المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * شرح الترجمة (الصفة المشبهة باسم الفاعل) ـ * علامة - شرح ألفية ابن مالك للحازمي - جـ ٨٣

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * شرح الترجمة (الصفة المشبهة باسم الفاعل) ـ * علامة

‌عناصر الدرس

* شرح الترجمة (الصفة المشبهة باسم الفاعل) ـ

* علامة الصفة المشبهة ، وشروط ما يصاغ منه

* عمل الصفة المشبهة وحكم معمولها من حيث التقديم والتأخير

* حالات الصفة المشبهة وحكم معمولها في كل حالة.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

قال الناظم رحمه الله تعالى: الصِّفَةُ المُشَبَّهَةُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ. يعني: ألحقت باسم الفاعل في العمل. والمراد باسم الفاعل: المتعدي لواحد، لأن اسم الفاعل قد يكون لازماً إذا كان مصوغاً من الفعل اللازم، وقد يكون متعدياً لواحد، وقد يكون متعدياً لأكثر من واحد.

الصِّفَةُ المُشَبَّهَةُ أشبهت اسم الفاعل في المتعدي إلى واحد، وحينئذٍ لا تنصب إلا اسماً واحداً، ويمتنع أن تنصب اسمين، لماذا؟ لأنها إنما ألحقت باسم الفاعل المتعدي لواحد لا متعدي إلى اثنين.

الصِّفَةُ المُشَبَّهَةُ مختلف في حدها، وهي أشبه ما يكون برسم، ولذلك قال الناظم:

صِفَةٌ اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ

مَعْنًى بِهَا الْمُشْبِهَةُ اسْمَ الفَاعِلِ

وهذا أشبه ما يكون بالعلامة، لذلك ذكر ابن عقيل وذكر المصنف: أن علامة الصفة المشبهة استحسان جر فاعلها بها، فدل على أنه من قبيل الرسم لا من قبيل الحد والتعريف.

وأما المشهور في حدها خلاف ما جرى عليه الناظم هنا لأنه يعتبر علامة، والصحيح أن نقول: الصِّفَةُ المُشَبَّهَةُ هي: ما صيغ لغير تفضيل من فعل لازم لقصد نسبة الحدث إلى الموصوف به دون إفادة معنى الحدوث. هذا يشمل الصفة المشبهة من حيث الحقيقة.

(ما صيغ لغير تفضيل) ما: اسم موصول بمعنى الذي، ويصدق هنا على الصفة؛ لأن كل ما ذكره من العوامل والمشتقات إنما هي صفات، وسبق أن الصفة هي ما دل على معنىً وذات، وهذا يشمل اسم الفاعل، اسم المفعول وأفعل التفضيل والصفة المشبهة، كلها تدل على ذات متصفة بحدث وإن اختلفت جهة الحدث.

إذاً: (ما) نقول: هذا اسم موصول يصدق على الصفة، والصفة المراد بها: ما دل على ذات وحدث.

إذاً: الصفة المشبهة تدل على ذات وحدث، كما أن اسم الفاعل يدل على ذات وحدث. إذاً: هذا من أوجه الشبه بين الصفة المشبهة واسم الفاعل.

(صيغ لغير تفضيل) صيغ قلنا: الصياغة والصوغ المراد به: الاشتقاق والأخذ، حينئذٍ أُخذت هذه الصفة المشبهة من مصدر فعل لازم لغير تفضيل احترازاً من أفعل التفضيل كما سيأتي أنه لا يكون كاسم الفاعل.

(من فعل لازم) يعني: من مصدر فعل لازم؛ لأنه لا تصاغ الصفة المشبهة إلا من الفعل اللازم، وهذا من الفوارق بين الصفة المشبهة واسم الفاعل، لأن اسم الفاعل يصاغ من اللازم ومن المتعدي، وأما المشبهة باسم الفاعل فهذه خاصة باللازم، وسيأتي قوله:(وَصَوْغُهَا مِنْ لَازِمٍ) دل على أنها لا تصاغ من الفعل المتعدي.

(لقصد نسبة الحدث إلى الموصوف به دون إفادة معنى الحدوث) هذا فصل أراد به بيان أن الصفة المشبهة تدل على الثبوت .. ثبوت الحدث في جميع الأزمنة: الماضي والحال والمستقبل. فإذا قيل: زيدٌ حسنٌ وجهه؛ حينئذٍ الحسن وصف له لازم في الماضي وفي الحال وفي المستقبل، لا يكون في الماضي حسن والآن لا، أو يكون في المستقبل دون الآن، بل الوصف عام.

إذاً: الصفة المشبهة تدل على ثبوت حدث لذات؛ لأنها صفة وهي كذلك، الصفة تدل على ذات وحدث.

(وهي مصوغة لغير تفضيل قطعاً) حسن وجميل وطاهر ونحو ذلك مصوغة لغير تفضيل.

ص: 1

لأن الصفات الدالة على التفضيل هي الدالة على مشاركة وزيادة؛ كأعلم وأفضل وأتقى وأصبر، نقول: هذه تدل على حدث ومشاركة وزيادة. الحدث هو ما أخذ منه أعلم .. العلم، وأفضل .. الفضل، وأتقى .. التقوى، نقول: هذه دلت على حدث. ثم مشاركة بين اثنين: لا بد من مفضل ومفضل عليه، زيدٌ أعلمُ من عمروٍ، وزيادة وهي زيادة المفضَّل على المفضَّل عليه في الحدث نفسه .. في العلم.

إذاً: دلت على ثلاثة أشياء، أفعل التفضيل يدل على ثلاثة أشياء: حدث لأنه صفة، والصفة تدل على ذات وحدث، وتدل على مشاركة بين اثنين، إذ لا يقال: أعلم، زيدٌ أعلم هكذا دون أن يكون ثَمَّ مفضَّل عليه، إلا إذا استعملت في غير بابها وهذا خروج عن أصلها.

إذاً: دلت على مشاركة بين اثنين، زيدٌ أعلمُ من عمرو. ودلت على زيادة؛ زيادة المفضل عليه في الحدث .. المفضل على المفضل عليه.

إذاً: أفعل التفضيل تدل على مشاركة وزيادة، وهذه ليست كذلك، الصفة المشبهة ليست دالة على مشاركة وزيادة.

(وإنما صيغت لنسبة الحدث إلى موصوفها) وسبق أن النسبة المراد بها: الإضافة، تضيف شيء إلى شيء وتنسب شيئاً إلى شيء، فإذا قيل مثلاً: مررت برجل حسن الوجه، حسن: هذا صفة مشبهة وهو مضاف، والوجه: مضاف إليه.

هنا دلت الصيغة (حسن) نسبة الحدث الذي هو الحسن إلى الموصوف، ما هو الموصوف؟ حسن الوجه، الموصوف هو رجل، فدلت على أنه موصوف بهذا الوصف وهو الحُسن. ثم: هل يدل اللفظ على مشاركة أو على زيادة، أم يدل على لزوم حدث؟ لا شك أنه الثاني.

إذاً: صيغت لنسبة الحدث إلى موصوفها وهو الحُسن في نحو: مررت برجل حسن الوجهِ، وليست مصوغة لإفادة معنى الحدوث فحسب أنه وجد بعد أن لم يكن، لا، إذا أريد أن يدل على وجود الحدث بعد أن لم يكن حينئذٍ ننتقل إلى اسم الفاعل؛ لأنك إذا أخبرت عن حدث إما أن تخبر عنه بأنه موجود دائماً لازم حينئذٍ تأتي بالصفة المشبهة، وإذا أردت أن تدل على حدث وقع بعد أن لم يكن حينئذٍ تأتي باسم الفاعل.

وليست مصوغة لإفادة معنى الحدوث، ففي المثال تفيد أن الحسن ثابت لوجه الرجل، لكنه من قبيل المجاز كما سيأتي.

(وليس بحادث متجدد) الحسن هذا ليس بحادث، ليس بمتجدد، وإنما هو لازم.

(بخلاف اسمي الفاعل والمفعول؛ فإنهما يفيدان الحدوث والتجدد) فإذا قلت مثلاً: مررت برجل ضاربٍ عمْراً؛ حينئذٍ وصفته بوجود الضرب بعد أن لم يكن، لأنك جئت بصيغة تدل على ذلك وهو اسم الفاعل.

(فضارب مفيد لحدوث الضرب وتجدده، وكذلك: مررتُ برجلٍ مضروبٍ) إذاً: وقع عليه الضرب بعد أن لم يكن، مررت برجل ضارب عمْراً أوقع الضرب بعد أن لم يكن.

وكذلك إذا قلت: زيدٌ شجاعٌ وزيدٌ جميل. زيد شُجاع، شجاع كما سبق أنه صفة مشبهة على وزن فُعال، حينئذٍ زيد شجاع وصفته بالشجاعة بعد أن لم تكن؟ أم المراد من اللفظ أنه متصف بالشجاعة ماضياً وحالاً ومستقبلاً؟ الثاني. حينئذٍ هو متصف مدة وجود مدلول زيد، متى ما وجد زيد حينئذٍ هو موصوف بالشجاعة.

ص: 2

فإذا أردت الشجاعة بأنها وقعت بعد أن لم تكن وقلت: زيدٌ شجاع؛ أخطأت في التعبير، أخطأت في اختيار اللفظ، حينئذٍ لا يفهم أنه يحتمل: زيد شجاع هكذا بالنظر العقلي، يحتمل أنه وجدت الشجاعة وكان جباناً، هذا محتمل، لكن إذا أريد الدلالة على أن الشجاعة وجدت بعد أن لم تكن حينئذٍ لا تأت بوصف شجاع، وإنما تعدل عنه إلى وصفٍ اسم الفاعل.

وكذلك: إذا قلت: زيدٌ شجاع وزيدٌ جميل؛ كان معنى الصفة هنا إثبات الشجاعة والجمال لزيد واستمرارهما في جميع أوقات وجود زيد. إذاً: دلت على ثبوت الوصف للموصوف، فلا تدل على الحدوث ولا التجدد، والدليل على ذلك أنها دالة على الثبوت: أنه إذا أريد الدلالة على الحدوث دون الثبوت حينئذٍ تأتي باسم الفاعل، حولت الصفة المشبهة إلى صيغة اسم الفاعل، فتقول في (زيدٌ حسنٌ) .. زيدٌ حسنٌ كما سبق أن بعض النحاة يرى أنه متى ما أردت الحدوث تأتي به على زنة فاعل مطلقاً بقطع النظر عن كون الفعل متعدياً أو لازماً، كونه على وزن فعَل أو فعِل أو فعُل، حينئذٍ: زيدٌ حسنٌ، زيدٌ حاسنٌ. زيدٌ شجاع، زيد شاجعٌ. زيد ظريف، زيد ظارفٌ. زيدٌ عفيف، زيدٌ عافٍّ. إذاً: إذا أردت الحدوث تأتي به على زنة فاعل، وهذا قال به بعض النحاة. حولت الصفة المشبهة إلى صيغة اسم الفاعل فتقول في: زيد حسن؛ زيد حاسن، أي: أن الحسن قد حدث له بعد أن لم يكن. إذاً: فرق بينهما من جهة المعنى ومن جهة الصيغة.

وفي (زيدٌ ضيق صدرهُ): زيد ضائقٌ صدرهُ، ضيق صدره، حينئذٍ نقول: ضيق يعني ملازم له الوصف صباح مساء، ماضي حال استقبال صدره ضيق، وإذا قلت: زيد ضائقٌ صدرهُ بمعنى أنه وجد بعد أن لم يكن.

إذاً: وصف الفاعل يدل على الحدوث بعد أن لم يكن، ووصف الصفة المشبهة تدل على اللزوم والحدوث، ولذلك قال تعالى:((وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ)) [هود:12] والضيق حدث بعد أن لم يكن، هذا خاص.

فلو كانت صيغتها تدل على الحدوث لما حولت إلى صيغة أخرى. هذا دليل على أن ثَمَّ فرقاً بين اسم الفاعل والصفة المشبهة.

فإذا أُريد ثبوت الوصف قلت: حسنٌ، ولا تقول: حاسن. وإذا أردت حدوثه قلت: حاسن ولا تقول: حسنٌ، وهذا تفريق جيد. ومثله: عافٍّ في عفيف، وشارفٍ في شريف، وظارفٍ في ظريف .. وهكذا.

إذاً: الصفة المشبهة تدل على نسبة وصف إلى موصوف على جهة اللزوم، بمعنى: أن هذا الحدث ثابت له مدة وجوده، وهذا مما فارقت فيه الصفة المشبهة اسم الفاعل فإنما يدل على الحدوث والتجدد وهي تدل على الثبوت والاستمرار والدوام.

ص: 3

وإنما سميت هذه الصفة مشبهة؛ لأنها كان أصلها أنها لا تنصب؛ لأنها أخذت من فعل لازم، (وَصَوْغُهَا مِنْ لَازِمٍ) فكيف تنصب؟ الأصل فيها أنها لا تنصب لكونها مأخوذة من فعل لازم قاصر، ولكونها لم يقصد بها الحدوث فهي مباينة للفعل، الفعل: قام زيد يقوم زيد، قم، تدل على حدوث شيء بعد أن لم يكن، حينئذٍ باينت الفعل يعني: فارقته، لكنها أشبهت اسم الفاعل فأعطيت حكمه في العمل لا في كل العمل وإنما في بعضه. أشبهت اسم الفاعل فأعطيت حكمه في العمل، ووجه الشبه بين الصفة المشبهة شُجاع وحسن ونحوها مع اسم الفاعل .. وجه الشبه بينهما أنها تدل على الحدث ومن قام به، كل منهما صفة تدل على ذات وحدث، الصفة المشبهة شُجاع وحسن يدل على ذات متصفة بصفة وهي الحُسن، وشجاع يدل على ذات متصفة بصفة وهي الشجاعة .. وهلم جرا. واسم الفاعل كذلك: ضارب، قائم؛ يدل على ذات متصفة بحدث.

