الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* شرح الترجمة. أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهة
* وزن اسم الفاعل من الثلاثي
* وزن اسم الفاعل من غير الثلاثي. ووزن اسم المفعول من غير الثلاثي
* وزن اسم المفعول من الثلاثي وما ينوب عنه
* خاتمة في ذكر الصفات المشبهة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال الناظم رحمه الله تعالى: أَبْنِيَةُ أَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ وَالْمَفعُولِينَ وَالصِّفَاتِ المُشَبَّهاَتِ بِهَا.
أَبْنِيَةُ: جمع بناء. وأَسْمَاء: جمع اسم. والْفَاعِلِينَ .. أسماء الفاعلين هذا جمع اسم الفاعل. والمفعولين المعطوف على الفاعلين أي: أسماء الْمَفعُولِينَ وهو جمع اسم مفعول، والصفات المشبهات بها جمع صفة مشبهة.
سيذكر في هذا الباب ما ذكره في الباب السابق، في الباب السابق ذكر أبنية المصادر، وهنا سيذكر البناء يعني الوزن، البنية المراد به: الوزن.
ما هي أوزان أسماء الفاعلين وما هي أوزان أسماء المفعولين، سواء كان من الثلاثي ومما زاد على الثلاثي، والصفة المشبهة كذلك ما هي أوزانها، فعقد هذا الباب لبيان هذه الأوزان.
إذاً: لن يتكلم عن عمل شيء منها، بل سبق عمل اسم الفاعل واسم المفعول، وسيأتي عمل الصفة المشبهة.
إذاً: وسط بين هذا الباب بين البابين: إعمال اسم الفاعل وإعمال الصفة المشبهة.
أَبْنِيَةُ أَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ، إضافة أبنية إلى أسماء للبيان، لأن أسماء الفاعلين اسم فاعل وهذا هو بنية في نفسه، فكيف يقال: أبنية أسماء الفاعلين؟ نقول: الإضافة هنا للبيان، أي: أبنيةٌ هي أسماء الذوات الفاعلين وأسماء الذوات المفعولين، وغلَّب العاقل منها على غيره فجمع بالياء والنون، فليس كله عاقل، وإنما منه ما يعقل ومنه ما لا يعقل، فجمعه بواو ونون تغليباً للعاقل. وهذه قاعدة عندهم: إذا اجتمع عاقل وغيره حينئذٍ غُلِّب العاقل على غيره لشرفه.
أَبْنِيَةُ أَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ. إذاً: عرفنا أن الإضافة هنا للبيان، يعني: أبنيةٌ هي أسماء الذوات الفاعلين وهي أسماء الذوات المفعولين.
والصفات المشبهة بها، أي: بأسماء الفاعلين؛ كطاهر القلب، وأسماء المفعولين؛ كمحمود المقاصد، المشبهة بها: الضمير الأصل في ظاهر الترجمة يعود إلى النوعين، يعني: أسماء الفاعلين والمفعولين، فالضمير راجع إلى أسماء الفاعلين والمفعولين، هذا المتبادر من الترجمة، لكن قول المصنف فيما بعد: الصِّفَةُ المُشَبَّهَةُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ؛ يقتضي رجوع الضمير إلى أسماء الفاعلين فقط دون أسماء المفعولين؛ لأن الصفة المشبهة إنما هي مشبهة باسم الفاعل لا بأسماء الفاعلين.
إذاً: قوله: (وَالصِّفَاتِ المُشَبَّهاَتِ بِهَا) هنا الضمير يعود على بعض المضاف إليه وهو قوله: أسماء الفاعلين، لماذا؟ لأن الصفة المشبهة إنما أعملت تشبيهاً لها باسم الفاعل لا باسم المفعول، ولم تشبه باسم المفعول كما سيأتي بيانه.
قال رحمه الله تعالى:
كَفَاعِلٍ صُغِ اسْمَ فَاعِلٍ إِذَا
…
مِنْ ذِي ثَلَاثََةٍ يَكُونُ كَغَذَا
صُغ اسم فاعل كفاعل، صُغ: هذا فعل أمر، أمر من الصوغ، يعني: ائت به على صيغة معينة، والصيغة والبنية والبناء والوزن مترادفة، أبنية المصادر، أبنية أسماء الفاعل، أوزان المصادر، أوزان أسماء الفاعلين، كذلك صيغ المصادر وصيغ أسماء الفاعلين كلها مترادفة، كلها بمعنىً واحد.
صُغ: والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت، اسم فاعل. كَفَاعِلٍ: أي: كهذا الوزن الذي على صيغة فاعل.
صغ اسم فاعل كفاعل، أي: صوغاً كصوغ فاعل في الهيئة، أو حالة كون اسم الفاعل كفاعل في الهيئة، والمراد بالهيئة: أن يكون على زنة فاعل: ضارب، قاتل .. إلى آخره. متى؟ قال:
إِذَا مِنْ ذِي ثَلَاثََةٍ يَكُونُ كَغَذَا
إذا كان المراد اشتقاقه من الثلاثي، إذاً: ذا مما زاد على الثلاثي، وسيأتي بيانه.
مِنْ ذِي ثَلَاثََةٍ: قلنا: مِنْ ذِي يعني: من فعل ذي ثلاثة.
مِنْ ذِي ثَلَاثََةٍ: يعني من فعل صاحب ثلاثة أحرف وهو المجرد؛ لأنه لا يوجد أقل من ثلاثة أحرف. وهذا يشمل فعَل وفعِل اللازم والمتعدي فيهما وفَعُلَ؛ لأنه أطلقه، لكن باعتبار الأبيات الآتية نخص (مِنْ ذِي ثَلَاثََةٍ) بفعَل وفعِل، لكن فعَل اللازم والمتعدي وفعِل المتعدي، فعَل المتعدي واللازم وفعِل المتعدي.
إذاً: مقصوده بقوله: (مِنْ ذِي ثَلَاثََةٍ) المراد به: من فَعَل المتعدي واللازم يأتي اسم الفاعل منه على زنة فاعل، ومن فعِل بكسر العين المتعدي يأتي منه اسم الفاعل على زنة فاعل. وأما فعِل اللازم وفعُل وهو لا يكون إلا لازماً هذا له صيغ أخرى.
كَفَاعِلٍ صُغِ اسْمَ فَاعِلٍ إِذَا: هذا قيد.
مِنْ ذِى ثَلَاثََةٍ: إِذَا يَكُونُ مِنْ ذِي ثَلَاثََةٍ، يكون. كان هنا تامة بمعنى: يوجد.
ومِنْ ذِي ثَلَاثََةٍ: متعلق بها، لكن اشترط بعضهم أن يكون متصرفاً، أن يكون فعَل اللازم والمتعدي وفعِل المتعدي أن يكون متصرفاً، وأما الجامد فلا يأتي منه على زنة فاعل.
كَغَذَا: يعني وذلك كغذا. غَذَا بمعنى سال، فيقال: غذا الماءُ فهو غاذٍ على وزن فاعل. ويقال: غذا الصبيُّ باللبن، وغذيته يعني الصبي أي: رباه، فيكون متعدياً.
إذاً: غَذَا يحتمل مثال الناظم هنا: أن يكون لازماً بمعنى سال، أو متعدياً، وكلاهما يأتي منه اسم الفاعل على زنة فاعل، فلا إشكال حينئذٍ، سواء أراد غذا بمعنى سال، أو أراد غَذَا بمعنى ربَّى، كلاهما اسم الفاعل يأتي منه على زنة فاعل فلا إشكال.
قال الشارح: إذا أريد بناء اسم الفاعل من الفعل الثلاثي جيء به على مثال فاعل، يعني على وزنه وصيغته. وذلك مقيس في كل فعل كان على وزن فعَل بفتح العين مطلقاً، سواء كان متعدياً أو لازماً.
ضَرَبَ: هذا على وزن فعَل وهو متعد. إذا أردت منه اسم الفاعل وقد عرفنا حقيقة اسم الفاعل: ما دل على ذات وحدث أوقعت ذلك الحدث؛ حينئذٍ ضربَ تقول: ضارب على وزن فاعل، وهو فعَل كذلك هو متعدٍ. وركبَ زيد الفرسَ، ركِب: هذا على وزن فعِل وهو متعدي، فتقول: راكب.
وذهبَ: هذا لازم، ذهبَ زيد فهو ذاهبٌ، إذاً: على وزن فاعل. وغذا فهو غاذ، وسلِم فهو سالمٌ.
إذاً: ما كان على وزن فعَل بفتح العين مطلقاً متعدياً كضرب أو لازماً كسلمَ يأتي منه اسم الفاعل على وزن فاعل، وكذلك فعِل بكسر العين بشرط أن يكون متعدياً، انظر هنا فعِل المتعدي شارك فعَل المتعدي، وهناك:
فَعْلٌ قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى
…
مِنْ ذِي ثَلَاثََةٍ كَـ رَدَّ رَدَّا
شارك فعِل المتعدي فعَل، شاركه لماذا؟ لأن المتعدي في باب فعِل كثير واللازم قليل، وفعَل كله بنوعيه كثير، وحينئذٍ بجامع الكثرة شارك فعِل المتعدي فعَل مطلقاً كما الشأن في أوزان المصادر.
فإن كان الفعل على وزن فعِل بكسر العين فإما أن يكون متعدياً أو لازماً، فإن كان متعدياً فقياسه أيضاً أن يأتي اسم فاعله على فاعل نحو: ركِبَ فهو راكب، وعلِمَ فهو عالم.
إذاً: قصد بهذا البيت أن صياغة اسم الفاعل تكون على القياس مطردة فيما إذا كان الفعل الثلاثي على وزن فعَل مطلقاً لازماً أو متعدياً، وفيما كان على وزن فعِل بكسر العين بشرط أن يكون متعدياً.
