المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * حكم المثنى والمجموع من اسم الفاعل * من أحكام - شرح ألفية ابن مالك للحازمي - جـ ٨٠

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * حكم المثنى والمجموع من اسم الفاعل * من أحكام

‌عناصر الدرس

* حكم المثنى والمجموع من اسم الفاعل

* من أحكام معمول اسم الفاعل وتابعه

* اسم المفعول وعمله وبعض أحكامه.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

قال الناظم رحمه الله تعالى:

وَمَا سِوَى الْمُفْرَدِ مثْلَهُ جُعِلْ

فِي الْحُكْمِ وَالشُّرُوطِ حَيْثُمَا عَمِلْ

بمعنى: أن اسم الفاعل قد يكون مفرداً، وقد يكون مثنىً، وقد يكون جمعاً، والجمع قد يكون جمع تصحيح على حد المثنى، وقد يكون جمع تكسير.

الحكم الذي جُعل للمفرد .. الكلام السابق كَفِعْلِهِ اسْمُ فَاعِلٍ فِي الْعَمَلِ والشروط السابقة من حيث الإعمال ونحو ذلك؛ ثابتة للمثنى كما أنها ثابتة للجمع، لكن بتوفر الشروط السابقة.

وَمَا سِوَى الْمُفْرَدِ: مَا: مبتدأ. سِوَى الْمُفْرَدِ: غير المفرد أو المثنى والمجموع، سِوَى الْمُفْرَدِ يعني: الذي يقابل المفرد هو المثنى والجمع، وهو المثنى والمجموع أي: من اسم الفاعل وأمثلة المبالغة، والجمع شمل الجمع الذي على حد المثنى وجمع التكسير.

مثْلَهُ جُعِلْ: جعل مثله، يعني: مثل المفرد، وجُعِلْ هذا مغير الصيغة، مَا: مبتدأ اسم موصول بمعنى الذي، وجُعِلْ: الجملة خبر، وهو يتعدى إلى اثنين، نائب الفاعل الضمير المستتر هو المفعول الأول، ومثْلَ: هذا بالنصب مفعول ثاني أضيف إلى المفرد.

إذاً: الذي سِوَى الْمُفْرَدِ وهو المثنى والمجموع بنوعيه جُعل مثل المفرد في الحكم، هذا متعلق بقوله: جُعِلْ.

وَالشُّرُوطِ، يعني: في الشروط السابقة لتحقيق الإعمال، إما مطلقاً في الرفع والنصب أو في النصب على الخلاف السابق.

حَيْثُمَا عَمِلْ، حَيْثُمَا، مَا: زائدة، وحيث: ظرف متعلق بجعل، حَيْثُمَا عَمِلْ، يعني: متى ما عمل المفرد والمثنى والجمع لا بد أن يكون مستوياً في الحكم والشروط.

حَيْثُمَا عَمِلْ، قلنا: حَيْثُ؛ هذا ظرف متعلق بـ جُعِلْ، ومَا: زائدة، وعَمِلَ: هذه جملة في محل خفض بـ (حَيْثُ)؛ لأن (حَيْثُ) ملازمة للإضافة.

إذاً: ما سوى المفرد وهو المثنى والمجموع نحو: الضاربَينِ والضاربَتينِ والضاربِينَ والضراب والضوارب والضاربات؛ فحكمها حكم المفرد في العمل، وسائرِ ما تقدم ذكره من الشروط، وهذا كما سبق في باب (كانَ).

وَغَيْرُ مَاضٍ مِثْلَهُ قَدْ عَمِلَا

إِنْ كَانَ غَيْرُ الْمَاضِ مِنْهُ اسْتُعْمِلَا

وكذلك في باب (ظن وأخواتها) فالحكم واحد، فتقول: هذان الضاربانِ زيداً، زيداً: هذا مفعول به، والعامل فيه: الضاربانِ وهو اسم فاعل مثنى، فعمل المثنى كما يعمل المفرد فلا فرق بينهما، لكن بالشروط السابقة، وهؤلاء القاتِلُونَ بكراً، وكذلك الباقي، ومنه قوله: أَوَالِفاً مَكَّةَ مِنْ وُرْقِ الحَمِي

أَوَالِفاً: جمع آلفة اسم فاعل لمؤنث، وفعله: ألِفَ يألفُ من باب علِمَ يعلمُ.

أوَالِفَ: هذا جمع.

مَكَّةَ: منصوب بالجمع وهو جمع تكسير.

ثُمَّ زادُوا أنَّهم فِي قَوْمِهِم

غُفُرٌ ذَنْبَهُمُ غيرُ فُخُر

غُفُرٌ: بضمتين، غُفُرٌ جمع غفور. إذاً: غفور هذا فعول، حينئذٍ هو من أمثلة المبالغة، عمل وهو جمع، فالحكم عام.

إذاً: وَمَا سِوَى الْمُفْرَدِ كما ذكرناه يشمل المثنى والمجموع من اسم الفاعل وأمثلة المبالغة، والجمع يشمل جمع المؤنث جمع التصحيح على حد المثنى وجمع التكسير.

ص: 1

غُفُرٌ ذَنْبَهُمُ: غُفُرٌ هذا خبر (أَنَّ) .. أنَّهم في قومهم غُفُر: خبر (أَنَّ).

ذَنْبَهُمُ: بالنصب، والعامل فيه غُفُر جمع غفور، ومنه قوله:((هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ)) [الزمر:38](كَاشِفَاتٌ ضُرَّهُ) قراءتان، ((وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ)) [الأحزاب:35] الذاكرينَ الله .. الذاكرينَ، ((خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ)) [القمر:7] خُشَّعًا جمع خاشع، وخاشع: هذا اسم فاعل. إذاً: يعمل مطلقاً، سواء كان مثنىً أو جمعاً بأنواعه فالحكم واحد، والشروط السابقة تشترط في المثنى كما اشترطت في المفرد.

ثم قال:

وَانْصِبْ بِذِي الإِعْمَالِ تِلْواً وَاخْفِضِ

وَهْوَ لِنَصْبِ مَا سِوَاهُ مُقْتَضِي

وَانْصِبْ بِذِي الإِعْمَالِ تِلْواً وَاخْفِضِ

وَانْصِبْ: هذا أمر، والأصل في الأمر أنه يقتضي الوجوب، لكن هنا ثَمَّ قرينة صارفة وهي: التخيير بين النصب والخفض، وقدم النصب؛ لأنه الأصل، لأنه إذا وجدت الشروط التي قرَّبت اسم الفاعل من الفعل حينئذٍ الأصل في الفعل أنه ينصب، فإذا وجدت الشروط السابقة كان الأولى أن يعمل.

وَانْصِبْ: لا على جهة الوجوب وإنما على جهة الاختيار وهو أولى، ولذا قدمه.

بِذِي الإِعْمَالِ: ذي بمعنى صاحب.

