الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى كل حال من تورع وتبرع وعلم الناس مجاناً، كما عُلم مجاناً فأجره موفورٌ عند الله سبحانه وتعالى، لكن المنع من ذلك يحتاج إلى دليل، بل الدليل على خلافه، نعم من كان همه وقصده الدنيا بحيث لا يفعل أو لا يعمل عملاً شرعياً إلا بأجرة هذا لا شك أنه عنده خلل، أما العلم غير العلم الشرعي من علوم الدنيا فلا بأس بأخذ الأجرة عليه قولاً واحداً، كالطب والهندسة وغيرها؛ لأنها كغيرها من المهن والحرف، كما يشتغل المزارع بأجرة يعلم الزراعة بأجرة، كما يشتغل المهندس بأجرة يعلم الناس الهندسة بأجرة لا بأس.
الوسائل إلى العلوم الشرعية من أهل العلم من يلحقها بالمقاصد، فتعليم اللغة ينبغي أن يكون مجاناً، وإن كان تعليمها أخف، وأخذ الأجرة عليها أخف من العلوم الشرعية المحضة عند من يمنع ذلك، ومن أهل الحديث من يفرض في تعليم العربية لكل بيتٍ من أبيات الألفية أجر معين، كل بيت بدرهم، ولا إشكال في ذلك -إن شاء الله تعالى-، لكن ينبغي أن يكون هذا العلم الذي يبتغى به وجه الله سبحانه وتعالى مما يبذل مجاناً؛ ليكون الأجر موفوراً يوم القيامة.
أما من يعلم الناس وقصده الدنيا من غير نظرٍ ولا التفات إلى الآخرة فهذا على خطرٍ عظيم {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [(15) سورة هود] إلى آخره، لكن الشأن فيمن يعلم الناس يبتغي بذلك وجه الله، ويؤخذ أجرةً يستعين بها على أمور دنياه هذا الذي أجازه جمهور العلماء، لا سيما إذا عاقه تعليم الناس عن التكسب لعياله، فأخذ الأجرة خيرٌ من أخذ الزكاة، وتكفف الناس، والحاجة إليهم، نعم.
أعلى العبارات في التعديل والتجريح:
مسألة: قال الخطيب البغدادي: أعلى العبارات في التعديل والتجريح أن يقال: حجة أو ثقة، وأدناها أن يقال كذاب، قلتُ: وبين ذلك أمورٌ كثيرة يعسر ضبطها، وقد تكلم الشيخ أبو عمروٍ على مراتب منها، وثم اصطلاحات لأشخاص ينبغي التوقيف عليها.
يكفي، مراتب وألفاظ الجرح والتعديل نوعٌ مهم من أنواع علوم الحديث، كان ينبغي على الحافظ رحمه الله ابن كثير أن يبسط القول فيها؛ لأنها من أهم المهمات لمن يدرس الأسانيد، ولا يكتفي بأعلى المراتب وأدنى المراتب، ألفاظ الجرح والتعديل هي ألفاظ وجمل يستعملها أهل العلم يعبرون بها عما يستحقه الراوي من منزلة جرحاً وتعديلاً، والمراتب هي ترتيب لتلك الألفاظ من حيث القوة والضعف، وجمع جميع الألفاظ التي نطق بها أهل العلم في بيان ما يستحقه الرواة لا شك أنه أمرٌ في غاية الأهمية، وتمناه الحافظ ابن حجر رحمه الله، ومن بعده السخاوي، تمنى كل منهما لو اعتنى بارعٌ بتتبعها من كتب الرجال والتواريخ وغيرها، اعتنى بارع، ما يكفى أدنى واحد، فيتتبعها ويجمعها ويصنفها، يجعل ما يتعلق بالتعديل على حدة، وما يتعلق بالجرح على حدة، ولا شك أنه سوف يواجه ألفاظ قد يصعب عليه تصنيفها، ثم بعد ذلكم يتكلم على هذه الألفاظ في اللغة وفي الاصطلاح، ثم يرتبها حسب القوة والضعف، هناك ألفاظ قد يصعب مراد المتكلمِ بها، يصعب فهم مراده، لكن مع المران ومع إدامة النظر وبمقارنة قوله مع أقوال أهل العلم في الراوي يتبين المراد.
الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- يظن أن قول أبي حاتم في جبارة بن مغلس: "بين يدي عدل" يظنها تعديل، ومضى الحافظ ابن حجر على ذلك مدة إلى أن قارن بين أقوال العلماء مع قول أبي حاتم فوجد أنهم مطبقون على تضعيفه، فكيف يعدله أبو حاتم وقد عرف بالتشدد؟! هذا أوجد عنده وقفة، ثم وقف على قصص من كتب الأدب تدل على أن هذه الجملة من أسوأ ألفاظ الجرح، فوقف على قصة في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني لأبي عيسى بن هارون الرشيد مع طاهر القائد كانوا على مائدة يأكلون، فجاء أبو عيسى فأخذ هندبات إما كوسا وإلا قرعة وإلا .. ، فرمى بها عين طاهر وهو أعور، رمى بها العين السليمة، فشكاه على أبيه فقال: انظر ماذا صنع بي؟ ضرب عينه السليمة، والأخرى بين يدي عدل، وهو أعور، والأخرى تالفة، يقول: فهمت أن المراد أنها تجريح وليست تعديل، ثم وقف على كلامٍ لابن قتيبة في أدب الكاتب، وهو أن العدل الذي يشار إليه في مثل هذا الكلام العدل بن جزم بن سعد العشيرة، كان على شرطة تبع، وكان موكولاً إليه القتل، فإذا أمر تبع بشخص أن يستلمه العدل هذا ليقتله قال الناس: هذا بين يدي عدل، ومرادهم بذلك أنه مآله إلى الهلاك، فهو تالفٌ حكماً، لهذا لا نستهين من الاستفادة من أي كتاب يمكن أن يستفاد منه، نعم كتب الأدب فيها من الفضول الشيء الكثير، لكن ما المانع أن يطلع عليها بقدرٍ تستجم به النفس، ويفتح به بعض المغاليق من مثل هذه الأشياء؟ على أن لا يسترسل في ذلك؛ لأن الغاية الكتاب والسنة.
المقصود أن هناك من الألفاظ النادرة التي لا يستطيع الطالب المبتدئ أو المتوسط فهم مراد قائلها منها، لكن مع إدامة النظر، ومع المقارنة بين أقوال أهل العلم يتبين له المراد، وبقرائن ترشد إلى ذلك، فما على طالب العلم إلا أن يجمع كتب الرجال، ويجرد هذه الكتب، ويجمع هذه الألفاظ وهذه الجمل ويصنفها، ثم تقسيمها وترتيبها إلى مراتب هذه مرحلة ثانية، تحتاج إلى جهد وإلى عناء.
أول من هذب مراتب الجرح والتعديل وصنفها ورتبها ابن أبي حاتم في تقدمة كتابه العظيم (الجرح والتعديل) وجعلها أربع مراتب للتعديل وأربع للجرح، تبعه على ذلك ابن الصلاح ومن دار في فلكه، ثم جاء الحافظ العراقي والذهبي فجعلاها خمس مراتب في القسمين، ثم جاء الحافظ ابن حجر والسخاوي والسيوطي فجعلوها ستاً ستاً، فأعلى هذه المراتب في التعديل .. ، ابن حجر يجعل أعلى مراتب التعديل الصحبة، فجعل الصحابة في المرتبة الأولى، وغيره أخرج الصحابة، من باب أنه ينبغي ألا يضم الصحابة إلى غيرهم من الرواة فشأنهم آخر، فجعلوا أعلى المراتب ما جاء بأفعل التفضيل كأوثق الناس، أو فلان لا يسأل عنه، أو إليه المنتهى بالتثبت، وهذه جعلها الحافظ في المرتبة الثانية في التقريب، وإن جعلها في المرتبة الأولى في النخبة، من المراتب العليا في التعديل تكرار لفظ التعديل، إما بلفظه أو بمرادفه، ثقة ثقة، ثقةٌ ثبت، وإذا كرر أكثر من ذلك فقيل: ثقة ثقة ثقة ثلاث، أربع، خمس، وأكثر ما وجد من ذلك تسع مرات في كتب الجرح والتعديل، وكأنهم بعد يرون أنه انقطع نفسه وإلا ما كان يريد أن يقف على هذا الحد، المقصود أن الرواة متفاوتون في منازلهم.
