الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . .
…
بلى نرده وعنه نضرب
أي نعرض؛ فلا نحتج به مؤاخذة له باعترافه، لكنه ليس بقاطع بالفعل، لكن إذا وجد من طريق آخر يثبت به، فلا عبرة بهذا الحديث، وبهذا الاعتراف، وإن دار الحديث على هذا الذي اعترف، فإنه لا تجوز روايته على أي حال.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم، وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
المقلوب:
وقسموا المقلوب قسمين إلى:
…
ما كان مشهوراً براو أبدلا
بواحد نظيره كي يرغبا
…
فيه للإغراب إذا ما استغربا
ومنه قلب سند لمتن
…
نحو: امتحانهم إمام الفن
في مائة لما أتى بغدادا
…
فردها وجوَّد الإسنادا
وقلب ما لم يقصد الرواة
…
نحو: ((إذا أقيمت الصلاة .. ))
حدثه في مجلس البناني
…
حجاج اعني ابن أبي عثمان
فظنه عن ثابت جرير
…
بينه حماد الضرير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"المقلوب" وهو اسم مفعول من القلب، وهو تبديل شيء بآخر، وهو من أقسام الضعيف، المقلوب من أقسام الضعيف، ويقع في السند والمتن، والقلب في السند له أقسام، ولذا قال:"وقسموا" يعني المحدثين "المقلوب" سنداً "قسمين" يعني إلى قسمين: عمداً وسهواً، قسموه إلى قسمين: أحدهما "ما كان" يعني الحديث الذي كان "مشهوراً براوٍ" شهرته براوي؛ كسالم بن عبد الله بن عمر "أبدلا"، "بواحد" من الرواة "نظيره" في الطبقة كنافع؛ يعني أبدل سالم بنافع أو العكس؛ هذا قلب، هذا قلب سواءٌ كان هذا القلب عمداً، أو سهواً؛ لكنه من العلل غير المؤثرة؛ لأن سالماً، ونافعاً كلاهما ثقة، فأينما دار فهو على ثقة، نظير ما إذا أهمل الراوي، ولم يتوصل إلى حقيقته؛ كسفيان مثلاً، أو حماد، فأينما دار فهو على ثقة، سواءٌ كان الراوي سالم، ثم أبدل بنافع، أو العكس فكلاهما ثقة، وإن كان سالم عند الأكثر أجل من نافع، أجل من نافع، فمثل هذا قد يترتب عليه نزول يسير في الحديث لكنه لا يترتب عليه رد الحديث فمثل هذا الإبدال، وإن قدح في حفظ الراوي، وضبطه، وإتقانه إلا أنه لا يقدح في المروي على ما تقدم في بعض العلل التي لا تقدح، والمشترط انتفاءها لصحة الخبر هي العلل القادحة، إذا كان عن عمد، أو سهو؛ فإن كان عن عمد فأبدل سالم بنافع؛ كما قال الناظم -رحمه الله تعالى-:
بواحد نظيره كي يُرغبا
…
. . . . . . . . .
والألف هذه للإطلاق "فيه" لأنه قد يكون محفوظاً عن سالم عن عشرة من الرواة، ثم يأتي واحد منهم، فيجعله عن نافع، والمحدثون إذا ظفروا بطريق غير المشهور، غير المتداول بين الرواة فرحوا به؛ لأنه طريق جديد للخبر، فكون الحديث يروى عن سالم، وعن نافع معا؛ أقوى من كونه يروى عن أحدهما، فإذا كان عشرة يروونه عن سالم، ثم أورده واحد منهم عن نافع قلباً؛ يرغب فيه المحدثون؛ لأنه طريق آخر للحديث، ووقوفهم على طريق لا شك أنهم يفرحون به أشد الفرح، ما يقولون: هذا الأمر لا يعنينا ما دام ثبت الخبر عن سالم فلا داعي لنقله عن نافع، لا؛ فهم يفرحون بمثل هذه الطرق؛ كثرتها، إذا كان للحديث أكثر من مخرج، وأكثر من راوٍ؛ فرحوا به فرحاً شديداً، كما أن العلماء إذا ظفروا بفوائد علمية، أو حل إشكال في مسألة علمية؛ يفرحون بذلك فرحاً شديداً، وهذا الأمر يعنيهم، وهو جل اهتمامهم، وقصدهم، ولذلك تجدون من يكرر الحمد إذا وقف على شيء لم يقف عليه غيره، من حل الإشكال، أحياناً يكون هناك بين بعض النصوص اختلاف، فيقف عليه العالم، ويوفق لحل هذا الاختلاف، والجمع بين هذه النصوص المختلفة، وكم وجدنا للحافظ ابن حجر يقول: وهذا توفيق من الله -جل وعلا-، فله الحمد، وله الحمد، وله الحمد، وله .. ، يكرر الحمد، والشكر؛ لأنه انحل عنده هذا الإشكال، وقد تطلب حله مدداً متطاولة، ثم يقف عليه، أو يحله بنفسه هذه من نعم الله -جل وعلا-، على العالم، وينبغي أن يكون طالب العلم على هذه الحالة، وعلى هذا المستوى محباً للعلم، مكتشفاً، محرراً، منقحاً، يفرح إذا ما وقف على فائدة عزيزة، يدونها، ويكتبها، ولا يتركها بحيث ينساها، فإذا وجد طريق غير الطريق المشهورة، فالحديث معروف بسالم، وتداوله الرواة على هذا الأساس، ثم يأتي به راوٍ عن نافع، يفرحون بهذا "كي يرغبا" يرغبون ..
