لا يحذف إلا بقرينة، أما ما لا يعرف بعد الحذف فلا يجوز حذفه مطلقاً وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لَمْ يَضِرْ، ومن المضرة له أن لا يعلم وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ، إذن ما لا يعلم لا يجوز حذفه.
وَقَدْ يَكُونُ نَعْتَ مَحْذُوفٍ، يَكُونُ هو، نَعْتَ هذا خبر يكون إذن يكون هذه ناقصة، ونَعْتَ مضاف ومَحْذُوفٍ مضاف إليه، وعُرِفَ مغير الصيغة والجملة في محل جر نعت لمَحْذُوفٍ، يعني أن اسم الفاعل يأتي معتمداً على موصوف محذوف، ما الحكم؟ فَيَسْتَحِقُّ الْعَمَلَ الَّذِي وُصِفْ، يَسْتَحِقُّ يعني يثبت له، الْعَمَلَ كما استحقه ما هو صفة لمذكور.
إذن لا فرق بين الصفة لمذكور أو صفة لمحذوف، ما دام أن اسم الفاعل وقع صفة عمل مطلقاً، سواء كان الموصوف مذكوراً ملفوظاً به مَرَرَتُ بِرَجُلٍ ضَارِبٍ، أو كان الموصوف محذوفاً، لكن لا بد أن يكون معروفاً.
فَيَسْتَحِقُّ وهذه عاطفة على ما سبق، يَسْتَحِقُّ اسم الفاعل المعتمد على نعت محذوف الْعَمَلَ الَّذِي هذا نعت للعمل، وُصِفْ مع المنعوت الملفوظ به، الَّذِي وُصِفْ أين وصف لك؟ في قوله: وَوَلِيَ اسْتِفْهَاماً أوْ حَرْفَ نِدَا، أوْ جَا صِفَةً، هذا الذي وصف لك، مطلقاً سواء كان الموصوف مذكوراً أو محذوفاً. قد يعتمد اسم الفاعل على موصوف مقدَّر فيعمل عمل فعله كما لو اعتمد على مذكور.
ومنه قوله: وَكَمْ مَالِئٍ، مالئ، ملأ، يملأ، مالئ، اسم فاعل من ملأ، وَكَمْ مَالِئٍ عَينَيهِ هذا مفعول به، مَالِئٍ عَينَيهِ، كم شخصٍ مالئٍ عينيه، إذن اعتمد على موصوف محذوف.
ومنه: يَا طَالِعاً جَبَلاً، يا رجلاً طالعاً جبلاً، قيل منه:((مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ)) [النحل:69]، يعني: صنف مختلف ألوانه، هذا المثال قد يصلح وقد لا يصلح، إن قلنا بأن الشرطين لا بد منهما في رفع الفاعل الظاهر، حينئذٍ صَلُح، وإن قلنا لا؟ فلا، (مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ)، هل نَصب؟ ما نَصب، إذن لا يشترط فيه الاعتماد، لأن الاعتماد إنما يكون للنصب، والرفع .. إذا رفع ظاهراً على قول السيوطي أنه يشترط له الاعتماد دون المضي .. نفي المضي، حينئذٍ صح التمثيل، فتقول:((مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ)) [النحل:69]، أي: صنف، مختلف ألوانه، يَا طَالِعاً جَبَلاً، أي يا رجلاً طالعاً جبلاً.
كَنَاطِحٍ صَخْرَةً يَوْماً لِيُوهِنَهَا
…
فَلَمْ يَضِرْهَا وَأَوْهَى قَرْنَهُ الْوَعِلُ
كَنَاطِحٍ، يعني: كوعل ناطح، حينئذٍ نقول: يعمل اسم الفاعل إذا كان صفة، سواء كان صفة لموصوف محذوف أو مذكور، فالحكم واحد.
إذن هذان شرطان ذكرهما الناظم رحمه الله تعالى، قيل من شروط إعمال اسم الفاعل المجرد، يعني غير محلى بأل أيضاً أن لا يكون مصغراً، ولا موصوفاً، ولا منعوتاً، خلافاً للكسائي فيهما؛ لأنهما يختصان بالاسم، التصغير من خصائص الأسماء والوصف والنعت من خصائص الأسماء، فإذا صُغر اسم الفاعل ابتعد شبهه بالفعل، فلا يعمل، وإذا وصف .. نُعِتَ حينئذٍ ابتعد شبهه بالفعل، فحينئذٍ لا يعمل؛ لأنهما يختصان بالاسم فيبعدان الوصف عن الفعلية، ومحل الخلاف إنما هو في عمله في المفعول به.
