المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * تتمة الأحكام أنواع المنادى * حكم المنادى العلم الموصوف - شرح ألفية ابن مالك للحازمي - جـ ٩٧

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * تتمة الأحكام أنواع المنادى * حكم المنادى العلم الموصوف

‌عناصر الدرس

* تتمة الأحكام أنواع المنادى

* حكم المنادى العلم الموصوف بابن

* تنوين المنادى (المبني) في الضرورة الشعرية

* الجمع بين (ال) وحرف النداء. خاتمة.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

وقفنا عند قول الناظم رحمه الله تعالى:

وَالمُفْرَدَ المَنْكُورَ وَالْمُضَافَا

وَشِبْهَهُ انْصِبْ عَادِمَاً خِلَافَا

هذا هو النوع الثاني من أنواع (المُنَادى).

قلنا: المُنَادى ثلاثة أقسام أو ثلاثة أنواع:

لا يخلو إما أن يكون مفرداً، أو مضافاً، أو شبيهاً بالمضاف.

والمفرد هذا ثلاثة أنواع عند التفصيل: إمَّا أن يكون معرفةً، وإمَّا أن يكون نكرة مقصودة، أو نكرة غير مقصودة، عنى باثنين من هذه الثلاثة المعرفة وهما: المعرفة، والنكرة المقصودة بالبيت الذي سبق، وهو قوله:

وَابْنِ المُعَرَّفَ المُنَادَى المُفْرَدَا

عَلَى الَّذِي فِي رَفْعِهِ قَدْ عُهِدَا

بَيَّن أن المعرَّف المُنَادى المفرد حكمه: أنه يُبنى على ما يُرفعُ به لو كان مُعرَباً، وقلنا: المفرد هذا يشمل المفرد في باب الإعراب، ويدخل تحته المثنَّى، ويدخلُ تحته المجموع، وهو جمع المذكر السالم، وكذلك يشمل المركب المزجي:(سيبويه) والمركب العددي كـ: (أحد عشر وخمسة عشر)، هذه كُلها إذا نُودِيت حينئذٍ نقول: حكمها أنها تُبنىَ، وبَيَّنا سبب البِناء، ثُم ما كان يُرفعُ بالضمة حينئذٍ يُبنىَ على الضمة كـ:(زيد)، وما كان يُرفعُ في حالة الرفع بالألف أو بالواو حينئذٍ يُبنىَ على الألف ويُبنىَ على الواو، هذا حكمٌ مُطَّرِد.

وذكرنا أنَ المعرفة سواءٌ كان ذلك التعريف سابقاً على النداء، أو حاصلٌ بالنداء، وذلك فيما إذا كان المُنَادى نكرة، ثُمَ أقبل عليه وعيَّنَه بالقصد والإقبال صار معيَّناً، حينئذٍ نحكم عليه بأنه معرفة.

لكن التعريف لاحق لا سبق، بخلاف (زيد) فقول الجماهير: أن تعريفه سابق، وهو باقٍ بعد نداءه، يا زيدٌ، هذا عَلَم وهو معرفة، قبل جعله نداءً هو عَلَم .. معرفة، وبقي معه التعريف والعلمية بعد النداء، خلافاً لمن قال: بأنه سُلِبَ التعريف ثُم عُرِّف هذا، هذا قولٌ ضعيف ورده ابن مالك بما لا يمكن سلب تعريفه كلفظ الجلالة واسم الإشارة.

ثُمَ بيِّنَ أن الضم قد يكون منوياً، يعني: يُبنىَ على الضم ظاهراً أو مُقدَّراً، والظاهر كما سبق: فيما إذا لم يكن قبل النداء مبنياً، ثُم إذا نُوديَ المبني حينئذٍ صار الضم مُقدَّراً.

(وَانْوِ انْضِمَامَ مَا بَنَوا قَبْلَ النِّدَا) إذا كان المُنَادى مبنياً قبل النداء حينئذٍ قال: (انْوِ انْضِمَامَ) فتقول: يا سيبويه، (سيبويه) هذا مُنَادى مثل: يا زيدُ، إلا أن زيد ظَهَر فيه الضم .. يا زيدُ، وأمَّا: يا سيبويه هذا قُدِّرَ فيه الضم فهو منوي .. فهو مُقدَّر.

(وَليُجْرَ مُجْرَى ذِي بِنَاءٍ جُدِّدَا) يعني: وهو الذي جُدِّدَ بناؤه أي: حدث في النداء، يعني: من حيث ماذا؟ من جهتين:

الجهة الأولى: أن يكون في محل نصب؛ لأن أصله مفعولٌ به.

ص: 1

والجهة الثانية: فيما إذا نُعِت، حينئذٍ يجوز فيه الوجهان، تقول: يا سيبويه العَالمَ باعتبار المحل، ويا سيبويه العَالمُ حركة إتباع باعتبار الضمة المُقدَّرة، مثله المحكي نحو: تأبط شراً .. يا تأبط شراً، تأبطَ شراً: هذا ليسَ كـ (سيبويه) من حيث أنه مبني لا، هو من قسم المُعرَبات، لكن إعرابه تقديري، حينئذٍ إذا كان إعرابه تقديرياً قبل النداء، كذلك بعد النداء يكون بناؤه تقديرياً، وحكمه حكم سيبويه، وحكم زيد من حيث المحل، ومن حيث الإتباع، يعني: تابعه يكون بالوجهين: الرفع باعتبار اللفظ .. الضَّم المُقدَّر، والنصب باعتبار المحل، فيُقال: يا تأبط شراً المِقْدَامَ .. يا تأبط شراً المِقْدَامُ باعتبار الضَّم.

(وَانْوِ انْضِمَامَ مَا بَنَوا) أو (حكوا) من أجل أن نجعل البيت عاماً، (قَبْلَ النِّدَا وَليُجْرَ) في المنوِّي الضَّم مُجْرَى الظاهر الضَّم (ذِي بِنَاءٍ جُدِّدَا) وقلنا هذا (جُدِّدَا) يحتمل الأمرين: أنه في محل نصبٍ، وكذلك من حيث الإتباع.

هذا النوع الأول وهو: المفرد، ودخل فيه: العَلَم .. المعرفة، والنكرة المقصودة، والنكرة المقصودة: تشمل يا زيدان، ويا زيدون، المُثنىَ إذا كان نكرة، والمجموع جمع تصحيح إذا كان نكرة، حينئذٍ نقول: هذا من قسم النكرة المقصودة: يا زيدان ليس بعَلَم، وإنما هو نكرة مقصودة.

وكذلك يا زيدون هذا ليس بعلم، وإنما هو نكرة مقصودة، فإن قيل: زيدان تثنية زيد، وزيدٌ عَلَم وهو معرفة، حينئذٍ نقول: لا يُثنَّى إلا إذا سُلِبَ العلمية.

وكذلك: يا زيدون جمع زيد، كيف يقال: بأن زيدون نكرة وهو جمع زيد، وزيد معرفة عَلَم؟ نقول الجواب: أنه لا يُجْمعُ إلا إذا قُصِدَ تنكيره فصار نكرة، إذاً (زيد) معرفة .. عَلَم، و (زيدان) بدون (أل) وبدون نداء نكرة، وكذلك (زيدون) بدون (أل) وبدون نداء فهو نكرة.

أمَّا (الزيدان) و (الزيدون) و (يا زيدان) و (يا زيدون) هذا معرفة، إذا دخلت عليه (أل) أو (نُودِي) حينئذٍ نقول: هذا من المعارف، ولذلك سبق في المعارف: زيادة تَابعٍ على المشهور .. الأقسام الستة، وهو النكرة المقصودة في باب النداء.

ثم قال: (وَالمُفْرَدَ المَنْكُورَ وَالمُضَافَا وَشِبْهَهُ) هذه تتمة القسمة، فالمُفرد له البِناء، وما عدا المفرد فعلى الأصل، ولذلك قلنا المُنَادى: إما أن يكون مبنياً، وإما أن يكون مُعرَباً، إذا كان مبنياً حينئذٍ بناؤه يكون على ما يُرفعُ به لو كان مُعرَباً، وذلك بالقسم السابق، وإما أن يكون مُعرَباً وذلك إذا كان نكرةً غير مقصودة، وكان مضافاً، وكان شبيهاً بالمضاف، وعرفنا المُراد بالنكرة المقصودة والنكرة غير المقصودة.

هنا في باب النداء: النكرة المقصودة، يعني: التي أُقبِلَ على صاحبها (عُيِّنَ) بالقصد والتوجه: يا رجلُ، حينئذٍ نقول: يا رجل، إذا أقْبَلَ على شخص بعينه، وناداه: يا رجلُ، نقول: بالإقْبَالِ والقصد مع النداء تعيَّنَ فصار نكرة في اللفظ لكنه مقصودٌ من جهة المعنى فهو معرفة.

ص: 2

والنكرة غير المقصودة: أن لا يُعيِّن .. نفسه، فيقول: يا رجلاً، أيَّ رجلٍ .. لا يُحَدِّد رجلاً بعينه .. لا يُقْبِل على شخصٍ بعينه، ولذلك يمثلون بقول الأعمى؛ لأنه ما يرى من أمامه: يا رجلاً خذ بيدي، أيَّ واحد .. أياً كان: يا رجلاً خذ بيدي، إذاً: لم يُعيِّن شخصاً بعينه، ولذلك اقتضى أن تكون منصوبة.

(وَالمُفْرَدَ المَنْكُورَ)(المفرد) بالنصب مفعول مُقدَّم لقوله: (انْصِبْ) وجوباً، إذ لا يجوز فيه إلا النصب.

(انْصِبْ) هذا فعل أمر، (وَالمُفْرَدَ) مفعولٌ به مُقدَّم، و (المَنْكُورَ) المُرادُ به هنا باعتبار ما سبق، المرُادُ به: النكرة غير المقصودة، لأنه قال:(وَابْنِ المُعَرَّفَ)(المُعَرَّفَ): دخل فيه كل مُنادىً معرفة، فدخل فيه النكرة المقصودة.

قال: (وَالمُفْرَدَ المَنْكُورَ) ولم يُقيِّدهُ بالتعريف بل بقي على تنكيره، حينئذٍ نقول: قابل المُعرَّف السابق فبقيَ على أصله وهو: أنه نكرة، وهذا إنما يكون في باب النداء في النكرة غير المقصودة، كقول الأعمى: يا رجلاً خذ بيدي، أو قول الواعظ: يا غَافِلاً وَالَموْتُ يَطْلبُه، يا غَافِلاً .. على المنبر يقول: يا غَافِلاً لا يُعيِّن شخص بعينه، وإنما من يصدق عليه الوصف فهو هو: يا غَافِلاً وَالَموْتُ يَطْلبُه.