وأما فعِل اللازم وفعُل قلنا: لا يكون إلا لازماً، فمجيء اسم الفاعل منهما على وزن فاعل شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه. وعبر عنه الناظم بقوله: قليل، مثل حَمُض على وزن فَعُل. سمع منه: حامض، حامض مشهورة هذه، نقول: هذا شاذ، ورد في لسان العرب يحفظ ولا يقاس عليه. وطهُر على وزن فعُل فهو طاهر، نقول: هذا شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه. من طهُر لا من طهَر، عندنا طهُر وطهَر، طهُر مجيء اسم الفاعل منه على وزن فاعل طاهر؛ نقول: هذا شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه. ونعُم فهو ناعم، وفرُه فهو فاره، حينئذٍ نقول: هذا شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه.
وكذلك مجيء فاعل من فعل اللازم نقول: هذا كذلك شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه.
عقرت المرأة فهي عاقر؛ هذا مشهور، ومع ذلك نحكم عليه بكونه شاذاً، يعني: مخالف للقياس؛ لأن اسم الفاعل على زنة فاعل إنما يكون مقيساً في فعَل المتعدي واللازم وفعِل المتعدي، وأما فعِل اللازم .. فعِل بكسر العين اللازم وفعُل ولا يكون إلا لازماً؛ إذا سمع فيه فاعل حكمنا عليه بكونه شاذاً، يعني يحفظ ولا يقاس عليه. وإلى هذا أشار بقوله: وَهْوَ قَلِيلٌ: وَهْوَ بإسكان الهاء للوزن.
وَهْوَ قَلِيلٌ فِي:"فَعُلْت"وفَعِلْ
وَهْوَ: الضمير يعود إلى فاعل، يعني: وزن فاعل، وهذا يكاد أن يكون كالاستثناء مما سبق؛ لأنه أطلق في السابق قال: مِنْ ذِي ثَلَاثََةٍ. لم يقيده .. المعدى كما ذكره في أوزان المصدر.
إذاً: لما كان قوله السابق: (مِنْ ذِي ثَلَاثََةٍ) بإطلاقه يشمل فعُل وفعِل اللازم فيوهم كثرة مجيء اسم فاعلهما على فاعل مع أنهما ليسا كذلك، دفع هذا الإيهام بقوله: وَهْوَ قَلِيلٌ. إذاً: هذا كالاستثناء مما سبق.
وَهْوَ: أي صوغ فاعل.
قَلِيلٌ: أي شاذ، وحكمنا على كلام الناظم هنا بكونه قليل مع أنه لا يستخدم هذا، إنما قد يستخدم ندر، قليل لا يستخدمه في معنى الشاذ:
وَفِي فَعِيلٍ قَلَّ ذَا وَفَعِلِ
قَلَّ: يعني قليل وليس بشاذ. لماذا حكمنا بكونه شاذاً هنا؟ نقول: لقوله: بَلْ قِيَاسُهُ فَعِلْ، ماذا قال؟ وَهْوَ قَلِيلٌ في فَعُلْتُ وَفَعِلْ غَيْرَ مُعَدًّى بَلْ هذا إضراب وانتقال .. قِيَاسُهُ: يعني قياس فعِل اللازم .. فَعِلْ .... وَأَفْعَلٌ فَعْلَانُ، فدل على أن القلة المراد بها في كلام الناظم: الشذوذ.
وَهْوَ قَلِيلٌ: وَهْوَ: مبتدأ. وقَلِيلٌ: خبر.
وَهْوَ: أي صوغ فاعل قَلِيلٌ في اسم الفاعل من فعُل وفعِل اللازم، ولذلك قال:(غَيْرَ مُعَدًّى) هذا قيد لفعِل لا لفعُل؛ لأن فعُل لا يكون متعدياً ولازماً، وإنما فعِل هو الذي يحتاج إلى القيد، فقال: وَفَعِلْ غَيْرَ مُعَدًّى؛ هذا حال من فعِل.
غَيْرَ مُعَدًّى: حالة كونه غير معدىً، لأنه إذا كان متعدياً يكون قياساً، وإذا كان لازماً لا يكون قياساً بل يكون شاذاً.
وَهْوَ قَلِيلٌ: يعني صوغ فاعل قَلِيلٌ في اسم الفاعل فِي فَعُلْتُ، فَعُلْتَ فَعُلْتُ، ضممت التاء أو فتحت لا إشكال والمراد به: فعُل، وهذا لا يكون إلا لازماً لذلك لم يقيده.
وَفَعِلْ: يعني وفي فعِل اللازم، ولذلك:(غَيْرَ مُعَدًّى) هذا حال من فعِلَ.
غَيْرَ مُعَدًّى: فهم منه أنه كثير فيما عدا هذين الوزنين، وهذا واضح من البيت السابق؛ لأنه قال: وَهْوَ قَلِيلٌ فِي فَعُلْتُ وَفَعِلْ غَيْرَ مُعَدًّى
مفهومه: أنه كثير في فعَل مطلقاً وفعِل المتعدي. من الثلاثي وهو ثلاثة أنواع: فعَل متعدٍ نحو: ضرب فهو ضارب، وفعَل غير متعدٍ نحو: قعدَ فهو قاعد، وفعِل متعدٍ نحو: شربَ فهو شارب، نقول: هذا كثير، وأما فعُل وفعِل اللازم قليل بمعنى أنه شاذ.
بَلْ: هذا إضراب عما قبل.
قِيَاسُهُ فَعِلْ .... وَأَفْعَلٌ فَعْلَانُ: قياسه فعل اللازم، اسم الفاعل منه إذا أردته حينئذٍ تأتي به على وزن فعِل، فعِلٍ بالتنوين اسم.
وَأَفْعَلٌ: هذا الثاني.
فَعْلَانُ: هذا الثالث ممنوع من الصرف.
إذاً: ذكر لاسم الفاعل من فعِل اللازم ثلاثة أوزان، ذكر لـ (فعِل) اللازم اسم الفاعل منه ثلاثة أوزان، وحكم عليها بأنها قياس، إذاً: ما عداها لا يسمى قياساً بل هو من المحفوظ الذي يحفظ ولا يقاس عليه.
بَلْ قِيَاسُهُ: الضمير يعود على فعِل، وسيأتي الكلام في فعُل.
بَلْ قِيَاسُهُ فَعِلْ
قِيَاسُهُ: مبتدأ. وفَعِلْ: خبره، فعِل أي: فعِل اللازم. وَأَفْعَلٌ فَعْلَانُ. وهذه ليست كلها مستوية على مرتبة واحدة، بل كل منها يختص بفعل إن دل على معنىً حينئذٍ حكمنا عليه بكونه يأتي على فعِلٍ أو أفعل أو فعلان.
وَفَعِلْ: هذا شائع وكثير فيما دل على عرض، ما يسمى بالأعراض يعني: الأشياء التي تأتي وتزول؛ كالفرح، تقول: فرِح زيد فرِحٌ بكسر العين فرِح، فرِحَ زيدٌ فرِحٌ. إذاً: لا فرق بين الفعل الماضي فعِل واسم الفاعل، وإنما الأول بالنية ينوى كونه فعلاً فحينئذٍ يبنى: فرِحَ زيدٌ، فرِحٌ نفسه لكن تنوي أنه اسم فتنونه، وهذا فيما إذا دل على عرض.
أشِرَ زيدٌ فهو أشِرٌ، أشِرٌ على وزن فَعِل.
وَأَفْعَلٌ: وهذا كثير أو الأصل في الألوان والخِلَق جمع خلقة، والمراد بها: الحال الظاهر في البدن كالعور، عوِر زيد فهو أعور، فأعور: هذا اسم فاعل من فعِل اللازم.
فَعْلَانُ: يعني وفعلان على إسقاط حرف العطف.
فَعْلَانُ: وهذا فيما دل على امتلاء وحرارة الباطن، ومثل للثلاثة بقوله: نَحْوُ أَشِرِ وَنَحْوُ صَدْيَانَ وَنَحْوُ الأَجْهَرِ. لم يرتب.
أَشِر: هذا على وزن فعِل، وهو فيما دل على عرض؛ لأن أَشِر المراد به الذي لا يحمد النعمة مثل البطر لا يحمد النعمة، وحينئذٍ هذا عرض يأتي ويزول، الأعراض هي الأوصاف التي تكون في الإنسان وتأتي وتزول ولا تكون راسخة، بخلاف الشيء الراسخ كالحسن والجمال ونحو ذلك، هذه أوصاف مستمرة راسخة. وأما التي تأتي وتزول كالمرض والصحة والضحك والمشي والاستلقاء ونحو ذلك فهذه أعراض، لماذا؟ لأنها أوصاف غير مستقرة، غير ثابتة، غير مستمرة. ما كان كذلك والفعل فعِل وهو لازم حينئذٍ اسم الفاعل يكون على وزن فعِلٍ.
وأما أفعَل فهو مشهور في الألوان والخِلَق، يعني: ما كان لون كأحمر حَمِرَ وأصفر وأخضر، كلها نقول: هذا اسم فاعل من فعل اللازم، حَمِرَ ونحو ذلك.
وفعلان فيما دل على الامتلاء.
نَحْوُ أَشِرِ، هذا مثال للأول.
وَنَحْوُ صَدْيَانَ: وريان كذلك وهو العطشان، صديان.
وَنَحْوُ الأَجْهَرِ: الأجهر هو الذي لا يبصر في الشمس، جَهِرَ على وزن فَعِلَ، جَهِرَ زيد يعني: لا يبصر في الشمس، وحينئذٍ اسم الفاعل منه يأتي على وزن أفعل.
