الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* المنادى المضاف إلى ياء المتكلم ، وأحكامه
* أسماء لازمت النداء. وأنواعه
* شرح الترجمة / الإستغاثة ، وحدها
* حكم المستغاث وحكم لامه
* حذف لام المستغاث.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
فقال الناظم - رحمه الله تعالى -: (المُنَادَى المُضَافُ إِلَى يَاءِ المُتَكَلِّمْ).
المنادى قد يكون مُجرَّداً عن إضافةٍ مُطلقاً، وقد يكون مُضافاً، ثُمَّ إذا أضيف قد يُضاف إلى ياء المُتَكلِّم، وقد يضاف إلى غير ياء المُتَكلِّم، لمَّا اختص المنادى المضاف إلى ياء المُتَكلِّم بأحكام أفْرَدَه بفصلٍ كعادته فيما سبق. المنادى المضاف إلى ياء المُتَكلِّم أفرده بالترجمة لأن له أحكاماً تَخصُّه، فَتَقَدَّم فيما سبق في باب الإضافة: أن الأصل في ياء المُتَكلِّم، قيل السكون، وقيل الفتح .. لغتان: السكون والفتح، وأيهما أصل؟ قيل السكون، وقيل الفتح، كلٌ منهما ادعي أنه أصلٌ والآخر هو الفرع.
وجُمِعَ بين القولين لأن السكون أصلٌ أول، والفتح أصلٌ ثاني، السكون أصلٌ أول، لأن الأصل في المبني أن يُسَكَّن:(وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أَنْ يُسَكَّنَا)، والفتح أصلٌ ثانٍ إذ هو الأصل فيما وضع على حرفٍ واحد، هذا فيما سبق معنا أيضاً، قلنا: التاء ضَرَبْتُ، هنا الأصل فيما وضع على حرفٍ واحد يكون مُحَرَّكاً، ثُمَّ إذا حُرِّكَ بالفتح حينئذٍ يكون حُرِّكَ طلباً للخفة، يعني: لماذا كانت الحركة فتحة؟ نقول: طلباً للخفة.
(المُنَادَى المُضَافُ إِلَى يَاءِ المُتَكَلِّمْ).
لو قال إلى الياء لاحتمل أنه مضاف إلى ياء المخاطبة، هكذا قيل! إذ لا يُضاف لياء المخاطبة، حينئذٍ نقول: قوله (المُتَكَلِّمْ) هذا لبيان الواقع، إذ لا يُضَاف لياء المخاطبة، وليس في الضمائر ياءٌ غيرهما، يعني: غير ياء المُتَكلِّم وغير ياء المخاطبة، لكن لا يضاف إلى ياء المخاطبة، لأن ياء المخاطبة هذه علامةٌ على الفعلية، فلا تدخل على الاسم .. لا تكون مضافاً.
قال رحمه الله:
وَاجْعَلْ مُنَادَىً صَحَّ إِنْ يُضَفْ لِيَا
…
كَعَبْدِ عَبْدِي عَبْدَ عَبْدَا عَبْدِيَا
هذه خمس لغات (وَاجْعَل) هذا فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت (مُنَادَىً) هذا مفعولٌ أول، لأن اجعل يَتَعدَّى إلى مفعولين، (كَعَبْدِ) هذا مُتعَلِّق بمحذوف هو المفعول الثاني لاجعل، إذاً (مُنَادَىً) هذا مفعول أول، (كَعَبْدِ) هذا مفعولٌ ثاني، (اجْعَلْ مُنَادَىً) هذا مفعول أول، المنادى يعم .. يشمل المنادى الصحيح الآخر، والمعتل الآخر، لأنه نوعان: إمَّا أن يكون صحيحاً، وإمَّا أن يكون معتلاً، وسبق بيان الحكم في النوعين، ماذا قال هناك؟
آخِرَ مَا أُضِيفَ لِلْيَا اكْسِرْ إِذَا
…
لَمْ يَكُ مُعْتَلاًّ. .... . . .
إذاً: فَرَّقَ بين ما كان معتلاً، وما كان صحيح الآخر.
هنا قال: (اجْعَل مُنَادَىً) فَعَمَّ، والحكم الخاص هنا وهو جعل خمس لغات في المضاف إليه المُتَكلِّم خاصٌ بالصحيح، حينئذٍ قال:(صَحَّ) يعني: منادىً صحيح .. صَحَّ آخره، صح: فعلٌ ماضي، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو، يعود على المنادى، والجملة صفة، حينئذٍ صار قيداً .. قيداً لإخراج المنادى المعتل المضاف لياء المُتَكلِّم، حينئذٍ ليس له إلا لغةٌ واحدة، قبل النداء وبعد النداء حكمه واحد.
إذاً قوله: (صَحَّ) بأن يكون آخره حرفاً غير لين، يعني: غير حرف علة، أو آخره حرف علة لكنه يكون ساكن، يعني: ما قبله يكون ساكن، إذ شرط حروف العلة: أن يكون ما قبلها من جنس الحرف، إن كان واواً أن يكون مضموماً، إن كان ياءً أن يكون ما قبلها مكسوراً، والألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحاً، ولذلك هي حرف مدٍ ولين، وأمَّا الواو والياء فيفترقان، إن ضُمَّ ما قبل الواو فهي حرف علة .. إن سَكن حينئذٍ نقول: هذا حرف لين.
(صَحَّ) بأن آخره صحيحاً، يعني: ليس حرفاً من حروف العلة، أو كان آخره حرفاً من حروف العلة .. الواو أو الياء على التوسع، ولكن يكون ما قبلها ليس من جنسها، حينئذٍ نقول: هذه يجري مجرى الصحيح، مثل: دلوٍ وضبيٍ، (دلوٍ) هذا آخره واو، لكنه ليس معتلاً عند النحاة ولا عند الصرفيين، لأن شرط المعتل أن يكون ما قبله من جنس الحرف، يعني: حرَكَتُه دلوٌ .. ضبيٌ، إذاً: هذا يَجري مَجرى الصحيح. (صَحَّ) بأن يكون آخره حرفاً غير لين، أو ليناً قبله ساكن، لِين أو لَين يجوز فيهما الوجهان.
إذاً: المعتل آخره ليس فيه إلا لغةٌ واحدة، وهي ثبوت ياءه مفتوحة، نحو: يا فتايَّ .. يا قاضيَّ، قاضيَّ نقول: هذا أدغمت الياء في الياء، يا فتايَّ .. يا قاضيَّ ليس فيه إلا لغةٌ واحدة، فالمعتل في النداء كحاله في غير النداء، الحكم واحد قبل النداء وبعد النداء، هنا قال:(صَحَّ إِنْ يُضَفْ لِيَا) لِيَا أي ياء؟ ياء المُتَكلِّم، لأنه كما سبق لا يضاف إلا إليها، وهي اسمٌ، لذلك نقول: هي مُرَكَّب إضافي، يعني: المضاف والمضاف إليه: غلامي .. عبدي، نقول: هذا مُرَكَّب إضافي، ولا تركيب إلا بين اسمين، إذ لا تركيب في حرف، لا نقول: ذاك وذلك مُرَكَّب تركيب إضافي، لأن الكاف واللام حرفان، وأمَّا هنا غلامي، نقول: هذه الياء اسمٌ.
(إِنْ يُضَفْ لِيَا كَعَبْدِ) هنا المثال: كعبدِ قَيَّد قوله: (إِنْ يُضَفْ)؛ لأن إِنْ يُضَفْ .. يُضَف: هذا فعل، وهو مُنسبِك من مصدر، وقع في حَيِّز الشرط فيعم نوعي الإضافة: الإضافة المحضة، والإضافة اللفظية، لكن بقوله:(كَعَبْدِ) أخرج الإضافية اللفظية، إذ هذه الأوجه الخمسة المذكورة في الشطر الثاني لا تتأتى إلا في الإضافة المحضة، ولذلك قال:(عَبْدِ) هذا مثالٌ لأي شيء؟ للإضافة المحضة، عبدٌ لي: هذا الأصل.
إذاً: هذه الأوجه الخمسة الآتية فيما إضافته إضافةٌ محضة، حينئذٍ لا بُدَّ من تقييد قوله:(إِنْ يُضَفْ) لأن هذا عام .. صيغة عموم (إِنْ يُضَفْ) كل إضافة لفظية أو معنوية، وهذه الأوجه فيما إضافته إضافة محضة ليست لفظية، وهذا مشعرٌ به التمثيل .. أشعر بهذا، أمَّا الوصف المشبه للفعل، وهو الإضافة اللفظية فإن يائه ثابتةٌ لا غير لا تحذف: ضاربي مطلقاً، لكن في الياء وجهان: الفتح والإسكان، إذاً: الياء ثابتة لا غير، لا يجوز حذفها إذا نودي: يا ضاربي .. يا مكرمي .. نقول: الياء ثابتة لا غير، لا بُدَّ من إثباتها ولا يجوز حذفها، ثُمَّ فيها وجهان: الإسكان والفتح، فياؤه ثابتة لا غير، وهي إمَّا مفتوحة أو ساكنة، نحو: يا مكرمي .. مكرميَّ، ويا ضاربي.
وهذا إن لم يكن الوصف مثنىً أو جمعاً وإلا تَعيَّن الفتح، يعني: إذا كان الوصف مفرداً حينئذٍ يكون فيه وجهان: الفتح في الياء .. الياء ثابتة لا غير، الكلام في حركة الياء، إمَّا ساكنة أو مفتوحة، فيما إذا كان الوصف ليس مثنىً أو جمعاً، فأمَّا إذا كان مثنىً أو جمعاً فليس فيه إلا الفتح.
إذاً قوله (صَحَّ) أخرج المعتل فليس فيه إلا لغة واحدة، قبل النداء وبعد النداء، وهي إثبات الياء وتحريكها بالفتح، قوله:(إنْ يُضَفْ كَعَبْدِ) أخرج الإضافة اللفظية، وما حكمها؟ نقول: وجوب إثبات الياء ولا يجوز حذفها البَتَّة، ويجوز في الياء لغتان: الإسكان والفتح، وهذا إذا لم يكن الوصف مثنًى أو جمعاً، يعني: كان مفرداً: مكرمي .. ضاربي، وأمَّا إذا كان مثنىً أو مجموعاً فالياء ثابتة كذلك، وليس فيه إلا الفتح، وأمَّا الإسكان فلا يجوز.
(إِنْ يُضَفْ لِيَا) أَيُّ ياء؟ نقول: ياء المُتَكلِّم .. تقييد بالترجمة، لأنه إذا قيَّد في الترجمة حينئذٍ يُحمل ما تحت الترجمة على الترجمة، فلما قال: المضاف إلى ياء المُتَكلِّم، أخرج المضاف إلى غير ياء المُتَكلِّم، كصاحب زيدٍ وغلام زيد، هذا ليس داخلاً معنا، ولذلك أضافه إلى ياء المُتَكلِّم، فقَيَّد الياء هنا بالمُتَكلِّم، إذاً: لمَّا أطلق (إنْ يُضَفْ لِيَا) حُمِلَ على ما قُيِّد به في الترجمة.
هذا المضاف الصحيح الآخر، إذا أضيف لياء متكلم وليس معتلاً، وليس وصفاً مشبهاً للفعل، فيه خمس لغات، أشار إليها بالشطر الثاني، وسردها سرداً، ذكر الأولى، وهي الأشهر والأفصح، ثُم ثنى بما دونها، ثم الثالث والرابع والخامس لم يسوي بينهما، وإنما لم يستطع الترتيب من أجل الوزن، وإلا الأصل أنها مرتبة، لكنه قدم الأُولى وهي:(عَبْدِ) الأصل: عبدي، نقول: هذا هو الأكثر والأفصح، أن يُحْذَف الياء وتبقى الكسرة دليلاً عليها، تقول: يَا عَبدِ.
إذاً: الأُولى أشار إليها بقوله: (كَعَبْدِ)، وقلنا (كَعَبْدِ) هذا مُتعلِّق بمحذوف مفعول ثاني لـ (اجْعَلْ)؛ لأن (اجْعَلْ) يطلب مفعوليه.
(كَعَبْدِ) هذه اللغة الأولى، وهي حذف الياء والاستغناء بالكسرة، يعني: الاكتفاء بالكسرة .. يحذف ويستغني بالكسرة: عَبْدِ .. يَا عَبْدِ .. يَا غُلَامِ، تبقى الميم مكسورة وتبقى الدال مكسورة، نحو: يا عبد، وهذا هو الأكثر والأفصح، ومنه قوله تعالى:((يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ)) [الزمر:16] سواءً كان في المفرد أو الجمع، المضاف قد يكون مفرداً وقد يكون جمعاً، وكلٌ منهما قد يُضاف إلى ياء المُتَكلِّم: غِلْمَانِ، نقول حينئذٍ إذا أضيف مطلقاً فالأفصح الاستغناء بالكسرة عن الياء:((يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ)) [الزمر:16].
(كَعَبْدِ عَبْدِي) هذا الثاني، وهو إثبات الياء ساكنة:(عَبْدِي) الياء ثابتة لم تحذف، لكنها ساكنة، وهذا دون الأول في الكثرة، ومنه:((يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ)) [الزخرف:68] بإثبات الياء ساكنة.