وهذه المراتب وهذه الألفاظ تقريبية في وصف أحوال الرواة، وإلا ليس معنى أن من وصف باللفظ (ثقة) لو وقفنا على كتاب التقريب وجردنا من قال فيه الحافظ: ثقة فوجدناهم ألف مثلاً، وجدنا أن هؤلاء الألف في مرتبة واحدة كلهم ثقات، لا، هؤلاء الثقات متفاوتون.
يلي ذلك ما قيل فيه: ثقةٌ فقط، لكن لو قال -وهذا موجود في كتب الإتباع وهي من كتب اللغة ولم أقف عليه في كلام أهل العلم في الجرح والتعديل- لو قال: ثقةٌ ثقة بالتاء، أو ثقةٌ نقة بالنون هذا من باب الإتباع، ويلحق بتكرار الثقة، ومثله ضعيفٌ نعيف، على ما سيأتي.
إفراد الثقة مرتبةٌ رابعة، الخامسة: من وصف بصدوق، والسادسة: من أضيف إلى لفظ الصدوق فقيل: صدوقٌ يهم، أو وصف بوصفٍ آخر مع صدوق.
طالب:. . . . . . . . .
ابن حجر جعلها الصحابة، هنا جعل المرتبة الأولى الصحابة، هذا في التقريب، وله رأيٌ آخر في النخبة وشرحها.
"أولها: الصحابة فأصرح بذلك لشرفهم، الثانية: من أؤكد مدحه إما بأفعل كـ (أوثق الناس) أو بتكرير الصفة لفظاً كـ (ثقة ثقة) أو معنىً كـ (ثقة حافظ) المقصود أن مثل هذه الأشياء يعني لا شك أنها تعطي قوة للراوي، لكن ليس معنى هذا أن هذا أمرٌ متفق عليه بين أهل العلم، بدليل أن من يجعل الصحابة في المرتبة الأولى وأخرجهم عن هذه المراتب جعل الثانية عند ابن حجر أولى، وأضاف إليها "إليه المنتهى في التثبت" وفصل ما فيه تكرار عن ما جاء بأفعل التفضيل، الحافظ ابن حجر جعل التكرار في الثانية مع ما جاء بأفعل التفضيل؛ لأنه جعل الأولى للصحابة، لكن لو أخرج الصحابة كغيرها فجاء بأفعل التفضيل، أو فلان لا يسأل عن مثله أو إليه المنتهى في التثبت في الأولى، وجعل التكرار في الثانية، وجعل إفراد الثقة في المرتبة الثالثة، والرابع من قصر عن درجة الثالثة قليلاً، وإليه الإشارة بصدوق، أو لا بأس به، أو ليس به بأس، والخامسة: من قصر عن درجة الرابعة قليلاً وإليه الإشارة بالصدوق سيء الحفظ، أو صدوق يهم، أو له أوهام، أو يخطئ، أو تغير بأخرةٍ، ويلتحق بذلك من رمي بنوعٍ من البدعة كالتشيع والقدر والنصب والإرجاء والتجهم مع بيان الداعية من غيره، السادسة: من ليس له من الحديث إلا القليل، هذه آخر مراتب التعديل، من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ مقبول حيث يتابع وإلا فلين الحديث.
حقيقة العناية بمراتب التعديل عند الحافظ ينبغي أن تفوق غيره، نعم عند السخاوي ألفاظ أكثر من الحافظ وعند السيوطي في التدريب كذلك، وأكثر من جمع من هذه الألفاظ السخاوي في (فتح المغيث) لكن التقريب كتاب عملي بأيدي الناس كلهم، ولا يمكن التعامل مع محتوى الكتاب إلا بالرجوع إلى مقدمته، والكتاب كتابٌ محرر ومتقن ومضبوط، والحافظ حافظ، وليس بالمعصوم، ولنا عليه استدراكات وملاحظات، فمن ذلكم ما قاله في السادسة، انتبهوا يا الإخوان، السادسة:"من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ (مقبول) حيث يتابع، وإلا فلين الحديث" الآن الكتاب الذي هو التقريب للرواة أو للمرويات؟ وصف للرواة أو للمرويات؟ إيش معنى قوله: "حيث يتابع مقبول وإلا فلين"؟ وصف لروايته، وليست وصفاً للراوي، معنى هذا أنه لو وصف زيد من الناس بلفظ (مقبول)، وورد ذكره في حديثٍ، ورد في سند حديث لم يتابع عليه يستحق مقبول وإلا يرجع للين؟ يرجع للين، فيحتاج إلى متابع ليكون مقبولاً، شخص آخر ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، لكنه ما توبع ويش يستحق؟ يصفه ابن حجر بإيش؟ بلين؛ لأنه ما توبع، لكن لو توبع هذا صار مقبولاً، إذاً هذه الأوصاف للروايات وليست للرواة.
