المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * شرح الترجمة، أبنية المصادر. * مصدر الفعل الثلاثي المجرد * - شرح ألفية ابن مالك للحازمي - جـ ٨١

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * شرح الترجمة، أبنية المصادر. * مصدر الفعل الثلاثي المجرد *

‌عناصر الدرس

* شرح الترجمة، أبنية المصادر.

* مصدر الفعل الثلاثي المجرد

* مصدر الفعل غير الثلاثي

* اسم المرة واسم الهيئة.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

قال الناظم رحمه الله تعالى: أَبْنِيَةُ المَصَادِرِ.

المَصَادِر: جمع مصدر، وسبق بيان معناه: أنه دال على الحدث، الاسم الدال على الحدث، فالضرب هذا قلنا: مصدر مسماه: عين الضرب، يعني: نفس الحدث الذي يصدق عليه أنه ضَربٌ.

وأبْنِيَةُ: جمع بناء، والمراد بالبناء ما يرادف الوزن وهو ما يسمى بالميزان الصرفي عند الصرفيين، وهذا الميزان الصرفي اخترعه الصرفيون من أجل وزن الألفاظ سواءٌ كانت أسماءً أو كانت أفعالاً، وأما الحرف فلا مدخل له كما سيأتي في محله.

والبناء المراد به: ما يجعل في مقابلة الحروف الأصلية والزائدة، لكن جُعل في مقابلة الحروف الأصلية ثلاثة أحرف: الفاء والعين واللام، ولذلك يقولون مثلاً: خَرَجَ على وزن فَعَلَ، فَفَعَل وزنٌ موزونه خرج، فخرج موزون، مثل الوزن المعروف المرئي، الوزن نفس الآلة والموضوع فيه موزون.

إذاً: فعل هذا وزن، يصدق على ماذا؟ يوزن به ماذا؟ نقول: خرجَ وجلسَ وقعدَ، الوزن واحد فَعَل، حينئذٍ قابل الحرف الأصلي الأول الفاء، قيل:(خَ رَ جَ: فَ عَ لَ)، إذاً: فاء الكلمة الخاء، وعين الكلمة الراء، ولام الكلمة الجيم، خرجَ على وزن فعلَ.

فإن زيد فيه مثل: أخرجَ، يقال: أفعلَ؛ نزلت الزيادة بنفسها، على تفصيل طويل عندهم.

وإذا زيد كذلك حرفان قيل: انطلقَ، انفعلَ، إذا زيد ثلاثة أحرف قيل: استخرج استفعلَ، استغفرَ استفعلَ، وحينئذٍ نقول: استفعلَ؛ هذا وزن، موزونه: استغفرَ، استغفر مووزن واستفعلَ وزن، هذا ما يسمى بالبناء أو يسمى الميزان الصرفي وهي: الحروف والحركات والسكنات، فيحرك الوزن بمثل ما حرك به الموزون، فيقال: خَرَجَ بالفتحة في العين والفاء واللام، واللام على حسب آخرها إما بناءً أو إعراباً، وحينئذٍ يقال: خَ رَ: فَ عَ، عَ لِ مَ: فَ عِ لَ، ظَ رُ فَ: فَ عُ لَ، تحركها بنفس ما حرك به الموزون، ويقال: قفلٌ على وزن فُعل، وحِمل على وزن فِعل، وضُرب على وزن فُعِلَ .. وهلم جرا، وتفصيله موجود في كتب الصرف وقد بيناه بياناً شافياً في شرح نظم المقصود.

أَبْنِيَةُ المَصَادِرِ: هذا الأولى ألا يجعله الناظم هنا، وإنما يؤخره إلى التصريف هناك؛ لأنه ما زال في سرد أبواب النحو، لأن الألفية مقسمة.

مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ

قلنا: النَّحْوُ هنا عام، يشمل النحو الخاص وهو ما كان متعلقه الحرف الأخير إعراباً أو بناءً، ويشمل فن الصرف الذي هو التصريف عند المتأخرين، هو جرى على تقسيم الألفية من أولها إلى آخر أبواب الفعل المضارع .. النواصب والجوازم وما ألحق به، ثم شرع في أبواب الصرف، وهذا لا شك أن أبنية المصادر من فن الصرف، ولذلك قيل: ابن مالك قصَّر في هذا الباب، فألف اللامية تكميلاً لهذا الباب، مائة وأربعة عشرة بيتاً:

وَبَعْدُ فَالْفِعْلُ مَنْ يُحْكِمْ تَصَرُّفَهُ

يَحُزْ مِنَ اللُّغَةِ الأَبْوَابَ وَالسُّبُلَا

ص: 1

فهذا الباب هنا سبعة عشر بيتاً كمله باللامية، وهنا نجري على ما ذكره الناظم فحسب وإلا فأبنية المصادر فيها ما هو مقيس وفيها ما هو سماعي، السماعي لا يمكن ضبطه، لا ينضبط، بل عموماً: الصرف لا يمكن ضبطه إلا بالحفظ، ليس كالنحو، النحو يمكن ضبطه بحفظ القواعد فحسب، أما الصرف فلا، ولذلك الشوكاني رحمه الله في أدب الطلب يقول: لن يكون ملماً بشتات هذا الفن إلا إذا كانت الشافية في صدره، يعني: محفوظة في صدره، فحينئذٍ يكون قد لم بهذا الفن.

أَبْنِيَةُ المَصَادِرِ.

قال:

فَعْلٌ قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى

مِنْ ذِي ثَلَاثََةٍ كَـ رَدَّ رَدَّا

فَعْلٌ: هذا الوزن.

مِنْ ذِي ثَلَاثََةٍ: هذا الموزون.

مِنْ ذِي ثَلَاثََةٍ: المقصود به الفعل، والنحاة والصرفيون يجرون في ذكر المصادر بناءً على الأفعال وإن كان المصدر هو الأصل.

وَكَوْنُهُ أَصْلاً لِهَذَيْنِ انْتُخِبْ.

والمَصدرُ الأَصْلُ وَأيَُّ أصلِ

ومنهُ يَا صَاحِ اشتقاقُ الفعلِ

وحينئذٍ صار أصلاً، فالأصل أن الفعل يجري على المصدر، ولكن هنا ضبط أبواب المصادر مبنية على ضبط أبواب الفعل، فينظر في الفعل؛ هل هو ثلاثي؟ هل هو رباعي؟ هل هو مجرد؟ هل هو مزيد؟ ثم يحكم عليه بالمصدر، وهذا جاء نتيجة الاستقراء والتتبع، يعني الاستقراء والتتبع اقتضى أن يجعل ضبط باب المصادر على الأفعال، وهذا لا يلزم منه أن يكون المصدر فرعاً عن الفعل، بل الصواب هو العكس من حيث الاشتقاق ووجود الفعل.

نقول: المصدر أصلٌ، والفعل فرعٌ، من حيث الضبط .. الضوابط هذه قواعد عامة لم ينطق بها العرب إلا من جهة الاستعمال فحسب، وأما من جهة التقعيد والتأصيل نقول: هذا باستقراء الصرفيين وكذلك النحاة.

إذاً: نجري في ذكر المصدر بناءً على الفعل، ولذلك نقول: الفعل من حيث التجرد والزيادة ينقسم إلى قسمين: فعل مجرد، وفعل مزيد، والمراد بالمجرد يعني: مجرد من الزيادة، التجريد المراد بها: التعري، يعني: لم يكن ثَمَّ حرف زائد معه، وسبق معنا أن الأصل في وضع الفعل أن يكون على ثلاثة أحرف، هذا الأصل فيه.

فالمجرد: هو ما كانت جميع حروفه أصلية، لا يسقط منها حرف لغير علة تصريفية، فإن سقط منها حرف في بعض تصاريفه ننظر؛ هل سقط لعلة تصريفية أم لا؟ فإن سقط لعلة تصريفية لا يمنع كونه أصلاً، وإن سقط لا لعلة تصريفية حينئذٍ نحكم عليه بكونه زائداً، وسيأتي مبحث حروف الزيادة في باب التصريف هناك.

إذاً: المجرد ما كانت جميع حروفه أصلية، لا يسقط منها حرف في تصاريف الكلمة بغير علة. والمزيد عكسه، ما زيد فيه حرف أو حرفان أو ثلاثة، وهذه الأحرف تسقط في بعض التصاريف دون بعض، ولذلك تقول: خرجَ وأخرجَ ويخرجُ وخارجٌ ومخروجٌ .. إلى آخره، أين الهمزة؟ غير موجودة، وجدت في بعض التصاريف وهو أخرج فعل ماضي، ولم توجد في خرج وهو المجرد الثلاثي، ويخرجُ لم توجد فيه الهمزة، وحينئذٍ نقول: هذه الهمزة زائدة؛ لأنها وجدت في بعض التصاريف دون بعض.

والمزيد: ما زيد فيه حرف أو أكثر على حروفه الأصلية. هذا المجرد والمزيد من حيث هو.

ثم المجرد قسمان: ثلاثي ورباعي. المجرد الذي تكون حروفه الأصلية: ثلاثي ورباعي.

ص: 2

إذاً: الثلاثي: ما كان على ثلاثة أحرف كلها أصلية. هل يوجد فعل على حرفين؟ الجواب: لا. هذا الأصل، فإن نُطق به على حرفين فحينئذٍ الثالث إما أن يكون محذوفاً لعلة تصريفية، وإما أن يكون محذوفاً اعتباطاً.

والنوع الثاني: أن يكون على أربعة أحرف.

إذاً: إما ثلاثي وإما رباعي، ثلاثي ورباعي.

والمزيد كذلك على قسمين: مزيد الثلاثي ومزيد الرباعي.

هنا قال: مِنْ ذِي ثَلَاثََةٍ. إذاً: من مصدر فعل ذِى ثَلَاثََةٍ، حتى يوافق الأصل وهو كون الفعل فرعاً عن المصدر.

مِنْ ذِى ثَلَاثََةٍ: يعني من فعل مجرد ذِى ثَلَاثََةٍ؛ لأنه قدم مصادر الفعل الثلاثي المجرد ثم سيذكر بعد ذلك مصادر الفعل الثلاثي المزيد.

الفعل الثلاثي بالاستقراء الوضعي في لسان العرب لا العقلي على ثلاثة أضرب: إما أن يكون من باب فعَل أو فعِل أو فعُل، هل له رابع؟ على طريقة البصريين لا، لا يوجد له رابع، وعند الكوفيين زادوا رابعاً وهو: فُعِل، وهو المبني للمجهول أو مغير الصيغة، فهو عندهم أصل برأسه .. بنفسه، يعني: ليس فرعاً عن فعَل ولا فعِل، وإنما هو أصل برأسه، كما أن فَعَل بفتحتين وفَعِل بفتح فكسر وفَعُل بفتح فضم؛ نقول: هذه كلها أصول، ليس أحدها فرعاً عن الآخر.

كذلك عندهم: فُعِل؛ رابع، يعد باباً رابعاً، والصواب أنه فرعٌ ليس أصلاً، وإنما مرده إما إلى فعل أو فعِل، وحينئذٍ نقول: الأبواب ثلاثة: فَعَل بفتح الفاء والعين وهو ملازم لفتح الفاء، وفَعِل بفتح فكسر .. كسر العين، وفَعُل. فَعَل كنصر وضرب، وفَعِل كعَلِمَ وسَلِمَ، وفَعُل كشرُفَ وظرُفَ، هذه من حيث ماذا؟ باعتبار لفظ الماضي، بالنظر إلى مضارعه حينئذٍ القسمة تقتضي أن تكون تسعة، لكن باعتبار الوضع والاستقراء لم يوجد منها إلا ستة أبواب فقط: فَعَل له ثلاثة أبواب: فَعَل يفعُل، وفعَل يفعِل، وفعَل يفعَلُ، وهذا خلاف الأصل.

وفَعِل سقط منه باب واحد وهو كسر العين في الماضي وضمها في المضارع، يعني: فعِل يفعُل ساقط وإن كان العقل يقتضي ذلك.

فعِل يفعَل، فعِل يفعِل، وهذا خلاف الأصل. إذاً: بابان من النوع الثاني وهو فعِل.

فعُل سقط منه ضم العين في الماضي مع كسرها أو فتحها في المضارع، فسقط منه بابان.

إذاً: لا يوجد فعُل يفعِل ولا فعُل يفعَل، وإنما المسموع: فعُل يفعُل. إذاً: الأبواب ستة. وأما العقل فيقتضي أن تكون تسعة.

إذاً: عرفنا أن فعَل وفعِل وفعُل هذا هو الثلاثي المجرد لا رابع له، ثم باعتبار التعدي واللزوم نقول: فعَل يكون متعدياً ويكون لازماً، وفعِل كذلك يكون متعدياً ويكون لازماً، وفعُل بضم العين لا يكون إلا لازماً. فعَل بالفتح كضَرَبَ يكون لازماً ومتعدياً، والتعدي فيه أكثر من اللزوم، يعني: ما سمع في لسان العرب وهو على وزن فعَل متعدياً ينصب مفعولاً أو مفعولين هذا أكثر مما سمع فيه اللزوم وهو كونه لا ينصب مفعولاً.

وفعِل بالكسر اللزوم فيه أكثر من التعدي، وهذا كله له حِكَم باعتبار كسر العين أو فتحها.

ص: 3

وفعُل لثقل الضم لم يسمع فيه إلا اللزوم، ولا يوجد منه متعدي إلا من جهة التضمين: رحُبتك الدار، يعني: وسعتك الدار، رحُبتك الدار، هنا تعدى رحبتكَ إما أنه على التضمين: وسعتك الدار، أو رحُبت بكَ على الحذف والإيصال، يجوز هذا أو ذاك.

على كلٍ؛ فعُل من حيث القاعدة الصرفية أنه لا يكون إلا لازماً، فتعديه يكون شاذاً.

هنا قال: مِنْ ذِي ثَلَاثََةٍ، يصدق على فَعَل المتعدي واللازم، وفعِل المتعدي واللازم وفعُل؛ لأنه قال: مِنْ ذِي ثَلَاثََةٍ، لكن ليس مراده الإطلاق، وإنما المراد به المتعدي، بدليل ماذا؟ الْمُعَدَّى مِنْ ذِي ثَلَاثََةٍ، مَصْدَرِ الْمُعَدَّى مِنْ ذِى ثَلَاثََةٍ، أما ذي ثلاثة من حيث هو يعني من فعلٍ ذي ثلاثةٍ يعني من ثلاثي؛ فهذا يصدق على الجميع، لكن لما قال: من مَصْدَرِ الْمُعَدَّى؛ حينئذٍ خرج (فعَل) اللازم، وخرج (فعِل) اللازم، وخرج (فعُل) وكله لازم.

