المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شرح ألفية الحافظ العراقي (14) - شرح ألفية العراقي - عبد الكريم الخضير - جـ ١٤

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌شرح ألفية الحافظ العراقي (14)

‌شرح ألفية الحافظ العراقي (14)

(المعلل - المضطرب - المدرج)

الشيخ/ عبد الكريم الخضير

ولذلك مشى على ظاهره جمع من الحفاظ وصححوه، والإمام البخاري أدرك هذه العلة في قصة معروفة، ومحاورة مشهورة بين الإمامين البخاري ومسلم، ومع ذلك الحافظ العراقي يشكك في هذه القصة إلا أن ابن حجر وغيره من أهل العلم يثبتونها.

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذا يقول: كيف نوجه تعليل بعض الأئمة لبعض الأحاديث بأحاديث أخر، وردها إليها مع كوننا لا يظهر لنا وجه تشابه بين الحديثين؟

إذا لم يظهر وجه التشابه، وثبت هذا التعليل عن إمام معتبر؛ فسببه التقصير، أو القصور؛ التقصير أو القصور في فهم كلام الإمام.

يقول: ما ضابط تعليل الأحاديث باتحاد المخرج؛ فترد الأحاديث إلى حديث واحد بناءً على اتحاد المخرج؛ فهل كلما اتحد مخرج الأحاديث، وتشابهت في متونها حكمنا بأنها حديث واحد؟

إذا جاءت مسوقة سياقاً واحداً ولو مرة في كتاب معتبر فإنها تعد حديثاً واحداً، وأما إذا فرقت؛ رويت مفرقة، وذكر لها مناسبات متعددة؛ فإنها حينئذ تكون أحاديث، ولو اتحد مخرجها، وتقاربت معانيها.

يقول: ما الجواب عما رواه الإمام مسلم في صحيحة برقم (68، 69، 70) حيث روى ثلاثة أحاديث كلها من طريق الشعبي عن جرير رضي الله عنه، وساقها على أنها ثلاثة أحاديث، فالأول عن منصور عن الشعبي عن جرير: أنه سمعه يقول: "أيما عبد أبق من مواليه، فقد كفر حتى يرجع إليهم"، قال منصور: قد –والله- روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكني أكره أن يروى ههنا بالبصرة.

لما يخشى من روايته، وإلقاءه على بعض الناس التي فيهم ميل إلى مذهب الخوارج؛ لأن هذا يؤيد بدعتهم، ويدفعهم إلى الأمام، ويحملون مثل هذا الكفر على الكفر المخرج، فمثل هذا لا يلقى إلا مبيناً معناه في مثل هذا المجتمع، الذي أشار إليه في وقته؛ أعني البصرة.

ص: 1

وهكذا جميع النصوص؛ نصوص الكتاب والسنة هي علاج لآفات تقع في المجتمعات الإسلامية، وللأفراد –أيضاً- فمن شمت منه رائحة الزيادة والغلو، فإنها لا تلقى إليه أحاديث الوعيد مجردة؛ بل لا بد أن يضاف إليها أحاديث الوعد، وأما من كان بضد ذلك؛ عنده شيء من التفريط، عنده شيء من التراخي، عنده شيء من التساهل، فإن أحاديث الوعد لا تلقى إليه مجردة؛ بل لا بد أن يضاف إليها شيء من أحاديث الوعيد، أما من كان متوسطاً في شئونه كلها، سالكاً الصراط المستقيم، والسبيل الأقوم؛ فإن مثل هذا لا مانع أن تلقى إليه أحاديث الوعد وحدها، وأحاديث الوعيد وحدها.

هذا الأول "والثاني: عن داود عن الشعبي عن جرير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيما عبد أبق فقد برئت منه الذمة))، والثالث: عن مغيرة عن الشعبي قال: كان جرير بن عبدالله يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة))، وقد ساق الإمام مسلم هذه الأحاديث الثلاثة على أن كلاً منها حديث مستقل؛ مع أن مخرجها متحد، ومتونها متشابهة، لكن الأول: ((فقد كفر))، والثاني: ((برئت منه الذمة)) " هذا حكم آخر "والثالث: ((لم تقبل له صلاة))، فهي أحاديث ثلاثة" وظاهر الاختلاف بينها.

