الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الإجَارَةِ
ــ
بابُ الإِجارَةِ
فائدتان؛ إحْداهما، في حدِّها. قال في «الرعايَةِ»: قلتُ: وتَحْرِيرُه بذْلُ عِوَضٍ مَعْلومٍ في مَنْفَعَةٍ مَعْلومَةٍ مِن عَينٍ مُعَيَّنةٍ، أو مَوْصُوفَةٍ في الذِّمَّةِ، أو في عَمَلٍ مَعْلومٍ. وتَبِعه في «الوَجيزِ». قال الزرْكَشِيُّ: وليس بمانِعٍ؛ لدُخولِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المَمَرِّ، وعُلْوِ بَيتٍ، والمَنافِعِ المُحَرَّمَةِ. انتهى. قلتُ: لو زِيدَ فيه: مُباحَةٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً. لسَلِمَ. الثَّانيةُ، قيل: الإجارَةُ [وارِدةٌ على](1) خِلافِ القِياسِ. قال في «الفُروعِ» : والأصحُّ، لا؛ لأنَّ مَن لم يُخَصِّصِ العِلَّةَ، لا يُتَصَوَّرُ عندَه مُخالفَةُ
(1) زيادة من: ا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قِياسٍ صحيحٍ، ومَن خصَّصَها؛ فإنما يكونُ الشيءُ خِلافَ القِياسِ عندَه (1)، إذا كان المَعْنَى المُقْتَضِي للحُكْمِ مَوْجودًا فيه، وتَخَلَّف الحُكْمُ عنه. انتهى. قال في «القواعِدِ الأُصُولِيَّةِ» ، في آخِرِ «القاعِدَةِ الثانِيَةِ والعِشْرِين»: مِنَ الرُّخَصِ ما هو مُباحٌ كالعَرايا، والمُساقاةِ، والمُزارَعَةِ، والإجارَةِ، والكِتابَةِ، والشُّفْعَةِ، وغيرِ ذلك مِنَ العُقودِ الثابِتَةِ المُسْتَقِرِّ حُكْمُها على خِلافِ القِياسِ، هكذا يذْكُرُ أصحابُنا وغيرُهم. وقال الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: ليس شيءٌ مِنَ العُقودِ وغيرِها الثابِتَةِ المُسْتَقِرِّ حُكْمُها على خِلافِ القِياسِ. وقرَّرَ ذلك بأحْسَنِ تَقْريرٍ، وبَيَّنه بأحسَنِ بَيانٍ.
(1) زيادة من: ا.
وَهِيَ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ، تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الإجارَةِ، وَالْكِرَاءِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا، وَفِي لَفْظِ الْبَيعِ وَجْهَانِ.
ــ
تنبيه: قولُه: تَنْعَقِدُ بلَفْظِ الإجارَةِ والكِراءِ، وما في مَعْناهما. كالتَّمْليكِ ونحوه. يعْنِي بقَوْلِه: وما في مَعْناهما. إذا أضافَه إلى العَينِ. وكذا إذا أضافَه إلى النَّفْعِ، في أصحِّ الوَجْهَين. قاله في «الفُروعِ». قال الزَّرْكَشِيُّ: وتَنْعَقِدُ بلَفْظِ الإجارَةِ، والكِراءِ، وما في مَعْناهما، على الصَّحيحِ. انتهى. وقيلَ: لا تَنْعَقِدُ. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرى» : فإنْ أجَر عَينًا مَرْئِيَّةً أو مَوصُوفَةً [في الذمةِ](1)، قال: أجَرْتُكَها. أو: أكْرَيتُكَها. أو: مَلَّكْتُكَ نَفْعَها سنَةٌ بكذا. وإنْ قال: أجَرْتُكَ.
(1) زيادة من: ا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو: أكْرَيتُك نَفْعَها. فاحْتِمالان. انتهى.
قوله: وفي لَفْظِ البَيعِ وَجْهان. بأنْ يقولَ: بِعْتُك نَفْعَها. وأطْلَقهما في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذهَبِ» ، و «المُسْتَوعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِي» ، و «الهادِي» ، و «المُغْنِي» ، و «المَذْهَبِ
وَلَا تَصِحُّ إلا بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ، أحَدُهَا، مَعْرِفَةُ الْمَنْفَعَةِ، إمَّا بِالْعُرْفِ، كَسُكْنَى الدَّارِ شَهْرًا، وخِدْمَةِ الْعَبْدِ سَنَةً، وَإمَّا
ــ
الأحْمَدِ»، و «التلْخيصِ» ، و «البُلْغةِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابن مُنَجَّى» ، و «الرِّعايَتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائِقِ» ، و «الزرْكَشِيِّ» ، و «القواعِدِ الفِقْهِيِّةِ» ، والطُّوفِيُّ في «شَرْحِ الخِرَقِي» . قال في «التَّلْخيصِ» ، و «الفائقِ»: وأمَّا لَفْظُ البَيعِ، فإنْ أضافَه إلى الدَّارِ، لم يصِحَّ، وإنْ أضافَه إلى المَنْفَعَةِ، فوَجْهان. انْتَهيا. أحدُهما، يصِحُّ. اخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» ، والشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فقال في قاعِدَةٍ له، في تَقْريرِ القِياسِ، بعدَ إطْلاقِ الوَجْهَين: والتحْقيقُ أن المُتعاقِدَين إنْ عرَفا المَقْصُودَ، انْعقَدَتْ بأي لَفْظٍ كان مِنَ الألفاظِ التي عرَف به المُتَعاقِدان مَقْصُودَهما. وهذا عامٌّ في جَميعِ العُقودِ، فإنَّ الشَّارِعَ لم يحِدَّ حدًّا لألفاظِ العُقودِ، بل ذكَرَها مُطْلَقَةً. انتهى. وكذا قال ابنُ القَيِّمِ في «أعْلامِ المُوَقِّعِين». قال في «إدْراكِ الغايةِ»: لا تصِحُّ بلَفْظِ البَيعِ في وَجْهٍ. وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . والوَجْهُ الثاني، لا يصِحُّ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ». قال الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ بعدَ ذِكْرِ الوَجْهَين: بِناءً على أنَّ هذه المُعاوَضَةَ نَوْعٌ مِنَ البَيعِ، أو شَبِيهَةٌ به.
فوائد؛ إحْداها، قولُه: أحَدُها، مَعْرِفَةُ المَنْفَعَةِ؛ إما بالعُرْفِ، كسُكْنَى الدَّارِ شَهْرًا. وهذا بلا نِزاعٍ، لكِنْ لو اسْتَأجَرَها للسُكْنَى، لم يعْمَلْ فيها حِدادَةً، ولا قِصارَةً، ولا يُسْكِنُها دابَّةً. والصحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا يَجْعَلُها مَخْزَنًا للطَّعامِ. قال في «الفُروعِ»: هذا الأشْهَرُ. وقيل: له ذلك. وقيل للإمامِ أحمدَ: يَجِيئُه
بِالْوَصْفِ كَحَمْلِ زُبْرَةِ حَدِيدٍ وَزْنُهَا كَذَا إِلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ، وَبِنَاءِ حَائِطٍ يَذْكُرُ طُولَهُ وَعَرْضَهُ وَسُمْكَهُ وَآلتَهُ،
ــ
زُوَّارٌ، عليه أنْ يُخْبِرَ صاحِبَ البَيتِ؟ قال: رُبَّما كَثُروا، وأرَى أنْ يُخْبِرَه. وقال أيضًا: إذا كان يَجِيئُه الفَرْدُ، ليس عليه أنْ يُخْبِرَه. وقال الأصحابُ: له إسْكانُ ضَيفٍ وزائر. واخْتارَ في «الرِّعايةِ» ، يجِبُ ذِكْرُ السُّكْنَى، وصِفَتِها، وعدَدِ مَن يَسْكُنُها، وصِفَتِهم، إنِ اخْتَلَفَتِ الأجْرَةُ. الثَّانيةُ، قولُه: وخِدْمَةِ العَبْدِ سَنَةً. فتَصِحُّ بلا نِزاعٍ، لكِنْ تكونُ الخِدْمَةُ عُرْفًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وقال في «النوادِرِ» ، و «الرِّعايَةِ»: يَخْدِمُ ليلًا ونَهارًا. انتهيا. وأمَّا إنِ اسْتَأجَرَه للعَمَلِ، فإنه يَسْتَحِقُّه ليلًا. الثَّالثةُ، قولُه: وإمَّا بالوَصْفِ، كحَمْلِ زُبْرَةِ حَدِيدٍ وَزْنُها كذا إلى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ. وهذا بلا نِزاعٍ، لكِنْ لو اسْتَأجَرَه لحَمْلِ كتابٍ، فحمَلَه، فوَجَد المَحْمُولَ إليه غائِبًا، فله الأجْرَةُ لذَهابِه ورَدِّه أيضًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وصحَّحه في «النَّظْمِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفروعِ» وغيرِه. وقال في «الرعايةِ» ، وهو ظاهِرُ «التَّرْغيبِ»: إنْ وجَدَه مَيِّتًا، فله المُسَمَّى فقط، ويَرُدُّه. وقال في «التَّلْخيصِ»: وإنْ وجَدَه مَيِّتًا، اسْتَحَقَّ الأُجْرَةَ، وما يصْنَعُ بالكتابِ؟ قال الشَّيخُ أبو حَكِيمٍ، شَيخُ السَّامَريِّ: الصَّحيحُ، أنَّه يَلْزَمُه (1) رَدُّ الكِتابِ إلى المُسْتَأجِرِ؛ لأنه أمانَة، فوَجَب رَدُّه. انتهى. نقَل حَرْبٌ، إنِ اسْتَأجَرَ دابَّةً، أو
(1) في النسخ: «لا يلزمه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَكِيلًا؛ ليَحْمِلَ له شيئًا مِنَ الكُوفَةِ، فلمَّا وصَلَها، لم يَبْعَثْ وَكِيلَه بما أرادَ، فله الأُجْرَةُ مِن هنا إلى ثَمَّ. قال أبو بَكْرٍ: هذا جَوابٌ على أحَدِ القَوْلَين. والقَوْلُ الآخَرُ، له الأجْرَةُ في ذَهابِه ومَجِيئه، فإنْ جاءَ، والوَقْتُ لم يَبْلُغْه، فالأُجْرَةُ له، ويَسْتَخْدِمُه بَقِيَّةَ المُدَّةِ. الرَّابِعَةُ، قولُه: وبِناء حائطٍ، يَذكُرُ طُولَه، وعَرْضَه، وسُمْكَه، وآلتَه. فيَصِحُّ بلا نِزاع. لكِنْ لو اسْتَأجَرَه لحَفْرِ بِئْرٍ، طُولُه عَشَرَة، وعَرْضُه عَشَرَة، وعُمْقُه عشَرَةٌ، فحفَر طُولَ خَمْسَةٍ، في عَرْضِ خَمْسَةٍ، في عُمْقِ خَمْسَةٍ؛ فاضْرِبْ عَشَرَةً في عَشَرَةٍ، فما بلَغ فاضْرِبْه في عَشَرَةٍ، تَبْلُغُ ألْفًا، واضْرِبْ خَمْسَةً في خَمْسَةٍ، فما بلَغ فاضْرِبْه في خَمْسَةٍ، تَبْلُغُ مِائَةً وخَمْسًا وعِشْرِين ، وذلك ثُمْنُ الألفِ، فله ثُمْنُ الأجْرَةِ، إنْ وجَب له شيءٌ. قاله في «الرعايةِ» . وهو واضِحٌ، وهو مِنَ التمْرِينِ.
وَإجَارَةِ أرْضٍ مُعَينَّةٍ لِزَرْعِ كَذَا، أوْ غَرْسٍ، أوْ بِنَاءٍ مَعْلُومٍ.
ــ
قوله: وإجارَةِ أرْضٍ مُعَينةٍ لزَرْعِ كذا، أو غَرْسٍ، أو بِناءٍ مَعْلُوم. اشترَطَ المُصَنِّفُ هنا لصِحَّةِ إجارَةِ الأرْضِ للزَّرْعِ أو الغرْسِ أو البِناءِ، مَعْرِفَةَ ما يزْرَعُه، أو يَغْرِسُه، أو يبنِيه. وكذا قال في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرِهم. فمَفْهومُ كلامِهم، أنَّه لو اسْتَأجَرَ؛ لزَرْعِ ما شاءَ، أو غَرسِ ما شاءَ، أو لزَرْعِ وغَرْسِ ما شاءَ، أنَّه لا يصِحُّ. وهو أحَدُ الوَجْهَين، وظاهِرُ ما جزَم به
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في «الفائقِ» ، وجزَم به في «الشَّرْحِ» . والوَجْهُ الثاني، يصِحُّ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. وجزَم به في «التلْخيصِ». قال في «الفُروعِ» عن ذلك: صحَّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في الأصَحِّ، كزَرْعِ ما شِئْتَ، أي كقَوْلِه: أجَرْتُك لتَزْرَعَ ما شِئت. بلا نِزاعٍ. ومَفْهومُ كلامِهم أيضًا، أنه لو قال: للزرْعِ أو للغَرْسِ. وسكَت، أنه لا يصِحُّ. وهو أحَدُ الوَجْهَين. والوَجْهُ الآخرُ، يصِحُّ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، ونَصَراه. قال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»: وإنِ اكْترَى لزَرْعٍ، وأطْلَقَ، زرَع ما شاءَ. وجزَم به ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» ، وأطْلَقهما في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الفُروعِ» . ومَفْهومُ كلامِهم، أنَّه لو أجَرَه الأرْضَ، وأطْلَقَ، وهي تصْلُحُ للزرْعِ وغيرِه، أنَّه لا يصِحُّ. وهو أحدُ الوَجْهَين أيضًا. قال في «التَّلْخيصِ»: ولو أجَرَه الأرضَ سَنَةً، ولم يذْكُر المَنْفَعَةَ مِن زَرْعٍ أو غيرِه، مع تَهَيُّئها للجَميع، لم يصِحَّ؛ للجَهالةِ. والوَجْهُ الآخَرُ، يصِحُّ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قال في «الفُروعِ» عن ذلك: صحَّ في الأصحِّ. قال في «الرِّعايةِ» : صحَّ في الأقْيَسِ. وقال الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَعُمُّ إنْ أطْلَقَ، أو إنْ قال: انْتَفِعْ بها بما شِئت. فله زَرْعٌ، وغَرْسٌ، وبِناءٌ. ويأتِي بعضُ ذلك وغيرُه، عندَ قوْلِه: وله أنْ يَسْتَوْفِيَ المَنْفَعَةَ وما دُونَها.
وَإذَا اسْتَأجَرَ لِلرُّكُوبِ، ذَكَرَ الْمَرْكُوبَ، فَرَسًا أوْ بَعِيرًا أوْ نَحْوَه.
ــ
فائدة: قولُه: وإنِ اسْتَأجَرَ للرُّكُوبِ، ذكَر المَرْكُوبَ؛ فَرَسًا، أو بَعِيرًا، أو نحوَه. بلا نِزاعٍ. ويذْكُرُ أيضًا ما يُرْكَبُ به؛ مِن سَرْجٍ وغيرِه. ويَذْكُرُ أيضًا كَيفِيَّةَ سَيرِه؛ مِن هِمْلاجٍ وغيرِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ». قال في «الرِّعايةِ»: ويجِبُ ذِكْرُ سَيرِها في الأصحِّ. وقام في «التَّرْغيبِ» ، أنَّه لا يُشْترَطُ مَعْرِفَةُ كَيفِيَّةِ سَيرِه.
تنبيه: ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه لا يُشْترَطُ ذِكْرُ أُنوثِيَّةِ الدَّابَّةِ، ولا ذُكُورَتها. وهو أحَدُ الوَجْهَين. وهو المذهبُ. قدَّمه في «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «الفائقِ» . والوَجْهُ الثَّاني، يُشْترَطُ. اخْتارَه القاضي في «الخِصالِ» ، وابنُ عَقِيلٍ في «الفُصولِ» ، واقْتَصرَ عليه في «المُسْتَوْعِبِ» . وقدَّمه ابنُ رَزِين في «شَرْحِه» . وأطْلَقهما في «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، و «الفُروعِ» . وظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه لا يُشْترَطُ ذِكْرُ نَوعِه. وهو الصَّحيحُ، قدَّمه في «الفُروعِ» . وفي «المُوجَزِ» ، يُشْترَطُ ذِكْرُ ذلك. وقدَّمه في «المُغْني» ، و «الشَّرْحِ» . وجزَم به ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . قال في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الرِّعايةِ الصُّغْرى» : قلتُ: بل يجِبُ ذِكْرُ جِنْسِه، ونَوْعِه في المَرْكُوبِ، والحَمْلِ. وجزَم به القاضي في «الخِصالِ» ، وتَبِعَه في «المُسْتَوْعِبِ» ، وابنُ عَقِيلٍ في «الفُصولِ». وقال المُصَنِّفُ: متى كانَ الكِراءُ إلى مَكةَ، فالصحيحُ، أنه لا يحْتاجُ إلى ذِكْرِ الجِنْسِ ولا النَّوْعِ؛ لأنَّ العادَةَ أنَّ الذي يُحْمَلُ عليه في طَريقِ مَكَّةَ الجِمالُ العِرابُ دُونَ البَخاتِيِّ.