الثالث مِمَّا أشار إليه الناظم: (عَبْدَ) وهو بقلب الياء ألفاً وحذفها والاستغناء عنها بالفتحة، أصله: يا عبدي، قُلِبَتْ الياء ألفاً، والألف لا يناسبها ما قبلها إلا مفتوحاً، ونُقِلَتْ الكسرة صارت فتحة، حُذِفَتْ الألف فقال:(عَبْدَ) .. (يَا عبْدَ) .. (يا غُلَامَ) حينئذٍ نقول: هذه الفتحة بدلٌ عن الكسرة، لماذا قلبت الكسرة فتحة؟ لأن الياء انقلبت ألفاً، والألف لا يناسبها ما قبلها إلا أن يكون مفتوحاً.
حينئذٍ عَبْدِ بالكسر استغناءً بها عن الياء هذا حُذِفَتْ الياء أصلاً، يعني: ليست مُنْقَلبة، وبقيت الكسرة على أصلها، وأمَّا:(عَبْدَ) حينئذٍ نقول هنا: حُذِفَتْ الألف لكنها فرعٌ عن الياء، وبقي دليلها وهو الكسرة منقلبة إلى الفتحة. إذاً: قلب الياء ألفاً وحذفها، والاستغناء عنها بالفتحة، نحو: يَا عَبْدَ، هذا أجَازه الأخْفَش، والمازني، والفارسي، ونُقِلَ عن الأكثرين المنع: بأن تبقى الألف: يَا عَبْدَا، ولا تحذف.
وأمَّا قلبها فهو وارد .. وارد في فصيح الكلام: ((يَا حَسْرَتَا)) [الزمر:56] .. ((يَا أَسَفَى)) [يوسف:84]، هذا وارد في الفصيح، فقلب الياء ألفاً لا إشكال فيه ثابتٌ في فصيح الكلام، وأمَّا حذفها والاجتزاء بالفتحة هو الذي منعه الجمهور: عَبْدَا هو أصل: عَبْدَ، يعني: قُلِبَتْ الياء ألفاً وفُتِحَ ما قبلها لمناسبة الألف فبقيت كما هي، إذاً: أيهما أصل، وأيهما فرع؟ عَبْدَا بالألف أصل، والتي تليها .. التي هي حذف الألف وإبقاء الفتحة دليلاً عليها هذه فرع، ولكن قَدَّم وأخر هنا كما ذكرنا للنظم.
إذاً الرابع: أشار إليه بقوله: (عَبْدَا) وهو قلبها ألفاً، لتَحَرُّكِها وانفتاح ما قبلها، لأن الألف أخف من الياء، حينئذٍ هذه الألف هل هي اسمٌ أم حرفٌ؟ اسمٌ لأنها مُنْقَلِبة عن اسمٍ، ليست كالياء المُنْقَلِبة في (فتى) مثلاً أو (رمى) تلك نقول: حرف، لأنها مُنْقَلِبة عن حرف: فَتَيا .. رَمَيا هذا الأصل، حينئذٍ: رميا نقول: تَحرَّكت الياء وانفتحَ ما قبلها فَقُلِبَتْ ألفاً، هذه الألف حرف لا شك، لأنها مُنْقَلِبة عن حرف، وأمَّا:(عَبْدا) الأصل: عبدِيَ، نقول: قُلِبَت الكسرة فتحةً للتمكُّن من قلب الياء ألفاً، فقيل: تَحرَّكت الياء وانْفَتح ما قبلها فقُلِبَت ألفاً فصار: عَبْدا، بقيت كما هي.
ومنه قوله تعالى: ((يَا حَسْرَتَا)) [الزمر:56] .. ((يَا أَسَفَى)) [يوسف:84] .. يا حسرتي: هذا الأصل، يا أسفي .. يا أسفي على يوسف .. هذا الأصل، فحصل فيها ما حصل.
إذاً: قَلْبُها ألفاً وإبقاؤها، وقلب الكسرة فتحة، وقلبت لماذا؟ كما ذكرنا: لِتَحرُّكها وانفتاح ما قبلها، لأن الألف أخف من الياء، والظاهر أن هذه الألف اسمٌ، لأنها مُنْقَلِبةٌ عن اسمٍ، فهي مضاف إليه في محل جر، ((يَا حَسْرَتَا)) [الزمر:56] حسرتا تقول: هذا منادى منصوب، ونصبه فتحة مُقدَّرة، حسرتا نقول: هنا منادى منصوب لأنه مضاف ومضاف إليه، فهو منصوب على الأصل، والفتحة مُقدَّرة، وهذه الفتحة الموجودة: يا حسرَتَا .. يا غُلامَا، ليست حركة إعراب، وإنما هي حركة مناسبة، لأنها في الأصل مُنْقَلِبة عن الكسرة التي لمناسبة الياء، وهذه لمناسبة الفتحة.
حينئذٍ نقول: منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة .. مناسبة الألف، وحسرتا: مضاف، والألف مضاف إليه، وإن شئت قل: الألف المُنْقَلِبة عن ياء مضاف إليه في محل جر بالمضاف، ومثله:((يَا أَسَفَى)) [يوسف:84].
الخامس أشار إليه بقوله: (عَبْدِيَا) إثبات الياء مُحَرَّكَة بالياء، (عَبْدِيَا) الألف هذه للإطلاق، أصله: عَبْدِيَ.
عَبْدِي: بالإسكان وبالفتح لغتان، بالإسكان وهي الأكثر وهي الأفصح، وبالفتح: عَبْدِيَ، ثُمَّ تُقْلَب الياء ألفاً، وتبقى .. هذه لغة، وتُحذَف ويُكْتَفَى بالفتحة قبلها .. هذه لغةٌ رابعة، بقي لغةٌ واحدة: وهي حذف الياء والاجتزاء بالكسرة، هذه خمس لغات ((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا)) [الزمر:53] هذا دليلٌ على الخامسة.
وَاجْعَل مُنَادَىً صَحَّ إِنْ يُضَفْ لِيَا
…
كَعَبْدِ عَبْدِي عَبْدَ عَبْدَا عَبْدِيَا
هذه خمس لغات، قال في شرح الكافية:" وذكروا أيضاً وجهاً سادساً - يعني: لغةً سادسة - وهو: الاكتفاء عن الإضافة بنيتها، وجَعْلُ الاسم مضموماً كالمنادى المفرد "، يعني: يُحذف المضاف ويُنْوى معناه، حينئذٍ إذا حُذِفَ المضاف ونُويَ معناه بُنِيّ .. بُنِيّ على ماذا؟ على الضم تشبيهاً له بالمفرد.
وهو: الاكتفاء عن الإضافة بنيتها، وجَعْلُ الاسم مضموماً كالمنادى المفرد، ومنه قراءة:(رَبُّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ) .. ربي .. رَبُّ، رَبُّ احْكُمْ بِالْحَقِّ، هنا رَبُّ بالضم بناءً على أنه حُذِفَ المضاف إليه وهو الياء ونُويَ معناه، حينئذٍ ضُمَّ كالمنادى المفرد.
وحكا يونس عن بعض العرب: يا أم لا تفعلي، أصله: يا أمي، ويقولون: رَبُّ اغفر لي، والأصل: ربي، حُذِفَتْ الياء ونُويَ معناها، ويا قَومُ لا تفعلوا، يا قومي: هذا الأصل، هذا كله محكي عن العرب، حينئذٍ نجعل هذه سادسة، وإن كان بعضهم قال: إنها شاذة أو نادرة، هو قليل لا شك، لأن الضَمَّ ثقيل.
ويا قَومُ لا تفعلوا، ويظهر أن قائله يحذف الياء والكسرة، ثُمَّ يعامله معاملة الاسم المفرد، فيضم آخره ضَمَّة مشاكلة للمفرد المبني فهو منصوبٌ تقديراً، يعني: أبقاه على أصله، هذا كلام الصبَّان: أنه أبقاه على أصله، فحينئذٍ حَذَفَ الياء ونَوَى معناها، ثُم أعطى المضاف ما يُعْطَى المفرد وهو الضم تشبيهاً له بالمفرد.
حينئذٍ: رَبُّ احْكُمْ، رَبُّ: هذا منادى منصوب لأنه مضاف باعتبار الأصل .. منادى منصوب، ونصبه فتحة مُقدَّرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المشاكلة أو المناسبة .. المشاكلة أحسن. فهو منصوبٌ تقديراً بفتحة مُقدَّرة، منع من ظهورها ضمة المشاكلة.
إذاً: هذا المضاف إلى ياء المُتَكلِّم الصحيح الآخر ليس معتلاً، وليس المضاف شبيهاً بالفعل، وليست الإضافة فيه إضافة لفظية، فيه خمس لغات، وزاد في شرح الكافية لغةً سادسة.
ثُمَّ قال:
وَفَتْحٌ اوْ كَسْرٌ وَحَذْفُ اليَا اسْتَمَرّ
…
فِي يَا ابْنَ أُمَّ يَا ابْنَ عَمَّ لَا مَفَرّ
المنادى إذا كان مضافاً عرفنا حكمه من البيت السابق، ثُم المنادى إذا كان مضافاً إلى مضافٍ إلى ياء المُتَكلِّم .. مضاف إلى مضاف إلى ياء المُتَكلِّم، هنا: يَا ابْنَ أمي .. (يَا ابْنَ أُمَّ)، (ابْنَ) هذا مضاف، و (أُمَّ) مضاف إليه، أصله: يا ابن أمي .. يا ابن عمي، ابن: هذا مضاف، وهو مضاف إلى مضاف إلى مضاف إلى ياء المُتَكلِّم، الأصل في هذا أن حكمه حكم غير المنادى .. حكم واحد، لأنه غير مضاف إلى ياء المُتَكلِّم، لكن خُصَّ هذان اللفظان لكثرة الاستعمال بمزيد عناية عند العرب.
ثُمَّ إن المنادى إذا كان مضافاً إلى مضافٍ إلى ياء المُتَكلِّم، فإن حكم الياء منه كحكمها في غير النداء، لا فرق: يا ابن أمي .. يا ابن أخي .. يا ابن عمي .. يا ابن خالي .. يا ابن جاري، كلها الحكم واحد، قبل النداء وبعد النداء، وإنما يَخْتَص المضاف إلى ياء المُتَكلِّم .. هو نفسه المنادى يكون مضاف، وياء المُتَكلِّم تكون مضافاً إليه.
أمَّا إذا كان المنادى مضافاً إلى اسمٍ صحيح، وليس ياء متكلم، ولكن هذا المضاف إليه مضاف إلى ياء المُتَكلِّم، فالحكم لا يدخل في الحكم السابق، بل هو مستقل. فإن حكم الياء منه كحكمها في غير النداء، نحو: يا ابن أخي، ويا ابن صاحبي، إلا إذا كان لفظ: ابن أم، وابن عم .. ابن أمِّ .. ابن عمِّ، هذان اللفظان مختصان فقط لكثرة الاستعمال خُصَّا بمزيد عناية، ولذلك عناه بهذا البيت.
(وَفَتْحٌ أَوْ كَسْرٌ) يعني: يَجوز الوجهان الفتح والكسر، (وَحَذْفُ اليَا) الواو بمعنى: مع، يعني: مع حذف الياء، (وَفَتْحٌ أَو كَسْرٌ) أنت مُخيَّر بين الاثنين، يعني لغتان: الفتح والكسر، وحذف الياء مع الكسر، والألف مع الفتح، وحذف الياء والألف كما سيأتي (اسْتَمَرَّ) يعني: اطَّرَد، في قولهم:(يَا ابْنَ أُمَّ) يا ابن أمِّ، (يا ابْنَ أُمَّ) بالفتح و (يا ابْنَ أمِّ) بالكسر، وأصله: يا ابن أمي، أم: مضاف إلى ياء المُتَكلِّم، وكذلك:(يَا ابْنَ عَمَّ) يا ابْنَ عمِّ، بكسر الميم وفتحها في اللفظين، ولذلك تقول: وفتحٌ أو كسرٌ للميم، وأجاز بعضهم الضَم: يا ابْنَ أُمُّ .. يا ابْنَ عَمُّ، لكنه قليل هذا، والمشهور هو الفتح والكسر.
في قولهم: (يَا ابْنَ أُمَّ) ومثل: ابْنْ ابْنَه، كما سبق .. الحكم واحد، لأنه نفس اللفظ لكنه مُؤنَّث. يا ابْنَ أُمَّ ويا ابْنَة أُمَّ، ويَا ابْنَ أُمِّ، ويا ابْنَة أُمِّ، بالكسر فقط، ويا ابْنَ عَمَّ ويا ابْنَة عَمَّ، ويا ابْنَ عَمِّ بالكسر دون ياء .. مع حذف الياء، ويا ابْنَة عَمِّ، لا فرار عن هذين الوجهين.
أمَّا الفتح: يا ابْنَ أَمَّ ويا ابْنَ عَمَّ ففيه قولان:
أحدهما: أن الأصل أُمَّا وعُمَّا، يعني: بقلب الياء ألفاً، مثل: يَا عَبْدا .. يَا غُلَاما، قُلِبَتْ الياء ألفاً، ثُمَّ حُذِفَتْ الألف، يعني: يا ابْنَ أُمَّ، ويا ابْنَ عَمَّ مثل عَبْدا .. مثل غُلَاما .. يا غُلاما، قُلِبَتْ الياء ألفاً ثُمَّ حذفت الألف فبقيت الفتحة دليلاً عليها، هذا وجهٌ. أن الأصل: أُمَّ وعَمَّ بقلب الياء ألفاً، فحذفت الألف وبقيت الفتحة دليلاً عليها، وهذا وجهٌ حسن.