وعلى سبيل المثال الضحاك هنا ثلاثة: الضحاك بن حمرة، والضحاك المعافري، نعم ما أراد الله أن ننبه تحضرون الكتاب، لكن عاد
…
، الضحاك هاه؟ الضحاك بن حمرة هنا إيش؟ بضم المهملة وبالراء، يقول:"ضعيفٌ من السادسة" ضعيف، هذا الضعيف إذا توبع ويش يصير؟ يصير حديثه حسن، مقبول، الضحاك المعافري هنا
…
، الضحاك بن فيروز الديلمي الفلسطيني مقبول، هذا إن توبع صار مقبول، إذا لم يتابع صار لين، وهذا الضحاك بن المنذر مقبول أيضاً، الضحاك بن نبراس الأسدي لين الحديث من السابعة، هذا لو توبع صار مقبول، والآن الذين يتعاملون مع التقريب ما ينظرون إلى مثل هذه القواعد، مجرد ما يرد الضحاك الذي وصف بأنه مقبول يحكم على الحديث بأنه مقبول، ومجرد ما يرد هذا الضحاك بن نبراس الذي وصف بأنه لين يحكمون على الحديث بأنه ضعيف يحتاج إلى متابع، أنا أقول: ما الفرق بين الضحاك بن حمرة الضعيف هذا والضحاك بن نبراس اللين والضحاك بن قيس المقبول؟ أو الضحاك بن فيروز المقبول؟ إيش الفرق في الحقيقة؟ في فرق وإلا ما في فرق؟ هذا واحد في مراتب التعديل، وواحد في مراتب التضعيف اتفاقاً ضعيف هذا، وواحد في المراتب التي يحتمل إذا توبع؛ لأن الحافظ جعله في مرتبة التعديل إذا توبع، الضحاك بن حمرة إذا توبع خلاص صار مثل ذاك، إذاً لا فرق، وهذا لا شك أنه ينبغي أن يلاحظ، فلا تؤخذ هذه القاعدة مسلمة، قد يقول قائل: الحافظ ما حكم على شخصٍ بأنه مقبول إلا وقد توبع في جميع مروياته، وما حكم على الآخر بأنه لين إلا وقد سبر جميع مروياته وأنه لم يتابع عليها، هذا الكلام صحيح؟ الإحاطة ما يمكن، ما تمكن الإحاطة، الإحاطة بجميع مرويات الرواة وإن كانوا مقلين مثل هؤلاء لا يمكن، لا ندعي أن الحافظ اطلع على جميع طرق الأحاديث؛ ليحكم على راوٍ بأنه لين لأنه لم يتابع مطلقاً، وقاعدته تومئ إلى ذلك، يقول:"مقبول حيث يتابع وإلا فلين" إذاً هذا حكم على المرويات وليس حكماً على الرواة، فينبغي أن يلاحظ، هذه مراتب التعديل عنده، ثم أتبعها بمراتب الجرح على سبيل التدلي.
السابعة التي هي الأولى من مراتب الجرح: من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق، وإليه الإشارة بلفظ (مستور أو مجهول الحال)، السابع: من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق، وإليه الإشارة بلفظ (مستور أو مجهول الحال) بحثنا أمس المجهول، وأوردنا سؤال وهو: هل الجهالة عدم علم بحال الراوي أو جرح يضعف به الحديث؟ وذكرنا من قال بهذا وذاك، وصنيع الحافظ هنا يدل على أنه جرح، وصنيع غيره أيضاً في جعلهم المجهول من ألفاظ التجريح، لكن قول أبي حاتم مجهول أي لا أعرفه يدل على أنه عدم علم بحال الراوي، وكذلك قول الحافظ بالنخبة مما أشرنا إليه سابقاً:"ومن المهم معرفة أحوال الرواة تعديلاً أو تجريحاً أو جهالة" فجعل الجهالة قسيم للتجريح والتعديل وليست قسم.