بِذِي الإِعْمَالِ: أفاد أن ما وجدت فيه الشروط يسمى صاحب إعمال، وما لم يكن كذلك حينئذٍ لا ينصب به، فإذا نصب بغير ذي الإعمالِ وهو الماضي في المجرد من (أل) حينئذٍ حكمنا عليه بكون المنصوب ليس منصوباً باسم الفاعل، لماذا؟ لكونه ليس ذا إعمالِ، وإنما يكون ذا إعمال متى؟ بتحقق الشروط السابقة، فإن انتفت الشروط السابقة حينئذٍ لا ينصب به، فإن وجد منصوب بعده أضمرنا فعلاً محذوفاً، ولا يمكن أن يكون المذكور اسم الفاعل ناصباً له.

وَانْصِبْ بِذِي الإِعْمَالِ: أي: بالوصف ذي عمل النصب، ويؤخذ منه: أنه لا يضاف للفاعل وإنما يضاف للمفعول.

وَانْصِبْ بِذِي الإِعْمَالِ تِلْواً: متى؟ إذا أضيف إلى ما بعده، حينئذٍ هل يضاف إلى الفاعل أو لا؟ هذه مسألة خلافية. قال الصبان: فهم منه أنه لا يضاف للفاعل وإنما يضاف للمفعول.

تِلْواً، يعني: تابعاً له.

وَانْصِبْ بِذِي الإِعْمَالِ: يعني اسم الفاعل وأمثلة المبالغة، ما توفرت فيه شروط العمل المذكور.

تِلْواً: أي تابعاً.

وَاخْفِضِ .. بِذِيْ الإِعْمَالٍ تِلْواً.

بِذِي الإِعْمَالِ: جار ومجرور على من يرى أن التنازع لا يشترط فيه تقدم العامل، حينئذٍ تكون المسألة عنده بالتنازع هنا.

وَانْصِبْ بِذِى: اخْفِضِ بِذِيْ.

تِلْواً: انصب تلواً، اخْفِضِ تِلْواً، إذاً: حصل فيه تنازع، وقد اشترطنا فيما سبق أنه يشترط تقدم العاملين.

إِنْ عَامِلَانِ اقْتَضَيَا في اسْمٍ عَمَلْ

قَبْلُ

لا بد من تقدمهما معاً، فإذا قال: ضربتُ زيداً أهنته باب التنازع؟ لا، هنا: انْصِبْ بِذِى الإِعْمَالِ تِلْواً وَاخْفِضِ مثل: ضربتُ زيداً وأهنته، إذاً: يكون المعمول للأول ويقدر للثاني.

وَانْصِبْ بِذِي الإِعْمَالِ تِلْواً.

إذاً: بِذِى؛ جار ومجرور متعلق بقوله: انْصِبْ.

وتِلْواً: منصوب لقوله: انْصِبْ مفعول به.

وَاخْفِضِ بِذِى الإِعْمَالِ تِلْواً: لقصد التخفيف، وحينئذٍ تكون الإضافة من نوع اللفظية.

ص: 2

وَانْصِبْ بِذِى الإِعْمَالِ تِلْواً: أي تابعاً.

وَاخْفِضِ: أي بِذِى الإِعْمَالِ تِلْواً، فحذف من الثاني لدلالة الأول، ولا نقول: إنه من باب التنازع كما قاله الصبان وغيره، بل الصواب أنه حذف من الثاني لدلالة الأول عليه؛ لأن (بِذِى الإِعْمَالِ تِلْواً) كلاهما فضلتان، فإذا كان كذلك حينئذٍ جاز حذفهما.

وَانْصِبْ بِذِى الإِعْمَالِ تِلْواً وَاخْفِضِ

وقد قُرئ بالوجهين: ((إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ)) [الطلاق:3]، (إِنَّ اللَّهَ بَالِغٌ أَمْرَهُ)، ((هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ)) [الزمر:38]، (هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتٌ ضُرَّهُ) يعني: جاز في هذا الوصف على جهة الخصوص النصب والخفض، معنى ذلك: أن الشروط السابقة لإعمال اسم الفاعل النصب ليست موجبة، وإنما هي لمن أراد أن ينصب حينئذٍ لا بد من تحقق الشروط، أما إذا وجدت الشروط لا يستلزم النصب، بل هو جائز، أنت مخير بين أمرين: أنا ضاربُ زيدٍ، أنا ضاربٌ زيداً؛ يجوز الوجهان. أنا ضارب زيدٍ وأنا ضارب زيداً، ((هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ)) [الزمر:38]، (هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتٌ ضُرَّهُ)، (إِنَّ اللَّهَ بَالِغٌ أَمْرَهُ) بالنصب، ((إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ)) [الطلاق:3] قُرئ بالوجهين، حينئذٍ نقول هنا: وَانْصِبْ بِذِى الإِعْمَالِ تِلْواً وَاخْفِضِ على المذكور.

وَاخْفِضِ** وَهْوَ لِنَصْبِ مَا سِوَاهُ مُقْتَضِى.

وفهم من تقديم النصب أنه أولى؛ لأنه قال: وَانْصِبْ ثم قال: وَاخْفِضِ. فهم من تقديمه النصب أنه أولى، وهو ظاهر كلام سيبويه؛ لأنه الأصل.

وقال الكسائي: هما سواء .. يستويان، خفضت أو نصبت الأمر واحد، ولا نقول بالأولوية. وقيل: الإضافة أولى للخفة، والصواب: أن النصب أولى، أرجح من الخفض، لأنه هو أشبه بالفعل، والأصل في الفعل أنه يعمل ينصب، حينئذٍ يجري على ما هو عليه، فإذا وجد فيه شبه المعنى المقتضي لمشابهته للفعل المضارع حينئذٍ كان النصب مرجحاً على الخفض.

إذاً فيه ثلاثة أقوال: النصب مرجح على الخفض، هما سواء، الإضافة مرجحة على النصب.

وَهْوَ لِنَصْبِ مَا سِوَاهُ مُقْتَضِي: هذا فيما إذا تعدى إلى اثنين، والأول فيما تعدى إلى واحد، إذا تعدى إلى واحد حينئذٍ أنت مخير: أنا ضارب زيدٍ، أنا ضاربٌ زيداً: مخير بين النصب والإضافة، والنصب أولى، لكن إذا تعدى إلى اثنين وأضفت الأول حينئذٍ تعين نصب الثاني، لماذا؟ لأنه لا يمكن أن يضاف إلى الاثنين؛ لأنه إذا تعدى إلى مفعولين حينئذٍ أضفته إلى الأول، والثاني هل له حظ في الإضافة؟ لا؛ لأنه لا يركب بين ثلاثة أسماء، حينئذٍ تعين نصبه، لذلك قال: وَهْوَ لِنَصْبِ مَا سِوَاهُ مُقْتَضِي، مَا سِوَاهُ سوى الذي أضيف إليه؛ لأننا أضفنا المفعول، حينئذٍ أضفناه، بقي المفعول الثاني ما حكمه؟ واجب النصب، فالتخيير بين الإضافة والنصب فيما إذا تعدى إلى مفعول واحد، وحينئذٍ إذا كان متعدياً إلى اثنين فأكثر أضفنا اسم الفاعل إلى الأول وتعين نصب الثاني.