والثاني: أنهما جُعلا اسماً واحداً مُرَكَّباً وبُنِيا على الفتح، هذا بعيد: ابْنَ أمَّا .. أمَّا، فحينئذٍ رُكِّبَ تركيب خمسة عشر، مثل: عَشَرَ الراء مفتوح هذا مثله، وهذا بعيد.
والأول قول الكِسَائي: وهو أن الأصل: أمَّا وعمَّا، وحذفت الألف ثُم اكتفي بالفتحة، والثاني قول سيبويه والبصريين، أنه مُرَكَّب تركيب خمسة عشر، هذان الوجهان في الفتح، لمَ فُتِحا يا ابْنِ أمَّ، ويا ابْنَ عَمَّ؟ مذهب الكِسَائي إمام الكوفيين: أن الأصل (أمَّا) بالألف، قُلِبت الياء ألفاً ثُمَّ حُذِفت، يا ابْنَ عَمَّا، الأصل: يا ابن عمي، قلبت الياء ألفاً ثُمَّ حذفت، وهذا جيد وله أصل هناك .. له أصلٌ في الصحيح، وهذا ما دام أنه خارجٌ عن الأصل فالأولى أن يُحمل على الأصل ذاك، هذا جيد.
والثاني: أنه مُرَكَّب تركيب خمسة عشر، وهو قول البصريين، وقول إمامهم سيبويه.
وأمَّا الكسر: يا ابْنَ أمِّ .. يا ابْنَ عَمِّ، فظاهر مذهب الزَجَّاج أنه مِمَّا اجتزئ فيه بالكسرة عن الياء المحذوفة من غير تركيب وهذا واضح، يا ابْنَ أمِّ أصله ماذا؟ مثل: عَبْدِ ((يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ)) [الزمر:16] عباد .. عبد، يا ابن أمي، بالياء ثم حذفت الياء، واكتفي بالكسرة دليلاً على المحذوف، يا ابن عمي بالياء حذفت الياء واكتفي بالكسرة عن المحذوف، إذاً: لا إشكال هذا واضح.
إذاً: هذان اللفظان محمولان على بعض اللغات السابقة: (كَعَبْدِ عَبْدِي عَبْدَ عَبْدَا عَبْدِيَا) إذاً: هاتان اللغتان مأخوذتان مما سبق، فالقول فيهما قولٌ في السابق، وإنما انفردا لكون المنادى ليس مضافاً إلى ياء المُتَكلِّم، وإنما مضاف إلى مضاف إلى ياء المُتَكلِّم، والأصل أنه يستوي فيه قبل النداء وبعد النداء.
(وَفَتْحٌ او كَسْرٌ) يعني: للميم، وأجاز قومٌ ضمها أيضاً، إذاً: ثلاث لغات.
(وَحَذْفُ اليَا .. وَفَتْحٌ) ما إعراب فتحٌ؟ مبتدأ، (أَو كَسْرٌ) عطفٌ عليه، (وَحَذْفُ اليَا) كذلك عطفٌ عليه، (حَذْفُ) مضاف و (اليَا) مضافٌ إليه للضرورة الياء وكلها لغة.
(اسْتَمَر) الجملة خبر المبتدأ، والمراد بالاستمرار هنا هو معنى اطَّرَد، يعني: مُطَّرِد، يعني: كثير في لسان العرب، يستعملون هذا اللفظ: يا ابْنَ أمَّ .. يا ابْنَ عَمَّ، يا ابن أمَّ .. يا ابن أمِّ، ولذلك قرئ بهما في السبع. في: يا ابن أمَّ ويا ابن عمَّ، لماذا خُصَّ هذان اللفظان؟ نقول: لكثرة الاستعمال، أمَّا ما لا يكثر استعماله من نظائر ذلك نحو: يا أبن أخي، ويا ابن خالي، فالياء ثابتةٌ لا غير، ولذلك قال الناظم هنا:(فِي يَا ابْنَ أُمَّ) ولم يقل: في نحو كما سبق معنا مراراً:
فِي نَحْوِ سَعْدُ سَعْدَ الَاوسِ يَنْتَصِبْ
…
ثَانٍ. . . . . . . . . .
قلنا (فِي نَحْوِ) إشارة إلى أن غيره يُقاس عليه مثله، وأمَّا هنا قال:(فِي يَا ابْنَ) حينئذٍ دَلَّ على أنه مقصورٌ على اللفظين المذكورين، وقوله:(يَا ابْنَ) هذا خاصٌ بالنداء، ولذلك قال الناظم:(فِي يَا ابْنَ أُمَّ) إلى آخره، ولم يقل: في نحو.
قال الشارح هنا: " إذا أضيف المنادى إلى مضافٍ إلى ياء المُتَكلِّم وجب إثبات الياء إلا في (ابْنَ أُمّ) و (ابْنَ عَمّ) فتحذف الياء منهما لكثرة الاستعمال " وتكسر الميم أو تفتح، فتقول: يا ابن أمَّ .. يا ابن أمِّ أقبل، ويا ابن عمَّ يا ابن عمِّ، (لَا مَفَرّ) هذا تابعٌ للمثال، ويَحتمل أنه تابعٌ للحكم، لا مفر عن هذين النوعين، يعني: اختصاص هذين النوعين بهذين اللفظين لا فرار عنه، يحتمل هذا وذاك.
" بفتح الميم وكسرها، وقد ورد ثبوت الياء في: ابن أمِّ في قول أبي زُبِيد الطائي يرثي أخاه: (يَا ابنَ أُمِّي ويَا شُقَيِّقَ نَفْسِي) "(يَا ابنَ أُمِّي) بإثبات الياء، هذا على الأصل، وورد قلب الياء ألفاً وبقاؤها في ابنة عم:(يَا ابنةَ عَمَّا لَا تَلُومِي واهْجَعِي) إذاً: كم لغة؟ أربع لغات، لكن المشهور هو ما ذكره الناظم، وأمَّا إبقاء الياء وقلب الياء ألفاًف حكم بعضهم بأنها ضرورة أو شاذ، كما يأتي في: مثلهما، وأبتِ وأمتِ:
وَفِي النِّدَا أَبَتِ أُمَّتِ عَرَضْ
…
وَاكْسِرْ أَوِ افْتَحْ وَمِنَ اليَا التَّا عِوَضْ
(وَفِي النِّدَا أَبَتِ أُمَّتِ عَرَضْ) ولذلك يُمكن أن يُقال: بأن قول الناظم هنا: (اسْتَمَرَّ) يعني: اطرد في هذين اللفظين الحذف .. حذف الياء، ولذلك قال:(وَحَذْفُ اليَا) قد يُقال بأنه يُفهم منه أنه في غير هذين اللفظين إثبات الياء فيه ضعف. فُهِمَ منه أن غيره وهو إثبات الياء غير مُطَّرِد ضعيف، يعني: في هذين اللفظين، أمِّ .. يا ابن أمِّ .. يا ابن عمِّ، قال: اطرد حذف الياء، إذاً: إثبات الياء أو قلبها ألفاً غير مُطَّرِد، فإذا لم يكن مُطَّرِد صار مسموعاً.
وَفِي النِّدَا أَبَتِ أُمَّتِ عَرَضْ
…
وَاكْسِرْ أَوِ افْتَحْ وَمِنَ اليَا التَّا عِوَضْ
(فِي النِّدَا) يعني: وفي النداء، هذا مُتعَلِّق بقوله:(عَرَضْ) .. عرض في النداء، إذاً: قَدَّم الجار والمجرور فدل على الاختصاص، على أن هذين اللفظين يكونان باللغتين المذكورتين في النداء فحسب، أمَّا غير النداء فلا، ولذلك سيأتي: أن هذين اللفظين مما اختصا بالنداء، (وَفِي النِّدَا) دَلَّ على أن التعويض هنا من ياء المُتَكلِّم في أبٍ وأمٍ لا يكون إلا في النداء، إذاً: هو خاص.
(أَبَتِ أُمَّتِ)، (أَبَتِ) هذا مبتدأ، و (أُمَّتِ) هذا معطوفٌ عليه بإسقاط حرف العطف، يعني: يا أبتِ يا أُمتِ هذا المراد، (عَرَضَ) هذا فعل ماضي، والجملة خبر، (وَاكْسِرْ أَوِ افْتَحْ) أمران، (وَمِنَ اليَا التَّا عِوَضْ) التاء مبتدأ، و (عِوَضْ) خبر، (وَمِنَ اليَا) مُتعَلِّق بقوله:(عِوَضْ).
إذاً: في النداء لا في غيره، يا أبتِ .. يا أُمتِ (عَرَضْ) ما هو الذي عَرَض؟ قلب الياء تاءً، السابق في اللغتين: ابن عمِّ وعَبْدِ، المعروف المشهور: أن الياء تقلب ألفاً، وأمَّا أنها تقلب تاءً هذا خاصٌ بهذين اللفظين، إذاً: عرض في النداء لا في غيره أبتِ .. أمتِ، بقلب الياء تاءً، والأصل: أبي .. أمي.
إذاً: فُهِمَ من قوله: (فِي النِّدَا) أن التعويض هنا من ياء المُتَكلِّم في أبٍ وأم لا يكون إلا في النداء، لتقديمه الجار والمجرور، وفُهِمَ أيضاً من التنصيص على قوله، بقوله:(أَبَتِ أُمَّتِ) أنه خاصٌ بهذين اللفظين، ولذلك لم يقل: في نحو، وإنما قال:(أَبَتِ أُمَّتِ) فدل على أنه خاصٌ بهذين اللفظين، وفُهِمَ أيضاً أن ذلك مختصٌ بالأب والأم، وأفْهَمَ أيضاً: أن التعويض ليس بلازمٍ فيهما، لأنه قال:(عَرَضْ) والعَرَض ليس بلازمٍ.
إذاً: نأخذ من الشطر الأول: أن اللفظين خاصان بأب وأم، أصله: أبي وأمي، في النداء لا في غيره عَرَضَ، إذاً: ليس بلازم، تقلب الياء تاءً، (وَاكْسِرْ أَوِ افْتَحْ) يعني: التاء أبتِ .. أبتَ، أمتِ .. أمتَ، يا أبتِ .. يا أبتَ، يا أمتِ .. يا أمتَ، بالفتح والكسر، وهنا قَدَّم الكسر لأنه أكثر، وأخر الفتح لأنه أقل، وإن كان الثاني أقْيس من الأول، الثاني الذي هو الفتح أقْيس، والكسر أكثر، يعني: هو الشائع في لسان العرب. (وَاكْسِرْ أَوِ افْتَحْ) وهو الأقْيس الذي هو الفتح، لأن التاء عوضٌ عن الياء، وحركتها الفتح، وتَحرُّكها بحركة أصلها هو الأصل، لماذا؟ لأن التاء عِوضٌ عن الياء، والياء في الأصل أنها مُحرَّكة، لأن ما نقلبها تاء إلا إذا تَحرَّكت، وتَحرَّكت بالفتح.
إذاً نقول: يا أبتَ .. يا أمتَ، بالفتح لمناسبة الياء لأنها مُنْقَلِبة عن الياء، والياء حركتها حركة فتح، فحينئذٍ نقول: تُعْطَى حكم ما انقلبت عنه، إذاً: الفتح هو الأقْيس، لأن التاء عوضٌ عن الياء وحركة الياء الفتح، وتَحرُّكها يعني: التاء بحركة أصلها وهو الياء هو الأصل، وهذا واضح، لذلك قيل: أقيس.
والكسر أكثر في لسان العرب، لأن الكسر عوضٌ عن الكسر الذي كان يستحقه ما قبل الياء، يعني: كأنه قيل: يا أبتِ .. يا أمتِ، لماذا كُسِرَتْ التاء؟ لأن التاء منقلبة عن ياء، هذه الياء يناسبها ما قبلها أن يكون مكسوراً، هذا بعيد قليلاً، حينئذٍ نقول: الأقْيس هو التاء، ولكن الكسر مسموعٌ في لسان العرب، كأنهم راعوا أن ما قبل الياء يكون مكسوراً فأُعْطِي حركةً للتاء، والكسر أكثر لأن الكسر عوضٌ عن الكسر الذي كان يستحقه ما قبل الياء، وزال حين مجيء التاء لأن ما قبلها لا يكون إلا مفتوحاً، كأنهم أخذوا الكسرة التي قبل الياء فأعطوها للتاء.
على كل: هكذا سُمِعَ بالكسر والفتح، وننطق بهما.
(وَاكْسِرْ أَوِ افْتَحْ) إذاً: قَدَّم الكسر لأنه أكثر وإن لم يكن أقْيس، والفتح ثنى به لأنه أقل استعمالاً في لسان العرب.