. . . . . . . . .
…
فيه للإغراب إذا ما استغربا
يعني الراوي الذي يقلب السند عمداً من أجل الإغراب؛ كي يرغب فيه أهل الحديث؛ لا شك أنه آثم، ومغرر بأهل الحديث، وإذا كان ثقة، وأكثر من ذلك فإنه يجرح، وإن كان عن سهو، وكثر ذلك في حديثه لا شك أنه مؤثر في ضبطه، وحفظه أحياناً يكون القلب بهذه الطريقة بإبدال راوٍ براو نظيره من طبقته كما مثلنا بسالم ونافع، وقد يكون القلب في الراوي الواحد، الراوي الواحد يُقلب، فيجعل الأب ابناً، والابن أباً، فيجعل نصر بن علي؛ علي بن نصر، ومرة بن كعب؛ كعب بن مرة؛ هذا قلب، إذا قال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي، جاء واحد من الرواة قال: حدثنا علي بن نصر الجهضمي، وأحدهما أب للآخر، لكن كلاهما يشتركان في الرواية عن بعض الرواة، فيجعل الحديث المروي عن الأب حديثاً مروياً عن الابن والعكس، وقل مثل هذا في كعب بن مرة، ومرة بن كعب؛ حصل قلبه من بعض الرواة، وهذا قلب في الإسناد.
ومنه وهو القسم الثاني من قلب الإسناد، وهذا يدخل في العمد؛ في القلب المتعمد "ومنه قلب سند" يعني سند تام "لمتن" فيجعل لمتن آخر مروي بسند آخر؛ يعني يركب على هذا المتن سنداً آخراً غير السند الذي روي من طريقه، "ومنه" يعني القسم الثاني من العمد "قلب سند" تام "لمتن" فيجعل هذا المتن يركب له سنداً آخراً تام "نحو امتحانهم" يعني المحدثين ببغداد "إمام الفن"، وشيخ الصنعة البخاري -رحمه الله تعالى- "نحو امتحانهم" يعني المحدثين ببغداد "إمام الفن" فإنهم لما سمعوا بمقدمه ضربوا له مجلساً، اجتمعوا فيه، ووعدوه يوماً يحضر فيه، ويحضر معه المحدثون ببغداد، وامتحنوه في هذا المجلس، تم امتحانه في هذا المجلس في مائة حديث، في مائة حديث، وكَلُوا أمرها إلى عشرة من طلاب الحديث، عشرة من الطلاب، وزعوا عليهم مائة حديث، وكل هذه الأحاديث مقلوبة الأسانيد والمتون، جعلوا متن الحديث الأول لسند الحديث الثاني والعكس إلى تمام المائة، فلما تم اجتماعهم، وحضروا، وجاء إمام الفن -رحمة الله عليه-، انتدب له الأول من العشرة، فسأله عن الحديث الأول، ما تقول فيما رواه فلان عن فلان عن فلان عن فلان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا؟ فقال: لا أعرفه، ثم سأله عن الحديث الثاني فقال: لا أعرفه، ثم سأله عن الحديث الثالث إلى العاشر، وفي كلها يقول: لا أعرفه، ثم انتدب له الثاني من العشرة، وصنع كما صنع الأول، والإمام البخاري في ذلك كله يقول: لا أعرفه، ثم الثالث، ثم الرابع إلى العاشر، فلما تم العشرة؛ أتموا أحاديثهم التفت إلى الأول، قال: أما حديثك الأول الذي قلت فيه كذا وكذا؛ صوابه كذا وكذا، فرد المتن إلى إسناده، والإسناد إلى متنه، والثاني قلت كذا وكذا، على الترتيب الذي ألقيت عليه الأحاديث بخطئها، بقلبها، فأعادها على الصواب إلى أن أتم العشرة بالنسبة للأول، ثم الثاني، ثم الثالث، ثم الرابع إلى العاشر، فتمت المائة حديث على الصواب، على الصواب، لما كان -رحمه الله تعالى- في العرض الأول، وهو يقول: لا أعرفه، لا أعرفه، الجهال قضوا عليه بأنه لا يفهم شيئاً؛ يعني مائة حديث ما يعرف منها ولا حديث، ويقال له: محدث، ويقال له: محدث، والذين يفهمون،
ويعرفون الحديث على وجهه، وأهل الشأن من أول واحد منهم، قالوا: فهم الرجل؛ فهم يعني انتبه الرجل لما دبر له رحمه الله، وبعد أن ردها إلى صوابها، أذعنوا له، واعترفوا له بالفضل.
ومنه قلب سند لمتن
…
نحو امتحانهم إمام الفن
في مائة لما أتى بغدادا
…
. . . . . . . . .
بغداد البلد المشهور العظيم، والألف فيه للإطلاق، ويقال: بالدال بغداد، وبالذال المعجمة وبالنون؛ بغداد بالدال المهملة، وبالذال المعجمة وبالنون، بغذان، وهذه الألف للإطلاق "فردها" -رحمه الله تعالى- رد المتون إلى أسانيدها في المائة كلها "وجود الإسنادا" وجود الإسنادا، ولم يخف عليه موضع مما قلبوه، أو ركبوه، ولم يخف عليه موضع مما قلبوه وركبوه، فأقر الناس له بالحفظ، وأذعنوا له بالإمامة، وأغرب من حفظه لها؛ أغرب من حفظه لها، أغرب من حفظه لها يعني كونه يردها إلى الصواب؛ حفظه لخطئها مرتبة؛ على الترتيب الذي أورد عليه، وردها إلى صوابها مرتبة –أيضاً-، وهذا النوع يفعله العلماء بقصد الامتحان، بقصد الامتحان، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بهذه المثابة، ولا يستغرب منه أن يصنع مثل هذا.
والآن لو يطلب من مجموعة من طلاب العلم الذين حفظوا الأربعين النووية من صباهم بدون أسانيد؛ يعني بالصحابي فقط، يجعل صحابي الحديث الأول للحديث الثاني، والعكس إلى تمام الأربعين، فمن ردها يعد إمام الوقت، وأنا أعرف من يطلق عليه المحدث الفاعل التارك، وهو لا يحفظ الأربعين، بيننا وبين القوم مفاوز؛ يعني مجرد كون الإنسان عنده ميل إلى الحديث، أو رغبة في الحديث، أو يقرئ بعض كتب الحديث؛ يوصف بأنه المحدث الفاعل التارك، تجدون بعض الشباب يكتب عنهم كذا، وإذا كتبوا، أو قدموا، أو فعلوا؛ أشيد بهم ورفعوا فوق منازلهم، وهم في لا زالوا في مصاف طلاب العلم، ومع ذلك لا ننكر أن من طلاب العلم من قطع شوطاً طيباً في هذا الشأن، لكن دون وصولهم إلى مصاف الأئمة خرط القتاد.