إذاً: يصدق على بابين: فعَل المتعدي وفعِل المتعدي، وأما اللازم فيهما فسيأتي ذكره منفرداً.

فَعْلٌ قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى

... مِنْ ذِي ثَلَاثََةٍ

يعني: من فعلٍ ذِي ثَلَاثََةٍ.

فَعْلٌ: هذا خبر مقدم.

قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى: مبتدأ مؤخر؛ لأنه يريد أن يبين القياس، وحينئذٍ يناسب أن يكون قياس مصدر المعدى مِنْ ذِي ثَلَاثََةٍ، مِنْ ذِي ثَلَاثََةٍ: هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف حال، إما من مصدر وإما من المعدى، يحتمل هذا ويحتمل ذاك، أي: حال كونه بعض الأفعال الثلاثية، فـ (مِنْ) حينئذٍ تكون للتبعيض، (من) هنا للتبعيض.

فَعْلٌ: قلنا: هذا خبر، أي: موازن فعْلٌ، ففعْلٌ هذا وزن، موزونه المصادر التي يلفظ بها، يقال: ضَرْبٌ هذا مووزن وزنه فعْلٌ.

قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى.

قِيَاسُ: هذا مصدر، قاس يقيس قياساً هو بنفسه مصدر.

قِيَاسُ: ما المراد بالقياس هنا؟ المراد به: أنه إذا عرفت أن قياس مصدر المعدى من ذي ثلاثةٍ أنه على وزن فعْلٍ حينئذٍ إن سمع فهو هو، وإن لم يسمع مصدر المعدى على وزن فعْلٍ حينئذٍ يبقى على ما سمع هو هو، فإن لم يسمع لا هذا ولا ذاك، يعني: لا ما هو موافق للقياس على وزن فعْلٍ أو ما هو مخالف لقياسه كأن يسمع على وزن فُعول مثلاً أو فِعال ونحو ذلك؛ حينئذٍ إذا سمع ما هو خارج عن الأصل كذلك لا يستعمل، وإنما يكون قياساً فيما إذا لم يسمع له مصدر البتة، حينئذٍ تقول: هذا فعل معدى وهو على وزن فعَل بفتح العين، فقياس مصدره يكون على وزن فعْلٍ.

إذاً: القياس متى يستعمل؟ إذا لم يسمع له مصدر أصالة، هذه فائدة هذا الباب، ولذلك تكون في الضبط من حيث التحصيل لا من حيث الإيجاد؛ لأنه إذا لم يوجد هذا قليل، قليل جداً أنه لم يسمع مصدر، فحينئذٍ يكون من قبيل الضبط فحسب، يعني: كأنه قاعدة يلتمسها طالب العلم ويعرف أن هذه أكثر المصادر لفعَل المعدى يكون على وزن فعْلٍ، فإذا التبس عليه مؤقتاً فقط يقيسه على هذا الوزن، فيقول: الأكثر أن يأتي على وزن فعْل ثم يبحث، فقد يكون مصيباً وقد يكون مخطئاً، متى يكون مخطئاً؟ إذا سمع له مصدر لا على وزن فعْل، فيكون سماعياً لا قياسياً.

ص: 4

إذاً: قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى؛ المراد بالقياس هنا: أنه إذا ورد شيء ولم يعلم كيف تكلموا بمصدره فإنك تقيسه على هذا، لا أنك تقيسه مع وجود السماع لا، ما سُمع من لسان العرب سواءً وافق القياس وهو كونه على وزن فعْل أم لا؛ هو المقدم، ولا قياس مع النص. هكذا يقولون: لا قياس مع النص.

إذا سُمع ولو مخالفاً للقياس عندهم، قاعدة: لو سُمع مخالفاً له قول معتمد فلا تقيس فتقول: هذا وزنه على وزن فعْلٍ، مصدره على وزن فعْلٍ وحينئذٍ يكون له سماعاً ويكون له قياساً، لا، لا قياس مع النص.

إذاً: لا أنك تقيسه مع وجود السماع، قال ذلك سيبويه والأخفش ووافقه أكثر الصرفيين على أن المراد بالقياس هنا عند عدم السماع مطلقاً، سُمع الفعلُ ولا تدري ما هو المصدر، حينئذٍ تقيسه على هذا، وأما إذا سُمع له ولو خالف الأصل حينئذٍ السماع مقدم ولا قياس مع النص.

وذهب الفراء إلى أنه يجوز القياس عليه وإن سُمع غيره، لكن هذا لم يلتفت إليه أكثر الصرفيين.

فَعْلٌ قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى: يعني فعل المعدى، صفة لموصوف محذوف، لأن المعدى هذا يوصف به الفعلُ ولا يوصف به الاسم من حيث هو إلا إذا حمل على الفعل كاسم الفاعل.

مِنْ: قلنا: هذه للتبعيض.

ذِي ثَلَاثََةٍ: هذا عام، وخصصه بقوله: المعدى. عام لأنه يشمل الأبواب الثلاثة بنوعيها: اللازم والمتعدي، لكن لما قال: مصدر المعدى؛ علمنا أن مراده فعَل وفعِل المعدى منهما، وأما فعَل اللازم وفعِل اللازم فهذا سيأتي نصه.

كَـ رَدَّ رَدَّا: ردَّ أصلها: ردَدَ، أدغم الأول في الثاني بعد سلب حركته فقيل: ردَّاً.

إذاً: مِنْ ذِي ثَلَاثََةٍ؛ مطلقاً سواء كان مفتوح العين صحيحاً أو معتلاً، صحيحاً كضربَ على وزن فعلَ وهو متعدي، فتقول: المصدر منه على وزن فَعْلٍ بفتح فسكون، ضَرْب، ضَرْب هذا مصدر على وزن فعْلٍ، وحينئذٍ نقول: هذا جاء على هذا الوزن لماذا؟ لكونه ثلاثياً على وزن فعَلَ معدى، هذا الذي سوغ أن يكون على هذا الوزن. إذاً سواء كان صحيحاً كضربَ أو معتل الفاء كوعد، وعد هذا مثال معتل الفاء، وعدَ على وزن فعَل وهو متعدي، وعد زيدٌ عمْراً، حينئذٍ نقول: المصدر منه -الوعد- على وزن الفعْل، أو معتل العين كباع وقال، باع المصدر منه بيعٌ فعْلٌ، وقال؛ المصدر منه: قولٌ فعْلٌ، إذاً: هو أجوف معتل العين وهو متعدي على وزن فعَل وحينئذٍ جاء المصدر منه على وزن فعْل.

أو معتل اللام كرمى، نقول: رمى يرمي رمياً فعْلاً، هذا معتل اللام. وغزا يغزو غزواً فعْلاً، أو مضاعفاً كالمثال الذي ذكره الناظم.

رَدَّ: أصله ردد على وزن فَعَل.

رَدَّاً: فعْلاً.

أو كان مهموزاً كـ أكل يأكل أكلاً .. مهموزاً، وهذا فاؤه همزة.

إذاً: مفتوح العين مطلقاً سواء كان صحيحاً كضرب، أو معتلاً بأقسامه الثلاثة: المثال والأجوف والناقص، أو مهموزاً كأكل أكلاً، أو كان مكسور العين يعني على وزن فعِل صحيحاً أو معتلاً، صحيحاً مثل فهِمَ على وزن فعِل وهو متعدي، المصدر منه على .. فهِمَ يفهَمُ فهماً فعْلاً.

أو معتل الفاء كوطِئ يطَأ وطأً فعْلاً.

أو معتل العين؛ كخاف يخافُ خوفاً فعْلاً، إذاً: جاء على وزن فعْل.

ص: 5

أو معتل اللام؛ كفنيَ فنياً، فني ليس بمعنى مات، وإنما المراد به: لزم خباءه، فني على وزن فعِل، المصدر منه: فنْياً.

أو مضاعفاً؛ كمسَّ يمسُّ مسَّاً على وزن فعْل.

أو مهموزاً؛ كأمِنَ يأمَن أمناً.

إذاً: المعدى من ذي ثلاثة: فعَل أو فعِل؛ المصدر منه على وزن الفَعْل بفتح الفاء وسكون العين مطلقاً، سواء كان صحيحاً أو معتلاً أو مهموزاً، المعتل بأقسامه الثلاث: المثال والأجوف والناقص.

استثنى بعضهم فعَل المتعدي إن دل على حرفة فمصدره فِعَال كخياط، خاط زيد الثوب خياطةً، وحاك الصنعة حياكةً على وزن فِعَالاً ولا يأتي على وزن الفعْل، هذا مستثنى.

إذاً: فَعْلٌ قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى أي: الفعل المتعدي مِنْ ذِي ثَلاثَةٍ، يعني: من فعل ذِي ثَلاثَةٍ، ذِي بمعنى صاحب، وهو مضاف، وثَلاثَةٍ: مضاف إليه.

كَـ رَدَّ رَدَّا: الكاف هنا تمثيلية ليست على جهة الاستقصاء.

قال الشارح: الفعل الثلاثي المتعدي يجيء مصدره على فعلٍ قياساً مطرداً، والطرد المراد به: أنه كل ما لم يُسمع له مصدر فمصدره على وزن فعْل، هكذا تفسر الطرد، الطرد الملازم في الثبوت، كل فعل لم يسمع له مصدر حينئذٍ قياسه على وزن فعْلٌ، وأما إن سمع فالسماع مقدم، سواء وافق فعلاً أم خالفه.

إذاً: متى نحتاج إلى هذه القاعدة فعْل أنه مصدر لمتعدي الثلاثي؟ نحتاجه إذا مر بك فِعْلٌ وبحثت في اللسان والقاموس والصحاح إلى آخره فلم تجد له مصدراً، وهو متعدي على وزن فعِلَ أو فعَلَ، حينئذٍ تقول: مصدره على وزن فعْلٍ، تولد له مصدر وإن لم يسمع، هذه الفائدة التي نرجوها من معرفة هذه القواعد.

قياساً مطرداً، -طرده ملازمته للثبوت-، نص على ذلك سيبويه في مواضع، فتقول: رَدَّ رَدَّاً وضربَ ضرباً وفهِمَ فهْماً على ما ذكرناه من التفصيل السابق فهو أعم مما ذكره الشارح.

وذهب بعضهم أنه لا ينقاس، وهو غير سديد. يعني: مصادر الثلاثي يكاد يكون اتفاق فيما أذكره: أن مصادر المزيد .. مزيد الثلاثي قياسياً محل وفاق، والثلاثي هذا محل نزاع، وكأني بابن الحاجب في الشافية اختار أنه لا ينقاس، كله ليس من باب قياسي وإنما هو سماعي، هذا الذي أظنه.

وزعم بعضهم أنه لا ينقاس وهو غير سديد، والصواب أنه قياسي، لكثرة الاستثناءات من هذه القاعدة قيل: هذا لا يمكن أن يكون مطرداً، الطرد إنما يجمع أكثر الأفراد، هذا الذي يصلح أن يكون قاعدة وأن يكون ضابطاً، وأما إذا كان ما يخرج بقدر ما دخل هذا لا يكون قاعدة، حينئذٍ قالوا: هذا لا ينقاس، يعني ليس قياسي بل كله سماعي، لكن مذهب سيبويه وهو الظاهر أنه قياسي، فما وافق القياس لا إشكال فيه، وما خالف فهو سماعي.

وَفَعِلَ اللَاّزِمُ بَابُهُ فَعَلْ

كَفَرَحٍ وَكَجَوًى وَكَشَلَلْ

هذا بيَّن ما أخرجه بقوله: مَصْدَرِ المُعَدَّى، عرفنا المتعدي أنه يأتي على وزن فعْل، ثم فعِلَ اللازم وفعَلَ اللازم لا يجتمعان في مصدر واحد، كما اجتمع المتعديان منهما في مصدر واحد، فعَل وفعِل المتعديان جمعهما مصدر واحد وهو الفَعَل، وأما اللازمان فلا، فانفك فعِل عن فعَل.

وَفَعِلَ: هذا مبتدأ.

اللَاّزِمُ: نعت .. صفة له.

ص: 6

بَابُهُ فَعَلْ: هذه جملة. بَابُهُ: مبتدأ، وفَعَلْ: بفتحتين .. فتح الفاء والعين خبر المبتدأ الثاني بَابُهُ، والجملة خبر المبتدأ الأول. هذا الظاهر.

وَفَعِلَ اللَاّزِمُ بَابُهُ: أي: قياس مصدره، بَابُهُ المراد بالباب يعبرون به عن القياس، أي: قياس مصدره موازن فَعَل بفتحتين، يعني: بفتح الفاء والعين، أو بابه يعني: قاعدة مصدره موازن فَعَل قياساً مطلقاً، سواء كان فعِل اللازم صحيحاً أو معتلاً بأقسامه الثلاثة؛ لأنه قال: كفرحٍ، هذا مثال لما كان على وزن فعِل وهو لازم، فرِح فرَحاً، فرِح زيدٌ: هذا لازم وهو على وزن فعِل، فَرَحاً: بفتحتين نقول: هذا مصدره، وهو صحيح.

أو معتل: كوجِع، على وزن فعِل، وجِع زيد مرض، وجعاً.

وَكَجَوًى: جَوِيَ جوًى؛ هذا معتل العين. وجِعَ: معتل الفاء. عوِرَ: معتل العين. عَمِيَ: معتل اللام.

إذاً: سواء كان صحيحاً أو معتلاً بأقسامه الثلاثة. ما كان على وزن فعِلَ اللازم يأتي المصدر منه على الفَعَل بفتح الفاء والعين، ويستثنى من ذلك ما دل على لون وكان على وزن فعِلَ اللازم لا يكون على وزن الفَعَل بفتح الفاء والعين؛ فإن الغالب على مصدره الفُعْلة، فُعْلةٌ مثل: حُمْرة وصُفْرة، وسَمِر سُمْرة وشهِبَ شُهبةً. وخضرة وحمرة وصفرة، وإلا .. كذلك يستثنى إن دل على معنىً ثابت فإن مصدره يكون على فُعُولة كاليبوسة، يبسَ يُبوسةً على وزن فُعُولة.