إذاً: كلٌ منهما صفة، والصفة تدل على ذات وحدث.

ومن قام به .. من قام به الذي هو الذات، كما أن اسم الفاعل كذلك. وأيضاً الصفة المشبهة أشبهت الفاعل في كونها تؤنث وتثنى وتجمع، كما أن اسم الفاعل يؤنث ويثنى ويجمع، ولذلك سبق:

وَمَا سِوَى الْمُفْرَدِ مِثْلَهُ جُعِلْ

الذي هو المثنى والجمع بنوعيه: جمع التكسير بنوعيه وجمع التصحيح.

إذاً: الصفة المشبهة تؤنث كما أن اسم الفاعل يؤنث، والصفة المشبهة تثنى وتجمع كما أن اسم الفاعل يثنى ويجمع، فتقول: حسنٌ وحسنةٌ، وحسنان وحسنتان، وحسنون وحسنات، حسن: هذا مفرد مذكر، حسنةٌ: مفرد مؤنث، إذاً: أُنث. وحسنان وحسنتان ثنيا تذكيراً وتأنيثاً كما تقول: ضاربان وضاربتان. وحسنون وحسنات، حسنون بالواو والنون، وحسنات بالألف والتاء، كما تقول في اسم الفاعل: ضارب وضاربة وضاربان وضاربتان وضاربون وضاربات. إذاً: أشبهت الصفة المشبهة اسم الفاعل فيما ذكر.

وهذا بخلاف اسم التفضيل كأفضل؛ فإنه لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث، أي: في غالب أحواله، فلهذا لا يجوز أن يشبه باسم الفاعل كما سيأتي في محله.

إذاً: هذا وجه الشبه بين الصفة المشبهة واسم الفاعل، أولاً: تدل على حدث ومن قام به، كما أن اسم الفاعل ومن قام به.

ثانياً: الصفة المشبهة تؤنث وتثنى وتجمع كما أن اسم الفاعل كذلك.

ثالثاً: يزاد أنها تعمل مع شرط الاعتماد، يعني: لا تعمل النصب إلا إذا اعتمدت.

وَوَلِيَ اسْتِفْهَاماً أَوْ حَرْفَ نِدَا

أَوْ نَفْياً أَوْ جَا صِفَةً أَوْ مُسْنَدَا

كما أن اسم الفاعل لا يعمل إلا إذا اعتمد على شيء. فهذه ثلاث مسائل هي وجه الشبه بين اسم الفاعل والصفة المشبهة.

ص: 4

وأما تعريف الناظم .. فعرف الصفة المشبهة قال: بأنها هي الصفة التي استحسن فيها أن تضاف لما هو فاعل في المعنى، وهذا أشبه ما يكون بضابط أو علامة ليست بحد، يعني: الصفة المشبهة يستحسن .. لا يستقبح بل يكون حسناً بل هو أحسن: أن تضاف إلى ما هو فاعل في المعنى، بخلاف اسم الفاعل، اسم الفاعل كما سبق فيما تعدى إلى مفعول واحد، قلنا: جمهرة البصريين على المنع مطلقاً سواء أُمن اللبس أو لا. وأما ما كان لازماً فهذا متفق على أنه يضاف، وما كان متعدياً هذا متفق على أنه لا يضاف، وليست الصفة المشبهة مشبهة بواحد من النوعين، وإنما مشبهة بما تعدى لواحد، فوقع فيه نزاع: هل يضاف إلى فاعله أو لا؟ قلنا: محل نظر عند النحاة، بعضهم فصل بين ما إذا أمن اللبس وإذا لم يؤمن اللبس، إن أُمن اللبس جازت الإضافة وإلا فلا. وهذا مذهب الناظم -ابن مالك- وفي ذلك قال: اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ، فجعلها مفارقة لاسم الفاعل في الاستحسان، ولذلك يفهم من اللفظ استُحِسن ماذا؟ يفهم أنه يجوز إضافة اسم الفاعل إلى فاعله، لكنه لا على وجه الاستحسان بل على وجه الضعف.

الصفة التي استحسن فيها أن تضاف لما هو فاعل في المعنى؛ كحسن الوجه وطاهر القلب، فخرج نحو: زيدٌ ضاربٌ أبوهُ، زيدٌ: مبتدأ، وضاربٌ أبوهُ. لو أضفته قلت: زيدٌ ضاربُ أبيهِ، التبس أو لا؟ زيد ضاربٌ أبوه، أبوه فاعل لاسم الفاعل، لو أضفته؟ زيد ضاربُ أبيه التبس، التبس الفاعل بالمفعول؛ لأن ضارب هذا يتعدى إلى واحد، والصفة المشبهة أشبهت اسم الفاعل المتعدي إلى واحد، فإذا قلت: زيدٌ ضاربُ أبيه؛ وقعنا في لبس، السامع لا يدري هل الأب ضارب أو مضروب؟ هذا يحتمل خاصة في زماننا، زيدٌ ضاربٌ أبوه، ضاربُ أببه، نقول: هذا فيه لبس. فخرج نحو: زيدٌ ضاربٌ أبوه؛ فإن إضافة الوصف فيه إلى الفاعل ممتنعة لئلا توهم الإضافة إلى المفعول، وهذا واضح بين ويمنع، وهذا أشبه ما يكون بقاعدة مطردة: كل ما أوقع في لبس فالأصل فيه المنع، حينئذٍ إذا قيل بأن ثَمَّ خلافاً في إضافة اسم الفاعل إلى ما بعده وهو المتعدي إلى واحد .. إلى مرفوعه، إن أوقعت في لبس لا ينبغي أن يكون خلاف في المنع، وإن لم توقع في لبس هنا يكون محل النظر، ولذلك جوزه ابن هشام وابن مالك.

ونحو: زيدٌ كاتبٌ أبوه، كاتبُ أبيهِ، كاتبٌ أبوه. فيه لبس؟ زيدٌ كاتبٌ أبوهُ؛ الوصف هنا بكونه كاتباً للأب لا لزيد، فإذا قلت: زيدٌ كاتبُ أبيهِ؛ هذا ليس فيه لبس، لأنه ظاهر أن الأب هو الكاتب وليس المراد الكاتب اسم أبيه لا، إنما المراد الوصف بالكتابة على الأصل، كاتبٌ يعني: موصوف بالكتابة، يعني يحسن الكتابة، فإذا قيل: زيدٌ كاتبُ أبيهِ؛ فحينئذٍ لا يحتمل ما احتمله السابق.

فإن إضافة الوصف فيه: زيدٌ كاتبُ أبيهِ وإن كانت لا تمتنع لعدم اللبس لكنها لا تحسن.

صِفَةٌ اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ

ص: 5

إذاً: لا يحسن أن يضاف الوصف هنا زيدٌ كاتبُ أبيهِ، وهذا من الفوارق بين الوصفين: الصفة المشبهة واسم الفاعل. لماذا لا تحسن في: زيدٌ كاتبُ أبيهِ؟ علل النحاة ذلك؛ قالوا: لأن الصفة لا تضاف إلى مرفوعها حتى يقدر تحويل إسنادها عنه إلى ضمير موصوفها، يعني: يرتكب مجاز، ثم المجاز هذا قد يكون قريباً وقد يكون بعيداً، إذا كان قريباً فهو مغتفر، وإذا كان بعيداً فهو قبيح، خرج بقوله: اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ. الصفة لا تضاف إلى مرفوعها حتى يقدر تحويل إسنادها عنه إلى ضمير موصوفها، هو ليس فيه تحويل، ولذلك قال النحاة: يُقدر، بمعنى: أنه ينوى أولاً أنه أسند ثم بعد ذلك صار تحويل في الإسناد، مجرد تقدير وإلا لم يرد هذا عن العرب، لماذا؟ قالوا: لأن الفاعل في الأصل أن يسند لا يضاف. الفاعل مسند إليه، إذاً: لا بد أن يسند أولاً على حسب القواعد العامة، على حسب القواعد العامة لا بد أن يسند أولاً، هذا شأن الفاعل، ثم العامل قد يكون فعلاً وقد يكون وصفاً ويكون مسنداً، إذاً: الأصل أن يكون الفاعل مسنداً إليه؛ لأن الكلام إنما ينشأ عن فعلٍ وفاعل وكل منهما مسند ومسند إليه.

إذاً: لا تتأتى الإضافة هكذا مباشرة، لو قلنا: يجوز إضافة الوصف إلى فاعله دون إسناد حينئذٍ خالفنا القاعدة العامة: قام زيدٌ، زيدٌ مسند إليه. وأن أقل ما يتركب منه الكلام اسمان أو اسم وفعل. إذاً: أين الإسناد، وقد جوزنا كاتبُ أبيهِ أنه أضيف إلى فاعله دون إسناد؟ وقعنا في مخالفة، حينئذٍ تسوية لهذه القواعد ولئلا يحصل فيها لبس أو خلل قيل: أولاً يسند على الأصل، ثم بعد ذلك يحول الإسناد من اللفظ .. الإسناد إلى اللفظ إلى الضمير، فحينئذٍ أوقعنا في ماذا؟ جئنا على الأصل وهو كونه أسند إلى الفاعل، لكنه صار ضميراً، ولذلك سيأتي عند قوله: فَارْفَعْ بِهَا وَانْصِبْ وَجُرَّ؛ أنه إذا نصب أو جر لا بد من ضمير مستتر، بخلاف ما إذا رفعت.

إذاً: نقدر أولاً أن ثَمَّ تحويلاً حصل في التركيب، أسند الوصف إلى الفاعل في الظاهر، ثم بعد ذلك قُصدت الإضافة، ولا إضافة إلا بعد إسناد تمشياً مع الأصول العامة والقواعد العامة، حينئذٍ أسندنا الصفة إلى ضمير الموصوف، وهذا باعتبار التقدير فحسب. لأن الصفة لا تضاف إلى مرفوعها حتى يقدر تحويل إسنادها عنه، عنه عن اللفظ نفسه وإلا الأصل هو فاعل. حسنٌ الوجهُ مثلاً، حينئذٍ الوجه هذا فاعل، فإذا أردنا الإضافة لا بد أن نجعل (حسنٌ) مسنداً إلى ضمير، ضمير ماذا؟ يعود على الفاعل، ثم بعد ذلك نجعل الفاعل الذي كان فاعلاً في اللفظ والمعنى نجعله فاعلاً في المعنى فحسب، وأما في اللفظ فهو مضاف إليه.

تحويل إسناده عنه إلى ضمير الموصوف بدليلين. الذي دل على أن هذا التحويل حاصل دليلان:

الأول: أنه لو لم يقدر كذلك لزم إضافة الشيء إلى نفسه؛ لأن حسنٌ الوجهُ، الوجهُ موصوف، وحسن: صفة، وسبق أن إضافة الموصوف إلى صفته والعكس من إضافة الشيء إلى نفسه، حينئذٍ لا بد من التحويل؛ لئلا نُضيف الشيء إلى نفسه.

ص: 6

ثانياً: أنهم يؤنثون الصفة في نحو: هندٌ حسنةُ الوجهِ، حسنةُ وهذا صفة مشبهة مؤنث، الوجهِ: مضاف إليه. الوجهِ هذا فاعل في المعنى، كان فاعلاً في اللفظ ثم قصدت الإضافة فلا بد من التحويل؛ تحويل الإسناد من كون حسنةٌ مسند إلى الوجه إلى كونه مضافاً إليه، فجعلنا حسنة مضافاً إلى ضمير، وهذا هو الضمير الفاعل في الأصل، فحينئذٍ قيل: هندٌ حسنةُ الوجهِ، حسنةٌ لماذا أنث؟ الوجه مذكر أو مؤنث؟

مذكر، لا يحتاج إلى تأنيث، لو قيل: هندٌ حسنٌ الوجهُ؛ لا نحتاج إلى تأنيث لأن الوجه مذكر وحسن مذكر، إذاً: لا نحتاج، مثل: قام زيدٌ، متى نحتاج إلى التأنيث؟ إذا كان الفعل أو الوصف مسنداً إلى مؤنث وهنا ثَمَّ ضمير أسند إليه حسنة وهو عائد على هند، وإذا عاد الضمير على متقدم حينئذٍ قلنا: وجب التأنيث مطلقاً سواء كان المؤنث مؤنثاً حقيقياً أو مجازياً، وهنا: هندٌ حسنةُ الوجهِ؛ دل على أن ثَمَّ ضمير مضمر في حسنةُ يعود على هند، ولذلك تقول: زيدٌ حسنُ الوجهِ، هندٌ حسنةُ الوجهِ، ماذا تفهم من التركيبين؟ تفهم: أن ثَمَّ ضميراً هو فاعل في قوله: حسنةُ الوجهِ، هذا الضمير مرجعه إلى هند وهو مؤنث؛ فلذلك وجب تأنيث الوصف فقيل: حسنةُ الوجهِ.