فائدة: لا بدَّ مِن مَعْرِفَةِ الرَّاكِبِ؛ إمَّا برُؤيَةٍ أو صِفَةٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، كالمَبِيعِ. ذكَرَه الخِرَقِي وغيرُه. وجزَم به في «المُنَوِّرِ» ، و «تَجْريدِ العِنايةِ» . وصحَّحه في «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ» . وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» . وقال الشَّرِيفُ، وأبو الخَطَّابِ: لا يُجْزِيء فيه إلَّا الرؤيَةُ، فلا تَكْفِي الصِّفَةُ مِن غيرِ رُؤيَةٍ. وقدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى» . وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» . وصحَّحه في «النَّظْمِ» . وأطْلَقهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايةِ الصُّغْرى» .
فَإنْ كَانَ لِلْحَمْلِ، لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِهِ.
ــ
ويُشْترَطُ مَعْرِفَةُ تَوابعِ الرَّاكِبِ العُرْفِيَّةِ؛ كالزَّادِ، والأَثاثِ، مِنَ الأغْطَيَةِ، والأوْطِئَةِ؛ إمَّا برُؤيَةٍ، أو صِفَةٍ، أو وَزْنٍ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «تَجْريدِ العِنايةِ» ، و «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايةِ الكُبْرى». وقيل: لا بُدَّ مِنَ الرُّؤيَةِ، فلا تَكْفِي الصفَةُ. وأطْلَقهما في «المُحَرَّرِ». وقيل: لا يُشْترَطُ ذِكْرُ ذلك مُطْلَقًا. ذكَره في «الرِّعايةِ» وغيرِها. وقال القاضي: لا يُشْترَطُ مَعْرِفَةُ غِطاءِ المَحْمِلِ، بل يجوزُ إطْلاقُه؛ لأنَّه لا يخْتَلِفُ اخْتِلافًا كثيرا مُتَبايِنًا. وقال في «الرعايةِ الكُبْرى»: ويُشْترَطُ مَعْرِفَةُ المَحْمِلِ برُؤيَةٍ، أو وَصْفٍ. وقيل: أو بوَزْنِه.
قوله: وإنْ كانَ للحَمْلِ، لم يَحْتَجْ إلى ذِكْرِه. اعلمْ أنَّه إذا اسْتَأجَرَ للحَمْلِ، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ المَحْمولُ تضُرُّه كَثْرَةُ الحرَكَةِ، أوْ لا؛ فإنْ كان لا تضُرُّه كَثْرَةُ الحرَكَةِ، لم يَحْتَجْ إلى ذِكْرِ ما تقدَّم. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «التلْخيصِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: يحْتاجُ إلى ذِكْرِه. وإنْ كان يضُرُّه كَثْرَةُ الحَرَكَةِ؛ كالزُّجاجِ، والخَزَفِ، والتُّفَّاحِ، ونحوه، اشْتُرِطَ مَعْرِفَةُ حامِلِه. على الصَّحيحِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِنَ المذهبِ. قطَع به ابنُ عَقِيلٍ في «التَّذْكِرَةِ» ، والمُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «التلْخيصِ» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرُهم. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: لا يحْتاجُ إلى ذِكْرِه. وهو ظاهرُ كلامِ المُصَنفِ هنا. قال في «الفُروعِ» : ويتَوَجَّهُ مِثْلُه ما يُدِيرُ دُولابًا ورَحًى. واعْتَبرَه في «التَّبصِرَةِ» .
فَصْلٌ: وَالثَّانِي، مَعْرِفَةُ الأجْرَةِ بِمَا تَحْصُلُ بِهِ مَعْرِفَةُ الثَّمَنِ،
ــ
فائدة: يُشْترَطُ مَعْرِفَةُ المَتاعِ المَحْمولِ برُؤيَةٍ أو صِفَةٍ، وذِكْرُ جِنْسِه وقَدْرِه بالكَيلِ، أو بالوَزْنِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» . واكْتَفَى ابنُ عَقِيلٍ، وصاحِبُ «التَّرغيبِ» ، وغيرُهما بذِكْرِ وَزْنِ المَحْمولِ، وإنْ لم يُعْرَفْ عَينُه. وتقدَّم كلامُه في «الرعايةِ» ، في المَحْمِلَ.
فائدة: يُشْترَطُ مَعْرِفَةُ أرْضِ الحَرْثِ. جزَم به في «الفُروعِ» ، وغيرُه مِنَ الأصحابِ.
قوله: الثَّانِي، مَعْرِفَةُ الأجْرَةِ بما تَحْصُلُ به مَعْرِفَةُ الثَّمَنِ. هذا المذهبُ في الجُمْلَةِ، إلَّا ما اسْتَثْنَى مِنَ الأجِيرِ، والظِّئْرِ، ونحوهما، وعليه الأصحابُ، وقطَع به كثير منهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. قال في «الرِّعايتَين» ، و «الفُروعِ» ، و «الحاوي» ، وغيرِهم: يُشْترَطُ مَعْرِفَةُ الأُجْرَةِ، فإنْ كانتْ في الذِّمَّةِ، فكثَمَنٍ، والمُعَيَّنَةُ، كمَبِيعٍ. وعنه، تصِحُّ إجارَةُ الدَّابةِ بعَلَفِها. وتأتِي هذه الرِّوايَةُ، ومَنِ اخْتارَها، بعدَ أحْكامِ الظِّئرِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدتان؛ إحْداهما، لو جعَل الأُجْرَةَ صُبْرَةَ دَراهِمَ أو غيرَها، صَحتِ الإجارَةُ. على الصحيحِ. صحَّحه في «النّظْمِ» وغيرِه، كما يصِحُّ البَيعُ بها، على الصّحيحِ، كما تقدّم. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، لا تصِحُّ. وأطْلَقهما في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . الفائدةُ الثَّانيةُ، قال في [«التَّلْخيصِ»] (1) «الرِّعايةِ»: وإنِ اسْتَأجَرَ في الذمةِ ظَهْرًا يَرْكَبُه، أو يَحْمِلُ عليه إلى مَكَّةَ بلَفْظِ السَّلَمِ، اشْتُرِطَ قَبْضُ الأجْرَةِ في المَجْلِسِ، وتأجِيلُ السّفَرِ مُدَّةً مُعَينَّةَ. [زادَ في «الرِّعايَةِ»](2)، وإنْ
(1) زيادة من: ا.
إلا أنَّهُ يَصِحُّ أن يَسْتَأجِرَ الأجِيرَ بِطَعَامِهِ وَكُسْوَتِهِ. وَكَذَلِكَ الظِّئْرُ.
ــ
كان بلَفْظِ الإجارَةِ، جازَ التَّفَرُّقُ قبلَ القَبْضِ. وهل يجوزُ تأخِيرُه؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَين. انتهى.
تنبيه: تقدَّم في أوَّلِ بابِ المُساقاةِ، هل تجوزُ إجارَةُ الأرْضِ بجِنْسِ ما يَخْرُجُ منها، أو بغيرِه؛ فَلْيُعاوَدْ. وتقدَّم أيضًا، في أثْناءِ المُضارَبَةِ، لو أخَذ ماشِيَةً ليَقُومَ عليها بجُزْءٍ مِن دَرِّها، ونَسْلِها، وصُوفِها، وبعضُ مَسائِلَ تتَعَلَّقُ بذلك.
قوله: إلَّا أنَّه يَصِحُّ أنْ يَسْتَأجِرَ الأجِيرَ بطَعامِه وكُسْوَتِه، وكذلك الظِئرُ. وهذا المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال في «القواعِدِ»: مِنَ الأصحابِ مَن لم يَحْكِ فيه خِلافًا. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المَشْهورُ مِنَ الرِّوايتَين، واخْتِيارُ القاضي في «التَّعْليقِ» ، وجماعَةٍ. قال الطوفِيُّ في «شَرْحِ الخِرَقِيِّ»: هذا ظاهِرُ المذهبِ. قال في «القواعِدِ» : هذا أصحُّ. ونصَرَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وابنُ رَزِينٍ، وغيرُهم. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ، و «النظْمِ» ، و «الفائقِ» . وعنه، لا يصح فيهما حتى يَصِفَ الطعامَ والكُسْوَةَ. وعنه، لا يصح في الأجِيرِ، ويصح في الظِّئرِ. اخْتارَه القاضي في بعضِ كُتُبِه. قال الزرْكَشِيُّ: أظُنُّه في «المُجَرَّد» . وقدَّم في «التَّلْخيصِ» ، الصِّحةَ في الظِّئرِ، وأطْلَقَ في الأجِيرِ الرِّوايتَين. قال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»: فإنْ قَدَّرَ للظِّئرِ حالةَ الإجارَةِ، وإلَّا فلها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الوَسَطُ. فعلى المذهبِ، لو تَنازَعا في قَدْرِ الطَّعامِ والكُسْوَةِ، رجَع فيهما إلى العُرْفِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، فيَكونُ لها طَعامُ مِثْلِها أو مِثْلِه، وكُسْوَةُ مِثْلِها أو مِثْلِه، كالزَّوْجَةِ مع زَوْجِها. نصَّ عليه. وجزَم به في «التَّلْخيصِ» . وجزَم بمِثْلِه في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«المُحَرَّر» ، في المُضارِبِ. وقدَّمه في «الفُروعِ» . وعنه، كالمِسْكينِ في الكفَّارَةِ في الطَّعامِ والكُسْوَةِ. وقدَّمه الطوفِيُّ في «شَرْحِه» ، وزادَ، أو يرجِعُ إلى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كُسْوَةِ الزوْجاتِ. وأطْلَقهما الزَّرْكَشِيُّ. وقيل: يرْجِعُ في الإطْعامِ إلى إطْعامِ المِسْكَينِ في الكفَّارَةِ، وفي المَلْبُوسِ إلى أقل مَلْبُوسِ مِثْلِها. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ». وجزَم به في «الرِّعايةِ الكُبْرى». قال الزَّرْكَشِيُّ: وهو تَحَكُّمٌ. قال في «الرعايةِ الصُّغْرى» : وله الوَسَطُ مع النِّزاعِ، كإطْعامِ الكفَّارَةِ. وهذا القَوْلُ نَظِيرُ ما قطَع به المُصَنِّفُ وغيرُه، في نفَقَةِ المُضارِبِ مع التَّنازُعِ.
وَيُسْتَحَبُّ أن تُعْطىَ عِنْدَ الْفِطَامِ عَبْدًا أوْ وَلِيدَةً، إِذَا كَانَ الْمُسْتَرْضِعُ مُوسِرًا.
ــ
قوله: ويُسْتَحَبُّ أنْ تُعْطَى عندَ الفِطامِ عَبْدًا أو وَلِيدَةً، إذا كانَ المُسْتَرْضِعُ مُوسِرًا. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثير منهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: ولعَلَّ هذا في المُتَبَرِّعَةِ بالرَّضاعِ. انتهى. وقال أبو بَكْر: يجِبُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فوائد؛ منها، قال في «الرِّعايةِ» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرِهما: لو كانتِ المُرْضِعَةُ أمَة، اسْتُحِبَّ إعْتاقُها. ومنها، لو اسْتُؤجِرَتْ للرضاعِ والحَضانَةِ معًا، فلا إشْكال في ذلك، وإنِ اسْتُؤجِرتْ للرضاعِ، وأطْلَقَ، فهل تَلْزَمُها الحَضانَةُ؛ فيه وَجْهان. ذكَرَهما القاضي ومَن بعدَه. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الفُروعِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ، و «الفائقِ» ؛ أحدُهما، يَلْزَمُها الحَضانَةُ أيضًا. قدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى» أيضًا، في الفَصْلِ الأرْبَعِين مِن هذا البابِ. والوَجْهُ الثَّاني، لا يَلْزَمُها سِوَى الرضَاعِ. قدَّمه ابنُ رَزِينٍ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في «شَرْحِه» . وقيل: الحَضانَةُ تَتْبَعُ الرَّضاعَ؛ للعُرْفِ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وقيل عَكْسُه. ذكَرَه في «الفُروعِ» . يعْنِي، أن الرَّضاعَ يَتْبَعُ الحَضانَةَ؛ للعُرْفِ في ذلك. ولم أفْهَمْ مَعْناه على الحَقيقَةِ. فعلى الوَجْهِ الثاني، ليس على المُرْضِعَةِ إلا وَضْعُ حَلَمَةِ الثدْيِ في فَمِ الطِّفْلِ وحَمْلُه، ووَضْعُه في حِجْرِها، وباقِي الأعْمالِ في تَعَهُّدِه على الحاضِنَةِ، ودُخولُ اللَّبَنِ تَبَعًا، كنَقْعِ البِئْرِ، على ما يأتِي. قال ابنُ القَيِّمِ في «الهَدْي» ، عن هذا القَوْلِ: الله يعْلَمُ، والعُقَلاءُ قاطِبَةً، أنَّ الأمْرَ ليس كذلك، وأنَّ وَضْعَ الطِّفلِ في حِجْرِها ليس مَقْصُودًا أصْلًا، ولا ورَد عليه عَقْدُ الإجارَةِ، لا عُرْفًا، ولا حَقِيقَةً، ولا شَرْعًا، ولو أرْضَعَتِ الطِّفْلَ وهو في حِجْرِ غيرِها، أو في مَهْدِه، لاسْتَحَقَّتِ الأُجْرَةَ، ولو كان المَقْصودُ إلْقامَ الثَّدْي المُجَرَّدِ، لاسْتُؤجِرَ له كلُّ امْرأةٍ لها ثَدْيٌّ، ولو لم يَكُنْ لها لَبَنٌ، فهذا هو القِياسُ الفاسِدُ حقًّا، والفِقْهُ البارِدُ. انتهى. وإنِ اسْتُؤجِرَتْ للحَضانَةِ، وأطْلَقَ، لم يَلْزَمْها الرَّضاعُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال في «التَّلْخيصِ»: لم يَلْزَمْها، وَجْهًا واحدًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقيل: يَلْزَمُها. وقدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، في الفَصْلِ الأرْبَعِين. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، في مَوْضِعٍ. ومنها، المَعْقُودُ عليه في الرَّضاعِ، خِدْمَةُ الصبِي، وحَمْلُه، ووَضْعُ الثدْيِ في فمِه. على الصحيحِ مِنَ المذهبِ. وأمَّا اللبَنُ، فَيدْخُلُ تبَعًا. قال في «الرِّعايةِ»: العَقْدُ وقَع على المُرْضِعَةِ، واللَّبَنُ تَبَعٌ، يُسْتَحَقُّ إبْلاغُه (1) بالرَّضاعِ. وقدَّمه في «الشَّرْحِ». قال في «الفُصولِ»: الصَّحيحُ، أنَّ العَقْدَ وقَع على المَنْفَعَةِ، ويكونُ اللَّبَنُ تَبَعًا. قال القاضي في «الخِصالِ»: لَبَنُ المُرْضِعَةِ يَدْخُلُ في عَقْدِ الإجارَةِ، وإنْ كان يَهْلِكُ بالانْتِفاعِ؛ لأنه يدْخُلُ على طَريقِ التبَّعَ. قلتُ: وكذا قال المُصَنِّفُ وغيرُه في هذا الباب، حيثُ قالُوا: يُشْترَطُ أنْ تكونَ الإجارَةُ على نَفْع، فلا تصِح إجارَةُ حَيوانٍ ليَأخُذَ لَبَنَه إلا في الظِّئْرِ، ونَقْعُ البِئْرِ يدْخُلُ تَبعًا. وقاله في «الفُروعِ» وغيرُه مِنَ الأصحابِ. وقيل: العَقْدُ وقَع على اللبَنِ. قال القاضي: وهو الأشْبَهُ. قال ابنُ رَزِين، في «شَرْحِه»: وهو الأصحُّ؛ لقَوْلِه تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (2). انتهى. قال في «الهَدْي» : والمَقْصودُ إنَّما هو اللَّبَنُ. وتقدَّم كلامُه لمَن قال: العَقْدُ وقَع على وَضْعِها الطِّفْلَ في حِجْرِها، وإلْقامِه ثَدْيَها، واللَّبَنُ يدْخُلُ تَبَعًا. قال الناظِمُ:
(1) في الأصل، ط:«إتلافه» .