وفي الهمع .. همع الهوامع، قال الكوفييون إلا الفراء ووافقهم النحاس: يعمل مصغراً، يعني خالف الكوفييون أن اسم الفاعل .. لو قيل أنا ضويرب زيداً، صح أو لا؟ على مذهب البصريين: لا، لأن ضويرب تصغير ضارب اسم الفاعل، واسم الفاعل من شروط إعماله أن لا يصغر، فإن صغر حينئذٍ ضعف أو ابتعد شبهه بالفعل؛ لأنه إنما عمل لكونه أشبه الفعل المضارع، فإذا قيل ضويرب حينئذٍ ابتعد شبهه.
أنا ضاربٌ مبرحٌ أو شديدٌ زيداً فوصفته قبل العمل حينئذٍ نقول هذا لا يعمل لأن الوصف من خصائص الأسماء.
قال في الهمع: قال الكوفيون إلا الفراء ووافقهم النحاس: يعمل مصغراً، بناءً على مذهبهم، أن المعتبر شَبَهُهُ الفعل في المعنى لا في الصورة، يعني في دلالته على الحدث، كون هذا يدل على الحدث، وهذا يدل على الحدث، إذن اشتبها، هذا محل إعمال اسم الفاعل، أو هذا وجه الشبه بين اسم الفاعل والفعل.
قال ابن مالك في التحفة: وهْو قَوِيٌّ، يعني القول بكون المصغر يعمل، وهْو قَوِيٌّ بدليل إعماله محولاً للمبالغة، اعتباراً بالمعنى لا للصورة، وقاسه النحاس على التكسير.
إذن: في كونه يعمل مصغراً أو موصوفاً خلافٌ بين النحاة، والأولى: أن يقال: إن سُمع إعماله تصغير وهو مصغراً، فحينئذٍ لا يقال بكون التصغير أبعده عن مشابهة الفعل؛ لأنه سيأتي أن ما سوى المفرد وهو المثنى والجمع، يعمل عمل المفرد.
ولا شك أن التثنية والجمع من خصائص الأسماء، فإذا سُمِعَ عمله وهو مثنى، لأننا الآن نحن قد خرجنا عن أصل، الأصل في اسم الفاعل أن لا يعمل، حينئذٍ إذا أُعمل وقد ظهرت شروطٌ لإعماله، ووُجد بعض ما سمع من كلام العرب ما يصح أن يكون قاعدة أو استثناء كإعمال المثنى أو الجمع، أو إعمال المصغر، أو المنعوت، حينئذٍ نقول لا شك في جواز إعماله إن سمع، وإن لم يسمع حينئذٍ نبقى على الأصل، فيستثنى المثنى والجمع في كونه من خصائص الأسماء وقد ثُني اسم الفاعل وعَمِل، وجُمِع اسم الفاعل وعَمِل، يستثنى هذا ويمنع التصغير والنعت.
هذا إذا لم يسمع، فإن سُمِعَ حينئذٍ لا بد أن يُقال به، لا بد أن يقال بأنه لا يشترط فيه أن لا يكون مصغراً ولا يكون موصوفاً، وإن كان من خصائص الأسماء، كما ذكرناه في المصدر مُضَافاً أَوْ مُجَرَّداً أَوْ مَعَ أَلْ كونه من خصائص الأسماء أن يحلى بـ (أل) أو يضاف، لا يمنع العمل، لأن المسألة هنا توقيفية، يعني موقوفة على السماع، لأنه خروج عن الأصل، هذا الأصل فيه.
وَقَدْ يَكُونُ نَعْتَ مَحْذُوفٍ عُرِفَ
…
فَيَسْتَحِقُّ الْعَمَلَ الَّذِي وُصِفْ
ما هو العمل الذي وصف؟ مع المنعوت الملفوظ به، هذا مقصوده.
وَإِنْ يكُنْ صِلَةَ أَلْ فَفِي الْمُضِي
…
وَغَيْرِهِ إِعْمَالُهُ قَدِ ارْتُضِي
هذا النوع الثاني من نوعي اسم الفاعل.