الثامنة: من لم يوجد فيه توثيق لمعتبر، ووجد فيه إطلاق الضعف ولو لم يفسر، وإليه الإشارة بلفظ (ضعيف)،
التاسعة: من لم يروِ عنه غير واحد ولم يوثق وإليه الإشارة بلفظ (مجهول) هذا مجهول العين على ما تقدم بالأمس مجهول العين، والأول مجهول الحال، اللي هو في السابعة، وجعل بين مجهول العين ومجهول الحال مرتبة وهي من وصف بلفظ ضعيف، وعلى كل حال مجهول الحال الذي هو المستور والضعيف غير شديد الضعف من المتربة الثامنة والتاسعة مجهول العين كلهم ضعفهم غير شديد، بمعنى أنه ينجبر.
العاشرة: من لم يوثق البتة، وضعف مع ذلك بقادح، وإليه الإشارة بـ (متروك، أو متروك الحديث، أو واهي الحديث، أو ساقط) ضعف بقادح، الآن من قيل فيه: ضعيف هل ضعف بقادح أو بغير قادح؟ نعم؟ بقادح، إذاً ما الفرق بين الثامنة والعاشرة؟ نعم إن كان المراد بالقادح القدح الشديد لا بأس؛ لأنه يستحق الوصف بمتروك، متروك الحديث، واهي الحديث، ساقط، ضعفه شديد مثل هذا لا ينجبر خبره ولا يرتقي.
الحادية عشرة: من اتهم بالكذب، والاتهام بالكذب يوصف به من يُعرف بالكذب في حديثه العادي، ولو لم يكذب على النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه لو كذب على النبي عليه الصلاة والسلام لصار من الثانية عشرة: من أطلق عليه الكذب والوضع.
وعلى كل حال الحافظ رحمه الله غالب أحكامه دقيقة، وليس هو بمعصوم، وهو إمام من أئمة هذا الشأن ينبغي أن يعتنى بأقواله، لكن عليه ما عليه من الملاحظات، وهي يسيرة بالنسبة إلى حجم الرواة الذين تكلم فيهم.
أيضاً ينبغي أن نعرف أن الحافظ حكم على رواة في التقريب بأحكام، وحكم عليهم في غيره من كتبه بأحكام أخرى كالفتح والتلخيص وغيرهما، وعلى سبيل المثال عبيد الله بن الأخنس، وعندي مجموعة من هؤلاء، وأشرنا به على بعض الأخوة، وسجلوا رسائل في جامعة أم القرى، وانتهى منهم ثلاثة الآن.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟ من اختلف حكم الحافظ عليه، في نسخة من التقريب فيها أشياء كثيرة، لكن عبيد الله بن الأخنس هنا، عبيد الله بن الأخنس، نعم عبيد الله بن الأخنس النخعي أبو مالك الخزاز صدوق، قال ابن حبان: كان يخطئ، صدوق، قال ابن حبان: كان يخطئ.
يقول الحافظ في الفتح في الجزء العاشر صفحة (199): "وثقه الأئمة، وشذ ابن حبان فقال: يخطئ" فرق كبير بين الحكمين، وحينما نورد مثل هذه الأشياء، وهي يسيرة بالنسبة لحجم الكتاب لا يعني هذا أننا نقلل من قيمة الكتاب، أو من شأن الحافظ كلا، أو نتطاول عليه، أو نفتح باب لمن يتطاول عليه، لا، لكن نريد من الإخوة الذي يعتمدونه اعتماداً كلياً، ويصححون ما ضعفه الأئمة، أو يضعفون ما صححه الأئمة اعتماداً على التقريب أن يحتاطوا لهذا الأمر، وأن المسألة تحتاج إلى إعادة نظر، وأنه ليس لكل أحد أن يتصدى لمثل هذه الأمور.