(2)
سورة الطلاق 6.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وفي الأجْوَدِ المَقْصودُ بالعَقْدِ دَرُّها
…
والإرْضاعُ، لا حَضْنٌ ومَبْدأُ مَقْصِدِ
وأطْلَقَ الوَجْهَين في «المُغْنِي» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» . ومنها، لو وقَعَتِ الإجارَةُ على الحَضانَةِ والرَّضاعِ، وانْقَطَعَ اللَّبَنُ، بطَل العَقْدُ في الرضاعِ، وفي بُطْلانِ الحَضانةِ وَجْهان. وأطْلَقهما في «الرِّعايةِ الكُبْرى». قلتُ: الأوْلَى البُطْلانُ؛ لأنَّها في الغالِبِ تَبَعٌ. وإذا لم تَلْزَمْها الحَضانَةُ، وانْقطَعَ لَبَنُها، ثبَت الفَسْخُ. وإنْ قُلْنا: تَلْزَمُها الحَضانَةُ. لم يَثْبُتِ الفَسْخُ. على الصَّحيحِ. قال في «الرِّعايةِ» : لم يَثْبُتِ الفَسْخُ في الأصَحِّ؛ فيَسْقُطُ مِنَ الأجْرَةِ بقِسْطِه. وقيل: يَثْبُتُ الفَسْخُ. وأطْلَقهما في «التَّلْخيصِ» ، و «الفائقِ» . ومنها، يجِبُ على المُرْضِعَةِ أنْ تأكلَ وتَشْرَبَ ما يُدَرُّ به لَبَنُها، ويَصْلُحُ به، وللمُكْتَرِي مُطالبَتُها بذلك. ولو سَقَتْه لبَنًا، أو أطْعَمَتْه، فلا أجْرَةَ لها، وإنْ أرْضَعَتْه خادِمَتُها، فكذلك. قطَع به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . ومنها، لا تُشْترَطُ رُؤيَةُ المُرْتَضِعِ، بل تَكْفِي صِفَتُه. جزَم به في «الرِّعايتَين» ، و «الفائقِ». قلتُ: وهو الصَّوابُ. وقيل: تُشْترَطُ رُؤيَتُه. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْح ابنِ رَزِينٍ» . وجزَم به في «المُذْهَبِ» . وهو المذهبُ على ما اصْطَلَحْناه. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . ومنها، يُشْترَطُ مَعْرِفَةُ مُدَّةِ الرَّضاعِ، ومَكانِه؛ هل هو عندَ المُرْضِعَةِ، أو عندَ أبَوَيه؟ قطَع به المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفُروعِ» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرُهم. ويأتِي، هل تَبْطُلُ الإجارَةُ بمَوْتِ المُرْضِعَةِ؟ عندَ قوْلِه:
وإنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إِلَى قَصَّارٍ أوْ خَيَّاطٍ لِيَعْمَلَاهُ، وَلَهُمَا عَادَةٌ بِأُجْرَةٍ، صَحَّ، وَلَهُمَا ذَلِكَ، وَإنْ لَمْ يَعْقِدَا عَقْدَ إِجَارَةٍ. وَكَذَلِكَ دُخُولُ الْحَمَّامِ، والرُّكُوبُ فِي سَفِينَةِ الْمَلَّاحِ.
ــ
وتَنْفَسِخُ الإجارَةُ بتَلَفِ العَينِ المَعْقُودِ عليها. ومنها، رخَّصَ الإمامُ أحمدُ، رضي الله عنه، في مُسْلِمَةٍ تُرْضِعُ طِفْلًا لنَصارَى بأُجْرَةٍ، لا لمَجُوسِيّ. وقدَّمه في «الفُروعِ» . وسَوَّى أبو بَكْر وغيرُه بينَهما؛ لاسْتِواءِ البَيعِ والإجارَةِ.
فائدة: لا يصِحُّ أنْ تُسْتَأجَرَ الدَّابَّةُ بعَلَفِها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهب. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. وقدَّمه في «الفُروعِ» . وعنه، يصِحُّ. اخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وجزَم به القاضي في «التَّعْليقِ» . وقدَّمه في «الفائقِ» ، وقال: نصَّ عليه، في رِوايَةِ الكَحَّال. وقال في «القاعِدَةِ الثَّانيةِ والسَّبْعِين»: في اسْتِئْجارِ غيرِ الظِّئْرِ مِنَ الأُجَراءِ بالطعامِ والكُسْوَةِ رِوايَتان؛ أصَحُّهما الجَوازُ، كالظِّئْرِ. انتهى.
قوله: وإنْ دفَع ثوْبَه إلى قَصَّارٍ أو خَيَّاطٍ ليَعْمَلاه، ولهما عَادَةٌ بأُجْرَةٍ، صَحَّ، ولهما ذلك، وإنْ لم يَعْقِدا عَقْدَ إجارَةٍ، وكذلك دُخُولُ الحَمَّامِ، والرُّكُوبُ في سَفِينَةِ المَلَّاحِ. قال في «الفُروعِ»: وكذا لو استَعْمَلَ حَمَّالًا، أو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
شاهِدًا ونحوَه. قال في «القواعِدِ» : وكالمُكارِي، والحَجَّامِ، والدَّلَّالِ، ونحوهم. اشْترَطَ المُصَنِّفُ لذلك أنْ يكونَ له عادَةٌ بأخْذِ الأُجْرَةِ. وهو أحدُ الأقْوالِ، كتعْريضِه بها. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وقطَع به في «المُحَرَّرِ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال في «الوَجيزِ» : وإنْ دخَل حمامًا، أو سَفِينَة، أو أعْطَى ثَوْبَه قَصَّارًا أو خَيَّاطا بلا عَقْدٍ، صحَّ بأُجْرَةِ العادَةِ. انتهى. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ له الأجْرَةَ مُطْلَقًا، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وهو ظاهِرُ ما قطَع به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. وصرَّح به النَّاظِمُ. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ». وقيل: لا أجْرَةَ له مُطْلَقًا. وحيثُ قُلْنا: له الأجْرَةُ. فتَكُونُ أُجْرَةَ المِثْلِ؛ لأنه لم يَعْقِدْ معه عَقْدَ إجارَةٍ.
فائدة: قال في «التلْخيصِ» : ليس على الحَمَّامِيِّ ضَمانُ الثيابِ، إلَّا أنْ يَسْتَحْفِظَه إياها صَرِيحًا بالقَوْلِ. وقال أيضًا: وما يُعْطاه الحَمَّامِي، فهو أُجْرَةُ المَكانِ، والسَّطْلِ، والمِئْزَرِ، لا ثَمَنُ الماءِ، فإنَّه يَدْخُلُ تَبَعًا. انتهى. وقال في «الفُروعِ» ، في بابِ القَطْعِ في السَّرِقَةِ: وإنْ فَرَّطَ في حِفْظِ ثِيابٍ في حمَّام، وأعْدالٍ (1)، وغَزْلٍ في سُوقٍ أو خانٍ، وما كان مُشْتَرَكًا في الدُّخُولِ إليه بحافِظٍ، فنامَ أو اشْتَغلَ، ضَمِن. وقال في «التَّرْغيبِ»: يَضْمَنُ إنِ استَحْفَظَه ربُّه صَرِيحًا. كما قال في «التَّلْخيص» .
(1) العِدْلُ: وعاء من الخيش ونحوه، يوضع فيه القمح ونحوه.
وَتَجُوزُ إجَارَةُ دَارٍ بِسُكْنَى دَارٍ، وَخِدْمَةِ عَبْدٍ، وَتَزْويجِ امْرَأةٍ.
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَتَجُوزُ إِجَارَةُ الْحَلْي بِأُجْرَةٍ مِنْ جِنْسِهِ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ.
ــ
قوله: وتَجُوزُ إجارَةُ الحَلْي بأُجْرَةٍ مِن جِنْسِه. هذا المذهبُ، نصَّ عليه في رِوايَةِ عَبْدِ الله. وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «المُغْني» ، و «الشَّرْح» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «النَّظْمِ» ، و «الفائقِ». قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه»: هذا المذهبُ. وقال جماعَة مِنَ الأصحابِ: تجوزُ، وتُكْرَهُ. منهم القاضي. وقيل: لا تصِح. وهو رِوايَةٌ عن أحمدَ. اخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وقدَّمه في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . وأما إذا كانتِ الأُجْرَةُ مِن غيرِ جِنْسِه،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَتصِحُّ، قوْلًا واحدًا.
وَإنْ قَال: إنْ خِطْتَ هَذَا الثَّوْبَ الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإنْ خِطْتَهُ غَدًا فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ. فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَينِ.
ــ
قوله: وإنْ قال: إنْ خِطْتَ هذا الثَّوْبَ اليَوْمَ، فلك دِرْهَم، وإنْ خِطته غَدًا، فلك نِصْفُ دِرْهَم. فهل يَصِح؟ على رِوايَتَين. وأطْلَقهما في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ،
وَإنْ قَال: إنْ خِطتَهُ رُومِيًّا فَلَكَ دِرْهَم، وَإنْ خِطْتَهُ فَارِسِيًّا فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَم. فَعَلَى وَجْهَينِ.
ــ
و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ؛ إحْداهما، لا يصِحُّ. وهو المذهبُ. قال في «التَّلْخيصِ»: والصَّحيحُ المَنْعُ. قال في «النَّظْمِ» : والأوْلَى، أنه لا يصِحُّ. وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ». والرِّوايَةُ الثَّانية: يصِحُّ. وقدَّمه في «الرعايتَين» .
تنبيه: قدَّم في «الرعايةِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، أنَّ الخِلافَ وَجْهان.
قوله: وإنْ قال: إنْ خِطته رُومِيًّا، فلك دِرْهَم، وإنْ خِطتَه فارِسِيًّا، فلك نِصْفُ دِرْهَم. فعلى وَجهَين. وهما رِوايَتان. وأطْلَقهما في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». قال في «الهِدايةِ» و «المُذْهَبِ»: فيه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَجْهان؛ بِناءً على المَسْألةِ التي قبلَها؛ وهي: إنْ خِطتَه اليَومَ فبكذا، وإنْ خِطتَه غدًا فبكذا؛ أحدُهما، لا يصِحُّ. وهو المذهبُ. قال في «التَّلْخيصِ»: والصَّحيحُ المَنْعُ. وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» . والوَجْهُ الثَّاني، يصِحُّ. قدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى» .
فائدة: قال في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخلاصَةِ» ، و «الرِّعايةِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم: والوَجْهان في
وَإنْ أكْرَاهُ دَابَّةً، وَقَال: إنْ رَدَدْتَهَا الْيَوْمَ فَكِرَاؤهَا خَمْسَةٌ، وَإنْ رَدَدْتَهَا غَدًا فَكِرَاؤهَا عَشَرَةٌ. فَقَال أحْمَدُ: لَا بَأسَ بِهِ. وَقَال الْقَاضِي: تَصِحُّ فِي الْيَوْمِ الأوَّلِ دُونَ الثَّانِي.
ــ
قوْلِه: إنْ فتَحْتَ خيَّاطًا، فبكذا، وإنْ فتَحْتَ حدَّادًا، فبكذا. قال في «الفائقِ»: ولو قال: ما حمَلْتَ مِن هذه الصُّبْرَةِ، فكُل قَفِيزٍ بدِرْهَمٍ. لم يصِحَّ. قاله القاضي. ويَحْتَمِلُ عَكْسُه. ذكَرَه الشَّيخُ، يعَنْي به المُصَنفَ، ثم قال: قلتُ: وتُخَرَّجُ الصِّحَّةُ مِن بَيعِه منها. وفيه وَجْهان، ويَشْهَدُ له ما سبَق مِنَ النَّصِّ. انتهى. وإنْ قال: إنْ زرَعْتَها قَمْحًا، فبخَمْسَةٍ، وإنْ زرَعْتَها ذُرَةً فبعَشَرَةٍ. لم يصِحَّ. قدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى» . وصحَّحه في «الصغْرى» ، و «النظْمِ» . وعنه، يصِحُّ. وأطْلَقهما في «الحاوي الصَّغِيرِ» .
قوله: وإنْ أكْراه دَابَّةً، وقال: إنْ ردَدْتَها اليَوْمَ، فكِراؤها خَمْسَة، وإنْ ردَدْتَها غَدًا، فكِراؤها عَشَرَة. فقال أحْمدُ -في رِوايَةِ عَبْدِ الله: لا بأسَ به. قال في
وإنْ أكْرَاهُ دَابةً عَشَرَةَ أيام بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، فَمَا زَادَ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْم دِرْهَم، فَقَال أحْمَدُ: هُوَ جَائِزٌ. وَقَال الْقَاضِي: تَصِحُّ فِي الْعَشَرَة وَحْدَهَا.
ــ
«الفائقِ» : صحَّ في أصحِّ الرِّوايتَين. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُذْهَبِ» . وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وقال القاضي: يصِحُّ في اليَومِ الأوَّلِ. وقال المُصَنِّفُ، والشارِحُ: والظِّاهِرُ عن أحمدَ، فيما ذكَرْنا، فَسادُ العَقْدِ، على بَيعتَين في بَيعَةٍ، وقِياسُ حَديثِ علي والأنْصارِيِّ صِحتُه. انتَهَيا. وصحح الناظِمُ فَسادَ العَقدِ.
قوله: وإنْ أكراه دابَّةً عَشَرَةَ أيامٍ بعَشَرَةِ درَاهِمَ، وما زادَ، فله بكل يَوم دِرْهَم،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقال أحمدُ- في رِوايَةِ أبِي الحارِثِ: هو جائِزٌ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. نصَرَه المُصَنِّفُ، والشارِحُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ،
وَنَصَّ أحْمَدُ عَلَى أنَّهُ لَا يَجُوزُ أن يَكْتَرِيَ لِمُدَّةِ غَزَاتِهِ.
ــ
و «الخُلاصَةِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ». وقال القاضي: يَصِحُّ في العَشَرَةِ وَحْدَها. وتأولَ نُصوصَ أحمدَ على أنَّ قوْلَه: لا بَأسَ. جائزٌ في الأوَّلِ، ويبطُلُ في الثَّاني. قال المُصَنِّفُ: والظَّاهِرُ عن أحمدَ خِلافُ ذلك. قال في «الهِدايَةِ» : الظَّاهِرُ أنَّ قَوْلَ القاضي رجَع إلى ما فيه الإشْكالُ. قال في «المُسْتَوْعِبِ» : وعندِي أنَّ حُكْمَ هذه المَسْألةِ حُكْمُ ما إذا أجَرَه عَينًا، كُلُّ شَهْرٍ بكذا. انتهى. وهي الآتية قريبًا.
قوله: ونَصَّ أحمدُ على أنه لا يجوزُ أنْ يَكْتَرِيَ لمُدَّةِ غَزاتِه، وإنْ سَمَّى لكلِّ يَوْم شيئًا مَعْلُومًا، فجائِزٌ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وقطَع به أكثرُهم، منهم صاحِبُ «الفُروعِ» . وقال في «المُحَرَّرِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهما: ويتَخَرَّجُ المَنْعُ.
وَإنْ سَمَّى لِكُلِّ يَوْم شَيئًا مَعْلُومًا، فَجَائِزٌ. وَإنْ أكْرَاهُ كُلَّ شَهْرٍ بدرْهَم، أوْ كُلَّ دَلْو بتَمْرَةٍ، فَالْمَنْصُوصُ أنهُ يَصِحُّ، وَكُلَّمَا دَخَلَ شَهْرٌ لَزِمَهُمَا حُكْمُ الْإجَارَةِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ
ــ
قوله: وإنْ أكْراه كل شَهْرٍ بدِرْهَم، أو كل دَلْوٍ بتَمْرَةٍ، فالمَنْصُوصُ -في رِوايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ- أنه يَصِحُّ. وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قال الزَّركَشِيُّ: هو المَنْصوصُ، واخْتِيارُ القاضي، وعامَّةِ أصحابِه، والشيخَين.
مِنْهُمَا الْفَسْخُ عِنْدَ تَقَضِّي كُلِّ شَهْر. وَقَال أبو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ: لَا يَصِحُّ.
ــ
انتهى. قال النَّاظِمُ: يجوزُ في الأولَى. وجزَم به الخِرَقِي، وصاحِبُ «الوَجيزِ» . وصحَّحه في «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ» . وقدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، و «الفائقِ» ، و «الكافِي» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزينٍ» . وقال أبو بَكْر، وابن حامِدٍ: لا يصِحُّ. واخْتارَه ابنُ عَقِيل. قال في «الكافِي» : وقال أبو بَكْر، وجماعَة مِن أصحابِنا بالبُطْلانِ، وهو رِوايَة عن أحمدَ. قال الشَّارِحُ: والقِياسُ يَقْتَضِي عدمَ الصِّحةِ؛ لأنَّ العَقْدَ تَناوَلَ جميعَ الأشْهُرِ، وذلك مَجْهُول. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَرَّر» ، و «الفُروعِ». وقيل: يصِحُّ في العَقْدِ الأولِ، لا غيرُ.