إذن: هذا شيء ثابت راسخ.

وإلا إن كان علاجاً ووصفه على زنة فاعل، يعني: إن دل فعِل اللازم على علاج واسم الفاعل منه يأتي على زنة فاعل فمصدره حينئذٍ على الفُعُول، نحو: قدِمَ من سفره قدوماً، لا تقل: قدَماً على وزن فَعَل، إنما قُدوماً، انظر الاستثناء؛ هذا الذي جعل ابن الحاجب وغيره يرون أنه سماعي وليس قياسي .. لكثرة الاستثناءات.

إذن: إلا إن دل على لون، وحينئذٍ المصدر يكون على وزن فُعْلة، وإلا إن دل على معنىً ثابت فمصدره على الفُعُولة كاليبوسة، وإلا إن دل على علاج ووصفه على زنة فاعل، إن دل على علاج وليس وصفه على زنة فاعل لا، فحكمه حكم الأصل .. قياسي، حينئذٍ يكون على الفعول: قدم من سفره قدوماً، وصعد في الجبل صعوداً، ولصق به لصوقاً.

إذن: الأصل في باب فَعِلَ اللازم أن يكون مصدره على الفَعَلِ إلا إن كان دالاً على لون أو معنىً ثابت راسخ أو علاج والوصف منه على وزن فاعل.

كَفَرَحٍ وَكَجَوًى وَكَشَلَلْ.

شَلَلَ: هذا فكه، الأصل: شَلَّ .. شَلَّت يده، هكذا ولا تقل: شُلَّت. شَلَّت يده شَلَلاً، شللاً: هذا مصدر لشَلَّت، هكذا سمع لم يسمع له: شُلَّت.

شَلَّت يده والأصل: شَلِلَ، أريد إدغام الأول في الثاني وهما مثلان ولا يتحقق إلا بإسكان الأول، أُسقطت حركة العين شَلِلَ صار: شلَّ.

كَفَرَحٍ: هذا مصدر فرِح.

وَجَوًى: مصدر جَوِيَ، وهو الحرقة وشدة الوجَد من عشق أو حزن.

وشَلَلَ: هذا مصدر شلَّ، شَلَّت يده شللاً، وأشِر أشَراً.

يجيء مصدر فعِل اللازم على فعَلٍ قياساً كفرِح فرَحاً وجوِيَ جوىً وشلت يده شللاً.

وَفَعَلَ اللَاّزِمُ مِثْلَ قَعَدَا

لَهُ فُعُولٌ بِاطِّرَادٍ كَغَدَا

مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَوجِباً فِعَالَا

أَوْ فَعَلَاناً فَادْرِ أَوْ فُعَالَا

ص: 7

فَأَوَّلٌ لِذِي امْتِنَاعٍ كَأَبَى

وَالثَّانِ لِلَّذِي اقْتَضَى تَقَلُّبَا

لِلدَّا فُعَالٌ أَوْ لِصَوتٍ وَشَمَلْ

سَيْراً وَصَوْتاً الْفَعِيلُ كَصَهَلْ

شَمَلْ: بالفتح، يجوز الكسر لكن لا في الوزن.

وَفَعَلَ اللَاّزِمُ: إذاً عرفنا فعِل اللازم أنه يأتي على الفَعَل، وأما فَعَل اللازم .. فَعَلَ: هذا مبتدأ، واللَاّزِمُ: نعته.

مِثْلَ: بالنصب، فَعَلَ اللازم، لازم على وزن فاعل، إذاً: فيه ضمير مستتر، اللازم .. لازم، إذاً فيه ضمير مستتر.

مِثْلَ: هذا بالنصب حال من هذا الضمير الذي هو فاعِلٌ.

وَفَعَلَ اللَاّزِمُ مِثْلَ قَعَدَا.

قَعَدَا: الألف للإطلاق.

لَهُ فُعُولٌ: فعولٌ له، لَهُ: هذا خبر مقدم، وفُعُولٌ: مبتدأ مؤخر.

لَهُ فُعُولٌ بِاطِّرَادٍ: مطرد، يكون مطرداً لكن بشرط ألا يكون واحداً من الأوزان الأربعة التي استثناها الناظم في قوله: مَا لَمْ يَكُنْ.

كَغَدَا: هذا معطوف على قَعَدَا، على إسقاط حرف العطف، لا بد أن تقول هكذا: أنه على إسقاط حرف العطف؛ لئلا يمثل بمثالين، وإن كان لا مانع أن يمثل بمثالين؛ لأنه قال: مثل قعد كغدا، كأنه مثل بمثال واحد مكرر في الشطر الأول وفي الشطر الثاني حينئذٍ نجعله على إسقاط حرف العطف كغَدا، وأشار بتعدد المثال أنه لا فرق بين الصحيح والمعتل، قعد قعوداً، غَدا غُدُواً، إذاً: الأول صحيح والثاني معتل.

إذاً: لا فرق بين الصحيح والمعتل، ولكن الكثير في معتل العين ولذلك مثل بمعتل اللام، الكثير في معتل العين: الفَعْلُ أو الفِعَالَة أو الفِعَالَ، هذا أو ذا أو ذاك. إما الفَعْل وحينئذٍ وافق المتعدي، إما الفَعْل أو الفِعَالَة أو الفِعَالَ، صام صوماً، صام زيد: هذا على وزن فَعَلَ صَوَمَ وهو لازم، صام زيدٌ صوماً، صوماً فعْلاً؛ الأصل أنه يأتي من المتعدي، لكنه جاء هنا في اللازم، إذاً: غير منضبط، هكذا قال من حكم بأنه سماعي.

صام صوماً صياماً فِعَالاً؛ جاء على وزن فِعال كذلك، وقام قياماً وناح نياحاً، وقل الفُعُول كغابت الشمس غُيُوباً، بخلاف معتل الفاء كوصل أو اللام كغدا، والمضاعف كمرَّ مُروراً فإنه يكون على وزن فُعُول بكثرة.

وَفَعَلَ اللَاّزِمُ مِثْلَ قَعَدَا: قعوداً وجلسَ جلوساً.

لَهُ فُعُولٌ: يعني وزنه فعول.

بِاطّرَادٍ: هذا حال كذلك من الضمير المستكن في الخبر.

لَهُ: كائن له حال كونه باطراد، إذاً: متعلق بمحذوف حال من الضمير المستكن في الظرف.

كَغَدَا: يعني وكغدا، الكاف هنا للتشبيه. غدا غدواً وبَكَر بُكُوراً وسَما سُمُواً.

مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَوجِباً: هذا استثناء، يعني: ما كان على وزن فَعَلَ اللازم يكون على وزن الفُعُول، إلا إن كان واحداً مما يدل على معنىً خاص يقتضي أن يكون على وزن خاص غير الفُعُول.

مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَوجِباً فِعَالَا: هذا أول.

أَوْ فَعَلَاناً: هذا ثانياً.

أَوْ فُعَالاً: هذا الثالث.

وَشَمَلْ سَيْراً وَصَوْتاً الْفَعِيلُ: هذا رابع، وهذه لها معان تقتضيها، إن كان فَعَل اللازم غير واحد من هذه الأربعة فحينئذٍ مصدره يأتي على الفُعُول، فإن كان واحداً من هذه الأربعة خرج عن ذاك الأصل وانتقل إلى أصل آخر.

ص: 8

مَا لَمْ يَكُنْ: مَا: هذه ظرفية مصدرية .. مدة عدم كون فَعَلَ اللازم مستوجباً، يعني: مستحقاً فِعَالاً، فِعَالاً: هذا مفعول لـ مُسْتَوجِباً.

مَا لَمْ يَكُنْ: يكن كان الناقصة، واسمها ضمير مستتر يعود على فَعَل اللازم.

مُسْتَوجِباً: هذا خبرها.

وفِعَالاً: هذا مفعول لمستوجب، وهو اسم فاعل .. أو جاء مسنداً أو مسنداً، أو جاء صفة أو مسنداً، هنا جاء مسنداً كيف؟ خبر يكون، فعمل فيما بعده.

إذاً: فِعَالاً؛ نقول: هذا مفعول به لقوله: مستوجباً، يعني: مستحقاً، مستحقاً ماذا؟ مستوجباً يعني مستحقاً فعالاً أن يكون على وزن فِعَال.

أَوْ: هذه للتنويع، أن يكون مستوجباً فَعَلَاناً بفتح الفاء والعين والألف.

فَادْرِ: فاعلم، جملة معترضة.

أَوْ: هذه للتنويع، أن يكون مستحقاً فُعَالاً، ومتى يكون مستحقاً لفِعَالَا أو فَعَلَاناً أو فُعَالا؟

قال: فَأَوَّلٌ: الفاء هذه فاء الفصيحة، أفصحت عن جواب شرط المقدر.

فَأَوَّلٌ من هذه الأربعة، أو إن شئت قل: الثلاثة التي ذكرها في البيت السابق؛ لأنه ذكر ثلاثة أوزان في البيت الأول:

مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَوجِباً فِعَالَا أَوْ فَعَلَاناً أَوْ فُعَالَا.

فَأَوَّلٌ منها وهو فِعَالَا. فأول من هذه الأربعة فِعَال بكسر الفاء.

لِذِي امْتِنَاعٍ: يعني مقيس فيما دل على امتناع.

لِذِي امْتِنَاعٍ: أي لصاحب فعلٍ ذي امتناع، فهو على حذف مضاف.

كَأَبَى: يعني وذلك كأبى، أبى إباءً، أبى على وزن فَعَل، أبى زيدٌ، ليس أبا زيدٌ يعني أبو زيداً لا، أبى زيدٌ، أبى زيدٌ يعني: امتنع زيدٌ، أبى أصله: أَبَيَ على وزن فَعَل، قد يقول قائل: كيف أبى على وزن فَعَل؟ نقول: أصله أَبَيَ بالياء، أَبَيَ تحركت الياء وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، وقيل: أبى مثل فتى فَتَيَ.

أبى زيدٌ، إذاً: أبى إباءً على وزن فِعَال، وأبى هنا المراد به اللازم، وهو الذي بمعنى امتنع لا المتعدي؛ لأنه قد يأتي متعدي بمعنى كره لأن الكلام في اللازم، وإن جاء مصدر المتعدي أيضاً على فِعَال كما في القاموس، والمراد هنا أبى اللازم الذي بمعنى امتنع لا بمعنى كره، وكره هذا متعدي، وجاء مصدره كذلك على فِعال، يعني: وافق اللازم، المتعدي وافق اللازم.

فَأَوَّلٌ لِذِي امْتِنَاعٍ كَأَبَى: يعني فالذي استحق أن يكون مصدره على فِعَال هو كل فعل دل على امتناع كأبى إباءً ونَفَر نِفاراً وشَرد شِراداً وأبقَ إِباقاً وجمحَ جِماحاً وفرَّ فِراراً، حينئذٍ نقول: هذه كلها هي في الأصل على وزن فَعَل وهو لازم، الأصل فيه أن يأتي على وزن الفُعُول كالقعود، لكن نقول: يستثنى ما دل على امتناع، لما دلت على امتناع لأن شرد امتنع وفر امتنع وأبى امتنع؛ فحينئذٍ نقول: خرجت عن الأصل فالأصل فيه أن يكون على وزن فِعَال.

وَالثَّانِ: الثانِ مبتدأ حذفت الياء استغناء بالكسرة دليلاً عليها.

وَالثَّانِ منها .. من هذه الثلاثة وهو: فَعَلَان على وزن غَلَيَان.

وَالثَّانِ منها وهو فعلان، قلنا الثاني: مبتدأ.

لِلَّذِي: هذا متعلق بمحذوف خبر، لِلَّذِي: يعني لفعلٍ اقْتَضَى تَقَلُّبَاً، لفعلٍ اقتضى، اقتضى هذه صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

ص: 9

تَقَلُّبَاً: هذا مفعول باقتضى، يعني: دل على تقلب وحركة واضطراب، فكل فعل كان على وزن فَعَل اللازم وهو دال على التقلب والحركة والاضطراب فحينئذٍ قياس مصدره باطراد يكون على وزن فَعَلان. أي دل على تقلب وهو تحرك مخصوص لا مطلق التحرك، فلا انتقاض بنحو: قام قياماً؛ لأنه قد يقال: قام هذه حركة، لا ليس المراد أي حركة، جلسَ هذه حركة، حينئذٍ نقول: ليس مطلق الحركة، إنما حركة مخصوصة فيها نوع اضطراب مثل غليان، حينئذٍ فرق بين الحركتين، حركة لا اضطراب فيها هذا كله حدث، نام لم يكن نائماً ثم نام، إذاً: هذا فيه حركة، قام قياماً صام صياماً، نقول: هذا كله فيه نوع حركة، لكن ليس المراد هنا مطلق الحركة، وإنما المراد: تحرك مخصوص.

إذن: الذي استحق أن يكون مصدره على فعلان هو كل فعل دل على تقلب واضطراب، نحو: طاف طوفاناً، وجال جولاناً، ونزى نزواناً، وغلت القدر غلياناً، ولمع لمعاناً، كلها على وزن فَعَلان مع كونها الفعل منها على وزن فعَلَ اللازم، خرج عن ذلك الأصل.

مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَوجِباً فَعْلَاناً متى؟ إذا دل على تقلب واضطراب وحركة، فإن كان كذلك فوزنه على وزن فعلاناً.

لِلدَّا فُعَالٌ: هذا الثالث. فُعَالٌ: هذا مبتدأ. للداء.

أَوْ لِصَوتٍ: أَوْ أكثر النسخ بـ (أو)، والملوي يغلطها يقول: الصواب بالواو، لكن أكثر الشراح على أنها بـ (أو) وحينئذٍ نحمل (أو) على معنى الواو؛ لأن (أو) في الأصل للتخيير، هذا أو ذاك، إما هذا أو ذاك، والأمر ليس كذلك، بل هي لهذا وذاك، يعني: للداء .. للمرض وللصوت، حينئذٍ نقول:(أو) بمعنى الواو ما دام أن أكثر النسخ على هذه، أكثر النسخ على أنها بـ (أو) حينئذٍ نقول: لِلدَّا فُعَالٌ أَوْ لِصَوتٍ، نقول: فُعَالٌ ما كان على وزن فُعَال.