إذاً: الدليل الثاني: أنهم يؤنثون الصفة في نحو: هندٌ حسنةُ الوجهِ، فدل على أن الصفة هنا مسندة إلى الضمير. حسنةُ الوجهِ؛ دل على أن الصفة هنا مسندة إلى ضمير، الضمير هذا يعود إلى مؤنث حقيقي، فلهذا حسُن أن يقال:(زيدٌ حسنُ الوجهِ) دون تأنيث، لماذا لا نحتاج إلى التأنيث؟ لأن الضمير هنا مرجعه إلى مذكر.

إذاً: من هذين التركيبين نأخذ أن الوصف وهو حسن وحسنةُ فيه ضمير هو فاعل يعود على الموصوف وهو زيدٌ وهندٌ. من أين جاء هذا الضمير؟ كان قبل الإضافة الوصف مسنداً إلى الفاعل ثم حول فأسند إلى ضمير الفاعل الذي هو الموصوف.

نقول: أصل التركيب أن الوصف مسند إلى الاسم الظاهر، ثم لما قصدت الإضافة قالوا: لا يمكن أن يضاف الفاعل هكذا مباشرة، لا بد من تحويل يُحوَّل إسناد الوصف من كونه مسنداً للاسم الظاهر من كونه مسنداً إلى ضمير يعود إليه، فحصلت الإضافة ولا إشكال.

حسُن أن يقال: زيدٌ حسنُ الوجهِ؛ لأن من حسُن وجههُ حسُن أن يسند الحسن إلى الجملة مجازاً، إذا قيل:(حسُن الوجهُ أو وجه زيد) يحتمل أنه من إطلاق الجزء مراداً به الكل ولا إشكال، سواء قلت حقيقة أو مجاز. لو قيل: بأنه مجاز؛ هل هو مجاز مقبول قريب؟ نعم، مجاز مقبول قريب.

ويصلح أن يكون من إطلاق الجزء مراداً به الكل، وقبُح أن يقال: زيدٌ كاتبُ الأبِ، قلنا: هذا ممتنع، وهذا قبيح، لو جاز يكون قبيحاً، لماذا؟ لأن الوصف بالكتابة هنا للأب، فجعلها للابن يحتاج إلى مجاز بعيد .. حتى نجعل الوصف هنا الكتابة للابن. زيدٌ كاتبُ الأبِ، يعني: أبوه هو الكاتب، طيب. قد يكون الابن كاتباً وقد لا يكون، إذا أردنا جعل هذا الوصف للابن نحتاج إلى ارتكاب مجاز بعيد؛ وهذا قبيح، فلذلك استُحسن في الصفة المشبهة جر الفاعل بها؛ لأن المجاز يكون فيها قليل والمجاز عقلي، وحينئذٍ إذا أردنا إضافة اسم الفاعل إلى فاعله وإن صح إلا أنه على ارتكاب مجاز بعيد وهو قبيح، ولذلك لا يُستحسن.

ص: 7

وقبُح أن يقال: زيدٌ كاتبُ الأبِ؛ لأن من كتب أبوهُ لا يحسن أن تسند الكتابة إليه إلا بمجاز بعيد وهو قبيح.

إذاً: عرفنا لماذا جاز: حسنُ الوجهِ وقبُح: كاتبُ الأبِ؟ (حسنُ الوجه) نقول: هذا مجاز قريب، أو (حسنةُ الوجهِ) مجاز قريب؛ لأنه من إطلاق الجزء مراداً به الكل، وهو مستعمل في لسان العرب.

وأما (كاتبُ الأبِ) على أن يجعل الوصف كاتب للابن؛ نقول: هذا فيه ارتكاب مجاز بعيد جداً يحتاج إلى إضافات ونحو ذلك، وهذا قبيح.

وقد تبين: أن العلم بحسن الإضافة موقوف على النظر في معناها لا على معرفة كونها صفة مشبهة. وهذا رد على اعتراض ابن الناظم على تعريف أبيه؛ لأنه قال:

صِفَةٌ اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ

مَعْنًى بِهَا الْمُشْبِهَةُ اسْمَ الفَاعِلِ

متى نقول صفة مشبهة؟ إذا اسْتُحْسِنَ جَرُّ الفَاعِلِ بِهَا. متى يستحسن جر الفاعل بها؟ إذا كانت صفة مشبهة، إذا فيه دور، فاعترض ابن الناظم على أبيه، والنظر هنا نقول: الصواب أن النظر في المعنى، ثم نحكم عليه بكونه صفة مشبهة، فلا دور.

وقد تبين أن العلم بحسن الإضافة موقوف على النظر في معناها لا على معرفة كونها صفة مشبهة، حينئذٍ فلا دور في التعريف كما توهمه الشارح الذي هو ابن الناظم. قيل: إذا قيل الشارح في أي فن فيريدون به أول شارح للمتن. دائماً يقولون: الشارح، قال الشارح، ما ينصون عليه، مرادهم بهذا الاصطلاح -في كل فن: الشارح .. إلا إذا اصطلح اصطلاحاً خاصاً-؛ فينصرف إلى أول شارح للمتن وهو ابن الناظم، لكن هذا يخالف ما ذكره في كشف الظنون: أن أول شارح هو ابن مالك رحمه الله، ابن مالك شرح الألفية لكنه ما واصلها، وهذا قد يجري على القاعدة التي عند بعض أهل العلم: أن كل من شرح متنه فالظاهر أنه يكون مهجوراً؛ لأنه لا يأتي بالدرر التي يأتي بها غيره، يعني: يأتي بشرح تعليق أشبه ما يكون فك عبارة أو نحو ذلك، وأما الاعتراضات ونحو ذلك فلا تكون من نفس الشارح؛ لأنه لا يتصور أنه يعارض نفسه ويجيب ويرد .. إلى آخره، ويأتي بمناظرات ويجادل، وإنما هذا يتصور في الغير، أما الذي يشرح كتابه فالغالب أنه لا .. استثنى بعضهم النزهة .. نزهة النظر، بعض الإخوة يقولوا: النزهة تخالف.

على كلٍ؛ هذه قاعدة عامة، وابن مالك شرح ألفيته، لكن اصطلاح النحاة إذا قيل: الشارح؛ خاصة في شروحات الألفية فيعنون به ابن الناظم.

وحينئذٍ فلا دور في التعريف كما توهمه الشارح؛ لأن العلم بالصفة المشبهة متوقف على استحسان إضافتها إلى الفاعل. هذا باعتبار النظر.

واستحسان إضافته إلى الفاعل متوقف على العلم بكونها صفة مشبهة. والصواب: أن الحكم بكونه يستحسن جر فاعل موقوف على المعنى .. النظر لا على اللفظ.

صِفَةٌ اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ

مَعْنًى بِهَا الْمُشْبِهَةُ اسْمَ الفَاعِلِ

صِفَةٌ: مبتدأ.

وجملة: اسْتُحْسِنَ؛ هذه صفة.

جَرُّ: هذا نائب فاعل.

اسْتُحْسِنَ: مغير الصيغة.

وجَرُّ فَاعِلِ: مضاف ومضاف إليه، وجَرُّ: هذا نائب فاعل.

ص: 8

مَعْنًى بِهَا: هذا منصوب على نزع الخافض أو تمييز، يعني في المعنى أو من جهة المعنى لا اللفظ؛ لأنه قُدر أولاً أنه كان لفظياً الإسناد إليه، ثم لما أُريدت الإضافة حُول فجُعل الإسناد إلى ضمير يعود إلى الموصوف ثم أضيف إلى الفاعل، فهو فاعل باعتبار ما كان، وأما الآن فلا.

الْمُشْبِهَةُ اسْمَ الفَاعِلِ

الْمُشْبِهَةُ: هذا خبر، ويجوز العكس: أن يكون (الْمُشْبِهَةُ) مبتدأ، و (صِفَةٌ): هذا خبر، كلاهما جائز.

الْمُشْبِهَةُ اسْمَ الفَاعِلِ

لكن إذا جعلنا (الْمُشْبِهَةُ) مبتدأ؛ حينئذٍ عاد الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، لكن المعربون يجوزون هذا الوجه وإلا فيه إشكال.

صِفَةٌ: عرفنا المراد بالصفة: ما دل على معنىً وذات.

اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ مَعْنًى بِهَا: هذا تعريف بالخاصة فهو رسم، وأورد عليه صور امتناع الجر كما سيأتي، وصور ضعفه، فكيف يقال: اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ مَعْنًى؟ لأنه سيأتي أن صور الجر منه ما هو مستحسن، ومنه ما هو ممتنع، ومنه ما هو جائز لكنه ضعيف، فأطلق الناظم هنا، أطلق الناظم أنه يستحسن مطلقاً جر الفاعل بها، والصواب التفصيل، حينئذٍ نقول: يرد عليه صور امتناع الجر وصور ضعفه؛ فإن الصفة المشبهة في جميع هذه الصور لا يستحسن فيها جر الفاعل.

وأجيب على صور الامتناع: بأن المراد الاستحسان استحسان الجر بنوعها لا بشخصها، استحسان بنوعها لا بشخصها؛ لأن الحكم بالشيء قد يحكم على شيء من جهة النوع لا من جهة الآحاد، وأما إذا دخلنا في التفاصيل والآحاد فثَمَّ تفصيل.

وأما الصفة المشبهة من حيث هي فالأصل فيها أنه يستحسن جر فاعل بها، وحينئذٍ صور الامتناع نقول: لا ترد؛ لأن الحكم هنا على الصفة المشبهة باعتبار النوع لا باعتبار الشخص.

وأجيب عن الثاني -وهو صور الضعف- بأن المراد بالاستحسان خلاف الاستقباح، ولا استقباح في الضعيف وإن قوبل بالحسن، وفي كلا الجوابين نظر، ولذلك قلنا: الأولى أن يعرف بما ذكرناه سابقاً.

صِفَةٌ اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ مَعْنًى بِهَا: أي في المعنى أو من جهة المعنى لا للفظ.

ومعنى البيت؛ أي: تتميز الصفة المشبهة عن اسم الفاعل باستحسان جر فاعلها. هذا لا إشكال فيه، لو جعل علامة أن الصفة المشبهة يستحسن فيها جر فاعل في بعض صورها بخلاف اسم الفاعل وجعل من الفوارق في الجملة هذا لا إشكال؛ لأن اسم الفاعل لا يستحسن مطلقاً، حتى لو جاز يكون جائزاً على ضعف، كما ذكرناه سابقاً.

إذاً: تتميز الصفة المشبهة عن اسم الفاعل باستحسان جر فاعلها بإضافتها إليه، فإن اسم الفاعل لا يحسن فيه ذلك؛ لأنه إن كان لازماً وقصد ثبوت معناه صار منها، كما ذكرناه سابقاً. اسم الفاعل إذا قصد الثبوت حينئذٍ صار صفة مشبهة، ولذلك سيقول: كَطَاهِرِ الْقَلْبِ، طَاهِرِ: هذا اسم فاعل على زنة فاعل، وحينئذٍ استحسن جر الفاعل بها: طَاهِرِ الْقَلْبِ، نقول: طَاهِرِ هنا ليس باسم فاعل، لماذا؟ لأن اسم الفاعل يدل على حدوث شيء بعد أن لم يكن، والمراد هنا وصف الْقَلْبِ باستمرار الطهارة ووصف الطهارة له، وهذا معنى الصفة المشبهة.

ص: 9

صار منها وانطلق عليه اسمها، وإن كان متعدياً فالجمهور على منع ذلك فيه فلا استحسان، وإنما قيد الفاعل بالمعنى؛ لأنه لا تضاف الصفة إليه إلا بعد تحويل الإسناد عنه إلى ضمير الموصوفين. وهذا كما ذكرناه سابقاً. فلم يبقَ فاعلاً إلا من جهة المعنى، وأما في اللفظ فلا، وهذا ليس له وجود، لم ينقل في لسان العرب صفة مشبهة أسندت إلى الفاعل ثم نقل إسناد نفس اللفظ إلى المضاف، وإنما هذا من باب جري القواعد على سنن واحد فقط؛ لأن الفاعل لا يكون إلا مسند إليه فكيف تقول: طَاهِرِ الْقَلْبِ والْقَلْبِ هذا فاعل وليس عندنا إسناد؟ انتفى الأصل، (وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعِلٌ) لا بد من إسناد ومسند إليه، حينئذٍ نقول هنا: أضيفت الصفة إلى الفاعل في المعنى بعد أن أضيفت إليه أسندت إليه في اللفظ، وحصل التحويل، والتحويل هذا في الذهن فقط لا وجود له في الخارج.

صِفَةٌ اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ

مَعْنًى بِهَا الْمُشْبِهَةُ اسْمَ الفَاعِلِ

مُشْبِهَةَ اسْمِ بالجر والنصب، يجوز الوجهان.

مُشْبِهَةُ اسْمَ الفَاعِلِ في أنها تدل على حدث ومن قام به، وأنها تؤنث وتثنى وتجمع، ولذلك حملت عليه في العمل كما ذكرناه سابقاً.

اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ: فهم من قوله: (اسْتُحْسِنَ) أن ذلك موجود في اسم الفاعل، اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ أن ذلك موجود في اسم الفاعل إلا أنه غير مستحسن، وهو كذلك، نحو: كاتبُ الأبِ، وفيه خلاف، ومذهب الناظم جوازه.