قوله: وكلَّما دخَل شَهْر، لَزِمَهما حُكْمُ الإجارَةِ. هذا تَفْرِيعٌ على الذي قدَّمه. وهو المذهبُ. قال المُصَنِّفُ، والشارِحُ، والنَّاظِمُ، وصاحِبُ «الفائقِ» ، وغيرُهم: يَلْزَمُ الأولُ بالعَقْدِ، وسائِرُها بالتَّلبُّسِ به.
تنبيه: ظاهرُ قوْلِه: ولكل واحِدٍ منهما الفَسْخُ عندَ تَقَضِّي كلِّ شَهْر. أنَّ الفَسْخَ يكونُ قبلَ دُخولِ الشهْرِ الثَّاني. وهو اخْتِيارُ أبِي الخَطَّابِ، والمُصَنِّفِ، والشَّارِحِ، والشيخِ تَقِيِّ الدِّينِ. وهو مُقْتَضَى كلامِ الخِرَقِي، وابنِ عَقِيلٍ في «التذْكِرَةِ» ، وصاحبِ «الفائقِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . وصرح به ابنُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الزَّاغُونِيِّ، فقال: يَلْزَمُ بَقِيَّةَ الشُّهورِ إذا شرَع في أوَّلِ الجُزْءِ مِن ذلك الشَّهْرِ. انتهى. فعلى هذا، لو أرادَ الفَسْخَ، يقولُ: فسَخْتُ الإجارَةَ في الشَّهْرِ المُسْتَقْبَلِ. ونحوَ ذلك. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أن الفَسْخَ لا يكونُ إلَّا بعدَ فَراغِ الشَّهْرِ. اخْتارَه القاضي. وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الفُروعِ» . وقال المُصَنِّفُ أيضًا: له الفَسْخُ بعدَ دُخولِ الشَّهْرِ الثانِي، وقبلَه أيضًا. وقال أيضًا: تَرْكُ التلبّس به فَسْخٌ. وجزَم به في «المُغْنِي» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ». وقال في «الرَّوْضَةِ»: إنْ لم يفْسَخْ حتى دخَل الثَّانِي، فهل له الفَسْخُ؛ فيه رِوايَتان. انتهى. فعلى المذهبِ، يكونُ الفَسْخُ في أوَّلِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كلِّ شَهْرٍ في الحالِ، على الصَّحيحِ. قال في «الفُروعِ»: يفْسَخُ بعدَ دُخولِ الثَّاني. وقدَّمه في «النَّظْمِ» . وقال القاضي، والمَجْدُ في «مُحَرَّرِه»: له الفَسْخُ إلى تَمامِ يَوْمٍ. قال في «الرِّعايةِ الكُبْرى» : إلَّا أنْ يفْسَخَها أحدُهما في أولِ يَوْم منه. وقيل: أو يَوْمَين. وقيل: أولِ ليلَةٍ منه. وقيل: عندَ فَراغِ ما قبلَه. وقلتُ: أو يقولُ: إذا مَضَى هذا الشّهْرُ، فقد فَسَخْتُها. انتهى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدتان؛ إحْداهما، لو أجَرَه شَهْرًا، لم يصِحَّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه. وقدَّمه في «الفُروعِ». قال الزَّرْكَشِيُّ: قطَع به القاضي، وكَثِيرُون. وعنه، يصِحُّ. اخْتارَه المُصَنفُ. وابْتِداؤه مِن حينِ العَقْدِ. وخرَّجه في «المُسْتَوْعِبِ» مِن كل شَهْر بكذا. وفرَّق القاضي وأصحابُه بينَهما. الثَّانيةُ، لو قال: أجَرْتُكها هذا الشَّهْرَ بكذا، وما زادَ فبحِسَابِه. صحَّ في الشَّهْرِ الأوَّلِ. ويَحْتَمِلُ أنْ يصِحَّ في كل شَهْر تَلَبَّسَ به. قال في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ»: وإنِ اكْتَراها شَهْرًا مُعَيَّنًا بدِرْهَم، وكُلُّ شَهْر بعدَه بدِرْهَم أو بدِرْهَمَين، صحَّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في الأوَّلِ، وفيما بعدَه وَجْهان. وأطْلَقَهما في «المُغْني» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النظْمِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «شَرْح ابنِ رَزِين». قلتُ: الأوْلَى الصِّحَّةُ. وهي شَبِيهَة بمَسْألةِ المُصَنِّفِ، والخِرَقِيِّ المُتقَدمَةِ، ثم وَجَدْته قدَّمه في «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصُّغِيرِ» ، وقالا: نصَّ عليه. وقال في «الحاوي» عنِ القَوْلِ بعدَمِ الصِّحَّةِ: اخْتارَه القاضي.
فَصْلٌ: الثالِثُ، أنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مُبَاحَةً مَقْصُودَةً، فَلَا تَجُوزُ الإجَارَةُ عَلَى الزِّنَى، وَالزَّمْرِ، وَالْغِنَاءِ، وَلَا إجَارَةُ الدَّارِ لِتُجْعَلَ كَنِيسَةً أوْ بَيتَ نَار، أو لبَيعِ الْخَمْرِ.
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَلَا يَصِحُّ الاسْتِئْجَارُ عَلَى حَمْلِ الْمَيتَةِ وَالْخَمْرِ. وَعَنْهُ، يَصِحُّ، وَيُكْرَهُ أكْلُ أجْرَتِهِ.
ــ
قوله: ولا يَصِحُّ الاسْتِئْجارُ على حَمْلِ المَيتَةِ والخَمْرِ. هذا المذهبُ. قال في «الفُروعِ» : يَحْرُمُ على الأصحِّ. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» : هذا المذهبُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الشَّرْحِ» ، وقال: هذا المذهبُ. وعنه، يَصِحُّ، لكِنْ يُكْرَهُ. وأطْلَقهما في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَلْخيصِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاوي الضغِيرِ» ، وغيرِهم. فعلى المذهب، لا أجْرَةَ له. قال في «التَّلْخيصَ» .
قوله: ويُكْرَهُ أكْلُ أجْرَتِه. يعْنِي، على الروايةِ الثَّانيَةِ التي تقولُ: تصِحُّ الإجارَةُ على ذلك. وهذا الصحيحُ، وعليه الأصحابُ. وقال في «الفائقِ» وغيرِه:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقيل: فيه رِوايَتان. قال في «المُسْتَوْعِبِ» : وهل يَطِبُ له أكْلُ أجْرَتِه؟ فيه وَجْهان؛ أحدُهما، لا يَطِيبُ، ويتَصَدُّقُ به. وقال في «التَّلْخيصِ»: وهل يأكلُ الأجْرَةَ، أو يتَصَدَّقُ بها؟ فيه وَجْهان.
تنبيه: مُرادُه بحَمْلِ المَيتَةِ والخَمْرِ هنا، الحَمْلُ لأجْلِ أكْلِها لغيرِ مُضْطَر، أو شُرْبِها. فأمَّا الاسْتِئْجارُ لأجْلِ إلْقائِها، أو إراقَتِها، فيجوزُ. على الصحيح مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، وقطَع به كثير منهم؛ منهم المُصَنِّفُ، والشّارِحُ، وصاحِبُ «الفُروعِ» ، وغيرُهم. وإنْ كان كلامُه في «الفُروعِ» مُوهِمًا. وقال الناظِمُ:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وجَوِّزْ على المَشْهورِ حَمْلَ إراقَةٍ
…
ونَبْذ لمَيتاتٍ، وكَسْحَ الأذَى الرَّدى
وعنه، يُكْرَهُ. وهي مُرادُ غيرِ المَشْهورِ في «النظْمِ» .
فوائد؛ إحْداها، لا يُكْرَهُ أكْلُ أجْرَتِه. على الصَّحيحَ مِنَ المذهبِ. وعنه، يُكْرَهُ. الثَّانيةُ، لو اسْتَأجَرَه على سَلْخِ البَهِيمَةِ بجِلْدِها، لم يصِحَّ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ». وقدَّمه في «النظْمِ». وقيل: يصِحُّ. وصحَّحه في «التَّلْخيصِ» ، وهو الصوابُ. قال النَّاظِمُ:
ولو جَوَّزُوه مِثْلَ تَجْويزِ بَيعِه
…
بعيرًا وثُنْيا جِلْدَه لم أبَعِّدِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأطْلَقهما في «الرِّعايةِ» . وتقدَّم التنبِيهُ على ذلك، وعلى نَظائرِه في أواخِرِ المُضارَبَةِ. فعلى الأول، له أُجْرَةُ المِثْلِ. الثَّالثةُ، تجوزُ إجارَةُ المُسْلِم للذمِّيِّ، إذا كانتِ الإجارَةُ في الذِّمَّةِ، بلا نِزاعٍ أعْلَمُه. ونصَّ عليه في رِوايَةِ الأثرمِ. قال ابنُ الجَوْزِي في «المُذْهَبِ»: يجوزُ على المَنْصوصِ. وحزَم به في «الفُروعِ» وغيرِه. وفي جَوازِ إجارَته له لعَمَل غيرِ الخِدْمَةِ مُدَّة مَعْلومَة، رِوايَتان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» ، و «النَّظْمِ» ؛ إحْداهما، يجوزُ. وهو المذهبُ. صحَّحه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ هنا. قال في «المُغْنِي» (1)، في المُصَرَّاةِ: هذا أوْلَى. وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعَ» . وقدَّمه في «الشَّرْحَ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . والثانيةُ، لا يجوزُ، ولا يصِحُّ. وأمَّا إجارَتُه لخِدْمَتِه، فلا تصِحُّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، ونصَّ عليه في رِوايَةِ الأثرَمِ. قال في
(1) انظر: المغني 8/ 89.
فَصْلٌ: وَالْإجَارَةُ عَلَى ضَرْبَينِ؛ أحَدُهُمَا، إجَارَةُ عَين، فَتَجُوزُ إجَارَةُ كُلِّ عَين يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ الْمُبَاحَةِ مِنْهَا مَعَ بَقَائِهَا.
ــ
«الفُروعِ» : ولا تجوزُ إجارَتُه لخِدْمَتِه، على الأصحِّ. وجزَم به في «المُذْهَبِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . وعنه، يجوزُ. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . وجزَم به في «المُنَوِّرِ» .
فائدة؛ حُكْمُ إعارَتِه حُكْمُ إجارَيه للخِدْمَةِ. قاله في «الفُروعِ» وغيرِه، ويأتِي ذلك في العارِيَّةِ.
قوله: والإجارَةُ على ضَرْبَين؛ أحَدُهما، إجارَةُ عَينٍ، فتجوزُ إجارَةُ كل عَينٍ
فَيَجُوزُ لَهُ اسْتِئْجَارُ حَائِطٍ لِيَضَعَ عَلَيهِ أطْرَافَ خَشَبِهِ، وَحَيَوَانٍ لِيَصِيدَ بِهِ، إلَّا الكَلْبَ،
ــ
يُمْكِنُ اسْتِيفاءُ المنْفَعَةِ المُباحَةِ منها مع بَقائِها، وحَيَوانٍ ليَصِيدَ به، إلَّا الكَلْبَ. لا يجوزُ إجارَةُ الكَلْبِ مُطْلَقًا. على الصحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، وقطَع به أكثرُهم. وقيل: يجوزُ إجارَةُ كَلْبٍ يجوزُ اقْتِناؤه. ويَجِيء، على ما اخْتارَه الحارِثِي في جَوازِ بَيعِه، صِحَّةُ إجارَته أيضًا. قال في «القاعِدَةِ السَّابِعَةِ والثَّمانِين»: حكَى الحَلْوانِي فيه وَجْهَين، وخرَّج أبو الخَطَّابِ وَجْهًا بالجَوازِ.
تنبيهان؛ أحدُهما، ظاهرُ قوْلِه: وحَيوانٍ ليَصِيدَ. أنَّه إذا لم يَصْلُحْ للصيدِ، لا تجوزُ إجارَتُه. وهو صحيح. قاله المُصَنفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. الثاني، صِحَّةُ إجارَةِ حَيوانٍ، يَصِيدُ به، مَبْنِيَّة على صِحَّةِ بَيعِه، على ما تقدَّم في كتابِ البَيعِ. لكِنْ جزَم في «التبصِرَةِ» ، يَصِحُّ إجارَةُ هِرٍّ، وفَهْدٍ، وصَقْر مُعَلَّم للصَّيدِ، وحكَى في بَيعِها الخِلافَ. قاله في «الفُروعِ». قلتُ: وكذا فعَل المُصَنفُ في هذا الكِتابِ، وكثير مِنَ الأصحابِ، فما في اخْتِصاصِ صاحِبِ «التبصِرَةِ» بهذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحُكْمِ مَزِيَّةٌ، وإنَّما ذكَر الأصحابُ ذلك؛ بِناءً على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ.
فائدة: تَحْرُمُ إجارَةُ فَحْلٍ للنزْو. على الصَّحيحِ مِنَ المذهب، وعليه الأصحابُ. وعنه، لا تصِحُّ. وقيل: تصِحُّ. وهو تَخْرِيج لأبِي الخَطابِ؛ بِناءً على إجارَةِ الظِّئْرِ للرضاعِ، واحْتِمال لابنِ عَقِيل، ذكَرَه الزرْكَشِي. وكَرِهَه أحمدُ. زادَ حَرْبْ، جِدًّا. قيل: فالذي يُعْطِي ولا يَجِدُ منه بُدًّا؟ فكَرِهَه. ونقَل ابنُ القاسِمِ، قيلَ له: يكونُ مِثْلَ الحَجَّامِ، يُعْطَى، وإنْ كان مَنْهِيًّا عنه؛ فقال: لم يَبْلُغْنا أنه عليه الصلاة والسلام أعْطَى في مِثْلِ هذا كما بلَغَنا في الحَجَّامِ. وحمَلَه القاضي على ظاهرِه، وقال: هذا مُقْتَضَى النَّظَرِ، تُرِكَ في الحَجامِ. وحمَل المُصَنِّفُ كلامَ أحمدَ على الوَرَعَ، لا التَّحْريمَ. وقال: إنِ احْتاج ولم يَجِدْ مَن يُطْرِقُ له، جاز أنْ يَبْذلَ الكراءَ، وليس للمُطرِقِ أخْذُه. قال الزَّرْكَشِي: وفيه نَظَرٌ. قال المُصَنِّفُ: فإنْ أطْرَقَ بغيرِ إجارَةٍ ولا شَرْطٍ، فأُهْدِيَتْ له هَدِيةٌ، أو
وَاسْتِئْجَارُ كِتَابٍ يَقْرأ فِيهِ، إلا الْمُصْحَفَ، فِي أحَدِ الْوَجْهَينِ،
ــ
أُكْرِمَ بكَرامَةٍ، فلا بَأسَ. قال الشيخُ تَقِيُّ الدين: ولو أنْزاه على فَرَسهِ، فنقَص، ضَمِنَ نَقْصَه.
قوله: ويَجُوزُ اسْتِئْجارُ كِتابٍ ليَقْرَأ فيه، إلَّا المُصْحَفَ في أحَدِ الوَجْهَين. في جَوازِ إجارَةِ المُصْحَفِ ليَقْرَأ فيه ثَلاثُ رِواياتٍ؛ التَّحْريمُ، والكَراهَةُ، والإباحَةُ. وأطْلَقَهُنَّ في «الفُروعِ» . والخِلافُ هنا مَبْنِي على الخِلافِ في بَيعهِ؛ أحدُهما (1)، لا يجوزُ. وهو المذهبُ. صحَّحه في «التَّصْحيح» ،
(1) في الأصل، ا:«أحدها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «النظْمِ» ، و «المُذْهَبِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. والثاني، يجوزُ. قدَّمه في «الفائقِ» . وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصغِيرِ». وقيل: يباحُ.
فائدة: يصِحُّ نَسْخُه بأجْرَةٍ. نصَّ عليه. وتقدم في نَواقِضِ الطهارَةِ، هل يجوزُ للذمي نَسْخُه؟
فائدة: ما حَرُمَ بَيعُه، حَرُمَ إجارَتُه، إلَّا الحُرَّ والحُرَّةَ، ويَصْرِفُ بصَرَه عنِ النظَرِ. نص عليه، والوَقْف، وأم الوَلَدِ. قاله الأصحابُ.
وَاسْتِئْجَارُ النقْدِ لِلتحَلِّي وَالْوَزْنِ لَا غَيرُ.