أشار إلى تعدد المعاني باختلاف الأوزان بتكرار قوله: َنَحْوُ؛ لأنه عدد الأمثلة وكرر معه َنَحْوُ، لماذا؟ للإشارة إلى ما ذكرته: وهو أن كل واحد من هذه الأوزان إنما يكون باعتبار معنىً مفارق لمعنى الوزن الآخر.
نَحْوُ أَشِرِ وَنَحْوُ صَدْيَانَ: أعاد نحو.
وَنَحْوُ الأَجْهَرِ: إذاً أعاد كلمة (نَحْوُ) في صديان والأجهر لاختلاف النوع، فكل واحد منها .. لأن الأوزان قد تتحد في الفعل، فيقال: يأتي على وزن كذا وكذا وكذا، وقد يقال: الفعل إن دل على كذا فوزنه كذا، وإن دل على كذا فوزنه .. حينئذٍ اختلفت الأنواع أو لا؟ اختلفت الأنواع، ففرق بين أن يوحَّد بين الأوزان لاتحاد نوع الفعل وبين أن ينوع في الأوزان لاختلاف أنواع الفعل، أما قلنا: الصوت ما دل على صوت يأتي المصدر منه على فُعَال وفعيل؟ تعددت الأوزان والمعنى واحد، وهنا فعِل اللازم فعل واحد وتعددت له الأوزان، متحدة أو باعتبار اختلاف المعاني؟ الثاني. إذاً: ليست متحدة.
إذاً: ما كان على وزن فعِل اللازم فاسم الفاعل يأتي منه على واحد من أوزانه الثلاث وهي: فعِلٌ وأفعَلٌ وفعلانُ.
قال الشارح: أي: إتيان اسم الفاعل على وزن فاعل قليل في فعُل بضم العين، كقولهم: حمُض .. إلى آخره. وفي فعِل غير متعدٍ نحو: أمِن فهو آمن، هذا شاذ يحفظ ولا يقاس عليه. وسلِمَ فهو سالم؛ كذلك يحفظ ولا يقاس عليه. وعقرت المرأة فهي عاقر؛ نقول: هذا يحفظ ولا يقاس عليه؛ لأن القياس في اسم الفاعل على زنة فاعل إنما هو في فعَل مطلقاً وفي فعِل المتعدي.
بل قياس اسم الفاعل من فعِل المكسور العين إذا كان لازماً أن يكون على فعِل بكسر العين، نحو: نظِر فهو نظِرٌ، وبطِرَ فهو بطِرٌ وأشِرَ فهو أشِرٌ، الأشر والبطر معناهما الذي لا يحمد النعمة.
أو على فعلان، لم يبين الشارح أن الاختلاف لاختلاف الأنواع .. المعاني. عطِش فهو عطشان، وصدي فهو صديان، أو على أفعل نحو: سَوِدَ فهو أسود، وجهِرَ فهو أجهر. وليست مستوية وإنما هي مختلفة باختلاف أنواع ما يدل عليه فعِل اللازم.
وَفَعْلٌ اوْلَى وَفَعِيلٌ بِفَعُلْ
…
كَالضَّخْمِ وَالْجَمِيلِ وَالفِعْلُ جَمُلْ
وَأَفْعَلٌ فِيهِ قَلِيلٌ وَفَعَلْ
…
...........................................
ذكر أربعة أوزان لفعُل بضم العين.
وَفَعْلٌ وَفَعِيلٌ وَأَفْعَلٌ وَفَعَلْ: هذه كلها لكنها ليست مستوية، فإذا أردت اسم الفاعل من فعُل بضم العين فأت به على وزن من هذه الأوزان الأربعة.
وَفَعْلٌ: هذا مبتدأ؛ لأنه قصد لفظه وصار علماً، وإلا في لفظه فهو نكرة، لكنه قصد لفظه وصار علماً فصح الابتداء به.
وَفَعْلٌ أَوْلَى بِفَعُلْ.
أَوْلَى: هذا خبر، لم يعبر بالقياس، لعل الناظم متردد في كونه هل هذا قياسه أم لا؟ ولذلك قال الصبان: قوله: (أَوْلَى) لعله لم يصرح بالقياس لعدم كثرة فعْل وفعيل في فعُل كثرة تقطع بقياسهما فيه عندهم، يعني: هو كثير، لكن الكثرة هذه لم تجعل الناظم يقطع بكونه هو القياس فيه؛ لأنه ليس كلما كثر الشيء صار هو القياس لا، قد يكون كثير ومساوياً للقياس، وقد يكون كثير لكنه أدنى من القياس، حينئذٍ لما كثر مجيء فعُل على فعْلٍ وفعيل؛ الناظم رحمه الله تعالى لم يقطع بكونه هو القياس؛ لأن هذه الكثرة قد يقع فيها نوع تردد.
إذاً: لعله لم يصرح بالقياس لعدم كثرة فعْلٍ وفعيل في فعُل كثرة تقطع بقياسهما فيه عندهم.
قال الشاطبي: وغير المصنف يرى أن فعيلاً قياس دون فعْل. هذا يدل على أن التردد واقع.
غير الناظم يرى أن القياس هو فعيل، وليس فعْل، والناظم هنا قال: وفَعْلٌ أَوْلَى وَفَعِيلٌ، ولم يؤخر أَوْلَى على َفَعِيلٌ فيجمع بينهما، بل فعْل وفعيل وفعْل أولى. غير الناظم يرى أن فعيلاً هو القياس وما عداه لا، إذاً: المسألة فيها نوع تردد.
وفَعْلٌ أَوْلَى وَفَعِيلٌ بِفَعُلْ: يعني بفَعُل اللازم.
كَالضَّخْمِ: من ضخُم على زون فعْل، ضخُم زيد فهو ضخْم، إذاً: اسم الفاعل من ضخُم: ضخْم. وشهُم فهو شهْم، وجَمِيلِ.
وَالْجَمِيلِ: هذا من جمُلَ فهو جميل، وظريف ظرُفَ فهو ظريف وشريف شرُفَ فهو شريف.
إذاً: من فعُل يأتي على وزن فعْل وفعيل.
وَالفِعْلُ جَمُلْ: هذا قيده للأخير، والجميل كالضخم.
وَالفِعْلُ جَمُلْ: أي فعل؟ جمل لجميل، مع أنه معلوم مما سبق لأن الحديث في فعُل.
وفَعْلٌ أَوْلَى وَفَعِيلٌ بِفَعُلْ كَالضَّخْمِ وَالْجَمِيلِ: عرفنا إلى هنا أن الضخم اسم فاعل لضخُمَ، وجميل اسم فاعل لجمُلَ، لمََََ قال: وَالفِعْلُ جَمُلْ؟ قيل: احترز به عن جميل من جملت الشحم بالفتح، جمَل .. وجملوه، احتراز عن جميل من جملت الشحمَ بالفتح أي: أذبته، فجُمِلَ بالبناء للمجهول أي: أذيب فهو مجمول وجميل؛ لأن فعيلاً فيه بمعنى مفعول فليس مما نحن فيه، ويرد عليه .. على هذا الاحتراز أن كون فعله جمُل بالضم معلوم من قوله:
وفَعْلٌ أَوْلَى وَفَعِيلٌ بِفَعُلْ
إذا: قيل: وَالفِعْلُ جَمُلْ؛ صرح به احترازاً من جملتُ بمعنى: أذبتُ، وهذا يأتي منه على وزن فعيل جميل لكنه بمعنى اسم المفعول، لكن نقول: هذا غير وارد؛ لأنه محترز به بقوله: فعُل، إذاً: هذا يكون من باب التتميم فحسب.
وَأَفْعَلٌ فِيهِ: في ماذا؟ في فَعُل.
قَلِيلٌ وَفَعَلْ: مفهومه أن الوزنين السابقين كثيران؛ لأنه قيد الثالث والرابع بكونهما قليل، حينئذٍ نفهم منه أن السابق الذي هو فعْلٌ وفعيل كثير، وهذا واضح من جهة الترجيح .. الأولوية، لأنه قال: وفَعْلٌ أَوْلَى.
وَأَفْعَلٌ فِيهِ قَلِيلٌ وَفَعَلْ: مثل ماذا أفعلٌ؟ قيل: مثل خضُبَ فهو أخضبُ، وعلى فعَلٍ مثل: بطُل فهو بطلٌ.
ومثله فَعَال وفُعَال وفُعُل وفِعْل وفُعْل بكسر الفاء أو ضمها، وفُعَّال وفَعُول وفِعِل؛ هذه كلها تأتي من فَعُلَ، فيدل على أن باب فَعُلَ من جهة اسم الفاعل غير منضبط لكثرة الأوزان وإن كان الأكثر على وزن فَعْلٍ أو فعيل، وبعده يأتي في الرتبة أفعل وفَعَل، وما عداه مما ذكرناه هذا أقل بكثير مما سبق.
فَعَال وفُعَال، فَعَال بفتحتين وفُعَال وفُعُل بضمتين، وفِعْل وفُعْل غِمر بكسر الفاء أو ضمها، وفُعَّال بالتشديد وفَعُول وفِعِل مثل ماذا؟ حرُشَ فهو أحرش، حرُشَ على وزن فَعُل فهو أحرش، يعني: خشُن. وخضُبَ فهو أخضب إذا احمر إلى الكدرة، وبطُلَ فهو بطل، وحسُنَ فهو حسن، وجبُنَ فهو جبان على وزن فَعَال، جبان. وشجُعَ فهو شجاع فُعَال، وجنُبَ فهو جنب فُعُل مثله، وعفُرَ فهو عُفْر، وغمُرَ فهو غِمْرٌ، عُفْرٌ فُعْلٌ غِمْرٌ فِعْلٌ، غِمْرٌ ما المراد به؟ لم يجرب الأمور.
ووضؤ فهو وضاء أي: وضيء. وحُصِرت فهي حصور، أي: ضاق مجرى لبنها، وخشُنَ فهو خشن.