(وَمِنَ اليَا التَّا عِوَضْ) تاء التأنيث هذه التي في: أبتِ وأمتِ، كما سيأتي أنها تاء التأنيث، عوضٌ عن الياء، وإذا كان كذلك فلا يُجْمَع بينهما، فلا يُقال: يا أبتي ويا أمتي، نَجمع بين التاء والياء، لأن التاء عوضٌ عن الياء، حينئذٍ لا يُجْمَع بين العِوَضْ والمُعَوَض عنه، وإنما عُوضَ تاء التأنيث عن الياء .. لماذا اختير تاء التأنيث عن الياء؟ قيل في التعليل عن الياء إذا أضيف إليها: لأن الأب والأم مَظِنة التفخيم والتعظيم، والتاء هذه تستعمل في: علَاّمة، فيها معنى المبالغة والتعظيم والتهويل، حينئذٍ ناسب أن يُبْدَل عن الياء تاء .. هكذا قيل! وإنما عُوِّضَ تاء التأنيث عن الياء إذا أضيف إليه الأب والأم، لأن كلاً منهما مَظِنة التفخيم الذي هو الأب والأم، والتاء تدل عليه كما في: علَاّمة.
إذاً نأخذ من قوله (وَمِنَ اليَا التَّا عِوَضْ) التاء عوضٌ من الياء أنهما لا يكادان يجتمعان، لأن العِوَضْ والمُعَوَض لا يجتمعان. ويجوز فتح التاء وهو الأقْيس كما سبق، وكسرها وهو الأكثر وبالفتح قرأ ابن عامر، وبالكسر قرأ غيره من السبعة:(قَالَ يَبْنَؤُمِّ لَا تَأْخُذْ)[طه:94].
إذاً (وَفِي النِّدَا أَبَتِ أُمَّتِ) بالتاء فيهما على النداء يا أبتِ .. يا أمتِ (عَرَضَ) الذي هو إبدال الياء تاءً، (عَرَضْ) بمعنى: أنه عارضٌ ليس بلازمٍ، فلك أن تستعمله كما سبق: يا أبي .. يا أبَ .. يا أبا، باللغات الخمس، حينئذٍ تزيد عليه هاتان اللغتان صار سبع، سيأتي مزيد لغتين .. (وَاكْسِرْ أَوِ افْتَحْ).
إذاً قوله: (عَرَضْ) أفْهَم أن التعويض ليس بلازمٍ، فيجوز فيهما ما جاز في غيرهما من الأوجه السابقة، والأصل: يا أبي ويا أمي.
قال الشارح هنا: يُقال في النداء: يا أبتِ ويا أمتِ بفتح التاء وكسرها، وكلٌ منهما حينئذٍ منصوب على الأصل، لأنه مضاف ومضاف إليه، والكلام في المنادى المضاف إلى ياء المُتَكلِّم، حينئذٍ الأصل فيه أنه منصوب، ثم تنظر في الحركة وتُقدِّر على حسب ما يظهر. وكلٌ منهما منصوب لأنه مُعْرَب، فإنه من أقسام المضاف لفتحة مُقدَّرة على ما قبل التاء .. ليس على التاء، لأن التاء هذه منقلبة عن الياء، والتقدير إنما يكون على الحرف الذي هو قبل الياء: يا أبي الباء، إذاً: يا أبتِ على الباء تُقَدِّره، وأمَّا التاء فهي عِوَضٌ عن الياء فلا تُقَدَّر عليه.
بفتحة مُقدَّرة على ما قبل التاء منع من ظهورها اشتغال المحل بالفتحة لأجل التاء لاستدعائها فتح ما قبلها، لا على التاء لأنها في موضع الياء التي يسبقها إعراب المضاف إليه، ولذلك يُقال: يا أبتِ .. يا أمتِ، بفتح التاء وكسرها، ولا يجوز إثبات الياء، فلا تقول: يا أبتي ويا أمتي، لأن التاء عوضٌ من الياء فلا يُجمع بين العِوَضْ والمُعَوض منه، وقد ورد ثبوت الياء في الشعر:(يا أَبَتِي لا زلتَ فينا فإنما) إلى آخره، يا أبَتِي، جاء فيه إثبات الياء.
وكذلك ورد ثبوت الألف المنقلبة عن ياء المُتَكلِّم.
تَقُولُ بِنْتِي قَدْ أَنَى أَنَاكَ
…
يَا أَبَتَا عَلَّكَ أَو عَسَاكَا
يَا أَبَتَا عَلَّكَ أَو عَسَاكَا، وقول الراجز في البيت المشهور:
يَا أبتا أرَّقنِى القِذّانُ
…
فالنّوْمَ لا تَطْعَمُهُ الْعَيْنَانُ
هذا سبق معنا الْعَيْنَانُ، ويجوز إبدال هذه التاء هاءً: يا أبتاه، وهو يدل على أنها تاء التأنيث، قال في التسهيل:" وجعلها هاءً في الخط والوقف جائزٌ، وقد قُرِئ بالوجهين في السبع، ورسمت في المصحف بالتاء"، إذاً: تقلب هذه التاء هاء، فدل على أنها تاء التأنيث.
اخْتُلِف في جواز ضم التاء في أبتِ وأمتِ، مثل: رَبُّ احْكُمْ هناك، قلنا: فيه لغة سادسة، هل أبَتُ وأمتُ مثلها، يعني: تضم فيهما التاء أم لا؟ اخْتُلِف في جواز ضم التاء في أبتِ ويا أمتِ، فأجازه الفراء ومنعه الزَجَّاج، ونُقِل عن الخليل: أنه سَمِع من العرب من يقول: يا أبَتُ ويا أمَتُ بالضم، إذاً: سُمِعَ ضم التاء.
وعلى هذا يكون في ندائهما عشر لغات: ست سابقة، وأربع لاحقة، الأربع اللاحقة: يا أبَتِ .. يا أمتِ بكسرهما، ويا أبَتَ ويا أمتَ بفتحهما .. الكسر والفتح، ويا أبَتِي بإثبات الياء ويا أبَتَا بقلب الياء ألفاً، هذه عشرة، يا أبَتِ بالفتح والكسر:(وَاكْسِرْ أَوِ افْتَحْ) لغتان، وإثبات الياء لغة ثالثة، وقلب الياء ألفاً لغة رابعة، مع الست فهي عشرٌ.
وعلى هذا يكون في ندائهما عشر لغات: الست السابقة، في: يا عَبْدِ، وهذه الأربعة: تثليث التاء، يعني: الفتح والكسر والضم، يا أبَتِ يا أبَتَ يا أبَتُ .. يا أُمتِ يا أُمتَ يا أُمتُ، هذه ثلاث لغات، والجمع بينهما وبين الألف في نحو: يا أبَتَا ويا أبَتِي، هذه كلها عشر لغات.
إذاً خلاصة ما سبق نقول: المنادى المضاف للياء أربعة أقسام:
الأول: ما فيه لغةٌ واحدة، وهو المعتل، فإن ياءه واجبة الثبوت والفتح، نحو: يا فتايَ وقاضيَّ، ولا يجوز إسكانها لئلا يلتقي ساكنان، ولا بالكسر والضَّم لأن هاتين الحركتين ثقيلتان على الياء فلم يبق إلا الفتح، إذاً: ما فيه لغةٌ واحدة، وهو المعتل المضاف إلى ياء المُتَكلِّم، ليس فيه إلا إثبات الياء ولا يجوز حذفها، بل إثباتها واجب ثم تُحرَّك بالفتح، وأمَّا الكسر والضَّم فثقيلان.
القسم الثاني: ما فيه لغتان، وهو الوصف المشبه للفعل، يعني: ما كانت إضافته إضافة لفظية، فإن ياءه ثابتة لا غير، وهي إمَّا مفتوحة وإمَّا مكسورة، مثل: يا مكرمي ويا ضاربي.
القسم الثالث: ما فيه ست لغات، وهو ما عدى ذلك وليس أباً ولا أمَّاً .. لا بُدَّ أن نُقَيِّده، ما عدى ذلك، يعني: ما عدى المعتل، والوصف المشبه للفعل، وليس أباً ولا أمَّاً، فيه ست لغات، مثل: غلامي وعبدي.
الرابع: ما فيه عشر لغات، وهو الأب والأم، ففيهما مع اللغات الست أن تُعَوِّض تاء التأنيث عن ياء المُتَكلِّم، وتكسرها وهو الأكثر، أو تفتحها وهو الأقيس، أو تضمها على التشبيه بنحو: ثبةٍ وهبة، وهو شاذٌ .. قيل: شاذ، يعني: قليل، يعني: يُثْبَت لغة ثُم بعد ذلك هل يستعمل أو لا؟ مسألة ثانية، نحن نتكلم في اللغات الواردة.
وربما جُمِعَ بين التاء والألف فقيل: يا أبَتَا ويا أُمتَا، وهذا في الشعر خاصة، وأَمَّا: ابْنَ أُمّ وابْنَ عَمّ، فالأكثر الاجتزاء بالكسرة عن الياء، يا ابْنَ أمِّ .. يا ابْنَ عَمِّ الأكثر الكسر وهذا واضح، أو أن يفتحا للتركيب المزجي .. وهذا على قول، سيبويه والبصريون على أنه تركيب، لكن المشهور أنه تركيب خمسة عشر. وقد قُرِئ بالوجهين:((قَالَ يَبْنَؤُمَّ)) [طه:94] .. قال يَبْنَؤُمِّ، وهذا تخريج سيبويه والبصريين. وذهب الكسائي والفراء إلى أن الأصل: يا ابن أمَّا، يعني: بالياء ثُم قلبت الياء ألفاً، ابن عَمَّا بقلب ياء المُتَكلِّم ألفاً، ثُمَّ حذفت الألف المنقلبة عن ياء المُتَكلِّم وبقيت الفتحة التي قبلها دليلاً عليه.
إذاً: أربعة أقسام، ولم نذكر ابن أمَّ .. ابن عمَّ من الأقسام، لماذا؟ لأنه ليس منادى مضاف، وإنما هو يُذْكَر فرعاً ولا يَدْخُل في الأربعة الأقسام، وإنما الذي يُعْنَى به هو أن يكون المضاف نفسه الذي يلي حرف النداء: أن يكون مضافاً، أمَّا المضاف إلى مضاف إلى ياء المُتَكلِّم هذا خارج، لأن الأصل فيه عدم دخوله فيما ذُكِر.
أَسْمَاءُ لَازَمَتِ النِّدَاءْ
الأصل في الاسم أن يكون منادىً .. مِمَّا جاز نداؤه، أن يصلح أن ينادى وألا ينادى، هذا الأصل فيه، زيد .. جاء زيد .. يا زيد، جاء غلام زيد .. يا غلام زيد، يجوز فيه الوجهان هذا الأصل، فإذا لزم حالة واحدة وهو النداء حينئذٍ نقول: هذا خارجٌ عن الأصل، ولذلك كلمات معدودة هي التي لزمت النداء.
قال: أَسْمَاءُ لَازَمَتِ النِّدَاءْ، لأن الذي يلازم النداء .. الذي يكون مدخولاً للنداء هو .. أو الذي ينادى هو الاسم "لازمت النداء"، ثُمَّ هذا الملازم للنداء على ثلاثة أقسام:
مسموعٌ، ومقيس، وشائعٌ غير مقيس، مسموع .. منقول عن العرب، ومقيس، وشائع غير مقيس.
وَفُلُ بَعْضُ مَا يُخَصُّ بِالنِّدَا
…
لُؤْمَانُ نَومَانُ كَذَا وَاطَّرَدَا
فِي سَبِّ الاُنْثَى وَزْنُ يَا خَبَاثِ
…
وَالأَمْرُ هَكَذَا مِنَ الثُّلَاثِي
وَشَاعَ فِي سَبِّ الذُّكُورِ فُعَلُ
…
وَلَا تَقِسْ وَجُرَّ فِي الشِّعْرِ فُلُ
(وَفُلُ) بضمتين للمُذكَّر، وفُلةُ: للمُؤنَّث، (بَعْضُ مَا يُخَصُّ بِالنِّدَا) يُفْهَم منه أن هناك ألفاظاً أُخر تَختَّص بالنداء، وهذا ما أشار إليه، وقلنا يأتي:(وَفِي النِّدَا أَبَتِ أُمَّتِ عَرَضْ) إذاً: مِمَّا يَختص بالنداء (أبَتِ وأمتِ) بالأحوال السابقة، إذاً قوله:(بَعْضُ) إشارة إلى أن هناك ألفاظاً أُخر تختص بالنداء كـ: (أبت وأمت).
(وَفُلُ) و (فُلةُ) هذا مِمَّا يَختَّص بالنداء، يعني: لا يستعمل إلا منادى، ولا يأتي إلا مسبوقاً بِحرف نداء، وأمَّا هكذا جاء فل .. جاء فلة، ما يصح هذا، لماذا؟ لأنها في هذا اللفظ:(فُلُ وفُلةُ) لم يُنقَل في لسان العرب أنه مستعمل إلا في سياق النداء فيختص به، ما المراد بـ (فُلُ) و (فُلةُ)؟ مختلفٌ فيه:
مذهب سيبويه: أنهما كنايتان عن نكرتين، يعني مثل (هنُ) سبق أن الهنُ هذا كناية، إذاً: لا يستعمل إلا ويراد به معنىً آخر، إمَّا اسم جنس .. إمَّا الفَرْج خاصةً .. إمَّا نكرات، إلى آخر ما ذكرناه سابقاً، أو ما يستقبح ذكره فَيُكنَّى عنه بلفظ (هنُ)، هنك، يعني: عينك ونحو ذلك، كذلك (فُلُ) و (فُلةُ) كنايتان، عن ماذا؟ قال سيبويه: كنايتان عن نكرتين فـ (فُلُ) كناية عن رجل، يعني إذا قال: يا فُلُ يعني: يا رجل، فَكَنَّى عن كلمة: رجل بـ (فُلُ) و (فُلةُ) كنايةٌ عن امرأة، فإذا قال: يا فُلةُ كأنه قال: يا امرأة، وإنما لم يُصَرِّح بامرأة كنَّى .. أتى بلفظٍ يصدق على امرأة، هذا مذهب سيبويه وهو المشهور.