(وَالمُضَافَا) الألف هذه للإطلاق، يعني: وانْصِب المضافا، وعرفنا المضاف المُراد به: كل اسمين نُزِّلَ ثانيهما مُنَزَّلة التنوين مما قبله، فيقال: يا غلام زيدٍ، بالنصب .. يا غُلامَ زيدٍ.

هناك: يا رجلاً خذ بيدي، (رجلاً) نقول: هذا مُنَادى منصوب، وعلامة نصبه فتحة ظاهرة على آخره .. على الأصل، ليس عندنا بناء، وليس عندنا محل، فإنما يظهر الإعراب على اللفظ، فهو مُعرَب، إذا كان مُعرَباً لا إشكال فيه، فتقول:(يا) حرف نداء، و (غافلاً) أو (رجلاً) مُنادى وهو نكرة غير مقصودة، وهو منصوبٌ واجب النصب، وما بعده يكون تابعاً له.

(وَالمُضَافَا) يا غلامَ زيدٍ .. يا صاحبَ علمٍ .. يا طالبَ العلم، نقول: هذا كله مضاف، حينئذٍ يَتعيَّن فيه النصب، ولذلك قال:(انْصِبْ) بلا خلاف، كما قال:(عَادِماً خِلَافَا).

والمضاف هنا هل يشمل الإضافة المحضة .. خاص بالإضافة المحضة، أم أنه عام؟ نقول:(وَالمُضَافَا) هذا عام أطلقه الناظم، فيشمل النوعين سواءٌ كانَت الإضافة إضافةً محضة أو إضافةً لفظية غير محضة، فتقول: يا ضارب زيدٍ .. يا حسنَ الوجه .. يا مضروبَ العبد، نقول: هذا كله يكون منصوباً؛ لأنه مُنَادى مضاف فدخل في قوله: (المُضَافَا).

(وَالمُضَافَا) سواءٌ كانت الإضافة محضة: ((رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا)) [آل عمران:147](ربنا) هذا إضافة محضة، أو غير محضة نحو: يا حسن الوجه.

وعن ثَعْلب: إجازة الضَّمِّ في غير المحضة، يعني: اللفظية أجاز ثَعْلب فيها الضَّمْ، لكن لم يعتبره الناظم، ولذلك قال:(عَادِمَاً خِلَافَا) يعني: انصب والفاعل أنت، (عَادِمَاً) حال كونك عَادِماً خِلَافَا في المسائل الثلاث، سواءٌ كان النكرة غير مقصودة، والمضاف بنوعيه ولم يعتبِر خلاف ثعلب، وشبه المضاف.

إذاً: عن ثعلب أنه في الإضافة اللفظية يجوز فيها الضَمُّ: يا ضاربُ زيدٍ .. يا ضاربَ زيدٍ: يجوز الوجهان عند ثعلب.

ص: 3

وأمَّا على قول جماهير النحاة الذي حكا فيه الإجماع ابن مالك هنا: أنه يجب فيه النصب، لأنه في الأصل: مفعولٌ به، فبقي على أصله، ولم يُوجد فيه ما يقتضي بناءه، فأما المفرد فوجد فيه ما يقتضي البناء، وهو مشابهته للكاف الاسمية، حينئذٍ نقول: لمَّا لم توجد هذه العِلَّة في المضاف ولا الشبيه بالمضاف فبقي على أصله، والأصل الإعراب .. الأصل في الأسماء الإعراب.

ثُم أصله مفعولاً به وهو منصوب، حينئذٍ لا نَعْدِل عن الإعراب إلى البناء إلا بمقتضي، ثُم إذا أثبتنا إعرابه فيبقى على أصله وهو النصب، ولا نعدل عنه إلى الضَمِّ إلا بِمُوجبٍ وليس ثَمَّ مُوجِب لأن هنا لا يوجد ما يقتضي رفعه، وإنما وُجِدَ ما يقتضي نصبه وهو: أدعو، وأنادي، أدعو زيداً .. أدعو صاحب زيدٍ.

حينئذٍ نقول: الأصل أنه مُعْرَب وإعرابه يكون بالنصب، حينئذٍ ما وجه العُدُول إلى الضَّمّ؟ نقول: لا وجه له، ولذلك لم يعتبره ابن مالك هنا وقال:(عَادِماً خِلَافَاً).

(وَشِبْهَهُ) يعني: شبه المضاف، وهو ما اتصل به شيءٌ من تمام معناه، نحو: يا طالعاً جبلاً .. يا حسَناً وجهه .. يا ثلاثةً وثلاثين .. يا مارَّاً بزيدٍ، كل هذه أمثلة لما اتصل به شيءٌ من معناه.

(وَالمُضَافَا) استثنى بعضهم المضاف لضمير الخطاب، هل يُنَادى أصلاً .. قبل أن نقول: منصوب أو لا .. هل يُنادى؟ قيل: لا، لا يُنَادى، ولذلك (وَالمُضَافَا) نقول: لغير ضمير الخطاب، أما المضاف إليه فلا يُنَادى .. فلا يقال: يا غُلامُك، أو يا غُلامَك لا يقال، لماذا؟ لأن النداء يقتضي أنه مُخاطب، وإضافته إلى الكاف يقتضي أنه غير مُخاطب حينئذٍ حصل تنافٍ بينهما.

(وَالمُضَافَا) لغير ضمير الخطاب، أما المضاف إليه فلا يُنَادى، فلا يقال: يا غُلامكَ؛ لاستلزام اجتماع النقيضين، وما هما النقيضان؟ لاقتضاء النِداء خطاب الغلام، وإضافته إلى الكاف يقتضي أنه غير مخاطب، ما أضفته إلى الكاف غُلامكَ إلا لكونه غير مُخاطب، ثُم تُناديه باعتبار أنه مُخاطب، كيف هذا؟ هذا حصل فيه تناقض.

لاقتضاء النداء خطاب الغُلام، وإضافته إلى ضمير خطاب عدم خطابه، لوجود تغاير المتضايفين وامتناع اجتماع خطابين لشخصين في جملةٍ واحدة، حينئذٍ لو سوَّغنا: يا غُلامَكَ نقول: غُلامُكَ أصلاً قبل النداء يقتضي أنه غير مُخاطَب، لماذا؟ لأنك أضفته إلى كاف الخطاب، فالغُلام غير مُخاطب، أضفته لكاف الخطاب من أجل خطابه، ثُمَّ النداء يقتضي أنه مُخاطب، فكيف يُحْكَم على الغلام بكونه مخاطب غير مخاطب في تركيبٍ واحد؟ هذا فيه تناقض.

إذاً: (وَالمُضَافَا) يستثنى منه المضاف لغير ضمير الخطاب، فإنه لا يُنَادى أصلاً، يعني: لا يَرِد على الناظم هذا، وإنما نقول: كونه مضافاً لضمير الخطاب ليس منادىً أصلاً، فضلاً عن أن يدخل في قوله: انصب المُضَافَا .. فليس بداخلٍ أصلاً، لم يتسلط عليه العامل وهو قوله:(انْصِبْ).

إذاً: (وَشِبْهَهُ) المُرادُ به: الشبيه بالمضاف، وهو ما اتصل به شيءٌ من تمام معناه.

(انْصِبْ) فعل أمر، والأمر يقتضي الوجوب، فهو واجب النصب في هذه الأحوال الثلاثة: النكرة المقصودة، والمضاف، والشبيه بالمضاف.

ص: 4

(عَادِماً خِلَافَا) يعني: حال كونك عَادِماً خِلَافَا، (عَادِماً) هذا اسم فاعل وهو حال، ويرفع ضميراً مستتراً، ونَصَبَ خلافاً على أنه مفعولٌ به له، (خلافاً) هذا مفعولٌ للحال، وسبق أن الحال: إذا كان اسم فاعل أو جاء صفةً، (صفةً) قلنا: هذا عام يشمل النعت والحال، وهذا مثالٌُ لما سبق.

قال الشارح هنا: " تَقدَّم أن المُنَادى إذا كان مفرداً معرفةً أو نكرة مقصودة يُبنى على ما كان يُرفعُ به، وذَكَر هنا أنه إذا كان مفرداً نكرة، أي: غير مقصودة، أو مضافاً، أو مشبهاً به، نُصِبَ وجوباً، فمثال الأول قول الأعمى: يا رجلاً خذ بيدي .. قول الواعظ: يا غَافِلاً وَالَموْتُ يَطْلبُه، وقولُ الشاعر:

أَيَا رَاكِباً إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنّ

نَدَامَايَ مِنْ نَجْرَانَ أَلَاّ تَلَاقِيَا

(أيَا رَاكِباً) أيَّ راكبٍ، هذا نكرة غير مقصودة، ولذلك وجب نصبه، (راكباً) تقول: مُنَادى وحرف النداء: (أيَا)، و (راكباً) مُنَادى منصوب واجب النصب، لماذا نُصِب؟ لكونه نكرة غير مقصودة، ولا نحتاج إلى محلٍ؛ لأنه ظاهر الإعراب.

ومثال الثاني وهو المضاف: يا غلامَ زيدٍ .. يا ضارب عمروٍ، انظر ابن عقيل مَثَّل بمثالين، الأول: يا غُلامَ زيدٍ، إشارة إلى الإضافة المحضة، يا ضارب عمروٍ، إشارة إلى الإضافة اللفظية، النحاة يعتبرون الأمثلة.

ومثال الثالث وهو الشبيه بالمضاف: يا طالعاً جبلاً، ويا حسناً وجهه، ويا ثلاثةً وثلاثين، لمن سميته بذلك .. ليس عدداً، وإنما صار علماً: يا مارَّاً بزيدٍ، (بزيدٍ) هذا مُتعلِّق بـ:(مارَّاً) حينئذٍ صار شبيهاً بالمضاف.

إذاً هذه الأحوال الثلاثة: النكرة غير المقصودة، والمضاف، الشبيه بالمضاف منصوبة.

وانتصابُ المُنَادى لفظاً في هذه الأحوال الثلاثة، أو محلاً في النكرة المقصودة والمعرفة، انتصاب المُنَادى لفظاً في هذه الثلاثة، أو محلاً في المبني هناك .. في المُعَرَّف بنوعيه عند سيبويه، والمشهور عند النحاة: على أنه مفعولٌ به.

وناصبه اخْتُلِف فيه على مذاهب خمسة، أشهرها اثنان:

الأول: أن ناصبه الفعل المُقدَّر الذي نابت عنه (يا) وهذا سبق في بيان حد النداء: أنه مُنَادى مطلوبٌ إقباله بـ (يا) نائبٍ مناب (أدعو) هذا الصحيح، فأصل: يا زيدُ عند سيبويه: أدعو زيداً، هذا الأصل، ثُم حُذِفَ الفعل حذفاً لازماً .. حذفاً واجباً يعني؛ لكثرة الاستعمال هذا أولاً، ولدلالة حرف النداءِ عليه وإفادته فائدته.

