الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مرت بنا مراراً، التي تكون من الثقة، من ناحية القبول والرد، من يحتمل تفرده، من احتمل الأئمة تفرده بالخبر الكامل هذا لا إشكال في قبول روايته، أما من لا يحتمل الأئمة تفرده، فهذا يحكم على ما يتفرد به بأنه شاذ، هذا من لا يحتمل تفرده، وقد يطلق عليه أنه منكر، وقد يسمى منكراً، وإذا تفرد بجملة لا بحديث كامل فقد مضى الكلام فيها في زيادات الثقات.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال العراقي -رحمه الله تعالى-:
المدرج
المدرج الملحق آخر الخبر
…
من قول راو ما بلا فصل ظهر
نحو إذا قلت: التشهد وصل
…
ذاك زهير وابن ثوبان فصل
قلت: ومنه مدرج قبل قلب
…
كـ"أسبغوا الوضوء، ويل للعقب"
ومنه جمع ما أتى كل طرف
…
منه بإسناد بواحد سلف
كوائل في صفة الصلاة قد
…
أدرج ثم جئتهم وما اتحد
ومنه أن يدرج بعض مسند
…
في غيره مع اختلاف السند
نحو ولا تنافسوا في متن لا
…
تباغضوا فمدرج قد نقلا
من متن لا تجسسوا أدرجه
…
ابن أبي مريم إذ أخرجه
ومنه متن عن جماعة ورد
…
وبعضهم خالف بعضاً في السند
فيجمع الكل بإسناد ذكر
…
كمتن أي الذنب أعظم الخبر
فإن عمراً عند واصل فقط
…
بين شقيق وابن مسعود سقط
وزاد الأعمش كذا منصور
…
وعمد الإدراج لها محظور
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
"المدرج" اسم مفعول من أدرج الشيء في غيره، فهو مدرج أي مُدخل، ومنه أُدرج فلان في كفنه، أي أُدخل في كفنه، فالإدراج الإدخال، فمعنى الإدراج إدخال شيء في شيء، وإدخال ما ليس من الحديث فيه، فهو الزيادة في الخبر من غير فصل، هذا مدرج المتن، كما أنه يكون –أيضاً- الإدراج في السند، فإدخال شيء في شيء هو الإدراج، ويوجد الإدراج في المتن في أوله، في أثناءه، في آخره كما أنه يوجد الإدراج في السند على صور ثلاث، أو أربع يأتي تفصيلها -إن شاء الله تعالى-.
والسبب في الإدراج إما استنباط حكم، أو تفسير غريب، أو غير ذلك، فتفسير الغريب يتسامحون فيه، يتسامحون في تفسير الغريب، والتحنث التعبد، ومثال ذلك –أيضاً- تفسير الشغار، وتفسير المزابنة، من غير ذكر لمن أدرج، من غير فصل بين هذا المدرج، وبين الخبر الذي أدرج فيه، هذا تفسير إما تفسير كلمة غريبة، أو تفسير لمعنى الحديث يلحق به، أو فهم واستنباط يستنبط من الخبر على ما سيأتي في الأمثلة.
يقول -رحمه الله تعالى- في القسم الأول، وهو مدرج المتن:
المدرج الملحق آخر الخبر
…
. . . . . . . . .
"المدرج" يعني في المتن "الملحق" يعني المدخل في الخبر مما ليس منه في آخره:
المدرج الملحق آخر الخبر
…
من قول راو ما. . . . . . . . .
يعني سواءٌ كان صحابياً، أو غير صحابي، ويكون الإدراج من الصحابي، وأبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- أدرج، وغيره من الصحابة أدرج، ويعرف الإدراج بأن يأتي مفصولاً في بعض طرق الحديث، في بعض طرق الحديث، وقد يكون هذا المدرج حديثاً عن النبي عليه الصلاة والسلام، لكنه في غير هذا الموضع، وفي غير هذه المناسبة:((فأسبغوا الوضوء))، الأمر بإسباغ الوضوء مرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وجاء في الحديث:((أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار))، هذه الجملة:((أسبغوا الوضوء))، الأمر بالإسباغ ليست من هذا الحديث، وإن جاءت في طرق أخرى، فمثل هذا يسمى إدراج، ((إن أمتي يبعثون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته، وتحجيله فليفعل)) فيعرف الإدراج بوروده مفصولاً في طرق أخرى، أو مبيناً منصوصاً عليه في طرق أخرى، كحديث:"أسبغوا الوضوء، فإن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: ((ويل للأعقاب من النار)) "، وقد يعرف الإدراج باستحالة إضافته إلى النبي عليه الصلاة والسلام للمملوك، "للعبد المملوك أجران، ولولا الجهاد في سبيل الله، وبر أمي، أمي .. إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم لأحببت أن أموت، وأنا مملوك" فهذا لا يمكن أن يقوله النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن أمه قد ماتت، فبهذا نعرف أن هذا اللفظ مدرج، وإن وجه بعضهم هذا الكلام بكون المراد من ذلك تعليم الأمة، تعليم الأمة في هذا، بأن الرق على حساب بر الأم، فبر الأم أولى من الرق، يريد أن يعلم الأمة عليه الصلاة والسلام، أو يكون المراد كما قال بعضهم أن المراد بالأم هي أمه من الرضاعة، وعلى كل حال اللفظ مدرج، اللفظ مدرج يستحيل أن يقول النبي عليه الصلاة والسلام مثل هذا الكلام، كيف يتمنى أن يكون رقيقاً مما يعوقه دون تبليغ ما أرسل به عليه الصلاة والسلام، فهذا لا يمكن أن يقوله النبي عليه الصلاة والسلام، ولو تأولنا ما جاء في ذكر الأم في هذا الخبر المدرج؛ لأن أمه قد ماتت.