إذاً: هذه كلها تأتي من فعُل لكنها ليست بالكثرة كالسابق.
وَأَفْعَلٌ فِيهِ قَلِيلٌ وَفَعَلْ
…
وَبِسِوَى الفَاعِلِ قَدْ يَغْنَى فَعَلْ
رجع إلى الأول:
كَفَاعِلٍ صُغِ اسْمَ فَاعِلٍ إِذَا
…
مِنْ ذِى ثَلَاثََةٍ يَكُونُ كَغَذَا
الأصل في فَعَلَ أنه يأتي على وزن فاعل.
قال: وَبِسِوَى الفَاعِلَِ: غير الفاعل.
قَدْ يَغْنَى فَعَلْ: قد يستغني فَعَل المتعدي واللازم بسوى فاعل .. بغيره، وما هو هذا السوى؟ أبهمه، يعني: غير مخصوص، حينئذٍ يكون الأصل فيه أنه سماعي وليس بقياسي، وإلا القياس هو الأول.
وَبِسِوَى الفَاعِلِ: يعني سوى الفاعل سوى زنة الفاعل السابق في قوله: كفاعل، كصيغة فاعل.
قَدْ يَغْنَى: قَدْ للتقليل. ويَغْنَى: مضارع غني من باب فِرح، أي: استغنى، ونسبة الاستغناء إلى فَعَل مجاز، والمراد: أنه قد يستعمل في الوصف من فَعَلَ غير فاعل، هذا المراد. قد يستعمل اسم الفاعل غير زنة فاعل في باب فَعَلَ، وما هو هذا السوى؟ قلنا: هذا لم يذكره، ففهم منه أنه غير مخصوص بوزن واحد، ولذلك قال: وتقدم أن قياس اسم الفاعل من فعَل المفتوح العين أن يكون على فاعل، وقد يأتي اسم الفاعل منه على غير فاعل قليلاً، قليل: قَدْ يَغْنَى، نحو: طاب فهو طيب، طيبٌ ليس على وزن فاعل، نقول: هذا سماعي ليس بقياسي. وشاخَ فهو شيخٌ، وشابَ فهو أشيبُ، وهذا معنى قوله: وَبِسِوَى الفَاعِل ِقَدْ يَغْنَى فَعَلْ.
إذاً: خلاصة ما ذكره الناظم: أن ما كان على وزن فَعَلَ اللازم والمتعدي وفعِل المتعدي القياس في اسم الفاعل منه أن يأتي على زنة فاعل، وما سمع في فعِل اللازم وفعُل كونه على زنة فاعل فهو شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه.
وما جاء على فعْلَ على غير زنة فاعل كطاب فهو طيب وشاخ فهو أشيخ؛ نقول: هذا كذلك سماعي، وأما فعِل اللازم فبابه وقياسه المطرد ثلاثة أوزان: فعِل وأفعل وفعلان، وليست مستوية في مرتبة واحدة بل لكل منها معنىً يدل عليه الفعل الذي جيء منه اسم الفاعل.
وأما فعُل بالضم ففيه فعْل وفعيل وأفعل وفَعَل لكنها ليست على مرتبة واحدة، وقيل: فعْلٌ أولى لكثرته، وبعده فعيل، وقيل: فعيل هو القياس وفعْلٌ سماعي. ثم بعدهما في القلة: أفعل وفعَل، وبعدهما فَعَالي وفُعَالي وفُعُل وفِعْل وفُعُل بالكسر والضم وفُعَّال وفَعُول وفِعِل؛ هذه كلها تأتي في مرتبة بعد مرتبة فعَل وأفعل.
يبقى أن نقول: كل هذه الأوزان غير فاعل هي صفات مشبهة، كيف هي صفات مشبهة ثم نقول: هو اسم فاعل؟ نقول: أن القاعدة لا يكون اسم الفاعل إلا على زنة فاعل فحسب فقط، وما عداه (وَفَعْلٌ أَوْلَى وَفَعِيلٌ) هذه أسماء فاعلين في المعنى، يعني: إذا أردت أن تدل على حدوث شيء وهو وصف لذات وليس من باب فعَل وإنما من باب فعِل اللازم أو فعُل فأت به على واحد من هذه الأوزان، وإلا هو في الحقيقة صفة مشبهة، كأنك تستعير الوزن هذا فتجعله لاسم الفاعل، لأن الصفة المشبهة كما سيأتي تدل على ثبوت حدث مستمر دائم، وأما اسم الفاعل فيدل على وجود حدث بعد أن لم يكن، إذاً: فرق بينهما. والأصل أنه لا يستوي وضع وزن واحد للمعنيين؛ لأن هذا ينافي ذاك، هذا يدل على عدمٍ ثم وجود، وهذا يدل على وجود مستمر دائم، وذاك يدل على انقطاع؛ لأنه قد يدل على الماضي بخلاف الصفة المشبهة، حينئذٍ نقول: الأصل في اسم الفاعل من الثلاثي لا يكون إلا على زنة فاعل، وما ذكر من هذه الأوصاف في فعِل اللازم فعِل وأفعل وفعلان وفعْلٌ وفعيل وما عطف عليه كلها صفات مشبهة، فإذا أردت أن تستعمل اسم الفاعل من فعِل اللازم لم يوضع له فاعل على زنة فاعل، وحينئذٍ ماذا تصنع؟ تأخذ واحداً من هذه الأوزان الثلاثة فتستعمله، فحينئذٍ يكون مدلوله اسم الفاعل، فلا بد من قرينة تدل على أنه استعمل في غير أصله، وأما إذا استعمل هكذا دون قرينة فيحمل على كونه صفة مشبهة.
إذاً: جميع هذه الصفات صفات مشبهة إلا فاعلاً فإنه اسم فاعل، إلا إذا أضيف إلى مرفوعه وذلك فيما إذا دل على الثبوت؛ كطاهر القلب، حينئذٍ هو صفة مشبهة، كما سيأتي في محله.
إذاً:
وفَعْلٌ أَوْلَى وَفَعِيلٌ بِفَعُلْ
…
كَالضَّخْمِ وَالْجَمِيلِ وَالفِعْلُ جَمُلْ
وَأَفْعَلٌ فِيهِ قَلِيلٌ وَفَعَلْ
…
وَبِسِوَى الفَاعِلِ قَدْ يَغْنَى فَعَلْ
هذه كلها صفات مشبهة.
إذاً: هذا ما يتعلق بالثلاثي، أما غير الثلاثي فإذا أردنا منه اسم الفاعل له قياس وهو أن يكون على وون مُفْعِل مُكرِم، هذا الأصل فيه. فإذا أطلق مُفْعِل كمُكرِم حينئذٍ حملناه على الدلالة على الحدوث، شيء حدث بعد أن لم يكن.
إن أضيف إلى مرفوعه -كما سيأتي- حينئذٍ ينتقل إلى كونه صفة مشبهة، وإلا فالأصل فيه أنه اسم فاعل، لكن من غير الثلاثي، وأما ما كان من الثلاثي فهو يأتي على زنة فاعل.
إذاً: اسم الفاعل ليس له إلا الصيغتان: إما أن يكون من ثلاثي فهو زنة فاعل، وإما أن يكون مما عدا الثلاثي فهو زنة مُفعل، وما عداه ليس اسم فاعل إلا من جهة المعنى.
وَزِنَةُ الْمُضَارِعِ اسْمُ فَاعِلِ
…
مِنْ غَيْرِ ذِي الثَّلَاثِ كَالْمُوَاصِلِ
مَعْ كَسْرِ مَتْلُوَّ الأَخِيرِ مُطْلَقَا
…
وَضَمَّ مِيمٍ زَائِدٍ قَدْ سَبَقَا
وَإِنْ فَتَحْتَ مِنْهُ مَا كَانَ انْكَسَرْ
…
صَارَ اسْمَ مَفْعُولٍ كَمِثْلِ الْمُنْتَظَرْ
وَزِنَةُ الْمُضَارِعِ: قال: وَزِنَةُ، وأول قال: صُغ، إذاً: كل منهما بمعنى الآخر، وعبر في الباب قال: أَبْنِيَةُ أَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ، ثم قال: كَفَاعِلٍ صُغْ، وهنا قال: وَزِنَةُ الْمُضَارِعِ، نفهم من هذا أن الكل بمعنىً واحد.
وَزِنَةُ الْمُضَارِعِ: أي موازن المضارع: هذا خبر.
اسْمُ فَاعِلِ: هذا مبتدأ مؤخر.
وَزِنَةُ: مضاف. والْمُضَارِعِ: مضاف إليه.
اسْمُ فَاعِلِ مِنْ غَيْرِ ذِي الثَّلَاثِ: من غير مصدر فعل غَيْرِ ذِي الثَّلَاثِ، هذه لا بد من التقدير؛ لأنه كما قال في الأول:
كَفَاعِلٍ صُغِ اسْمَ فَاعِلٍ إِذَا
…
مِنْ ذِى ثَلَاثََةٍ ...............
يعني: من مصدر فعل ذِي ثَلَاثََةٍ، لماذا؟ ليجري على القول الصحيح؛ لأنه يحتمل هنا مذهب الكوفيين: وهو أن أصل الاشتقاق هو الفعل، وليس الأمر كذلك. سبق أن الناظم نص على أن الصحيح أن الفعل وسائر المشتقات مأخوذة من المصدر، وَكَوْنُهُ أَصْلاً لِهذَيْنِ الذي هو الفعل .. بِمِثْلِهِ أَوْ فِعْلٍ أَوْ وَصْفٍ نُصِبْ، وَكَوْنُهُ أَصْلاً لِهذَيْنِ المتأخرين الفعل والوصف هذا نص صريح، فإذا جاء في الألفية كلها ما ظاهره أنه يوافق كلام الكوفيين حينئذٍ لا بد من التأويل، فحينئذٍ قوله:(مِنْ ذِي ثَلَاثََةٍ) يعني: من فعل ذي ثلاثة، صغ اسم فاعل من فعل ذِي ثَلاثَةٍ، ظاهره: أن الفاعل يؤخذ مباشرة من الفعل نفسه لا من المصدر، وهذا يخالف ما رجحه فيما سبق، لا بد من التأويل. نقول: من مصدر فعل ذي ثلاثة ليوافق المتن.