الحكم في أهل هذه المراتب الأولى والثانية والثالثة هاذولاء ما فيهم إشكال، يعني من وثق سواءٌ كرر لفظ التوثيق أو جيء بأفعل التفضيل، أو وصف بأنه ثقة، هؤلاء لا إشكال ولا خلاف في الاحتجاج بهم، لكن الرابعة، "الرابعة من قصر من درجة الثالثة قليلاً، وإليه الإشارة بصدوق"، مثل هذا يحتج به أو لا يحتج به؟ وهي مسألة مهمة، عند ابن أبي حاتم وابن الصلاح أيضاً والسخاوي لا يحتج بهم ابتداءً، الصدوق ما يحتج به ابتداءً، وإنما يكتب حديثه، ويعتبر به، وينظر ويختبر، لماذا؟ لأن لفظ صدوق لا يشعر بشريطة الضبط، نعم هي مبالغة في الصدق، ومن باب التمثيل لو افترضنا أن شخصاً في يوم عيد يكثر الوارد عليه، وعنده ولد، طرق الباب بعد صلاة العيد، افتح يا ولد، فتح، من؟ فلان، وهذا صحيح طابق الواقع، صدق في خبره، طرق ثاني، وثالث، ورابع، وعاشر، ومائة، ومائتين في يوم العيد، ألا يستحق الوصف بصدوق؟ ما خالف الواقع ولا مرة، كلهم يقول: فلان وصحيح كلامه، لكن سأله أبوه من الغد: من جاءنا بالأمس؟ قال: فلان وفلان وفلان ذكر اثنين ثلاثة، ثم عجز أن يستحضر الباقي، ضابط وإلا ما هو بضابط؟ هذا ليس بضابط، يستحق الوصف .. ، وصف المبالغة بصدوق؛ لأنه لزم الصدق، ولا مرة واحدة قال: فلان وهو يكذب، لكن الوصف بصدوق لا يشرع بشريطة الضبط عند هؤلاء، ولذا لا يحتج بالصدوق.
الذين يحتجون بالصدوق وهو الذي جرى عليه عمل المتأخرين يحتجون به، حجتهم .. ، إحنا عرفنا حجة من قال بعدم الاحتجاج به ابتداءً؛ لأن اللفظ لا يشعر بشريطة الضبط، يشعر بملازمة الصدق صحيح، لكن من أين نأتي بالضبط لنحتج بالصدوق؟ قالوا: إن هذا الراوي الذي وصف بصدوق ما استحق المبالغة إلا لملازمته الصدق، ويعني ذلك أنه لا يكذب، والكذب يطلقه أهل العلم بإزاء من يتعمد الكذب والخطأ، ومن يخطئ من غير تعمد؛ لأنه لا واسطة عند أهل السنة بين الصدق والكذب، فالذي لا يخطئ صادق، لكن هل يقال: صادق من يخطئ؟ لا يستحق الوصف بصدوق، فعلى هذا لا يستحق المبالغة إلا إذا كان ملازماً لوصف الصدق، فلا يقع الكذب في خبره لا عمداً ولا خطأ، فما استحق الوصف بصيغة المبالغة إلا أنه ملازم للصدق، وجاء في النصوص إطلاق الكذب على الخطأ، ((صدق الله وكذب بطن أخيك)) المقصود أنهم يطلقونه على الخطأ، وجاء في الصحيح:((كذب نوف)) وكذب فلان، وكذب فلان، وكلها أخطأ، هذه حجة من يرى الاحتجاج بصدوق، وهي حجة لا شك أنها لها حظٌ من النظر، ولذا اعتمد أهل العلم من المتأخرين الاحتجاج بمن وصف بصدوق.
المسألة تحتاج إلى مزيد من البسط والتفصيل، وهذا الموضوع في غاية الأهمية، لكن ما أدري ويش نأخذ؟ ويش نخلي من علوم الحديث بهذه الطريقة؟
طالب: ما الفرق بين صدوق. . . . . . . . .