لِلدَّاءِ: يعني للمرض وللصوت.

لِلدَّا: هذا بالقصر قصره للضرورة، يعني: للداءِ فُعال، لِلدَّا: هذا خبر مقدم، وفُعَالٌ: مبتدأ.

أَوْ لِصَوتٍ: هذا معطوف على قوله: لِلدَّا، لذلك أعاد الخافض .. أَوْ لِصَوتٍ.

إذاً: ما كان على وزن فُعَال إنما يكون لفعلٍ دل على مرضٍ أو دل على صوتٍ.

إذاً: الذي يستحق أن يكون مصدره على فُعال هو كل فعل دل على داءٍ أو صوتٍ، سَعلَ سُعالاً؛ هذا صوت أو مرض؟ سعل سعالاً هذا مرض، وزُكِمَ زُكاماً، نحن نقول: من باب فَعَلَ، كيف يمثل ابن عقيل وغيره من الصرفيين بزُكِمَ؟ تقديراً، إذاً: زُكِم باعتبار أصله المقدر في الذهن زكاماً، هكذا. أما زُكِمَ لا يأتي منه؛ لأنه هو فرع، قلنا: فُعِل فرع وليس بأصل، وهنا المصادر إنما تحمل على أصولها: فعَل فعِل فعُل، لذلك لا نقول: ضُرِبَ ضرباً مصدره، لا. نقول: ضُربَ مصدره ضرباً، لا نقول: ضُرب، أما زُكِم لم يسمع إلا فُعِل حينئذٍ لا نقول: زَكَمَ، ليس عندنا في اللغة زَكَمَ، وإنما مقدراً زَكَم في الذهن كأنه هو الأصل، هكذا يقولون.

ومشى بطنه مُشاءً على وزن فُعْال.

ومثال الثاني الذي هو الصوت: نَعب الغراب نُعاباً، ونَعق الراعي نُعاقاً، ورغى البعير رُغاءً، وأزَّت القدر أُزازاً .. سمع فيه أُزَازاً وأَزِيزاً، وهذا هو المراد بقوله: لِلدَّا فُعَالٌ أَوْ لِصَوتٍ.

إذن:

ص: 10

لِلدَّا فُعَالٌ أَوْ لِصَوتٍ وَشَمَلْ

سَيْراً وَصَوْتاً الْفَعِيلُ ......

وَشَمَلْ شمِل يشمَل من باب علِم يعلَم، وشمَل يشمُل من باب نَصر يَنصُر وهي أفصح، ويجوز الوجهان لكن هنا من أجل قوله: كَصَهَلْ، لا بد أن نحمله على شَمل لأجل التوافق.

وَشَمَلْ: يعني عَمَّ.

الْفَعِيلُ: الشمول بمعنى العموم، شَمَل عمَّ، شمل الفعيل، شمل فعل ماضي، والفعيل فاعله.

سَيْراً: هذا مفعول.

وَصَوْتاً: معطوف عليه.

إذاً: الفعيل لنوعين: لما دل على سير كرحلَ رحيلاً، ورسمَ رسيماً، أو صوتاً كصهل صهيلاً، الذي ذكره الناظم.

إذاً: قوله: لِلدَّا فُعَالٌ أَوْ لِصَوتٍ؛ الصوت يأتي على وزن فُعَال.

وشمل الفعيل صوتاً، إذاً: الصوت له وزنان وهما: فُعَال وفعِيل، وأما الداء ليس له إلا فُعَال.

لِلدَّا فُعَالٌ أَوْ لِصَوتٍ وَشَمَلْ الفعيل سَيْراً وَصَوْتاً كَصَهَلْ، كصهل صهيلاً، ونهقَ نهيقاً.

قوله: أَوْ لِصَوتٍ مع قوله: وَشَمَلْ سَيْراً وَصَوْتاً الْفَعِيلُ؛ يفيد أن ما دل على الصوت ينقاس فيه كل من الفُعَال والفعِيل، فإذا ورد الفعل دالاً على صوت كان كل منهما مصدراً قياسياً له، إذا جاء الفعل دالاً على صوت كان كل منهما .. من الوزنين فُعال وفعَِيل مصدراً قياسياً له، وإن ورد أحدهما حينئذٍ اقتُصر على واحد منهما، يعني: إذا سُمع واحد منهما -كما سيأتي- ولم يسمع الآخر؛ حينئذٍ نقول: لا يلزم أن نقيس الثاني، وإنما نكتفي بواحد، يعني: قد يرد لفظ دال على صوت ويسمع فيه الوزنان: فُعَال وفعِيل معاً، فحينئذٍ هذا بركة زيادة خير، جاء على الاثنين.

إن سُمع فيه واحد منهما اكتفينا به ولا نقيس، إن لم يُسمع أنت مخير، قسه على فُعال أو قسه على فعِيل، إن شئت الأول وإن شئت الثاني. وإن ورد أحدهما اقتُصر عليه على ما ذهب إليه سيبويه والأخفش: أنه لا ينقاس إلا عند عدم السماع، خلاف الفراء.

وإن لم يرد واحد منهما كنت مخيراً في مصدره بينهما، فأيهما نطقت به جاز، ائت بهذا أو بذاك، ولذلك نقول: قد يجتمع فعِيل وفُعال مصدرين لفعل دال على صوت، نحو: نَعَب الغرابُ نَعِيباً ونُعاباً؛ اجتمعا. نَعَبَ الغرابُ نَعيباً ونُعاباً، نَعِيباً على وزن فعِيل ونُعاباً على وزن فُعال، ونعق الراعي نَعيقاً ونُعاقاً، وأَزَّت القدر أَزيزاً وأُزازاً، سُمع فيه النوعين، وهذا صوت.

وقد ينفرد فعيل نحو: صهيل، صهيل فقط ليس هناك صُهال، إنما سمع صهيل على وزن فعيل، هل نقيس؟ نقول له: صهيل وهو مسموع وصهال وهو مقيس؟ لا، على مذهب سيبويه لا، وعلى مذهب الفراء نعم يجوز، فنقول: صهال هذا قياس لصهيل، مرادف له.

وقد ينفرد فُعَال نحو: بَغَم الضبي بُغَاماً فُعَال، لم يسمع بَغِيم فعيل، ما سمع. وعلى مذهب سيبويه والجمهور لا يقاس، وعلى مذهب الفراء نعم.

ويستثنى منه ما دل على حرفة أو ولاية؛ فإن الغالب في مصدره فِعالاً، نحو: تَجَر تِجارة، وخاط خِياطة، وسَفَر سِفَارة، وأمر إمارة، وذكر ابن عصفور أنه مقيس في الولايات والصنائع.

ص: 11

إذاً: ما كان على وزن فَعَل وهو لازم فالأصل فيه أن يكون على وزن الفُعُول كقعد قعوداً وجلس جلوساً، إلا إن كان واحداً من هذه الأوزان الأربعة، والمراد بالأوزان الأربعة بالنظر إلى أفعالها، يعني: الفعل الذي دل على امتناع وهو على وزن فَعَل اللازم لا يأتي على الفُعُول وإنما يأتي على الفِعَال، والذي اقتضى تقلباً وهو فَعَل لازم نقول: لا يأتي على الفعول بل يأتي على فَعَلان، والذي دل على مرض أو صوت لا يأتي على الفُعُول وإن كان على وزن فَعَل وهو لازم، وإنما يأتي على وزن فُعَالَ.

وإذا كان دالاً على صوت أو سير حينئذٍ نقول: لا يأتي على فُعُول، وإنما يأتي على الفعِيل، ولذلك قال: وَشَمَلْ عمَّ سَيْراً وَصَوْتاً الْفَعِيلُ كَصَهَلْ، وأشار بقوله: وَشَمَلْ سَيْراً وَصَوْتاً الْفَعِيلُ؛ إلى أن فعيلاً يأتي مصدراً لما دل على سير، يعني: مصدر مطرد في فَعَل اللازم الدال على السير، ولما دل على صوت، فالأول ذَمَل ذمِيلاً ورحَل رحِيلاً ورسَم رسِيماً، كلها أنواع للسير.

ومثال الثاني: نَعَب نعِيباً، ونعَق نعِيقاً، وأزت القدر أزيزاً، وصهلت الخيل صهيلاً.

إذن: هذا ما يتعلق بفعل اللازم.

فُعُولَةٌ فَعَالَةٌ لِفَعُلَا

كَسَهُلَ الأَمْرُ وَزَيْدٌ جَزُلَا

هذا النوع الثالث. إذن: عرفنا باب فَعَل بنوعيه المتعدي واللازم، وفَعِل بنوعيه المتعدي واللازم.

إذن فَعَل المتعدي وزن مصدره فَعَل.

وفعل اللازم وزن مصدره الفُعُول، إلا إن كان واحداً من الأربعة.

وفعِل المتعدي وزن مصدره الفَعْل.

وفعِل اللازم وزن مصدره الفَعَل بفتحتين.

فُعُولَةٌ فَعَالَةٌ لِفَعُلَا: هذا النوع الثالث ما كان على وزن فَعُلَ كظرُف وشرُف، ما مصدره؟ قال: فُعُولَةٌ: هذا مبتدأ.

فَعَالَةٌ: هذا معطوف عليه بإسقاط حرف العطف، يعني: فعولةٌ وفعالةٌ.

لِفَعُلَا: هذا خبر والألف للإطلاق.

كَسَهُلَ الأَمْرُ: كقولك: سهل الأمر سُهولةٌ، وصعب الأمر صُعوبةٌ.

وَزَيْدٌ جَزُلَا: أي: عظم .. جزالة، وفصُح فصَاحةً، وبلُغ بلاغةً. فهذه كلها على وزن فَعُل ويأتي منها المصدر على فُعُولةٍ وفَعَالة، أي: كل منهما مصدر قياسي لفَعُل، فإذا وردا معاً فذاك، إذا وردا معاً لفعل وهو على وزن فَعُل حينئذٍ نقول: فذاك، أو أحدهما اقتُصر عليه، أو لم يرد واحد منهما خير بينهما كالكلام السابق، يعني: إذا سمعا معاً نقول: هذا زيادة خير. إن سمع أحدهما حينئذٍ اكتفينا بالمسموع ولا نقيس الآخر. إن لم سمع لا ذا ولا ذاك حينئذٍ أنت مخير، ائت به على هذا الوزن أو ذاك الوزن.

إذا كان الفعل على فَعُل ولا يكون إلا لازماً -كما ذكرناه سابقاً- يكون مصدره على فُعُولةٍ أو على فَعَالةٍ، سهل سهولةً، وصعب صعوبةً، وعذُب عذُوبةً. ومثال الثاني: جَزُل جزَالةً يعني: عظم. وفصُح فصاحةً وبلاغةً وصراحةً، وضخُم ضخامةً، هذا إذا سمع كل منهما.

وَمَا أَتَى مُخَالِفَاً لِمَا مَضَى

فَبَابُهُ النَّقْلُ كَسُخْطٍ وَرِضَى

ص: 12

علمنا أن مراد الناظم بهذه الأبيات السابقة: أنه يرى القياس، ولا يرى أن مصادر الثلاثي المجرد سماعية؛ لأنه قال: وَمَا أَتَى، يعني: وما أتاك من المصادر للثلاثي المجرد فعَل بنوعيه وفعِل بنوعيه وفعُل، ما جاء مخالفاً لما سبق فبابه النقل .. طريقه النقل عن العرب لا القياس، مثل ماذا؟ سُخْطِ، سَخِطَ زيدٌ، سَخِطَ زيدٌ هذا فعِل لازم يكون على وزن الفعَل سَخَط هذا الأصل، لكنه سمع سُخْط، هذا لم يوافق القياس، هو سُمع سَخَط وسُمع سُخْط وحينئذٍ نقول: سُخْط هذا مخالف للقياس، فبابه النقل يعني: السماع عن العرب.

وَرِضَى: رضي زيدٌ، الأصل رضَيَ، رضى مثل جوى، وحينئذٍ نقول: هذا بابه القياس.

إذاً: وَمَا أَتَى مُخَالِفاً

مَا: مبتدأ شرطية.

أَتَى: من مصادر أبنية الثلاثي.

مُخَالِفاً: حال كونه مخالفاً.

لِمَا مَضَى وقُرَّرَ وقُعِّدَ من الأصول السابقة؛ فَبَابُهُ الفاء واقعة في جواب الشرط، بَابُهُ النَّقْلُ: مبتدأ وخبر، والجملة في محل جزم جواب الشرط.

فَبَابُهُ النَّقْلُ: يعني طريقه النقل عن العرب لا القياس.

كَسُخْطٍ وَرِضَى: كقولهم في فعَل المتعدي: جَحده جُحوداً، جَحَدَ جَحْداً سُمع جَحْداً لكنه سُمع: جُحوداً فُعُول، فُعُول ليس لفعَلَ المتعدي وإنما هو لفعَلَ اللازم، نقول: هذا بابه النقل.

كقولهم يعني: العرب في فعَل المتعدي جحده جُحوداً وشكره شُكوراً وشُكراناً، وقالوا: جَحْداً على القياس، وفي فعَل القاصر يعني اللازم: مات موتاً، القياس ما هو؟ فَعَل القاصر اللازم، فَعَل بالفتح، قياس مصدره الفعول، قالوا ماذا؟ مات موتاً، مات زيدٌ مَوَتَ زيدٌ، الأصل أن يكون على وزن الفُعول لكن ما سُمع، سُمع على وزن فعَل. إذاً: جاء بالمتعدي. ومات موتاً، وفاز فوزاً، وحكم حكماً، وشاخ شيخوخةً، ونم نميمةً، وذهب ذَهاباً.

وفي فعِل القاصر .. اللازم رغب رُغوبةً، ورضي رضى وبخل بخلاً وسخط سخطاً، وأما البَخَل والسَخَط فعلى القياس.

وفي فَعُل حسُن حُسناً والأصل أن يكون على فُعُولةٍ وفعَالة، لكن سمع فيه حُسْناً نقول: هذا بابه النقل.

وقبُح قُبحاً، إذاً بابه النقل.

إذاً: القواعد السابقة هي الأصول وهي القياس، فما سُمع من لسان العرب حينئذٍ نكتفي به.