كذلك هنا: (مِنْ غَيْرِ ذِي الثَّلَاثِ) يعني: من غير مصدر فعل ذي الثلاث، يعني: الثلاثة الأحرف. أي: من مصدر فعل غير ذي الثلاث، غير ذي الثلاث شمل الرباعي الأصول كيدحرج. والرباعي المزيد كاحرنجم، والثلاثي المزيد كينطلقُ ويستخرجُ وأكرمَ.
إذاً: (غَيْرِ ذِي الثَّلَاثِ) شمل كل ما عدا الثلاثي المجرد، الثلاثي المزيد والرباعي المجرد والرباعي المزيد دخلت فيه، كل هذه الأنواع يأتي منها اسم الفاعل على ما سيذكره الناظم.
وَزِنَةُ الْمُضَارِعِ اسْمُ فَاعِلِ، اسم فاعلٍ مِنْ غَيْرِ ذِي الثَّلَاثِ زِنَةُ الْمُضَارِعِ كَالْمُوَاصِلِ.
كَالْمُوَاصِلِ: كأنه قال: اجر على لفظ المواصل وهو مُفاعل، لكن هذا سيأتي.
مَعْ كَسْرِ مَتْلُوَّ الأَخِيرِ مُطْلَقَاً
مَعْ: هذا حال من المضارع منصوب على الظرفية، مَعْ كَسْرِ، سكنه للضرورة؛ لأنه معرب في الأصل، إلا إذا قلنا بأنه على اللغة الأخرى لغة ربيعة وغنم فيكون مبنياً على السكون.
مَعْ كَسْرِ: مَعْ: مضاف. وكَسْرِ: مضاف إليه، وهو حال من مضارع.
كَسْرِ مَتْلُوَّ الأَخِيرِ: يعني الذي يتلوه الأخير، أي: ما يتلوه الأخير، والمراد الكسر ولو تقديراً.
مَعْ كَسْرِ مَتْلُوَّ الأَخِيرِ: يعني الذي يتلوه الأخير، يعني: قبل الأخير، لو قلت: تدحرج يتدحرجُ تقول: متدحرِ، إذاً: كسرت ما قبل الأخير، والكسر هنا مطلقاً سواء كان حقيقة أم تقديراً، يعني: قد يكون هو مكسوراً في نفسه كما مر معنا في عُلِمَ، عَلِمَ قلنا: يضم أوله ويكسر ما قبل آخره، قيل: بأن الكسر في عُلِمَ ليست هي عين الكسرة في عَلِمَ، ليست هي عينها، لماذا؟ لأن الصيغة يجب أن يضم أوله ويكسر ما قبل آخره، وهذا وجدناه مكسوراً في أصله.
إذاً: حذفنا الكسرة .. كسرة البنية وجئنا بكسرة حادثة تدل على الزنة، على الصيغة، هذا مثله أو نقول: اكتفينا بالكسرة الموجودة في أصل الصيغة؟ يحتمل هذا وذاك.
والمراد الكسر ولو تقديراً كمعتل ومختار، مختار مختَيَر مختيْر، يحتمل هذا وذاك، يعني: مختار هذا يعده الأصوليون من المجمل في الأسماء، لماذا؟ لأن هذه الألف منقلبة عن ياء وهي متحركة، ثم الشرط عند الصرفيين أن حركة الياء مطلق الحركة يعني: سواء حركت بضمة أو كسرة أو فتحة.
مختيَر مفتعَل، مختيِر مفتعِل، يحتمل هذا وذاك، تحركت الياء سواء كانت بفتحة أو كسرة فقلبت ألفاً. إذاً: صار إبهام إجمال.
إذا قلنا: بأنه اسم فاعل وهو المفروض هنا مختار على أنه اسم فاعل مختيِر مفتعِلٌ مختيِرٌ حينئذٍ نقول: مختار أين الكسرة التي قبل آخره؟ نقول: مقدرة.
إذاً: مَعْ كَسْرِ؛ حقيقة أو تقديراً ليدخل نحو: مختار مما كان قبل آخره ألف، وكذلك معتَل، معتِل معتَل يجوز فيه الوجهان اسمي فاعل.
وشذ فتح ما قبل الآخر في ألفاظ كاسم الفاعل من أحصن وأسهب، أي: تكلم بما لا يعقل. أحصنَ فهو محصن اسم فاعل؛ هذا يحفظ ولا يقاس عليه، حينئذٍ نقول: محصن هذا اسم فاعل من أحصن، الأصل فيه: محصِن بالكسر لكنه فتح، نقول: هذا خالف القاعدة، يحفظ ولا يقاس عليه.
وأسهَبَ فهو مسهَب، متى؟ إذا تكلم بما لا يُعقل، فإن تكلم بما يعقل فاسم فاعله مسهِب على الأصل بكسر الهاء على القياس.
إذاً: أسهَب فهو مسهِبٌ إذا تكلم بما يُعقل، وإذا قيل: مُسْهَبٌ حينئذٍ احتمل اسم المفعول واسم الفاعل فيما إذا تكلم بما لا يُعقل.
وأما محصَن بفتح ما قبل آخره فهو اسم فاعل لكنه يحفظ ولا يقاس عليه.
مَعْ كَسْرِ مَتْلُوَّ الأَخِيرِ: يعني الذي يتلوه الأخير.
مُطْلَقَاً: هذا حال من الكسر، مطلقاً يعني: سواء كان في الأصل مفتوحاً في المضارع أو مكسوراً، تدحرج يتدحرَجُ، إذاً: ما قبل الأخير مفتوح، تقول: متدحرِجٌ كسرته حقيقة، انطلق ينطلِقُ، اللام مكسورة قبل الأخير، ماذا صنعت؟ منطلِقٌ كسرتها مطلقاً، كسرتها إما أنك حذفت الكسرة وأتيت بكسرة حادثة جديدة لتدل على الزنة وإما أنك اكتفيت بالكسرة الفارقة بين اسم الفاعل واسم المفعول، منطلِق.
وَضَمَّ مِيمٍ زَائِدٍ قَدْ سَبَقَا
ضَمَّ مِيمٍ: يعني مِيمٍ زائدة يؤتى بها، هذا (ضَمَّ) عطف على كسر، مع كسر ومع ضم.
ضَمَّ مِيمٍ زَائِدٍ، أين هي الميم الزائدة؟ يعني: نأتي بميم زائدة محل حرف المضارعة، فالأصل حينئذٍ يكون محمولاً على الفعل المضارع، فتأتي بالفعل المضارع تقول: ينطلقُ، احذف الياء وائت بميم ثم ضمها، فتقول: مُن طَ لِ كسرت ما قبل الأخير وجئت بميم زائدة محل حرف الزيادة وهو حرف المضارعة وضممتها، قلت: مُنطلِقٌ.
وَضَمَّ مِيمٍ زَائِدٍ: هذا نعت لميم.
قَدْ سَبَقَا: قد للتحقيق.
سَبَقَا: الألف هنا للإطلاق، والجملة نعت ثاني لميم.
وشذ مجيء اسم فاعل أفعل على فاعل، يعني: الأصل أن يأتي فيما زاد على ثلاثة أحرف على وزن مُفعِل، على جهة الخصوص أفعَل أكرمَ تقول: يُكرمُ فهو مُكرم، أخرجَ يُخرِجُ فهو مُخرجٌ، أفعَل قد شذ في بعض أحواله .. كلمات جاء اسم الفاعل على زنة فاعل ولم يأت على زنة مُفعِل، مثل أورس الشجر إذا اخضر ورقه فهو وارس، أورس فهو مُورِس، لكن جاء على وزن فاعل وارِس، وجاء مُورِس قليلاً، وأمحل البلد إذا قحط فهو ماحِلٌ والأصل: موحِلٌ، لكنه الظاهر أنه لم يسمع في هذا موحِلٌ، وإنما سمع: ماحِلٌ، إذاً: جاء على وزن فاعل، لكنه شاذ يحفظ ولا يقاس عليه.
إذاً: القاعدة نقول: اسم الفاعل من غير الثلاثي يأتي على زنة مُفعِل، هذه النتيجة: يأتي على زنة مُفعِل، سواء كان رباعي الأصول أو ثلاثياً مزيداً أو رباعياً مزيداً، فالقاعدة في مُفعِل أنك تنظر في الفعل المضارع تبدل حرف المضارعة بميم مضمومة وهي السابقة ولا شك، ثم تكسر ما قبل آخره وتقول: مُفعِلٌ مُستخرِجٌ مُنطلِقٌ مُستغفِرٌ .. إلى آخره.