وهذه القصة وهذا الامتحان المتعمد جوزه أهل العلم شريطة أن لا يثبت حديثاً، وأن لا يتفرق أهل المجلس إلا بعد الاطلاع على الصواب، وإذا كانت مكتوبة، والامتحان تحريري فيها لا بد أن تتلف الأوراق في مكانها؛ لئلا يطلع عليها؛ فيظن أن هذه الأسانيد صحيحة لهذه الأحاديث، فلا بد من بيان الصواب، وبيان الحق في موضعه؛ في المكان الذي يجرى فيه الامتحان، وهذه القصة امتحان أهل بغداد للإمام البخاري أنكرها بعض من ينتسب إلى التحقيق؛ لماذا؟ لأن ابن عدي يرويها في جزء له سماه شيوخ البخاري، وقال في مطلع السند:"حدثنا عدة من شيوخنا" عدة من شيوخنا، وهؤلاء الشيوخ أبهمهم ابن عدي، فهم مجاهيل، فهم مجاهيل، ومن يصحح مثل هذه القصة، وليست بغريبة أن يقع امتحان لمثل هذا الإمام الذي طار سيطه في الآفاق، وطبق المشارق والمغارب؛ لا يبعد أن يمتحن بمثل هذا، الذي يصحح مثل هذه القصة، الذي يصححها يقول: إن هؤلاء الشيوخ، وإن كانوا مجاهيل إلا أنهم جمع، ولا يمكن أن يقول ابن عدي عدة لواحد أو لاثنين؛ بل لجمع، وجمع المجاهيل؛ الجمع من المجاهيل يجبر بعضهم بعضاً، يجبر بعضهم بعضاً، فعلى هذا تكون القصة ثابتة، ولام مانع من ثبوتها، المتن متن القصة ليس فيه ما ينكر؛ لأن هذا معروف امتحان معروف، وفعله العلماء بعد هذه القصة، وفعلوه قبل هذه القصة، مسألة الامتحان معروفة.
والقسم الثاني الذي هو قسم السهو من المقلوب في السند:
قلب ما لم يقصد الرواة
…
. . . . . . . . .
قلب ما لم يقصد الرواة؛ يعني قلبه بل وقع سهواً، ووهماً
نحو: ((إذا أقيمت الصلاة .. ))
…
. . . . . . . . .
نحو: ((إذا أقيمت الصلاة؛ فلا تقوموا حتى تروني))، ((إذا أقيمت الصلاة؛ فلا تقوموا حتى تروني)).
"حدثه" يعني حدث الحديث "في مجلس البناني" ثابت بن أسلم المعروف نسبة إلى بنانة؛ محلة بالبصرة
حدثه في مجلس البناني
…
حجاج. . . . . . . . .
فاعل "حدث"
. . . . . . . . .
…
حجاج أعني ابن أبي عثمان
وعثمان هنا مصروف للوزن، حجاج بن أبي عثمان الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم:
حدثه في مجلس البناني
…
حجاج أعني ابن أبي عثمان
كما قلنا: عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه –أبي قتادة- عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني))، وبهذا يعلم أن السنة أن لا يقوم المأموم حتى يرى الإمام، أن لا يقوم المأموم حتى يرى الإمام، وبعض الفقهاء كالحنابلة يرون أن القيام إنما يشرع عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، وفيه حديث مخرج عند البيهقي، وفي إسناده الحجاج ابن أرطأة، وهو مضعف؛ فالخبر ضعيف، وهذا الحديث صحيح، في الصحيحين، وغيرهما:((إذا أقيمت الصلاة؛ فلا تقوموا حتى تروني))؛ لأنه قد يبدأ بإقامة الصلاة منذ دخول الإمام المسجد، والمسافة بعيدة حتى يصل إلى مكانه بحيث من كان في الصف الأول لا يرون الإمام إلا إذا وصل إلى المحراب، وحينئذٍ فلا يقومون حتى يروه؛ لأنه قد يطرأ للإمام.
طالب:. . . . . . . . .
حديث القيام عند قد؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه؛ مضعف إيه، القيام عند قد مخرج عن البيهقي، وفي إسناده الحجاج بن أرطأة مضعف؛ لأنه قد يطرأ للإمام ما يطرأ له، ثم يستمر المأموم قائماً؛ فيشق عليه، والنبي عليه الصلاة والسلام دخل مرة إلى المسجد فأقام بلال، فذكر النبي عليه الصلاة والسلام أن عليه غسلاً، وذهب ليغتسل، ثم رجع وهم قيام، فقال عليه الصلاة والسلام:((إذا أقيمت الصلاة؛ فلا تقوموا حتى تروني))؛ لئلا يشق على أمته عليه الصلاة والسلام فيطول بهم القيام، يعرض لأحد حاجة بالإمام، فيكلمه، ويحتاج إلى أن ينتظره الناس؛ فمثل هذا ينبغي للإمام أن لا يشق على المأمومين، أن لا يشق على المأمومين:
حدثه في مجلس البناني
…
حجاج أعني ابن أبي عثمان
"فظنه" أي الحديث "عن ثابت" البناني "جرير" جرير بن حازم أبو النظر، فرواه عن ثابت عن أنس، فرواه عن ثابت عن أنس "بينه حماد الضرير":
فظنه عن ثابت جرير
…
بينه حماد الضرير
فظنه أي ظن الحديث جرير بن حازم، فظنه عن ثابت حينما حدث به في مجلسه، فظنه عنه كما بين ذلك حماد بن زيد الضرير، حماد بن زيد الضرير، وقال: وهم أبو النظر جرير بن حازم فيما قاله، وهم في ذلك.