ــ
قوله: واسِتئجارُ النقْدِ للتَّحَلِّي والوَزْنِ لا غيرُ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الشرْحِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الفائقِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». قال في «المُحَرَّرِ»: ويجوزُ إجارَةُ النقْدِ للوَزْنِ ونحوه. وقال في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم: وتجوزُ إجارَةُ نَقْد للوَزْنِ. واقْتَصرُوا عليه. قال في «الفُروعِ» : ومنَع في «المُغْنِي» إجارَةَ نَقْدٍ، أو شَمْعٍ للتجَمُّلِ، وثَوْبٍ لتَغْطيةِ نَعْش، وما يُسْرِعُ فَسادُه كرَياحِينَ. قال في «الترْغيبِ» وغيرِه: وتُفاحَة للشمِّ، بل عَنْبَر وشِبْهِه. وظاهرُ كلامِ جماعةٍ، جَوازُ ذلك. انتهى. فظاهرُ كلامِه في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الوَجزِ» ، أنَّه لا يجوزُ للتحَلِّي؛ لاقْتِصارِهم على الوَزْنِ، اللهُم إلا أنْ يُقال: خُرِّجَ كلامُهم على الغالِبِ؛ لأنَّ الغالِبَ في الدراهِمِ والدَّنانيرِ أنْ لا يُتَحَلَّى بها. وقَوْل صاحِبِ «الفُروعِ» : للتَّجَمُّلِ. ليس المُرادُ التحَلِّيَ به؛ لأن التَّجَمُّلَ غيرُ التَّحَلِّي. وأطْلَقَ في «الفُروعِ» في إجارَةِ النقْدِ للتَّحَلِّي، والوَزْنِ، الوَجْهَين، في كتاب الوَقفِ.
فَإن أطْلَقَ الإجَارَةَ، لَمْ تَصِح فِي أحَدِ الْوَجْهَينِ، وَتَصِحُّ فِي الآخَرِ، وَيَنْتَفِعُ بِهَا فِي ذَلِكَ.
ــ
قوله: فإنْ أطْلَقَ -يعْنِي الإجارَةَ في النَّقْدِ- لم يَصِحَّ في أحَدِ الوَجْهَين. وهو المذهبُ. اخْتارَه القاضي، واخْتارَه ابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الخُلاصَةِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغيرِ» ، و «الفائقِ» ، و «الفُروعِ» ، ذكَرَه في كتابِ الوَقفِ. والوَجْهُ الثاني، يصِحُّ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويَنْتَفِعُ بها في ذلك. يعْنِي، في التَّحَلِّي، والوَزْنِ. اخْتارَه أبو الخَطابِ، والمُصَنِّفُ. وهو الصوابُ. وقدمه في «الشرْح» . وأطْلَقهما في «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوعِبِ» ، و «التلْخيصِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجى» ، و «القواعِدِ» . فعلى المذهبِ، يكونُ قَرْضًا. قاله الأصحابُ.
وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ وَلَدِهِ لِخِدْمَتِهِ، وَامْرَأتِهِ لِرَضَاعَ وَلَدِهِ، وَحَضَانَتِهِ.
ــ
فائدة: وكذا حُكْمُ المَكِيلِ، والمَوْزُونِ، والفُلوسِ. فعلى الصِّحةِ، يكونُ قرْضًا. قاله القاضي. قاله في «القاعِدَةِ الثامِنَةِ والثلاثين» .
قوله: ويَجُوزُ اسْتِئْجارُ وَلَدِه لخِدْمَتِه، وامْرَأتِه لرَضاعِ وَلَدِه وحَضانَتِه. يجوزُ استئْجارُ وَلَدِه لخِدْمَتِه. قاله الأصحابُ، وقطعوا به. قلتُ: وفي النفْسِ منه شيء، بل الذي يَنْبَغِي، أنها لا تصِحُّ، ويجِبُ عليه خِدْمَتُه بالمَعْروفِ. وأما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اسِتئجارُ امْرأته لرَضاعِ وَلَدِه، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ جَوازُه. وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به الخِرَقِيُّ وغيرُه. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. وقال القاضي: لا يجوزُ. وتأوَّلَ كلامَ الخِرَقِيِّ على أنها في حِبالِ زَوْجٍ آخَرَ. قال الشِّيرازِي، في «المُنْتَخَبِ»: إنِ
وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ؛ أحَدُهَا، أنْ يَعْقِدَ عَلَى نَفْعِ الْعَين دُونَ أجْزَائِهَا، فَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ الطَّعَامِ لِلأكْلِ، وَلَا الشمْعِ لِيُشْعِلَهُ،
ــ
اسْتَأجَرَها مَن هي تحتَه لرَضاعِ وَلَدِه، لم يَجُزْ؛ لأنه اسْتَحَقَّ نَفْعَها. وعند الشيخِ تَقِيِّ الدِّينِ، لا أجْرَةَ لها مُطْلَقًا. ويأتِي في بابِ نفَقَةِ الأقارِبِ بأتم مِن هذا، عندَ قوْلِه: وإنْ طلَبَتْ أجْرَةَ مِثْلِها، ووجَد مَن يتَبَرعُ برَضاعِه، فهي أحقُّ. فعلى المذهبِ، لا فَرْقَ بينَ أنْ يكونَ الوَلَدُ منها أو مِن غيرِها، ولا أنْ تكونَ في حِبالِه، أوْ لا. ويأتِي قريب مِن ذلك، في آخِرِ بابِ نفَقَةِ الأقارِبِ والمَماليك.
فائدة: يجوزُ أنْ يَسْتاجِرَ أحدَ والِدَيه للخِدْمَةِ، لكِنْ يُكْرَهُ ذلك.
قوله: ولا تَصِحُّ إلا بشُرُوطٍ خَمْسَةٍ؛ أحَدُها، أنْ يَعْقِدَ على نَفْعِ العَينِ دُونَ
وَلا حَيَوَانٍ لِيَأخذ لبَنَهُ،
ــ
أجْزائِها، فلا تَصِحُّ إجارَةُ الطعامِ للأكْلِ، ولا الشمع ليُشْعِلَه. لا يجوزُ إجارَةُ الشمْعِ ليُشْعِلَه. على الصحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به أكثرُهم. وقال الشيخُ تَقِي الذينِ: ليس هذا بإجارَةٍ، بل هو إذْن في الإتْلافِ، وهو سائِغ، كقَوْلِه: مَن ألْقَى مَتاعَه. قال في «الفائقِ» : وهو المُخْتارُ. ثم قال: قلتُ: وهو مُشابِهٌ لبَيعِه مِنَ الصُّبْرَةِ، كل قَفِيز بكذا، ولو أذِنَ في الطعامِ بعِوَض كالشمْعِ، فمِثْلُه. انتهى. وقال في «الفُروعِ»: وجعَلَه شَيخُنا، يعْنِي إجارَةَ الشمْعِ ليُشْعِلَه، مثْلَ كلِّ شهْر بدِرْهَم. فمِثْلُه في الأعْيانِ نَظيرُ هذه المسْألةِ في المنافِعِ، ومِثْلُه: كلما أعْتَقْتَ عَبْدًا مِن عَبِيدِك، فعلَى ثَمَنُه. فإنه يصِحُّ. وإنْ لم يبيِّنِ العدَدَ والثمَنَ، وهو إذْن في الانْتِفاعِ بعِوَض، واخْتارَ جَوازَه، وأنه ليس بلازِمٍ، بل جائِر، كجَعالةٍ، وكقَوْله: ألْقِ مَتاعَك في البَحْرِ، وعلَيَّ ضَمانُه. فإنه جائزٌ. ومَن ألْقَى كذا، فله كذا. انتهى. وتقدم في أولِ فَصْلِ المُزارَعَةِ، هل يجوزُ إجارَةُ الشجَرَةِ بثَمَرِها؟
قوله: ولا حيَوَانٍ ليَأخُذَ لَبَنَه، إلا في الظِّئْرِ ونَقْعِ البِئْرِ، يَدْخُلُ تَبَعًا. هذا
إلا فِي الظِّئْرِ وَنَقْعِ الْبِئْرِ، يَدْخُلُ تَبَعًا.
ــ
المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وقطَعُوا به. وأما قوْلُه: إلّا في الظئرِ ونقْعٍ البِئْرِ يدْخُلُ تبَعًا. فتقدَّم في الظئرِ، هل وقَع العَقْدُ على اللَّبَنِ، ودخَلَتِ الحَضانة تَبَعًا، أو عكْسُه؛ في أوَّلِ البابِ. واخْتارَ الشيخُ تَقِي الدِّينِ جَوازَ إجارَةِ قَناةِ ماءٍ مُدّةً، وماءِ فائضِ بِرْكَةٍ رأياه، وإجارَةِ حَيوانٍ لأجْلِ لَبَنِه، قام به هو أو رَبه؛ فإنْ قامَ عليها المُسْتَأجِرُ وعلَفَها، فكَاستِئْجارِ الشَّجَرِ، وإنْ علَفَها ربُّها، ويأخُذُ المُشْتَرِي لبَنًا مُقَدَّرًا، فبَيعٌ مَحْضٌ، وإنْ كان يأخُذُ اللَّبَنَ مُطْلَقًا، فبَيع أيضًا، وليس هذا بغَرَر، ولأنَّ هذا يحْدُثُ شيئًا فشيئا، فهو بالمَنافِعِ أشْبَهُ، فإلْحاقُه بها أوْلَى، ولأن المُسْتَوْفَى بعَقْدِ الإجارَةِ على زَرْعِ الأرْضِ هو عَين مِن أعْيان، وهو ما يُحْدِثُه الله مِنَ الحَبِّ بسَقْيِه وعَمَلِه، وكذا مُسْتَأجِرُ الشاةِ للَبَنِها مَقْصودُه ما يُحْدِثُه الله تَعالى مِن لَبَنِها بعَلْفِها والقيامِ علهِا، فلا فَرْقَ بينَهما، والآفاتُ والمَوانِعُ التي تَعْرِضُ للزرْعِ أكثرُ مِن آفاتِ اللبَنِ، ولأنَّ الأصْلَ في العُقودِ الجَوازُ والصحَّةُ. قال: وكظِئر. انتهى.
قوله: ونَقْعُ البِئْرِ يَدْخُلُ تَبَعًا. هذا المذهبُ بلا رَيبٍ، وعليه الأصحابُ. وقال في «المُبْهِجِ» وغيرِه: ماءُ بِئْر. وقال في «الفصولِ» : لا يُسْتَحَقُّ بالإجارَةِ؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنه إنَّما يَمْلِكُه بحِيازَته. وذكَر صاحِبُ «المُحَرَّرِ» ، وغيرُه، إنْ قُلْنا: يُمْلَكُ الماءُ. لم يَجُزْ مَجْهُولًا، وإلَّا جازَ، ويكونُ على أصْلِ الإباحَةِ. وقال في «الانْتِصارِ»: قال أصحابُنا: ولو غارَ ماءُ دار مُؤجَرَةٍ، فلا فَسْخَ؛ لعدَمِ دُخولِه في الإجارَةِ. وقال في «التبصِرَةِ»: لا يَمْلِكُ عَينًا، ولا يسْتَحِقُّها بإجارَةٍ إلا نقْعَ البِئْرِ في مَوْضِعٍ مُسْتَأجَرٍ، ولبَنَ ظِئْرٍ يدْخُلان تَبَعًا.
[تنبيه: قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه»: قولُ المُصَنِّفِ: يدْخُلُ تَبَعًا. يَحْتَمِلُ أنَّه عائدٌ إلى نَقْعِ البِئْرِ؛ لأنه أفْرَدَ الضَّمِيرَ، ويَحْتَمِلُ أنه عائد إلى الظئرِ ونَقْعِ البِئْرِ. وبه صرَّح غيرُه، قال: إلا في الظئرِ ونَقْعِ البِئرِ؛ فإنَّهما يدْخُلان تَبَعًا. انتهى. قلتُ: ممَّن صرَّح بذلك، صاحِبُ «المُسْتَوْعِبِ»؛ فإنَّه قال: ولا يُسْتَحَقُّ بعَقدِ الإجارَةِ عَين إلَّا في مَوْضِعَين؛ لَبَنِ الظئرِ، ونَقْعِ البِئْرِ، فإنهما يدْخُلان تَبعًا. انتهى. وكذا صاحِبُ «التبصِرَةِ»؛ لعدَمِ ضَبْطِه. انتهى. وقال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»: وقَع العَقْدُ على المُرْضِعَةِ، واللبَنُ تَبَع، يُسْتَحَقُّ إبْلاغُه (1) بالرضاعِ. وقاله القاضي في «الخِصالِ». وصحَّحه ابنُ عَقِيل في «الفُصولِ». وقدَّمه في «الشَّرْحِ»، و «شَرْحِ ابنِ رَزِين»، كما تقادم في الظئرِ. فعلى الاحْتِمالِ، تكونُ الإجارَةُ وقَعَتْ على اللَّبَنِ. وعلى الثَّاني، يدْخُلُ اللَّبَنُ تَبَعا. وهما قولان تقَدَّما](2).
(1) في ا: «إتلافه» . وانظر صفحة 288.
(2)
زيادة من: ا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة: ومما يدْخُلُ تَبعًا؛ حِبْرُ النَّاسِخ، وخُيوطُ الخَيَّاطِ، وكُحْلُ الكَحَّالِ، ومَرْهَمُ الطيبِ، وصِبْغُ الصبَّاغِ، ونحوُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدمه في
الثَّانِي، مَعْرِفَةُ الْعَينِ بِرُؤيَةٍ أوْ صِفَةٍ، فِي أحَدِ الْوَجْهَينِ، وَتَصِحُّ فِي الآخَرِ بِدُونِهِ، وَلِلْمُستَأجِرِ خِيَارُ الرؤيَةِ.
ــ
«الرعايتَين» . وجزَم به في «الحاوي الصَّغِيرِ» ، في الحِبْرِ، والخُيوطِ، وأطْلَقَ وَجْهَين في الصبْغِ. قال في «الفُروعِ»: ومَنِ أكْترِىَ لنَسْخ أو خِياطَةٍ أو كَحْل ونحوه، لَزِمَه حِبْر، وخُيوط، وكُحْل. وقيل: يَلْزَمُ ذلك المُسْتَاجِرَ. وقيل: يُتْبَعُ في ذلك العُرْفُ. قال الزرْكَشِيُّ: ويجوزُ اشْتِراطُ الكُحْلِ مِنَ الطيبِ، على الأصحِّ، لا الدَّواءِ اعْتِمادًا على العُرْفِ. وقطَع بهذا في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» .
قوله: الثَّانِي، مَعْرِفَةُ العَينِ برُؤيَةٍ أو صِفَةٍ، في أحَدِ الوَجْهَين. وهو المذهبُ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: هذا المذهبُ والمَشْهورُ. وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، وغيرِهم. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهما. وقدَّمه في «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصغيرِ» ، وغيرِهم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وفي الآخَرِ، يَجُوزُ بدُونِه، وللمُسْتَأجِرِ خِيارُ الرُّويَةِ. واعلمْ أنَّ الخِلافَ هنا مَبْنِيٌّ على الخِلافِ في البَيعِ، على ما تقدَّم.
الثَّالث، الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ، فَلا تَصحُّ إِجَارَةُ الآبِقِ، وَالشَّارِدِ، وَلَا الْمَغْصُوبِ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أخْذِهِ.
وَلَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْمُشَاعِ مُفْرَدًا لِغَيرِ شَرِيكِهِ. وَعَنْهُ، مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازه.
ــ
قوله: ولا تَجُوزُ إجارَةُ المُشاعِ مُفْرَدًا لغيرِ شَرِيكِه. هذا المذهبُ بلا رَيب، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» (1): قال أصحابُنا: ولا تَجُوزُ إجارَةُ المُشاعِ لغيرِ الشّرِيك، إلا أنْ يُؤجِرَ الشرِيكان معًا. وجزَم به في
(1) انظر: المغني 8/ 134.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الوَجيزِ» وغيرِه. وقدمه في «الفُروعِ» وغيرِه. قال في «الفائقِ» : ولا تصِح إجارَةُ مُشاعٍ مُفْرَدا لغيرِ شَرِيك أو معه، إلا بإذْن. قال في «الرِّعايةِ»: لا تصِح إلَّا لشَريكِه بالباقي، أو معه لثالثٍ. انتهى. وعنه، ما يَدُلُّ على جَوازِه. اخْتارَه أبو حَفْص العُكْبَرِي، وأبو الخَطَّاب، وصاحِبُ «الفائقِ» ، والحافِظُ ابنُ عَبْدِ الهادِي في «حَواشِيه» . وقدامه في «التبصِرَةِ» . وهو الصوابُ. وفي طَرِيقَةِ بعضِ الأصحابِ، ويتَخَرَّجُ لنا مِن عدَمِ إجارَةِ المُشاع، أنْ لا يصِحَّ رَهْنُه، وكذا هِبَتُه، ويتَوَجَّهُ، ووَقْفُه. قال: والصحيحُ هنا صِحَّة رَهْنِه وإجارَته وهِبَتِه. قال في «الفُروعِ» : وهذا التَّخْريجُ خِلافُ نصِّ أحمدَ، في رِوايَةِ سِنْدِي؛ يجوزُ بَيعُ المُشاعِ ورَهْنُه، ولا يجوزُ أنْ يُؤجَرَ؛ لأن الإجارَةَ للمَنافِعِ، ولا يَقْدِرُ على
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الانْتِفاعَ.