المدرج الملحق آخر الخبر
…
من قول راو ما. . . . . . . . .
يعني سواءً كان صحابياً، أو غير صحابي "بلا فصل ظهر" بلا فصل ظهر بين الخبر، والملحق به، يعني من غير فاصل "نحو" قول ابن مسعود:
.... إذا قلت التشهد وصل
…
ذاك زهير وابن ثوبان فصل
"نحو" قول ابن مسعود: "إذا قلت" هذا "التشهد" الذي علمه إياه النبي صلى الله عليه وسلم "فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد"، هذا مدرج، وليس من أصل الخبر "وصل ذاك" بالخبر يعني أدرجه بالخبر "زهير" بن معاوية وصله، وهو من قول ابن مسعود، وصله بالخبر المرفوع الذي هو التشهد الذي يرويه ابن مسعود عن النبي عليه الصلاة والسلام زهير بن معاوية، وأما عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، فقد فصله عن الخبر "وصل ذاك زهير" ذاك يعني بالخبر زهير بن معاوية، وأما عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان فصل ذلك عن الخبر.
يقول: قال ابن مسعود، يعني بعد أن أنهى التشهد، وقبل السلام، يقول: قال ابن مسعود: إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد، واتفق الحفاظ كما قال النووي على أنه مدرج، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه معارض بما يدل على أن السلام ركن من أركان الصلاة لا بد منه، معارض بحديث:((تحليلها التسليم))، ((تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم))، فالتسليم لا بد منه، ومقتضى الخبر الذي ألحق به ما ليس منه أنه إذا فرغ من التشهد له أن يقوم، وعلى هذا عول الحنفية في عدم إيجاب التسليم، وأنه إذا انتهى من التشهد، فقد انتهى من صلاته، فقد قضى صلاته، وتعرفون القصة التي وقعت، والمناظرة التي وقعت بين يدي محمود بن سُبكتُكين، وكان على مذهب أبي حنيفة، فجاء القفال من الشافعية، إن صحت القصة؛ لأنهم يذكرونها في باب المناظرات، فجاء هذا الشافعي، إمام من أئمة الشافعية، فأراد أن يحول الأمير محمود بن سبكتكين إلى مذهبه، بدلاً، بعد أن كان حنفياً، يريد أن يكون شافعياً، ولا شك أن المذهب يستفيد، إذا دعمته السلطة، وينتشر، وتيسر أموره، وتعرفون أن انتشار المذاهب إنما تزداد، وتقوى، وتضعف بحسب تبني الدول لها، محمود بن سبكتكين معروف بصلاحه، وحرصه على الخير، جاء هذا الشافعي، إمام من أئمة الشافعية، وأظنه القفال، فقال: أنت على مذهب أبي حنيفة، وأريد أن أصلي بين يديك صلاةً صحيحة على مذهب أبي حنيفة، وهي باطلة عندنا، فإن أعجبك مذهب أبي حنيفة، فاستمر عليه، فأتى بنبيذ، والجو حار، والنبيذ حلو، والجو الحار تكثر فيه الذبان، يكثر فيه الذباب، فتوضأ بهذا النبيذ، فاجتمعت عليه من كل جانب، ثم عمد إلى جلد ميتة غير مدبوغ فلبسه بحيث جعل الشعر مما يليه، وسلخ هذه الشاة، أو هذا الكبش غير متقن، فيه شيء من اللحم، والشحم، فازداد الأمر سوءاً، فاجتمعت عليه الحشرات من كل صوب، ثم صلى صلاة بدون طمأنينة؛ لأن الحنفية يجيزون الوضوء بالنبيذ، ويصلي في الجلد غير المدبوغ، لكن لا يليه، والطمأنينة ليست بركن عندهم، فلما فرغ من التشهد أحدث قبل أن يسلم، هذه الصلاة من يقبلها؟ هذه الصلاة لا يقبلها عاقل، فجمع جميع مساوئ المذهب في صورة واحدة، فمحمود بن
سبكتكين سأل الحنفي قال: هذه الصلاة صحيحة عندكم؟ وش لون ما يقدر ينكر، الوضوء بالنبيذ معروف عندهم، والسلام لا يلزم، وأيضاً الصلاة بالجلد غير المدبوغ عندهم إذا لم يلي يباشر المصلي –أيضاً- فيه كلام عندهم، المقصود أن محموداً لما رأى هذه الصورة انتقل من مذهب أبي حنيفة إلى مذهب الإمام الشافعي.