وَإِنْ فَتَحْتَ مِنْهُ مَا كَانَ انْكَسَرْ
…
صَارَ اسْمَ مَفْعُولٍ كَمِثْلِ الْمُنْتَظَرْ
هذا ما أشار إليه بقوله: أَبْنِيَةُ أَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ انتهينا منها، بقي: وَالْمَفعُولِينَ، مفعول إما أن يكون من الثلاثي أو غير الثلاثي، ما زاد على ثلاثة أحرف. ما كان من الثلاثي يأتي على زنة مفعول وهو الأصل، وإنما أخره الناظم هنا لمناسبة ذكر ما زاد على الثلاثي؛ لأن التفصيل فيه هو عين التفصيل في اسم الفاعل مما زاد على الثلاثي؛ لأن الفرق بينهما حركة ما قبل آخره، يعني: ينظر إلى الفعل المبني بمجهول فيؤتى بميم زائد قد سبقا وهي مضمومة، وأما ما قبل الآخر فبدل الكسر تفتحه، مُستخرِج مُستخرَج فقط، مُستخرِج نفسها بقيت كما هي ميم مضمومة، مُكرِمٌ مُكرَمٌ، مُنتظِرٌ مُنتظَرٌ، مُستغفِرٌ مُستغفَرٌ .. إلى آخره، إذاً: ما الفرق بينهما؟ هو حركة ما قبل الآخر، وهذا كله محل وفاق، ليس فيه خلاف بين النحاة، الباب من أوله إلى آخره.
وَإِنْ فَتَحْتَ: أنت أيها الناطق.
مِنْهُ: الضمير إما أن يعود إلى اسم الفاعل أو إلى الوزن، زنة المضارع أو إلى اسم الفاعل يحتمل، لكن يبقى الإشكال إذا عاد إلى اسم الفاعل، كيف يكون فتحت اسم الفاعل صار اسم مفعول؟ كيف نحكم عليه بكونه اسم فاعل وهو اسم مفعول؟ هذا محل إشكال، لكن نؤوله، أي: إن فتحت من اسم الفاعل حال كونك مخرجاً له عن كونه اسم فاعل إلى كونه اسم مفعول، ونرتاح من هذا نقول:(مِنْهُ) الضمير يعود إلى الوزن؛ لأن الوزن هو الذي لا يحكم عليه بكونه اسم فاعل.
وَإِنْ فَتَحْتَ مِنْهُ: يعني من اسم الفاعل ولا بد من التقدير، أي: إن فتحت من اسم الفاعل حال كونك مخرجاً له عن كونه اسم فاعل إلى كونه اسم مفعول، هذا إذا جعلت الضمير في (مِنْهُ) عائداً على اسم الفاعل، وقيل: عائد على الوزن.
إِنْ فَتَحْتَ مِنْهُ مَا كَانَ انْكَسَرْ: هذا اسم موصول بمعنى الذي في محل نصب مفعول به.
إِنْ فَتَحْتَ: فتح يتعدى.
مَا: مفعول به.
كَانَ انْكَسَرْ: هذه جملة الصلة لا محل لها من الإعراب، و (كَانَ) ناقصة، واسمها ضمير مستتر يعود على متلو الأخير وهو انكسر وهو خبر.
مَا كَانَ انْكَسَرْ: انكسر الجملة خبر (كان)، وهو ما قبل الآخر.
صَارَ اسْمَ مَفْعُولٍ: صار بعد فتحه اسم مفعول.
كَمِثْلِ الْمُنْتَظَرْ: أصلها منتظِر اسم فاعل، فتحت ما كان انكسر وهو الراء فقلت: منتظَر صار اسم مفعول من غير الثلاثي.
كذلك المنطَلَق منطلِق فتحت ما انكسر فقلت: منطلَق صار اسم مفعول، كذلك المستخرَج والمكرَم.
إذاً: القاعدة في اسم المفعول من غير الثلاثي: أنه يجرى به مجرى اسم الفاعل من غير الثلاثي، إلا أنه بدلاً من أن يكسر ما قبل الأخير يفتح ما قبله.
وَإِنْ فَتَحْتَ مِنْهُ: من الوزن.
مَا كَانَ انْكَسَرْ: الذي كان انكسر وهو مراده بقوله: مَعْ كَسْرِ مَتْلُوَّ الأَخِيرِ يعني: ما يتلوه الأخير، صَارَ اسْمَ مَفْعُولٍ كَمِثْلِ الْمُنْتَظَرْ.
قال الشارح: زنة اسم الفاعل من الفعل الزائد على ثلاثة أحرف زنة المضارع منه بعد زيادة الميم في أوله مضمومة. قد يظن الظان أنها زيادة على حرف المضارعة، والصواب أنه يقال: يبدل حرف المضارعة ميماً مضمومة، هذا أولى، إذا قيل: زِيْدَ في أوله ميم مضمومة، أوله ما هو؟ الياء، مثلاً: ينطلق، قد يظن الظان أن الميم تزاد قبل الياء والياء تبقى لا، وإنما يعبر بتعبير أجود من هذا أن يقال: يبدل حرف المضارعة ميماً مضمومة، حينئذٍ يفهم منه أنها زائدة وأنها بدل عن حرف المضارعة، ويكسر ما قبل آخره مطلقاً، أي: سواء كان مكسوراً من المضارع أو مفتوحاً، فتقول: قاتل يقاتِل فهو مقاتِل بكسر التاء مقاتِل، ودحرَج يدحرِج فهو مدحرِجٌ بكسر الراء، وواصل يواصِل فهو مواصِل، هنا لم نفعل إلا أننا زدنا الميم وضممناها فقط وإلا كسر ما قبل آخره فهو مكسور.
وتدحرَجَ يتدحرَجُ فهو متدحرِجٌ هذا من الملحق بالرباعي، لأن دحرج زيد في أوله التاء تفعلل، وتعلم يتعلم فهو متعلِّمٌ.
فإن أردت بناء اسم المفعول من الفعل الزائد على ثلاثة أحرف أتيت به على وزن اسم الفاعل ولكن تفتح منه ما كان مكسوراً وهو ما قبل الآخر، نحو: مُضارَب ومقاتَل ومنتظَر على الجهة السابقة.
وَفِي اسْمِ مَفْعُولِ الثُّلَاثِيِّ اطَّرَدْ
…
زِنَةُ مَفْعُولٍ كَآتٍ مِنْ قَصَدْ
هذا اسْم المَفْعُولِ من الثلاثي أنه يؤتى به على زنة مفعول، فتقول:، ضُرِبَ فهو مضروبٌ وقُتِل فهو مقتولٌ، وشُرِبَ فهو مشروبٌ، وأُكِل فهو مأكولٌ، إذاً: اسم المفعول من الثلاثي يأتي على زنة مفعول.
وَفِي اسْمِ مَفْعُولِ الثُّلَاثِيِّ اطَّرَدْ
فِي اسْمِ: هذا جار ومجرور متعلق بقوله: اطَّرَدْ. اسْمِ: مضاف. و (مَفْعُولِ) مضاف إليه، مَفْعُولِ: مضاف. و (الثُّلَاثِيِّ) مضاف إليه.
وَفِي اسْمِ مَفْعُولِ الثُّلَاثِىِّ اطَّرَدْ: اطرد في اسم مفعول الثلاثي، زِنَةُ هذا فاعل اطرد.
زِنَةُ مَفْعُولٍ كَآتٍ: يعني كاسم مفعول آتٍ من قصد فهو مقصود، ومنه مدعوٌّ، أصلها: مدعُ ثم واو؛ لأنه على زنة مفعول وأدغمت الواو في الواو.
ومرضي لأن أصلها: مرضوي مفعول، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياءً ثم أدغمت الياء في الياء فقيل: مرضيٌ، الياء الأولى منقلبة عن الواو؛ لأن مرضي على زنة مفعول، أين الواو؟ حينئذٍ نقول: أصلها مرضوي مفعول، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون، يعني: الواو سابقة وهي ساكنة؛ لأنها على زنة مفعول
…
الواو ساكنة، فقلبت الواو ياءً، ثم أدغمت الياء وهي ساكنة في الياء المتحركة صار: مرضيٌّ على وزن مفعول.
ومنه: مبيع ومقول ومرمي، مرمي مثل مرضي. مبيع ومقول، مبيع أصلها: مبيوع، استثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى ما قبلها، ثم اجتمع الواو والياء وهما ساكنان فحذفت الياء فقيل:(مب) ثم ياء ثم عين، لو أبقينا الضمة قبل ياء ساكنة وجب قلب الياء واواً، فقلبنا الضمة كسرة فقيل: مبيِع، إذاً: مبيِع هذا على زنة مفعول، مفعول، أين الواو؟ حذفت للتخلص من التقاء الساكنين، لماذا؟ لأن أصله: مبيوع، ياء ثم واو ساكنة، ياء مضمومة وما قبلها ساكن، نقلنا حركة الياء إلى ما قبلها فسكنت الياء ثم التقى الساكنان فحذفت الواو صار: مب، ضمة ثم ياء، حينئذٍ إذا أبقيناها على ما هي قلبت الياء واواً؛ لأن الياء الساكنة إذا ضم ما قبلها وجب قلبها واواً، لصحة الياء وإبقائها صحيحة دون قلبها قلبنا الضمة كسرة مثل: مسلموي هناك، وكذلك في مقوْل أصلها: مقوول بضمة على الواو وقبلها ساكن، نقول: استثقلت الضمة على الواو فنقلت إلى ما قبلها، مقوول، ثم اجتمع واوان فحذفت إحداهما فقيل: مقُول.
وَفِي اسْمِ مَفْعُولِ الثُّلَاثِيِّ اطَّرَدْ
…
زِنَةُ مَفْعُولٍ كَآتٍ مِنْ قَصَدْ
قصدته فهو مقصود، وضربته فهو مضروب، ومررت به فهو ممرور به.
وَنَابَ نَقْلاً عَنْهُ ذُو فَعِيلِ
…
نَحْوُ فَتَاةٍ أَوْ فَتىً كَحِيلِ
إذاً: اسْمُ مَفْعُولِ نقول: يأتي على زنة مفعول في الثلاثي، ويأتي على زنة مُفعَل فيما زاد على الثلاثي، هذا إذا أطلق فهو اسم مفعول يدل على حدث .. شيء وقع بعد أن لم يكن، إن أضيف إلى مرفوعه حينئذٍ صار صفة مشبهة، فإذا تردد بين أمرين: إما أن نحمله على الصفة المشبهة أو اسم مفعول؛ لأن الفرق بينهما كالفرق بين السماء والأرض: هذا يدل على شيء وجد بعد عدم، وهذا شيء يدل على شيء موجود مستمر، حينئذٍ نقول: فرق بينهما، لا يحتاج إلى قرينة في حمله على الحدوث بعد أن لم يكن، لأنه الأصل فيه.