ومذهب الكوفيين: أن أصلهما: فلانٌ وفلانةٌ، (فُلُ) فلان، فإذا قال: يا فُلُ، كأنه قال: يا فلان، ويا فُلةُ، كأنه قال: يا فلانة .. مُؤنَّث فلان.
فَرُخِّمَا ترخيماً، يعني: حذف منهما المتأخر .. حرف أو حرفان أو ثلاث فصار (فُلُ)، فلان يعني: حذف منه الألف والنون، رُخِّمَ بحذف الحرفين المتأخرين فصار (فُلُ)، وكذلك: فُلةُ .. فُلانةٌ حذف منه الألف والنون، والتاء بقيت للتأنيث، للفرق بين (فُلُ) و (فُلةُ) هذا مذهب الكوفيين، أصلهما: فلان فَرُخِّم فقيل (فُلُ)، وفلانةٌ فَرُخِّم وقيل (فُلةُ).
ورُدَّ هذا المذهب .. مذهب الكوفيين، بأنه لو كان مُرَخَّماً لقيل فيه: فلا، لأنه يحذف الحرف الأخير فقط، أمَّا حذف الحرفين، فلان: أربعة أحرف، وهذا لا يحذف إلا الحرف الأخير كـ: يا سعا، وهي: سعاد، يحذف الحرف الأخير هذا القياس، أمَّا حذف الحرفين إنما يكون فيما زاد على أربعة:(مُكَمِّلاً أَرْبَعَةً فَصَاعِداً) كما سيأتي.
إذاً: هذا مردود، لأنه لو كان كذلك لقيل:(فُلا) ولما قيل في التأنيث: (فُلةُ).
وقيل: هما كنايةٌ عن العَلَم، فـ (فُلُ) كنايةٌ عن زيد مثلاً، بدلاً من أن أقول: يا زيد، أقول: يا فُلُ، أُكَنِّي به بدلاً عن كلمة: رجل، وهو نكرة يكون كنايةً عن العلم، يا فُلةُ، يعني: يا هند .. بدلاً من أن أقول: يا هندُ، أقول: يا فُلةُ، إذاً: كناية عن العَلَمْ مقابل للقول الأول .. كناية عن النكرة.
هما كنايةٌ عن العلم نحو: زيد وهند، بمعنى: فلان وفلانة.
قال في شرح التسهيل: " إن يا فُلُ بمعنى: يا فلان، ويا فُلةُ بمعنى: فلانة، فلا يستعملان منقوصين – يعني: محذوفين الأخير – في غير النداء إلا في ضرورة ".
وحاصل مذهب الناظم: أنهما كنايتان عن العلم فأصلهما: فلان وفلانة، فدخلهما مُجَرَّد الحذف تخفيفاً لا ترخيماً، إذاً: على مذهب الناظم أن (فُلُ) هو أصله: فلان، يعني: مثل مذهب الكوفيين، الكوفيين يقولون أصلهما: فلان، لكن اختلفا في علة الحذف، فالكوفيون يرون أن الحذف ترخيماً، والصواب أنه ليس بترخيم وإنما هو تخفيف، وهذا سائغ في لسان العرب، إذاً: فلان وفلانة هما الأصل، فدخلهما مُجرَّد الحذف تخفيفاً لا ترخيماً، والكوفيون يقولون: هما كنايتان عن العَلَم، وأصلهما: فلان وفلانة، فدخلهما خصوص الترخيم، إذاً: اتفق مذهب الناظم مع الكوفيين في: أنهما كنايتان عن فلان وفلانة، واختلفا في علة الحذف، فالكوفيون يرون أن الحذف ترخيماً، والناظم يرى أنه تخفيفاً وليس بترخيم.
على كلٍّ: المشهور مذهب سيبويه: أن (فُلُ) كناية رجل، و (فُلةُ) كنايةٌ عن امرأة.
(وَفُلُ بَعْضُ مَا يُخَصُّ بِالنِّدَا)، (لُؤْمَانُ) هذا الثالث، (لُؤْمَانُ) بِضَمِّ اللام والهمز الساكن، (لُؤْمَانُ) يعني يُقال:(يا لؤمان) للعظيم اللؤم .. كثير، فـ:(لؤمان) على وزن (فُعْلَان) لا يستعمل إلا في النداء خاصة، (لُؤْمَانُ) بمعنى: كثير .. عظيم اللؤم، (نَومَانُ)(مَفْعَال) لكثير النوم، يا نومان استيقظ، هذا كثير النوم .. ينام وهو جالس .. وهو واقف، (لُؤْمَانُ نَومَانُ) يعني: ونومان بفتح النون، (كَذَا) أي: مِمَّا يَختَّص بالنداء، (لُؤْمَانُ نَومَانُ كَذَا)، ما إعراب (لُؤْمَانُ نَومَانُ كَذَا؟ لُؤْمَانُ) مبتدأ، و (نَومَانُ) معطوفٌ عليها بإسقاط حرف العطف، (كَذَا) أي: مثل ذا، مِمَّا يختص بالنداء.
إذاً (وَفُلُ) هذا مبتدأ، (بَعْضُ) هذا خبره، (وَفُلُ) قلنا: للمُذكَّر، وحذف فُلةُ بناءً على ماذا؟ على أنه إذا علم المُذكَّر حينئذٍ فُهِمَ المُؤنَّث، (بَعْضُ) هذا خبر وهو مضاف، و (مَا يُخَصُّ) ما اسمٌ موصول بمعنى: الذي، في محل جر مضاف إليه، و (يُخَصُّ) هذا مُغيَّر الصيغة، و (بِالنِّدَا) مُتعَلِّقٌ به، والباء هذه داخلةٌ على المقصور عليه، يعني: قُصِرَ على النداء، مقصورٌ على النداء: هذا (بَعْضُ مَا يُخَصُّ بِالنِّدَا) فلا يستعمل في غير النداء.
(لُؤْمَانُ نَومَانُ كَذَا) مِمَّا يختص بالنداء، هذا كله سَماعي.
ثُمَّ قال:
. . . . . . . .
…
. . . . . . . وَاطَّرَدَا
فِي سَبِّ الاُنْثَى وَزْنُ يَا خَبَاثِ
…
. . . . . . . . .
هذا مِمَّا لازم النداء لكنه مقيس، (وَاطَّرَدَا) الألف للإطلاق .. فعل ماضي، (فِي سَبِّ الاُنْثَى) يعني: شتمها، (وَزْنُ يَا فَعَال) كل فعلٍ دَلَّ على سبٍ فأتِ به على وزن: فَعَاَل، فتقول:(يَا خَبَاثِ) يا لَكاع .. يا فَساق، حينئذٍ نقول: هذا مقيس، لكنه ملازمٌ للنداء، لا يأتي إلا في سياق النداء، ما عداه فلا.
(فِي سَبِّ الاُنْثَى وَزْنُ يَا خَبَاثِ) يعني: يا فَعَاَل، معناه: أن بناء وزن فَعَاَل -هكذا بفتح الفاء والعين- من كل فعلٍ دَالٍّ على السَبِّ مُطَّرِد، ومعنى الاطراد: أنك لا تحتاج فيه إلى السماع من العرب .. هذا المراد، أنك لا تحتاج فيه إلى السماع من العرب بل كل فعلٍ دالٍّ على السب يجوز أن يُبْنَى منه هذا الوزن في النداء .. على وزن: يا فَعَاَل .. لَكاع .. فَساق .. خَباث إلى آخره.
(وَالأَمْرُ هَكَذَا مِنَ الثُّلَاثِي) لمَّا ذَكَر فَعَاَل استدرج فذكر اسم فعل الأمر .. اسم فعل الأمر قد يكون على وزن فَعَاَل، فناسب أن يذْكُره وإلا ليس هذا محله، (وَالأَمْرُ) هذا على حذف مضافين، يعني: واسم فعل الأمر، (هَكَذَا) مثل ذا، مُطَّرِد وهو على وزن (فَعَاَل)، (مِنَ الثُّلَاثِي) عند سيبويه، فحينئذٍ تقول: نَزال .. دَراك لا مسموع، هو يُقال: دراك، لكن سيأتي أنه مسموع ليس مقيس، ولذلك قال:(مِنَ الثُّلَاثِي) فشرطه: أن يكون ثلاثياً، يعني: إذا زاد عن ثلاثة أحرف حينئذٍ لا يجوز أن يؤتى به على وزن: فَعَال إلا السماع، فدراك: هذا اسم فعل أمر من أدرِك، وأدرك هذا رباعي، إذاً: ليس بقياسي.
إذاً: ينقاس استعمال فَعَاَلِ -هكذا مبنياً على الكسر- من كل فعلٍ ثلاثي للدلالة على الأمر، نحو: نَزال وضَراب وقَتال، أي: انزل واضرب واقتل، وتَراك من اترك.
(وَالأَمْرُ هَكَذَا مِنَ الثُّلَاثِي)، وَالأَمْرُ مبتدأ، و (هَكَذَا)؟؟؟، (مِنَ الثُّلَاثِي) جار مومجرور متعلق بـ؟؟؟ يعني: اطَّرَد من الثلاثي، يحتمل أنه مُتعَلِّق باطَّرَد من الثلاثي، أمَّا إذا لم يكن من الثلاثي فغير مُطَّرِد، يشترط في:(فَعَاَلِ) إذا كان أمراً أربعة شروط:
الأول: ما نص عليه الناظم بقوله: (مِنَ الثُّلَاثِي) أن يكون مُجرَّداً عن الزوائد، لأنه إذا قال: ثلاثي، معناه: مُجرَّد، لأن المزيد يكون من أربعة أحرف فأكثر، أن يكون مُجرَّداً أي: عن الزوائد، فأمَّا غير المُجرَّد لا يُقال فيه إلا ما سُمِع .. لا يُقال: قياساً، إلا ما سُمِع، نحو: دراك من أدرك، أدرك هذا فعل أمر، اسم فعل الأمر منه: دراك على وزن فَعَاَلِ، لَكِنَّه مسموعٌ لا قياس، لماذا؟ لأنه من الرباعي .. مما زاد على ثلاثة أحرف، وهذا معلوم من اشتراط الناظم كونه ثلاثياً، لأن قوله:(مِنَ الثُّلَاثِي) وهو جرى على طريقة النحاة لا يشمل المزيد، إذا قال: الثلاثي، لا يدخل فيه المزيد، وهذا حتى عند الصرفيين، بل هو خاصٌ بمقابل المزيد، لأن المزيد نوعان:
مزيدٌ ثلاثي، ومزيدٌ رباعي، والمُجرَّد قد يكون ثلاثياً وقد يكون رباعياً.
الشرط الثاني: أن يكون تاماً، فلا يبنى من ناقص، كان وأخواتها، وكاد وأخواتها، لا يبنى منه فَعَاَلِ: كواني ما يصلح .. كوادي ما يصلح.
الثالث: أن يكون مُتَصرِّفاً فخرج الجامد: نعم وبئس ونحوهما.
الرابع: أن يكون كامل التَصَرُّف، فلا يُبْنى من يدَع ويذَر: داعِ .. ذارِ لا يصح، لأنه غير مُتَصرِّف كامل التَصَرُّف.
وَشَاعَ فِي سَبِّ الذُّكُورِ فُعَلُ
…
وَلَا تَقِسْ. . . . . . .........
إذاً قوله: (وَفُلُ) إلى قوله: (كَذَا) هذا مسموعٌ، وقوله:
. . . . . . . .....
…
. . . . . . . وَاطَّرَدَا
فِي سَبِّ الاُنْثَى وَزْنُ يَا خَبَاثِ
…
. . . . . . . . .
هذا مقيس
وَشَاعَ فِي سَبِّ الذُّكُورِ فُعَلُ
…
وَلَا تَقِسْ. . . . . . .
هذا شائعٌ غير مقيس، يجتمع (فُلُ) وما عُطِفَ عليه مع فُعَلُ في أن كلاً منهما سماعي، لكن الثاني هذا فُعَلُ كثير شائع، ولذلك قيل بقياسه، وأمَّا (فُلُ) وما عُطِفَ عليه فهي كلمات مسموعة قليلة.
إذاً: مسموع قليل، ومسموعٌ شائعٌ لا ينقاس عليه، ومقيس، المقيس: هذا ماكان على وزن خَبَاثِ.
(وَشَاعَ) يعني: كَثُرَ، (فِي سَبِّ الذُّكُورِ) كما يُسَبُّ الإناث .. قسمان، فُعَلُ لكن جعلوه في النساء مقيساً، وفي الرجال .. قال:(وَلَا تَقِسْ) يعني: مسموعٌ وليس مقيساً، (وَشَاعَ فِي سَبِّ الذُّكُورِ فُعَلُ) يعني: يا فُعَلُ .. يا خُبَثُ .. يا غُدَرُ .. يا لُكَعُ، ولا ينقاس ذلك، واختار ابن عصفور كونه قياسياً ونُسِبَ لسيبويه.