ولا يقاس، فلا نقول: سُمع حُكْماً والأصل: حَكْماً، حكم زيدٌ كذا، حينئذٍ نقول: الأصل أن يأتي على وزن الفَعْل مثلاً، فإذا سمع خلاف الأصل لا نقيس الأصل، بناءً على أن القياس في هذا الباب إنما يكون عند عدم سماع مصدر البتة، فإن سمع ما هو مخالف للقياس اكتفينا به ولا نقيس، وإنما القياس يكون عند عدم سماع مصدر مطلقاً.

هذا ما يتعلق بالثلاثي المجرد.

وأما الثلاثي المزيد فأشار إليه بقوله:

وَغَيْرُ ذِي ثَلَاثَةٍ مَقِيسُ

مَصْدَرِهِ كَقُدَّسَ التَّقْدِيسُ

مَصْدَرُهُ .. مَصْدَرِهِ هذا يجوز فيه الوجهان.

ص: 13

الثلاثي المزيد يعني: ما زاد على الثلاثي المجرد إما أن يزيد عليه بحرف أو بحرفين أو ثلاثة ولا رابع لها، إما بحرف واحد وإما بحرفين وإما بثلاثة أحرف، ما زاد على الثلاثي بحرف واحد هذا يأتي على ثلاثة أوزان: أفعَلَ وفاعَلَ وفعَّل، أفَعَل كأكرم، وفاعَلَ كقاتل، وفعَّل كقدَّس الذي ذكره الناظم، خرَّج. هذا زيد عليه بحرف واحد، أكرَم أصله كرُم، خرج أخرج، زيدت عليه الهمزة حرف واحد.

وفاعل قاتل، ضارب، شارك؛ زيدت فيه الألف فحسب، فهو ثلاثي مزيد بحرف واحد.

وفعَّل بتضعيف العين، خرَّج وكرَّم وكلَّم وسلَّم .. إلى آخره.

إذاً: هذه الثلاثة الأوزان تكون في الثلاثي المزيد بحرف واحد.

النوع الثاني: المزيد الذي زيد فيه حرفان، هذا يأتي على خمسة أوزان:

الأول: انفعل، زيدت الهمزة والنون انفعل: كانكسر، انطلق.

الثاني: افتعل؛ كاجتمع.

الثالث: افْعَلَّ، احمَرَّ كُررت اللام مع زيادة الهمزة في أوله، احمرَّ.

الرابع: تفعَّل كتعلم.

الخامس: تفاعل كتباعد. هذه خمسة أوزان للمزيد بحرفين، والذي زيد فيه ثلاثة أحرف وهو أقصى ما يزاد على الثلاثي لأنه لا يكون سباعياً، إذا زدت على الثلاثي ثلاثة أحرف صار سداسياً، ولا يوجد في الأفعال ما هو على سبعة أحرف وإنما هو جائز في الأسماء، جائز في الأسماء ولا يجوز في الأفعال لخفة الاسم وثقل الحرف. هكذا قيل.

والذي فيه زيادة ثلاثة أحرف يأتي على أربعة أوزان: استفعل؛ كاستخرج.

والثاني: افعَوعَل؛ كاغدَودَن، اغدودن الشَّعر إذا طاب.

افعالَّ؛ كاحمارَّ واصفارَّ، هو نفسه احمر فزيدت فيه الألف.

الرابع: افعوَّل كاعلوَّط، يعني: تعلق بعنق البعير إذا ركبه.

إذاً: هذه أربعة أوزان تأتي في المزيد على الثلاثي بثلاثة أحرف.

ومتن البناء متخصص في الأفعال، الذي يريد التوسع في هذه كلها يرجع إلى متن البناء؛ لأنه وضعه لهذه الأشياء، أو يرجع إلى لامية الأفعال، "اسمها لامية الأفعال"، فكل ما يتعلق بالفعل والمصادر فهو موجود هناك. وخلاصة اللامية والبناء موجود في نظم المقصود، وهذا مستوفى في الشرح الذي شرحته سابقاً.

وَغَيْرُ ذِي ثَلَاثَةٍ مَقِيسُ

مَصْدَرِهِ كَقُدَّسَ التَّقْدِيسُ

غَيْرُ ذِي ثَلَاثَةٍ: يعني ذي أحرف ثلاثة، أو ذي فعْلٍ مؤلف من ثلاثة أحرف، ما هو غير الثلاثي المجرد؟ الثلاثي المزيد والرباعي المزيد، عندنا القسمة محصورة: مجرد ومزيد، طيب. مجرد ثلاثي ورباعي، ومزيد .. مزيد الثلاثي ومزيد الرباعي، أربعة أقسام: مزيد ثلاثي، مزيد رباعي، مجرد ثلاثي، مجرد رباعي. هو ذكر في الأبيات السابقة حكم الثلاثي المجرد، ماذا بقي؟ ثلاثة أنواع، سيفرد المجرد الرباعي ببيت ويبقى حكم المزيد من الثلاثي والمزيد من الرباعي، في هذه الأبيات في جملتها ذكر المزيد من الثلاثي ولم يستوفها، ولذلك قيل: أنه قصَّر في هذا الباب.

أما المزيد الرباعي فهذا كثير جداً، والمرجع فيه متن البناء، لا يمكن أن نستوفيه، وإنما نذكر ما ذكره الناظم فحسب.

إذاً: غَيْرُ ذِى ثَلَاثَةٍ مَقِيسُ، غير ذي ثلاثة المراد به في الظاهر هنا: الثلاثي المزيد لا مطلق، لأنه لم يذكر في هذه الأبيات التي سردها هنا حكم الرباعي وإنما سيفرده ببيت سيأتي محله.

ص: 14

وَغَيْرُ ذِى ثَلَاثَةٍ مَقِيسٌ.

قيل: غَيْرُ: مبتدأ، ومَقِيسٌ: هذا خبره، ومصدره هذا قيل: نائب فاعل.

كَقُدِّسَ التَّقْدِيسُ: هذا مثال.

غَيْرُ: مبتدأ، ومَقِيسٌ: خبر، تُرك تنوينه للقافية، ومصدره فاعل، وقيل: نائب فاعل. قيل هكذا.

ويجوز أن يكون مَقِيسٌ خبراً مقدماً ومصدره مبتدأ والجملة خبر المبتدأ، يعني (غير) يكون مبتدأ أول، ومصدره بالرفع أن يكون مبتدأً مؤخراً، ومقيس: خبر المبتدأ المتأخر، والجملة خبر الأول، لأنه ماذا أراد؟ أراد أن يبين لنا أن غير الثلاثي مقيس، كأنه للاتفاق عليه نص عليه، وإلا السابق كذلك الذي ذكره مقيس.

إذاً: ما الفائدة في ذكر هذا البيت على جهة الخصوص بالنص على أن ما عدا الثلاثي مقيس مع الاشتراك في الحكم؟ الاتفاق في الثاني والخلاف في الأول، طيب. إذا كان كذلك أيهما أولى بالتنصيص ما فيه خلاف؟ أو ما عليه الاتفاق؟ ما فيه خلاف، هذا الأولى أن ينص عليه، وأما المتفق عليه لو تركه علمنا حكمه بأنه متفق عليه، حينئذٍ خُرج البيت على هذا، فقيل:

وَغَيْرُ ذِي ثَلَاثَةٍ مَقِيسُ مَصْدَرِهِ: على المذكور هنا يكون غَيْرُ مبتدأ، وهو مضاف، وذِي ثَلَاثَةٍ: مضاف ومضاف إليه، ومَقِيسُ مَصْدَرِهِ: صار خبراً.

كَقُدَّسَ: يكون تابعاً لقوله: مَقِيسُ مَصْدَرِهِ إما حالاً من المضاف وإما حالاً من المضاف إليه، فهو شروع في ذكر المصادر المقيسة في غير الثلاثي.

وَغَيْرُ ذِي ثَلَاثَةٍ: أي وكل فعل غير ذي ثلاثة مَقِيسُ مَصْدَرِهِ كَقُدَّسَ التَّقْدِيسُ.

قُدَّسَ: هذا النوع الأول وأشار به إلى قدَّسَ فعَّل، فعَّل هذا ثلاثي مزيد بحرف واحد، قدَّسَ، ومثله زكَّى وعطفه لكون مصدره مخالفاً للمصدر السابق؛ لأن الأول: قُدِّس التقديسُ تفعيل، والثاني: زكِّه تزكيةً تفعلةً، إذاً: هما مخالفان، مع كون الأول والثاني على وزن فعَّلَ، والفرق بينهما: أن الأول صحيح والثاني معتل.

إذاً نقول: ما كان على وزن فعَّلَ وهو مزيد بحرف إما أن يكون صحيحاً وإما أن يكون معتلاً، فإن كان صحيحاً فمصدره على التفعيل كالتقديس، وهم قد يذكرون المثال مع الوزن، وقد يُذكر الوزن دون المثال.

قُدَّسَ التَّقْدِيسُ كأنه قال: فُعِّل التفعيل.

إذاً: فعَّل إما أن يكون صحيحاً أو معتلاً.

إما أن يكون صحيحاً أو معتلاً، فإن كان صحيحاً فأشار المصنف بقوله: قُدَّسَ التَّقْدِيسُ؛ إلى أن مصدره يكون على وزن التفعيل، هذا هو المشهور، ومنه قوله تعالى:((وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)) [النساء:164] سلموا تسليماً؛ هذا مصدر، هذا نسميه مصدر. سلموا سلاماً اسم مصدر، كلِّموا كلاماً هذا اسم مصدر.

ويأتي أيضاً على وزن فِعَّال وفِعَال بالتشديد والتخفيف، ومنه:((وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا)) [النبأ:28] كذب كِذَّاباً لم يأت على التفعيل، وإنما جاء على فِعَّال.

ويأتي على فِعَال بتخفيف العين، وقد قرئ:(وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَاباً) بتخفيف الذال.

إذاً: إذا كان صحيحاً وهو على وزن فعَّل يأتي على التفعيل. هذا هو المشهور. وفِعِّال بقلة، وفِعَال قيل: شاذ.

ص: 15

وإن كان معتلاً فمصدره كذلك يعني يأتي على التفعيل لكن يدخله الإعلال، وهو أن تقديس تفعيل تحذف الياء، وسبق معنا أن المصدر إذا حذف منه حرف لا بد أن يعوض عنه وإما أن يُنوى .. يُقدر، وحينئذٍ إذا حذف منه نقول: لا بد من التعويض، هنا تحذف الياء من مصدر المعتل، تحذف الياء ويعوض عنها التاء، فقيل: زكَّى تزكيةً تفعِلةً، زكَّىَ تزكِّياً هذا الأصل، زكَّى تزكِّياً، وحينئذٍ نقول: حذفت الياء وعوض عنها التاء فقيل: تفعلةٌ.

وإن كان معتلاً فمصدره كذلك لكن تحذف ياء التفعيل ويعوض عنها التاء فيصير مصدره على تفعلةٍ، نحو: زكَّى تزكيةً، ووصَّى توصيةً، وسمَّى تسميةً، وأدَّى تأديةً، وخلَّى تخليةً، وحلَّى تحليةً، نقول: هذه كلها على وزن تفعلة، مع كونها على وزن فعَّل لأنه معتل اللام.

وندر مجيئه على تفعيل:

بَاتَتْ تُنَزِّي دَلْوَها تَنْزِيَّا -وهذا نادر قليل- كَما تُنَزّي شَهْلَةٌ صَبِيّا

، لكن هذا نقول: محفوظ، شاذ .. سيأتي أنه شاذ، يعني يحفظ ولا يقاس عليه.

وندر مجيئه من الصحيح على وزن تفعلة أيضاً: كجرَّب تجرِبةً، جرَّب الأصل تجريباً، لكن جاء على وزن تفعلةٍ وهو تجرِبةٍ، وكذلك قدَّم تقدِمةً، إذاً: ما كان على وزن فعَّل وهو معلُّ اللام .. ناقص حينئذٍ نقول: هذا يأتي على وزن تفعلةٍ.

واجتمعا في المهموز، يعني: التفعيل والتفعلة اجتمعا في المهموز، ولذلك نقول: التفعلة مصدر واجب في المعلّ، وكثير في المهموز، ونادر وقيل شاذ في الصحيح.

إذاً: تفعلة المصدر هذا النوع .. تفعلة له ثلاثة أحوال: إما أن يكون واجباً، وإما أن يكون كثيراً جائزاً، وإما أن يكون شاذاً. متى يكون شاذاً؟ للصحيح. ومتى يكون واجباً؟ للمعتل. ومتى يكون كثيراً؟ للمهموز. ولذلك قال: وإن كان مهموزاً فمصدره على تفعيلٍ وعلى تفعلةٍ نحو: خطَّأَ تخطِئة وتخطِيئاً، وجزَّأَ تجزيئاً وتجزئةً، ونبأ تنبيئاً وتنبئةً، ووطأ توطئةً، فحينئذٍ نقول: هذا جاء على الوزن، لكن هل صحيح أن الناظم لم يذكره؟ لا، الصواب أنه ذكره، لكن ذكره بالأصل وهو أن الأصل في المهموز أن يكون على وزن التفعيل، تخطيء، هذا الأصل. وأما الثاني فهو كثير فيه، وليس بأصل.

إذاً: قوله: كَقُدَّسَ التَّقْدِيسُ: مراده ما كان على وزن فعَّل وهو صحيح، يأتي المصدر منه على التقديس وهو التفعيل.

وَزَكِّهِ تَزْكِيَةً: هذا كذلك على وزن فعَّل، زكَّه: هذا أمر من زكى، ومراده به الماضي ليس الأمر، وإنما أشار به إلى الماضي؛ لأنهم إذا أرادوا المصدر أتوا بالماضي، زكَّى يزكَّي تزكيةً، وما الذي ادخل فعل الأمر هنا؟ نقول: للإشارة، يعني: قصر به النظم أن يأتي بالماضي فأتى بفعل الأمر.

وَزَكِّهِ تَزْكِيَةً: تفعلة، تزكية على وزن تفعلة، وهو فعَّل لكنه معتل اللام، ودخل في قوله:(قُدَّسَ التَّقْدِيسُ) المهموز في أحد نوعي مصدره، ولا إشكال في هذا.

وَأَجْمِلَا إِجْمَالَ مَنْ تَجَمُّلاً تَجَمَّلَا.

وَأَجْمِلَا: الألف هذه بدل عن نون التوكيد.