وفهم منه أيضاً .. من قوله: (جَرُّ فَاعِلِ) أن الجر بها غير لازم، بل يجوز فيه النصب والرفع كما سيأتي:

فَارْفَعْ بِهَا وَانْصِبْ وَجُرَّ.

إذاً هنا قال: (جَرُّ فَاعِلِ) ولم يذكر الرفع والنصب، هل معنى ذلك أن الصفة المشبهة لا تعمل إلا الجر؟ لا، ليس كذلك، بل ترفع وتنصب وتجر.

إذاً: (اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ) دل على أمرين: أن اسم الفاعل يجر، ولكنه غير مستحسن، استحسن جر الفاعل مع جواز الرفع والنصب، إذاً: الجر ليس لازماً.

قال الشارح: قد سبق أن المراد بالصفة ما دل على معنىً وذات، وهذا يشمل اسم الفاعل واسم المفعول وأفعل التفضيل والصفة المشبهة، وذكر المصنف: أن علامة الصفة المشبهة .. جعله علامة لا تعريف، وإن كان الأشموني وغيره جعلوه تعريف، والأولى ألا يجعل تعريف؛ لأنه لو جعل تعريفاً لورد عليه النقد بما ذكرناه سابقاً، وإنما يجعل علامة في الجملة من الفوارق بين الصفة المشبهة واسم الفاعل، ولا إشكال فيه.

أن علامة الصفة المشبهة: استحسان جر فاعلها بها، نحو: حسنُ الوجهِ، ومُنطلقُ اللسان، وطاهر القلب. انظر الأمثلة: منُطلق هذا في الأصل اسم فاعل، لكنه لما قصد به الاستمرار .. لسانه دائماً منطلق؛ حينئذٍ أضيفت إليه. وطَاهِرِ الْقَلْبِ كذلك.

ص: 10

والأصل: حسنٌ وجههُ، ومنطلقٌ لسانهُ، وطاهرٌ قلبهُ. انظر:(حسنٌ وجهه) أراد به ماذا؟ ليشير أن قوله: (حسنَ الوجهِ) أصل الوجه أنه فاعل، وأن الفاعل في الأصل مسند إليه فهو مرفوع (حسنٌ الوجهُ، حسنٌ وجههُ)، حينئذٍ لما أريد الإضافة لا بد أن تقدر أن أصل هذا التركيب:(حسنٌ وجههُ) أسند إلى فاعل في اللفظ، ثم حذفته وأسندت (حسن) إلى الضمير الموصوف ثم جئت بالفاعل في اللفظ وجعلته مضافاً إليه فهو فاعل في المعنى باعتبار الأصل.

حسنٌ وجههُ، ومنطلقٌ لسانهُ، منطلقُ اللسان. وطاهرٌ قلبهُ، فوجههُ: مرفوع بـ (حسن) على الفاعلية، ولسانهُ: مرفوع بـ (منطلق)، وقلبهُ مرفوع بـ (طاهر)، وهذا لا يجوز في غيرها من الصفات، فلا تقل:(زيدٌ ضاربٌ أبي عمْراً) تريد: (ضاربٌ أبوهُ عمْراً) ولا (زيدٌ قائمُ الأبِ غداً) تريد: (زيدٌ قائمٌ أبوهُ غداً).

وقد تقدم أن اسم المفعول يجوز إضافته إلى مرفوعه، فتقول:(زيدٌ مضروبُ الأبِ) حينئذٍ خرج عن كونه اسم مفعول، فصار صفة مشبهة، وهذا على القاعدة المطردة: اسم الفاعل الأصل فيه لا يكون إلا على زنة فاعل، إلا إذا أُضيف وقصد به الثبوت حينئذٍ صار صفة مشبهة. واسم المفعول كذلك، ومُفعِل ومُفعَل كذلك، وحينئذٍ كل الصفات التي ذكرها في الباب السابق هي صفات مشبهة.

فإذا جاء اللفظ (حسن) فالأصل لا نقول: (حاسن) أنه أراد به الحدوث، أنه حدث بعد أن لم يكن لا بد من قرينة تدل على هذا. وهو حينئذٍ جار مجرى الصفة المشبهة؛ لأنه دال على الدوام حينئذٍ.

وَصَوْغُهَا مِنْ لَازِمٍ لِحَاضِرِ

كَطَاهِرِ الْقَلْبِ جَمِيلِ الظَّاهِرِ

ذكر في هذا البيت ثلاث فوارق بين الصفة المشبهة واسم الفاعل، وجعله الأشموني عطفاً على قوله:(جَرُّ فَاعِلِ)، وَصَوْغُهَا: معطوف عليه من باب تمام الحد .. التعريف، وهذا فيه نظر، لماذا؟ لأن صوغها من لازم واجب، وجرها للفاعل مستحسن، وهذا محل إشكال.

صِفَةٌ اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ واسْتُحْسِنَ صَوْغُهَا مِنْ لَازِمٍ؛ هذا محل إشكال، بل الصواب: أن صَوْغُهَا مِنْ لَازِمٍ واجب، لا تصاغ البتة من الفعل المتعدي، وحينئذٍ الأولى أن نجعل ما سبق علامة، ولا نجعله حداً ونتكلف في الأبيات القادمة كلها معطوفة على التعريف من باب تمامه، بل نقول: ما سبق علامة وفارق بين النوعين وذَكر علامة أخرى، وَصَوْغُهَا: مبتدأ، استئناف كلام جديد، علامة أخرى.

وَصَوْغُهَا: نقول: هذا مبتدأ، والضمير يعود إلى الصفة المشبهة.

وَصَوْغُهَا مِنْ لَازِمٍ لِحَاضِرِ

مِنْ لَازِمٍ: هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر، تقديره: واجب، حينئذٍ من أين أخذنا المحذوف الذي هو خاص؟ نقول: من سياق الكلام؛ لأنه معلوم أن صَوْغُهَا مِنْ لَازِمٍ يكون واجباً، إذاً: صَوْغُهَا مِنْ لَازِمٍ، لو قدرنا (مِنْ لَازِمٍ) متعلق بـ (صوغ) قلنا: لا فائدة جديدة، وإنما نجعله متعلقاً بمحذوف والمحذوف هذا خاص دل عليه المقام، فنقول: صَوْغُهَا واجب مِنْ لَازِمٍ.

وقوله: (لِحَاضِرِ) متعلق بواجب.

ص: 11

إذاً: لا يجوز أن يكون كلٌ من: (لَازِمٍ لِحَاضِرِ) متعلقاً بصوغها؛ لعدم الفائدة، لأنه معلوم أن الصفة المشبهة من حيث الزمن لا تكون للحاضر، وكذلك باستقراء كلام العرب لا تكون مصوغة إلا من الفعل اللازم، يعني من مصدره، وحينئذٍ ما الجديد؟ صار لبيان الواقع وهو يريد أن يبين الفوارق بين النوعين: اسم الفاعل والصفة المشبهة؛ لأن اسم الفاعل يصاغ من اللازم ومن المتعدي، والصفة المشبهة إنما تصاغ من اللازم فقط، وحكمه: الوجوب.

كذلك: اسم الفاعل يكون للحاضر وللماضي وللمستقبل، يكون للحاضر والمستقبل دون الماضي إذا أُعمل، والصفة المشبهة لا تكون إلا لحاضر، إذاً: هذا من الفوارق.

وَصَوْغُهَا مِنْ لَازِمٍ لِحَاضِرِ

قال الأشموني: عطف على ما سبق من تمام التعريف، قلنا: هذا فيه نظر. أي: ومما تتميز به الصفة المشبهة أيضاً عن اسم الفاعل أنها لا تصاغ قياساً إلا من فعل لازم، أي: من مصدره أصالة أو عروضاً كما في: (رحما ورحيم وعليم). نأتي في البسملة نقول: يجوز أن يكول: (الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) صفتين مشبهتين، لكن كيف صفتين مشبهتين و (رحمان ورحيم) مأخوذ من رَحِم، رَحِم الله كذا؟ حينئذٍ صار متعدياً.

القاعدة عند الصرفيين: أن كل ما أريد أن يدل على الثبوت حينئذٍ جاز جعله من باب فعُل، فتقول: رحِمَ رحُمَ، علِمَ علُمَ، ضرَبَ ضرُبَ، كرُمَ كرُمَ على أصله، فتَح فتُح، حينئذٍ تنقله إلى باب فعُل ثم تصوغ منه الصفة المشبهة، حينئذٍ علُمَ ورحُمَ هل هو لازم أصالة أم أمر طارئ عارض؟ الثاني ولا شك، لماذا؟ لأن ما كان أصالة فهو إنما يكون من باب فعُل لأنه لا يكون إلا لازماً، أو فعِل إذا كان لازماً، وأما إذا كان متعدياً وأردنا منه الصفة المشبهة نقلناه إلى باب فعُل؛ لأنه لا يكون إلا لازماً. فتقول: رحُمَ، رحمان صفة مشبهة، كيف صفة مشبهة؟ تقول: نقل رحِمَ إلى رحُمَ ثم اشتق منه، وهذا جائز عندهم، وسيأتي في باب نِعْمَ وبئس.

قال: كما في (رحمان ورحيم وعليم). عليم إذا قلنا: أنه صفة مشبهة مأخوذ من علُم. فإنها لازمة بالتنزيل أو النقل إلى فعُل بالضم. بالتنزيل أن ينزل المتعدي منزلة اللازم، وهذا يرد عند البيانيين هناك. ((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)) [الزمر:9] قلنا: (يعلم) الأصل فيه أنه متعدي، قد ينزل المتعدي منزلة اللازم فلا يحتاج إلى مفعول، وهنا (يَعْلَمُونَ) هل نقول: ثَمَّ مفعول به محذوف أو مقدر أو منوي؟ لا، ليس له مفعول، هنا غير متعدي، لماذا؟ لأنه نزل هذا المتعدي منزلة اللازم، فإذا كان كذلك صح أن يشتق منه صفة مشبهة، بخلاف اسم الفاعل؛ فإنه يصاغ من اللازم كقائم، ومن المتعدي كضارب.

إذاً: (صَوْغُهَا مِنْ لَازِمٍ) هذا خاص بالصفة المشبهة، وأما اسم الفاعل فيكون مشتقاً من اللازم ومن المتعدي.

ص: 12

(لِحَاضِرِ) المراد بالحضور هنا: الدوام، يعني: شيء لحاضر، لحدث دائم. وهذا من الفوارق بينهما. وأنها لا تكون إلا للمعنى الحاضر الدائم دون الماضي المنقطع والمستقبل، لا ماضي منقطع ولا مستقبل. ماضي منقطع هل ثَمَّ ماضي غير منقطع؟ .. لأن الصفة المشبهة تدل على الماضي وعلى المستقبل، لكن لا الماضي المنقطع ولا المستقبل المترقب؛ لأنك إذا قلت:(زيدٌ حسنٌ) زيدٌ في الماضي والآن والمستقبل حسن، إذاً: ليس عندنا ماضيٍ منقطع كان حسناً ثم صار قبيحاً، وليس عندنا مستقبل مترقب بحيث يوجد فيه الحسن دون سابقه.

إذاً: دلت الصفة المشبهة على الأزمنة الثلاثة، لكن في أصلها تدل على الثبوت الحاصل الآن. وأما دلالته على الماضي غير المنقطع فهو لازم لها، ودلالته على المستقبل فهو لازم لها؛ لأننا نخبر عن حدث مستمر، والاستمرار إنما يكون في ماضٍ ويكون في المستقبل.

إذاً: هو غير منقطع، وإذا كان غير منقطع حينئذٍ لزم منه أن يكون مستمراً في الماضي وفي المستقبل.

وأنها لا تكون إلا للمعنى الحاضر الدائم دون الماضي المنقطع والمستقبل، بخلاف اسم الفاعل. والمراد بالدوام: الثبوت في الأزمنة الثلاثة، الدوام .. لِحَاضِرِ المراد به الدوام الثبوت في الأزمنة الثلاثة.

قال ياسين: ودلالة الصفة المشبهة على الدوام عقلية لا وضعية؛ لأنها لما لم تدل على التجدد ليس عندنا إلا تجدد أو دوام، إذا انتفت دلالته على التجدد لزم أن تدل على الدوام، إذاً: اللزوم هنا من جهة العقل لا من جهة الوضع.

إذاً: دلالة الصفة المشبهة على الدوام عقلية لا وضعية، ووجهه: أنها لما لم تدل على التجدد ثبت لها الدوام بمقتضى العقل، إذ الأصل في كل ثابت دوامه.

الفارق الثالث أشار إليه بقوله:

كَطَاهِرِ الْقَلْبِ جَمِيلِ الظَّاهِرِ

(طَاهِرِ .. جَمِيلِ) سبق أن اسم الفاعل لا بد أن يكون جارياً على فعله وهو الفعل المضارع، موافقاً له في عدد الحروف والحركات والسكنات، والمراد بالحركات: مطلق الحركات لا أشخاصها، فتقول: ضارب على وزن يضْرب، الأول متحرك والثاني ساكن، ومنه:(طاهر ويطْهر) كلاهما جاريان على حركة فسكون ثم حركة.