قلنا: يعمل مجرداً يعني منوناً، والثاني: أن يحلى بـ (أل).
الشروط السابقة الأربعة في المجرد من (أل) لا بد من أوصاف تقيده من أجل أن تقربه من الفعل، وأما المحلى بـ (أل) الذي دخلت عليه (أل) حينئذٍ يعمل بلا قيد ولا شرط، فكل اسم فاعل دخلت عليه (أل)، حينئذٍ يعمل مطلقاً، لماذا؟ لأن (أل) هذه موصولية، وإذا دخلت على اسم الفاعل حينئذٍ (أل) الموصولية من خصائص الجملة الفعلية، يعني الأصل أن لا يليها إلا فعل وَجُمْلَةٌ أَوْ شِبْهُهَا الَّذِي وُصِلْ بِهِ.
حينئذٍ لما ولي اسم الفاعل (أل) قربه تقريباً كلياً من الفعل؛ لأن (أل) الموصولة لا يليها إلا فعل، هذا الأصل، حينئذٍ لا نحتاج إلى أن نقول بمعنى الحال أو الاستقبال.
فإن عمل اسم الفاعل وهو محلى بـ (أل)، وكان بمعنى الحال أو الاستقبال، فهو بمعنى الفعل المضارع، وإن عمل بمعنى الماضي؛ لأنه يعمل، حينئذٍ صار بمعنى الفعل الماضي.
الضارب زيداً الآن، الضارب زيداً غداً، الضارب زيداً أمس. الضارب زيداً الآن أو غداً، يعني الذي يضرب.
الضارب زيداً أمس، الذي ضرب زيداً أمس.
كما أن الجملة الفعلية بنوعيها - المضارع والفعل الماضي - يتلو الاسم الموصول، كذلك (أل).
وَإِنْ يكُنْ اسم الفاعل صِلَةَ أَلْ صلةَ، بالنصب على أنه خبر، يكن واسمها ضمير مستتر يعود على اسم الفاعل، صِلَةَ أَلْ مضاف صِلَةَ مضاف و (أَلْ) قُصِد لفظه، مجرور بالمضاف.
فَفِي الْمُضِي وَغَيْرِهِ إِعْمَالُهُ قَدِ ارْتُضِي.
الفاء هذه واقعة في جواب الشرط إن، إِنْ يكُنْ صِلَةَ أَلْ أين الجواب؟
فإِعْمَالُهُ قَدِ ارْتُضِي ففِي الْمُضِي وَغَيْرِهِ، هذا التقدير، فإِعْمَالُهُ إعمال هذا مبتدأ والضمير يعود إلى اسم الفاعل، قَدِ ارْتُضِي قد للتحقيق، ارْتُضِي .. ارتُضيَ هذا مغير الصيغة، خبر المبتدأ والجملة جواب الشرط، وقوله: فَفِي الْمُضِي هذا متعلق بقوله ارْتُضِي، وَغَيْرِهِ معطوف عليه.
إذن إن يكن اسم الفاعل صلة (أل) يعني دخلت عليه أل، (أل) التعريف؟؟؟؟، ما الدليل على أنها موصولة؟ لأنه قال: صِلَةَ أَلْ صلة، يعني ما بعد (أل) أما نقول جاء الذي قام أبوه، قام أبوه صلة؟ صلة الموصول، كذلك الوف قد يقع صلة لـ (أل).
فَفِي الْمُضِي وَغَيْرِهِ إِعْمَالُهُ قَدِ ارْتُضِي، ارْتُضِي فاعله ضمير مستتر يعود على إعماله.
مِنْ غَيْرِ شرَطٍْ .. قد ارتضي من غير شرط، لا كونه بمعنى الحال أو الاستقبال، ولا أن يكون معتمداً على شيء يسبقه. إذا وقع اسم الفاعل صلة للألف واللام، عمل العمل المذكور مطلقاً، ماضياً، ومستقبلاً، وحالاً؛ لوقوعه حينئذٍ موقع الفعل والفعل يعمل مطلقاً يعني حالاً أو استقبالاً أو ماضياً، إذ حق الصلة أن تكون جملة، فتقول: هذا الضارب زيداً الآن، أو غداً، أو أمسِ، هذا هو المشهور من قول النحويين، أنه يعمل مطلقاً، وهو الصحيح، وزعم جماعة من النحويين منهم الرماني، أنه إذا وقع صلة لـ (أل) لا يعمل إلا ماضياً، عكس الأول، ما دام أننا هناك في المجرد حرمناه من العمل، فإذا دخلت عليه (أل)، حينئذٍ لا يعمل إلا ماضياً، فإذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال لا يعمل إلا إذا كان مجرداً من (أل)، كأنه قسم الأزمنة باعتبار الوصف، إن كان الوصف بمعنى الحال، أو الاستقبال، حينئذٍ لا بد أن يكون مجرداً عن (أل)، وإذا كان بمعنى الماضي، فلا يعمل إلا إذا دخلت عليه (أل)، هذا القول الثاني.