الصدوق له أوهام، صدوقٌ يهم، وصدوقٌ له أوهام، وصدوقٌ يخطئ، وصدوق دون وصف آخر، لا شك أن مرتبة صدوق دون أي وصف آخر أعلى، أعلى مما لو وصف بوصفٍ مضعِف، لكن قد يقول قائل: لولا وجود هذه الأخطاء ووجود هذه الأوهام لما قيل: صدوق أصلاً، لاستحق الوصف بأنه ثقة، ما الذي أنزله عن مرتبة الثقة إلى صدوق إلا وجود مثل هذه الأخطاء وهذه الأوهام، لكن لنعلم أن هذا اصطلاح، اصطلاح طبقوه على الرواة، وميزوا ووازنوا بينهم، والحافظ رحمه الله حينما يصف بوصفٍ آخر مع الصدوق إنما ينتقيه من قول بعض الأئمة، وكثيراً ما يعتمد في هذا على ابن حبان.
يقول: "وثم اصطلاحات لأشخاص ينبغي التوقيف عليها"
. . . . . . . . . تقرأ يا شيخ، طيب شويه خليه يعدل الشريط. . . . . . . . .
خلاص؟ اقرأ.
قال: "وثم اصطلاحات لأشخاصٍ ينبغي التوقيف عليها، من ذلك أن البخاري إذا قال في الرجل: سكتوا عنه، أو فيه نظر فإنه يكون في أدنى المنازل وأردأها عنده، ولكنه لطيف العبارة في التجريح فليعلم ذلك، وقال ابن معين: إذا قلتُ: ليس به بأس فهو ثقة، قال ابن أبي حاتم: إذا قيل: صدوق، أو محله الصدق، أو لا بأس به فهو ممن يكتب حديثه، وينظر فيه، وروى ابن الصلاح عن أحمد بن صالح المصري أنه قال: لا يُترك الرجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه، وقد بسط ابن الصلاح الكلام على ذلك، والواقف على عبارة القوم يفهم مقاصدهم بما عرف من عباراتهم في غالب الأحوال، وبقرائن ترشد إلى ذلك، والله الموفق.
قال ابن الصلاح: وقد فقدت شروط الأهلية في غالب أهل زماننا، ولم يبقَ إلا مراعاة اتصال السلسلة في الإسناد، فينبغي أن لا يكون الشيخ مشهوراً بفسقٍ ونحوه، وأن يكون ذلك مأخوذاً عن ضبط سماعه من مشايخه من أهل الخبرة بهذا الشأن، والله أعلم.
يقول رحمه الله: "وثمَ اصطلاحات" هناك اصطلاحات لأشخاص ينبغي التوقيف عليها، إيش الفرق بين ثمَ وثمة؟ ثَمَ وثمةَ في فرق؟ لو قال: ثمةَ اصطلاحات؟
طالب:. . . . . . . . .
هي بمنزلة هنا وهناك، نعم، هناك اصطلاحات أو هنا اصطلاحات، فكأنهم يريدون أن ثمةَ للقريب، وثَم للبعيد، "ينبغي التوقيف عليها من ذلك أن البخاري إذا قال في الرجل: سكتوا عنه، أو فيه نظر فإنه يكون في أدنى المنازل وأردأها" الإمام -رحمه الله تعالى- عنده من الورع، وعفة اللسان، ما يحمله على مثل هذا، فقد يكون الراوي عنده شديد الضعيف لا يقبل حديثه الانجبار، ويقول: سكتوا عنه، هو من أهل التحري يحتاط لنفسه، أو يقول: فيه نظر، وهو شديد الضعف، قال: فإنه يكون في أدنى المنازل وأردأها عنده، ولكنه لطيف العبارة في التجريح فليعلم ذلك، لا شك أن العقول تتفاوت، والناس يتفاوتون تفاوتاً كبيراً في التحري والتثبت والاحتياط للنفس، فأين من يقول: فيه نظر؟ أو سكتوا عنه مع من يقول: فلان لا يساوي رجيع الكلب؟ نعم، أين هذا من ذاك؟ أين الثرى من الثريا؟ أو قال: فلان بكذا وهو قول من لا يؤمن بيوم الحساب، يصف بذلك كبار الأئمة مالك وأبا حنيفة وغيرهم، على كل حال هذه تنبئ عن عقليات؛ لأن الإنسان أهم ما عليه نفسه، فينبغي أن يحتاط لنفسه، وتجد من آحاد الطلبة وصغارهم يسأل عن فلان وعلان يخطئ، أما مسألة أخطأ فلان، وضل فلان من أسهل ما يقول، وهم شباب نصبوا أنفسهم حكام بين العباد، فعلينا أن يكون اللسان عفيفاً، والذمة بريئة من تعلق المخلوقين بها، وأعراض المسلمين حفرةٌ من حفر النار، كما يقول ابن دقيق العيد رحمه الله، يقول: "وقف على شفيرها العلماء والحكام".