وَهْوَ: مبتدأ.

مُقْتَضِي: اقتضى يقتضي يعني: يطلب.

مُقْتَضِي: هذا خبر.

لِنَصْبِ: متعلق بقوله: مُقْتَضِي.

ص: 3

وَهْوَ لِنَصْبِ مَا سِوَاهُ: وهو مقتضي .. مقتضٍ لنصب ما سواه، هنا وقف عليه فرجعت الياء: مقتضي، والأصل فيها: مقتضٍ.

ونَوِّنِ المُنَكَّرَ المَنقُوصَا

تَقُولُ: هَذَا مُشتَرٍ مُخَادِعُ

فِي رَفعِهِ وجَرِّهِ خُصُوصَا

...................................

مُقْتَضٍ. وَهْوَ مُقْتَضٍِ لِنَصْبِ مَا سِوَاهُ.

لِنَصْبِ: جار ومجرور متعلق بقوله: مُقْتَضِي، ومَا: اسم موصول بمعنى الذي، نَصْبِ: مضاف، ومَا: مضاف إليه، وسِوَاهُ: هذا إن كان ظرفاً متعلقاً بمحذوف صلة الموصول.

لِنَصْبِ الذي سِوَاهُ، يعني: سوى التلو الذي أضيف إليه مقتضي، فيتعين حينئذٍ نصبه. يعني: أن اسم الفاعل وما ألحق به من الأمثلة الخمسة إذا كان يطلب أكثر من مفعول واحد، إذاً: الشطر الأول يتعلق فيما نصب مفعولاً واحداً، والشطر الثاني يتعلق فيما إذا تعدى إلى أكثر من مفعول واحد، وأضيف إلى الأول .. نصب ما عدا الأول، وهذا واضح بين، نصب ما عدا الأول، وشمل ذلك المتعدي إلى اثنين، نحو: أنا معطي زيدٍ درهماً، معطٍ زيداً درهماً، معطي زيدٍ درهماً، يجوز لك في الأول الوجهان: النصب والخفض، أنا معطٍ زيداً درهماً، هذا جائز، حينئذٍ يجوز لك الإضافة .. إضافة الأول: أنا معطي زيدٍ درهماً، فإذا أضفت الأول تعين نصب الثاني، يجب نصب الثاني؛ لأنه لا يتصور إضافة لفظ واحد إلى اسمين.

والمتعدي إلى ثلاثة: أنا المعلم زيداً عمْراً منطلقاً، هذا بـ (أل) وجرده عن (أل): أنا معلم زيدٍ عمْراً منطلقاً، نقول: نصب ثلاثة مفاعيل، إذا أضفت الأول إلى اسم الفاعل: أنا معلم زيدٍ؛ هذا يجوز لك الوجهان، أنا معلم زيدٍ عمْراً منطلقاً؛ نصبُ الثاني والثالث متعين.

وشمل ما كان منصوباً باسم الفاعل لا على المفعولية، قد يَنصب اسم الفاعل ظرفاً أو جاراً ومجروراً، حينئذٍ إذا أضيف إليه تعين نصب الثاني، لا على المفعولية كالظرف نحو: أنا ضاربُ زيدٍ اليومَ، أنا ضاربٌ زيداً اليومَ، زيداً اليومَ: منصوبان بضارب، الأول على أنه مفعول والثاني على أنه ظرف زمان. إذا أضفت الأول .. مفعول حينئذٍ تعين نصب الثاني لا على المفعولية وإنما هو ظرف، أنا ضاربُ اليومِ زيداً؛ أضفته إلى الظرف، تعين نصب المفعول.

إذن قوله:

وَهْوَ لِنَصْبِ مَا سِوَاهُ مُقْتَضِي؛ يشمل ما إذا تعدى إلى اثنين أو إلى ثلاثة، أو تعدى إلى اثنين لكن الأول بالنصب على أنه مفعول والثاني لا على أنه مفعول.

وَهْوَ لِنَصْبِ مَا سِوَاهُ مُقْتَضِي: فُهم من البيت: أن المنصوب بعد اسم الفاعل المضاف إلى الأول إذا كان بمعنى الماضي غير منصوب باسم الفاعل المذكور؛ لأنه قال: وَانْصِبْ بِذِي الإِعْمَالِ، وهذا ذكرناه.

فُهم من البيت: أن المنصوب بعد اسم الفاعل المضاف إلى الأول إذا كان بمعنى الماضي غير منصوب باسم الفاعل المذكور، نحو: أنا معطي زيدٍ درهماً أمسِ، هل يعمل اسم الفاعل هنا؟ لا يعمل. والمنصوب هذا ماذا نفعل فيه؟ لا بد أن نقدر له فعلاً يناسب السياق أو المذكور يكون منصوباً به، وأما أن يكون منصوباً بمعطي نقول: هذا لا يصح، لماذا؟ لكونه بمعنى الماضي.

ص: 4

فالمنصوب بعده انتصب بفعل مقدر؛ لأنه إنما جُعل الحكم في ذلك لما استوفى شروط العمل، واسم الفاعل بمعنى المُضي لم يستوفِ الشروط السابقة.

إِنْ كَانَ عَنْ مُضِِيَّهِ بِمَعْزِلِ: هذا لم ينعزل عن المُضي.

وَانْصِبْ بِذِي الإِعْمَالِ تِلْواً وَاخْفِضِ

وَهْوَ لِنَصْبِ مَا سِوَاهُ مُقْتَضِي

قيل: إن لم يكن فاعلاً وإلا وجب رفعه، نحو: هذا ضاربٌ زيداً أبوهُ، ولم يكن التلو مما يجوز الفصل به بين المتضايفين وإلا جاز خفض ما سوى التلو كـ: هذا معطي درهماً زيدٍ، -وهذا سبق معنا-، لو قال: هذا معطي درهماً زيدٍ؛ صح أو لا؟ صح، إذن هنا نصب ثم خفض، بمعنى: أنه فُصل بين المضاف والمضاف إليه بمعمول المضاف، فقلنا: هذا مما يجوز إذا كان المضاف وصفاً، شِبْهِ فِعْلٍ مَا نَصَبْ، وهذا يشمل المصدر واسم الفاعل، إذا كان المضاف اسم فاعل حينئذٍ صح أن يُفصل بين المضاف والمضاف إليه بمعموله، وهنا: أنا معطي درهماً زيدٍ؛ فُصل بينهما.

إذاً: قوله:

وَانْصِبْ بِذِي الإِعْمَالِ تِلْواً وَاخْفِضِ

وَهْوَ لِنَصْبِ مَا سِوَاهُ مُقْتَضِي

يستثنى منه فيما إذا فَصل بين المضاف والمضاف إليه معمول المضاف إذا كان وصفاً، وهو وصفٌ.