فائدتان؛ إحْداهما، هل إجارَةُ حَيوانٍ ودارٍ لاثْنَين وهما لواحِدٍ، أمِثْلُ إجارَةِ المُشاعِ، أو يصِحُّ هنا، وإنْ مَنعْنا في المُشاعِ؛ فيه وَجْهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . وجعَلَهما في «المُغْنِي» ، و «الشرْح» ، وغيرِهما مِثْلَه. وجزم
الرَّابعُ، اشْتِمَالُ الْعَينِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ، فَلَا تَجُوزُ إِجَارَةُ بَهِيمَةٍ زَمِنَةٍ لِلْحَمْلِ، وَلَا أرْض لَا تُنْبِتُ لِلزَّرْعِ.
ــ
به في «الوَجيزِ» . وقيل: يصِحُّ هنا، وإنْ مَنعْنا الصِّحّةَ في المُشاعِ. الثَّانيةُ، قولُه: فلا تَجُوزُ إجارَةُ بَهِيمَةٍ زَمِنَةٍ للحَمْلِ، ولا أرْض لا تُنْبِتُ للزّرْعِ. قال في «الموجَزِ»: ولا حَمامٍ لحَمْلِ الكُتُبِ، لتَعْذيبِه. وفيه احْتِمالٌ، يصِحُّ. ذكَرَه في «التبصِرَةِ». قال في «الفُروعِ»: وهو أوْلَى.
الْخَامِسُ، كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مَمْلُوكَةً لِلْمُؤجِرِ، أو مَأذُونًا لَهُ فِيهَا، فَيَجُوزُ لِلْمُسْتَأجرِ إجَارَةُ الْعَينِ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ.
ــ
قوله: الخامسِ، كَوْنُ المنْفَعَةِ مَمْلُوكَةً للمُؤجِرِ، أو مَأذُونا له فيها. وهذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. ويَحْتَمِلُ الجَوازُ، وَيقِفُ على إجازَةِ المالِكِ؛ بِناءً على جَوازِ بَيعِ مالِ الغيرِ بغيرِ إذْنِه، على ما تقدَّم في تَصَرُّفِ الفُضُولِيِّ، في كتابِ البَيع.
قوله: فتَجُوزُ للمُسْتَأجِرِ إجارَةُ العَينِ لمَن يَقُومُ مَقامَه، وتَجُوزُ للمُؤجِرِ وغيرِه بمثلِ الأجْرَةِ وزِيادَةٍ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. قال الزرْكَشِي: هذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المذهبُ عندَ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وعنه، لا تجوزُ إجارَتُها. ذكَرَها القاضي. وعنه، لا تجوزُ إلَّا بإذنِه. وعنه، لا تجوزُ بزِيادَةٍ إلَّا بإذْنِه. وعنه، إنْ جدَّدَ فيها عِمارَةً، جازَتِ الزّيادَةُ، وإلَّا فلا، فإنْ فعَل، تصَدَّقَ بها. قاله في «الرِّعايةِ» وغيرِه.
فائدة: قال في «التَّلْخيصِ» ، في أوَّلِ الغَصْبِ: ليس لمُسْتَأجِرِ الحُرِّ أنْ يُؤجِرَه مِن آخَرَ، إذا قُلْنا: لا تَثْبُتُ يدُ غيرِه عليه. وإنَّما هو يُسَلمُ نفْسَه. وإنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قُلْنا: تَثْبُتُ. صح. انتهى. قلتُ: فعلى الأوَّلِ، يُعايىَ بها، ويُسْتَثْنَى مِن كلامِ مَن أطْلَقَ.
تنبيهان؛ أحدُهما، الذي يَنْبَغِي، أنْ تُقَيدَ هذه المَسألةُ، فيما إذا أجَرَها لمُؤجِرِها، بما إذا لم يكُنْ حِيلَة، لم يَجُزْ، قوْلا واحدًا. ولعَله مُرادُ الأصحابِ، وهي شَبِيهَة بمَسْألةِ العِينَةِ وعكْسِها. الثاني، ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ، جَوازُ إجارَتها، سواء كان قبَضَها، أو لا. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ على ما اصْطَلَحْناه. وقدمه في «الفُروعِ». وقيل: ليس له ذلك قبلَ قَبْضِها. جزَم به
وَتَجُوزُ لِلْمُؤجِرِ وَغَيرِهِ بِمِثْلِ الأجْرَةِ وَزِيَادَةٍ. وَعَنْهُ، لَا تَجُوزُ بِزِيَادَةٍ. وَعَنْهُ، إِنْ جَدَّدَ فِيهَا عِمَارَةً، جَازَتِ الزِّيَادةُ، وَإلَّا فَلَا.
ــ
في «الوَجيز» . وقيل: تجوزُ إجارَتُها للمُؤجِرِ دُونَ غيرِه. قدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي» . وصححُوا في غيرِ المُؤجِرِ، أنه لا يصِح. وأطلقهُن في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وقالا: أصْلُ الوَجهَين، بَيعُ الطعام قبلَ قَبْضِه، هل يصِحُّ مِن بائعِه، أم لا؟ على ما تقدَّم. والمذهبُ عدَمُ الجَوازِ هناكَ، فكذا هُنا، فيكونُ ما قاله في «الوَجيزِ» المذهبَ. وظاهرُ كلامِه في «الفُروعِ» ، عدَمُ البِناءِ، والصَّوابُ البِناءُ.
وَلِلْمُسْتَعِيرِ إجَارَتُهَا إِذَا أذِنَ لَهُ الْمُعِيرُ مُدَّةً بِعَينهَا.
ــ
قوله: وللمُسْتَعِيرِ إجارَتُها إذا أذِنَ له المُعِيرُ مُدةً بعَينها. يعْنِي، أذِنَ له في إجارَتها. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذهَب» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْح» ، و «التلْخيص» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الرعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. وقال في «الرعايةِ الكُبْرى»: ولا يصِحُّ إيجارُ مُعارٍ. وقيل: إلَّا أنْ يأذَنَ ربُّه في مُدَّةٍ مَعْلومَةٍ.
وَتَجُوزُ إجَارَةُ الْوَقْفِ.
ــ
قوله: وتَجُوزُ إجارَةُ الوَقْفِ، فإن ماتَ المُؤجِرُ فانْتَقَلَ إلى من بعدَه، لم تَنْفَسِخ الإجارَةُ في أحَدِ الوَجْهَين. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الهادِي» ، و «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الفائقِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، و «تَجْريدِ العِنايةِ» ؛ أحدُهما، لا تَنْفَسِخُ بمَوْتِ المُؤجِرِ. وهو المذهبُ على ما اصْطَلَحْناه في الخُطبةِ، كما لو عُزِلَ الوَلِيُّ، وناظِرُ الوَقْفِ، وكمِلْكِه المُطْلَقِ. قاله المُصَنِّفُ وغيرُه. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «النظْمِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِين». قال القاضي في «المُجَرَّد»: هذا قِياسُ المذهبِ. والوَجْهُ الثَّاني، تَنْفَسِخ. جزَم به القاضي في «خِلافِه» ، وأبو الحُسَينِ أيضًا، وحكَياه عن أبِي إسْحاقَ ابنِ شَاقْلَا. واخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ، وابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» ، والشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وغيرُهم. قال الشيخُ تَقِي الدِّينِ: هذا أصحُّ الوَجْهَين. قال القاضي: هذا ظاهرُ كلام أحمدَ في رِوايَةِ صالح. قال ابنُ رَجَبٍ في «قواعِدِه» : وهو المذهبُ الصَّحيحُ؛ لأَن الطبقَةَ الثَّانِيَةَ تَسْتَحِقُّ العَينَ بمَنافِعِها تلَقِّيًا عنِ الواقِفِ بانْقِراضِ الطبقَةِ الأولَى. وقامه في «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصغِيرِ». قلتُ: وهو الصوابُ. وهو المذهبُ. وقال النَّاظِمُ:
ولو قيلَ إنْ يُؤجِرْه ذُو نَظرٍ مِن الـ
…
ـمُحَبِّسِ لم يَفْسَخْ فقط لم أُبَعِّدِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقيل: تَبْطُل الإجارَةُ. وهو تخْرِيجٌ للمُصَنِّفِ في «المُغْنِي» مِن تَفْريقِ الصفْقَةِ. قال في «القاعِدَةِ السادِسَةِ والثلاثين» : لكنَّ الأجْرَةَ إنْ كانتْ مُقَسَّطَةً على أشْهُر مُدةَ الإجارَةِ أو أعْوامَها، فهي صَفَقات مُتَعَدِّدَة على أصحِّ الوَجْهَين، فلا تَبْطُلُ جَمِيعُها ببُطْلانِ بعضِها، وإنْ لم تكُن مُقَسَّطَةً، فهي صَفْقَة واحِدَة، فيَطرِدُ فيها الخِلافُ المذْكورُ. انتهى. وقال في «الفائقِ»: قلتُ: وتُخَرجُ الصِّحَّةُ بعدَ المَوْتِ مَوْقوفَةً، لا لازِمَةً، وهو المُخْتارُ. انتهى.
تنبيهات؛ أحدُها، قال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ مِثْلُه فيما إذا أجَرَه، ثم وَقَفَه. الثاني، قال العَلامَةُ ابنُ رَجَبٍ في «قواعِدِه»: اعلمْ أن في ثُبوتِ الوجْهِ الأوَّلِ نَظرًا؛ لأن القاضيَ إنما فرَضَه فيما إذا أجَر المَوْقُوفُ عليه؛ لكَوْنِ النظَرِ له مَشْروطًا، وهذا محَلُّ ترَدُّدٍ؛ أعْنِي، إذا أجَر بمُقْتَضَى النَّظَرِ المَشْروطِ له، هل يَلْحَقُ بالنَّاظِرِ العام، فلا تَنْفَسِخُ بمَوْتِه، أم لا؟ فإن مِن أصحابنا المُتَأخرين مَن ألْحَقَه بالناظِرِ العام. انتهى. الثالثُ، محَلُّ الخِلافِ المُتقَدمَ، إذا كان المؤجِرُ هو المَوْقوفَ عليه بأصْلِ الاسْتِحْقاق. فأما إنْ كان المُؤجِرُ هو النَّاظِرَ العَامَّ، أو مَن شَرَطَه له، وكانَ أجْنَبِيًّا، لم تَنْفَسِخِ الإجارَةُ بمَوْتِه، قوْلًا واحِدًا. قاله المُصَنفُ، والشارِحُ، والشيخُ تَقِيُّ الدينِ، والشيخُ زَينُ الدينِ بنُ رَجَبٍ، وغيرُهم. وقال ابنُ رَجَب: أمَّا إذا شَرَطَه للمَوْقُوفِ عليه، أو أتَى بلَفْط يدُل على ذلك، فأفْتَى بعضُ المُتَأخرِين بإلْحاقِه بالحاكم ونحوه، وأنه لا يَنْفَسِخُ، قوْلا واحِدًا. وأدْخَلَه ابنُ حَمْدانَ في الخِلافِ. قال الشيخُ تَقِي الدينِ: وهو الأشْبَهُ. الرابعُ، محَل الخِلافِ أيضًا عندَ ابنِ حَمْدانَ في «رِعايَتَيه» ، وغيرِه، إذا أجَرَه مُدَّة يعيشُ فيها غالِبًا. فأما إنْ أجَرَه مُدَّةً لا يعيشُ فيها غالِبًا، فإنَّها تَنْفَسِخُ، قوْلًا واحِدا، وما هو ببَعيدٍ. فعلى الوَجهِ الأولِ، مِن أصْلِ المَسْألَةِ، يَسْتَحِقُّ البَطْنُ الثَّاني حِصتَه مِنَ
فَإنْ مَاتَ الْمُؤجِرُ، فَانْتَقَلَ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ، لَمْ تَنْفَسِخِ الإجَارَةُ، فِي أحَدِ الْوَجْهَينِ، وَلِلثَّانِي حِصَّتُهُ مِنَ الأجْرَةِ.
ــ
الأجْرَةِ مِن تَرِكَةِ المُؤجِرِ إنْ كان قبَضَها، وإنْ لم يَكُنْ قَبَضَها، فعلى المُسْتَأجِرِ. وعلى الوَجْهِ الثَّاني، يَرْجِعُ المُسْتَأجِرُ على ورَثَةِ المُؤجِرِ القابِضِ. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدينِ: إنْ كان قبَضَها المُؤجِرُ، رجَع بذلك في تَرِكَتِه، فإنْ لم تَكُنْ تَرِكَة، فأفْتَى بعضُ أصحابِنا بأنه إذا كان المَوْقُوفُ عليه هو النَّاظِرَ فَماتَ، فللبَطْنِ الثَّاني فَسْخُ الإجارَةِ، والرُّجوعُ بالأجْرَةِ على مَن هو في يَدِه. انتهى. وقال أيضًا: والذي يتَوَجَّهُ أوَّلًا أنَّه لا يجوزُ سلف الأجْرَةِ للمَوْقُوفِ عليه؛ لأنه لا يَسْتَحِقُّ المَنْفَعَةَ المُسْتَقْبِلَةَ، ولا الأُجْرَةَ عليها، فالتَّسْلِيف لهم قَبْض ما لا يَسْتَحِقونه، بخِلافِ المالِكِ، وعلى هذا، فللبَطْن الثَّاني أنْ يُطالِبُوا بالأجْرَةِ المُسْتَأجرَ؛ لأنه لم يَكنْ له التَّسْلِيفُ، ولهم أنْ يُطالِبُوا النَّاظِرَ. انتهى.
فائدة: قال ابنُ رَجَبٍ، بعدَ ذِكْرِ هذه المَسْألةِ: وهكذا حُكْمُ المُقْطِعِ إذا أجَر إقْطاعَه، ثم انْتقَلَتْ عنه إلى غيرِه بإقْطاع آخَرَ.
وإنْ أجَرَ الْوَلِيُّ الْيَتيمَ أو السَّيِّدُ الْعَبْدَ، ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِي، وَعَتَقَ الْعَبْدُ، لَمْ تَنْفَسِخِ الإجَارَةُ. وَيَحْتَمِلُ أنْ تَنْفسِخَ.
ــ
قوله: وإنْ أجَر الوَلِيُّ اليَتيمَ -أو أجَر ماله- أو السَّيِّدُ العَبْدَ، ثم بلَغ الصَّبِيُّ وعتَق العَبْدُ، لم تَنْفَسِخِ الإجَارَةُ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وقطَع به كثيرٌ منهم؛ منهم صاحِبُ «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرُهم، وذكَرُوه في بابِ الحَجْرِ -ويَحْتَمِلُ أنْ تنْفَسِخَ. وهو وَجْه في الصَّبِيِّ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وتَخْرِيجٌ في العَبْدِ مِنَ الصَّبِيِّ. قال في «القاعِدَةِ الرابعَةِ والثلاثين» : وعندَ الشَّيخ، تنْفَسِخُ، إلَّا أنْ يَسْتَثْنِيَها في العِتْقِ؛ فإن له اسْتِثْناءَ مَنافِعِه بالشروطِ، والاسْتِثْناءُ الحُكْمِي أقْوَى، بخِلافِ الصَّبِيِّ إذا بلَغ ورَشَد، فإنَّ الوَلِيَّ تنْقَطِعُ ولايتُه عنه بالكُلِّيَّةِ. فعلى المذهبِ، لا يَرْجِعُ العَتِيقُ على سيدِه بشيءٍ مِن الأجْرَةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: يَرْجِعُ بحَقِّ ما بَقِيَ، كما يَلْزَمُه نفَقَتُه إنْ لم يَشْتَرِطْها على مُسْتَأجِرٍ. قال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ مِثْلُه فيما إذا أجَرَه ثم وقَفَه.