وزعم بعضهم - وهو القول الثالث - أنه لا يعمل مطلقاً، وأن المنصوب بعده منصوب بإضمار فعلٍ، والرابع -قول الأخفش- على أنه منصوب على التشبيه بالمفعول به، إذن أربعة مذاهب في اسم الفاعل إذا كان صلة لـ (أل)، يعمل مطلقاً، وهو مذهب الجماهير، وهو الصواب.
لا يعمل مطلقاً، يعمل إذا كان بمعنى الحال، أو بمعنى الماضي فقط، حينئذٍ إذا نُصِب بعده فهو على إضمار فعل، قول الأخفش: أنه منصوب ما بعده على تشبيهه بالمفعول به.
وَإِنْ يكُنْ صِلَةَ (أَلْ) فَفِي الْمُضِي
…
وَغَيْرِهِ إِعْمَالُهُ قَدِ ارْتُضِي
إذن اسم الفاعل نوعان:
مجرد، ومحلى بـ (أل)، يعني صلة (أل)، الأول يشترط في إعمال النصب شرطان، سبق التنبيه عليهما بقوله: إِنْ كَانَ عَنْ مُضِيِّهِ بِمَعْزِلِ وَوَلِيَ اسْتِفْهَاماً .. البيت.
والثاني: وهو أن يكون صلة أل: هذا يعمل بلا شرط.
ثم انتقل إلى بيان الأمثلة الخمسة: التي هي أمثلة المبالغة.
فَعَّالٌ أَوْ مِفْعَالٌ اوْ فَعُولُ
فَيَسْتَحِقُّ مَالهُ مِنْ عَمَلِ
…
فِي كَثْرَةٍ عَنْ فَاعِلٍ بَدِيلُ
وَفِيْ فَعِيلٍ قَلَّ ذَا وَفَعِلِ
(فَعَّالٌ) مبتدأ، قصد لفظه فصار علماً معرفة، أَوْ مِفْعَالٌ، أَوْ للتنويع، معطوف على فَعَّالٌ، أَوْ فَعُولُ، عَنْ فَاعِلٍ بَدِيلُ فِي كَثْرَةٍ، بَدِيلُ هذا خبر، وعَنْ فَاعِلٍ متعلق به، وفِي كَثْرَةٍ متعلق به، إذن بديل فَعِيل، وأُخبر به عن فعَّال وما عُطف عليه، فصار المبتدأ في المعنى جمعاً، والخبر بَدِيلُ، وهو واحد، هل يجوز؟ أو لا يجوز؟ نعم يجوز؛ لأن بديل هنا على وزن فعيل، فيجوز حينئذٍ الإخبار به عن المفرد والمثنى والجمع، ((وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ)) [التحريم:4] ظَهِيرٌ: بديل نفسه، والملائكة هذا جمع مبتدأ، وظهير حينئذٍ نقول هذا خبر، وهو في المعنى جمع فحصل التطابق بين المبتدأ والخبر، هنا كذلك، فَعَّالٌ أَوْ مِفْعَالٌ اوْ فَعُولُ بَدِيلُ عَنْ فَاعِلٍ، بَدِيلُ هذا خبر.
وأفرده وهو خبر عن أكثر من واحد؛ لأن فعيلاً يخبر به عن الجمع.
إذن هذه الثلاثة وما يُضم إليها في قوله فعيل وفَعِل، صارت خمسة، فمراده بهذين البيتين أن هذه الأمثلة الخمسة متساوية في أنها تعمل عمل اسم الفاعل بالشروط المتقدمة فيه.