هذا بالنسبة لمقلوب السند، أما مقلوب المتن فله أمثلة، له أمثلة منها: حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفيهم ((ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه))، وهذه هي الجادة، وهذا هو الصواب، وهو المتفق عليه، وجاء في رواية في الصحيح:((حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله))، ومعلوم أن الإنفاق، والأخذ، والإعطاء إنما يكون باليمين، والرواية في مسلم:((حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله))، والحفاظ حكموا على هذه الرواية بأنها مقلوبة، وعندي أنه يمكن توجيهها على وجه تسلم به من الحكم بالقلب، ويصان الصحيح من الحكم على هذه الرواية بالضعف؛ لأن المقلوب من قسم الضعيف، ويصان الرواة الثقات من الوهم في هذا الحديث، فيقال: إن الإنسان الأصل فيه أن ينفق بيمينه، وعلى هذا جاءت رواية الأكثر، وقد يحتاج في بعض المواطن أن ينفق بشماله لا سيما، والمقام مقام إخفاء، المقام مقام إخفاء، فقد يحتاج إلى الإنفاق بشماله، في الحديث الصحيح في البخاري، وغيره:((ما يسرني أن يكون لي مثل أحد ذهباً؛ تأتي علي ثالثة، وعندي منه دينار إلا ديناراً أرصده لدين، حتى أقول به هكذا، وهكذا، وهكذا؛ عن يمينه، وعن شماله، ومن أمامه، ومن خلفه)) فإذا كان الشخص مكثراً من النفقة؛ قد يعطي أكثر من واحد في آن واحد، قد يعطي أكثر من واحد في آن واحد، فيحتاج إلى أن ينفق بالشمال إضافة إلى اليمين، وقد يضطر لإخفاء الصدقة أن تكون بالشمال لا باليمين؛ كأن يكون عن يمينه أناس وعن يساره سائل، فإذا أخرج الصدقة بيمينه، ثم سلمها للسائل اطلع من عن يمينه، لكنه إن أخرجها بشماله، وأعطاه إياها بشماله؛ لم يطلع عليها من بيمينه لا سيما والمقام مدح إخفاء الصدقة، وبهذا نصون الصحيح، بمثل هذا الكلام نصون الرواة الثقات من الوهم، فالمنفق يحتاج –أحياناً- إلى أن ينفق بشماله، وفي سورة المائدة:{وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [(55) سورة المائدة]، وهم راكعون؛ قالوا: إن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب؛ إذ جاء سائل وهو راكع، وفي أصبعه خاتم، فمد يده إلى السائل، وهو راكع، ليأخذ الخاتم، وهذا من وضع الشيعة، ولا يثبت، وليس له إسناد يثبت به،
وهذا من وضعهم، وليس المراد بقوله: وهم راكعون الحالية، أنهم ينفقون:{وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [(55) سورة المائدة]، حال كونهم راكعين؛ أبداً، بل في هذه الآية مدح لمن يتصف بالإنفاق، ويؤدي الزكاة، ويتصدق على الناس، وأيضاً يحافظ على الصلوات.
من الأحاديث التي يمثل لها بالقلب في المتن: ((إن بلالاً يؤذن بليل؛ فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)) حتى يؤذن ابن أم مكتوم، جاء في بعض الروايات العكس:((إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل؛ فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال))، ومنهم من يحاول أن يجمع بين هاتين الروايتين فيقول: أن الأذان نوب؛ مرة يؤذن بلال قبل، ومرة يؤذن ابن أم مكتوم قبل؛ لكن الحفاظ حكموا على الرواية الثانية بالوهم، والقلب، ومن أهل العلم يقول: إن الإجابة على مثل هذه الروايات التي حكم الحفاظ عليها بالقلب يقضي على كثير من علل الحديث التي أبداها الأئمة، من علل الحديث التي أبداها الأئمة، الأئمة إنما حكموا على هذه الأحاديث التي رأوا أنها مقلوبة؛ لماذا؟ لأنها عارضت ما هو أقوى منها، فحكموا عليها بالقلب، لكن إذا أمكن الجمع بين هذه الروايات، وحمل كل منها على وجه يصح؛ فلا داعي للقول بالقلب، لا سيما وأن القلب ضعف في الخبر، فالجمع إذا أمكن أولى من الترجيح.