إذاً: إن لم يكن فاعلاً وإلا فوجب رفعه، نحو: هذا ضاربٌ زيداً أبوه.

ولم يكن التلو مما يجوز الفصل به بين المتضايفين وإلا جاز خفض ما سوى التلو كـ: هذا معطي درهماً زيدٍ.

قال الشارح: يجوز في اسم الفاعل العامل إضافته إلى ما يليه من مفعول ونصبه له، فتقول: هذا ضاربُ زيدٍ بالإضافة وضاربٌ زيداً بالإعمال -النصب-، فإن كان له مفعولان وأضفته إلى أحدهما وجب نصب الآخر، فتقول: هذا معطي زيدٍ درهماً ومعطي درهمٍ زيداً، سواء قدمت أو أخرت.

وما ذكره من جواز الوجهين في البيت السابق هو في الظاهر، يعني: إذا رفع ظاهراً، أما المضمر المتصل فيتعين جره بالإضافة، نحو: هذا مُكرمكَ، وذهب الأخفش إلى أنه في محل نصب كـ (الهاء) في نحو: الدرهمُ زيدٌ معطيكهُ، وهذا مضى معنا في باب المضمر.

وَاجْرُرْ أَوِ انْصِبْ تَابِعَ الَّذِي انْخَفَضْ

كَـ مُبْتَغِي جَاهٍ وَمَالاً مَنْ نَهَضْ

هذا الحكم كحكم المصدر إذا أضفته حينئذٍ إما أن يكون المضاف في محل رفع أو نصب، فإن أُتبع جاز الوجهان.

وَاجْرُرْ أَوِ انْصِبْ: خيَّرك بين أمرين، وقدم الجر فدل على أنه أرجح، دل على أنه أرجح؛ لأنه قدمه.

وَاجْرُرْ أَوِ انْصِبْ تَابِعَ: قال تابع، جعله تابعاً، والعامل في التابع عامل في المتبوع.

إذاً: اجرر التابع، والعامل في المتبوع هو العامل في التابع.

أَوِ انْصِبْ: التابع، والعامل في المتبوع هو العامل في التابع.

الَّذِى انْخَفَضْ: يعني المنخفض.

كَـ مُبْتَغِى جَاهٍ وَمَالاً ومالٍ، يجوز فيه الوجهان.

مُبْتَغِي جَاهٍ وَمَالاً مَنْ نَهَضْ.

مَنْ نَهَضْ: الذي نهض. مَنْ: هذا مبتدأ مؤخر، ومُبْتَغِي خبر مقدم، مَنْ نَهَضْ مُبْتَغِي جَاهٍ وَمالاً، ومُبْتَغِي: مضاف إلى جَاهٍ، وَمَالاً بالعطف على الجاه وهو مخفوض في اللفظ. جَاهٍ: هذا هو المفعول الأول.

ص: 5

إذاً: له حالان: باعتبار اللفظ هو مخفوض، وباعتبار المحل هو منصوب، إذا عطفت عليه أو وصفته جاز لك الوجهان: إما أن تراعي اللفظ فتخفض: ومالٍ بالخفضِ؛ لأن المعطوف على المخفوض مخفوض.

أو بالنصبِ مراعاة للمحل: وَمالاً، كما ذكره الناظم هنا، والجر أرجح، ولم يمثل به الناظم وإنما مثل للثاني؛ لأن الأصل المتابعة في اللفظ، وإنما إذا قيل: كَـ مُبْتَغِى جَاهٍ وَمالاً؛ يسأل السائل: لماذا نصب مالاً؟ الواو حرف عطف معطوف على جَاهٍ، إذاً: هو الذي يحتاج إلى مثال.

إذاً قوله: وَاجْرُرْ أَوِ انْصِبْ: أي: في غير نحو الضارب الرجل زيداً، هذا نستثنيه مما سبق: في غير نحو الضارب الرجلِ زيداً، فيتعين في نحو هذا نصب التابع لعدم صحة إضافة الموصوف المحلى بـ (أل) إليه.

إذاً: إذا أعمل المحلى بـ (أل) هل يضاف إلى ما بعده؟ أنا الضاربُ الرجلِ زيداً، زيداً: هذا مفعول به، فيتعين في نحو هذا نصب التابع إذا أُتبع، لماذا؟ قال: لعدم صحة إضافة الوصف المحلى بـ (أل) إليه، ومذهب سيبويه الجواز، وأُيد بأنه قد يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع، وخرج بتابع الذي انخفض تابع المنصوب؛ لأنه قال: وَاجْرُرْ أَوِ انْصِبْ تَابِعَ الَّذِى انْخَفَضْ، أما تابع المنصوب هذا منصوب ليس له جهتان، هو في اللفظ والمحل منصوب، وأما الذي انخفض فهذا هو الذي يحتاج.

إذاً: خرج بقوله: تَابِعَ الَّذِى انْخَفَضْ؛ تابع المنصوب فلا يجوز جره، لأن شرط الإتباع على المحل أن يكون بالأصالة، والأصل في الوصف المستوفي شروط العمل إعماله لا إضافته لإلحاقه بالفعل، والمراد بالتابع في كلام الناظم هنا: ما يشمل سائر التوابع، والمثال هنا بالعطفِ وَمالاً هل يخصص قوله: تابع الذي انْخَفَضْ؟ الجواب: لا، يعني ذكر بعض أفراد الحكم؛ لأنه قال: اجْرُرْتَابِعَ الذي انْخَفَضْ، انْصِبْ تَابِعَ الذي انْخَفَضْ.

إذاً: تابع الذي انْخَفَضْ هذا عام، يشمل ما إذا وصف، ويشمل ما إذا أبدل منه، وعطف النسق وعطف البيان .. إلى آخره، حينئذٍ قوله:(كَـ مُبْتَغِي جَاهٍ وَمَالاً) بالمثال بالعطف لا يعد تخصيصاً لما سبق.

وأشار بتقديم الجر إلى أرجحيته: وَاجْرُرْ تَابِعَ الَّذِي انْخَفَضْ، انْصِبْ تَابِعَ الَّذِي انْخَفَضْ؛ حينئذٍ يكون من باب التنازع.

قال الشارح: يجوز في تابع معمول اسم الفاعل المجرور بالإضافة الجر والنصب، وجهان: هذا ضارب زيدٍ وعمروٍ بالخفض عطف على لفظ زيد، وعمْراً بالنصب عطفاً على محل زيد، فالجر مراعاة للفظ، فالعامل فيه حينئذٍ يكون هو العامل في المتبوع.

والنصبُ فيه قولان: قيل بإضمار عاملٍ، وقيل: مراعاة للمحل.

النصب على إضمار فعلٍ، والتقدير: ويضرب عمْراً، هذا ضاربُ زيدٍ وعمْراً، يعني: ويضرب عمْراً، فعمْراً هذا ليس معطوفاً على محلِ زيدٍ، وإنما هو معمول لفعل محذوف يفسره المذكور: ويضرب عمْراً، وقال ابن عقيل وهو الصحيح.