إذاً: لماذا حُذِفَ حذفاً لازماً؟ نقول لأربعة أسباب:

أولاً: لظهور معناه فاستغنوا به، يعني: بـ (يا) النداء عنه.

ثانياً: النداءُ إنشاء، وإظهار الفعل يوهمُ الإخبار.

ثالثاً: كثرة استعمالهم النداء في كلامهم .. كثير هذا في كلام العرب.

رابعاً: عوَّضُوا عنه (يا) ولا يُجمعُ بينهما.

ص: 5

لهذه الأسباب الأربعة حكمنا على الفعل بكون حذفه (لازماً) .. أصل الحذف: الجواز، ولكن نقول:(لازماً) للأسباب الأربعة: لظهور معناه فاستغنوا بالحرف عنه .. ظاهر المعنى، إذا قال: يا زيدُ، المعنى: أدعو زيداً .. إذا قال: أزيدُ .. أدعو زيداً، فالمعنى ظاهر، ولذلك تُحذَف حتى (يا) النداء، يقال:((يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا)) [يوسف:29] ظهر المعنى فجاز الحذفُ، النائب وما أُنيبَ عنه وهذا واضحٌ بَيِّن، إذاً: لظهور معنى النداء استغنوا بالحرف عن الفعل.

ثانياً: إن جاء النداء إنشاء: يا زيد، هذا مطلوبٌ إقبالهُ بعد اللفظ، وكل ما يَقعُ مدلوله بعد التلفظ، حينئذٍ نقول: هذا إنشاء، وما وقع سابقاً فهو خبرٌ، وإظهار الفعل، لو قال: أدعو زيداً: فعل مضارع، أو أنادي زيداً: هذا يوهم أنه خبر، والمُرادُ من النداء الإنشاء، فحذفوا الفعل دفعاً لهذا الوهم، ثم التزموا حذفه.

ثالثاً: كثرة استعماله للنداء.

رابعاً: التعويض .. عوَّضُوا عنه (يا)، ومعلومٌ أن القاعدة العامة: أنه لا يُجمعُ بين العوض والمُعَوَّض عنه، إذا عُوِّذِضَ شيء عن شيء حينئذٍ لا يُجمعُ بينهما، إلا شذوذاً أو ضرورة في الشعر خاصة، حينئذٍ نقول: عوَّضُوا عنه، ولا يُجمعُ بين (يا) وبين (أدعو) لذلك وجب حذفه.

إذاً: أصل التركيب: أدعو زيداً، ثُمَّ حُذِفَ الفعل حذفاً لازماً للأسباب السابقة، لكن إذا كان مبنياً حينئذٍ تَسلَّطَ العمل على المحل، وإذا لم يكن مبنياً حينئذٍ ظهر أثر العامل في المُنَادى نفسه .. في اللفظ نفسه، واضحٌ هذا.

إذا كانَ مبنياً لوجود المُقْتَضِي حينئذٍ نقول: تَسلَّط عمل العامل على المحل، لأن الأصل أن يَتَسلَّط عليه فيُظهره لفظاً، فإذا امتنع كالمبني حينئذٍ رجع إلى المحل، ولذلك نقول: انتصاب المُنَادى لفظاً أو محلاً.

وأما النكرة غير المقصودة، والمضاف، والشبيه بالمضاف، لمَّا لَمْ يكن موجب البِناء ملحوظاً فيها كلها، حينئذٍ بقيت على أصلها وهو الإعراب، فظهر أثر العامل لفظاً، وليس عندنا شيءٌ اسمه محل في هذه الأحوال الثلاثة.

هذا المذهب الأول: وهو مذهب سيبويه، والجماهير على ذلك وهو الصحيح؛ لأنه مستقيم.

وأجازَ المُبَرِّد نصبهُ بحرف النداء لسده مَسَدَّ الفعل، هذا يأتي المذهب في الرتبة الثانية، وأما بقية المذاهب فهي ضعيفة: أن (يا) النداء هي التي نَصَبَتْ، حينئذٍ: يا زيد، نقول: هذا في محل نصب، ما الذي أحدث النصب؟ قال:(يا) لأنها سَدَّت مَسَدَّ الفعل، فإذا سَدَّت مَسَدَّ الفعل حينئذٍ صار الفعل كأنه نسياً منسياً، فإذا حصل أثرٌ في اللفظ أو في المحل فحينئذٍ يُنْظَرُ إلى النائب نفسه، وما سَدَّ مَسَدَّ الفعل فيُحَالُ العمل عليه، إذاً: الناصب للمُنَادى لفظاً أو محلاً عند المُبَرِّد هو (يا) النداء، لكونها سَدَّتْ مَسَدَّ الفعل .. لكن هذا ضعيف؛ لأن معلوم أن الأصل: أدعو زيداً، ولذلك تُصَرِّح به فتقول: أُنادي زيداً، حينئذٍ كان الأصل هو.

ص: 6

فعلى المذهبين .. مذهب المُبَرِّد وسيبويه: يا زيدُ، في قوة الجملة، ولذلك يُعَبَّر مجازاً أنه جملة، بل هو باعتبار الأصل جملة، لكن باعتبار: يا زيدُ، اللفظ لوحده ليس بجملة، لماذا؟ لا يُوجدَ مسند ومسند إليه مؤلَّف من حرفٍ واسمٍ.

إذاً: في اللفظ .. من حيث اللفظ لا .. ليس بجملة، أما باعتبار الأصل فنعم، لماذا نظرنا إلى الأصل؟ لأننا نقول: أن يا زيد، لو سَلَّمْنا بظهوره أنه أفاد فائدة الجملة الاسمية أو الفعلية لحكمنا بكون (يا) و (زيد) مسند ومسند إليه، وهذا من الأدلة أيضاً مما يبطل أن (يا) هي العامل، لأننا لو قلنا:(يا) هي العامل وصار الفعل نسياً منسياً حينئذٍ صار التركيب مؤلفاً من اسمٍ وحرفٍ، وهذا باطل.

إذاً: على المذهبين: أن (يا زيدُ) جملة، لكن باعتبار الأصل، سواء الأصل الملاحظ عند سيبويه والأثر الموجود المحلي، أو الظاهر في المضاف، والشبيه بالمضاف المنسوب للعامل، أو على مذهب المُبَرِّد: بأن الفعل صار نسياً منسياً، وسَدَّت (يا) النِدائية مَسَدَّ ذلك الفعل، على المذهبين:(يا زيدُ) جملة، يعني: مفيدٌ فائدة الجملة.

وهل المُنَادى أحد جزئي الجملة .. إذا قيل: (يا زيدُ) جملة، هل المُنَادى أحدُ جزئي الجملة؟ على المذهبين أيضاً لا، لماذا؟ لأن جزئي الجملة فعل وفاعل، على مذهب سيبويه وعلى مذهب المُبَرِّد، حينئذٍ على مذهب سيبويه: زيد .. يا زيدُ، (زيد) هذا مفعولٌ به، إذاً: ليس جزءً أساسياً في الجملة، وإنما:(أدعو) فعل وفاعل، أُنيبَ (يا) مُقَامَ (أدعو) فحُذِفَ الفعل مع فاعله، وعلى مذهب المُبَرِّد (يا) سَدَّتْ مَسَدَّ الفعل، فحُذِفَ الفعل مع فاعله.

إذاً: الجملة مؤلفة من الفعل والفاعل، فعلى المذهبين زيد ليس جزءً من الجملة؛ لأنه مفعولٌ به على المذهبين، وليس المُنَادى أحد جزئيها، فعند سيبويه (جزءاهما) الفعل والفاعل مُقدَّران؛ لأنه لمَّا حُذِفَ الفعل وحُذِفَ معه الفاعل، وهذا سبق معنا: أن حذف الفاعل قد يكون مُطَّرِداً فيما إذا حُذِفَ الفعل، من ضَرَبْتَ؟ زيداً، (زيداً) مفعولٌ به، أين عامله؟ (ضرب) .. أين الفاعل؟ محذوف .. حُذِفَ معه؛ لأنه متصلٌُ به.

فعند سيبويه (جزءاهما) أي: الفعل والفاعل مُقدَّران، وعند المُبَرِّد: حرف النداء سَدََّ مَسَدَّ أحد جزئي الجملة، أي: الفعل، والفاعل مُقَدَّر، يعني: أن المُبَرِّد يرى: أن (يا) هنا سَدَّتْ مَسَدَّ الجزء الأول وهو: الفعل، فحينئذٍ كأنه موجود، والفاعل هو المحذوف، وهذا فيه تَكَلُّف.

والمفعول هنا على المذهبين: واجب الذكر لفظاً أو تقديراً، إذ لا نداء بدون المُنَادى، إذاً الصواب أن نقول: أن النصب هنا فيما إذا بُنِي محلاً، أو فيما إذا أُعرِبَ لفظاً، إنما هو بالعامل المحذوف، الذي أُنيبت (يا) أو (حرف النداء) مُنابه، وليست (يا) هي التي نصبت، وهذا قولٌ ضعيف.

إذاً: قول الناظم هنا:

وَالمُفْرَدَ المَنْكُورَ وَالْمُضَافَا

وَشِبْهَهُ انْصِبْ عَادِمَاً خِلَافَا

يعني: انْصِبْ حال كونك عَادِماً خِلَافَا المفرد المنْكُور، وما عُطِفَ عليه، هذا يُعتبرُ من المنصوبات. ثم قال:

وَنَحْوَ زَيْدٍ ضُمَّ وَافْتَحَنَّ مِنْ

نَحْوِ أَزَيْدَ بْنَ سَعِيدٍ لَا تَهِنْ

ص: 7

وَالضَّمُّ إِنْ لَمْ يَلِ الاِبْنُ عَلَمَا

أَوْ يَلِ الاِبْنَ عَلَمٌ قَدْ حُتِمَا

(وَنَحْوَ زَيدٍ ضُمَّ)(ضُمَّ نَحْوَ زيدٍ)، (ضُمَّ) هذا فعل أمر، (وَافْتَحَنَّ) كذلك فعل أمر، و (نَحْوِ) قيل: إنه مُتنَازعٌ فيه الفعلان المتأخران، بناءً على جواز التنازع في سابقٍ، حينئذٍ أُعمِلَ أحد الفعلين وأُضْمِر للثاني.