إذن كلٌ ما اشترط فيما سبق من كونه مجرداً بمعنى الحال أو الاستقبال، وأن يكون معتمداً على شيء سابق، وهو واحد من الأمور الستة السابقة، حينئذ: فَعَّالٌ أَوْ مِفْعَالٌ اوْ فَعُولُ جاءت بديلاً عن فاعل، في ماذا؟ في الدلالة على الكثرة، ولذلك نقول هي أمثلة مبالغة، مبالغة في ماذا؟ في حصول الحدث، لأنك تقول ضارب يدل على حدث واحد وهو وقوع الضرب، وضرَّاب، فعَّال، يدل على كثرة حدوث الضرب.
إذن: صارت دلالة فعَّال وما عطف عليه على الكثرة، إذن هذه الأمثلة الخمسة متساوية في أنها تعمل عمل اسم الفاعل بالشروط المتقدمة فيه.
فِي كَثْرَةٍ: هذا اختلف فيه، هل المراد (في كثرةٍ) أن المراد بأن: فَعَّالٌ أَوْ مِفْعَالٌ اوْ فَعُولُ، تدل على الكثرة وهي التكثير وهي الزيادة في الفعل، ولذلك تسمى أمثلة المبالغة، أو أن المراد بأنها تعمل بكثرة باعتبار ما بعدها، لأنه قيَّد فعيلاً وفعِل بـ قَلَّ، وقال في الأول: في كثرة، إذن هنا الكثرة والقلة باعتبار العمل، وأما باعتبار المعنى فكلها تدل على الكثرة، يعني فعيل من أمثلة المبالغة، حينئذٍ ساوى فعَّالاً وما عطف عليه في الدلالة على كثرة حدوث الحدث.
وأما من جهة العمل، وهو ظاهر صنيع الناظم، أن ثمة تفصيلاً، كثرة وقلة، فَعَّالٌ أَوْ مِفْعَالٌ اوْ فَعُولُ، يأتي بديلاً عن فاعل في عمله وإعماله السابق بكثرة، وأما فعيل وفَعِل فيأتي بديلاً عن فاعل في العمل السابق لكنه بقلة، يحتمل هذا وذاك وإن كان الثاني هو الظاهر.
لذا قال المرادي:
فِي كَثْرَةٍ أي مراداً به الكثرة، أي التكثير وهي الزيادة في الفعل، ولذلك تسمى أمثلة المبالغة.
ويحتمل أن يكون أراد بكثرة أن هذه الأمثلة الثلاثة يكثر فيها العمل المذكور، ويؤيده قوله بعده، وَفِيْ فَعِيلٍ قَلَّ ذَا وَفَعِلِ، هذا هو الظاهر، أن قوله: فِي كَثْرَةٍ .. وقَلَّ أن المراد به العمل.
فِي كَثْرَةٍ عَنْ فَاعِلٍ بَدِيلُ، أي كثيراً ما يحوَّل اسم الفاعل إلى هذه الأمثلة لقصد المبالغة والتكثير، هو في نفسها من جهة المعنى لا شك أن المراد بها التكثير يعني تكثير وقوع الحدث، مرة بعد مرة بعد مرة، ولا أقصى له لحده من جهة العلو، وضارب يدل على وقوع ضرب واحد، هذا الأصل فيه، وضرَّاب ومضراب يدل على كثرة، كذلك فعيل عليم وفعل حذر، نقول: هذا يدل على الكثرة، هذا من جهة المعنى.
اسم الفاعل حُوِّل إلى هذه الأمثلة الخمسة، ولذلك يقال بأنها محولة، وحوِّلت كما ذكر ابن مالك في التحفة كما سبق أن المراد هنا المعنى، لوحظ المعنى دون اللفظ، فحوِّل فاعل اسم الفاعل، إذن هذه الأمثلة الخمسة مراعاة للمعنى، مع كون فعَّال ومِفعَال وفَعُول وفعِيل وفعِل ليست موافقة للفعل المضارع في اللفظ، ولذلك قوى مذهب الكوفيين أن وجه الشبه هو المعنى لا الصورة، يعني اسم الفاعل إنما عمل لأنه أشبه المضارع في المعنى .. في الدلالة على الحدث والحال والاستقبال. وأما في الصورة لا!! لماذا؟ بدليل الأمثلة المبالغة لأنها تعمل عمل اسم الفاعل وهي موافقة للمضارع في المعنى لا في اللفظ، وهذا قوي. أي كثيراً ما يحول اسم الفاعل إلى هذه الأمثلة بقصد المبالغة والتكثير.