وفي دائرة معارف القرن العشرين، محمد فريد وجدي تكلم على هذه القصة، ووجهها توجيهاً عجيباً؛ لأنه هو حنفي، فقال: إن الوضوء بالنبيذ، النبيذ كحول، والكحول مطهرة، فما المانع من أن .. ، لأنها تزيد في التطهير أكثر من الماء العادي؛ لأن الأدوية المطهرة، والعلاجات المطهرة فيها من هذا النوع الكحول، فهي تستعمل في التطهير أقوى من الماء، لكن هذا الكلام ليس بصحيح، العبرة بما جاء عن الشرع، وأن الوضوء بالماء لا بالنبيذ، واعتمادهم على خبر ابن مسعود في ما حصل من النبي عليه الصلاة والسلام ليلة الجن، وأنه توضأ بالنبيذ، وأنه قال:((تمرة طيبة، وماء طهور)) هذا الحديث في غاية الضعف.
الذي جرنا إلى هذا الكلام، هذا الإدراج من قول ابن مسعود:"فقد قضيت صلاتك" يعني إذا قلت هذا التشهد "فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد" فلا يجب السلام حينئذٍ، وعرفنا أنه عمدة الحنفية في عدم إيجابه، وإن كان الجمهور على أنه واجب، بل ركن من أركان الصلاة، والخلاف بينهم هل الركن التسليمة الأولى، أو التسليمتين؟ محل هذا كتب الفقه.
"وابن ثوبان فصل" هذا بالنسبة للإدراج في آخر الخبر، وهو أكثر هذا النوع أمثلة، يعني كثير في، يعني أكثر المدرج يكون في آخر الخبر:((إن أمتي يبعثون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته، وتحجيله، فليفعل)) هذا كلام أبي هريرة، وإن كان في كلام لبعض أهل العلم أنه يمكن أن يثبت مرفوعاً إلى النبي عليه الصلاة والسلام، مع أن الغرة لا يمكن إطالتها، الغرة لا يمكن إطالتها، أما التحجيل الواقع في اليدين، والرجلين هذا يكمن إطالته، والنبي عليه الصلاة والسلام غسل يديه حتى أشرع في العضد، وغسل رجليه حتى أشرع في الساق، فهذا ممكن أما الغرة، فلا يمكن إطالتها.
"قلت" الحافظ العراقي يقول:
قلت: ومنه مدرج قبل قُلِب
…
. . . . . . . . .
أي من المدرج في المتن عكس ما تقدم، عكس ما تقدم، ما تقدم الإدراج في آخر الخبر، وهنا يقول:"قلت: ومنه مدرج قبل" أي قبل الآخر سواءٌ كان في أوله، أو أثناءه "قُلِب" يعني بدلاً من أن يكون في آخر الخبر صار في أوله:
. . . . . . . . .
…
كـ"أسبغوا الوضوء، ويل للعقب"
قلب بالنسبة للمدرج في آخره، يعني عكس، فصار في أوله بدلاً من أن يكون في آخره، ومنه:
قلت: ومنه مدرج قبل قُلِب
…
. . . . . . . . .
يعني قبل اللفظ النبوي "قلب" يعني عكس، بدلاً من أن يكون في آخره كالأول هذا صار في أوله: كـ"أسبغوا" كخبر: أسبغوا أي أكملوا، وأتموا:
. . . . . . . . .
…
كـ"أسبغوا الوضوء، ويل للعقب"
يعني من النار، وهنا أفرد العقب للوزن، وإلا في الحديث في الصحيحين، وغيرهما:((ويل للأعقاب من النار))، ويل للأعقاب، على أن الإفراد:((ويل للعقب من النار)) جاء في رواية الطيالسي، لكن عدوله عن رواية الصحيحين إنما هو للوزن.