ونحن نقول: و (نَحْوَ) هذا مفعولٌ به لضُمَّ؛ لأنه الألصق به، ثُمَ نُقَدِّر مفعولاً به لـ:(افْتَحَنَّ) نحو زيدٍ، حُذِفَ من الثاني لدلالة الأول عليه، وهذا سائغٌ في لسان العرب: الحذفُ من الثاني إذا دَلَّ الأول عليه، يعني: إذا اشتمل الأول على أمرٍ ثُم أعِيدَ مرةً أخرى حينئذٍ نقول: يسوغ حذفه من باب الاختصار.

و (نَحْوَ) نقول: هذا مفعولٌ به لـ: (ضُمَّ)، ومفعول (افْتَحَنَّ) ضميرٌ محذوف يعود على (نَحْوَ).

(مِنْ نَحْوِ) جار مجرور مُتَعلق بقوله: (ضُمَّ)، وجَوَّزَ بعضهم أن يكون حالاً من زيد.

(مِنْ نَحْوِ أَزَيدُ بْنَ سَعِيدٍ لَا تَهِن)(لا) ناهية، و (تَهِنْ) بفتحِ التاء مضارع وَهَنَ، أي: ضَعُفَ، وبضمها مضارع أهان .. تُهِنْ .. أهَاَن .. تَهِن وهَنَ، حينئذٍ نقول: على الحالين المضارعين (تُهِن وتَهِن) الهاء مكسورة، وهو فعل مضارع هنا مجزوم بـ (لا) الناهية وجزمه سكون آخره.

(ونَحْوَ زَيدٍ) من قولكَ: أزيدَ .. أزيدُ، (نَحْوَ زَيدٍ ضُمَّ وَافْتَحَنَّ) يعني: يجوزُ فيه الوجهان: الضَمُّ والفتح.

(ابْنَ سَعِيدٍ لَا تَهِن) هنا انظر إلى المثال: زيد بن سعيدٍ، في مثل هذا المثال .. في مثل هذا التركيب، حينئذٍ ثَمَّ شروط نأخذها من المثال:

أولاً: مُنَادى مفرد زيد .. منادى مفرد.

ثانياً: (زيدٌ) عَلَم.

ثالثاً: موصوفٌ بـ: (ابن) .. ابن .. زيد، موصوفٌ بـ:(ابن).

ثُمَّ رابعاً: (ابنٌ) مضاف، وليس مفصولاً عن الإضافة.

وخامساً: مضافٌ إلى سعيد، و (سعيدٌ) هذا عَلَم كـ:(زيد).

وسادساً: اتصل الوصف: (ابن) بـ: (زيد) المُنَادى، لم يفصل بينهما فاصلٌ، هذه ستة.

وزاد بعضهم: سابعاً وثامناً كما سيأتي، لكن من كلام الناظم هذه ستة شروط: أن يكون المُنَادى مفرداً .. علماً .. موصوفٌ بلفظ (ابن) .. ولفظُ (ابن) مضاف ومضافٌ إلى عَلَم، ولم يُفْصَل بين (المُنَادى) وبين (ابن) حينئذٍ (ضُمَّ وَافْتَحْ)(المُنَادى) .. الكلام في (المنادى) ليس في (ابن).

حينئذٍ (ضُمَّ وَافْتَحْ) يجوز لك الضَّم، فتقول: أزيدُ بْنَ سعيدٍ، ويجوز لك الفتح: أزيدَ بْنَ سعيدٍ، وهذا في المثال المذكور وهو مسموعٌ هكذا.

إذاً: جاز لك في المُنَادى وجهان: البناء على الضَمِّ .. ضُمَّ ضمَ بناء، وهذا على الأصل لا يحتاج إلى تعليل؛ لأنه الأصل: أزيدُ .. يا زيدُ .. أزيدُ، الأصل: أنه مبنيٌ على الضَّم، فإذا ضُمَّ لا نسأل عنه، نقول: على الأصل.

و (الفتح) هذا الذي هو خلاف الأصل ويحتاج إلى تعليل، و (الفتح) إمَّا على الإتباع لفتحة (ابن)؛ لأن (ابن) بالنصب هنا بناءً على محل زيد، (ابن) صفة .. (ابن بالنصب) صفة، صفة لـ:(زيد) لماذا نُصِبَ؟ باعتبار المحل.

إذاً: (ابن) نقول: هذا منصوب، (أزيدَ ابنَ) أعطينا زيد الفتح لمناسبة ومُشاكَلة الصفة، حينئذٍ تكون هذه الحركة حركة إتباع.

ص: 8

والفتح إما على الإتباع لفتحة (ابن)، و (ابن) منصوب كما علمنا، إذ الحاجز بينهما ساكن فهو غير حصين، ليس بينهما حاجز، والحاجز الموجود وهو الألف .. همزة وصل، وهي ساكنة. والحاجز الساكن غير حصين، يعني: كأنه لم يَفْرِق بينهما فارق، أو على تركيب الصفة مع الموصوف، وجعلهما شيئاً واحداً كـ:(خمسة عشر).

(زَيدَ بْنَ سَعِيدٍ) .. (زَيدَ بْنَ) كأنه رَكَّبَ (زيد) مع (ابن) حينئذٍ صار كتركيب (خمسة عشر). أو على إقحام (ابن) وإضافة زيد إلى سعيد، الأصل .. أصل التركيب: أزيدَ سعيدٍ ابن، هذا أصل التركيب.

إذاً (أزيدَ سعيدٍ) هذا مضاف ومضاف إليه، والمضاف والمضاف إليه ما حكمه؟ النصب، ثُمَّ أُقْحِمَ .. زِيدَ .. حُشِرَ يعني، (ابن) بين المضاف والمضاف إليه، فقيل:(أزيدَ بن سعيدٍ) إذاً: فُصِلَ بين المضاف والمضاف إليه بلفظ (ابن).

هذه ثلاثة أقوال في توجيه هذا التركيب في حالة الفتح، إذا قيل:(أزيدُ بن سعيدٍ) لا إشكال فيه هذا على الأصل، (زيدٌ) مُنادى مبني على الضم في محل نصب، و (ابن) بالنصب تابعاً للمحل.

لكن إذا قيل: (أزيدَ ابْنَ سعيدٍ) حينئذٍ إمَّا أن يُقَال: بأن الحركة هنا حركة إتباع، حينئذٍ إذا قيل: حركة إتباع، سبق معنا أن الحركات سبع، وحركة الإتباع مُغايرة لحركة الإعراب والبناء، حينئذٍ: زيدُ .. وَابْنِ المُنَادَى المُعَرَّفَ .. (المُعَرَّفَ المُنَادَى).

حينئذٍ نقول: (أزيدَ بن سعيدِ) على هذا القول: أزيدَ .. (زيدَ) مُنَادى مبنيٌ على الضم المُقَدَّر، مَنَعَ من ظهوره اشتغال المحل بحركة الإتباع؛ لأن الفتحة هذه قلنا: حركة إتباع، ليست بحركة بناء، ولا بحركة إعراب، وهذا أحسن التوجيهات لهذا التركيب.

وأمَّا كونه مركب تركيب (خمسة عشر) أو (إقحام) هذا فيه تَكَلُّف، والصواب أن يُقال:(أزيدَ) بالفتح .. إذا فُتِح: (أزيدَ بن سعيدٍ) الأصل فيه أنه مبني، ثُمَّ أُتبعَ (زيد)(ابن)، أُتبعَ في حركته، فأُعطيَ الفتحة، حينئذٍ قيل:(أزيدَ) فهو مُنَادى مبني على الضم المُقَدَّر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الإتباع في محل نصب.

المذهب الثاني: أنه رُكِّبَ معه تركيب الصفة مع الموصوف، وجعلهما شيئاً واحداً كـ:(خمسة عشر).

والثالث: أنه إقحام (ابن) وإضافة زيد إلى سعيد؛ لأن ابن الشخص تجوزُ إضافته إليه لملابسته إياه، وعليه حينئذٍ إذا قيل على الأول .. حركة الإتباع، حينئذٍ الفتحة هل هي فتحة إعراب؟ الصَبَّان يقول: فتحة إعراب، وهذا غريب! لأنه إذا سمينا: حركة إتباع ليس بحركة إعراب، وإنما نقول: هي حركةٌ مغايرةٌ لحركة البناء والإعراب.

حينئذٍ إذا قيل بأن (أزيدَ) حركته حركة إتباع، حينئذٍ نقول: ليست إعراباً ولا بناءً، ونَصَّ الصَبَّان على أنها حركة إعراب وهذا فيه نظر.

ص: 9

وعلى الثاني .. القول: بأنه تركيب الصفة مع موصوفِها وجعلهما شيئاً واحداً كـ: (خمسة عشر) صارت حركة (زيد) حركة بِنْيَة، لأنه مثل التاء: خمسة عشر .. (خمسةَ) التاء هنا مفتوحة، هذا الفتح فتح بِنْيَة، عرفنا المُراد بفتح بِنْيَة، يعني: الحرف الذي لا يكون محلاً للبناء ولا للإعرابِ، كـ:(زاي) زيد .. (زَه) هذا مفتوح، نقول: هذا حركة بِنْيَة، إذاً (خمسة عشر) التاء هذه مُحَرَّكة بالفتح وهي حركة بِنْيَة، لا إعراب ولا بناء ولا إتباع.

كذلك إذا قيل: أزيدَ ابنَ، مركب تركيب خمسة عشر، حينئذٍ لا إعراب له، الإعراب يكون آخر المُركب وهو النون، وهذا فيه نظر كذلك.

أو على الإقحام حينئذٍ تكون الفتحة فتحة إعراب: أزيدَ ابن سعيدٍ .. أزيدَ سعيدٍ، مثل: غُلامَ زيدٍ، إذاً: هو مضاف منصوب (أزيدَ) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، ثُم أُقْحِمَ زيد بين المضاف والمضاف إليه، فقيل: أزيدَ بنَ سعيدٍ، وهذا فيه نظر كذلك؛ لأنه تَكَلُّف، والصواب: الأول.

إذاً: يجوزُ فيه الوجهان، ثُم توجيه الضَّم بأنه على الأصل، وتوجيه الفتح، قلنا: فيه ثلاثة مذاهب، والأرجح: أنها حركة إتباع وليست حركة إعراب ولا حركة بناء، وإنما يكون البناء مُقَدَّرا على آخره.

والمختار من الوجهين عند البصريين غير المُبَرِّد: الفتح .. المُختار الفتح على الضَّم، وهذا غريب يعني إلا إذا كان كثيراً، وإلا الأصل .. أن يكون الأصل هو المختار.

إذاً: جاز لك في المُنَادى وجهان، والمختار عند البصريين: الفتح.