ومعنى كون فعَّال وما بعده بديلاً عن فاعل، أن فاعلاً لما كان لا يفيد الكثرة، ناب عنه في إفادتها فعَّال ونحوه وما عُطف عليه.
إذن ضارب وفاعل وكل كلمة كانت على وزن فعِل لا تدل على كثرة وقوع الحدث، وإذا أردنا الكثرة حينئذٍ جئنا بواحد من هذه الأمثلة الخمسة.
فَعَّالٌ أَوْ مِفْعَالٌ اوْ فَعُولُ
…
فِي كَثْرَةٍ عَنْ فَاعِلٍ، قال: عن فاعل، وفاعل هذا اسم فاعل من الثلاثي، وسيأتي أن غير الثلاثي اسم الفاعل منه على وزن مُفْعِل.
إذن هنا قال: عَنْ فَاعِلٍ لا عن مُفعِل، فهذه الأمثلة الخمسة إنما تكون بديلاً عن فاعل من فعل ثلاثي، وأما ما زاد عن الثلاثي فلا، لا تكون بديلة عنه.
إذن مُفْعِل لا يكون فعَّال وما عطف عليه بديلاً عنه، ولذلك خص الناظم هنا وزن فاعل -هذه إشارة خفية-، عَنْ فَاعِلٍ: نقول فيه فائدة، أن هذه الأمثلة لا تبنى من غير الثلاثي، وهو كذلك، إلا ما ندر لأن اسم فاعل غير الثلاثي لا يكون على زنة فاعل، بل يكون على زنة مُفعِل مُكرم مُنطلق، إلى آخره
…
فَيَسْتَحِقُّ .. الفاء هذه ما نوعها؟ تفريع، لأنه أثبت المساواة أولاً، فعَّال بديلٌ عن فاعل، حينئذٍ فرَّع عن هذه المساواة كون البديل يأخذ حكم المبدل منه، قال: فيستحق، ما هو الذي يستحق؟ فعَّال وما عُطِف عليه فَيَسْتَحِقُّ، وهنا ما قال: فتستحق، لأنها أوزان فهي مؤنثة، تأويلاً بما ذُكر، فَيَسْتَحِقُّ ما ذكر، وإلا لقال فتستحق.
فَيَسْتَحِقُّ أي فيثبت له ما له من عمل .. فيستحق الذي له .. الذي كائن له من عمل، مِنْ عَمَلِ هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف بيان لـ (ما)، فـ (من) هنا بيانيه وسبق أن (من) البيانية إذا كانت من المعرفة أعربت حالاً، وإذا كانت من النكرة أعربت صفة.
إذا كانت (من) التي لبيان الجنس، بياناً لمعرفة قلنا الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال، وإذا كان لنكرة حينئذٍ قلنا الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة؛ لأن الجمل بعد المعارف أحوال، وبعد النكرات صفات، وكذلك ما كان في قوة الجملة.
إذن فَيَسْتَحِقُّ مَا: الذي، فيستحق ما ذكر، (مَا) اسم موصول بمعنى الذي مفعول به، ولهُ هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول، مِنْ عَمَلِ بيان له.
فَيَسْتَحِقُّ مَا لهُ مِنْ عَمَلِ، يعني الذي له، لاسم الفاعل، فيستحق ما ذكر من فعَّال وما عطف عليه مَا لهُ ما لاسم الفاعل من عمل، فيرفع وينصِب، لكن بالشروط السابقة.
وَفِيْ فَعِيلٍ قَلَّ ذَا وَفَعِلِ، قَلَّ ذَا، قَلَّ: فعل ماضي، وذَا: اسم إشارة وهو فاعل؟ ما هو ذا؟ المشار إليه ما هو؟ وَفِيْ فَعِيلٍ قَلَّ ذَا، هل هو الإبدال، أم العمل؟ وَفِيْ فَعِيلٍ قَلَّ ذَا وَفَعِلِ الإعمال.