ص: 16

أَجْمِل: هذا فعل أمر، وأشار به إلى أفعَل، إذاً: هو ثلاثي مزيد بحرف مثل: أكرم، أجمل، افعَل: هذا أمر من أجْمَل، إن كان الثلاثي المزيد بحرف على وزن أفعَل فأشار الناظم إلى أنه يأتي على الإفعال، أكرم يكرمُ إكراماً، وأجمل يجملُ إجمالاً، وأخرج يُخرجُ إخراجاً، وهلم جرا. على إفعَال، وأعطى يعطي إعطاءً، وأحسن يحسنُ إحساناً.

إذاً: وَأَجْمِلَا إِجْمَالَ، هذا إِجْمَالاً مفعول مطلق، والمفعول المطلق لا يكون إلا مصدراً.

إذاً: إجمالاً بإعرابه نعرف أنه هو المصدر لـ أَجْمِلَا.

َأَجْمِلَا الذي هو أمر من أجَمَلَ يأتي المصدر منه على الإجمال، وأراد به ما كان على وزن أفعَل يكون المصدر منه على وزن الإفعال.

إِجْمَالَ مَنْ: إِجْمَالَ: مضاف، و (مَنْ) هذا اسم موصول.

مَنْ تَجَمَّلَ تَجَمُّلاً: تفعَّل تفعُّلاً، ما كان على وزن تفعَّل يأتي المصدر منه على وزن تفعُّلاً، تعلَّم تعلُّماً، وتكلَّم تكلُّماً، وتخرَّج تخرُّجاً، حينئذٍ نقول: ما كان على وزن تفعَّلَ إنما يضم منه الرابع، وبهذا هو داخل في قوله: وضُمَّ مَا يَرْبَعُ فِي أَمْثَالِ قَدْ تَلَمْلَمَا، فيكون من باب ذكر الخاص قبل العام؛ لأنه سيأتي يقول: تَلَمْلَمَا، ضُمَّ مَا يَرْبَعُ فِي أَمْثَالِ قَدْ تَلَمْلَمَا، فهو داخل فيه.

إِجْمَالَ مَنْ تَجَمُّلاً: هذا المصدر.

تَجَمَّلَا: هذا فعل ماضي، والألف فيه للإطلاق. ذكره هنا مع كونه داخلاً في قوله: وضُمَّ إلى آخره من ذكر الخاص قبل العام.

وتَجَمَّلَا: نقول: هذا فعل ماضي، ومصدره يأتي على تفعُّل، وهنا قدم المصدر على فعله، والأصل: من تجمَّلَ تجمُّلاً، هذا الأصل.

وَاسْتَعِذْ اسْتِعَاذَةً ثُمَّ أَقِمْ

إِقَامَةً وَغَالِباً ذَا التَّا لَزِمْ

ص: 17

هنا قدم وأخر، لو قدم (أَقِمْ) لكان تابعاً لقوله: أجمِلَ، ما كان على وزن أفعل إما أن يكون صحيحاً، وإما أن يكون معل العين، إن كان صحيحاً حينئذٍ مصدره الإفعال، أكرم يُكرمُ إكراماً، وأما إذا كان معل العين فيدخله إعلال كـ أقام إقامةً، أقام: فعل ماضي، الألف هذه منقلبة عن واو، بدليل: قام يقوم، إذاً: الألف هذه منقلبة عن واو، العرب نطقت بأقام، إذن انقلبت الواو ألفاً، ومعلوم أن الألف لا تكون منقلبة عن واو إلا بتحقيق شرطها، وشرطها: أن تكون متحركة منفتح ما قبلها، هذا شرطها، حينئذٍ نقول: أقامَ أصله على وزن أفعَلَ مثل أكرمَ، إذاً: أصله أقوَم، أكرم، تحركت الواو ولم ينفتح ما قبلها، مشكلة. كيف نقلب الواو ألفا؟ لا بد من وجود العلة كاملة وهي: تحرك الواو وانفتاح ما قبلها، قالوا؛ نقلنا حركة الواو إلى ما قبلها صار عندنا نظران: نظر باعتبار السابق ونظر باعتبار الآن، تحركت الواو قبل النقل، وانفتح ما قبلها بعد النقل فقلبت الواو ألفاً، لا بد من هذا، لماذا لابد؟ لأنهم عندهم قاعدة .. القاعدة صحيحة ثابتة، لكن لكل قاعدة شذوذ، حينئذٍ القاعدة: أنه لا تقلب الواو أو الياء ألفاً إلا بشروط منها: تحرك الواو أو الياء وانفتاح ما قبلها، بعض الصرفيين وهم قلة يرون أن الألف هنا منقلبة عن الواو اكتفاءً بجزء العلة، يعني يقول: أصل أقام أقومَ، تحركت الواو إذاً وجد جزء من العلة، لم ينفتح ما قبلها إذاً قلبت الواو ألفاً اكتفاءً بجزء العلة.

في المصدر ماذا نقول؟ إكرام أكرمَ إكراماً، إذاً: أقوَم عرفنا كيف صار أقام، طيب. إقواماً، نحن لا نقول: إقواماً، نقول: إقامةً، كيف صار إقامةً وأصل إقوام على وزن إفعال؟ القول فيه كالقول السابق: إقواماً، تحركت الواو ولم ينفتح ما قبلها نقلنا الواو، ثم لنا نظران: تحركت الواو قبل النقل ثم انفتح ما قبلها بعد النقل فقلبت الواو ألفاً فصار إقَا .. ثم جاءت الألف ألف المصدر؛ لأن عندنا إفعال، إفعا، إذاً: عين ثم ألف المصدر، نحن قلبنا العين .. الواو والألف هذه عين الكلمة، في المصدر إفعَال، عين الكلمة ثم يليها ألف المصدر.

إذاً: قلبنا العين التي هي الواو ألفاً فاجتمع عندنا ألِفَان، فحذفنا إحدى الألفين على نزاع في أي الألفين المحذوفة؛ هل هي الزائدة وهو مذهب سيبويه؟ أم الأصلية التي هي عين الكلمة وهي مذهب الأخفش وغيره وهو الصواب؟ ثم ماذا صار؟ حذفنا إحدى الألفين وعوضنا عنها التاء فقيل: إقامةٌ، إذاً: التاء هذه بدل عن الألف المحذوفة، أي الألفين؟ الصحيح أنها الأصلية، أولاً: لأن التي زيدت لأجل المصدرية حرف معنى، فذهابها لا يدل على المعنى الذي جيء به من أجلها، فإذا حذفناها حينئذٍ حذفنا ما يدل على المصدرية، هذا أولاً.

ثم في لسان العرب أنهم إذا حذفوا حرفاً زائداً لا يعوض عنه، وإنما يعوض عن الحرف الأصلي، وهنا قد عوضوا عن المحذوف التاء، فدل على أن المحذوف أصل، مثل: وعد عدة، قلنا: التاء هذه عوض عن الواو والواو هذه حرف أصلي، وأما الذي يحذف وهو زائد ليس من أصل الكلمة لا يعوض عنه.

إذاً: ترجح خلاف مذهب سيبويه. فالمحذوف هو عين الكلمة وليست الألف، لما ذكرناه.

ص: 18

إذاً: قوله: ثُمَّ أَقِمْ إِقَامَةً؛ هذا استدراك لقوله: وَأَجْمِلَا إِجْمَالَ، إذاً: أجمل، أقم: هذا فعل أمر أشار به إلى أقام، كل منهما على وزن أفعَلَ، أجْمِلَ أجمَل أقامَ كل منهما على وزن أفعَلَ، إلا أنه في أجمَل ليس معتل العين بل هو صحيح، وأقام هو معتل العين، يعني: معل العين، قلبت العين التي هي الواو ألفاً، فالمصدر نقول فيه: إقامةً؛ على التعليل السابق الذي ذكرناه، عوضاً عن العين المحذوفة، عوض عنها لزمت التاء في المصدر، ولذلك قال: وَغَالِباً ذَا التَّا لَزِمْ، ذَا: المشار إليه ما هو؟ أقم إقامةً، ذَا التَّا: ذَا المشار إليه أقم إقامةً، إقامةً المصدر الأخير المتأخر. ذا لزم التاء، التاء هذا مفعول مقدم لقوله: لزم، لزم التاء، لكن قال: غالباً؛ لأنه قد تحذف منه، ((وَإِقَامِ الصَّلاةِ)) إِقَامِ هذا مصدر، أقام يقيم إقامة، حينئذٍ نقول: التاء هنا أين هي؟ ليست موجودة، أقم إقامةً حذفت التاء.

................... ثُمَّ أَقِمْ

إِقَامَةً وَغَالِباً ذَا التَّا لَزِمْ

قال ابن عقيل: وإن كان على أفعَل فقياس مصدره على إفعال، نحو: أكرم إكراماً وأجمل إجمالاً وأعطى إعطاءً، هذا إذا لم يكن معتل العين يعني: معل العين، فإن كان معل العين فكذلك لكن نقلت حركة عينه إلى فاء الكلمة، حينئذٍ تنقلب ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها بالنظرين السابقين، أو نقول: اكتفاءً بجزء العلة.

وحذفت الألف الثانية أو الأولى على الخلاف، وعوض عنها تاء التأنيث غالباً، نحو: أقام إقامةً، وأعان إعانةً، وأبان إبانةً، والأصل: إقواماً، انظر إقْوَ، القاف ساكنة والواو متحركة؛ لأن أصله: أفْعَل، إقواماً فنقلت حركة الواو إلى القاف الساكن قبلها ثم انقلبت الواو ألفاً وحذفت إحدى الألفين، وعوض عنها تاء التأنيث فصار إقامةً، وسُمع تنبيهاً على الأصل: أغيَمت السماء إغياماً، قلنا: الأصل المهجور لا بد أن ينطق به عربي، يعني: يحصل أشبه ما يكون بفلتة لسان، فينطق بأصل مهجور، إغياماً؛ الأصل أن تنقلب هنا الياء ألفاً ثم تحذف، فيقال: إغامةً مثل إقامة. أغيَمت السماء إغامةً هذا الأصل بحذف إحدى الألفين، لكن نطق به من أجل أن نعرف أن هذا الأصل هو الذي ذكرناه. فصار إقامةً، والصحيح أن الذي حذف هو الألف المنقلبة عن العين، وهذا هو الأصح للتعويض إذ لا تعويض عن زائدٍ البتة، وثانياً: هي حرف معنى، وذهب سيبويه إلى أنها الزائدة، ومذهب الفراء والأخفش إلى أنها الأصلية، وهذا هو المراد بقوله: ثُمَّ أَقِمْ.

وقوله: وَغَالِباً ذَا التَّا لَزِمْ: يعني الغالب لزوم هذه التاء، ومعنى اللزوم هنا اتصال التاء به، ولذا قال: غالباً، يعني في الغالب الكثير. وقد تخلو عن التاء لكنه في قلة، ولذلك جاء قراءة:(وَإِقَامَ الصَّلاةِ) وأراء إراءً، إراءة هذا الأصل.

إذاً: قوله: ثُمَّ أَقِمْ إِقَامَةً؛ إشارة إلى أفعَل إذا كان معل العين.

وَغَالِباً ذَا التَّا لَزِمْ: ذَا: مبتدأ، ولَزِمْ: هذا فعل ماضي، وفيه ضمير يعود على ذَا.

والتَّا: بالقصر هذا مفعول به.

وَغَالِباً: حال من الفاعل في لَزِمْ.

ص: 19

وَاسْتَعِذْ اسْتِعَاذَةً: اسْتَعِذْ هذا أمر من استعاذ، واستعاذ هذا ثلاثي مزيد بثلاثة أحرف، أصله: عاذ عَوَذَ من العوذ، استعذ استعاذة؛ القول فيه كالقول في أقم إقامةً، استعاذ أصله استَعَوَذَ، هذا أصله: اسْ تَ عْ وَذَ، استعْ العين ساكنة والواو مفتوحة. إذاً: نقلت حركة الواو إلى العين الساكن قبلها، ثم نقول: تحركت الواو باعتبار ما قبل النقل، وانفتح ما قبلها باعتبار ما بعد النقل، وقلبت الواو ألفاً فقيل: استعاذ؛ لأن العرب نطقت به. أين الواو؟ هنا يرد السؤال قد يقول قائل: استعوذ، ما الذي أدخلنا في هذا؟ نقول: استعاذ هذا فعل ماضٍ، وهو مأخوذ من العوذ، أين الواو هي حرف أصلي؟ تقول: الألف هذه هي الواو، كيف هي الواو ولم يوجد فيها العلة كاملة؟ لا بد من النظرين أو نقول اكتفاءً بجزء العلة، لا بد من هذا.

اسْتِعَاذَةً: نقول: المصدر كما سيأتي ينص عليه أنه يكسر الثالث وتزاد مَدةً .. ألف قبل الأخير، فيقال: انطلق انطلاقاً، استخرج استخراجاً، تِخْ انظر التاء مكسورة، إخراجاً زِدتَ مدة قبل الحرف الأخير، هذا ما كان مبدوءاً بهمزة الوصل، حينئذٍ استعاذ مبدوء بهمزة وصل.

إذاً: مصدره يكون بكسر ثالثه مع زيادة مدة، ليس له وزن معين، وإنما نقول: بكسر ثالثه مع زيادة ألف قبل آخره، فنقول: استعاذ استعواذاً، استِ استَ كانت مفتوحة فكسرناها في المصدر، استِعواذاً ذال قبلها ألف، ماذا حصل؟ حصل في المصدر ما حصل في الفعل الماضي، أعل كما أعل سابقاً، حينئذٍ نقول: استعْوَا؛ تحركت الواو ولم ينفتح ما قبلها، اكتفاءً بجزء العلة قلبنا الواو ألف، ثم اجتمعت الألف المنقلبة عن العين مع الألف المزيدة للمصدرية، حذفنا إحدى الألفين على الخلاف والصحيح أنها المبدلة عن الواو، حذفناها وعوضنا عنها التاء قلنا: استعاذةً، وإلا الأصل استعواذاً، ولذلك جاء مصرحاً في قوله: استحواذاً ((اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ)) [المجادلة:19] استحواذاً، جاء على الأصل إشارة إلى أن استعاذةً .. الاستعاذة التاء هذه بدل عن الألف المحذوفة المنقلبة عن العين، فلما اجتمع عندنا ألفان لا يمكن تحريك الأول؛ لأن الألف لا تقبل الحركة، فحذفنا الألف الأولى، وهذا مما يرجح أيضاً أن الألف الأولى هي المحذوفة؛ لأنه إذا التقى ساكنان الأصل أن يحذف الأول لا الثاني.