تنبيه: محَل الخِلافِ فيما إذا لم يَعْلَمْ بُلُوغَه عندَ فَراغِها، فأما إنْ أجَرَه مُدَّةً
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَعْلَمُ بُلُوغَه فيها، فإنها تَنْفَسِخُ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» . وهو احْتِمال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». وقيل: لا تَنْفَسِخُ أيضًا. وقدَّمه في «القاعِدَةِ السَّادِسَةِ والثَّلاثين» ، وقال: هذا الأشْهَرُ، واخْتارَه القاضي وأصحابُه. قلتُ: وهو ظاهِرُ كلامِ كثير مِنَ الأصحابِ، وظاهِرُ ما قدَّمه الشَّارِحُ. قلتُ: ويَلْحَقُ به العَبْدُ إذا عَلِمَ عِتْقَه في المُدَّةِ التي وَقعَتْ عليها الإجارَةُ، ويُتَصَوَّرُ ذلك بأنْ يُعَلِّقَ عِتْقَه على صِفَة تُوجَدُ في مُدَّةِ الإجارَةِ، ولم أرَه للأصحابِ، وهو واضِحٌ، ثم رأيتُه في «الرِّعايةِ الكُبْرى» صرَّح بذلك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدتان؛ إحْداهما، لو وُرِثَ المَأجُورُ، أو اشْتُرِيَ، أو اتهِبَ، أو وُصِّيَ له بالعَينِ، أو أُخِذَ صداقًا، أو أخذَه الزَّوْجُ عِوَضًا عَنْ خُلْع، أو صُلْحًا، أو غيرَ
فصْلٌ: وَإجَارَةُ الْعَينِ تَنْقَسِمُ قِسْمَينِ أحَدُهُمَا، أنْ تَكُونَ عَلَى مُدَّةٍ، كَإجَارَةِ الدَّارٍ شَهْرًا، والْأرْضِ عَامًا، وَالْعَبْدِ لِلْخِدْمَةِ أوْ لِلرَّعْي مُدَّةً مَعْلُومَة، يُسَمَّى الْأجِيرُ فِيهَا الْأجِيرَ الْخَاصَّ.
ــ
ذلك، فالإجارَةُ بحالِها. قطَع به في «القاعِدَةِ السَّادِسَةِ والثَّلاثين». قلتُ: وقد صرَّح به المُصَنفُ وغيرُه مِنَ الأصحابِ، حيثُ قالوا: ويجوزُ بَيعُ العَينِ المُسْتَأجَرَةِ، ولا تَنْفَسِخُ الإجارَةُ إلا أنْ يَشْتَرِيَها المُسْتَأجِرُ. الثَّانيةُ، يجوزُ إجارَةُ الإقْطاعِ، كالوَقْفِ. قاله الشَّيخُ تَقِي الدِّينِ، قال: ولم يزَلْ يُؤجَرُ مِن زَمَنِ الصحابَةِ إلى الآنَ. قال: وما عَلِمْتُ أحدًا مِن عُلَماءِ الإسْلامِ، الأئِمَّةِ الأرْبَعةِ، ولا غيرِهم، قال: إجارَةُ الإقْطاعِ لا تجوزُ. حتى حدَث في زَمانِنا، فابْتُدِعَ القَوْل بعدَمِ الجَوازِ. واقْتَصرَ عليه في «الفُروعِ» . وقال ابنُ رَجَب، في «القواعِدِ»: وأما إجارَةُ إقْطاعِ الاسْتِغْلالِ، التي مَوْرِدُها مَنْفَعَةُ الأرْضِ دُونَ رَقَبَتِها، فلا نَقْلَ فيما نَعْلَمُه، وكلامُ القاضي يُشْعِرُ بالمَنْعِ؛ لأنه جعَل مَناطَ صِحةِ الإجازةِ للمَنافِع لُزومَ العَقْدِ، وهذا مُنْتَفٍ في الاقْطاع. انتهى. فعلى ما قاله الشَّيخُ تَقِي الدينِ: لو أجَرَه، ثم اسْتُحِقَّتِ الإقْطاعُ لآخرَ، فذَكَرَ في «القواعِدِ» ، أنَّ حُكْمَه حُكْمُ
وَيُشْتَرَطُ أنْ تَكُونَ المُدَّةُ مَعْلُومَةً، يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بَقَاءُ الْعَين فِيهَا، وَإنْ طَالتْ.
ــ
الوَقفِ إذا انْتقَلَ إلى بَطْن ثانٍ، وأن الصحيحَ يَنْفَسِخُ.
قوله: ويُشْتَرَطُ كَوْنُ المُدَّةِ مَعْلومَةً. بلا نِزاعٍ في الجُمْلَةِ. لكِنْ لو علَّقَها على ما يقَعُ اسْمُه على شَيئَين؛ كالعِيدِ، وجُمادَى، ورَبِيع، فهل يصِحُّ، ويُصْرَف إلى الأوَّلِ، أو لا يصِحُّ حتى يُعَيِّنَ؟ فيه وَجْهان؛ الأوَّلُ، اخْتِيارُ المُصَنِّفِ، وجماعَةٍ مِنَ الأصحابِ. والثَّاني، اخْتِيارُ القاضي. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وأطْلَقهما الزَّرْكَشِي. وتد تقدَّم نَظيرُ ذلك في السَّلَمِ، وأن الصَّحيحَ عدَمُ الصِّحَّةِ.
قوله: يَغْلِبُ على الظَّنِّ بَقاءُ العَينِ فيها، وإنْ طالتْ. هذا المذهبُ المَشْهورُ بلا رَيب، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: لا يجوزُ إجارَتُها أكثرَ مِن سنَةٍ. قاله ابنُ حامِدٍ، واخْتارَه. وقيل: تصحُّ ثلاثَ سِنِين لا غيرُ. وقيل: ثَلاثين سنَةً. ذكَرَه القاضي. قال في «الرعايةِ» : نصَّ عليه. وقيل: لا تَبْلُغُ ثَلاثين سنَةً.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة: ليس لوَكِيلٍ مُطْلقٍ إيجارُ مُدة طويلَة، بل العُرْفُ، كسَنتَين ونحوهما. قاله الشَّيخُ تَقِي الدِّين. قلتُ: الصَّوابُ الجَوازُ إنْ رأَى في ذلك مَصْلَحَة، وتُعْرفُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالقَرائنِ، والذي يَظْهَرُ، أن الشيخَ تَقِيَّ الدينِ لا يَمْنَعُ ذلك. والله أعْلَمُ.
تنبيهات؛ الأوَّلُ، قال في «الفُروعِ» ، بعدَ حِكايةِ هذه الأقوالِ: وظاهِرُه،
وَلَا يُشْتَرَطُ أنْ تَلِيَ الْعَقْدَ، فَلَوْ أجَرَهُ سَنَةَ خَمْسٍ فِي سَنَةِ أرْبَعٍ، صَحَّ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْعَينُ مَشْغُولَةً وَقْتَ الْعَقْدِ أوْ لَمْ تَكُنْ.
ــ
ولو ظَنَّ عُدْمَ العاقدِ ولو مُدَّةً لا يظُنُّ فناءَ الدُّنْيا فيها. وفي طَرِيقَةِ بعضِ الأصحابِ، في السَّلَمِ، الشرْعُ يُراعِي الظاهِرَ، ألا ترَى أنَّه لو اشْترَطَ أجَلًا تَفِي به مُدَّتُه، صح، ولو اشْترَطَ مِائَتَين، أو أكثر، لم يصِح؛ الثَّاني، قولُه: ولا يُشْتَرَطُ أنْ تَلِيَ العَقْدَ، فلو أجرَه سَنَةَ خَمْس في سَنَةِ أرْبَع، صَحَّ، سَوَاء كانَتِ العَينُ مَشْغُولَة وَقْتَ العَقْدِ أو لم تَكُنْ. وسواء كانتْ مَشْغوَلةً بإجارَةٍ أو غيرِها. ويأتي كلامُ ابنِ عَقِيل وغيرِه قَرِيبًا. وهو صحيح، لكِنْ لو كانتْ مَرْهُونَة، ففيه خِلاف، يأتِي بَيانُه وتَصْحِيحُه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بعدَ ذلك. إذا عَلِمْتَ ذلك، فقال بعضُ الأصحابِ: إذا أجَرَه وكانتِ العَينُ مَشْغُولَةً، صح إنْ ظَن التَّسْلِيمَ عندَ وُجوبِه. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»: صحَّ، إنْ أمْكَنَ تَسْلِيمُه في أوَّلِها. وقال المُصَنِّفُ وغيرُه، في أثْناءِ بَحْثٍ لهم: تُشْترَطُ القُدْرَةُ على التّسْليمِ عندَ وُجوبِه، ولا فَرْقَ بينَ كَوْنِها مَشْغُولَةً أوْ لا، كالسَّلَمِ، فإنه لا يُشْترَطُ وُجودُ القُدْرَةِ عليه حال العَقْدِ. وقال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ابنُ عَقِيلَ في «الفُصولِ» ، أو (1) «الفُنونِ»: لا يتَصَرفُ مالِكُ العَقارِ في المَنافِعِ بإجارَةٍ ولا إعارَةٍ، إلَّا بعدَ انْقِضاءِ المُدَّةِ، واستِيفاءِ المَنافِعِ المُسْتَحَقةِ عليه بعَقْدِ الإجارَةِ؛ لأنَّه ما لم تَنْقَضِ المُدةُ، له حقُّ الاستيفاءِ، فلا تصِح تصَرفاتُ المالِكِ (2) في مَحْبُوس بحَقٍّ؛ لأنه يتَعَذرُ التسْلِيمُ المُسْتَحَق بالعَقْدِ. انتهى. قال في «الفُروعِ»: فمُرادُ الأصحابِ مُتفِق؛ وهو أنه يجوزُ إجارَةُ
(1) في ط: «و» .
(2)
في الأصل: «المملوك» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُؤجَرِ، ويُعْتَبَرُ التَّسْلِيمُ وَقْتَ وُجوبِه. انتهى. الثَّالثُ، ظاهِرُ كلامِ ابنِ عَقِيل السَّابقِ، أنَّه لا يجوزُ إجارَةُ العَينِ إذا كانتْ مَشْغولَةً. وقد قال في «الفائقِ»: ظاهرُ كلامِ أصحابِنا، عدَمُ صِحَّةِ إجارَةِ المَشْغُول بمِلْكِ غيرِ المُسْتَأجِرِ. وقال شيخُنا: يجوزُ في أحَدِ القَوْلَين، وهو المُخْتارُ. انتهى. وقد قال الشيخُ تَقي الدِّينِ، في مَن اسْتَاجَرَ أرْضًا مِن جُنْدِي وغرَسَها قَصَبًا، ثم الإقْطاعُ عَنِ الجُنْدِيِّ: إنّ الجُنْدِيَّ الثَّاني لا يَلْزَمُه حُكْمُ الإجارَةِ الأولَى، وأنَّه إنْ شاءَ أنْ يُؤجِرَها لمَن له فيها القَصَبُ أو لغيرِه. انتهى. قلتُ: قال شيخُنا؛ الشَّيخُ تَقِي الدِّينِ البَعْلِي: ظاهِرُ كلامِ الأصحابِ صِحةُ إجارَةِ المَشْغُولِ بمِلْكٍ لغيرِ المُسْتَأجِرِ، مِن إطْلاقِهم جَوازَ الإجارَةِ المُضافَةِ، فإن عُمومَ كلامِهم يَشْمَلُ المشغُوَلةَ وقْتَ الفَراغِ بغِراس، أو بِناءٍ، أو غيرِهما. انتهى. وقال في «الفُروعِ»:[لا يجوزُ للمُؤجِرِ إجارَةُ العَينِ المَشْغُولَةِ بغِراسِ الغيرِ أو بنائِه إلا (1) بعدَ فَراغِ مُدَّةِ صاحِبِ الغِراسِ والبِناءِ. و](2) قال أيضًا: لا يجوز إيجارُه لمَن يقوم مَقامَ المُؤجِرِ كما يفْعَلُه بعضُ النّاسِ. قال: وأفْتَى حماعَة مِن أصحابِنا، وغيرُهم في، هذا الزَّمانِ، أن هذا لا يصِحُّ. وهو واضِح. ولم أجِدْ في كلامِهم ما يُخالِفُ هذا. قال: ومِنَ العَجَبِ قوْلُ بعضِهم في هذا الزمانِ الذي يخْطُرُ ببالِه، مِن كلامِ أصحابِنا؛ أنّ هذه الإجارَةَ تصِحُّ. كذا قال. انتهى. وقد قال الشَّيخُ تَقِي الدِّين، [فيما حُكِىَ عنه] (3) في «الاخْتِياراتِ»: ويجوزُ للمُؤجرِ إجارَةُ العَينِ المُؤجَرَةِ مِن غيرِ المُسْتَأجِرِ في مُدةِ الإجارَةِ، ويقُومُ المُسْتَأجِرُ الثاني مَقامَ المالِك في اسْتِيفاءِ الأجْرَةِ مِنَ المُسْتَأجِرِ
(1) سقط من: الأصل، ط.
(2)
سقط من: ط.
(3)
زيادة من: ا.
وَإذَا أجرَهُ فِي أثْنَاءِ شَهْرٍ سَنَةً، اسْتَوْفَى شَهْرًا بِالعَددِ، وَسَائِرَهَا
ــ
الأوَّلِ، وغَلِطَ بعْضُ الفُقَهاءِ، فأفْتَى في نحو ذلك بفَسادِ الإجارَةِ الثّانيةِ، ظَنًّا منه أنَّ هذا كبَيعِ المَبِيعِ، وأنه تصَرُّفْ فيما لا يَمْلِكُ. وليس كذلك، بل هو تَصَرُّفْ فيما اسْتَحَقه على المُسْتَأجرِ. انتهى. وأمَّا إنْ كانتْ مَرْهُونَةً وَقْتَ عقْدِ الإجارَةِ، ففي صِحتِها وَجْهان. وَأطْلَقهما في «الفُروعِ». قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرى»: وإنْ أجَرَه مُدَّةً لا تَلِي العَقْدَ، صحَّ إنْ أمْكَنَ التَّسْلِيمُ في أولِها. ثم قال: قلتُ: فإنْ كان ما أجَرَه مَرْهُونًا وَقْتَ العَقْدِ لا وَقْتَ التَّسْليمِ المُسْتَحَقِّ بالأُجْرَةِ، احْتَمَلَ وَجْهَين. انتهى. قلتُ: إنْ غلَبَ على الظَّنِّ القُدْرَةُ على التَّسْليمِ وَقْتَ وُجوبِه، صَحَّتْ، وإلا فلا. وهو ظاهرُ كلامِ كثير مِنَ الأصحابِ، وداخِلٌ في عُمومِ كلامِهم. وتقدم في الرَّهْنِ أن الراهِنَ والمُرْتَهِنَ إذا اتفَقا على إيجارِ المَرْهُونِ، جازَ، وإنِ اخْتَلَفا، تعَطَّلَ. على الصحيحِ مِنَ المذهبِ. [وقال في «الكافِي»: وإذا اتَّفَقا على إجارَته أو إعارَته، جازَ في قَوْلِ الخِرَقِيِّ، وأبِي الخَطابِ. وقال أبو بَكْر: يجوزُ إجارَتُه. وقال ابنُ أبِي مُوسى: إذا أذِنَ الرَّاهِنُ للمُرْتَهِنِ في إعارَته أو إجارَته، جازَ، والأجْرَةُ رَهْنٌ، وإِنْ أجَرَه الرَّاهِنُ بإذْنِ المُرْتَهِنِ، خرَج مِنَ الرَّهْنِ، في أحَدِ الوَجْهَين، وفي الآخرِ، لا يَخْرُجُ.
تنبيه: محَلُّ هذا الخِلافِ إذا كان الرَّهْنُ لازِمًا، أمَّا إنْ كان غيرَ لازِم، فتَصِح إجارَتُه، قوْلًا واحِدًا. وتقدَّم في الرهْنِ؛ هل يَدُومُ لُزومُه بإجارَته، أم لا؟] (1)
قوله: وإنْ أجَرَه في أثْنَاءِ شَهْر سَنَةً اسْتَوْفَى شَهْرًا بالعَدَدِ وسائرَها بالأهِلَّةِ.
(1) زيادة من: ش.
بِالْأهِلَّةِ. وَعَنْهُ، يَسْتَوْفِي الْجَمِيعَ بِالْعَدَدِ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْأشْهُرُ؛ كَعِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَشَهْرَي صِيَامِ الْكَفَّارَةِ.
ــ
وكذلك الحُكْمُ في كلِّ ما يُعْتَبرُ فيه الأشْهُرُ؛ كعِاةِ الوَفاةِ، وشَهْرَيْ صِيَامِ الكَفَارَةِ. وكذا النَّذْرُ. وكذا مُدَّةُ الخيارِ، وغيرُ ذلك. وهذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، ونص عليه في النَّذْر. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقامه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، وغيرِهم. وعنه، يَستوْفِي الجَمِيعَ بالعَدَدِ. وعندَ الشيخِ تَقِيِّ الدِّينَ إلى تلك السَّاعَةِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تنبيه: قوْلُه: اسْتَوْفَى شَهْرًا بالعَدَدِ. يَعْنِي، ثَلاثينَ يَوْمًا. جزَم به في «الفُروعِ» ، وقال: نصَّ عليه في نَذْر، وصَوْم، وجزَم به في «الرعايَةِ» أيضًا، وغيرِهما. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدينِ: إنَّما يُعْتَبرُ الشَّهْرُ الأوَّلُ بحسَب تَمامِه ونُقْصَانِه؛ فإنْ كان تامًّا، كَمَلَ تامًّا، وإنْ كان ناقِصًا، كَمَلَ ناقِصًا. ويَأتِي نَظيرُ ذلك في
الْقِسْمُ الثَّانِي، إجَارَتُهَا لِعَمَل مَعْلُوم؛ كإجَارَةِ الدَّابَّةِ لِلرُّكُوبِ إِلَى مَوْضِع مُعَيَّن، أوْ بَقَرة حَرْثِ مكَانٍ أوْ دِيَاسِ زَرْع، أو
ــ
بابِ الطَّلاقِ، في الماضِي والمُسْتَقْبَلِ، عندَ قوْلِه: وإنْ قال: إذا مَضَتْ سنَة، فأنْتِ طالِق. طَلَقَتْ إذا مضَى اثْنا عشَرَ شَهْرًا بالأهِلةِ، ويُكْمِلُ الشَهْرَ الذي حَلَفَ في أثْنائِه بالعدَدِ.