فَيَسْتَحِقُّ مَالهُ مِنْ عَمَلِ، قلنا فِي كَثْرَةٍ هذا محتمل، يحتمل نوعين، واحد من أمرين: إما أن يراد به الكثرة المعنوية، حينئذٍ يكون إبدال فاعل إلى فعَّال ومِفعال وفعُول كثير، أكثر من إبدال فاعل إلى فعيل وفَعِل، هذا إذا أردنا به المعنى، وإذا أردنا به العمل حينئذٍ نقول فِي كَثْرَةٍ يعني فعَّال وما عطف عليه إعماله .. إعمال اسم الفاعل أكثر من إعمال فعيل وفعِل، فيحتمل هذا وذاك.
وإذا قلنا أن كثرة الظاهر المراد بها العمل، حينئذٍ: وَفِيْ فَعِيلٍ قَلَّ ذَا الذي هو الإعمال، وإذا أردنا به الإبدال، حينئذٍ قلنا: وَفِيْ فَعِيلٍ قَلَّ ذَا الذي هو الإبدال، وفسره بذلك أظن الصبان، أي الإبدال عن فاعل الكثرة، مع بقاء العمل، هي كلها تعمل، لا شك في ذلك.
فكلامه في فعيل وفعِل المحولين عن فاعل؛ لأن فعيل قد يكون محولاً عن فاعل، وقد لا يكون، متى لا يكون إذا كانت صفة مشبهة، هذا سيأتي معنا، وكذلك فعِل كحذر هذا غير محول، والمراد هنا فعيل وفعِل المحولين، وهذا يعرف بالسياق. لا في نحو خبير وبصير، ونحو فرح وأشر، مما وضع من أول الأمر على فعيل وفعل، ولم يكن محولاً عن شيء، فإنه من الصفة المشبهة، وإلا هي تعمل عمل اسم الفاعل.
فَعَّالٌ أَوْ مِفْعَالٌ اوْ فَعُولُ
فَيَسْتَحِقُّ مَالهُ مِنْ عَمَلِ
…
فِي كَثْرَةٍ عَنْ فَاعِلٍ بَدِيلُ
................................
فَيَسْتَحِقُّ مَالهُ مِنْ عَمَلِ يعني قبل التحويل بالشروط المذكورة السابقة، وَفِيْ فَعِيلٍ هذا جار ومجرور متعلق بقوله قَلَّ، وقَلَّ ذَا فِيْ فَعِيلٍ، وَفَعِلِ معطوف على فعيل، يفيد أن جميع الأمثلة الخمسة تعمل قياساً وهو الأصح، ما هو هذا؟ قوله: فَيَسْتَحِقُّ مَالهُ مِنْ عَمَلِ، يَسْتَحِقُّ إذا كان مستحقاً حينئذٍ صار القياس فيه أن يعمل، إذا كان مستحقاً لذاته، صار القياس فيه أن يعمل، يفيد أن جميع الأمثلة الخمسة تعمل قياساً وهو الأصح.
وفي التصريح شرح التوضيح: إعمال أمثلة المبالغة قول سيبويه وأصحابه، وحجتهم في ذلك السماع، إذن الأمثلة المبالغة تعمل عمل اسم الفاعل لأنها محمولة عليه، وهو قول سيبويه وأصحابه، وحجتهم في ذلك السماع، والحمل على أصلها وهو اسم الفاعل، يعني من باب القياس نَقل وعَقل، النقل: السماع، والعقل: الذي هو النظر، حمله على أصلها وهو اسم الفاعل؛ لأنها متحولة عنه لقصد المبالغة، ولم يجوز الكوفييون إعمال شيء منها، لمخالفتها لأوزان المضارع ولمعناه، وهذا يخالف السابق، ولذلك النحاة .. ينتبه لمسألة جمهور البصريين أو جمهور الكوفيين ونحن نورده على المشهور فحسب، وإلا الجماهير يختلفون، الجمهور قد ينفي وهو من جمهور البصريين، وهذا حتى عند الفقهاء، قال: الجمهور على الكراهة، ثم آخر يقول: الجمهور على التحريم، وثالث يقول: الجمهور على الإباحة، لماذا؟ لأنهم يختلفون في معنى الجمهور ما المراد به؟
على كلٍّ سبق أن الكوفيين يرون أن وجه الشبه بين اسم الفاعل والمضارع في كونه محمول عليه في العمل في المعنى لا في الصورة.