وأما (داخل ويدخُل) جارٍ أو لا؟ جار؟ (دا .. يدْ .. خِل، خُل) الخاء مكسورة في اسم الفاعل ومضمومة في الفعل. هنا اختلفت في الشخص، وأما في الحركة فهو موافق له، (قائِم يقوم) جاري أو لا؟ (قائِم يقوم) الأول قائم، الأول متحرك فساكن. (يقوم) متحرك فمتحرك، (يقوم) في اللفظ متحرك ومتحرك، لكن الضمة التي على القاف طارئة، أصلها:(يفعُل يقْوُمُ)، استثقلت الضمة .. (يَقْوُمُ) استثقلت الضمة على الواو ثم نقلت إلى سابقها. وهذا كل فعل أجوف واوي يقال فيه: يفعُلُ، حينئذٍ استثقلت الضمة على العين .. الواو ثم نقلت إلى ما قبلها.

إذاً: يقُول أصله يَقْوُل فوافق قائل، يقوْم يَقْوُمُ قائم لا إشكال في هذا. وأما الصفة المشبهة فهذه على نوعين إن كانت من فعل ثلاثي: منها ما وازن المضارع، وأشار إليه بقوله:(كَطَاهِرِ الْقَلْبِ) كَطَاهِرِ طاهر يطهر، موازن أولا؟ موازن، لا إشكال فيه.

ومستقيم الحال، مستقيم يستقيم، وضامر البطن .. ضامر يضْمر، إذاً: موافق. ومعْتدل القامة معتدل يعتدل، إذاً: موافق.

ص: 13

إذاً: الصفات المشبهة المأخوذ من الفعل الثلاثي منه ما هو موازن للمضارع وعلى ما ذكرناه.

والثاني: ما لم يوازنه وهو الكثير والأول قليل. هذا الكثير، ولذلك بعضهم قال: يلزم أن تكون الصفة المشبهة من الفعل الثلاثي .. ألا تكون موازنة للمضارع، فإن كانت موازنة فهي اسم فاعل وإلا فهي صفة مشبهة، والصواب لا.

وهو الكثير في المبنية من الثلاثي نحو: (جَمِيلِ الظَّاهِرِ) جميل يجْمل، جميل الثاني متحرك جميل، ويجْمل الثاني ساكن والثالث متحرك، وهنا (جميل) الثاني متحرك والثالث ساكن، إذاً افترقا.

جميل الظاهر وحسن الوجه، حسن ثلاثي يحسن قطعاً أنه مخالف. (كريمُ الأب يكرم) هذا مخالف. (ظريف يظرُ) الثالث متحرك، وظريف الثالث ساكن.

إذاً: من الثلاثي صفات مشبهة قد توافق المضارع وقد تخالفه، والمخالفة أكثر، وادعى بعضهم أنها لازمة له والصحيح خلافه، وأما إذا كانت من غير الثلاثي وجبت موازنتها المضارع، (منطلقُ اللسانِ) منطلقُ أصله اسم فاعل، لكن لما أريد به الثبوت أضيف إلى ما بعده فصار صفة مشبهة على ما ذكرناه.

إذاً: هذه ثلاثة فوارق ذكرها الناظم بين الصفة المشبهة واسم الفاعل:

أولاً: أن الصفة المشبهة لا تصاغ إلا من الفعل اللازم، أي: من مصدره لا من الفعل المتعدي، وأما اسم الفاعل فيصاغ من اللازم ومن المتعدي.

ثانياً: الصفة المشبهة لا تكون إلا لحاضر دائم مستمر في الأزمنة الثلاثة، وأما اسم الفاعل فيكون بمعنى الحال فقط ويكون بمعنى الاستقبال.

ثالثاً: اسم الفاعل لا يكون إلا موازناً لمضارعه، وأما الصفة المشبهة فإن كانت من الثلاثي فقد تكون موازنة، وأشار إليه بقوله:(كَطَاهِرِ الْقَلْبِ) وهذا قليل، وقد لا تكون موازنة فهو كثير وأشار إليه بقوله:(جَمِيلِ الظَّاهِرِ).

وأما ما كان من غير الثلاثي .. مما زاد على الثلاثي فهذا لا يكون إلا موازناً لمضارعه.

وأنها لا تجري على المضارع بخلافه، بل قد تكون جارية عليه؛ كَطَاهِرِ الْقَلْبِ، وقد لا تكون وهو الكثير الغالب؛ كـ جَمِيلِ الظَّاهِرِ.

ثم قال:

وَعَمَلُ اسْمِ فَاعِلِ الْمُعَدَّى

لَهَا عَلَى الْحَدَّ الَّذِي قَدْ حُدَّا

وَعَمَلُ اسْمِ فَاعِلِ الْمُعَدَّى لَهَا: عرفنا أن وجه الشبه بين اسم الفاعل والصفة المشبهة في: أن كلاً منهماً دل على حدث ومن قام به.

ثانياً: كل منهما يؤنث ويثنى ويجمع، حينئذٍ عملت الصفة المشبهة حملاً لها على اسم الفاعل،

لكن عَلَى الْحَدَّ الَّذِي قَدْ حُدَّا، ما هو الْحَدُّ الَّذِي قَدْ حُدَّا؟ أمران: إِنْ كَانَ عَنْ مُضِيِّهِ بِمَعْزِلِ وَوَلِيَ اسْتِفْهَاماَ، إذا قلنا: الصفة المشبهة لا تكون إلا لحاضر امتنع الأول لا يتصور فيها،: إِنْ كَانَ عَنْ مُضِيِّهِ بِمَعْزِلِ يعني: لا يكون إلا استقبالاً أو حالاً، وإذا تقرر أن اسم الفاعل .. الصفة مشبهة لا تكون إلا لحاضر، إذاً: امتنع وجود الشرط الأول في الصفة المشبهة،

ماذا بقي؟ وَوَلِيَ اسْتِفْهَاماَ أَوْ حَرْفَ نِدَا، إذاً الاعتماد.

ص: 14

إذاً: (عَلَى الْحَدَّ الَّذِي قَدْ حُدَّا) أي: على الشروط السابقة، هذا ظاهر النظم، لكن نخصصه بقوله:(لِحَاضِرِ) وحينئذٍ: (عَلَى الْحَدَّ الَّذِي قَدْ حُدَّا) على بعض الشروط السابقة، وألحق بعضهم ألا تصغر وألا توصف بناءً على أن اسم الفاعل لا يعمل إذا صغر أو وصف، وسبق الخلاف فيه.

وَعَمَلُ اسْمِ فَاعِلِ الْمُعَدَّى لَهَا: ما هو عَمَلُ اسْمِ فَاعِلِ الْمُعَدَّى؟ النصب؛ لأن الشروط السابقة قلنا: في الظاهر إنما تشترط في عمل النصب كما ذكره غير واحد، لا في عمل الرفع. إذاً: الصفة المشبهة تعملُ الرفعَ. هل عملها الرفعَ لكونها أشبهت اسم الفاعل أو لما فيها من معنى الفعل؟ هل الصفة المشبهة تعمل الرفع بناءً على حملها على اسم الفاعل أو لما فيها من معنى الفعل؟ الثاني؛ لأنها إنما تعمل عمل اسم الفاعل النصب فحسب، وأما الرفع فلا، فلذلك كل منصوب غير ما نصب في الصفة المشبهة غير ما نصب على التشبيه بالمفعول أو التمييز؛ فعمل الصفة المشبهة بناءً على ما فيها من معنى الفعل، وما هو معنى الفعل؟ كونها دالة على حدث وزمن، فإذا كان كذلك إذا نصبت الحال أو تعلق بها جار ومجرور الحال لا يكون إلا لما فيها من معنى الفعل، وكذلك الجار والمجرور قد يكون لما فيها من معنى الفعل، وقد يكون حملاً لها على اسم الفاعل.

إذاً: عَمَلُ اسْمِ فَاعِلِ الفعل الْمُعَدَّى لواحد لَهَا أي: ثابت لها، ثابت لها صورةً، قيل: صورةً. لماذا صورةً؟ يعني: في الصورة فحسب لا في الحقيقة. نحن نقول: (حسنٌ الوجهَ) قالوا: هذا كضاربٌ زيداً، لكن نأتي نقول:(ضاربٌ زيداً حسنٌ الوجهَ) الوجهَ لم يقولوا مفعولاً به، قالوا: على التشبيه بالمفعول به، لماذا؟ لأن (حسن) وهو صفة مشبهة لا يؤخذ إلا من القاصر اللازم والقاصر لا ينصب مفعولاً، فحكموا على منصوب الصفة المشبهة إذا كان معرفة أنه مشبه بالمفعول به؛ لأنه لا يكون مفعولاً به، لو جعلناه مفعولاً به حقيقة حينئذٍ لزم أن تكون الصفة المشبهة مأخوذة من متعدي، وهذا فساد ليس بصحيح.

إذاً نقول: (عَمَلُ اسْمِ فَاعِلِ الْمُعَدَّى لَهَا) أي: ثابت لها في حالة النصب صورةً، بمعنى: أن المنصوب لها إنما حملت فيه على اسم الفاعل فنصب، وأما اسم الفاعل فينصب مفعولاً حقيقة؛ لأن ثَمَّ حدث تعدى فوقع على المفعول به، وأما هنا (حسنٌ الوجهَ) ليس عندنا حدث تعدى إلى مفعول فوقع عليه. إذاً: فرق بين المسألتين.

وَعَمَلُ اسْمِ فَاعِلِ الْمُعَدَّى لَهَا: أي ثابت لها.

عَمَلُ: هذا مبتدأ، وهو مضاف. و (اسْمِ) مضاف، و (فَاعِلِ) مضاف إليه، و (الْمُعَدَّى) هذا مضاف إليه.

لَهَا: أي ثابت لها، جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر.

قال ابن هشام: المراد بالعمل عمل النصب على طريقة المفعول به، وأما عمل الرفع أو عمل نصب آخر فلا يتوقف على ذلك الحد كما أن اسم الفاعل هكذا، بمعنى: أن الصفة المشبهة إذا نصبت غير المشبه بالمفعول به فليست بكونها أشبهت اسم الفاعل، يعني: لا من حيث كونها صفة مشبهة باسم الفاعل، بل من حيث كونها ما اشتملت عليه من معنى الفعل. فرفعها لا لكونها أشبهت اسم الفاعل وخفضها لا لكونها أشبهت اسم الفاعل، وإنما في حالة النصب فحسب.

ص: 15

قال رحمه الله: المراد بالعمل عمل النصب على طريقة المفعول به، وأما عمل الرفع أو عمل نصب آخر، كالحال مثلاً. كالحال فلا يتوقف على ذلك الحد، كما أن اسم الفاعل هكذا.

عَلَى الْحَدَّ الَّذِي قَدْ حُدَّا

عَلَى الْحَدَّ: يعني كائناً على الحد، على الشرط.

عَلَى الْحَدَّ: متعلق بعمل، عملُ على الحد، أو بما تعلق به الخبر، أو حال من ضمير متعلق. يجوز فيه ثلاثة أوجه: كائن لها على الحد .. حالة كونها عَلَى الْحَدَّ وهو متعلق بالمحذوف، أو متعلق به على أنه حال.

عَلَى الْحَدَّ الَّذِي قَدْ حُدَّا: الألف للإطلاق، والمراد به بعض الشروط.

عَلَى الْحَدَّ الَّذِي قَدْ حُدَّا له في بابه من وجوب الاعتماد على ما ذكر سابقاً.

وَوَلِيَ اسْتِفْهَاماً أَوْ حَرْفَ نِدَا

أَوْ نَفْياً أَوْ جَا صِفَةً أَوْ مُسْنَدَا

ولو قُرنت بـ (أل) .. سيأتي أنها تعمل مطلقاً قرنت بـ (أل) ودون (أل). على الصحيح من أنها مع الصفة المشبهة حرف تعريف، يعني: حتى لو قيل بأنها حرف تعريف فتعمل ولو كانت (أل) داخلة عليه، وأما إذا قيل بأنها موصولة فلا إشكال فيه.

وترك اشتراط الحال أو الاستقبال؛ لأنه لا يتجه فيها مع كونها للدوام المتضمن للحال والاستقبال. لم يشترط الناظم هنا إذا جعلناه مقيد بقوله: (لِحَاضِرِ) لم يشترط أن تكون بمعنى الحال أو الاستقبال لعدم تصور ذلك فيها؛ لأنها إنما تكون لمطلق الزمن، وإذا كانت لمطلق الزمن حينئذٍ دخل فيها الحال والاستقبال ضمناً لا أصالة، وبقي من الشروط: ألا تصغر ولا توصف على القول بهما.

إذاً:

وَعَمَلُ اسْمِ فَاعِلِ الْمُعَدَّى

لَهَا عَلَى الْحَدَّ الَّذِي قَدْ حُدَّا

أشار بهذا أنه يثبت لهذه الصفة عَمَلُ اسْمِ الفَاعِلِ المتعدي وهو الرفع والنصب، الرفع والنصب ليس لكونها أشبهت اسم الفاعل، هذا في الرفع، وأما النصب ففيه تفصيل: إن كان المراد به أن المنصوب على التشبيه بالمفعول به فهذا حملاً لها على اسم الفاعل، وإن كان غير ذلك كالحال والمستثنى وظرف الزمان والمكان والمفعول معه حينئذٍ نقول: لا، وإنما لما فيها من معنى الفعل.