وأما إذا أردنا أنه يدل على صفة مشبهة حينئذٍ لا بد من قرينة واضحة، وهذه القرينة في اسم المفعول إضافته إلى مرفوعه؛ محمود المقاصد، نقول: هنا صفة مشبهة، لماذا؟ لأنه أريد أن يدل على صفة لازمة ثابتة مستقرة، وهذا خلاف الأصل فيه، فإذا أضفناه حينئذٍ حملناه على الصفة المشبهة، إذا لم يضف قلنا: لا، لو احتمل الصفة المشبهة الثبوت نقول: لا نحمله عليه، وإنما نحمله على أصله، ولا بد من قرينة، والقرينة أن يكون مضافاً إلى ما بعده.
هنا فَعِيلِ نقول: فَعِيلِ الأصل فيه أنه صفة مشبهة، حينئذٍ قد ينوب عن اسم المفعول، ولكنه سماعي، ولذلك قال: ناب ذو فعيلٍ نقلاً، يعني: منقولاً، وإذا عبر عن الشيء بأنه نقل حينئذٍ حملناه على السماع. إذاً: لا قياس، لا ينقاس، وإن كان المسألة فيها خلاف.
ونَابَ نَقْلاً عَنْهُ ذُو فَعِيلِ
نَابَ: هذا فعل ماضي.
وذُو فَعِيلِ: (ذو) بمعنى صاحب، وهو فاعل.
ونَقْلاً: هذا إعرابه حال من ذُو فَعِيلِ.
نَقْلاً: أي: لا قياساً، وهو مصدر بمعنى اسم المفعول حال من (ذُو).
وناب عنه .. عن مفعول، عن مفعول فقط أو عن مُفعل أيضاً؟ الناظم هنا قال: عَنْهُ، والضمير يعود إلى أقرب مذكور، وهذا هو الظاهر أنه يناب عن مفعول فحسب، وإن حلمه بعضهم على العموم، لكنه ظاهر كلام الناظم أنه .. عن مفعول يعني: عن الثلاثي.
ونَابَ نَقْلاً عَنْهُ: يعني عن مفعول، وقد ينوب عن مُفعَلٍ كما قاله الصبان، لكن ظاهر كلام الناظم الأول.
وقد ينوب عن مُفعِل نحو: أعله المرض فهو عليل، عليل هذا على وزن فعيل، هذا ناب مناب ماذا؟ معل، أعله فهو معل، أعله. أعله اسم المفعول منه: مُعلٌّ إذا قيل: أعله المرض فهو عليلٌ؛ إذاً: عليل هنا ناب مناب معل، إذاً: جاء نائباً عن غير مفعول بل عن مُفعل.
وعقدت العسل فهو عقيد أي: معقد، لكن هذا قليل جداً، أن ينوب عن مفعل ولم يذكر إلا هذين المثالين فحسب، وإلا الأصل أنه نائب مناب مفعول.
ونَابَ نَقْلاً عَنْهُ ذُو فَعِيلِ
فَعِيلِ: هذا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، ولذلك جاء بمثالين مذكر ومؤنث وأوقع عليه فعيل.
نَحْوُ فَتَاةٍ أَوْ فَتىً كَحِيلِ: وهذا الذي مر معنا هناك في جمع المذكر السالم، قلنا: ألا يكون مما يستوي فيه المذكر والمؤنث: جريح وقتيل، هو هذا. فعيل كحيل تقول: فتاة كحيل وفتىً كحيل، يستوي فيه المذكر والمؤنث. امرأة قتيل ورجل قتيل، امرأة جريح ورجل جريح، إذاً: استوى فيه المذكر والمؤنث.
ونَابَ نَقْلاً عَنْهُ ذُو فَعِيلِ
ذُو فَعِيلِ: أي صاحب هذا الوزن أي: موازنه.
نَحْوُ فَتَاةٍ أَوْ فَتىً كَحِيلِ
قال الشارح: ينوب فعيل عن مفعول. انظر خصه بمفعول لأنه هذا ظاهر النظم، وأما أعله فهو معل وعقدته فهو عقيد نقول: هذا قليل جداً.
في الدلالة على معناه، انظر نص على أنه يُدل بفعيل ما يُدل بمفعول في المعنى فقط، وأما في العمل فلا، يعني: مفعول هذا يعمل عمل فعله بالشروط السابقة.
وَكُلُّ مَا قُرَّرَ لاِسْمِ فَاعِلِ
…
يُعْطَى اسْمَ مَفْعُولٍ ............
إذاً: يعمل عمل الفعل. ما ناب عن مفعول هل يعمل عمل الفعل وهو فعيل هنا على جهة الخصوص؟ الجواب: لا، إنما المراد به في الدلالة على معناه. ينوب فعيل عن مفعول في الدلالة على معناه فقط.
وقال ابن مالك رحمه الله في التسهيل -التسهيل هذا مطبوع لكنه لم يكمله، أكمله غيره-: وينوب في الدلالة لا العمل. هكذا نص على أنه ينوب عنه في الدلالة لا العمل.
قال ابن مالك في التسهيل: وينوب في الدلالة لا العمل عن مفعول بقلة فِعْل كذِبْحٌ، وفعَل كقَنس، وفُعْلة كغُرفة، وبكثرة فعيل، أما ذِبح وقَنس وفُعلة هذه قليل، وأما فعيل فهو كثير.
الشاهد من هذا الكلام أنه قال: ينوب عنه في المعنى لا في العمل، فاسم المفعول .. ما كان على زنة مفعول يرفع نائب فاعل، وأما فعيل إذا أُنيب عن مفعول لا يرفع نائب فاعل، وإنما معناه معنى اسم المفعول، نحو: مررت برجل جريح وامرأة جريح وفتاة كحيل، كحيل العين يعني. وفتىً كحيل، وامرأة قتيل، ورجل قتيل، فناب جريح وكحيل وقتيل عن مجروحٍ ومكحولٍ ومقتولٍ. إذاً: لا يشترط في الإنابة هنا ألا يكون له اسم مفعول، لا، قد يكون وقد يسمع غيره، ولا ينقاس ذلك في شيء، بل يقتصر فيه على السماع، وهذا معنى قوله:
ونَابَ نَقْلاً عَنْهُ ذُو فَعِيلِ
وزعم ابن المصنف أن نيابة فعيل عن مفعول كثيرة، وليست مقيسة بالإجماع. يعني: دعوى الإجماع في كونها ليست مقيسة قال: فيها نظر. وفي دعواه الإجماع على ذلك نظر، إجماعات النحاة هذه كما ذكرت سابقاً، جمهور وإجماع انتبه لها.
فقد قال والده في التسهيل في باب اسم الفاعل عند ذكره نيابة فعيل عن مفعول: وليس مقيساً، فلا يقال: ضريب بمعنى مضروب، لا تقس، إنما سُمع جريح وقتيل، هل سمع ضريب؟ لا، لا نقول: ضريب بمعنى مضروب فنقيسه لأنه على وزن فعيل، نقول: لا، لأنه غير مقيس بل هو محفوظ بكلمات معدودة.
وليس مقيساً خلافاً لبعضهم، أي: في نوع منه وهو ما ليس له فعيل بمعنى فاعل ليس مطلقاً.
وقال في شرحه: زعم بعضهم. دائماً يقول: قال في التسهيل وقال في شرحه، وأحياناً يقول: وقال في التسهيل وشرحه. هل بينهما فرق؟
قال في التسهيل، وإذا أرادوا تأكيده قالوا: وفي شرحه، انظر هنا قال: فقد قال والده في التسهيل في باب اسم الفاعل، ثم قال: وقال في شرحه.
المتن والشرح، ما الفائدة؟
إذا شرح المصنف كتابه فلا بد أن يكون الشرح لاحقاً لا سابقاً ولا موافقاً. لا يكون الشرح سابقاً على المتن عقلاً، ولا يكون موافقاً يضع المتن ويشرح معه، إذاً: يكون لاحقاً، وإذا كان لاحقاً قد يكون بينهما زمن، وحينئذٍ قد يرجع عن بعض أقواله، فقد يذكر في التسهيل شيء ثم في الشرح يخالفه، حينئذٍ إذا خالفه فالحجة في الشرح لأنه لاحق، معلوم قطعاً، فالأول منسوخ إن صح التعبير، حينئذٍ نقول: ما في التسهيل هذا مضروب عليه، وما في الشرح هو المقدم، فإذا وافق الشرح التسهيل هو قوة على قوة، فإن خالفه حينئذٍ صارت العمدة في التسهيل. وهذا يقع حتى عند ابن هشام، قطر الندى قد يذكر شيئاً في المتن ثم يخالفه في الشرح، ولذلك إذا قرأت متناً لشارحٍ .. صاحب المتن انظر قارن بينهما قد يقع خلاف وما يتنبه الطالب، قد يشرح شيء لأنه قد يرجع، مسألة يقررها في المتن ثم يشرحه بعد سنين يكون قد طالع واستفاد أشياء فرجع عن القول، فإذا شرحه قد لا ينص على ما ذكره في المتن، ولذلك هنا يقول: وقال في شرحه، دل على الفرق بينهما.