يقول: سؤالي عن كيفية الجمع بين كتب السنة يقصد، هل يلزم من ذلك أني أقرأ صحيح البخاري كاملاً ثم مسلم، ثم أخرج الطرق أم أن هناك طريقة أخرى؟

الطريقة التي شرحناها تقرأ حديثاً حديثاً من البخاري، ثم تخرجه حالاً من الكتب الأخرى الستة إلى أن تنتهي، وجاء من بعض الأخوة أنهم هل يبدءون بهذه الطريقة، أويبدءون بالمتون الصغيرة؟ المسألة مفترضة في طالب علم قد أنهى المتون الصغيرة التي تحفظ؛ لأن هذه طريقة للتفقه في كتب السنة، وهذه من أنفع ما يكون لطالب العلم لا سيما إذا كانت حافظته لا تسعفه للحفظ، فإن هذه المتون ترسخ في ذهنه، بعد معاناتها ترسخ.

يقول: تحاشا الإمام مسلم حديث عكرمة مطلقاً، وأخرج في صحيحه لسويد بن سعيد، ومعروف البون الكبير بين الرجلين؛ فكيف نفسر ذلك؟

ص: 2

الإمام مسلم لا يلزم باجتهاد غيره، وإلا عكرمة قد خرج له البخاري، ولم يخرج له مسلم، والإمام مسلم خرج لأناس لم يخرج لهم البخاري، وكل له اجتهاده، وكل له نظره في أحاديث ومرويات هؤلاء الرواة.

يقول: أرجو لو تذكر الطلاب بالعمل بالعلم فإني أرى على سبيل المثال أن بعضهم قد هجر بعض السنن مثل السلام فلا يسلم إلا على من يعرف، وهذا تجفيف لمنابع الأخوة والمحبة.

لا شك أن بذل السلام لمن يعرف ومن لا يعرف هذا هو السبيل الوحيد لزرع المحبة بين المسلمين، وجاء في الحديث:((لن تدخلوا الجنة حتى تحابوا ألا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم))، ومن علامات قرب الساعة أن يكون السلام للمعرفة، وجاء الأمر بإلقاء السلام على من عرفت ومن لم تعرف.

يقول: كيف نجمع بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم عن الطائفة المنصورة على الحق منصورة، نحن نرى حال أهل الحق اليوم في ضعف، وأعداء الله يظلمونهمـ، ويبغون عليهم فما المقصود بالنصر إذن؟

أولاً مسألة الابتلاء سنة إلهية يبتلى المرء تكفيراً لذنوبه، ورفعاً لدرجاته، ولو كان منصوراً في حقيقة الأمر، ولو أدى ذلك إلى قتله، فالنصر أعم من أن يكون انتصاراً في معركة، أو ظهور كلمة، وقبول بين الناس، النصرة أعظم من ذلك، فالقتل نصر كما جاء في قصة الغلام؛ لم يستطيعوا قتله حتى دلهم على ذلك، وعد هذا نصر مبين، حيث دخل في دين الله أفواج لم يكونوا ليدخلوا لولا أنه قتل، فقتله نصر.

يقول: ذكرت أن البوفية المفتوح حرام؛ لأن المشتري سيأخذ أكثر من حقه ألا يشكل على هذا أن البائع قد رضي بذلك، فهو يعلم أن المشتري قد يأخذ أكثر من حقه، فكأنه خفض له السعر، وقولك: إنه ثمن معلوم بسلعة مجهولة؛ ألا يكون هذا مثل من يؤجر نفسه على شبع بطنه، كما يؤجر أجدادنا؟

ص: 3

لا، لا؛ التنظير غير مطابق؛ أولاً: كون البائع يرضى بذلك الرضا لا يكفي، لا بد من توافر شروط البيع السبعة فلا يكفي الرضا، نعم الرضا شرط من شروط صحة البيع، لكن –أيضاً- أن يكون الثمن معلوماً، والمثمن معلوم، هذان شرطان، فلا بد من أن يكونا معلومين، ولا يرضى البائع بمثل هذا إلا إذا طمع بأن أعداداً كبيرة سوف يأخذون من هذا الأكل أقل مما دفعوا، أنتم ترون أن العقود المجهولة في التأمينات وغيرها من العقود لا يقدمون عليها رحمة بالناس ولا رأفة بهم، إنما يقدمون لأن واحداً من هؤلاء المتعاقدين، أو عشرة، أو مائة، أو ألف؛ يأخذون أكثر مما أعطوا، ومائة ألف، أو أكثر من ذلك يأخذون أقل، والجهالة ظاهرة في مثل هذا.