وشرط الوجهين: كون الابن صفةً، ولذلك قلنا: وُصِفَ بـ: (ابن) طيب! إذا قلنا: أزيدُ ابنَ سعيدٍ، (ابنَ) هذا صفة، لو أعربناه بدلاً أو عطفَ بيان، هل يبقى الحكم كما هو، أم نُعَيِّن أن يكون (ابن) مُعرَباً على أنه صفة؟ الثاني، يعني: شرط الوجهين: أن يكون (ابن) مُعْرَباً على أنه صفة .. نعت، وأما إذا أُعرِبَ لا على هذا الوجه كأن قُطِعَ: أعني ابن، حينئذٍ نقول: لا هذا يَتَعيِّن في الأول الرفع .. البناء على الضَّمْ.

وشرط الوجهين: كون الابن صفةً، فلو جُعِلَ بدلاً، أو عطفَ بيان، أو مُنادىً، أو مفعولاً بفعلٍ مُقدَّر تَعيَّن الضَّم، هذه أربعة أوجه فيه: أزيدُ ابنَ، الأول: أن يكون صفةً، هذا إعراب، وإذا أعربناه صفةً جاز في زيد الوجهان.

الوجه الثاني في (ابن) أن يُعْرَب بدلاً، على اعتبار تكرار العامل .. أزيدُ ابنَ؛ لأنه في قوة (أزيدُ ابْنَ سعيدٍ) هذا مضاف ومضاف إليه، يا ابْنَ سعيدٍ، إذاً: يُنصب على الأصل.

أو عَطَفَ بيان باعتبار المحل هنا، (ابن) عطف بيان على محل زيد.

أو مُنَادى: يا زيدُ يا ابْنَ سعيدٍ، مُنَادى على الأصل، يُعْرَب على أنه مضاف ومضاف إليه وهو منصوبٌ.

أو مفعولاً بفعلٍ مُقَدَّر: يا زيدُ أعني ابْنَ سعيدٍ.

حينئذٍ نقول: في الأوجه هذه الأربعة دون الصفة يَتَعيِّن أن يُقال: أزيدُ بالضم .. مبني، وإنما تَعيَّن أن يكون بجواز الوجهين فيما إذا أُعرِبَ (ابن) صفة، وأما إذا أُعرِبَ بدلاً، أو عطفَ بيان، أو مُنَادىً مستقلاً، أو مفعولاً به لفعلٍ محذوف حينئذٍ تَعيَّنَ الضَّمُّ.

ص: 10

وشَرَطَ في التسهيل شرطاً سابعاً: أن يكون المُنَادى ظاهر الضم، بأن يكون صحيح الآخر، يعني لا يُقال: يا موسى ابْنَ سعيدٍ مثلاً، لو قيل: يا موسى ابْنَ سعيدٍ، حينئذٍ لا يجوزُ إلا أن ينوي الضَّم فحسب، ولا يجوزُ الوجهان، بناءً على أن الوجهين إنما يجوزان فيما إذا كان المُنَادى صحيح الآخر، يعني: إذا كان الضُّم ظاهراً، وهذا يُمكن أخذه من المثال نفسه، بل نَصَّ المكُودِي: على أنه مأخوذٌ من المثال، فهذا شرطٌ سابع يُزَادُ.

وشُرِطَ أن تكون البُنُوَّة حقيقية، يعني: لو كان قولُه: أزيدُ ابْنَ سعيد، ابْنَ سعيد: ليس ابنه حقيقةً، وإنما من باب المجاز .. التربية ونحوها، حينئذٍ (أزيدُ) يَتَعيَّن فيه الضم.

وشُرِطَ أن تكون البُنُوَّة حقيقية، وشُرِطَ كون لفظ (ابن) مفرداً لا مثنَّىً ولا مجموعاً، وهذا يُمكن أخذه من المثال.

إذاً: الشروط ثمانية: أن يكون مفرداً .. عَلَماً .. موصوفٌ بابنٍ .. مضاف إلى عَلَم، ولم يُفْصَل، هذه ستة مأخوذة من النظم صراحةً، أن يكون المُنادى ظاهر الضم هذا سابع .. أن تكون البنوة حقيقية هذا ثامن، وشُرِطَ كون لفظ (ابن) مفرداً لا مثنَّىً ولا مجموعاً، هذا كم؟ تسعة، لكن كون البنوة حقيقية هذا مُنازعٌ فيه، وكلها يُمكن أخذها من المثال الذي ذكره الناظم:(نَحْوِ أَزَيدَ بْنَ سَعِيدٍ لَا تَهِن).

ومحترزات الشروط خَرَجَ بكونه مُنَادى مفرداً، نحو: يا عبد الله ابْنَ زيد، (عبد الله) مُنَادى وهو مُضاف، حينئذٍ يَتَعيَّن فيه النصب وهذا واضح، (انْصِبْ عَادِماً خِلَافَا) (المُضَافَا) إذاً: هو داخلٌ فيه، وبالعلم نحو: يا رَجلُ ابْنَ زيدٍ، (رجل) هذا نكرة مقصودة، إذاً: ليس بعلم، إذاًَ: يَتَعيَّن فيه الضم، ولا يُقال: يا رجلَ ابْنَ زيدٍ، وابْنَ سعيدٍ.

وبكونه بعده (ابن) نحو: يا زيدُ الفاضلُ، يَتَعيَّن الضَّمْ هنا: يا زيدُ، لا يُقال: يا زيدَ الفاضل، لكونه نُعِتَ بغير (ابنٍ)، وبكونه متصلاً به، نحو: يا زيدُ الفاضلُ ابْنَ عمروٍ، (ابْن) هنا نعت ثاني لـ:(زيد) لكنه مفصولٌ بينه وبين زيد، فلا يُقالُ: يا زيدَ الفاضل ابْنَ عمروٍ بالنصب، إنما يَتَعيَّن فيه الضَّمُ، وبكونه صفةً له، نحو: يا زيدُ ابْنَ عمروٍ على أنه بدل، هذا ذكرناه سابقاً.

وبكونه مضافاً إلى عَلَم، نحو: يا زيدُ ابْنَ أخينا، (ابن) هنا مضاف ومتصلٌ به، و (زيد) عَلَم ومفرد إلى آخره، لكن ماذا تخلَّف؟ كونهُ مضافاً إلى علم، هنا: يا زيدُ ابْنَ أخينا، (أخينا) ليس بعَلَم، بل هو مضاف ومُضاف إليه، حينئذٍ يَتَعيَّن الضم في زيد، فيجب النصب في الأول والضم في البقية.

وَنَحْوَ زَيْدٍ ضُمَّ وَافْتَحَنَّ مِنْ

نَحْوِ أَزَيْدَ بْنَ سَعِيدٍ لَا تَهِنْ

(ابْن)، قالوا: مثلهُ (ابْنَة) يعني: مثلها في الحكم؛ لأن أصل (ابْنَة) بالتاء، أصلها: ابْن زيدت عليها التاء، ومثله:(ابْنَةُ) نحو: يا هندُ ابْنَةَ زيدٍ .. يا هندُ .. يا هندَ ابْنَةَ زيدٍ، الشروط كلها موجودة مع تأنيث لفظ (ابن)، بخلاف الوصف بـ (بنت) لا يُقال: أهندُ بنتَ زيدٍ .. أهندَ بنتِ عمروٍ مثلاً، فـ:(هندَ) هنا لا نقول: أنه يجوزُ فيه الوجهان، لماذا؟ لأنَ ثَمَّ فرقاً بين (بنت) و (ابن) .. بعيدة الشبه عنها.

ص: 11

بخلاف الوصف بـ (بنت)، فنحو: يا هندُ بنتُ عمروٍ .. يا هندُ بالرفع بنتَ عمروٍ، واجب الضَّمِّ.

والفرقُ: أن (ابْنَة) هي (ابنٌ) بزيادة التاء بخلاف (بنت) فهي بعيدة الشبه.

ومثله .. مثل هذا التركيب فيما سيأتي: إذا كُرِّرَ مضافاً: يا سَعدُ سَعدَ الأوس، مثله، لو جمع بينهما في محلٍ واحد لكان أولى، لكنه سيأتي: أنه يجوز فيه الوجهان: يا سَعدُ سَعدَ .. يجوز فيه الوجهان .. سعدَ الأوس، ويجوزُ فيه ما جاز في هذا الموضع، نفس الكلام يُقالُ في البيت الآتي.

وَالضَّمُّ إِنْ لَمْ يَلِ الاِبْنُ عَلَمَا

أَوْ يَلِ الاِبْنَ عَلَمٌ قَدْ حُتِمَا

والضَّمُّ قَد حُتِمَا .. فالضمُّ متحتمٌ،؟؟؟، قَدْ حُتِمَا: خبر المبتدأ، والضَّمُّ قَد حُتِمَا .. إِنْ لَمْ يَلِ الاِبْنُ عَلَمَا أَوْ يَلِ الاِبْنَ عَلَمٌ فالضمُّ متحتمٌ، أين جواب الشرط؟ هنا قال: (إِنْ لَمْ يَلِ الاِبْنُ عَلَمَا

أَوْ يَلِ الاِبْنَ عَلَمٌ) لم يأتِ جواب الشرط، فالضَّمُ حتمٌ .. متحتمٌ، إذاً: جواب الشرط محذوف، والذي سَوَّغ حذفه وجودُ جملة الخبر، ويجوز أن يكون:(قد حُتِمَا) جملة الجواب، حينئذٍ أين الخبر .. خبر الضُّم؟ الجملة الشرطية كلها.

يبقى إشكال: أنه لا رابط بين الجملة الشرطية والضَّمُّ، لكن نقول: استغني بالضمير الذي في (حُتِمَا) بالربط لأن جملتي الضَّم والشرط يستغني فيهما بضميرٍ واحدٍ، يكفي لتنزيلهما مُنَزَّلةَ الجملة الواحدة، وعلى هذا فلا حذف.

وَالضَّمُّ إِنْ لَمْ يَلِ الاِبْنُ عَلَمَا

أَوَ يَلِ الاِبْنَ عَلَمٌ قَدْ حُتِمَا

ذكر لك ما يَتَخلَّف فيه شرط أو شرطين، شرطنا: أن يكونَ (الابن) مسبوق بعلم، وأن يضاف إلى علم، إذا تَخَلَّف الأول بأن لم يكن مسبوقاً بعلم كقولنا: يا رجلُ ابْنَ سعيدٍ، أو لم يكن الثاني المضاف إليه علَماً، كقولنا: يا زيدُ ابْنَ أخينا، حينئذٍ الضَّم حتْمٌ.

(والضَّمُّ إِنْ لَمْ يلِ الاِبْنُ عَلَمَا) يعني: لم يكن الابن صفةً لعَلَم، كقولنا: يا رجلُ ابْنَ سعيدٍ، حينئذٍ قال: الضَّمُّ حتْمٌ .. يجبُ الضَّم.