نحو: (زيدٌ حسنٌ الوجهَ) ففي (حسن) ضمير مرفوع هو الفاعل، ورفعه لكونه دالاً على ذات وصفة، وهذا الشأن في المشتقات. (حسنٌ) نقول: صفة مشتقة دالة على ذات وصفة. و (الوجهَ) منصوب على التشبيه بالمفعول به، هذا حملاً لها على اسم الفاعل، وقيل: على التشبيه بالمفعول به لا على أنه مفعول؛ لأنها مأخوذة من فعل لازم قاصر والفعل اللازم لا ينصب، ولذلك وُضع الحكم لها صورة لا حقيقة. لأن (حسناً) شبيه بـ (ضاربٍ) فعمل عمله.

وأشار بقوله: (عَلَى الْحَدَّ الَّذِي قَدْ حُدَّا) إلى أن الصفة المشبهة تعمل على الحد الذي سبق في اسم الفاعل وهو أنه لا بد من اعتمادها كما أنه لا بد من اعتماده، ولم يذكر الزمن لما ذكرناه.

وَسَبْقُ مَا تَعْمَلُ فِيهِ مُجْتَنَبْ

وَكَوْنُهُ ذَا سَبَبِيَّةٍ وَجَبْ

هذا من الفوارق أيضاً بين الصفة المشبهة واسم الفاعل، ولشدة الالتباس بينهما اجتهد النحاة في ذكر الفوارق أكثر من العمل؛ لأنه يلتبس، لأنه إذا استعملت فعْل وفعيل وفعَل السابقة في اسم الفاعل يحتاج إلى نظر.

ص: 16

من الفوارق بينهما: أنه ما عملت فيه يمتنع أن يتقدم عليها، بخلاف اسم الفاعل. (أنا زيداً ضاربٌ) جائز، (أنا ضاربٌ زيداً). (أنا زيداً ضاربٌ) هذا يجوز أن يتقدم معمول اسم الفاعل .. منصوبه عليه، وأما الصفة المشبهة فيمتنع، يمتنع أن يتقدم عليها معمولها على تفصيل سيأتي.

وَسَبْقُ: هذا مبتدأ، وهو مضاف.

و (مَا تَعْمَلُ فِيهِ): (مَا) اسم موصول بمعنى الذي في محل جر مضاف إليه، واقعة على الصفة المشبهة. سبقُ الذي تعمل فيه .. تعمل الصفة المشبهة فيه وهو المعمول مُجْتَنَبْ، وفي نسخة: يجتنب بصيغة الفعل، بخلاف اسم الفاعل؛ فإنه يتقدم عليه منصوبه إلا إذا كان بـ (أل) أو مجروراً بإضافة أو حرف جر غير زائد.

إذاً: اسم الفاعل يتقدم عليه منصوبه إلا إذا كان محلىً بـ (أل)، فلا يصح:(أنا زيداً الضاربُ) لأن معمول الصلة لا يتقدم عليها كما سبق مراراً. (أل) لا يعمل ما بعدها في ما قبلها، إذاً:(أنا زيداً الضاربُ) هذا يمتنع أن يتقدم عليه؛ لأن ما بعد (أل) الموصولة لا يعمل فيما قبلها، وكذلك إذا جر بإضافة نحو:(هذا غلامُ قاتلٍ زيداً) هذا سبق معنا أن المضاف والمضاف إليه كالموصول مع صلته، فكما أنه لا يتقدم معمول الصلة على صلته لا يتقدم معمول المضاف إليه عليه ولا يتوسط بينهما، حينئذٍ:(غلامُ قاتلٍ زيداً) أو (هذا غلامُ قاتلٍ زيداً) لا يصح أن يقال: (هذا زيداً غلامُ قاتلٍ) بتقديم المعمول عليه لما ذكرناه سابقاً.

وكذلك: (مررت بضاربٍ زيداً) لا يصح أن يقال: (مررتُ زيداً بضاربٍ) إلا إن جر بحرف جر زائد فيجوز؛ لأن حرف الجر ليس أصلياً، يعني: لم يدخل من أجل تحديد المعنى.

فإن جر بحرف جر زائد نحو: (ليس زيدٌ بضاربٍ عمْراً) جاز التقديم فتقول: (ليس زيدٌ عمْراً بضاربٍ) ومنع ذلك المبرد.

إذاً: في غير هذه الثلاث الأنواع يجوز أن يتقدم معمول اسم الفاعل عليه، وهذه الثلاث قلنا: ألا يكون محلى بـ (أل) .. دخلت عليه (أل).

ثانياً: ألا يكون مضافاً إليه، (هذا غلامُ قاتلٍ زيداً) يمتنع للعلة التي في الأول.

ثالثاً: ألا يكون مجروراً بحرف جر أصلي، فإن جر بحرف جر زائد جاز أن يتقدم عليه، وأما الصفة المشبهة فيمتنع.

وَسَبْقُ مَا تَعْمَلُ: يعني الصفة المشبهة.

فِيهِ: في المعمول مجتنب. سبق: مبتدأ، ومجتنب: هذا خبر.

أي: أنها تخالف اسم الفاعل في شيئين:

الأول: أن معمولها لا يتقدم عليها، أي: بحق الشبه باسم الفاعل، يعني: المعمول الذي أعملت الصفة المشبهة بحق شبهها باسم الفاعل لا يتقدم عليها، وأما من جهة كونها لما فيها من معنى الفعل فيتقدم عليها، على التفصيل السابق:

وَعَمَلُ اسْمِ فَاعِلِ الْمُعَدَّى لَهَا

حينئذٍ نقول: يثبت لها ما يثبت لاسم الفاعل، فالذي نصبه اسم الفاعل هو الذي تنصبه ولا يتقدم عليها، فإذا نصبت لا بشبهها باسم الفاعل كالحال حينئذٍ يجوز أن تتقدم الحال، ومنع ذلك الرضي.

وكذلك التمييز، وكذلك إذا تعلق بها جار ومجرور على معنى الفعل لا على كونها أشبهت اسم الفاعل، يجوز أن يتقدم.

ص: 17

إذاً: قوله: (وَسَبْقُ مَا تَعْمَلُ فِيهِ مُجْتَنَبْ) ليس على إطلاقه، وإنما المراد به: بحق الشبه باسم الفاعل وهو المنصوب على طريقة المفعول به؛ لأنه الذي تفارق فيه الصفة اسم الفاعل، أما المرفوع والمجرور فلا يتقدمان فيهما لا لهذا السبب، وإنما لكون المرفوع فاعلاً في الأصل، وإذا كان كذلك امتنع أن يتقدم على عامله.

والثاني: المجرور مضاف إليه، والمضاف إليه لا يتقدم على المضاف.

إذاً: المرفوع والمجرور لا يتقدمان على الصفة المشبهة لكون المضاف إليه فاعلاً في المعنى والفاعل لا يتقدم، هذا إذا كان مرفوعاً، وإذا كان مخفوضاً حينئذٍ نقول: هو مضاف إليه والمضاف إليه لا يتقدم على المضاف.

قال ابن هشام: (وَسَبْقُ مَا تَعْمَلُ فِيهِ مُجْتَنَبْ) قال: خاص بما تعمل فيه للشبه باسم الفاعل، أما ما عملت بما فيها من معنى -يعني: معنى الفعل- كالظرف والمجرور والحال والتمييز فلا يمتنع فيه السبق، وذلك نحو:(زيدٌ اليومَ عظيمٌ، زيدٌ عظيمٌ اليومَ) نقول: (اليومَ) هنا منصوب على الظرفية ليس منصوباً على التشبيه بالمفعول به. يختص عمل الصفة المشبهة بنصب المفعول به على التشبيه، ما عداه فلا، فإذا نصبت الظرف الزماني أو المكاني لا نقول لكونه أشبهت اسم الفاعل وإنما لما فيها من معنى الفعل فيتقدم عليها. (زيدٌ اليومَ عظيمٌ) جائز، مع كون اليوم منصوب بـ (عظيم) و (عظيم) ككريم وجميل وهو صفة مشبهة. كيف تقدم؟ نقول: هذا جائز.

وَسَبْقُ مَا تَعْمَلُ فِيهِ مُجْتَنَبْ: نقول: لا، عملت النصب في اليوم لا لكونها أشبهت اسم الفاعل وإنما لما فيها من معنى الفعل. (زيدٌ اليومَ عظيم، وزيدٌ بك فرحٌ، زيدٌ فرحٌ بك) بِكَ: جار ومجرور متعلق بـ (فرح) وهو صفة مشبهة، تقدم أو لا؟ تقدم. جائز؟ نعم.

وقول ابن مالك: (وَسَبْقُ مَا تَعْمَلُ فِيهِ مُجْتَنَبْ) لا يشمل هذا النوع.

و (زيدٌ طالعاً حسنٌ وجههُ، زيدٌ حسنٌ وجههُ طالعاً) نقول: حال، وجاز تقدمها مع كون الصفة المشبهة قد عملت فيها لكونها عملت فيها لما فيها من معنى الفعل لا حملاً على اسم الفاعل.

و (زيدٌ وجهاً حسنُ)، وجهاً: هذا تمييز، وعملت في التمييز على ما فيها من معنى الفعل لا حملاً على اسم الفاعل، ومنع الرضي تقدم الحال والتمييز.

على كلٍ؛ الخلاف ليس في كونها أشبهت اسم الفاعل أو لا، وإنما لمسألة أخرى.

هذا مما تفارق فيه الصفة المشبهة اسم الفاعل في كون اسم الفاعل لا يتقدم عليه معموله الذي نصبه، والصفة المشبهة حملت على اسم الفاعل فنصبت مفعولاً به على التشبيه به، هذا النوع لا يتقدم، وما عداه يتقدم، والسبب: أن ما عدا هذا النوع منصوب بها على ما فيها من معنى الفعل لا حملاً على اسم الفاعل.

وَكَوْنُهُ ذَا سَبَبِيَّةٍ وَجَبْ

كَوْنُهُ: الضمير يعود على ماذا؟ وَكَوْنُهُ تعمل فيه المعمول.

وَكَوْنُهُ: أي كون معمولها.

ذَا سَبَبِيَّةٍ وَجَبْ: كونه ذا سببية وجب.

(كَوْنُهُ ذَا سَبَبِيَّةٍ)

(كَوْنُ) هنا لها جهتان .. (كون) مبتدأ في نفسها وهي كان، فتطلب اسماً وخبراً، وكونه مبتدأ يطلب خبراً.

إذاً: لها خبران. لفظ (كون) لها خبران: خبر باعتبار كونها مبتدأً، وكل مبتدأ له خبر، وخبر باعتبار كونها ناقصة.

ص: 18

وَكَوْنُهُ: هنا أُضيفت إلى الضمير والضمير فيه ..... من إضافة الكون إلى اسمه، (كون) هذا مصدر لكان، وكونك إياه عليك يسير.

و (ذَا) من الأسماء الستة منصوب على أنه خبر الكون كان.

(وَجَبْ) هذا خبر المبتدأ.

وَكَوْنُهُ ذَا سَبَبِيَّةٍ وَجَبْ: وهذا الشيء الثاني ذكره في هذا البيت، أي: ويجب في معمولها أن يكون سببياً، أي: متصلاً بضمير الموصوف لفظاً أو معنى، يعني: لا يكون أجنبياً، المعمول قد يكون سببياً وقد يكون أجنبياً، أجنبياً يعني لا صلة له بالموصوف. (زيدٌ ضاربٌ عمْراً) ضاربٌ أسند إلى ضمير فاعل، ما علاقة زيد بعمرو؟ بعيد عنه أجنبي مفصول، وأما (زيدٌ ضاربٌ غلامَهُ) إذاً ثَمَّ ملابسة بين الموصوف والمعمول الذي هو غلامهُ، هنا يمتنع في معمول الصفة المشبهة أن يكون أجنبياً، بل لا بد أن يكون سببياً، والسبب واحد من ثلاثة أمور:

أن يكون متصلاً بضمير الموصوف، مثل (مررتُ برجلٍ حسنٍ وجههُ) وجهه: هذا فيه ضمير يعود على الموصوف وهو رجل.

ثانياً: أن يكون متصلاً بما يقوم مقام ضميره، نحو:(مررت برجلٍ حسنِ الوجهِ) الهاء هذه أصل الكلمة: وجه، ليست ضميراً. (حسنِ الوجهِ) فـ (أل) هنا قائمة مقام الضمير المضاف إليه -على رأي-.

الثالث: أن يكون مقدراً معه ضمير الموصوف منوي، مثل: السمنُ منوان بدرهم، يعني: منوان منه مقدر، هنا قد يكون مقدراً.

أن يكون مقدراً معه ضمير الموصوف: (مررتُ برجلٍ حسنٍ وجهاً) أي: وجهاً منه.

إذاً: على جهة الإجمال نقول: يجب في معمولها أن يكون سببياً، أي: متصلاً بضمير الموصوف لفظاً نحو: (حسنٌ وجههُ)، أو معنىً نحو:(الحسنُ الوجهَ) أي: منه. ولا يجب ذلك في معمول اسم الفاعل، بل ينصب السببي وينصب الأجنبي، المراد به: الأجنبي.

وَكَوْنُهُ ذَا سَبَبِيَّةٍ وَجَبْ

قال الشارح: لما كانت الصفة المشبهة فرعاً في العمل عن اسم الفاعل قصرت عنه. يعني: سبق أن الفرعية تضعف العامل، الأصل هو الفعل ثم حمل عليه اسم الفاعل فصار فرعاً، والصفة المشبهة حملت على فرع لا على أصل، الفرع ضعيف وحمل فرع على فرع إذاً ازداد ضعفاً، ولذلك منع أن يتقدم عليها معمولها.