على كل حال هذا الباب يحتاج إلى شيءٍ من البسط، لكن الوصية الجامعة أن على الإنسان أن يحتاط لنفسه أكثر من غيره، وأن لا يرد يوم القيامة مفلساً يجمع من الأعمال أمثال الجبال ثم يوزعها، كم من شخص حطت رحاله في الجنان والناس يتكلمون في عرضه، وما ذلكم إلا لخيرٍ أراده الله له، والله المستعان.
ابن معين يقول: "إذا قلتُ: ليس به بأس فهو ثقة" ينبغي أن يلاحظ، فلا يجعل قول ابن معين:"ليس به بأس" في المرتبة الرابعة مع "صدوق" مثل "لا بأس به" إنما يجعل مع الثقة، قال ابن أبي حاتم:"إذا قيل: صدوق، أو محله الصدق، أو لا بأس به فهو ممن يكتب حديثه، وينظر فيه"، ابن أبي حاتم ينقل عن أبيه أن الصدوق لا يحتج به، سئل عن فلان فقال: صدوق، أتحتج به؟ قال: لا، وسئل عن شخص فقال: حسن الحديث، أتحتج به؟ قال: لا، ولأبي حاتم من هذا الشيء الكثير، مسألة الاحتجاج عنده يحتاط لها احتياطاً كبيراً، وهو متشدد في هذه الباب بلا شك، لكن هو إمام معتبر، بل جبل، فهو ممن كتب حديثه، وينظر فيه، وعرفنا مسألة الصدوق والاحتجاج به، وعدم الاحتجاج به.
"وروى ابن الصلاح عن أحمد بن صالح المصري أنه قال: "لا يترك الرجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه" لا يترك الرجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه، هذا تساهل وسعة في الخطو، لا يلزم أن يجمع الجميع على تركه، نعم إن كان لا يستحق الوصف بمتروك حتى يجتمع الجميع على تركه، فله وجه، لكن نعلم أن متروك، أو متروك الحديث جرحٌ شديد، فإذا اجتمعوا على ترك راوي فهو متروك بلا شك، لكن قد لا يحتج بحديثه، يترك حديثه، معناه أنه لا يحتج به لكلامِ واحد من أئمة الحديث معتبر، ولو لم يجمعوا على تركه، أو وثقه بعضهم، وضعفه آخرون، والتضعيف في حقه أرجح.
يقول: "وقد بسط ابن الصلاح الكلام في ذلك، والواقف على عبارة القوم يفهم مقاصدهم بما عرف من عباراتهم في غالب الأحوال" لا شك أن إدامة النظر في كتب الجرح والتعديل كتواريخ البخاري، وسؤالات الإمام أحمد، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم، والثقات والمجروحين، وتهذيب الكمال وفروعه وغيرها من كتب الرجال تجعل عند الطالب ملكة يميز بها بين الأقوال التي يظن أنها متماثلة، ويفهم بها، أو بواسطة هذه الملكة ما استغلق على غيره، وهناك قرائن ترشد إلى المطلوب.
"قال ابن الصلاح: "وقد فقدت شروط الأهلية في غالب أهل زماننا" يعني من الرواة، فقدت شروط الأهلية والناس في سفال، إذا كانت الأهلية قد فقدت في المائة السادسة والسابعة فكيف بزماننا وما تقدمه من الأزمان مع وجود الشواغل والصوارف؟ لا شك أن الأهلية لا سيما ما يتعلق بالضبط ضعفت كثيراً، اعتماداً من الناس على كتبهم، وعدم تعاهدهم إياها، وتساهلهم في حفظها وصيانتها، ثم بعد ذلكم جاءت المطابع فبعد الناس بعداً شديداً عن مزاولة العلم، يكتفي طالب العلم أن يجمع الكتب، ويسمي نفسه طالب علم، والطباعة مع أنها نعمة من نعم الله إلا أنها صدت كثيراً من المتعلمين، والكلام في هذا له مجالٌ آخر.