الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: تَارِيخُ النَّص في الحديث النَّبوي
قَبْل الخوض في معرفة تاريخ النَّص وتأثيره في توجيه المعاني والتَّرجيح عند علماء الحديث يجب معرفة المقصود بِتَاريخ النَّص وما لازمه من معاني، وبما أنَّ الأشياء لا تعرفُ إلا بحقائقها وأنواعها وأمثالها وأضدادها، فسوف نتكلم في هذا المبحث عن تلك المصطلحات، ثم نحاول الجواب عن تساؤل مهم وهو: ما الفائدة من وراء التَّحليل بشكلٍ دقيقٍ لتَوَارِيخِ حُدُوث النَّص الحديثي، وما لازمه من أحداث وَوَقَائع؟ ؛ وذلك لبيان أهمية تاريخ النَّص في الحديث النَّبوي.
المطلب الأول: مصطلحات البحث:
التاريخ لغة: أصل التاريخ أَرَّخَ، وجاء في لسان العرب:" أَرَّخَ: (التَّارِيخُ) وَ (التَّوْرِيخُ) تَعْرِيفُ الْوَقْتِ تَقُولُ (أَرَّخَ) الْكِتَابَ بِيَوْمِ كَذَا، وَقَّته وَالْوَاوُ فِيهِ لُغَةٌ"(1)، وقال صاحب المصباح:" أَرَّخْت الْكِتَابَ بِالتَّثْقِيلِ فِي الأَشْهَرِ وَالتَّخْفِيفُ لُغَةٌ حَكَاهَا ابْنُ الْقَطَّاعِ إذَا جَعَلْت لَهُ تَارِيخًا وَهُوَ مُعَرَّبٌ وَقِيلَ عَرَبِيٌّ وَهُوَ بَيَانُ انْتِهَاءِ وَقْتِهِ". (2)
(1) محمد بن مكرم بن منظور، لسان العرب، (4/ 3).
(2)
أحمد بن محمد الفيومي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، (1/ 11).
التَّارِيخ اصطلاحًا: " أَنَّهُ فَنّ يبحث عن وقائع الزَّمان، من حيثية التَّعِيين والتَّوقيت، بل عمّا كان في العالم. وأما موضوعه، فالإنسان والزمان، ومسائل أحوالهما المفصّلة للجزئيات تحت دائرة الأحوال العارضة الموجودة للإنسان، وفي الزمان". (1)
النص لغة: أصل لفظة "النَّص" تدور على معانٍ في اللغة فمنها: رَفْعُكَ الشَّيء، والظهور وكلُّ مَا أُظْهِرَ فقد نُصَّ، ومنه لفظة:"المنصة"، ونهاية الشيء وغايته، ومادة " (نَصَّ) النُّونُ وَالصَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى رَفْعٍ وَارْتِفَاعٍ وَانْتِهَاءٍ فِي الشَّيْءِ. مِنْهُ قَوْلُهُمْ نَصَّ الْحَدِيثَ إِلَى فُلانٍ: رَفَعَهُ إِلَيْهِ. وَالنَّصُّ فِي السَّيْرِ أَرْفَعُهُ". (2)
النَّص اصطلاحًا: قال المازري: " وهو عند الأُصوليين اللَّفظُ الكَاشِفُ لِمَعنَاهُ الذي يُفْهَم الْمُراد بهِ مِن غَيرِ احْتِمَال، بل من نفس اللَّفظ، وهكذا حَدَّهُ بَعْضُهُم، فإنَّهُ اللَّفظ الكَاشِف للمعنى بنفسه، وبَعْضهم يَذْكُر هَذَا الْمَعنى بِطَريقَةٍ أُخْرَى في العِبَارة فيقول: ما يُفْهَم الْمُرَاد مِنْهُ عَلَى وَجهٍ لا احْتَمَال فِيهِ"(3).
وأرى أنَّ يُعَرَّفَ النَّص اصطلاحًا على وجه العموم بأنَّه كُلُّ كَلامٍ مُفِيدٍ يُظْهِرُ المعنى المراد منه، ويحتوي على جملة وما فوقها وما دونها؛ فالنَّص عند المحدثين هو متن الحديث المنقول من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مصنف الكتاب، وعند الفقهاء نص القرآن أو السنة أو نص الإمام في الأحكام، أو نص المخطوط أو
(1) عبد الحي بن أحمد العَكري الحنبلي، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، (1/ 15).
(2)
أحمد بن فارس القزويني، معجم مقاييس اللغة، (5/ 356).
(3)
محمد بن علي بن عمر، أبو عبد الله المازري (ت: 536 هـ)، إيضاح المحصول من برهان الأصول، (ص 305).
نص الكتاب وغير ذلك كثير، ومما سبق يمكن استنتاج تعريف خاص بتاريخ النَّص النَّبوي.
تاريخ النَّص النَّبوي اصطلاحًا: هُو الزَّمَن الذي حَدَثَ فيه النَّص الحديثي المأثور عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سواء كان ذلك قولاً أو فعلاً أو تقريرًا، وما لازمه في العهد النَّبوي من أحداث وقَرَائِن تدل على تحققه في هذا الزمن المحدد، مع اعتبار معيار التتابع في الحدوث (1).
وبهذا التَّعريف يتضح أن تاريخ النَّص في الحديث النَّبوي يُعَبِّرُ عن الزَّمن الذي حَدَثَ فيه قولٌ أو فعلٌ أو تقريرٌ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في زمن البعثة، والحقائق التَّاريخية تؤيد وقوعه، وهذه الأحداث هي أحد العناصر الْمُكَونة للنص وتدل على التتابع الزَّمني في الحدوث وعلاقة ذلك ببقية الأحداث، وسوف نضرب الأمثلة حتى نقرب مفهوم تاريخ النَّص الحديثي إن شاء الله تعالى.
ولا يرتابُ أَحَدٌ في أهمية النَّص؛ فِإنَّه حَامِلُ العُلُومِ ومَصْدَرُ العِرْفَان، وبه تُعْرَفُ الحقائق التي تقوم عليها جميع المعارف الإنسانية، وبدراسة تَارِيخ حُدُوث النَّص يَتَبَيَّن لنا الْمُشْكَل من ألفاظه، أو التَّرجيح بين الرِّوايات المختلفة، أو توجيه المعاني وغير ذلك كما أسلفنا من قبل، وفي ضوء ما تقدم يمكننا إدراك دور تاريخ النَّص في الكشف عن معاني الحديث النَّبوي الشَّريف، وبهذا نُدْرك الفوائد من وراء التحليل بشكل دقيق لتواريخ حُدُوث النَّص الحديثي وما لازمها من أحداث؛ لاستخراج كنوز هذه النُّصُوص.
ومما هو متسقٌ مع ما قبله، قادتنا آلية البحث إلى سؤال مهم: هل كان النَّصُ النَّبويّ مُرْتَبِطًا بالتَّاريخ والأحداث في عهد النّبُوة؟ أم أَنَّهُ لم يكن مُرْتَبطًا بالأحداث؟ وهذا ما سنوضحه إن شاء الله بالتفصيل في المطلب التالي.
(1) تعريف تاريخ النَّص النَّبوي اصطلاحًا لم أجد من عرفه بعد طول بحث، وقد اسنبطتُ هذا بعد استقرائي لمادة التعريف في كتب اللغة والحديث والأصول.