إذاً: (وَشَاعَ) يعني: كَثُرَ، (فِي سَبِّ الذُّكُورِ) كما كان قياسياً في سب الأنثى، (فُعَلُ) يعني: يا فُعَلُ (وَلَا تَقِسْ) وإنما هو سماعي.
(وَجُرَّ فِي الشِّعْرِ فُلُ) هذا عطفٌ على الأول، و (فُلُ) خُصَّ بالنداء (وَفُلُ بَعْضُ مَا يُخَصُّ بِالنِّدَا)، إذاً: الأصل فيه ماذا؟ هو خارجٌ عن الأصل في كونه التزم النداء، ثُمَّ جُرَّ في الشعر على جهة الخصوص فهو شذوذٌ بعد شذوذ، فهو ضرورة بعد ضرورة، حينئذٍ نقول:(وَجُرَّ فِي الشِّعْرِ فُلُ) .. جُرَّ فُلُ .. (فُلُ) هذا نائب فاعل، و (فِي الشِّعْرِ) مُتعَلِّق به، وهو في قول القائل:
في لُجَّةٍ أَمْسِكْ فُلَاناً عَنْ فُلِ ..
(عَنْ فُلِ) عن حرف جر، وفل: اسمٌ مجرورٌ بعن، إذاً: لم يأت في النداء، حينئذٍ نقول: خرج عن الأصل .. خروجٌ عن خروج، والأصل فيه أن يكون مختصاً بالنداء، فخرج عن النداء فقيل: عن فل، وهذا مختلفٌ فيه، هل هو (فُلُ) الذي يختص بالنداء، أو (فُلُ) الذي هو مجزوء من فلان؟ فيه قولان، ورجَّحَ الأشْمُوني: أنه ليس هو (فُلُ) الذي يختص بالنداء، وإنما هذا (فُلُ) الذي هو مقتطعٌ من: فلان.
فالشاهد في البيت: (عَنْ فُلِ) حيث استعمل (فُلِ) في غير النداء، وجرَّه بالحرف وذلك ضرورة، هذا إذا سَلَّمنا أنه هو الذي يختص بالنداء، لأن من حقه: ألا يقع إلا منادى، إلا إذا ادَّعَييَا أن (فُلُ) هنا مقتطعٌ من (فلان) بحذف النون والألف، وهذا صَوَّبَه الأشْمُوني، قال:" إذ معناهما مختلفٌ على الصحيح، فالمُختَّص بالنداء كنايةٌ عن اسم الجنس: رجل، وفلان كناية عن علم، ومادتهما مختلفة ".
(فُلُ) الذي هو مختصٌ بالنداء: فَه .. لَه .. يَه، وأمَّا (فُلُ) الذي يكون مختصراً من (فلان) فهو: فَه .. لَه .. نَه، يعني: آخر حرف نون .. اللام نون، والذي يختص بالنداء: اللام ياء، ففرقٌ بينهما من حيث المادة ومن حيث المعنى، ولذلك قال:" فالمختص مادته: فَه .. لَه .. يَه " يعني: لامه ياء، ولذلك يُصَغَّر على:(فُلِيٍّ) بإرجاع الياء المحذوفة وإدغامها في ياء التصغير.
وهذا مادته: فه .. له .. نه، فالتصغير على:(فُلَين) فُعَيِل.
إذاً إذا قيل: بأنه أصله (فلان) وحذفت منه الألف والنون حينئذٍ لا إشكال .. ليس عندنا استثناء، وإذا قيل: أنه هو الأصل (فُلُ) الذي يَخْتَص بالنداء، حينئذٍ نقول: هذا استعمل ضرورةً في الشعر.
قال الشارح هنا: " من الأسماء ما لا يستعمل إلا في النداء " وهذا خروجٌ عن الأصل، وإلا الأصل في الاسم أنه يستعمل منادى وغير منادى. نحو: يا فُلُ، أي: يا رجل، ويا لؤمان: للعظيم اللؤم، ويا نومان: لكثير النوم وهو مسموع، ويؤخذ ذلك من تعبيره بالاطِّرَاد فيما بعدها، لأنه قال:(وَاطَّرْدَا) مفهومه: أن ما قبله ليس مُطَّرِداً، يعني: ليس مقيساً.
وأشار بقوله: (وَاطَّرَدَا فِي سَبِّ الأُنْثَى) إلى أنه ينقاس في النداء استعمال فَعَالِ مبْنِياً على الكسر في ذم الأنثى وسبها، من كل فعلٍ ثلاثي -وزدنا عليه ثلاثة شروط-: يا خباث .. يا فساق .. يا لكاع، وأمَّا استعمال (لكَاَع) في قول الشاعر:
إليَ بَيْتٍ قَعيدَتُهُ لكَاَعِ ..
هذه يُخَرَّج .. خَرَّجُوه على أنه على تقدير قولٍ محذوف، أي: بيتٍ قعيدته مقولٍ لها: يا لكاع، إذاً: ليس مستعملاً في غير النداء، وكذلك ينقاس استعمال (فَعَالِ) المبني على الكسر من كل ثلاثي للدلالة على الأمر .. نعم الثلاثي والشروط في الأمر ليست في سب الأنثى، أنا قلت هناك. نحو: نزالِ وضرابِ وقتالِ، أي: انزل واقتل واضرب، وتراك أي: اترك، وكَثُرَ استعمال (فُعَلْ) في النداء خاصةً، مقصوداً به سب الذكور، نحو: يا فُسَقُ .. يا فاسق يعني، يا غُدَرُ .. يا غادر، يا لُكَعُ .. يا لاكع، ويا خُبَثُ، يعني: يا خبيث، ولا ينقاس ذلك، واختار ابن عصفور كونه قياسياً ونُسِبَ لسيبويه.
وأشار بقوله: (وَجُرَّ فِي الشِّعْرِ فُلُ) إلى أن بعض الأسماء المخصوصة بالنداء قد تستعمل في الشعر في غير النداء:
في لُجَّةٍ أَمْسِكْ فُلَاناً عَنْ فُلِ ..
والأكثر في بناء: (مفعلان) نحو: ملئمان أن يأتي في الذم: (لُؤْمَانُ ونَومَانُ)(مَفْعَلَان) .. وزن مَفْعَلَان، الأكثر أن يكون في الذم .. الأكثر وزن مَفْعَلَان أن يكون في الذم. نحو: ملئمان، من اللؤم، وقد جاء في المدح نحو: يا مكرمان، وهو العزيز المُكْرَم .. يا مكرمان، حكاه سيبويه والأخفش، ويا مطيبان، طيب يعني، هذا مدح.
قال في (شرح الكافية): " هذه الصفات مقصورة على السماع بإجماع " ما كان على وزن (مفعلان) نَوْمَان بالفتح، هذه مقصورة على السمع بإجماع، وهو صحيحٌ في غير مفعلان فإن فيه خلافاً، أجاز بعضهم القياس عليه، فتقول: يا مخبثان، وفي الأنثى: يا مخبثانة.
وحكا في الهمع: الذي سُمِعَ منه من (مفعلان) ستة ألفاظ فحسب .. فقط ستة -وهذا طيب-: مكرمان، وملئمان، ومخبثان، وملعكان، ومطيبان، ومكذبان، هذه كلها مسموعة، يعني: تُحفظ ولا يُقاس عليها، إذاً: هذه أسماء لازمت النداء على الترتيب الذي ذكرناه، منها ما هو مسموعٌ قليل، ومنها ما هو مقيس، ومنها ما هو شائعٌ غير مقيس.
(الاِسْتِغَاثَةُ)
المنادى قد يكون استغاثةً، يعني: يستعمل ويراد به الاستغاثة، والاستغاثة مأخوذةٌ من الغوث، والغوث المراد به: نداء من يُخلِّص من شدةٍ ويعين على دفع مشقة، هذا المراد بالاستغاثة، ولذلك قيل: مستغيثٌ ومستغاثٌ به.
نداء من يُخلِّص، إذاً: هي نوعٌ من المنادى .. نوعٌ من أنواع النداء، ولكن اخْتَصَّت بوصفٍ أو حالٍ دون غيرها، لمَّا كان المنادى هنا إنما يُنادى ويستغاث به ليدفع مشقة أو يُخلِّص من شدة، إذاً: لها واقعة معينة، فلذلك اخْتَصَّت بحرفٍ واحد، واخْتَصَّت ببعض الأحكام الآتي ذكرها.
(الاِسْتِغَاثَةُ)
إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ مُنَادَىً خُفِضَا
…
بِاللَاّمِ مَفْتُوحَاً كَيَا لَلْمُرْتَضَى
(إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ) استغيث: هذا مُغَيَّر الصيغة، و (اسْمٌ) هذا نائب فاعل، إذاً: أصله مفعولٌ به، وعليه فـ (استغاث): مُتعدٍّ يَتَعدَّى بنفسه، حينئذٍ استعمال النحاة: المستغاث به، نقول: هذا في غير محله، إلا إذا ادُّعِي أنه يستعمل لازماً ومتعدياً .. وقد ادُّعِي، أو يُقال: إنه من باب التوسع، وإلا (استغاث) يَتَعدَّى بنفسه، حينئذٍ لا نحتاج إلى حرف جر، وإنما نحتاج إلى حرف جر متى؟ إذا كان الفعل لازماً، وأمَّا إذا كان مُتعدِّياً بنفسه فلا.
(إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ) إذاً: دَلَّ على أن (استغاث) يَتَعدَّى بنفسه، والنحاة يقولون: مستغاثٌ به، قال تعالى:((إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ)) [الأنفال:9] انتهينا! يعني: ربكم: هذا مفعولٌ به، فدل على أن الاستغاثة تتعدى بنفسها.
(إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ) يعني: إذا نؤدِي ليُخَلِّص من شدةٍ أو يعين على مشقةٍ، (اسْمٌ مُنَادىً)، اسْمٌ قلنا: نائب فاعل، و (مُنَادىً) نعته، اسمٌ: هذا شامل للمضاف وشبه المضاف، يعني: يكون مفرداً، ويكون مضافاً، ويكون شبيهاً بالمضاف، وأمَّا النكرة غير المقصودة، فهذه وقع تردد فيها عند الشاطبي وغيره، هل مما يصلح أن يستغاث به أو لا؟ لأن الأصل هنا الإقبال .. الإقبال على المستغاث به، فحينئذٍ كيف يكون نكرة غير مقصودة؟ هذا محل تردد.
إذاً: (إذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ) هذا قد يكون مفرداً، وأطلق الاسم فيشمل المضاف والشبيه بالمضاف، وأمَّا النكرة غير المقصودة فهي محل نظر، وإيقاع الاستغاثة هنا على الاسم على جهة التأويل، لأنك لا تستغيث بالاسم: يا زيد، إنما تستغيث بمسمى زيد .. بمدلول اللفظ، والحقيقة إنما تكون .. الذي يرفع ويدفع هو المسمى وليس باللفظ، حينئذٍ (إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ) نقول: هنا على جهة التأويل.
إيقاع الاستغاثة على الاسم، أي: على اللفظ، اصطلاحي، يعني: شأنه اصطلاحٌ عند النحاة، فإن المستغاث حقيقةً المعنى، أي: مدلول اللفظ، أو نقول: التقدير مدلول اسمٍ .. (إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ) يعني: مدلول اسمٍ، وهذا حسن أيضاً.
(إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ مُنَادىً) هذا فيه فائدة: وهو أن المستغاث لا يكون إلا منادى، لأنه قد يرد أنه ذكر المنادى ثم أتبعه بفصول المنادى، وهذه عادة النحاة، يبدؤون بالمنادى ثم تأتي الفصول متتابعة، والاستغاثة نوعٌ منها، ولذلك سبق: غير مندوب ومستغاث، فاستثنى المستغاث فدل على أنه نوعٌ من أنواع المنادى، إذاً: هنا تأكيد إلى أن الاستغاثة من باب النداء.
(إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ مُنَادىً) منادىً: هذا نعت لاسم، فائدته: التنبيه على أن المستغاث اصطلاحاً لا يكون إلا منادىً.
(خُفِضَا بِاللَاّمِ)، (خُفِضَا) فعل ماضي، والألف هذه للإطلاق، والفاعل ضمير مستتر يعود على الاسم .. خفض الاسم، يعني: الذي وقعت عليه الاستغاثة، (خُفِضَا بِاللَاّمِ) والجملة جواب (إِذَا) .. (إِذَا اسْتُغِيثَ) أين الجواب؟ (خُفِضَا بِاللَاّمِ)، باللام: جار ومجرور مُتعَلِّق بخفض، غالباً .. ليس مُطَّرِداً غالباً، ولذلك سيأتي:
وَلَامُ مَا اسْتُغِيثَ عَاقَبَتْ أَلِفْ ..
يعني: أنه قد لا يكون فيه لام .. (خُفِضَا بِاللَاّمِ) أي: غالباً، فخفضه للتنصيص على الاستغاثة.
(بِاللَاّمِ مَفْتُوحاً) مفتوحاً: هذا حالٌ من اللام، إذاً: يَتَعيِّن في المستغاث أن يُخْفَضَ باللام مفتوحاً، فيقال: يا لَلمرتضى .. يا لَزيدٍ، يا لَـ .. باللَاّم مفتوحة، زيدٍ: هذا مجرور، إذاً المستغاث نقول: تدخل عليه اللام غالباً، وهي مفتوحة، وإذا دخلت عليه اللام فهي حرف جر كما سيأتي، وإذا كانت حرف جر حينئذٍ صار مدخولها مخفوضاً.