أو مراعاة لمحل المخفوض وهو المشهور وهو أصح، كثير في الأبواب يراعى فيها المحل، فحينئذٍ إذا كان الفعل متعدياً في المعنى يعمل عمل فعله فلا بأس إذا أضيف أن يعتبر فيه المعنى، يعني: محل المضاف إليه، وقد روي بالوجهين:

ص: 6

الوَاهِبُ الْمِائَةِ الْهِجَانِ وَعْبدِهَا

عُوذاً تُزجّي بَيْنَها أَطْفَالهَا

الوَاهِبُ الْمِائَةِ، الوَاهِبُ: اسم فاعل محلى بـ (أل).

الْمِائَةِ: من إضافة اسم الفاعل لمفعوله.

الْهِجَانِ: هذا نعت.

وعْبدَهَا-وعْبدِهَا بالوجهين، روي بالوجهين في هذا اللفظ. عْبدِهَا: هذا معطوف على المائة باعتبار اللفظ؛ لأنه مجرور، وعْبدَهَا باعتبار المحل.

إذاً فيه قولان: يضمر له فعل يفسره المذكور أو يكون مراعاة للمحل، فالعامل في المتبوع هو العامل في التابع، يعني إذا قلت: هذا ضاربُ زيدٍ وعمْراً، ما الناصب لعمْراً؟ هو ضارب، لأنه عمل في محل زيد النصب، إذاً: هو عامل في جهتين: في لفظٍ وفي محل، إن عطفت على السابق باعتبار اللفظ فالعامل فيه هو العامل في السابق، وإن عطفت عليه باعتبار المحل فالعامل فيه هو العامل في السابق، ولا نحتاج إلى إضمار فعلٍ.

قال ابن مالك: ولا حاجة إلى تقدير ناصبٍ غير ناصب المعطوف عليه، لا نحتاج، بل ناصب المعطوف عليه وهو زيد ومحلاً يكفي في تعليق الحكم به، ولا حاجة إلى تقدير ناصب غير ناصب المعطوف عليه. وإن كان تقدير قول سيبويه، كأنه يقول يعني لا نبالي، لو كان القول بالتقدير هو قول سيبويه نقول: لا حاجة إليه؛ لأن شرط العطف على المحل عنده وجود الطالب لذلك المحل وهو هنا غير موجود؛ لان اسم الفاعل إنما يعمل النصب حيث كان منوناً أو بـ (أل) أو مضافاً إلى أحد مفعوليه أو مفاعليه، فنحو: ضاربٌ في قولك: ضاربُ زيدٍ وعمْراً ليس طالباً لنصب زيدٍ بل لجره، حينئذٍ نظر فيه من جهة إعماله بالجهتين.

وعلى قول سيبويه أنه منصوب لا بعامل المعطوف عليه، المعطوف عليه ما هو؟ زيد، العامل فيه .. في المحل ضارب، عمْراً ليس منصوباً بضارب الذي عمل في المعطوف عليه، على قوله يقدر فعلٌ؛ لأنه الأصل في العمل، أو وصف منون، إذا أردنا تقديره: هذا ضاربُ زيدٍ وضاربٌ عمْراً أو ويضربُ عمْراً؟ هل نقدره فعلاً لأن الأصل في العمل للأفعال أو نقدره اسم فاعل منوناً لأن المذكور هنا ضاربُ وهو اسم فاعل؟ هل يقدر فعل لأنه الأصل في العمل أو وصف منون لأجل المطابقة؟ قولان، أرجحهما الثاني أن يقدر وصف منون؛ لأن حذف المفرد أقل كلفة من حذف الجملة، فإن كان الوصف غير عاملٍ تعين إضمار فعل للمنصوب، نحو:(وَجَاعِلِ اللَّيْلِ سَكَنَاً) يعني: ويجعل الليل سكناً، (وَجَاعِلِ اللَّيْلِ سَكَنَاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا) جَاعِلِ اللَّيْلِ بالإضافة، وَالشَّمْسَ: بالنصب، يعني: ويجعلُ الشَّمْسَ، نقدر له، لماذا؟ لأنه إذا أعمل اسم الفاعل بمعنى المضي حينئذٍ نقول: لا ينصب في الأصل، فإذا وجد بعده منصوب حينئذٍ قدرنا له عاملاً محذوفاً، لا يمكن أن يكون اسم الفاعل هو الذي نصبه؛ لأنه لا ينصب، وإلا ما فائدة الاشتراط إِنْ كَانَ عَنْ مُضِِيَّهِ بِمَعْزِلِ، فإذا وجد اسم فاعل لم يستوفِ الشرط ووجد بعده منصوب حينئذٍ لا يمكن أن يكون منصوباً باسم الفاعل المذكور، بل لا بد أن نقدر له اسم فاعل أو فعل، وتقدير اسم فاعل أولى.

ص: 7

إذاً: وَاجْرُرْ أَوِ انْصِبْ تَابِعَ الَّذِي انْخَفَضْ، وهذا يدل عليه قول ابن مالك رحمه الله: أنه لا نحتاج إلى تقدير، الناصب في المتبوع هو الناصب في التابع، لذلك قال: وَاجْرُرْ أَوِ انْصِبْ تَابِعَ، جعله تابعاً، والتابع معلوم حكمه أنه يأخذ حكم متبوعه في الإعراب وفي العامل، فالذي عمل في المتبوع هو العامل في التابع، والذي أخذه المتبوع من حيث الإعراب رفعاً أو نصباً هو حكم التابع.

كَـ مُبْتَغِي جَاهٍ وَمَالاً مَنْ نَهَضْ.

ثم قال:

وَكُلُّ مَا قُرَّرَ لاِسْمِ فَاعِلِ

يُعْطَى اسْمَ مَفْعُولٍ بِلَا تَفَاضُلِ

فَهْوَ كَفِعْلٍ صِيغَ لِلْمَفْعُولِ فِي

مَعْنَاهُ كَـ الْمُعْطَى كَفَافاً يَكْتَفِي

قال في الأول: إعمال اسم الفاعل، وهذا شروع منه في بيان اسم المفعول، اسم المفعول كاسمه: ما دل على حدثٍ ومفعوله، يعني: على ذاتٍ وحدثٍ وقع عليها، وهذا من الفوارق بين اسم الفاعل واسم المفعول، كلاهما دلا على ذات وحدث، إلا أن الفاعل دل على ذات أوقعت وأوجدت الحدث، هي فاعلة الحدث، واسم المفعول دل على ذات وقع عليها الحدث، إذاً: ليست هي الفاعل للحدث، فالفرق من جهة المعنى ومن جهة الصيغة، وسيعقد الناظم باباً في أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهة.

وَكُلُّ مَا قُرَّرَ: يعني كل حكمٍ؛ قُرَّرَ: يعني ثبت وأقره النحاة وقرره النحاة.