إذاً: ثلاثة أدلة:

أولاً: التعويض، لا يعوض إلا عن أصل ولا يعوض عن زائد.

ثانياً: الألف التي جيء بها للمصدر حرف معنى، حينئذٍ حرف المبنى أولى بالحذف من حرف المعنى.

ثالثاً: أن المحذوف في الأصل يكون هو الأول لا الثاني، هو الأصل، كما أن الحركة للتخلص من التقاء الساكنين يكون هو الأول.

وَاسْتَعِذْ اسْتِعَاذَةً: هذا داخل في قوله: وَمَا يَلِى الآخِرُ مُدَّ وَافْتَحَا؛ قدمه لماذا؟

ص: 20

ليعطف عليه: ثُمَّ أَقِمْ إِقَامَةً، ثم قال: وَغَالِباً ذَا، أي: المذكور وهو من استعاذةٍ وإقامةٍ التَّا لَزِمْ، إذاً: ليس خاصاً بقوله: إِقَامَةً على الصحيح، وإن فهم البعض بأن قوله:(ذا) هذا إشارة لمفرد واحد أشار به إلى إقامةٍ، لكن الصواب أنه أشار به إلى استعاذةٍ وإقامةٍ، حينئذٍ لماذا أفرده؟ نقول: بتأويل المذكور، (ذا) أي: المذكور، وما هو المذكور؟ وَاسْتَعِذْ اسْتِعَاذَةً ثُمَّ أَقِمْ إِقَامَةً.

إذاً: ذكر فعلين في صيغة الأمر والمراد به: الماضي استعذ استعاذ، وأقم أقامَ، وذكر المصدرين مع التعليل الذي ذكرناه.

وَغَالِباً ذَا التَّا لَزِمْ: ذَا أي: استعاذةً وإقامةً لزم التاء غالباً، وقد يكون من غير الغالب كما قال بعضهم: استفاهَ استِفاهاً، استفاه على وزن استفعل، استفوَه هذا الأصل. استفاهاً استفاهةً هذا الأصل، هذا مثل: إِقَامِ الصَّلاةِ.

فإن كان استفعل معتل العين نقلت حركة عينه إلى فاء الكلمة وحذفت وعوض عنها تاء التأنيث لزوماً، نحو: استعاذ استعاذةً والأصل: استعواذاً، فنقلت حركة الواو إلى العين وهي فاء الكلمة وحذفت وعوض عنها التاء فصار استعاذةً، وهذا معنى قوله: وَاسْتَعِذْ اسْتِعَاذَةً.

وابن عقيل جرى على أن (ذا) مرجعه إلى "إِقَامَةٍ" فحسب، ولذلك لم يعمم الحكم فيقول: استعاذةً قد يخلو عن التاء، والصواب: أن الحكم عام في استعاذ وإقام، ولذلك يدل على هذا .. وهو مراد الناظم: أنه أفرده؛ لأن استعاذة هذا داخل في قوله: وَمَا يَلِي الآخِرُ، إذاً: لماذا خصه بالذكر؟ لأنه معتل العين أو معل العين والحكم واحد فجمع بينهما في لفظ واحد.

إذاً: يعل المصدر بما فُعِل بمصدر أفْعَل المعتل العين السابق، استعاذ استعاذةً واستقام استقامةً.

ويستثنى من المبدوء بهمزة الوصل ما كان أصله تفاعل أو تفعَّل، مثل: اطَّاير واطيَّر أصلهما: تطاير وتطيرّ؛ فإن مصدرهما لا يكسر ثالثه ولا يزاد قبل آخره ألف، كما سيأتي.

وَمَا يَلِى الآخِرُ مُدَّ وَافْتَحَا

مَعْ كَسْرِ تِلْوِ الثَّانِ مِمَّا افْتُتِحَا

بِهَمْزِ وَصْلٍ ...............................

...........................................

هذا في انطلق واستخرج واجتمع، كل ما كان مبدوءاً بهمزة الوصل حينئذٍ الحكم فيه أنه يكسر ثالثه وتزاد مدة وهي ألف قبل آخره، فتقول: استخرج استخرا .. ، استَ التاء مفتوحة وهي الثالث، تقول في المصدر: استخراجاً، وضعتَ ألف قبل الجيم استخراجاً، استغفر استغفاراً.

وَمَا يَلِي الآخِرُ مُدَّ.

مَا: اسم موصول بمعنى الذي في محل نصب مفعول به: مدَّ ما يلي، مَا يَلِي الآخِرُ. الآخِرُ: هذا فاعل يلي، يعني يتبعه. وأين العائد على (ما)؟ أي: وما يليه الآخر، الذي يليه الآخر، مُدَّ الذي يليه الآخر، مُدَّ: هذا أمر، يعني: اجعل بعده .. بعد ما قبل الآخر اجعل بعده حرف مد، وهذا يحتمل أنه واو أو ألف أو ياء، لكن لما قال: وَافْتَحَا؛ عرفنا أن مراده الألف، يعني: افتح ما قبل الألف، أو ضع فتحة كما قال المكودي ثم أشبعها فتتولد عندك ألف.

إذاً: مُدَّ: هذا مطلق عام.

وَافْتَحَا: وافتحاً الألف هذه بدل عن التنوين.

إذاً: ما قبل الأخير تضع مدة وهي الألف.

ص: 21

مَعْ كَسْرِ تِلْوِ الثَّانِ: الذي يتبع الثاني وهو الثالث، مع كسره.

مِمَّا: مد مِمَّا: متعلق بقوله: مُدَّ؛ لأن الأصل في الكلام هنا أنه جملة فعلية، مدَّ ما يلي الآخر.

وَافْتَحَاً مَعْ كَسْرِ تِلْوِ الثَّانِ: وهو الثالث.

مِمَّا: يعني من الذي .. من فعل.

افْتُتِحَا: الألف للإطلاق.

بِهَمْزِ وَصْلٍ: جار ومجرور متعلق بقوله: افْتُتِحَا.

كَاصْطَفَى: اصطفاءً، اقتدر اقتداراً، وهلم جرا.

وَمَا يَلِى الآخِرُ مُدَّ وَافْتَحَا: يعني مدَّ ما يليه الآخر، فالآخر هذا فاعل يَلِى.

وَافْتَحَاً: ذكر الفتحة ليبين أن المدة ألف لا واو ولا ياء.

مَعْ كَسْرِ: هذا متعلق بقوله: مُدَّ.

مَعْ كَسْرِ: مضاف. وتلِْوِ: مضاف إليه. تلو: مضاف والثاني مضاف إليه، والمراد به الحرف الثالث.

مِمَّا افْتُتِحَا: يعني من فعل افتتح بهمز وصل، وذلك كقولك: اصطفى، أو وذلك كاصطفى.

قياس ما أوله همزة وصل أن يكسر تلو ثانيه، أي: ثالثه، وأن يمد مفتوحاً ما يليه الآخِر، يمد مفتوحاً ما يليه الآخِر، يعني: ما يتبعه الآخر، وأن يمد مفتوحاً ما يليه الآخر، أي: ما قبل آخره، نحو: اصطفى اصطفاءً، وحاصل معنى البيت: أن مصدر كل فعل افتتح بهمزة الوصل فالحرف المتصل به الحرف الأخير من الفعل مدَّه وافتح ما قبل المدة، فينشأ من ذلك الألف ثم يكسر تلو الحرف الثاني من الفعل وهو الحرف الثالث. هذا كلام المكودي.

قال: وإن كان في أوله همزة وصل كسر ثالثه وزيد ألف قبل آخره، سواء كان على وزن فعَلَ أو افتعَلَ أو استفعَلَ، انطلق انطلاقاً، اصطفى هذا على وزن افتعل اصطفاءً، استخرج استخراجاً، وهذا معنى قوله: وَمَا يَلِى الآخِرُ مُدَّ وَافْتَحَا، هذا في الصحيح، وأما إذا كان معتل العين فحينئذٍ يجري مجرى استعاذةً؛ لأن استعاذ استعذ استعاذةً هذا مثله مبدوء بهمزة وصل، استعاذ استقام نقول: استقوم هذا الأصل، استقواماً نفس الحكاية، استقامةً. استعاذ أصله استعوذ، استعواذاً استعاذةً.

إذاً: قوله: وَاسْتَعِذْ اسْتِعَاذَةً؛ داخل في قوله: وَمَا يَلِى الآخِرُ، وإنما خصه لماذا؟ لو جعلنا ذا (وَغَالِباً ذَا) يعود على قوله:(إِقَامَةٍ) فحسب؛ إذاً لماذا ذكر الناظم اسْتَعِذْ اسْتِعَاذَةً؟ ما الفائدة من ذكره مع كونه داخل فيما بعد؟ نقول: ذكره لأن الحكم واحد، فقدم استعذ استعاذة. ثُمَّ: بمعنى الواو، ليست على التراخي. أَقِمْ إِقَامَةً، وَغَالِباً ذَا: الذي هو استعاذة وإقامة لزم التاء.

وَضُمَّ مَا يَرْبَعُ فِي أَمْثَالِ قَدْ تَلَمْلَمَا.

يعني: أن مصدر تفعلَلَ يضم فيه رابع الفعل، نفسه فقط الحركة، تكلَّم تفعَّل، ضم الرابع: تكلُّماً، تعلم تعلُّماً، تخرَّج تخرُّجاً.

وَضُمَّ: هذا فعل أمر.

مَا: اسم موصول بمعنى الذي في محل نصب.

يَرْبَعُ: يقال: ربَّعتُ القوم صرت رابعهم، وبابه منعَ، يَرْبَعُ يعني: ما صار رابعاً، ربعت وثلثت وخمست .. إلى آخره، يعني صرت خامساً، صرت رابعاً.

وَضُمَّ مَا يَرْبَعُ: يعني ما يقع رابعاً.

فِي أَمْثَالِ قَدْ تَلَمْلَمَا: أي: في أمثال مصدر قَدْ تَلَمْلَمَا، يعني أمثاله في الحركات والسكنات وعدد الحروف وإن لم يكن من بابه.

ص: 22

فِي أَمْثَالِ قَدْ تَلَمْلَمَا: يعني أن مصدر تفعلل يضم فيه رابع الفعل، تفعلل، نحن مثلنا بماذا؟ تفعَّل، كل منهما من باب واحد، يضم فيه رابع الفعل فيصير مصدراً نحو: تلملم تلملماً، وتدحرج تدحرجاً؛ هذا أشار به ضمناً إدخال المزيد بحرف في باب الرباعي؛ لأن الرباعي المزيد فيه نوعان:

الأول: مزيد بحرف: دحرج تدحرج، تدحرج تدحرجاً جاء على وزن تفعُّل، وهو الذي أراده هنا، لكنه بالتبعية لا بالأصل؛ لأنه يسرد لنا المزيد من الثلاثي. تلملم تلملماً وتدحرج تدحرجاً وتنفس تنفساً.

وَضُمَّ مَا يَرْبَعُ فِي أَمْثَالِ قَدْ تَلَمْلَمَا.

قال الشارح: أنه إن كان الفعل على وزن تفعلل يكون مصدره على تفعلُلٍ بضم رابعه، نحو: تلملم وتدحرج .. إلى آخره.

وتجمل تجملاً، وهو الذي ذكره أولاً: إِجْمَالَ مَنْ تَجَمُّلاً تَجَمَّلَا، إذاً: داخل في قوله: ضُمَّ مَا يَرْبَعُ، وذكره من باب ذكر الخاص قبل العام.

وتجمَّل تجمُّلاً، وتشيطن تشيطناً، وتمسكن تمسكناً. ويجب إبدال الضمة كسرة إن كانت اللام ياءً نحو: التواني والتداني للمحافظة على سلامة الياء من قلبها واواً.

فِعْلَالٌ أَوْ فَعْلَلَةٌ لِفَعْلَلَا

وَاجْعَلْ مَقِيساً ثَانِياً لَا أَوَّلَا

فَعْلَلَ: هذا رباعي مجرد، والرباعي كالثلاثي يكون مجرداً، وله وزن واحد فقط وهو فعلل، دحرج، ليس له إلا وزن واحد وهو فَعْلَلَ.

والمزيد الرباعي قسمان: ما زيد فيه حرف واحد وهو وزن واحد: تفعلل تدحرج فقط. كتدحرج.

وما زيد فيه حرفان وهو وزنان .. اثنان فقط: افعلَّلا احرنجما، هذا الأول. الثاني: افعلَّل، اطمأن، اقشعر، وأما الملحق بالأول والثاني فكثير، بابه متن البناء هناك.

فِعْلَالٌ أَوْ فَعْلَلَةٌ لِفَعْلَلَا

فِعْلَالٌ: هذا مبتدأ، قصد لفظه فصار علماً.

أَوْ فَعْلَلَةٌ لِفَعْلَلَا

لِفَعْلَلَا: الألف هذه للإطلاق.

لِفَعْلَلَا: هذا خبر، وما ألحق به .. ما ألحق بفعللا، الملحقات سبعة عندهم هناك، ما ألحق بباب فعللا حكمه حكم فعللا في كونه يكون مصدره على الفعلال أو الفعلل، والملحق بفعلل سبعة: فعلل كجلبب، أصله جلب، زيدت الباء للإلحاق. جلببه، أي: ألبسه الجلباب.

والثاني: فوعل؛ كجورب، جوربه أي: ألبسه الجورب.

الثالث: فَعْوَل؛ كرهوك في مشيته أي: أسرع.

والرابع: فيعل؛ كبيطر، أي: أصلح الدواء.

والخامس: فَعْيَل؛ كشريف الزرع يعني: قطع شريانه.

والسادس: فعلى؛ كسلقى إذا استلقى على ظهره.

والسابع: فعلل؛ كقلنس، قلنسه يعني إذا ألبسه قلنسوة.

إذاً: كله هذا داخل في قوله: لِفَعْلَلَا؛ لأن المراد به الفعلل المجرد وما ألحق به، والإلحاق المراد به بيناه فيما سبق.