إذاً: (خُفِضَا) أي: الاسم المستغاث، (بِاللَاّمِ مَفْتُوحاً) حال كون اللام مفتوحاً، (كَيَا لَلمُرْتَضَى) فخفضه للتنصيص على الاستغاثة، وفتح اللام لوقوعه موقع الضمير الذي تُفتَح معه اللام لكونه منادى، لأن المنادى قلنا: في قوة ضمير الخطاب .. فيما سبق، المنادى في معنى ضمير الخطاب .. الكاف، ولذلك بُنِي، لأنه أشبه الكاف الاسمية لفظاً ومعنى، المشبهة للكاف الحرفية لفظاً ومعنى، حينئذٍ ماثله إفراداً وتعريفاً، ولذلك بُنِي المنادى.
هنا نقول: جُرَّ باللام للتنصيص، وكانت اللام مفتوحة تشبيهاً لما بعده بالضمير، لأنه في قوة المخاطب. فخَفْضُه للتنصيص على الاستغاثة، وفُتِح اللام معه لوقوعه موقع الضمير الذي تفتح معه اللام لكونه منادى، ليحصل بذلك فرقٌ بينه وبين المستغاث من أجله: يا لَزيدٍ لِعمروٍ، زيدٍ: هذا مستغاثٌ به، ولعمروٍ: مستغاثٌ له، اللام تكون مفتوحة مع المستغاث به، وأمَّا مع المستغاث له فهذه تكون مكسورة، إذاً: فُتِحَتْ مع المستغاث به ليكون ثَمَّ فرقٌ بين النوعين.
ليحصل بذلك فرقٌ بينه وبين المستغاث من أجله، وإنما أُعْرِبَ مع كونه منادىً مفرداً معرفةً، لأن تركيبه مع اللام أعطاه شبهاً بالمضاف، إذاً: إذا قيل بأنه منادى، وزيد: هذا في الأصل أنه إذا نُودِي يكون مبنياً، وهنا نقول: يا لَزيدٍ، لماذا خفضناه، والخفض يكون إعراب؟ قالوا: للزوم اللام معه غالباً كأنه صار شبيهاً بالمضاف، حينئذٍ أشبه المضاف.
إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ مُنَادَى خُفِضَا
…
بِاللَاّمِ مَفْتُوحَاً ............
وإنما اخْتِيرت اللام دون غيرها لمناسبة معناها للاستغاثة، قالوا: لأن لامها للتخصيص، أدخلت على المستغاث دلالةً على أنه مخصوصٌ من بين أمثاله، فتدل على التخصيص، ولذلك هناك تدل على الملك، وتدل على الاستحقاق، وتدل على الاختصاص، حينئذٍ لها مزية على غيرها من حروف الجر، فهي تدل على التخصيص، إذاً: كأن المنادِي أقبل على فلان .. زيد، وخَصَّه بالاستغاثة.
وإنما اختيرت اللام لمناسبة معناها للاستغاثة لأن لامها للتخصيص أُدخلت على المستغاث دلالةً، على أنه مخصوصٌ من بين أمثاله بالنداء، وكذا المُتَعَجب منه كما سيأتي .. مخصوصٌ من بين أمثاله باستحضار غرابته.
وقوله: (خُفِضَا بِاللَاّمِ) دَلَّ على أن المستغاث معربٌ مطلقاً، لكنه يكون بالخفض. واختلف في هذه اللام الداخلة على المستغاث، فقيل: هي بقية (آل) وهو مذهب الكوفيين، والأصل: يا آل زيدٍ، فاللام مقتطعة من (آل) فأصل العبارة: يا آل زيدٍ، فحذفت الهمزة تخفيفاً لكثرة الاستعمال، ثُمَّ حذفت الألف تخلصاً من التقاء الساكنين وبقيت اللام، لكن هذا ضعيف.
فقيل: هي بقية (آل) فالأصل: يا آل زيدٍ، فزيدٌ مخفوضٌ بالإضافة، ونُسِبَ للكوفيين، وذهب الجمهور إلى أنها لام الجر، وهو الصحيح، لأن تلك (آل) اللام ليست حرف معنى، وإنما هي حرف مبنى، فكيف خفَضت .. فإذا حذف المضاف حينئذٍ كيف عَمِل؟ هذا يحتاج .. والجمهور على أنها لام الجر، ثم اختلفوا: هل هي زائدة لا تتعلق بشيء، أم أنها حقيقية أصلية تحتاج إلى مُتَعَلَّق؟ إذا قيل: يا لَزيدٍ، اللام حرف جر، مثل: مررت بزيدٍ، حينئذٍ إذا قيل: بأنها حرف جر، فالحرف قد يكون زائداً، وقد يكون أصلياً، إذا قيل: بأنها زائدة لا نحتاج إلى مُتَعَلَّقٍ تَتَعلَّق به، نقول: اللام حرف جر زائد، وزيد: مجرور وانتهينا، لا نحتاج إلى أن نقول: الجار والمجرور مُتعَلِّق بكذا.
وإذا قلنا بأنها أصلية .. وهو الصحيح، حينئذٍ لا بُدَّ من مُتَعَلَّقٍ تَتَعلَّق به، فما هو هذا المُتَعَلَّق؟ فاختلفوا -القائلون بأنها لام الجر-، فقيل: زائدة لا تتعلق بشيء، وهذا ضعيف لأن الزيادة خلاف الأصل، لا يحكم بزيادة شيءٍ إلا بِثَبَت، وقيل: ليست بزائدة، وفيما تتعلق به قولان، إذا قيل أنها أصلية:
أحدهما: بالفعل المحذوف، لأننا قلنا:(إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ مُنَادَى) إذاً: المنادى موجود .. النداء موجود، ولذلك: يا لزيدٍ، يا: هذه نائبةٌ مناب أدع، حينئذٍ له أثرٌ. بالفعل المحذوف، وهو مذهب سيبويه.
والثاني: بحرف النداء، قلنا: هذا ضعيف، لأن حرف النداء لا يعمل، والفعل ملاحظ، بدليل بقاء أثره في المحل.
وعلى مذهب سيبويه: أنه الفعل الذي نابت عنه ياء، لكن بتضمينه معنى فعلٍ يَتَعدَّى بالحرف، يعني: أدعو زيداً، أدعو لزيدٍ ما يأتي هذا، لا بُدَّ أن نُضَمِّن أدع معنى فعلٍ يَتَعدَّى باللام، ألتجئ لزيدٍ، إذاً: أدعو زيداً نُضَمِّنه معنى ألتجئ فيَتَعدَّى باللام فلا إشكال فيه، وعلى مذهب سيبويه: لا بُدَّ أن نُضَمِّنه معنى فعلٍ يَتَعدَّى بالحرف كألتجئ ونحوه، في نحو: يا لزيدٍ، وأتَعَجَّب في نحو: يا للماء .. يا للعلماء .. يا للمصيبة، هذا من باب التعجب، حينئذٍ: أدعو .. ألتجئ لزيدٍ، لأن معنى الاستغاثة كذلك، يا للماء .. تعجب من كثرة الماء، حينئذٍ يا للماء، أدعو بمعنى: أتعجب .. أتعجب للماء، لأنه يَتَعدَّى باللام.
إذاً: (خُفِضَا بِاللَاّمِ) نقول: هذا غالب، ثُم الصحيح أن هذه اللام لام الجر، وليست بقية:(آل)، ثُم الصحيح أنها أصلية، ثُم الصحيح أنها مُتعَلِّقة بالفعل لا بالياء، كل المسائل داخلة في قوله:
خُفِضَا
…
بِاللَاّمِ مَفْتُوحاً كَيَا لَلمُرْتَضَى.
كَيَا لَلمُرْتَضَى يعني: كقولك .. وذلك كقولك، والقول وما دخل عليه نقول: هذا خبر مبتدأ محذوف، وذلك كقولك: يَا لَلمُرْتَضَى.
دَلَّ لمثال على أمور، يعني: فيه أحكام:
أولاً: أنه يجوز اقترانه بـ (أل)، يعني: المستغاث يجوز اقترانه بـ (أل)؛ لأنه قال: المرتضى .. (لَلمُرْتَضَى)، إذاً: دخلت اللام .. لام الجر الاستغاثة هنا و (يا) واستغيث بما هو محلىً بـ (أل). أنه يجوز اقترانه بـ (أل) وإن كان منادى، وإن كان السابق معنا هناك نقول: المنادى لا يجوز أن يكون محلًى بـ (أل) إلا بواسطة، لا يُقال: يا العالم .. يا الرجل، لكن هنا لمَّا فُصِلَ باللام حينئذٍ سَاغَ أن يكون مدخول اللام محلًى بـ (أل). وإن كان منادىً لأن حرف النداء (يا) لا يباشرها، وهذا مُجمعٌ عليه.
ما هو المجمع عليه؟ أن يكون المستغاث .. الاسم المستغاث محلىً بـ (أل) .. هذا متفقٌ عليه.
الثاني: يفهم من المثال أن المستغاث يختص من حروف النداء بـ (يا)، ولا يجوز أن يُقال: ألا المرتضى .. أيا المرتضى .. هيا المرتضى، كل هذا غير جائز، وإنما يختص بـ (يا). فوجب كون الحرف ياء.
ثالثاً: كونها مذكورة، ولا يجوز حذفها، وهذا سبق مما يمتنع حذفه .. حذف (يا) أو حرف النداء المستغاث، لأنه يلتبس .. لو حُذِفَ التبس بغيره.
إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ مُنَادَى خُفِضَا
…
بِاللَاّمِ مَفْتُوحَاً كَيَا لَلْمُرْتَضَى
قوله: (اسْمٌ) هذا يشمل الضمير، وهذا مختلفٌ فيه، يجوز أن يكون كلٌ من المستغاث له والمستغاث ضميراً كقولك: يا لك لي، لك: الكاف مستغاث به، لي: الياء هنا مستغاثٌ من أجله، إذاً: وقع ضميراً في الموضعين، هذا جائزٌ عند بعضهم. يجوز أن يكون كلٌ من المستغاث له والمستغاث ضميراً كقولك: يا لك لي، تدعو المخاطب لنفسك.
قال الشارح: " يُقال: يا لزيدٍ لعمروٍ، فيُجَر المستغاث بلامٍ مفتوحة - الداخلة على زيد -،ويُجَر المستغاث له بلامٍ مكسورة " وهذا سيأتي الذي هو: لعمروٍ، فعمروٍ: هذا اللام هنا مكسورة، وهو مستغاثٌ له، أو من أجله، سمه بذا أو ذاك، واللام في الموضعين تسمى لام الاستغاثة سواءً كانت داخلة على المستغاث به أو المستغاث له، لكنها تفتح مع المستغاث وتكسر مع المستغاث من أجله: يا للمسلمين .. يا لله .. تكون مفتوحة. وإنما فتحت مع المستغاث لأن المنادى واقعٌ موقع المضمر، والضمير تفتح معه .. له ولك، بخلاف الياء: لي، واللام تفتح مع المضمر نحو: لك وله.
ثم قال:
وَافْتَحْ مَعَ المَعْطُوفِ إِنْ كَرَّرتَ يَا
…
وَفِي سِوَى ذَلِكَ بِالكَسْرِ ائْتِيَا
قوله: (إِنْ كَرَّرتَ يَا) يؤكِّد معنى السابق وهو قوله: (يَا لَلمُرْتَضَى)، أن المُتَعيِّن من حروف النداء هو (يا) على جهة الخصوص، ولا يجوز غيرها .. لا يجوز غيرها البَتَّة.
(وَافْتَحْ) افتح ماذا؟ افتح اللام، (مَعَ المَعْطُوفِ)، (افتح) هذا فعل أمر، والفاعل: أنت، المفعول به لا بُدَّ من تقديره، افتح اللام مع المعطوف، (مَعَ المَعْطُوفِ) يعني: مع المستغاث المعطوف، (مَعَ) منصوبٌ على الحالية مُتعَلِّق بمحذوف حال، حالٌ من اللام .. افتح اللام حال كونها مع المعطوف.
(إنْ كَرَّرتَ يَا) إن كَرَّرت أنت .. فعل وفاعل، (يَا) مفعولٌ به قُصِدَ لفظه، ماذا تقول إن كَرَّرت (يا)؟ يا لَزيدٍ ويا لَعمروٍ لِبَكرٍ، إذا كان المستغاث به اثنين، إذا كان المستغاث به اثنين حينئذٍ تقول: يا لَزيدٍ ويا لَعمروٍ لِبَكرٍ، فيحتمل إمَّا أنك تكَرِّر الياء وإمَّا ألا تُكَرِّر.
هنا قال: (وَافْتَحْ مَعَ المَعْطُوفِ إنْ كَرَّرْتَ) مفهومه: إن لم تكَرِّر اكسر، يعني: إذا قلت: يا لزيدٍ ولعمروٍ لبكرٍ، عَطَفَت على الأول المستغاث به مع عدم تكرار (يا) حينئذٍ اكسر.