وقولك: إنه ثمن معلوم بسلعة مجهولة ألا يكون هذا مثل من يؤجر نفسه على شبع بطنه، كما يفعل أجدادنا؟

أولاً: هو لا يؤجر نفسه على شبع بطنه، على الأكل، والأكل الذي يتحكم فيه، الأكل الذي يتحكم فيه المطعم، المستأجر فلن يعطيه أكثر مما يعمل عنده، وإذا جربه في اليوم الأول والثاني، ووجده يأكل أكثر فسخ العقد، ولن يتردد بذلك.

ذكر الخطيب البغدادي في تاريخه أن السائل لمسلم لتأليف كتابه صاحب له اسمه أحمد بن سلمة؛ فهل هذا صحيح؟

نعم جاء ذكره؛ جاء ذكره أحمد بن سلمة في ثنايا الكتاب، لكنه قليل، والراوي للكتاب هو إبراهيم بن سفيان.

يقول: ما الراجح في رواية إبراهيم النخعي عن ابن مسعود؟ يعني من حيث الاتصال والانقطاع، وما الراجح في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهل اطلعتم على مخطوط لكتاب البلقيني أو العلائي في الكلام على هذه السلسلة؟

ص: 4

على كل حال الكلام في الرواة والاتصال والانقطاع أمر معروف عند أهل العلم، ومدون ومضبوط ومتقن، وأما ما يتعلق برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فالخلاف فيها طويل بين أهل العلم، وأيضاً مشهور ومتداول ومنهم من يضعفها مطلقاً للاختلاف في عود الضمير في جده؛ هل يعود على عمرو؟ فيكون الجد محمد، أو يعود على الأب الذي هو شعيب؟ فيكون الجد عبد الله بن عمرو، وهذا الخلاف لا شك أن له أثر، فإن قلنا إن الجد محمد قلنا: مرسل، وإن قلنا: إن الجد عبد الله بن عمرو بن العاص من أهل العلم من يرى أن شعيب لم يلق جده عبد الله بن عمرو فيكون منقطع من هذه الجهة، وهذه حجة من ضعف السلسلة مطلقاً، وأما من صححها فهو قول لبعض العلماء؛ يقول: إن الضمائر معروفة، وجاء التصريح بالجد في روايات عند أحمد والنسائي وغيرهما عن جده عبد الله بن عمرو، فتحرر الضمير، وأن الضمير في جده يعود إلى شعيب، الذي هو الأب، أما رواية شعيب عن جده عبد الله بن عمرو؛ فأثبتها جمع من أهل العلم، وقالوا: إنه تربى في حجره، وروى عنه، وسمع منه، وحينئذ التوسط في أمر هذه السلسلة أنها من قبيل الحسن.

الذي لا يستطيع أن يحفظ البلوغ، والمحرر، وكتب الحديث الستة؛ فهل يكفي أن يقرأ البلوغ مثلاً؛ حتى يمر على أحاديثه، أم أن ذلك لا ينفعه فيقرأ شيئاً آخراً من كتب العلم، وما هو أفضل شرح لبلوغ المرام؟

الذي لا يستطيع أن يحفظ عليه بالتعب، الذي لا يستطيع أن يحفظ عليه بالتعب، في تحصيل العلم، يعني قد يتعب في الحفظ ولا يستطيع، لكن إذا تعب وراء ذلك، وردد الحديث، وكتبه بيده مراراً، وشرحه، ورجع في شرحه إلى كتب أهل العلم لا بد أن يقر في ذهنه شيء، هذه طريقة المعاناة والحفر، لا بد أن يثبت في ذهنه شيء، مهما بلغت حافظته من الضعف؛ فمثل هذا الذي لا يحفظ بسرعة لا بد من المعاناة والتعب، فإذا كان لا يحفظ بمجرد القراءة يكتب؛ يكتب الحديث مرة مرتين ثلاث عشر حتى يحفظه، وإذا لم يستطيع –أيضاً- يشرح هذا الحديث، ويحلل هذا الحديث كلمة كلمة بالرجوع إلى المصادر، وحينئذ لا بد أن يحفظ، مهما كان ضعف حافظته.

ص: 5