وَسَبْقُ مَا تَعْمَلُ فِيهِ: تَعْمَلُ فِيهِ يعني الصفة المشبهة، لضعفها، التعليل هنا: لضعفها لكونها فرعاً عن فرع؛ فإنها فرع عن اسم الفاعل الذي هو فرع عن الفعل، بخلاف اسم الفاعل لكونه فرعاً عن أصل وهو الفعل، ولذلك كان أقوى منها. فلما كانت فرعاً قصرت عنه .. عن اسم الفاعل، قصرت عنه فلم يجز تقديم معمولها عليها كما جاز في اسم الفاعل، فلا تقول:(زيدٌ الوجهَ حسنٌ) ممنوع، الوجهَ: هذا منصوب على التشبيه بالمفعول به، الأصل فيه:(زيدٌ حسنٌ الوجهَ) الوجهَ: منصوب على أنه مشبه بالمفعول به، حينئذٍ لا يتقدم عليها، كما تقول:(زيدٌ عمْراً ضاربٌ) هذا جائز ولم تعمل إلا في سببيٍ نحو: (زيدٌ حسنٌ وجهَهُ)، ولا تعمل في أجنبي، فلا تقول:(زيدٌ حسنٌ عمْراً) هذا ممتنع لضعفها.

واسم الفاعل يعمل في السببي والأجنبي نحو: (زيدٌ ضاربٌ غلامَهُ) فيه ضمير يعود على زيد، و (ضاربٌ عمْراً) ليس فيه ضمير، إذاً: هو أجنبي.

ص: 19

فَارْفَعْ بِهَا وَانْصِبْ وَجُرَّ مَعَ أَلْ

وَدُونَ أَلْ مَصْحُوبَ أَلْ وَمَا اتَّصَلْ

بِهَا مُضَافاً أَوْ مُجَرَّداً وَلَا

تَجْرُرْ بِهَا مَعْ أَلْ سُماً مِنْ أَلْ خَلَا

وَمِنْ إِضَافَةٍ لِتَالِيهَا وَمَا

لَمْ يَخْلُ فَهْوَ بِالْجَوَازِ وُسِمَا

فَارْفَعْ بِهَا وَانْصِبْ وَجُرَّ: هذه أحوال ثلاثة. كل صفة مشبهة يجوز فيها ثلاثة أحوال: الرفع والنصب والجر، ثلاثة أحوال.

فَارْفَعْ بِهَا وَانْصِبْ بها، وَجُرَّ بها، يعني: بالصفة المشبهة، فهي العامل، لذلك قال:(بِهَا) يعني: بنفسها، حملاً على اسم الفاعل في النصب فحسب.

فَارْفَعْ بِهَا: على الفاعلية، فيكون مرفوعها فاعلاً، هذا المشهور وهو الأصح، وبه قال سيبويه والبصريون. وقال الفارسي: بدل بعض من كل، والفاعل ضمير مستتر، فإذا قيل: زيدٌ حسن وجههُ بالرفع قلنا: هذا فاعل على مذهب سيبويه وأصحابه، وهو ليس فاعلاً على مذهب الفارسي بل هو بدل .. بعض من كل، وأين الفاعل؟ ضمير مستتر، وعلى القول الأول .. قول سيبويه أن المرفوع فاعل حينئذٍ يتعين ألا يكون في الصفة ضمير مستتر، لماذا؟ لأنه لو كان فيها ضمير مستتر لكان إعرابه فاعلاً، ولا يكون للصفة كما للفعل لا يكون له فاعلان. إذا قيل:(حسنٌ وجههُ) وجههُ فاعل حينئذٍ يمتنع أن يكون في الصفة ضمير مستتر؛ لأنه لا يستتر إلا الضمير المرفوع وهنا لا يتصور رفعه إلا كونه فاعلاً، فإذا جوزنا استتار الضمير في حسن مع كونه رفعت الاسم الظاهر حينئذٍ كان له فاعلان، وهذا ممتنع.

إذاً: على قول سيبويه بأن المرفوع فاعل تعين ألا يكون في الصفة ضمير مستتر. تنبه.

إذاً: (فَارْفَعْ بِهَا) يعني بالصفة المشبهة.

والرفع على ضربين، يعني على قولين: على الفاعلية وهو الأصل فيها، وبه قال سيبويه والبصريون، وحينئذٍ فالصفة خالية من الضمير؛ لأنه لا يكون للشيء فاعلان.

والقول الثاني قول الفارسي: إنه بدل من الضمير المستتر، والفاعل هو الضمير المستتر، والأول أولى.

وَانْصِبْ: بها.

وَانْصِبْ: لا يخلو المعمول إذا نصبته، إما أن يكون معرفة وإما أن يكون نكرة، المنصوب بها إما أن يكون معرفة وإما أن يكون نكرة، حينئذٍ تقول:(زيدٌ حسنٌ الوجهَ) هذا معرفة. (حسنٌ وجهاً) نكرة، لا يخلو عن حالين: إما أن يكون معرفة، وإما أن يكون نكرة. إذا كان نكرة جاز نصبه على وجهين: إما على أنه مشبه بالمفعول به، وإما على التمييز، والثاني أرجح. يعني قولان، إذا قيل:(حسنٌ وجهاً) وجهاً نقول: هذا معمول للصفة المشبهة وهو منصوب وهو نكرة، إذاً: يجوز أن يعرب مشبهاً بالمفعول به، وإما أن يعرب تمييزاً والثاني أرجح.

وإن كان معرفة: (حسنٌ الوجهَ) حينئذٍ يتعين أن يكون مشبهاً بالمفعول به، ولا يصح إعرابه على مذهب البصريين تمييزاً؛ لأنه معرفة والتمييز لا يكون معرفة، وجوزه الكوفيون.

إذاً: إذا قيل: وَانْصِبْ بها إما على كونه تمييزاً وذلك يكون في النكرة، وإما على كونه مشبهاً بالمفعول به وهذا يجوز في المعرفة والنكرة ولكن النكرة خلاف الأولى.

وَجُرَّ: يعني على الإضافة، جر بها، يعني: على الإضافة.

فَارْفَعْ بِهَا وَانْصِبْ وَجُرَّ: جر بها يعني على الإضافة، جر ماذا؟ وارفع ماذا؟ وانصب ماذا؟ قال:

ص: 20

مَعَ أَلْ وَدُونَ أَلْ مَصْحُوبَ أَلْ

مَصْحُوبَ أَلْ: هذا متنازع فيه، مفعول به. ارفع مصحوب (أَلْ)، انصب مصحوب (أَلْ)، جر مصحوب (أَلْ). إذاً: باب التنازع .. تنازعته العوامل الثلاث.

مَعَ أَلْ وَدُونَ أَلْ

مَعَ أَلْ: هذه حال من قوله: (بِهَا) ارْفَعْ بِهَا وَانْصِبْ بها حذفه لدلالة الأول عليه، وجر بها أيضاً لدلالة الأول عليه حذفه.

مَعَ أَلْ: (مَعَ) هذا منصوب على الظرفية حال من الضمير في (بِهَا)؛ لأن (بِهَا) المراد به الصفة المشبهة، يعني: الصفة المشبهة لها حالان في العمل: تعمل مطلقاً مع (أَلْ) ودون (أَلْ) سواء كانت محلاة بـ (أل) أو بدون (أل)، (زيدٌ الحسنُ الوجهَ) بـ (أل). (زيدٌ حسنٌ الوجهَ) عملت مطلقاً بـ (أل) وبدون (أل).

مَعَ أَلْ: يعني اتصلت بها (أل).

وَدُونَ أَلْ: مجردة، دون ضمنت معنى غير، مجردة من (أل). ماذا ترفع وتنصب وتجر؟ قال: مَصْحُوبَ أَلْ يعني: المعمول الذي صاحب (أل)، معمول الصفة دخلت عليه (أل).

وَمَا اتَّصَلْ بِهَا مُضَافاً أَوْ مُجَرَّداً

اتَّصَلْ بِهَا: الضمير يعود على ماذا؟ أي: وما اتصل من معمول الصفة بالصفة، وسيأتي أنه يشترط ألا يفصل بين الصفة المشبهة ومعمولها، فإن فصل حينئذٍ لا عمل، أي: وما اتصل من معمول الصفة بالصفة في حال كونه مضافاً لما بعده أو مجرداً يعني من (أل) والإضافة.

قوله: (مُضَافاً) هذا حال من فاعل (اتَّصَلْ).

وَمَا اتَّصَلْ بِهَا: يعني بالصفة المشبهة حال كونه مضافاً، وهذا يدخل تحته أربعة أنواع:

النوع الأول: يشمل المعمول المضاف إلى ما فيه (أل) وهذا ذكرها ابن عقيل. المعمول المضاف إلى ما فيه (أل) نحو: (وجهُ الأبِ) هنا ما اتصلت به (أل) وإنما أُضيف إلى ما فيه (أل)، هنا قلنا: فارفع بها مصحوب (أل) يعني (الوجه)، تكون (أل) داخلة على المعمول نفسه.

الثاني: لم تدخل عليه وإنما مضاف، مضاف إلى أي شيء؟ قلنا: يشمل أربعة أنواع:

الأول: المعمول المضاف إلى ما فيه (أل) نحو: (وجهُ الأبِ) وجه: هذا المعمول في الأصل، لم تدخل عليه (أل) ليس مصحوب (أل) وإنما دخلت (أل) على ما أضيف إليه. لا إشكال فيه.

الثاني: المضاف إلى ضمير الموصوف، نحو:(وجهه) ضمير الموصوف، يعني: أضيفت إلى ضمير؛ لأنه لا بد أن يكون سببياً كما سبق. (زيدٌ حسنٌ وجهَهُ) أُضيف هنا، داخل في الإضافة.

الثالث: المضاف إلى ما أضيف إلى ضمير الموصوف، نحو:(وجهَ غلامهِ) هذا مثل ما هناك: وَوَصْلُ أَلْ بِذَا الْمُضَافِ مُغْتَفَرْ.

(حسنٌ وجهَ غلامهِ) وجهَ: هو المعمول، أضيف إلى غلام وهو ليس محلىً بـ (أل)، وإنما غلام مضاف إلى ضمير يعود إلى الموصوف، مضاف إلى مضاف، هذا الثالث.

الرابع: المضاف إلى المجرد من (أل) دون الإضافة، (وجهُ أبٍ). هذه أربعة أحوال.

أَوْ مُجَرَّداً: يعني من الإضافة و (أل)، هذه كم في معمول الصفة؟

ستة. مصحوب (أل) هذا الأول (الوجهَ)، وما اتصل بها يعني: لا ينفصل عنها، مضافاً تحته أربع، هذه كم؟ خمسة. أو مجرداً؛ هذه ستة. ثم الصفة المشبهة قد تكون محلاة بـ (أل) وقد لا تكون، ستة في اثنين؟ اثني عشر.

ص: 21

وكل مثال يجوز فيه الرفع والنصب والجر، ثلاثة في ثنتي عشر بست وثلاثين مسألة، كلها داخلة في هذا البيت، ست وثلاثون مسألة ليست كلها على وجه الجواز، هذا المشهور عند النحاة: أنها في الجملة ست وثلاثون مسألة، بعضهم أوصلها إلى سبعين، بعضهم أوصلها إلى ستمائة، وبعضهم أوصلها إلى ألف وأربعمائة وزيادة، كل هذا من باب التكلف، وإلا في الجملة تكون في ست وثلاثين مسألة.

إذاً: فَارْفَعْ بِهَا وَانْصِبْ وَجُرَّ مَصْحُوبَ (ألْ) سواء كانت محلاة بـ (أل) أو لا.

مَصْحُوبَ أَلْ: يعني المعمول المصاحب لـ (أل).

وَمَا اتَّصَلْ بِهَا: يعني بالصفة المشبهة حال كونه مضافاً، فشمل أربعة أنواع.

أَوْ مُجَرَّداً: يعني مُجَرَّداً من (أل) والإضافة، فهذه ست، كلها ست وثلاثون مسألة، وهي كالتالي -الست والثلاثون-:

تقول: (رأيتُ الرجلَ الحسنَ وجهٌ)، هذه محلى بـ (أل) وهو مجرد، ورفع.

و (الحسنَ وجهٌ) بـ (أل) والمعمول مرفوع وهو مجرد. و (الحسنَ وجهاً) نفس العامل محلىً بـ (أل) والمعمول مجرد من (أل) وهو منصوب. و (الحسنَ وجهٍ) نفسه لكنه مخفوض.

إذاً: الأول يحكم الثاني، المثل الأول هو الذي ينطبق عليه الشرح، ثم الرفع والنصب والخفض، ولذلك تقول:(رأيتُ الرجلَ الحسنَ وجهٌ) الحسنَ بـ (أل) ووجهٌ بالرفع مجرد من (أل) والإضافة. (الحسنَ وجهاً، الحسنَ وجهٍ) بالإضافة.

و (الحسنَ الوجهُ) محلىً بـ (أل)، و (الحسنَ الوجهَ، والحسنَ الوجهِ).

و (الحسنَ وجهُ الأبِ) مضاف إلى ما فيه (أل)، و (الحسنَ وجهَ الأبِ) نفسه لكنه بالنصب، و (الحسنَ وجهِ الأبِ) نفسه لكنه بالخفض، و (الحسنَ وجهُ أبٍ) مضاف إلى مجرد وهو الرفع. و (الحسنَ وجهَ أبٍ) بالنصب، و (الحسنَ وجهِ أبٍ) بالخفض نفسه.