وَاجْعَلْ مَقِيساً ثَانِياً لَا أَوَّلَا

إذاً: فيه سماعي وفيه مقيس. ما هو المقيس؟

ثانياً، ما هو الثاني؟ فَعْلَلَا دحرج يدحرج دحرجة، هذا قياسي. دحرج يدحرج دحراجاً: هذا سماعي، وذهب بعضهم ومنهم الناظم في التسهيل إلى أنه قياسي في الاثنين .. النوعين. إذاً: فيه خلاف، (فِعْلَال) هذا فيه خلاف، وأما (فَعْلَلَة) فهذا متفق عليه أنه مقيس، دحرجة مقيس قطعاً. وأما دحراج هذا محل نزاع.

ص: 23

فِعْلَالٌ أَوْ فَعْلَلَةٌ لِفَعْلَلَا وما ألحق به كجلببَ وحوقلَ جلباباً وجلببة وحيقالاً وحوقلة.

وَاجْعَلْ مَقِيساً: من فعلال وفعللة ثانياً لا أولاً، وكلاهما عند بعضهم مقيس ومنهم الناظم في شرح التسهيل.

قال الشارح: يأتي مصدر (فَعْلَلَ) وما ألحق به على فِعْلال كدحرج دحراجاً وسرهف سرهافاً، وعلى (فَعْلَلَةٍ) وهو المقيس فيه، نحو: دحرج دحرجةً، وبهرج بهرجةً، وسرهف سرهفةً، وزلزل زلزلةً، وبيطر بيطرةً، وحوقل حوقلةً. و (فِعْلَالٌ) إن كان مضاعفاً كزلزال ووسواس، وهو في غير المضاعف سماعي كسرهف سرهافاً، ويجوز فتح أول المضاعف والأكثر أن يعنى بالمفتوح اسم الفاعل، نحو:((مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ)) [الناس:4] أي: الموسوس.

لِفَاعَلَ الِفعَالُ وَالْمُفَاعَلَهْ

وَغَيْرُ مَا مَرَّ السَّمَاعُ عَادَلَهْ

لم يرتب رحمه الله تعالى؛ لأن فاعلَ هذا من الثلاثي المزيد بحرف، فكان الأولى أن يقدمه على قوله: فِعْلَالٌ أَوْ فَعْلَلَةٌ لِفَعْلَلَا.

فَاعَلَ: هذا الباب الثالث من المزيد بحرف، يأتي المصدر منه على نوعين: إما فِعَال وإما مفاعلة، قاتل يقاتل قتالاً ومقاتلةً، وضارب يضارب ضراباً ومضاربةً، وخاصم يخاصم خصاماً ومخاصمةً، وشارك يشاركُ مشاركةً، جاء بواحد منهما.

لِفَاعَلَ: هذا خبر مقدم.

الِفعَالُ: هذا مبتدأ مؤخر.

وَالْمُفَاعَلَهْ: معطوف عليه، كل فعل على وزن فاعل فمصدره الفعال والمفاعلة، نحو: ضارب ضراباً ومضاربةً، وقاتل قتالاً ومقاتلةً، وخاصم خصاماً ومخاصمةً، وعاقب عقاباً ومعاقبةً، لكن يمتنع الفعال ويتعين المفاعلة فيما فاؤه ياء، إذا كان يائي الفاء امتنع الفعال ويتعين المفاعلة، ياسَر مياسرةً، ياسر بالياء مياسرةً، ويامَن ميامنةً، وشذ: يَاوَمه يَوَاماً فعالاً، يَوَاماً هذا شاذ، والأصل فيه ميامنةً مفاعلةً.

إذاً: إذا كانت فاؤه ياء امتنع أن يكون على وزن الفِعَال، وإنما يكون على مفاعلة.

وَغَيْرُ مَا مَرَّ في قوله:

وَغَيْرُ ذِي ثَلَاثَةٍ مَقِيسُ

مَصْدَرِهِ كَقُدَّسَ التَّقْدِيسُ

وما عطف عليه.

غَيْرُ: تلك القواعد والأصول في الأوزان .. أوزان المصدر.

السَّمَاعُ عَادَلَهْ: يعني صار عديلاً له، يعني: يرجع إلى السماع، مثل قوله: وَمَا أَتَى مُخَالِفَاً لِمَا مَضَى فَبَابُهُ النَّقْلُ.

إذاً: كل ما لم يكن من ذلك الباب فبابه النقل.

وَغَيْرُ مَا مَرَّ السَّمَاعُ عَادَلَهْ

غَيْرُ: مبتدأ، وهو مضاف، ومَا مَرَّ يعني: الذي مر وسبق ذكره.

السَّمَاعُ: مبتدأ ثاني.

عَادَلَهْ: خبر الثاني، يعني: أن ما تقدم من مصادر غير الثلاثي هو القياس، وما جاء على خلافه عادله السماع أي: صار عديلاً له، أي: رجع له، كما أن كلاً من المتعادلين يرجع فيه إلى الآخر. أن ما ورد من مصادر غير الثلاثي على خلاف ما مر يحفظ ولا يقاس عليه.

ومعنى قوله: (عَادَلَهْ) كأن السماع له عديلاً فلا يُقْدَم عليه إلا بثبت، يعني: نقل، كقولهم في مصدر فعَّل المعتل تفعيلاً نحو: بَاتَتْ تُنَزِّي دَلْوَها تَنْزِيَّا، إذاً: هذا سماعي، والقياس: تنزية مثل زكَّى تزكيةً.

وقوله في مصدر حوقل حيقالاً وقياسه حوقلةً نحو: دحرج دحرجةً، ومن ورود حقال قوله:

ص: 24

يا قَوْمِ قَدْ حَوْقَلْتُ أَو دَنَوْتُ

وَشرُّ حِيقَالِ الرِّجالِ الْمَوْتُ

وَغَيْرُ مَا مَرَّ السَّمَاعُ عَادَلَهْ.

وقولهم كذلك في تفعَّل تِفِعَّالاً نحو: تملَّق تملَاّقاً وقياسه: تفعَّل تفعُّلاً تملَّق تملُّقاً.

وَفَعْلَةٌ لِمَرَّةٍ كَجَلْسَهْ

وَفِعْلَةٌ لِهَيْئَةٍ كَجِلْسَهْ

إذا أُريد بيان المرة من المصدر .. مرة واحدة، لأن هذا الحدث وقع مرة واحدة، تأتي به من الثلاثي على وزن فَعلة، جَلستُ جَلْسَةً، ضربتُ ضَربةً، قتلتُ قتلةً، يعني: قتلة واحدة. واحدة مفهوم من وزن فَعْلة، وإذا أريد به الهيئة من الثلاثي تأتي به مكسور الفاء.

إذاً: قوله: وَفَعْلَةٌ: هذا مبتدأ.

فَعْلَةٌ: بفتح الفاء وإسكان العين: فَعْلَة بالفتح.

لِمَرَّةٍ: هذا خبر، وذلك كجَلْسة ومَشية وضَربة، هذا متى؟ إذا أريد بيان المرة من مصدر الفعل الثلاثي، قيل فيه فَعْلة بفتح الفاء، نحو: ضربتهُ ضربةً يعني واحدة، وإذا قلت: ضربةً واحدةً؛ صارت من باب التوكيد، لأن الواحدة معروفة من اللفظ نفسه، ((فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ)) [الحاقة:13] فُهم من اللفظ واحدة، لما ما قال واحدة قلنا: هذا تأكيد. وإنما تكون كذلك لما يدل على فعل الجوارح الحسية لا ما يدل على الفعل الباطن كالعلم والجهل والجُبن والبخل ونحو ذلك، أو الصفة الثابتة كالحُسن.

إذاً: (فَعْلَةٌ لِمَرَّةٍ) فيما إذا كان الفعل قائماً وواقعاً بالجوارح الحسية، وأما الأمور الباطنية كالعلم والجهل أو الأمر الثابت كالحسن والجمال نقول: هذا لا يشتق منه على وزن فَعْلة.

(وَفَعْلَةٌ لِمَرَّةٍ) وذلك كـ جَلْسَة، جَلَسَ جلْسةً، لبس لَبسةً، قتل قَتلةً.

وَفِعْلَةٌ لِهَيْئَةٍ كَجِلْسَهْ

فِعْلَةٌ: بكسر الفاء مع إسكان العين.

لِهَيْئَةٍ: يعني لهيئة الحدث.

كَجِلْسَهْ: جلستُ جِلْسة كذا، لا بد من التقييد، قتلتُ قتلةَ عادٍ، مشيتُ مشيةَ كذا لا بد من الإضافة، حينئذٍ مِشية نقول: هذا اسم هيئة، أي: لهيئة الحدث، والحدث وإن استلزم الهيئة لكن فرق بين الدلالة مطابقة والدلالة التزاماً.

ص: 25

قال الشارح: إذا أُريد بيان المرة من مصدر الفعل الثلاثي قيل: فَعلة نحو: ضربة، هذا إذا لم يبن المصدر يعني من أول الأمر على تاء التأنيث، يعني بعض المصادر فيها تاء كرحمة ورغبة، إذا أردنا الوحدة كيف نفعل؟ هل نأتي بها على وزن فَعْلة؟ هو على وزن فَعْلة مختوماً بالتاء، نضيف إليه كلمة واحدة، رحمةٌ واحدةٌ، إذاً: احتجنا إلى واحدة ليست كنفخة هناك، نفخة واحدة، أما هنا إذا كان المصدر في أصله مبنياً من أول الأمر وضعت أو نُطق بتاء التأنيث معه حينئذٍ احتجنا إلى وصف، فإن بني عليها وصف بما يدل على الوحدة نحو: نَعمة ورحمة، إذا أريد المرة وصف بواحدة: نَعمةٌ واحدة، رحمةٌ واحدة. وإن أريد بيان الهيئة منه قيل: فِعلة بكسر الفاء نحو: جلس جِلسة حسنة، لا بد من الوصف. وقعد قِعدة يعني حسنةً، ومات مِيتةً، ميتة سوء مثلاً. والقِتلة، إلا إن كان بناء المصدر العام عليها فيدل على الهيئة بالصفة ونحوها، كنشد الضالة نِشدة عظيمة، نِشدة هي في أصلها التاء حينئذٍ نقول: فِعلة نِشدة المصدر هكذا نطق بالتاء فهو مبني عليها، نقول: نِشدةً عظيمةً وصفناها بعظيمة.

فِي غَيْرِ ذِي الثَّلَاثِ بِالتَّا الْمَرَّهْ

وَشَذَّ فِيهِ هَيْئَةٌ كَالْخِمْرَهْ

ما سبق فَعلة وفِعلة من الثلاثي، وأما غير الثلاثي في الدلالة على المرة نأتي بالمصدر السابق القياسي ونزيد عليه التاء، انطلق انطلاقاً، زد عليه التاء: انطلاقةً، هذا مرة، استخرج استخراجاً استخراجةً، استغفر استغفارةً، نأتي بالتاء متصلة بالمصدر، ليس عندنا فَعلة وفِعلة، إنما هذا يكون في الثلاثي وغير الثلاثي لا.

فِي غَيْرِ ذِي الثَّلَاثِ بِالتَّا الْمَرَّهْ: المرة بالتا.

الْمَرَّهْ: هذا مبتدأ.

وبِالتَّا: خبر مقدم.

المرة في غير ذي الثلاثي الرباعي والخماسي والسداسي .. إلى آخره. بالتاء، كائنة بالتاء، إذا أريد بيان المرة من مصدر المزيد على ثلاثة أحرف زيد على المصدر القياسي تاء تأنيث: أكرمته إكراماً إكرامةً، ودحرجته دحراجةً، وانطلق انطلاقةً، واستغفرت استغفارةً.

فإن كان بناء المصدر العام على التاء دُل على المرة منه بالوصف، فإقامةٍ واحدة، واستقامةٍ واحدة نحتاج إلى أن نضيف واحدة؛ لأن التاء موجودة في المصدر لما ذكرناه من العلة السابقة.

فِي غَيْرِ ذِي الثَّلَاثِ: ما قال الثلاثة، والأصل أن يقول: الثلاثةِ، إنما حذف التاء في الثلاث؛ لأنه راعى تأنيث الحرف، والتقدير: في غير الفعل صاحب الثلاث الأحرف، ذكَّر فلما ذكَّر حذف.

فِي غَيْرِ ذِي الثَّلَاثِ بِالتَّا الْمَرَّهْ

وَشَذَّ فِيهِ هَيْئَةٌ كَالْخِمْرَهْ

يعني: ما كان المصدر دالاً على الهيئة لا يأتي من غير الثلاثي، وإنما يكون من الثلاثي فحسب، أما غير الثلاثي فلا، وإنما سمع من غير الثلاثي المرة فحسب بالطريقة التي ذكرناها وهي زيادة التاء، وأما غير الثلاثي لم يُسمع فيه قياساً في الهيئة.

وَشَذَّ: يعني لا يبنى من غير الثلاثي مصدر للهيئة إلا ما شذ.

فِيهِ: يعني غير الثلاثي.

ص: 26

هَيْئَةٌ كَالْخِمْرَهْ: اختمرت المرأة خِمْرة، خِمْر اختمر افتعل، هذا غير ثلاثي، سُمع خِمرة لكنه شاذ على وزن فِعلة، نقول: هذا يحفظ ولا يقاس عليه. اختمرت المرأة خِمرة يعني: غطت رأسها بالخمار.

وشذ بناء فِعلة لهيئة من غير الثلاثي، كقولهم: هي حسنة خِمْرة، فبنو فِعلة من اختمر، وانتقبت نِقبة، واعتمَّ عِمَّة، وتقمص قِمصة؛ كل هذا من غير الثلاثي وهو شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه. فبنو فِعلة من اختمر وهو حسن العِمِّة فبنو فِعلة من تعمَّم، وكذلك قِمصة نقول: بنوه من تقمَّص، وهذا كله يحفظ ولا يقاس عليه.

إذاً: للمرة إما أن يكون من الثلاثي أو غير الثلاثي، إن كان من الثلاثي جيء به على وزن فَعلة، وإن كان من غير الثلاثي زيدت التاء على المصدر في كليهما ما لم يكن المصدر في أصله متصلاً بالتاء، وأما الهيئة من الثلاثي جيء به على وزن فِعلة بكسر الفاء، ومن غير الثلاثي لا ينقاس وإنما هي ألفاظ تحفظ ولا يقاس عليها.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين

!!!

ص: 27