(أَوَ يَلِ الاِبْنَ عَلَمٌ) يعني: لم يَتْلُ الابن علمٌ بأن أُضيفَ الابن إلى غير العَلَم، كقولنا: يا زيدُ ابْنَ أخينا، حينئذٍ قد حُتِمَ الضَّمُ، وقد عرفنا هذا من تَخلُّفِ الشروط، وإنما ذكر بعضاً ليستدل به على الآخر، يعني: هذا يؤكد لك أن الناظم بالمثال أراد الأحكام .. الشروط، فهو ذَكَر لك المثال من أجل أن تستنبط منه الشروط، وذَكَرَ لك نصَّاً فيما إذا تَخلَّف شرط أو شرطين، فألحق به سائر الشروط في كون الضَّمِ مُتَعيِّن، وقد ذكرناها سابقاً كلها.

(وَالضَّمُّ إِنْ لَمْ يَلِ الاِبْنُ عَلَمَا) قال الشارح: " أي: إذ لم يقع (ابنٌ) بعد علم، أو لم يقع بعده علم - لم يُضَف إلى علم - فوجب ضَمُّ المُنَادى " لو قال: وجب ضَمُّ المُنَادى وامتنع فتحه، فمثال الأول: يا غُلامُ بن عمروٍ، (ابنَ عمروٍ) هذا صفة مضافة إلى عَلَم، لكن تَخلَّف الأول بأنه ليس عَلَماً، غُلام ليسَ بعَلَم، يا غُلامُ: هذا نكرة مقصودة، ويا زيدُ الظريفَ ابْنَ عمروٍ، هنا الفصل .. (لَمْ يَلِ الاِبْنَ عَلَمٌ)، هذا يدخل فيه أيضاً، يعني: بأن يليه شيءٌ ليس مضافاً.

ص: 12

زيدُ الظريفَ بن عمروٍ، (أَوَ يَلِ الاِبْنَ عَلَمٌ) .. (إِنْ لَمْ يَلِ الاِبْنَ عَلَمٌ) لماذا أدخل هذا ابن عقيل: ويا زيدُ الظريفَ ابْنَ عمروٍ؟ الظاهر أن مُرادَ ابن مالك هنا: أنه لم يُضَف إلى العلم؛ لأنه قَيَّدَه بـ (ابن) و (ابن) مُضاف دائماً .. ملازم للإضافة، إما أن يُضَاف إلى علم أو لا، لَعْلَّ ابن عقيل عَمَّمَ الشروط.

ومثال الثاني: يا زيدُ الظريفَ ابن عمروٍ، هذا مثال ثاني، يعني:(ابن) لم يل العَلَم الذي هو الظريف، لكن لا .. ليسَ بظاهر هذا .. هذا الفَصْل .. لكن هو مَثَّل به، قال: مثال الأول: إذا لم يقع (ابن) بعد عَلَم: يا غُلامُ ابنَ .. يا زيدُ الظريفَ ابنَ، فُصِلَ بينهما.

على كلٍ:؟؟؟ بكلام الناظم. ومثال الثاني: يا زيدُ ابْنَ أخينا، (ابْنَ) مضاف، و (أخينا) مضاف إلى غير عَلَم، فيَجِبُ بناء زيد على الضَمِّ في هذه الأمثلة، ويجب إثبات ألف (ابن) والحالة هذه: يا زيدُ الفاضلُ ابْنُ عمروٍ.

إذاً: وَنَحْوَ زَيدٍ ضُمَّ وَافْتَحَنَّ مِنْ

نَحْوِ أَزَيدَ بْنَ سَعِيدٍ ..

(زيد) قلنا: يجوزُ فيه الوجهان، وأما (ابن) فقيل: لا إشكال أن فتحة (ابن) فتحة إعراب إذا ضُمَّ موصوفه، وأما إذا فُتِحَ فكذلك عند الجمهور، يعني:(ابن) سواءٌ ضُمَّ (زيد) أو فُتِح فهو فتحةُ إعرابٍ عند الجمهور.

لا إشكال أن فتحة (ابن) فتحة إعرابٍ إذا ضُمَّ موصوفه، وأما إذا فُتِحَ فكذلك عند الجمهور، وهذا هو الظاهر؛ لأن مذهبهم أن الفتح في الأول ليس للتركيب بل للإتباع، وهذا الصحيح، أن:(أزيدَ) الفتح هنا ليس للتركيب، وليس للإقحام، وإنما هو حركة إتباع، وإذا كان كذلك فليست إعراباً، وليست بناءً.

وقال عبد القاهر الجُرْجَاني: "حركة بناء - ليس بظاهر هذا (ابْنَ) حركة بناء - لأنك رَكَّبْته معه تركيب (خمسة عشر)، فحركة (زيد) على هذا حركة بِنْيَه"، ليس بظاهر لا هذا ولا ذاك.

ثُمَّ قال الناظم -رحمه الله تعالى-:

وَاضْمُمْ أَوِ انْصِبْ مَا اضْطِرَاراً نُوِّنَا

مِمَّا لَهُ اسْتِحْقَاقُ ضَمٍّ بُيِّنَا

(وَاضْمُمْ أَوِ انْصِبْ ماَ)، (ما) اسم موصول، بمعنى: الذي، في محل نصب مفعولٌ به، تنازع فيه العاملان: انْصِبْ .. اضْمُمْ، تنازعَ فيه العاملان، فأُعطي للثاني الذي هو (انْصِبْ) ثُم أُضمِرَ في الأول فحُذِف.

وَاضْمُمْ أَوِ انْصِبْ مَا اضْطِرَاراً نُوِّنَا

مِمَّا لَهُ اسْتِحْقَاقُ ضَمِّ بُيِّنَا

ما هو الذي استَحَقَّ الضَّم مما سبق .. في المُنَادى ما هو الذي استَحَقَّ الضم؟ المفرد بنوعيه، سواءٌ كان علماً أو نكرة مقصودة، في الشعر قد يجوز تَنْوِينُه ضرورةً، في الشعر: يا زيدُ .. يا عدي، نقول: هذا في الشعر خاصَّة ليس في الكلام .. في الشعر خاصَّةً قد يجوزُ .. يضطر الشاعر إلى تنوينه، فإذا نَوَّنه حينئذٍ جاز لك فيه وجهان: النصب رَدَّاً إلى الأصل، والضَّمُّ بناءً على ما هو عليه.

ص: 13

(وَاضْمُمْ مَا اضْطِرَاراً نُوِّنَا) .. (مَا نُوِّنَ اضْطِرَاراً)، (نُوِّنَا): الألف هذه للإطلاق، و (اضْطِرَاراً) هذا مفعولٌ لأجله، (نُوِّنَ لأجل الاضطرار)، وإذا قال النحاة: في الضرورة أو للاضطرار، مُرادهم به في الشعر خاصَّة، لأن النثر ما فيه ضرورة .. ليس هناك وزن، وإنما هو كلامٌ مستقيم، فحينئذٍ نقول إذا قيل:(مَا اضْطِرَاراً) حينئذٍ يُحمَلُ على الشعر خاصَّة.

(وَاضْمُمْ أَوِ انْصِبْ مَا اضْطِرَاراً نُوِّنَا)، وجملة (نُوِّنَا) لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

(مِمَّا لَهُ اسْتِحْقَاقُ)، (مِمَّا) هذا بيان لـ (مَا) الموصولة، (مِمَّا لَهُ اسْتِحْقَاقُ)، (استحقاق) هذا مبتدأ، ويَحتمل أن خبره:(لَهُ) جار مجرور مُتَقدِّم عليه.

ويَحتمل .. (مِمَّا لَهُ اسْتِحْقَاقُ ضَمَ بُيِّنَا) يَحتمل أن جملة: (بُيِّنَا) خبر استحقاق، ويَحتمل أن (استحقاق) مبتدأ وخبره له، وهذا أجْوَد كما قال الشاطبي، (لَهُ) خبر مُقَدَّم، و (اسْتِحْقَاقُ) مبتدأ مؤخر، و (اسْتِحْقَاقُ) مضاف، و (ضَمِّ) مضاف إليه، وجملة (بُيِّنَا) هذا صفة لـ:(ضَمٍّ)(ضَمٍّ مُبَيَّنٍ) مُظْهَرٍ يعني.

(وَاضْمُمْ أَوِ انْصِبْ مَا اضْطِرَاراً نُوِّنَا) تَقدَّم أنه إذا كان المُنَادى مفرداً معرفة، أو نكرة مقصودة، يجب بناؤه على الضم، وذَكَر هنا: أنه إذا اضْطَُرَّ شاعرٌ إلى تنوين هذا المُنَادى كان له تنوينه، وهو مضموم .. وهو مبني على أصله، إذا أبقى البناء ضَمَّه، وإذا أخَرَجه عن البناء حينئذٍ نَصَبه رجوعاً إلى الأصل في الأسماء. وكان له نصبه فهو مُعرَب رجوعاً إلى أصله في الأسماء إذا نُصِبَ؛ لأن النصب لا يكون في المبني.

واختيار الناظم هنا: الضَمُّ مُقَدَّم على النصب، ولذلك قَدَّمَه، قال:(وَاضْمُمْ أَوِ انْصِبْ).

فمن الأول قول الشاعر:

سَلَامُ اللَّهِ يَا مَطَرٌ عَلَيْهَا

وَليسَ عَلَيكَ يَا مَطرُ السَّلامُ

أين الشاهد؟ (سَلَامُ اللَّهِ يَا مَطَرٌ) .. مَطَرُ .. مَطَرْ، حينئذٍ الأصل فيه: أنه مبني على الضَّم، فاضْطُرَّ إلى تنوينه فأبقاه على أصله وهو الضَّمْ، فهو مبني حينئذٍ، وإنما جُوِّز تنوينه ضرورةً.

(وَلَيسَ عَلَيكَ يَا مَطَرُ) على الأصل، هذا دَلَّ على أن الأول إنما اضْطُرَّ إليه، هذا شاهدٌ للأول أنه: يُضَمُّ إذا نُوِّنَ.

ضَرَبتْ صَدْرها إليَّ وقالتْ

يا عَديّاً لقدْ وَقَتْك الأَواقِي

(يا عَديّاً) .. يا عَديُّ، عَدِيّ: عَلَم مبني على الضم، اضْطُرَّ إلى تنوينه فَنَوَّنه ورَدَّه إلى أصله:(يا عَديّاً).

(وَاضْمُمْ أَوِ انْصِبْ مَا اضْطِرَاراً): الضَمُّ كما في قوله: (سَلَامُ اللَّهِ يَا مَطَرٌ).

و (انْصِبْ) كما في قولها: (وقالتْ يَا عَديّاً).