و (الحسنَ وجهُهُ) بـ (أل) ومضاف إلى ضمير، و (الحسنَ وجهَه) نفسه لكنه بالنصب، و (الحسنَ وجهِهِ) نفسه لكنه بالخفض، و (الحسنَ وجهُ أبيهِ) مضاف إلى مضاف إلى الضمير. و (الحسنَ وجهَ أبيهِ) نفسه بالنصب، و (الحسنَ وجهِ أبيهِ)، أمثلة المحلى بـ (أل) انتهينا منها.

بقي المجرد من (أل).

(رأيتُ رجلاً حسناً وجهُهُ) مضاف إلى ضمير. و (حسناً وجهاً) و (حسنَ وجهٍ) و (حسناً الوجهُ) و (حسناً الوجهَ) و (حسنَ الوجهِ) بالإضافة، و (حسناً وجهُ الأبِ) مضاف إلى ما فيه (أل)، و (حسناً وجهَ الأبِ) و (حسنَ وجهِ الأبِ) و (حسناً وجهُ أبٍ) و (حسناً وجهَ أبٍ) بالنصب، و (حسنَ وجهِ أبٍ) و (حسناً وجهُهُ) و (حسناً وجهَهُ) و (حسنَ وجهِهِ)، و (حسنَاً وجهُ أبيهِ) و (حسنَاً وجهَ أبيهِ) بالنصب، و (حسنَ وجهِ أبيهِ) هذه ست وثلاثون مسألة كلها داخلة في قوله: مَصْحُوبَ أَلْ وَمَا اتَّصَلْ بِهَا مُضَافاً أَوْ مُجَرَّداً، مع قوله: مَعَ أَلْ وَدُونَ أَلْ.

كلها جائزة؟ الجواب: لا، وإنما يمتنع منها أربعة في الإضافة، ولذلك قال: وَلَا تَجْرُرْ بِهَا مَعْ أَلْ سُماً مِنْ أَلْ خَلَا وَمِنْ إِضَافَةٍ لِتَالِيهَا.

وَلَا تَجْرُرْ: هذا استثناء.

وَلَا تَجْرُرْ بِهَا مَعْ أَلْ: حال من هاء المجرور، تجرر بها يعني بالصفة المشبهة مع (أل)، إذاً: استثناء فيما إذا حليت بـ (أل)، أما إذا لم تحل فلا.

ص: 22

سُماً: هذا مفعول لتجرر، خلا من (أل) وَمِنْ إِضَافَةٍ لِتَالِيهَا. استثنى مسائل. يعني: يمتنع إضافة الصفة المقرونة بـ (أل) إلى المجرد من (أل) ومن إضافة إلى ما فيه (أل)، هذه كم؟ مقرونة بـ (أل) إلى المجرد من (أل) ومن إضافة إلى ما فيه (أل)، حينئذٍ قال: شملت ثنتي عشرة مسألة، إلا صورتان؛ وهما:(الحسنُ الوجهِ) و (الحسنُ وجهِ الأبِ) فالممتنع عشرة، وما عدا ذلك فهو جائز.

قال ابن عقيل: فتحصل حينئذٍ ست وثلاثون صورة، والممتنع منها في الجملة أربعة، لكن في التفصيل ثنتي عشر. وإلى هذا أشار بقوله:(فَارْفَعْ بِهَا) أي: بالصفة المشبهة.

وَانْصِبْ وَجُرَّ مَعَ أَلْ: إذا كانت الصفة بـ (أل) نحو: الحسن.

وَدُونَ أَلْ: أي إذا كانت الصفة بغير (أل) نحو: حسنٌ.

مَصْحُوبَ أَلْ: أي المعمول المصاحب لـ (أل) نحو: الوجهَ.

وَمَا اتَّصَلْ بِهَا مُضَافاً أَوْ مُجَرَّداً: أي والمعمول المتصل بها أي بالصفة إذا كان المعمول مضافاً أو مجرداً من الألف واللام والإضافة، ويدخل تحته أربعة أنواع، يعني تحت قوله:(مُضَافاً) على التي ذكرناها السابقة.

وأشار بقوله: (وَلَا تَجْرُرْ بِهَا مَعْ أَلْ) إلى أن هذه المسائل ليست كلها على الجواز، بل يمتنع منها إذا كانت الصفة بـ (أل) أربع مسائل، لذلك نقول: تجب الإضافة وتمتنع الإضافة وتقبح الإضافة، تمتنع وتقبح وتجب. متى تجب؟ نقول: تجب الإضافة إذا كانت مجردة من (أل) إلى ضمير متصل بها في الأصل، إذا كانت مجردة من (أل) يعني: الصفة

مضافة إلى ضمير متصل بها في الأصح، نحو:(مررتُ برجلٍ حسنِ الوجهِ وجميلهِ)، (مررتُ برجلٍ حسنِ الوجهِ) ليس المثال في (حسنِ الوجهِ) وإنما في قوله:(وجميلهِ) جميلِ: هذا صفة مشبهة معموله ضمير متصل، سبق:

وَفِي اخْتِيَارٍ لَا يَجِيءُ الْمُنْفَصِلْ

إِذَا تَأَتَّى أَنْ يَجِيءَ الْمُتَّصِلْ

و (جميلهِ) نقول: تجب الإضافة هنا، لماذا؟ لأنك لو نصبته فقلت:(وجميلٍ إياه) حينئذٍ فصلت مع إمكان الاتصال، وهذا ممتنع، فتجب الإضافة في هذا على الأصح.

نحو: (مررتُ برجلٍ حسنِ الوجهِ جميلِهِ)، ولا يجوز نصب هذا الضمير، وجوزه الفراء فيقال:(جميلٍ إياهُ)، ورد بأنه لا يفصل الضمير ما قدر على اتصاله، فإن لم تباشره متصلة به -فصل بينه وبين الضمير أو غيره- أو قرنت بـ (أل) لم تجب الإضافة، بل يتعين النصب باتفاق في حالة الفصل، نحو:(قريشٌ نجباءُ الناسِ وكرامُهُمُوها) هنا وجب الفصل.

وعلى أحد القولين للنحاة في حالة الاقتران بـ (أل) نحو: (مررتُ بالرجلِ الحسنِ وجها الجميلَه).

والقول الثاني: أن الضمير في موضع جر.

إذاً: الأصل أنه إذا أمكن الاتصال فيما إذا كانت الصفة المشبهة مجردة عن (أل) والمعمول ضمير حينئذٍ وجبت الإضافة، خلافاً للفراء.

وتمتنع في المسائل الأربع التي ذكرها ابن عقيل. يعني: يمتنع منها إذا كانت الصفة بـ (أل) أربع مسائل؛ لما تقرر في باب الإضافة السابق هناك أنه لا يضاف إلا ما استثني. لما تقرر في باب الإضافة من أنه لا تجوز إضافة الصفة المقترنة بـ (أل) إلى الخالي من (أل) ومن إضافة لما فيه (أل).

وَوَصْلُ أَلْ بِذَا الْمُضَافِ مُغْتَفَرْ

إِنْ وُصِلَتْ بِالثَّانِ ..........

ص: 23

الأصل هناك لا يضاف إلا بشروط، إن وجدت الشروط هنا جازت الإضافة، وإن امتنعت امتنعت الإضافة، وحينئذٍ يكون الحسن محمولاً على:

وَإِنْ يُشَابِهِ الْمُضَافُ يَفْعَلُ

وَصْفاً فَعَنْ تَنكيرِهِ لَايُعْزَلُ

فإذا كانت الصفة المضافة صفة مشبهة فالأحكام السابقة لاحقة هنا، وما انتفى هناك انتفى هنا.

المسألة الأولى: جر المعمول المضاف إلى ضميره الموصوف، نحو:(الحسنُ وجهِهِ) هذا مستثنى.

والصورة الثانية: جر المعمول المضاف إلى ما أضيف إلى ضمير الموصوف، نحو:(الحسنُ وجهِ غلامِهِ).

الثالثة: جر المعمول المضاف إلى المجرد من (أل) دون الإضافة، نحو:(الحسنُ وجهِ أبٍ) لعدم الرابط.

الرابعة: جر المعمول المجرد من (أل) والإضافة، نحو:(الحسنُ وجهٍ). فمعنى كلامه: ولا تجرر بها أي: بالصفة المشبهة إذا كانت الصفة مع (أل) اسماً خلا من (أل)، لا تجرر بها إذا كانت الصفة دون (أل) اسماً خلا من (أل) أو خلا من الإضافة لما فيه (أل) وذلك المسائل الأربعة.

وما لم يخل من ذلك يجوز جره كما يجوز رفعه ونصبه، كـ (الحسنِ الوجهِ، والحسنِ وجهِ الأبِ) وكما يجوز جر المعمول ونصبه ورفعه إذا كانت الصفة بغير (أل) على كل حال.

إذاً قوله: فَارْفَعْ بِهَا وَانْصِبْ وَجُرَّ مَصْحُوبَ (ألْ) وَمَا اتَّصَلْ بِهَا مُضَافاً أوْ مُجَرَّداً؛ هذا يستثنى منه المسائل الأربع في الجملة، وعند التفصيل تكون ثنتي عشرة مسألة.

وَلَا تَجْرُرْ بِهَا مَعْ أَلْ: إذا كانت محلاة بـ (أل).

سُماً مِنْ أَلْ خَلَا: سُماً: هذا مفعول لتجرر. خَلَا: هذه صفة من (أل)، إذا اتصلت به (أل) جازت الإضافة.

وَمِنْ إِضَافَةٍ لِتَالِيهَا: أي تالي (أل) ولو بواسطة الإضافة لضميره، فيشمل الإضافة لضمير تاليها، أي: خلا من إضافة لما فيه (أل).

وَمَا لَمْ يَخْلُ فَهْوَ بِالْجَوَازِ وُسِمَا

وَمَا: هذه شرطية مبتدأ.

لَمْ يَخْلُ فَهْوَ: الضمير يعود على ماذا؟ فَهْوَ: الفاء واقعة في جواب الشرط، و (هْوَ) المعمول.

فَهْوَ بِالْجَوَازِ: يعني جواز الإضافة.

وُسِمَا: أي علما.

وما لم يخل من (أل) والإضافة لتاليها فهو بالجواز أي: جواز الجر، لأن الكلام في الجر.

وتقبح الإضافة إذا كانت الصفة دون (أل) مضافة إلى مضاف لضمير وهو مثال: (حسنُ وجهِهِ) حسنُ وجهِهِ قالوا: إضافته قبيحة، ومنعها سيبويه:(حسنُ وجهِهِ) إضافته قبيحة. ومنعها سيبويه اختياراً، وخص جوازها بالشعر، ومنعها المبرد مطلقاً في الشعر وغيره.

وقال ابن مالك في شرح الكافية: وهو عند الكوفيين جائز في الكلام كله، وهو الصحيح. (حسنُ وجههِ) جائز أو لا؟ فيه خلاف. قال ابن مالك: الصحيح جوازه مطلقاً، يعني في الشعر والنثر.

وهو الصحيح؛ لأن مثله قد ورد في حديث أم زرع: (صِفرُ وشاحِها) صفرُ: هذا صفة مشبهة. وشاحِها: مثل (حسنُ وجهِهِ) مضاف ومضاف إليه، فإذا جاء كذلك .. لكن النحاة ما يعبرون هذا الكلام.

وفي حديث الدجال: {أَعْوَرُ عَيْنِهِ الْيُمْنَى} أعور عينه مثل: (حسنُ وجهِه) إذاً: لا يمنع، ومع هذا ففي جوازه ضعف، ووافقه أبو حيان.

إذاً: الإضافة تمتنع في الأربع المسائل، وتجب في المسألتين المذكورين، وتقبح مع الجواز.

ص: 24

ويقبح رفعها مطلقاً مع (أل) ومجردة العاري من الضمير و (أل) والإضافة إلى أحدهما، وذلك مثال:(الحسنُ وجهٌ) الحسنُ وجهٌ هذا قبيح .. رفعه قبيح.

و (حسنٌ وجهٌ) هذا قبيح؛ لأنه مجرد عن (أل) والإضافة، وإنما يستحسن النصب على التمييز. و (الحسنُ وجهِ أبٍ، وحسنُ وجهِ أبٍ) هذه كم مسألة؟ الحسنُ وجهٌ وحسنٌ وجهٌ دون (أل) وبـ (أل). و (الحسنُ وجهِ أبٍ وحسنُ وجهِ أبٍ) كلاهما فيما حلي بـ (أل) مثالان، لكن مع (أل) ودون (أل)، هذا قبيح، الرفع فيه قبيح. الأول:(الحسنُ وجهٌ) بـ (أل)، (حسنٌ وجهٌ) بدون (أل) هذا قبيح. كذلك:(الحسنُ وجهِ أبِ، وحسنُ وجهِ أبٍ) هذا قبيح.

ومنع أكثر البصريين: (حسنٌ وجهٌ) لخلو الصفة من ضمير مذكور يعود على الموصوف، واختاره ابن خروف، ومذهب الكوفيين جوازه بقبح، وإليه ذهب ابن مالك رحمه الله تعالى.

إذاً: هذه الأبيات الثلاثة شملت ستاً وثلاثين مسألة على الوجه الذي ذكرناه.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين

!!!

ص: 25