فقلنا ابن مالك يقول: يقويه أمثلة المبالغة، وهنا يقول لا، انظر يقول: لمخالفتها ولم يجوز الكوفييون إعمال شيء منها لمخالفتها لأوزان المضارع ولمعناه، وحملوا المنصوب بعدها على تقدير فعل، ومنعوا تقديمه عليها، ويرده عليهم قول العرب:(أَمَّا العَسَلَ فَأَنَا شَرَّابٌ)، أما العسل هنا تقدم عليه، حينئذٍ وجه المخالفة هنا ليست كالسابق، يعني هنا خالفت في اللفظ والمعنى، وهناك وافق في المعنى دون اللفظ، يعني أمثلة المبالغة عند الكوفيين لا تعمل لماذا؟ لكونها خالفت المضارع في اللفظ والمعنى، وأما اسم الفاعل عمل عندهم لكونه وافق في المعنى وهو المعتبر.
وأما تقديم عاملها عليها فعند الكوفيين يمنع، والصواب الجواز؛ لأنه سمع:(أَمَّا العَسَلَ فَأَنَا شَرَّابٌ)، وهذا يمتنع.
قال الشارح: يصاغ لكثرة فعَّال ومفعال وفعول وفعيل وفعِل، أمثلة خمسة، فيعمل عمل الفعل على حد اسم الفاعل، وإعمال الثلاثة الأُول أكثر من إعمال: فعيل وفعِل، إذن فِي كَثْرَةٍ حملها على العمل، ليست على المعنى، وإعمال فعيل أكثر من إعمال فعِلٍ، لذلك قدمه عليه.
فمن إعمال فعَّال ما سمعه سيبويه من قول بعضهم (أَمَّا العَسَلَ فَأَنَا شَرَّابٌ)، شرَابٌ فعَّال، شرابٌ العسلَ، يعني كثير الشرب للعسل، شرَّابٌ العسلَ، إذن: فعَّال نقول هذا أمثلة مبالغة بديلٌ عن فاعل، أصله: أنا شاربٌ العسلَ، لما أراد الكثرة حوله إلى فعَّال، فقيل: أنا، (أَمَّا العَسَلَ فَأَنَا شَرَّابٌ).
وقول الشاعر:
أَخَا الْحَرْبِ لَبَّاساً إِلَيْهَا جِلَالَهَا
…
ولَيْسَ بوَلاّج الْخَوَالِفِ أَعْقَلَا
أَخَا الْحَرْبِ لَبَّاساً، لَبَّاساً على وزن فعَّال، جِلَالَهَا هذا مفعول لِلَبَّاساً.
ومن إعمال مِفعال قول بعض العرب: (إنَّهُ لمنْحَاَرٌ بَوَائِكَهَا)، فبوائكها منصوب بمنحار.
ومن إعمال فَعُول قوله:
قَلَا دِينَهُ وَاهْتَاجَ لِلشَّوْقِ إنَّهَا
…
عَلَى الشَّوْقِ إِخْوَانَ الْعَزَاءِ هَيُوجُ
هَيُوجُ فعول، وتقدم معموله هنا عليه، فدل على الجواز خلافاً للكوفيين.
إذن: إِخْوَانَ بالنصب، إِخْوَانَ الْعَزَاءِ هَيُوجُ: هيوج إخوان، فإخوان منصوب بهيوج.
ومن إعمال فعِيل قول بعض العرب: إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ دُعَاءِ مَنْ دَعَاهُ، سميع: صيغة مبالغة كثير السمع.
ومن إعمال فَعِل:
حَذِرٌ أُمُوراً لَا تَضِيرُ وَآمِنٌ
…
مَا لَيسَ مُنْجِيَهُ مِنَ الأَقْدَارِ
حَذِرٌ أُمُوراً على وزن: فعِل.
وقوله:
أَتَاني أَنَّهُمْ مَزِقُونَ عِرْضِي
مَزِقُونَ: هذا على وزن فعِل، لكنه مجموع جمع تصحيح، وسيأتي أنه يعمل مثْلَهُ، مَزِقُونَ مزق، عِرْضِي هذا منصوب به.
وَمَا سِوَى الْمُفْرَدِ مثْلَهُ جُعِلْ
…
فِي الْحُكْمِ وَالشُّرُوطِ حَيْثُمَا عَمِلْ
نقف على هذا، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته وسلم
…
!!!