حينئذٍ رَجَع إلى أصله، فـ (يَا مَطَرٌ): مبني .. على الأصل، و (يَا عَديّاً): هذا مُعْرَب، فَرقٌ بينهما.

ص: 14

(وَاضْمُمْ أَوِ انْصِبْ مَا اضْطِرَاراً نُوِّنَا

مِمَّا) يعني: المُنَادى الذي (لَهُ اسْتِحْقَاقُ ضَمٍّ) ظَاهِرُه: ولو فيما ضَمُّه مُقدَّر، لو قال: يا موسى، وأراد تنوينه، حينئذٍ كيف يصنع .. هل يجوز فيه الوجهان: أن تُقَدَّر الضمة وتُقَدَّر فيه الفتحة؟ ظَاهر كلامه: ضَمٍّ ولو في ما ضَمُّه مُقَدَّر.

وقيل: ليس هذا بِمُراد، وإنَّما عَيَّن أن يكون الكلام فيما إذا كان الضَمُّ ظاهراً؛ لأنه هو الذي يحتاج إلى تنوين، وأمَّا ما عداه لو نَوَّنَه حينئذٍ الساكن إذا حُذِفَ جاء محله ساكن.

الآن إذا اضْطُرَّ .. (يا مَطَرُ) .. إذا اضْطُرَّ إلى تنوينه حينئذٍ زاده - إذا افْتَقَر إلى حرف ساكن - جاء بالتنوين: يا مَطَرٌ، يستقيم معه الوزن مثلاً، وأما إذا قيل: يا فتىً .. يا موسىً، نقول:(موسى) ساكن .. (فتى) ساكن، إذا جاء بالتنوين ضرورةً حينئذٍ حُذِفَ الأول وجاء التنوين محله فصار ساكن، إذاً: ماذا استفاد؟ ذَهَبَ ساكن وأتى ساكن، لكن يا مَطَرُ .. مَطَرٌ، جاء ساكن بعد الحرف، ولذلك قُيِّدَ قوله (ضَمٍّ): أن يكون الضم ظاهراً؛ لأنه لا ضرورة في تنوين مقصورٍ ونحوه؛ لأنه لو ذهب الحرف الساكن وجاء بالتنوين حَلَّ مَحَلَّ الساكن ساكنٌ آخر، وأما مَطَرٌ، وعديّاً لا.

وقوله (بُيِّنَا) أي: أُظْهِر صفةٌ لـ (ضَمّ).

واختار الخليل وسيبويه الضَمَّ على النصب، ولذلك قَدَّمَه الناظم قال:(وَاضْمُمْ أَوِ انْصِبْ).

وأبو عمرو، وعيسى، ويُونس والمُبَرِّد اختاروا النصب، يعني: النصب أرجح، يجوز الوجهان اتفاقاً، لكن الخلاف في الأرجح منهما، اختار الخليل وسيبويه: الضَّم، وأبو عمرو وعيسى ويُونس والمُبَرِّد: النصب، ووافق الناظم الأولَين الخليل وسيبويه في العَلَم، وفي الآخرين في اسم الجنس، يعني: فَصَّل، هذا في غير هذا الكتاب: وافق الخليل وسيبويه في تقديم الضَّمِّ على النصب؛ لأنه أرجح إذا كان عَلَماً.

ورجح النصب على الضَّم إذا كان اسم جنس، يعني: نكرة مقصودة، ووجه:(أن اسم الجنس أصْلٌ بالنَظَر إلى العَلَم) .. النكرة أصل للمعرفة هذا لا إشكال، (والإعراب أصلٌ بالنَظَر إلى البناء) فَلَمَّا اضْطُرَّ الشاعر أُعطِي الأصل للأصل والفرع للفرع، أُعطِي الأصل للأصل، يعني: أُعطِي الأصل .. الإعراب للأصل الذي هو النكرة، فإذا نَوَّنَ النكرة المقصودة اسم الجنس، حينئذٍ نَصَبه فكان أرجح رجوعاً إلى أصله، وإذا نَوَّنَ العَلَم، حينئذٍ التعريف فرع، والبناء فرع، فأعطى الفَرع للفَرع، هكذا قيل.

وَاضْمُمْ أَوِ انْصِبْ مَا اضْطِرَاراً نُوِّنَا

مِمَّا لَهُ اسْتِحْقَاقُ ضَمٍّ ..

(اسْتِحْقَاقُ ضَمِّ لَه) قلنا: الجملة هذه لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، و (ضَمٍّ): هذا مُضاف إليه، و (بُيِّنَا) أي: أُظهِر هذا صفةٌ لـ: (ضَمٍّ)، احترز به من الضَمِّ المُقَدَّر، فإنه لا يُضْطر إلى تنوينه، وقيل (بُيِّنَا) بمعنى: فيما ذكرناه سابقاً.

حينئذٍ يَعُم قوله: (ضَمِّ) فيما إذا كان ضَمُّه مُقَدَّراً، وإذا جعلنا (بُيِّنَا) يعني: ظاهر حينئذٍ صار احترازاً، انظروا الكلام كيف؟ يَحتمل هذا ويحتمل ذاك.

ص: 15

إذا قال: (مِمَّا لَهُ اسْتِحْقَاقُ ضَمٍّ) .. ظاهرٍ .. مُظْهَرٍ، حينئذٍ صار احترازاً من الضَمِّ المُقَدَّر، إذا قيل:(مِمَّا لَهُ اسْتِحْقَاقُ ضَمٍّ قد بُيِّن فيما سبق) .. (وَابْنِ المُعَرَّفَ المُنَادَى) حينئذٍ نقول: ليس فيه استثناء بل هو عام.

إذاً: تقديمه للضَّمِّ هنا إشعارٌ باختياره له مُطْلَقاً، وإذا ضممت المُنَادى المُفرد المُنَوَّن ضرورةً فلك في نعته: الضم والنصب، إذا ضممته حينئذٍ إذا نَعَتَّه فلك الوجهان؛ لأننا قلنا: إذا ضَمَّه ونَوَّنه أبقاه على أصله وهو البناء فهو مبني .. (يا مَطَرٌ) مبني هذا، و (يا عديّاً) هذا مُعْرَب، إذا قيل: واضْمُم حينئذٍ بقي على أصله وهو البناء مع التنوين ضرورة.

و (انْصِبْ) حينئذٍ أدْخَل التنوين ضرورة ثُم أرجعه، إذاً: فيه عملان، الضَمُّ والتنوين فيه عملٌ واحد وهو: إدخال التنوين على المبني، والنَصْب حينئذٍ فيه عملان، الأول: التنوين ثُم رَدَّه إلى أصله؛ لأنه إذا نَوَّنَ ضرورةً، يقول: يا عديٌ هذا الأصل، لماذا تزيده شيئاً آخر فتقول: يا عديّاً؟ فالأصل: أن يبقيه على ما هو عليه.

حينئذٍ نقول: (اضْمم ضَمَّ بناءٍ)، و (انصِب نَصْب إعرابٍ) فَخَرَج عن أصله، إذا نُعِت ما نُوِّنَ وبقي على أصله وهو المبني: يا مَطَرٌ مثلاً، إذا نُعِت لك في نعته وجهان: النَصب والضَمُّ، الضَّم على الإتباع؛ لأنه مبني، والنَصْب لاعْتِبَار المحل، فلك في نعته الضَمُّ والنَصب.

وإن نَصَبْته: (يا عديّاًً) حينئذٍ ليس لك في نعته إلا وجهٌ واحد وهو: النَصْب؛ لأن الضَمَّ ذهب .. لا وجُود له.

فإن نُوِّنَ مقصُورٌ، نحو: يا فتىً على القول به جاز الوجهان في نعته، أو النَصْب: يا فتىً .. لو نَوَّنَ فتىً مثلاً: يا فتىً .. نكرة مقصودة، لو نَوَّنَ حينئذٍ لا يَظْهر لا الرفع ولا النَصْب، إن نوى أنه مرفوع واضمم جاز في نعته وجهان، وإن نوى النَصْب: يا فتىً أنه منْصُوب، فليس لك في نعته إلا النَصْب، إذاً:{إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّات} .

إذا نَوَى في الأول أنه مضموم حينئذٍ نقول: لك في نعته وجهان .. يا فتىً، وإن نوى أنه منصوب حينئذٍ ليس لك في نعته إلا وجهٌ واحد وهو: النَصْب.

ثم قال رحمه الله:

وَبِاضْطِرَارٍ خُصَّ جَمْعُ يَا وَأَلْ

إِلَاّ مَعَ اللَّهِ وَمَحْكِيِّ الجُمَلْ

(وَبِاضْطِرَارٍ خُصَّ جَمْعُ يَا وَأَل)

؟؟؟

(خُصَّ) إذا قيل بأنه فعل ماضي يحتاج إلى فاعل، أين فاعله؟

؟؟؟

(خُصَّ جَمْعُ يَا وَأَلْ

إِلَاّ مَعَ اللهِ)؟؟؟

نقول (مَعَ): هذا مُتعلق بمحذوف ظرف .. مُتعلق بمحذوف حال من نائب الفاعل، (حال كونه إلا مع الله)(مع) مضاف، ولَفظ الجلالة: مضاف إليه.

(وَمَحْكِيِّ الجُمَلْ)، (مَحْكِيِّ)؟ معطوف على لفظ الله الجلالة:(إِلَاّ مَعَ اللَّهِ) .. وإلا مع مَحْكِيِّ الجُمَل.

إذاً نقول القاعدة .. الأصل: أنه لا يجوز الجمع بين حرف النِداء و (أل)، فلا يُقَال: يا العالم، ويا الرجل، هذا لا يجوز إلا في الضرورة، وإلا ما استُثْني .. الذي استثناه الناظم هنا.

(وَبِاضْطِرَارٍ خُصَّ جَمْعُ يَا وَأَلْ): (خُصَّ أنت جمعَ) .. (خُصَّ جَمْعُ) على أنه نائب فاعل.

ص: 16

(خُصَّ جَمْعُ يَا وَأَلْ) هنا عَيَّن (يا) ليس احترازاً عن غيرها، وإنما ذكرها مثالاً، وإلا الأصل: أن الحُكْم عام، يعني كأنه قال: خُصَّ جَمْع (يا) مثلاً، لظهور أن سائر حروف النِداء كذلك، فالحكم عام .. ليسَ خاصَّاً بـ (يا).

(وَأَل) يعني: مع (أل)، الواو هنا تفيد المصاحبة لظهوره في المعنى، خُصَّ جَمْع (يا) و (أل) باضطرارٍ، مفهومه .. مفهوم مخالفة، أنه دون اضطرارٍ لا يجوز الجمع بينهما وهو النثر.