وإذا أعدت (يا) .. كَرَّرتها حينئذٍ وجب الفتح، إذاً: وافتح اللام مع المعطوف .. مع المستغاث المعطوف، (إنْ كَرَّرْتَ يَا) متى؟ (إنْ كَرَّرتَ يَا)، مفهومه: إن لم تكَرِّر (يا) حينئذٍ لا تفتح بل اكسر، فتقول: يا لَزيدٍ ولِعمروٍ لِعمروٍ لِبكرٍ، لماذا؟ لأنه لا يلتبس حينئذٍ الثاني بالمستغاث من أجله، كونه معطوفاً على الأول ولامه مكسورة، والأول مستغاثٌ به لا يلتبس بالمستغاث من أجله، هكذا عندنا التركيب.
أولاً قلنا: يا لَزيدٍ لِعمروٍ، فتحت اللام في الأول فرقاً بينها وبين لام المستغاث من أجله، قد يقع اللبس هنا .. تقديم وتأخير، لكن إذا قيل: يا لَزيدٍ ولِعمروٍ لِبكرٍ، هل يقع لبس في الثاني .. أنه مستغاثٌ به؟ لا يقع، لأن الواو حرف عطف، فحينئذٍ لِعمروٍ معطوف لَزيدٍ .. يا لَزيدٍ، والأول مُتعيِّن أنه مستغاثٌ به، وعطفنا عليه ما لم تتصل به (يا) وكسرنا اللام، إذاً: لا لَبس.
وأمَّا إذا كَرَّرنا (يا) فحينئذٍ نبقى على الأصل، هذه جملة منفكة وهذه جملة منفكة، مثل ما قلنا: يا زيدُ زيدُ الثاني نُقَدِّر له (يا) في البدل.
وَافْتَحْ مَعَ المَعْطُوفِ إِنْ كَرَّرتَ يَا
…
وَفِي سِوَى ذَلِكَ .............
وَفِي سِوَى ذَلِكَ -التكرار- ائْتِيَا بِالْكَسْرِ، هذا تصريحٌ بالمفهوم، يعني: لا نحتاج إليه، إلا على تأويل، (وَفِي سِوَى ذَلِكَ) في سوى جار ومجرور مُتعَلِّق بـ:(ائتيا)، و (ائتيا) هذا فعل أمر، والألف هذه منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة، (فِي سِوَى ذَلِكَ) المشار إليه هنا التكرار .. في سوى الكرار، سوى: مضاف، وذلك: مضاف إليه، (بِالكَسْرِ) ائتيا بالكسر، جار ومجرور مُتعَلِّق بـ:(ائتيا).
(بِالكَسْرِ) الكسر واجب أو جائز؟ واجب، بالكسر وجوباً ائتيا على الأصل لأمن اللبس، لأن الأصل في اللام هنا قلنا: هي لام الجر، والأصل فيها هو الكسر، حينئذٍ لمَّا أُمِنَ اللبس رجعنا إلى الأصل وهو كسر اللام، وفي سوى ذلك التكرار ائتيا بالكسر وجوباً، ولا يجوز الفتح.
إذا عُطِفَ على المستغاث مستغاثٌ آخر، فإمَّا أن تتكَرَّر معه (يا) أو لا .. إذا عُطِفَ على المستغاث الأول مستغاثٌ ثاني، فإن تكَرَّرت لزم الفتح: يا لَزيدٍ ويا لَعمروٍ لِبكرٍ، وهذا واضح نَصَّ عليه بقوله:(وَافْتَحْ مَعَ المَعْطُوفِ إنْ كَرَّرتَ يَا).
ومنه: يَا لَقَومي ويَا لأَمْثَالِ قَوْمي، أعاد (يا) كَرَّرها، وفتح اللام مع الثاني كما هو الشأن في الأول، يا لَزيدٍ ويا لَعمروٍ لبكرٍ، هذا إذا كُرِّرَت، وإن لم تُكَرَّر لزم الكسر نحو: يا لَزيدٍ ولِعمروٍ لِبكرٍ، ومنه قوله:
يا لَلْكُهُولِ ولِلشُّبَابِ لِلْعَجَبِ ..
يا لَلْكُهُولِ: الكبار .. جمع كهل، (ولِلشُّبَابِ) حينئذٍ نقول: للشباب، لم يقل: يا لَلشباب، لو أعاد (يا) وَجَبَ فتح اللام، ولمَّا حذف ياء .. لم يُكَرِّرها وإنما عطفه على الأول حينئذٍ تَعيَّن الكسر لأمن اللبس، لأنه لا يلتبس بغيره .. مع التكرار والعطف لا يلتبس بغيره. وإن لم تَتَكَرَّر لزم الكسر، كما يلزم كسر اللام مع المستغاث له، لام المستغاث له واجبة الكسر، الذي هو يكون في الأخير: يا لَزيدٍ لِبكرٍ، نقول: اللام هنا على الأصل، وإنما فتحت في الأول لتنزيل المستغاث منزلة الضمير، وأمَّا الثاني فلا.
كسرُ اللام مع المستغاث من أجله .. المستغاث له، واجبٌ على الأصل، وهو ظاهرٌ في الأسماء الظاهرة، وأمَّا المُضْمَر .. لو كان ضميراً، فتفتح معه إلا مع الياء .. على الأصل، نحو: يا لَزيدٍ لَك، لك: اللام هذه .. لَك: الكاف مستغاثٌ من أجله، هنا وجب فتحه، لقيام مانعٍ من الكسر، الأصل الكسر إلا إذا منع منه مانع، فحينئذٍ رجعنا إلى الفتح لأن الكاف ضمير ولا يُكْسر معه اللام، فتقول: لك .. يا لَزيدٍ لَك، وأمَّا: يا لَزيدٍ لِ كُسِر على الأصل.
وإذا قلت: يا لك احتمل الأمرين، وفي اللام .. لام المستغاث من أجله خلافٌ لما تتعلق به، في الأول: يا لَزيدٍ، قلنا: اختُلِفَ فيه على ما مضى، والصواب أنها مُتعَلِّقة بالفعل الذي نابت عنه (يا) مع التضمين، ولام المستغاث من أجله كذلك مختلفٌ فيما تتعلق به، فقيل بحرف النداء، وقيل بفعلٍ محذوف، أي: أدعوك لِزيدٍ، فيُقَدَّر بعد المستغاث والكلام حينئذٍ جملتان، يعني: يُقَدَّر له فعل غير الأول .. غير الذي تعلق به لَزيدٍ المستغاث، حينئذٍ نُقَدِّر له بعد المستغاث، كأنه يقول: أدعوك لَزَيدٍ .. أدعوك لَبكرٍ، فيُقَدَّر فعل آخر وإن لم يكن مُضَمَّنا معنى اللام، فهما جملتان.
وإلى هذا أشار بقوله: (وَفِي سِوَى ذَلِكَ بِالكَسْرِ ائْتِيَا) أي: وفي سوى المستغاث والمعطوف عليه الذي تَكَرَّرَت معه (يا) اكسر اللام وجوباً، فتكسر مع المعطوف الذي لم تَتَكَرَّر معه (يا) ومع المستغاث له.
وَلَامُ مَا اسْتُغِيثَ عَاقَبَتْ أَلِفْ
…
وَمِثْلُهُ اسْمٌ ذُو تَعَجُّبٍ أُلِفْ
(وَلَامُ) هذا مبتدأ، وهو مضاف، و (مَا اسْتُغِيثَ) ما اسم موصول بمعنى: الذي، في محل جر مضاف إليه، و (اسْتُغِيثَ) فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، فُهِمَ منه أن اللام غير لازمة في قوله:(عَاقَبَتْ)، ولذلك قلنا هناك (خُفِضَا بِاللَاّمِ) .. قلنا: غالباً، لماذا غالباً؟ لأنه استثنى هنا:(وَلَامُ مَا اسْتُغِيثَ عَاقَبَتْ أَلِفْ) قد تُحْذَف اللام ويُعَوَّض عنها ألف، فبدلاً من أن يُقال: يا لَزيدٍ، يُقال: يا زيدا، بالألف .. الألف هذه ألف الاستغاثة نائبةٌ عن لام المستغاث حُذِفَت وعُوِّضَ عنها ألف، دَلَّ على أنها ليست بلازمة، لأن الحذف هنا قياسي.
(وَلَامُ مَا اسْتُغِيثَ) التي عناها الناظم بقوله: (خُفِضَا بِاللَاّمِ مَفْتُوحاً)، هذه اللام (عَاقَبَتْ أَلِفْ) عاقبت ألفاً، ألفاً: هذا مفعولٌ به، و (عَاقَبَتْ) فعل وفاعل، وألفاً: هذا مفعولٌ به وَقَفَ عليه بالسكون على لغة ربيعة، ويَحتمل أن (أَلِفْ) فاعل .. عَاقَبَتْ أَلِفٌ: عاقبتها ألفٌ، هذا مُحتمل، وجَوَّزه المكودي هناك، وهذا لا بأس به.
(عَاقَبَتْ أَلِفْ) وهذه الألف عِوَضٌ عن اللام، وفُهِمَ بهذا أن اللام غير لازمة، لأن الألف تعاقبها، وفُهِمَ من كون الألف عِوَضاً عن اللام أنه لا يجوز الجمع بينهما، فلا يُقال: يا لَزيدا، هذا ممنوع، لأن: زيدا .. الألف هذه عِوَض عن اللام، وأنت جمعت بينهما: يا لزيدا، هذا غير جائز .. ممتنع، لأنه لا يُجمع بين العِوَض والمُعَوَّض عنه.
ولا يجوز الجمع بينهما فلا تقول: يا لزيدا، وقد يخلوا منهما، يعني: إذا دَلَّ عليه دليل، فلا تُذْكَر اللام ولا العِوَض عنه: أَلَا يَاقُومِ للْعَجَبْ العَجِيبِ، ألا يا لَقُومِ، أو: ألا قوما، لم يأت بالألف ولا باللام، هنا الشاعر حذف اللام وحذف الألف: أَلَا يَاقُومِ للْعَجَب العَجِيبِ.
(وَلَامُ مَا اسْتُغِيثَ عَاقَبَتْ أَلِفْ) إذاً نَخلُص من هذا: أن الألف قد تكون نائبةً عن اللام التي تدخل على المستغاث، حينئذٍ تأخذ حكمها في الدلالة على الاستغاثة، نحو: يا زيدا، وإذا وقفت على المستغاث أو المتعجب منه حالة إلحاق الألف جاز الوقف بهاء السَّكت، فيقال: يا زيدا .. يا زيداه، جاز الوقف بهاء السَّكت، إذاً يجوز: يا لَزيدٍ .. يا زيدا .. يا زيداه.
وإذا جُعِلَ الحذف قياساً يجوز: يا زيدِ، وهذا فيه إشكال.
(وَمِثْلُهُ اسْمٌ ذُو تَعَجُّبٍ أُلِفْ) هذا استطراد، كما قال هناك:(وَالأَمْرُ) هنا استطرد كذلك، وإنما ذكر اسم التعجب هنا وإن لم يكن من هذا الباب لاشتراكهما في الحكم، والداعي إلى نداء المُتَعَجب منه استعظام أمر، كما سبق: أن التعجب إنما هو استعظام، قد يناديه .. يرى الماء كثير يقول: يا لَلماء، قد يرى قلة العلماء: يا لَلعلماء .. يا لَلدَّواهي، ونحو ذلك، قَدْ يُتَعَجب من شيء فينادى جنسه.
كل أحكام الاستغاثة: من حيث اللام وفتحها، ومن حيث حذفها، وتعويض الألف عنها، كله ثابت للمُتَعَجب منه.
(وَمِثْلُهُ اسْمٌ ذُو تَعَجُّبٍ أُلِفْ) قلنا: النداء المُتَعَجب منه سببه استعظام أمرٍ بعده عظيماً، أو يَعُود عظيماً، فينادَى جنس ما رآه المُتَعَجِّب، كا يالَلماء، ويا للعشب ونحو ذلك.
(وَمِثْلُهُ) هذا خبر مُتَقَدِّم .. مثله في ذلك، (اسْمٌ) هذا مبتدأ، (وَمِثْلُهُ) خبر مُتَقَدِّم، ولا بأس بالعكس، و (ذُو تَعَجُّبٍ) نعت .. صفة لاسم، (أُلِفَ) يعني: مألوف، صار مثله مثل حكم المتسغاث، فالألفة بينهما في تساوي الأحكام سَوَّت بينهما، (أُلِفْ) فالجملة حينئذٍ تكون صفةً لتعجب.
قال هنا: تُحذف لام المستغاث، ويؤتى بألفٍ في آخره عوضاً عنها، نحو: يا زيدا لِعمروٍ، ومثل المستغاث المُتَعَجب منه: يالَلدَّاهية .. يالَلعجب، فيُجَرُّ بلامٍ مفتوحة كما يُجَرُّ المستغاث، وتُعَاقِب اللام في الاسم المُتَعَجب منه ألفٌ، فتقول: يا عجباً لِزيدٍ، يا عجباً أصلها: يا لَعَجبٍ، حذفت اللام فنُصِِبَ، لِزيدٍ: هذا بالكسر، كقولهم: يا لَلماء، ويا لَلدواهي، إذا تعجبوا من كثرتهما، ويُقال: يا للعجب، ويا عجباً لزيدِ.
إذاً: هذا ما يتعلق بالاستغاثة.
ثُمَّ قال: (النُّدْبَةُ).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
…
!!!