مما قيل بأنه مقلوب حديث البروك، حديث البروك:((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) قال ابن القيم: إنه مقلوب، وأجلب على ذلك بجميع ما أوتي من قوة بيان، رحمه الله، وأطال في تقرير ذلك، وقلده علماء كبار، ولا شك أنه أهل لأن يقلد، وإمام من أئمة المسلمين، وفهمه للنصوص يكاد أن يبلغ الكمال، لكن الكمال لله، والعصمة لرسله، ابن القيم قرر أنه مقلوب، مع أنه مصحح من قبل جمع من الحفاظ المتقدمين من الأئمة الكبار، ومرجح على حديث وائل بن حجر الذي قال فيه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، القلب الذي ادعاه ابن القيم حقيقةً من صححه من الأئمة يرد القلب، ومن رجحه على حديث وائل ينفي القلب؛ لأنه لو كان مقلوباً لاتفقوا على ضعفه، ولا ما رجح على ما جاء ماثلاً على الجادة، فمقتضى قول من صححه إنه لا قلب فيه، إذ لو كان مقلوباً لاقتضى ذلك أن يكون ضعيفاً، ولاقتضى أن يكون مرجوحاً.
طيب كيف يكون هذا الخبر غير مقلوب، والبعير يقدم يديه قبل ركبتيه؟ أشرنا إلى نفي هذا القلب في مناسبات كثيرة، ولا مانع من أن نشير إشارة سريعة؛ لأننا بسطناها في مواضع، وملها كثير من الإخوان.
أنا أقول: لا قلب في هذا الحديث؛ بل آخره يشهد لأوله: ((إذا سجد أحدكم؛ فلا يبرك كما يبرك البعير)) يعني فلا يرمي بنفسه على الأرض بقوة، كما يفعل البعير بحيث يثير الغبار، ويفرق الحصى، بل يضع يديه مجرد وضع على الأرض، فإذا وضع يديه مجرد وضع على الأرض، فإنه حينئذٍ لا يقال له أنه برك، وإذا وضع يديه على الأرض بقوة يقال برك، وإذا وضع ركبتيه على الأرض بقوة يقال برك، وفي الصحيح في صحيح البخاري:"فبرك عمر رضي الله عنه على ركبتيه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم" يعني أنه نزل على الأرض بقوة، من هول الموقف فبرك على ركبتيه، الصورة في تقديم اليدين على الركبتين لا يمكن أن تشابه، لأن البعير من الأصل يديه على الأرض ما كانت يداه مرفوعتان ثم يهوي بهما إلى الأرض فلا مطابقة بين من قدم يديه على ركبتيه، وبين بروك البعير، المشابهة إنما تكون إذا هوى على الأرض بقوة فإنه حينئذٍٍ يشبه بروك البعير؛ لأن البعير إذا برك أثار الغبار، وفرق الحصى، فإذا أثار الغبار، وفرق الحصى؛ قلنا: برك كما يبرك البعير، ولو قدم ركبتيه على يديه بقوة، وسمع لركبتيه صوت، وبعض الناس يخلخل البلاط إذا نزل على الأرض بقوة، نقول: هذا برك مثل ما يبرك الحمار؛ لأنه يقدم ركبتيه على يديه.
ليس وجه الشبه في تقديم اليدين على الركبتين، ولا داعي أن نقول إن ركبتي البعير في يديه، أو في غير ذلك، إنما نقول: المنهي عنه أن نشابه البعير في نزولنا على الأرض بقوة، أما إذا نزلنا على الأرض برفق، وهون فلا مشابهة؛ لأن اليدين مرفوعتان فوق قبل ذلك، ويدي البعير على الأرض من الأصل، فلا مشابهة بوجه من الوجوه اللهم إلا إذا نزلنا بقوة، نكون حينئذٍ أشبهنا البعير، يقال: برك البعير، وحصحص البعير إذا أثار الغبار وفرق الحصى.