وقال في شرحه: وزعم بعضهم أنه مقيس في كل فعل ليس له فعيل بمعنى فاعل كجريح. يعني: لأنه لا لبس فيه، يعني: إذا جاء فعيل قد يكون لفاعل وقد يكون لمفعول، إذا سُمع فعيل لا لفاعل لا لبس فيه، إذا جاء فعيل ويحتمل فاعل ومفعول، بعض الأفعال يُسمع له فعيل بمعنى فاعل، ويُسمع له فعيل بمعنى مفعول، حينئذٍ إذا لم يُسمع للفعل لا نقول بأنه مقيس؛ لأنه يحتمل أنه فعيل بمعنى فاعل أو فعيل بمعنى مفعول. إذا لم يُسمع له فعيل بمعنى فاعل صار مقيساً لانتفاء اللبس، ولذلك قال: زعم بعضهم أنه مقيس في كل فعل ليس له فعيل بمعنى فاعل كجريح، فإن كان له بمعنى فاعل .. فعيل بمعنى فاعل حصل اللبس فلا يكون مقيساً.
إذاً: القضية مرتبة على حصول اللبس. فإن كان للفعل فعيل بمعنى فاعل لم ينب قياساً كعليم.
وقال في باب التذكير والتأنيث: وصوغ فعيل بمعنى مفعول على كثرته غير مقيس، فجزم بأصح القولين كما جزم به هنا، وهذا لا يقتضي نفي الخلاف. إذاً: في المسألة خلاف، والناظم قال: نَابَ نَقْلاً على ما ترجح عنده وهو الأكثر أنه غير مقيس، والخلاف في فعل ليس له فعيل بمعنى فاعل، هل ينقاس أم لا؟ أما فعل له فعيل بمعنى فاعل ليس مقيساً، لماذا؟ لوقوع اللبس.
ثم قال: وقد نبه المصنف بقوله: (نَحْوُ فَتَاةٍ أَوْ فَتىً كَحِيلِ) على أن فعيلاً بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث بلفظ واحد، وستأتي هذه المسألة مبينة في باب التأنيث إن شاء الله تعالى.
وزعم المصنف في التسهيل: أن فعيلاً ينوب عن مفعول في الدلالة على معناه لا في العمل. هذا هو الصحيح. فعلى هذا لا تقول: مررت برجل جريح عبده؛ لأنه إنما ناب عنه في المعنى فقط، أما العمل لا، فيبقى للأصل.
خاتمة:
قد يقال: ترجم المصنف لأبنية الصفات المشبهة، قال: باب أبنية أسماء الفاعلين وأسماء المفعولين، وظاهر صنيع النظم من أوله إلى آخر بيت:(ونَابَ نَقْلاً) أنه لم يذكر للصفات المشبهة أوزاناً، لأنه قال: والصفات المشبهات بها، فذكر فعُل وفعْل .. إلى آخره، كل ما ذكره في الظاهر أنه أسماء فاعلين أو أسماء مفعولين، أين الصفات المشبهة؟ قد يقال: ترجم المصنف لأبنية الصفات المشبهة ولم يذكرها وهو معيب، عيب تترجم للشيء ولم تذكره، هذا عيب. واغتفر في عكسه أن يذكر شيئاً ولم يترجم له يسمى تبرعاً، بمعنى أنه ذكر مسألة خارجة عما ترجم له هذا زيادة فضل لا ينكر عليه، أما تترجم لشيء ولا تذكره لا، هذا عيب.
ولم يذكره وهو معيب، ولا يقال: إنه ذكرها في الباب الآتي؛ لأنه سيذكر الصفة المشبهة، لكن نقول: هناك ذكر العمل ولم يذكر الأبنية، وحينئذٍ لا بد أن يكون قد ذكر الأبنية في هذا الموضع وإلا حصل تعارض؛ لأن المذكور فيه أحكامها لا أبنيتها، وجوابه: أن جميع هذه الصفات صفات مشبهة إلا فاعلاً كضارب وقائم فإنه اسم فاعل، إلا إذا أضيف إلى مرفوعه، متى اسم فاعل؟ ما كان على زنة فاعل كضارب وقائم نقول: إذا لم يضف إلى مرفوعه، وسبق خلاف منعاً وجوازاً اتفاقاً وتوسطاً بين طرفين، اسم الفاعل إذا كان من لازم إضافته لمرفوعه ما حكمها؟
حكمها جائزة باتفاق؛ كطاهر القلب. إذا أضيف إلى مرفوعه حينئذٍ انتقل إلى الصفة المشبهة، ولذلك سيأتي:
وَصَوْغُهَا مِنْ لَازِمٍ لِحَاضِرِ
…
كَطَاهِرِ الْقَلْبِ ..................
كَطَاهِرِ الْقَلْبِ زنة فاعل، لما أضيف دل على الثبوت، طَاهِرِ الْقَلْبِ صفة لازمة، وحينئذٍ إذا أضيف إلى مرفوعه نقول: هذا صار صفة مشبهة.
ويمتنع الإضافة فيما إذا تعدى إلى أكثر من اثنين .. باتفاق، وإذا تعدى إلى واحد محل نزاع بين النحاة، يجوز وقيل: لا يجوز.
إذاً نقول: جميع هذه الصفات مذكورة في هذا الباب صفات مشبهة، إلا فاعلاً كضارب وقائم؛ فإنه اسم فاعل، إلا إذا أضيف إلى مرفوعه وذلك فيما دل على الثبوت؛ كَطَاهِرِ الْقَلْبِ وشاحط الدار أي: بعيد، فهو صفة مشبهة أيضاً. وكذلك اسم الفاعل من غير الثلاثي واسم المفعول إذا قصد بهما الثبوت دون الحدوث، أو أضيفا إلى مرفوعهما كوصف الفاعل من الثلاثي المجرد فهما صفتان مشبهتان.
والحاصل: أن هذه الأبنية إن قصد بها الثبوت والدوام وإن لم تضف إلى مرفوعِها فهي صفات مشبهة، إذا قصد بها الدوام والاستمرار؛ لأن هذا معنى الصفة المشبهة، وإن قصد بها الحدوث كانت أسماء فاعلين، وحينئذٍ نقول: الفرق بين فاعل وَفَعْلٌ أَوْلَى وَفَعِيلٌ: أن فاعل يدل على اسم الفاعل بلفظه .. بالصيغة، وأما فعْلٌ إذا قصد به الحدوث فهو اسم فاعل معنى، وأما في اللفظ فلا؛ لأنه ليس عندنا اسم فاعل لما كان على زنة فاعل، وفعْلان وفعَلان وأفعَل وفعَل ليست على زنة فاعل، فإذا استعملت في الدلالة على الحدوث نقول: هي من جهة المعنى اسم فاعل.
إذاً: قد يكون اسم الفاعل لفظاً ومعنىً، وقد يكون معنىً لا لفظاً. متى يكون لفظاً ومعنىً؟ إذا كان على زنة فاعل فقصد به الحدوث. ومتى يكون معنىً لا لفظاً؟ إذا كان على زنة فاعل وقصد به الاستمرار، أو كان على غير زنة فاعل كفعْل وما ذكره الناظم من الأوزان، فهو اسم فاعل معنىً لا لفظاً.
وذهب بعضهم إلى أنه إذا قصد بها النص على الحدوث حولت إلى فاعل .. كلها، ولذلك قيل: حسُن فهو حاسن، وظرُف فهو ظارف، كل ما قصد به الحدوث حول إلى وزن فاعل، ولذلك عند بعضهم: أن وزن فاعل لا يختص بفعَل المتعدي وفعِل المتعدي، لا يختص بوزن فعَل المتعدي واللازم ولا فعِل المتعدي، بل كل ما أردت منه الحدوث حينئذٍ سواء كان فعَل مطلقاً أو فعِل مطلقاً أو فعُل تأتي به على زنة فاعل. حسُن فهو حاسن، ظرُف فهو ظارف، قبُح فهو قابح، فتح فهو فاتح .. إلى آخره. كل لفظ أردت الدلالة على الحدوث فأت به على زنة فاعل، وثَمَّ من يقوي هذا القول قديماً وحديثاً.
وذهب بعضهم إلى أنه إذا قصد بها النص على الحدوث حولت إلى فاعل مطلقاً بقطع النظر عن كونه فعَل أو فعِل أو فعُل، فإذا أُريد حدوث الحسن مثلاً قيل: حاسن لا حسن، وإذا أردت به الثبوت قلت: حسن لا حاسن، نفس اللفظ حسُنَ، إذا أردت الدلالة على الحدوث قلت: حاسن، وإذا أردت به الثبوت والاستمرار قلت: حسن، فرق بينهما، وسيأتي مزيد بيان في الصفة المشبهة.
والفرق بين فاعل وغيره في تلك الصفات: أن الأصل في فاعل قصد الحدوث، هذا الأصل فيه. وقصد الثبوت طارئٌ، عارضٌ، فلا يعتبر إلا مع ما يدل على خروجه عن الأصل، يعني: لا بد من قرينة واضحة بينة.
واستعماله في الثبوت من الإضافة إلى الفاعل ونحوها، أو النصب على التشبيه بالمفعول به أو على التمييز.
إذاً: لا بد من قرينة لفظية؛ إما أن يضاف، وإما أن ينصب مفعولاً على التشبيه بالمفعول به أو تمييز. وأما غير فاعل فمشترك، غير فاعل مثل فعَل وما عطف عليه. فمشترك في الأصل بين الحدوث والثبوت، واكتفي في كونه صفة مشبهة بقصد الثبوت فحسب. يعني: كل الصفات المشبهات السابقة يكتفى في الدلالة على قصد الحدوث بالنية فقط، ولا نشترط قرينة لفظية، لماذا؟ لأنه هو الأصل فيها، فما حمل على أصله لا يحتاج إلى قرينة لا حالية ولا قالية.
وأما إذا استعمل فاعل في غير مدلوله -وهو الاستمرار والثبوت- حينئذٍ لا بد من قرينة.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
…
!!!