لاِسْمِ فَاعِلِ يُعْطَى اسْمَ مَفْعُولٍ بِلَا تَفَاضُلِ من حيث ماذا؟ من حيث العمل، لماذا أُعمل؟ لأنه أشبه الفعل المضارع مغير الصيغة في اللفظ والمعنى، ثم هو على نوعين: إما أن يكون مجرداً، وإما أن يكون صلة (أل)، الأول يشترط فيه شرطان: أن يكون عن مضيه بمعزل، وأن يكون معتمداً على استفهام أو نفي أو .. إلى آخره، وإذا كان محلىً بـ (أل) حينئذٍ لا يشترط فيه شرط:

وَإِنْ يَكُنْ صِلَةَ أَلْ فَفِي الْمُضِي

وَغَيْرِهِ إِعْمَالُهُ قَدِ ارْتُضِى

كل ما سبق من الأحكام تعطى لاسم الفاعل بلا تفاضلِ، لا تفاضل بينهما.

وَكُلُّ مَا قُرَّرَ لاِسْمِ فَاعِلِ: كُلُّ: هذا مبتدأ، ومَا قُرَّرَ، مَا: مضاف إليه اسم موصول بمعنى الذي، قُرَّرَ: هذا مغير الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود إلى (مَا).

لاِسْمِ فَاعِلِ: هذا جار ومجرور متعلق بقوله: قُرَّرَ.

يُعْطَى: هذا خبر.

اسْمَ مَفْعُولٍ: يُعْطَى هو الذي قُرَّرَ الحكم السابق، يُعْطَى اسْمَ مَفْعُولٍ، وهذا يجوز فيه الوجهان: كلُّ كلَّ، يعني يجوز فيه: الرفع، ويجوز فيه النصب. إن قُرئ كل بالرفع على الابتداء جاز في قوله: اسم مفعول الرفع على أنه نائب فاعل والرابط محذوف هو المفعول الثاني أي: يعطاه، والنصب على المفعولية، ويكون نائب الفاعل ضميراً مستتراً يعود على (كُلُّ) هو الرابط، على إعرابنا السابق، هذا متى؟ إذا رفعت كل، يجوز فيه: يعطى اسمَ مفعول، يعطى اسمُ مفعولٍ، يعطى اسمُ مفعولٍ يعطاهُ، حينئذٍ صار اسم مفعول هو النائب، والضمير المحذوف هو العائد.

وإن قُرئ (كُلَّ) بالنصب على أنه مفعول ثان مقدم تعين رفع اسم مفعول على أنه نائب فاعل.

ص: 8

يُعْطَى اسْمُ مَفْعُولٍ كُلُّ مَا قُرِّرَ لاِسمِ فَاعِلِ، هذا جيد، يُعْطَى اسْمُ مَفْعُولٍ، يُعْطَى: هذا مغير الصيغة، اسْمُ مَفْعُولٍ: هذا نائب فاعل، كُلَّ مَا قُرِّرَ لاِسمِ فَاعِلِ.

بِلَا تَفَاضُلِ: (لَا) هذه بمعنى غير، ومرت معنا مراراً تتميم للبيت؛ لأنه لم يستفد منها فائدة، متعلق بيعطى، وقيل: أفاد به أنه لا يشترط في عمل اسم المفعول أزيد من شروط عمل اسم الفاعل، لكن هذا قد يؤخذ من قوله: يُعْطَى اسْمَ مَفْعُولٍ كُلَّ مَا قُرِّرَ، هل يفهم منه أن اسم المفعول له شروط زائدة على اسم الفاعل؟ الجواب: لا، هذا مفهوم مما سبق، لكن قد يقال بأنه صرح بهذا المفهوم بقوله: بِلَا تَفَاضُلِ، يعني: لا يزيد اسم المفعول شرطاً في الإعمال على شروط إعمال اسم الفاعلٍ.

إذاً: بِلَا تَفَاضُلِ؛ متعلق بقوله: يُعْطَى، وأفاد به أنه لا يشترط في عمل اسم المفعول أزيد من شروط عمل اسم الفاعل، وهذا لا يفيده قول:(وَكُلُّ) فليس توكيداً له. قيل: توكيد، لكن الظاهر أنه يفيده.

فَهْوَ كَفِعْلٍ صِيغَ لِلْمَفْعُولِ فِي مَعْنَاهُ.

إذا قيل: يُضربُ زيدٌ، أمضروبٌ زيدٌ؟ المعنى واحد، أيضربُ ذاتٌ وقع عليها حدث، أمضروبٌ زيدٌ؟ ذاتٌ وقع عليها حدث، إذاً: هو في المعنى كالفعل الذي يصاغ للمجهول، يعني: مغير الصيغة. كما أن اسم الفاعل مساوٍ في المعنى للفعل المبني للمعلوم؛ كذلك اسم المفعول مساوٍ في المعنى للفعلِ المبني للمجهول. هذا قول.

فَهْوَ: أي اسم المفعول.

كَفِعْلٍ: هو: مبتدأ، كَفِعْلٍ: هذا خبر.

صِيغَ: يعني اشتُق للمفعول صفة لفعلٍ.

فِي مَعْنَاهُ: يعني اسم المفعول يعملُ عمل الفعل بالشروط السابقة، هذا من حيث الإعمال، وأشار بقوله: فَهْوَ كَفِعْلٍ من حيث المعنى، لكن هل ثَمَّ فائدة من حيث المعنى يترتب عليها؟ إذا قيل: بأن مراده: فَهْوَ كَفِعْلٍ صِيغَ لِلْمَفْعُولِ فِي مَعْنَاهُ؛ هل هناك فائدة؟ قيل: لا، ليست فيه فائدة، ولذلك قدر بعضهم في معناهُ وعملهِ، لأننا نحن الآن نتكلم في ماذا؟ في إعمال اسم المفعول، وأما المعنى فهذا أمر ظاهر واضح بين، مضروب يعني: ذات وقع عليها الضرب، كما أنك تقول: يضربُ زيدٌ؛ زيدٌ ذات وقع عليها الضرب، والفاعل محذوف مجهول، حذف للجهل أو للعلم أو لغيره، لكن المراد هنا:(فِي مَعْنَاهُ) قال بعضهم: وعمله. والصبان جعله مجاز: (فِي مَعْنَاهُ) ليس المراد المعنى المطابق لاختلافهما فيه، فالكلام في العمل لا في المعنى، هذا حق، الكلام في العمل لا في المعنى، فمراد الناظم هنا بـ (مَعْنَاهُ) أي: عمله، لا نحتاج إلى عطف، قال: نجعله (معناه) بمعنى العمل.

ففيه تجوّز بإطلاق السبب وإرادة المسبب لضيق النظم عليه، فإنَّ عمل اسم المفعول عمل فعله مسبب عن كونه بمعناه، هو أشبهه أولاً كما ذكرناه في السابق علة إعمال اسم المفعول: مشابهته للفعل المضارع، أي فعل مضارع؟ مغير الصيغة، كما أن اسم الفاعل أُعمل لشبهه بالفعل المضارع أي النوعين؟ المبني للمعلوم، إذاً: المعنى واضح بين.