إذاً القاعدة: لا يجوز الجمع بين حرفي النداء و (أل)، لماذا؟ لأن (أل) مُعرِّفة، والنداء قلنا: مُعرِّف، حينئذٍ لا يجتمع أداتا تعريفٍ في لفظٍ واحدٍ، فإذا كانت (أل) مُعرِّفة و (يا) مُعرِّفة فحينئذٍ لا يجتمعان، لا بُدَّ من أحدهما، فحينئذٍ لا بُدَّ من حَذْف (أل)، يعني: لا يجوز أن يدخل (يا) على مُنَادىً مُحلىً بـ (أل) إلا بِوُصْلة كما سيأتي: يا أيها الرجل .. يا أيها الذين أمنوا، فَصَارت (أيُّ) وُصْلة للمُنَادى، أو هي مُنَادى نفسها.

على كلٍّ القاعدة نقول: (لا يجوز الجمع بين حرفيّ النداء و (أل) إلا في الضرورة)، ولذلك قال:(خُصَّ جَمْعُ يَا وَأَل) .. بِاضْطِرَارٍ، (اضْطِرَارٍ) هذا مُتعلق بقوله:(خُصَّ).

إذاً له مفهوم: وهو أنه إذا لم يكن مُضْطَرَّاً إليه فلا يجوز الجمع بينهما، ففي النثر لا يجوز إلا ما استثناه الناظم، وهو مع لفظ الجلالة: الله، (وَمَحْكِيِّ الجُمَلْ) .. (مَحْكِيِّ الجُمَلْ) يعني: الجُمَل المحكية، من إضافة الموصوف إلى الصفة، لو سُمي رجل: المُنْطَلِق أبوه مثلاً، سُمي رجل بهذا الاسم، تقول: يا المُنْطَلِق أبوه؛ لأن (أل) صارت جزءً من العَلَم لأنه صار علَماً، فإذا كان كذلك حينئذٍ (أل) هذه صارت جزءً من مدخولها، فلا يُعَارضُ بين جمع (يا) و (أل).

(إِلَاّ): هذا استثنى، (مَعَ اللَّهِ) فيُقَال: يا الله .. الله هذه (أل) هنا ليست جزءً من الكلمة، وإنما عُومِلَت معاملة الجزء، فيجوزُ في الاختيار: يا ألله بِقَطْع الهمزة، ووصلها يعني يُقال (ياالله) بدون همزة، أو بقطعها كما تقول: جَاء الرجل .. هذا الرجل وصلت الهمزة، وأما: يا ألله نقول: هذا بالقطع.

(إِلَاّ مَعَ اللَّهِ) فيجوزُ إجماعاً، للزوم (أل) حتى صارت كالجزء منه، فتقول: يا ألله بإثبات الألفين، ويا الله بحذف الهمزة الثانية.

(وَمَحْكِيِّ الجُمَلْ)، يعني نحو: يا المُنْطَلِق زيدٌ، أو المُنْطَلِق أبوه، يعني: لو سُمي رجل .. (مَحْكِيِّ الجُمَلْ) يعني: جملة محكية، سواءٌ كانت جملة اسمية أو جملة فعلية، تأبط شراً .. شاب قرناها، تقول: هذه جملة فعلية مُحَوَّلة من جملة إلى كونها علَماً، وسبق هذا في باب العلم.

في نحو: يا المُنْطَلِق زيدٌ، فيمن سُمي بذلك، نَصَّ على ذلك سيبويه: أن المستثنى هو لفظ الجلالة الله ومَحْكِيُّ الجُمَل، وزاد عليه المُبَرِّد: ما سُمي به مِن موصولِ مبدوء بـ (أل)، لو سُمي بالذي: قام أبوه .. يا الذي قام أبوه .. يا التي قام أبوها، نقول: إذا سُمي به وهو مبدوء بالهمزة جاز أن يلي (يا) النِدائية.

ص: 17

أي: مع الصلة إذ هو محل الخلاف، وأما مُجرَّد الموصول المُسَمى به فوفاقاً على المنع من نِدائه، يعني لو سُمي رجل: الذي فقط، هذا ممنوع من النداء .. (الذين) لو سُمي الذين لا يلي.

أمَّا إذا سُمي به مع الصلة هذا محل النزاع، أجازه المُبَرِّد: يا الذي قام أبوه .. يا التي قام أبوها، حينئذٍ يلي (يا).

وصَوَّبه الناظم في غير هذا الكتاب، وزاد في التسهيل (اسم الجنس المُشَبه به) نحو: يا الأسد شِدَّةً أقبل، والجمهور على منعه.

إذاً مَمَّا قيل: أنه مُستثنى بالإجماع: (الله) .. لفظ الجلالة، هذا محل وفاق.

(وَمَحْكِيِّ الجُمَلْ): أقرب إلى الإجماع: يا المُنْطَلِق.

وأمَّا الاسم الموصول المُسَمى به مع جملة الصلة، وهذا أجازه المُبَرِّد، والجمهور على المنع، وكذلك اسم الجنس المشبه به نحو: يا الأسَد شِدَّةً أقبل، هذا الجمهور على منعه وجَوَّزه بعضهم.

وَبِاْضْطِرَارٍ خُصَّ جَمْعُ يَا وَأَلْ

إِلَاّ مَعَ اللهِ ومَحْكِيِّ الْجُمَلْ

(مَحْكِيِّ) معطوف على لفظ الجلالة، (الجُمَل)، وَالأَكْثَرُ اللَّهُمَّ يعني: في نداء اسم الله: يا الله، الأكثر أن تُحْذَّف (يا) ويُعَوَّض عنها (ميم) في آخره فيقال: اللهم، إذاً: عُوِّض عن (يا) النِدائية بعد حذفها (ميم) في الأخير.

(وَالأَكْثَرُ) هنا قال: أكثر، فُهِمَ منه أن قولهم: يا الله قليل .. أقل، وإن كان جاء على القياس: يا الله. فُهِمَ منه أن قولهم: يا الله، وإن كان جائزاً في الاختيار دون: اللهم، في الكثرة، والأكثر في قولهم، أو نداء اسم الله: اللهم، أن يُحْذف حرف النداء ويُعوَّض عنه (الميم) بِالتَعْوِيضِ، أي: بتعويض ميمٍ مُشَدَّدَة عن حرف النِداء.

حينئذٍ إذا كانت الميم عِوَض، واللهم أصله: يا الله وحُذِفت (يا) وعوض عنها (الميم)، حينئذٍ على القاعدة: أنه لا يُجْمَع بين العِوَض والمُعَوَّض عنه، فلا يُقال: يا اللهم، ولذلك قال:(وَشَذَّ يَا اللَّهُمَّ) شَذَّ لماذا؟ للجمع بين (يا) و (الميم)؛ لأن (الميم) عِوَض عن (يا) حينئذٍ لا يُجْمَع بينهما .. العِوَض والمُعوَّض عنه لا يُجْمَع بينهما.

(فِي قَرِيضِ) ما المُراد به؟ الشعر .. شَذَّ في الشعر، وأما في النثر فلا يجوز استعماله البتة، (وَالأَكْثَرُ) هذا مبتدأ، (اللهُمَّ) خبره، (بِالتَّعْوِيضِ): متعلق به.

(وَشَذَّ يَا اللَّهُمَّ فِي قَرِيضِ) واضح. لا يجوز الجمع بين حرف النِداء و (أل) في غير اسم الله تعالى، وما سُمي به من الجمل إلا في ضرورة الشعر كقوله:

فَيَا الغُلَامَانِ اللَّذَانِ فَرَّا

إِيَّاكُمَا أَنْ تُعْقِبَانَا شَرَّا

هذا لا يجوز في الاختيار، (فَيَا الغُلَامَانِ) .. غلامان .. الغلامان: هذا ممتنع.

وأما مع اسم الله تعالى ومَحكِي الجُمَل فيجوز، فتقول: يا الله بقطع الهمزة ووصلها، وتقول فيمن اسمه الرجل المُنْطَلق: يا الرجل المُنْطَلق أقبل.

ص: 18

والأكثر في نِِداءِ اسم الله: (اللَّهُمَّ) بميمٍ مُشَدَّدة مُعوَّضة من حرف النداء، هذا على مذهب البصريين، وأما عند الكوفيين فـ (الميم) بقية جملةٍ محذوفة، وهي:(أمنَّا بخيرٍ) .. يا الله أمنَّا بخيرٍ: حُذِفت: (أمنَّا بخيرٍ) وعُوِّض عنها (الميم)، إذاً: هل يجوز الجمع بينهما؟ نعم يجوز؛ لأن (الميم) هنا ليست عِوَض عن الياء، فيقال: يا اللهم على مذهب الكوفيين؛ لأن الميم ليست عِوَضاً عن (يا) بل هي موجودة، وليست عِوَضاً عن حرف النداء ولذا أجازوا الجمع بينهما في الاختيار.

إذاً: الأكثر في نِداءِ اسم الله: اللهم بميم المشَدَّدة معوضة من حرف النداء، وشَذَّ الجمع بين الميم وحرف النداء في قول:

إِنِّي إِذَا مَا حَدَثٌ أَلَمَّا

أَقُولُ يَا اللَّهُمَّ يَا اللَّهُمَّا

هذا شَاذٌّ يُحْفَظ ولا يُقَاس عليه.

نقول الخاتمة: تُسْتَعمل (اللَّهُمَّ) على ثلاثة أنحاء .. (اللهم) هذه ترد في ألسنة الناس:

الأول: النداء المحض، وهو الذي سبق بيانه: اللهم اغفر لي .. اللهم ارحمني إلى آخره، أصله: يا الله.

الثاني: أن تقع جواباً لتمكين الجواب في نفس المُخَاطَب، كأن يُقال: أزيدٌ قائمٌ؟ فتقول: اللهم نعم، تقع مُؤكِّدة للجواب، تُسأل فتقول: اللهم نعم .. اللهم سأذهب، هذا من باب التأكيد.

الثالث: أن تُسْتَعمل دليلاً على الندْرَة وقلة وقوع المذكور عند قولك مثلاً: أنا أزورك اللهم إذا لم تدعُني، هذه تأتي عند الناس في مقام الاستثناء: اللهم إلا أن يحصل كذا، حينئذٍ نقول: هذا اقترانٌ بلفظ: اللهم دليلٌ على القلة .. على أن ما بعدها قليل الوقوع: سآتيك اللهم إلا أن يحصل أمرٌ آخر، نقول: الأصل الإتيان، وحصول أمرٍ آخر هذا مُسْتَثنىً بـ:(اللهم).

(أن تُسْتَعمل دليلاً على الندْرَة وقلة وقوع المذكور) نحو قولك: أنا أزورك اللهم إذا لم تدعُني، فوقوع الزيارة مقرونة بِعَدَم الدعاء قليل.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين

!!!

ص: 19