بقي ماذا؟ بقي العمل. فإن عمل اسم المفعول عمل فعله مسبب عن كونه بمعناه.

ص: 9

وقال المكودي: يعني أن اسم المفعول مثل الفعل المصوغ للمفعول في معناه، كما أن اسم الفاعل مثل الفعل المصوغ للفاعل في معناه، فتقول: زيدٌ مضروبُ؛ أبقاه على ظاهره، وهذا هو الظاهر، أبقاه على ظاهره، فحينئذٍ إذا كان مثله في معناه اقتضى إعماله، كأنه قال لك: فَهْوَ كَفِعْلٍ صِيغَ لِلْمَفْعُولِ فِي مَعْنَاهُ؛ إذاً أتمم أنت البقية فتحمله عليه في العمل، ولذلك حمله على ظاهره المكودي فقال: يعني أن اسم المفعول مثل الفعل المصوغ للمفعول في معناه، كما أن اسم الفاعل مثل الفعل المصوغ للفاعل في معناه، فتقول: زيدٌ مضروبٌ أبوه، فيرتفع ما بعد مضروب على أنه مفعول لم يسم فاعله، كما تقول: ضُرب أبوه.

كَـ الْمُعْطَى كَفَافاً يَكْتَفِي.

الْمُعْطَى: مبتدأ

ويَكْتَفِي: هذا خبر.

كَفَافاً: مفعول ثاني، والمعطى هذا مغير الصيغة؛ لأنه تابع لأصله، فيقتضي ماذا؟ اسم المفعول ماذا يرفع؟ يرفع نائب فاعل، المفعول الأول للمعطىَ: مُعطِي مُعطَى اسم مفعول، المفعول الأول نائب فاعل وهو الضمير المستتر.

إذاً:

وَكُلُّ مَا قُرَّرَ لاِسْمِ فَاعِلِ

يُعْطَى اسْمَ مَفْعُولٍ بِلَا تَفَاضُلِ

فَهْوَ كَفِعْلٍ: الفاء هذه فاء الفصيحة.

كَفِعْلٍ صِيغَ لِلْمَفْعُولِ فِى مَعْنَاهُ: فأشبهه فيقتضي أن يأخذ حكمه وهو أن يعمل فيما بعده.

كَـ: كقولك، الكاف داخلة على محذوف.

الْمُعْطَى كَفَافاً يَكْتَفِى.

قال الشارح: جميع ما تقدم في اسم الفاعل من أنه إن كان مجرداً عمل .. إن كان بمعنى الحال أو الاستقبال بشرط الاعتماد، وإن كان بالألف واللام عمل مطلقاً يثبت لاسم المفعول، فتقول: أمضروب الزيدان الآن أو غداً؟ أو جاء المضروب أبوهما الآن أو غداً أو أمسِ؟ انظر الثاني مثل بـ (أل) فصار مضروب صلة (أل)، حينئذٍ: وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ أَلْ. قلنا: صفة صريحة يشمل اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة فيه خلاف.

إذاً: اسم المفعول وقع هنا صلة (أل) فتعين أن يكون في معنى الفعل، جاء المضروبُ؛ جاء الذي يُضربُ -هكذا تؤوله- أبوهما. وحكمه في المعنى والعملِ. انظر ابن عقيل قال: والعملِ، عطف على معناه، في معناه وعمله، هكذا قال بعضهم.

وحكمه في المعنى والعملِ حكم الفعل المبني للمفعول، فيرفع المفعول كما يرفعه فعله، فكما تقول: ضرب الزيدانِ، هنا يقول: يرفع المفعول، يعني أصالة قبل إنابته عن الفاعل، يعني: ضُرب الزيدانِ، الزيدانِ: هذا مفعول في الأصل:

يَنُوبُ مَفْعُولٌ بِهِ عَنْ فَاعِلِ فِيما لَهُ

ينوب مفعول به عن فاعل، إذاً: ارتفع المفعول به على أنه نائب فاعل، فكما تقول: ضرب الزيدان؛ تقول: أمضروبٌ الزيدانِ، مضروب بمعنى الحال أو الاستقبال، وقد اعتمد على الاستفهام، وإن كان له مفعولان رُفِعَ أحدهما ونُصب الآخر، نحو: الْمُعْطَى كَفَافاً، يعطي زيدٌ كفافاً، معطىَ صار نائب الفاعل والضمير المستتر وهو الأصل أنه مفعول أول منصوب.

كَفَافاً: بفتح الكاف ما كف عن الناس وأغنى من الرزق.

يَكْتَفِى.

فالمفعول الأول ضمير مستتر عائد على الألف واللام، وهو مرفوع لقيامه مقام الفاعل، وكَفَافاً: المفعول الثاني.

ص: 10

وَقَدْ يُضَافُ ذَا إِلَى اسْمٍ مُرْتَفِعْ

مَعْنىً كَـ مَحْمُودُ الْمَقَاصِدِ الْوَرِعْ

وَقَدْ: تحقيق؛ لأنه كثير، ليست من قلة.

وَقَدْ يُضَافُ ذَا: اسم إشارة يعود إلى اسم المفعول.

وَقَدْ يُضَافُ ذَا إِلَى اسْمٍ مُرْتَفِعْ

إذاً: هذا ظاهره أنه حكم زائد على ما سبق وهناك قال: بِلَا تَفَاضُلِ، يعني: لم يزد اسم المفعول حكماً لا يوجد في اسم الفاعل، وهنا قال: وَقَدْ يُضَافُ ذَا؛ خصه بالحكم. هذا ظاهر النظم.

وَقَدْ يُضَافُ ذَا: أي اسم المفعول.

إِلَى اسْمٍ مُرْتَفِعْ: به، وهو ماذا؟ هو يرتفع بماذا؟ يرفع ماذا؟ يرفع نائب فاعل. إذاً:(قد) للتحقيق. يضاف اسم المفعول إلى نائب الفاعل، اقتضى كلامه انفراد اسم المفعول عن اسم الفاعل بجواز الإضافة إلى مرفوعه؛ لأنه لما خصه حينئذٍ يكون كالاستدراك لما سبق، أو نقول: ذكر شيئاً وترك شيئاً آخر، وحينئذٍ لا يكون ثَمَّ تفاضل بين الحكمين: حكم اسم الفاعل وحكم اسم المفعول. إذا قيل: وَقَدْ يُضَافُ ذَا إِلَى اسْمٍ مُرْتَفِعْ؛ ظاهره اختصاص اسم المفعول بإضافته إلى مرفوعه، مفهومه: أن اسم الفاعل لا يضاف إلى مرفوعه، فهو نقض لقوله: بِلا تَفَاضُلِ؛ لأن الاسم المفعول قد زاد على اسم الفاعل حكماً، أو يقال: بأنه ذكر شيئاً وترك شيئاً آخر، حينئذٍ قوله:(بِلا تَفَاضُلِ) على أصله.

ثم قوله: (وَقَدْ يُضَافُ ذَا) لا يفهم اختصاص الحكم باسم المفعول بل اسم الفاعل مثله لكن على تفصيل.

اقتضى كلامه انفراد اسم المفعول عن اسم الفاعل بجواز الإضافة إلى مرفوعه، وفي ذلك تفصيل، حاصله: أن اسم الفاعل اللازم كاسم المفعول في جواز الإضافة إلى مرفوعه اتفاقاً، إذن: لم ينفصل اسم المفعول بحكم زائد عن اسم الفاعل.

إذا كان اسم الفاعل مأخوذاً أو موافقاً لعمل الفعل اللازم، يعني: إذا كان اسم الفاعل لازماً كفعله حينئذٍ أضيف إلى الفاعل اتفاقاً لا خلاف فيه.

واسم الفاعل المتعدي لأكثر من واحد ليس كاسم المفعول في ذلك اتفاقاً، طرفان، الذي يكون متعدياً لأكثر من واحد ليس كاسم المفعول، والذي يكون لازماً كفعله كاسم المفعول اتفاقاً.

وفي اسم الفاعل المتعدي لواحد خلاف، إذا تعدى لواحد هل يجوز أن يضاف إلى فاعله أم لا؟ خلاف بين النحاة، وأما إذا تعدى إلى أكثر من واحد امتنع اتفاقاً، وإذا لم يتعدَ بل كان لازماً فمحل وفاق أنه يجوز.

إذاً: نخلص من هذا أن قوله: وَقَدْ يُضَافُ ذَا إِلَى اسْمٍ مُرْتَفِعْ؛ يعني: يضاف اسم المفعول إلى نائبه، وإن كان ظاهر كلامه اختصاص اسم المفعول بهذا الحكم فالصواب أنه ليس خاصاً، بل إذا كان اسم الفاعل لازماً فهو مثل اسم المفعول يضاف إلى مرفوعه.

وَقَدْ يُضَافُ ذَا إِلَى اسْمٍ مُرْتَفِعْ: يعني به.

مَعْنىً: يعني بعد تحويل الإسناد عنه إلى ضمير موصوف، ونصبه على التشبيه بالمفعول به؛ لأن الوصف عين مرفوعه في المعنى، فلو أضيف إليه من غير تحويل لزم إضافة الشيء إلى نفسه، وهي غير صحيحة عند البصريين كما سبق.

ص: 11

ولا يصح حذفه لعدم الاستغناء عنه، فلا طريق إلى إضافته إلا تحويل الإسناد عنه إلى ضمير يعود إلى المنصوب ثم ينصب لصيرورته فضلة، حينئذٍ لاستغناء الوصف بالضمير ثم يجر بالإضافة فراراً من قبح إجراء وصف المتعدي لواحد مجرى وصف المتعدي لاثنين، وهذا يأتي في الصفة المشبهة؛ لأن اسم المفعول إذا أُريد به الحدوث صار اسم مفعول، وإذا أُريد به الدوام حينئذٍ صار صفة مشبهة، حتى اسم الفاعل واسم المفعول إذا كان على زنة مفعول كمحمود والمقصود، حينئذٍ إذا أريد به الدوام .. دوام الحدث واستمراره صار صفة مشبهة لكن من جهة المعنى لا من جهة الصيغة، بخلاف ما عدا زنة مفعول؛ لأنه من الثلاثي على زنة مفعول، ومن غير الثلاثي على زنة مُفعَل، اللفظ محتمل لهما، لكن يحمل أصالة على اسم المفعول، إذا دلت قرينة على الحدوث صار صفة مشبهة؛ لأنه لا يوجد اسم فاعل من الثلاثي إلا على زنة فاعل، هذا الأصل، فإذا أريد به الحدوث صار صفة مشبهة، مثله من الثلاثي اسم المفعول، فالأصل فيه مفعول، إذا أريد به الحدوث فهو اسم مفعول، وإذا أريد به الدوام والدلالة على دوام الحدث صار صفة مشبهة.

كَـ مَحْمُودُ الْمَقَاصِدِ الْوَرِعْ.

الْوَرِعْ: هذا مبتدأ.

ومَحْمُودُ: خبر مقدم.

والْمَقَاصِدِ: هذا نائب فاعل، أضيف محمود إلى المقاصد وهو مرفوعه.

يجوز في اسم المفعول أن يضاف إلى ما كان مرفوعاً به، فتقول في قولك: زيدٌ مضروبٌ عبدهُ. زيد: مبتدأ، مضروبٌ: هذا اسم مفعول، عبده: نائب فاعل. زيدٌ مضروبُ العبدِ؛ أضفته بعد التغيير الذي ذكرناه سابقاً، أضفته إلى مرفوعه، هنا قال: إِلَى اسْمٍ مُرْتَفِعْ يعني: به، والذي ارتفع به مضروب هنا عبدهُ على أنه نائب فاعل.

إذاً: قيل: زيدٌ مضروبُ العبدِ؛ هنا أضيف اسم المفعول إلى نائب الفاعل، فتضيف اسم المفعول إلى ما كان مرفوعاً به.

ومثله قول الناظم: الورع محمودُ المقاصد، والأصل: الورع محمودٌ مقاصدُه، ولا يجوز ذلك في اسم الفاعل .. لا، الصواب فيه تفصيل على ما ذكرناه سابقاً. فلا تقول: مررت برجل ضارب الأبِ زيداً؛ هذا تعدى إلى واحد، وهذا محل خلاف، وأما إذا تعدى إلى أكثر من اثنين فهذا محل وفاق لا يجوز. إن كان لازماً محل وفاق جائز، فلا تقل: مررت برجلٍ ضاربِ الأبِ زيداً؛ تريد: ضاربٍ أبوه زيداً.

إذاً: وَقَدْ يُضَافُ ذَا: الذي هو اسم المفعول.

إِلَى اسْمٍ مُرْتَفِعْ: به.

مَعْنىً: يعني من جهة المعنى لكونه نائب فاعل قبل الإضافة، لأنه لا تقل: نائب فاعل، إذا جئت تعرب ما تقول: محمودُ المقاصد، محمودُ: هذا مضاف، والمقاصد: نائب فاعل، غلط هذا، وإنما يراعى فيه المعنى، تقول: محمود هذا مضاف، والمقاصدِ: مضاف إليه مجرور بالمضاف وجره كسره ظاهرة على آخره فقط، وأما من جهة المعنى إذا أردت أن تصفه أو تعطف عليه حينئذٍ يراعى فيه ما ذكرناه سابقاً.

كَـ مَحْمُودُ الْمَقَاصِدِ الْوَرِعْ

الْوَرِعْ: هذا مبتدأ مؤخر.

وحْمُودُ الْمَقَاصِدِ: أصله: محمودٌ مقاصدهُ؛ أضيف اسم المفعول إلى نائب الفاعل.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين

!!!

ص: 12