اسْتِئْجَار عَبْدٍ لِيَدُلَّه عَلَى طَرِيقٍ، أوْ رَحًى لِطَحْنِ قفْزَانٍ مَعْلومَةٍ، فَيُشْتَرَط مَعْرِفَة الْعَمَلِ، وَضَبْطهُ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ.
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فَصْلٌ: الضَّرْبُ الثَّانِي، عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي الذِّمَّةِ، مَضْبُوطَةٍ بِصِفَاتٍ، كَالسَّلَمِ؛ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، وَبِنَاءِ دَارٍ، وَحَمْلٍ إِلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ. وَلَا يَكُونُ الْأَجِيرُ فِيهَا إِلَّا آدَمِيًّا جَائِزَ التَّصَرُّفِ، وَيُسَمَّى الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ.
ــ
فائدة: قولُه: الضَّرْبُ الثَّانِي، عَقْدٌ على مَنْفَعَةٍ في الذِّمَّةِ، مَضْبُوطَةٍ بصِفاتٍ كالسَّلَمِ؛ كخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، وبِناءِ دَارٍ، وحَمْلٍ إلى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ. هذا صحيحٌ بلا نِزاعٍ، ويَلْزَمُه الشُّروعُ فيه عَقِبَ العَقْدِ، فلو تَرَكَ ما يَلْزَمُه، قال الشَّيخُ تَقِيُّ
وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَينَ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ، كَقَوْلِهِ: اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَخِيطَ لِيَ هَذَا الثَّوْبَ فِي يَوْمٍ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ.
ــ
الدِّينِ: بلا عُذْرٍ فتَلِفَ، ضَمِنَ بسَبَبِه، وله الاسْتِنابَةُ، فإنْ مَرِضَ أو هرَبَ، اكْتَرَى مَنْ يعْمَلُ عليه، فإنْ شرَطَ مُباشَرَتَه له بنَفْسِه، فلا، ولا اسْتِنابَةَ إذَنْ. نقَلَ حَرْبٌ، في مَن دفَع إلى خَيَّاطٍ ثَوْبًا ليَخِيطَه، فقطَعَه، ودفَعَه إلى خَيَّاطٍ آخَرَ، قال: لا، إنْ فعَل ضَمِنَ. قال المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، والشَّارِحُ: فإنِ اخْتَلَفَ القَصْدُ، كنَسخِ كِتابٍ، لم يَلْزَمِ الأجِيرَ أنْ يُقِيمَ مُقامَه، ولو أقامَ مُقامَه، لم يَلْزَمِ المُكْتَرِيَ قَبُولُه، فلو تعَذَّرَ فِعْلُ الأجيرِ بمَرَضٍ أو غيرِه، فله الفَسْخُ. ويأْتِي ذلك في قوْلِه: ومَنِ اسْتُؤْجِرَ لعَمَلِ شيءٍ، فمَرِضَ.
قوله: ولا يَجُوزُ الجَمْعُ بينَ تَقْدِيرِ المُدَّةِ والعَمَلِ، كقَوْلِه: اسْتَأْجَرْتُك لتَخِيطَ ليَ هذا الثَّوْبَ في هذا اليَوْمِ -هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وقدَّموه- ويَحْتَمِلُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنْ يصِحَّ. وهو رِوايَةٌ كالجَعالةِ، على أصحِّ الوَجْهَين فيها. قال في «التَّبْصِرَةِ»: وإنِ اشْترَطَ تَعْجِيلَ العَمَلِ في أقْصَى مُمْكِنٍ، فله شَرْطُه وأطْلَقَ الرِّوايَتَين في «المُحَرَّرِ» . فعلى الصِّحَّةِ، لو أتَمَّه قبلَ فَراغِ المُدَّةِ، فلا شيءَ عليه، ولو مَضَتِ المُدَّةُ قبلَه، فله الفَسْخُ. قاله في «الفائقِ» وغيرِه.
وَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ؛ كَالْحَجِّ، وَالْأَذَانِ، وَنَحْوهِمَا. وَعَنْهُ؛ تَصِحُّ.
ــ
قوله: ولا تَصِحُّ الإِجَارَةُ على عَمَلٍ يَخْتَصُّ فاعِلُه أَنْ يكونَ مِن أَهْلِ القُربَةِ -يعْنِي، بكَوْنِه مُسْلِمًا، ولا يقَعُ إلَّا قُرْبَةً لفاعِلِه- كالحَجِّ -أي النِّيابَةِ فيه- والأَذانِ ونحوهما. كالإِقامَةِ، وإمامَةِ صَلاةٍ، وتَعْليمِ القُرْآنِ. قال في «الرِّعايةِ»: والقَضاءِ. وهذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال ابنُ مُنَجَّى وغيرُه: هذا أصحُّ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وعنه، يصِحُّ كأَخْذِه بلا شَرْطٍ. نصَّ عليه. وقال في «الرِّعايةِ» ، قُبَيلَ صلاةِ المَريضِ:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويُكْرَهُ أخْذُ الأُجْرَةِ على الإِمامَةِ بالنَّاسِ. وعنه، يَحْرُمُ. انتهى. واخْتارَ ابنُ شَاقْلَا الصِّحَّةَ في الحَجِّ؛ لأنَّه لا يجِبُ على أجِيرٍ، بخِلافِ أذانٍ ونحوه. وذكَر في «الوَسِيلَةِ» الصِّحَّةَ عنه، وعن الخِرَقِيِّ، لكِنَّ أحمدَ منَع في الإِمامَةِ بلا شَرْطٍ أيضًا. وقيل: يصِحُّ للحاجَةِ. ذكَرَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، واخْتارَه. وقال: لا يصِحُّ الاسْتِئْجارُ على القِراءَةِ، وإهْداؤُها إلى المَيِّتِ؛ لأنَّه لم يُنْقَلْ عن أحدٍ مِن الأئمَّةِ الإِذْنُ في ذلك. وقد قال العُلَماءُ: إنَّ القارِئَ إذا قرَأَ لأَجْلِ المالِ، فلا ثَوابَ له. فأيُّ شيءٍ يُهْدَى إلى المَيِّتِ؟ وإنَّما يصِلُ إلى المَيِّتِ العَمَلُ الصَّالِحُ، والاسْتِئْجارُ على مُجَرَّدِ التِّلاوَةِ لم يَقُلْ به أحدٌ مِنَ الأئمَّةِ، وإنَّما تَنازَعُوا في الاسْتِئْجارِ على
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التَّعْليمِ. والمُسْتَحَبُّ أنْ يأْخُذَ الحاجُّ عن غيرِه ليَحُجَّ، لا أنْ يَحُجَّ ليَأْخُذَ، فمَن أحبَّ إبْراءَ ذِمَّةِ المَيِّتِ أو رُؤْيَةَ المَشاعِرِ، يأْخُذُ ليَحُجَّ. ومِثْلُه كلُّ رِزْقٍ أُخِذَ على عَمَلٍ صالحٍ، يُفَرَّقُ بينَ مَن يقْصِدُ الدِّينَ فقط، والدُّنْيا وَسِيلَةٌ، وعَكْسِه، فالأَشْبَهُ أنَّ عَكْسَه ليس له في الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ. قال: وحَجُّه عن غيرِه ليَسْتَفْضِلَ ما يُوَفِّي دَينَه، الأَفْضَلُ ترْكُه، لم يَفْعَلْه السَّلَفُ، ويتَوجَّهُ فِعْلُه لحاجَةٍ. قاله صاحِبُ «الفُروعِ» ، ونصَرَه المُصَنِّفُ بأدِلَّةٍ. ونقَل ابنُ هانِئٍ، في مَن عليه دَينٌ، وليس له ما يحُجُّ، أَيَحُجُّ عن غيرِه ليَقْضِيَ دَينَه؟ قال: نعم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فوائد؛ الأُولَى، تَعْلِيمُ الفِقْهِ والحديثِ مُلْحَقٌ بما تقدَّم. على الصَّحيحِ. اخْتارَه القاضي، في «الخِلافِ» ، وابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». وقيل: يصِحُّ هنا، وإنْ منَعْنا فيما تقدَّم. جزَم به في «الوَجيزِ» ، و «شَرْحِ ابنِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رَزِينٍ». واخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وهو المذهبُ علي المُصْطَلَحِ. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . الثَّانيةُ، لا بأْسَ بأَخْذِ الأُجْرَةِ على الرُّقْيَةِ. نصَّ عليه. قاله الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ وغيرُه. الثَّالثةُ، يجوزُ أخْذُ الجَعالةِ على ذلك كلِّه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وقطَع به جماعَةٌ. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُصَنِّفُ: فيه وَجْهان. وهو ظاهِرُ «التَّرْغيبِ» وغيرِه. وقال في «المُنْتَخَبِ» :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الجُعْلُ في الحَجِّ كالأُجْرَةِ. الرَّابعةُ، يَحْرُمُ أخْذُ أُجْرَةٍ وجَعالةٍ على ما لا يتَعَدَّى نَفْعُه؛ كصَوْمٍ، وصَلاةٍ خلْفَه، ونحوهما. الخامسةُ، يجوزُ أخْذُ الرِّزْقِ على ما يتَعَدَّى نَفْعُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ، في «التَّذْكِرَةِ»: لا يجوزُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أخْذُ الرِّزْقِ على الحَجِّ، والغَزْو، والصَّلاةِ، والصِّيامِ. وذكَر نحوَه القاضي في «الخِصالِ» ، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، وذكَرَه في «التَّعْليقِ» . ونقَل صالِحٌ، وحَنْبَلٌ، لا يُعْجِبُني أنْ يأْخُذَ ما يَحُجُّ به، إلَّا أنْ يَتَبَرَّعَ. وتقدَّم كلامُ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ في مَن أخَذ ليَحُجَّ، قَرِيبًا.
فَإِنِ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْجُمَهُ، صَحَّ، وَيُكْرَهُ لِلْحُرِّ أَكْلُ أُجْرَتِهِ، وَيُطْعِمُهُ الرَّقِيقَ وَالْبَهَائِمَ. وَقَال الْقَاضِي: لَا تَصِحُّ.
ــ
قوله: وإنِ اسْتَأْجَرَه ليَحْجُمَه، صَحَّ. هذا المذهبُ. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وأبو الخَطَّابِ، وغيرُهم. وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» . وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. وعنه، لا يصِحُّ. اخْتارَه القاضي، والحَلْوَانِيُّ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هو قَوْلُ القاضي، وجُمْهورِ أصحابِه. قال في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«التَّلْخيصِ» : وهو المَنْصوصُ. وقدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الفائقِ» . وأطْلَقهما في «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: ويُكْرَهُ للحُرِّ أكْلُ أُجْرَتِه. يعْنِي، على القَوْلِ بصِحَّةِ الاسْتِئْجارِ عليه، [إلَّا إذا أُعْطِيَ مِن غيرِ شَرْطٍ ولا إجارَةٍ](1). وهذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وصحَّحه في «المُسْتَوْعِبِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وعنه، يَحْرُمُ مُطْلَقًا. واخْتارَ القاضي في «التَّعْليقِ» ، أنَّه يَحْرُمُ أكْلُه على سيِّدِه.
(1) زيادة من: ش.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدتان؛ إحْداهما، يُكْرَهُ أخْذُ ما أعْطاه بلا شَرْطٍ. عل الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقدَّمه في «الفُروعِ» . واخْتارَ القاضي وغيرُه، يُطْعِمُه رَقِيقَه وناضِحَه. وعنه، يَحْرُمُ. وجوَّزَه الحَلْوانِيُّ وغيرُه لغيرِ حُرٍّ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. فعلى المذهبِ، يَحْرُمُ أكْلُه، على إحْدَى الرِّوايَتَين. قال القاضي: لو أُعْطِيَ شيئًا مِن غيرِ عَقْدٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا شَرْطٍ، كان له أخْذُه، ويَصْرِفُه في عَلَفِ دَوابِّه، ومُؤْنَةِ صِناعَتِه، ولا يحِلُّ أكْلُه. قال الزَّرْكَشِيُّ: اخْتارَ تَحْرِيمَ أكْلِه القاضي، وطائفَةٌ مِن أصحابِه. وقدَّمه ناظِمُ «المُفْرَداتِ» . وعنه، يُكْرَهُ أكْلُه. فعلى رِوايَةِ تحرْيمِ أكْلِه، ظاهِرُ كلامِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القاضي في «التَّعْليقِ» ، وصاحِبِ «التَّلْخيصِ» ، تحْرِيمُه على كلِّ الأحْرارِ. وصرَّح القاضي في «الرِّوايتَين» ، أنَّه لا يَحْرُمُ على غيرِ الحاجِمِ. الثَّانيةُ،
فَصْلٌ: وَلِلْمُسْتَأْجِرِ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِمِثْلِهِ، وَلَا يَجُوزُ بِمَنْ هُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا مِنْهُ، وَلَا بِمَنْ يُخَالِفُ ضَرَرُهُ ضَرَرَهُ.
ــ
يجوزُ اسْتِئْجارُه لغيرِ الحِجامَةِ؛ كالفَصْدِ، وحَلْقِ الشَّعَرِ، وتَقْصِيرِه، والخِتانِ، وقطْعِ شيءٍ مِن جسَدِه للحاجَةِ إليه. قاله الأصحابُ. قلتُ: لو خُرِّجَ في الفَصْدِ مِنَ الحِجامَةِ لما كان بعيدًا، وكذلك التَّشْرِيطُ، كالصَّوْمِ.
قوله: وللمُسْتَأْجِرِ اسْتِيفَاءُ المنْفَعَةِ بنَفْسِه وبمثْلِه. يجوزُ للمُسْتَأْجِرِ إعارَةُ المَأْجُورِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لمَن يقُومُ مَقامَه؛ مِن دارٍ، وحانُوتٍ، ومَرْكُوبٍ، وغيرِ ذلك، بشَرْطِ أنْ يكونَ الرَّاكِبُ الثَّانِي مِثْلَ الأوَّلِ في الطُّولِ والقِصَرِ، على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. اخْتارَه القاضي. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: لا يُشْترَطُ ذلك. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا تُشْتَرَطُ المَعْرِفَةُ بالمرْكُوبِ. قال في «الفُروعِ»: لا تُعْتَبرُ المَعْرِفَةُ بالمَرْكوبِ في الأصحِّ. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، ونصَراه. وقيل: تُشْترَطُ. اخْتارَه القاضي.
تنبيه: ظاهِرُ قوْلِ المُصَنِّفِ: وبمِثْلِهِ. جَوازُ إعارَةِ المأْجُورِ لمَن يقُومُ مَقامَه، ولو شرَط المُؤْجِرُ عليه اسْتِيفاءَ المَنْفَعَةِ بنَفْسِه. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهب. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: قِياسُ قَوْلِ أصحابِنا صحَّةُ العَقْدِ، وبُطْلانُ الشَّرْطِ. وقدَّمه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في «الفُروعِ» ، وهو احْتِمالٌ في «الرِّعايةِ». وقيل: يصِحُّ الشَّرْطُ أيضًا. وهو احْتِمالٌ للمُصَنِّفِ، وقدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى». وقيل: لا يصِحُّ العَقْدُ.
فائدتان؛ إحْداهما، لو أعارَ المُسْتَأْجِرُ العَينَ المَأْجُورَةَ، فتلِفَتْ عند المُسْتَعيرِ مِن غيرِ تَفْريطٍ، لم يَضْمَنْها، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال في «التَّلْخيصِ»:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا ضَمانَ على المُسْتَعيرِ مِن المُسْتَأْجِرِ في الأصحِّ. واقْتصرَ عليه في «القواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» . وقدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، في بابِ العارِيَّةِ. قلتُ: فيُعايَى بها. وقيل: يضْمَنُها. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . الثَّانيةُ، لو اكْتَراها ليَرْكَبَها إلى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ، أو يَحْمِلَ عليها إليه، فأَرادَ العُدولَ إلى مِثْلِها في المَسافَةِ والحُزُونَةِ (1) والأمْنِ، أو التي يعْدِلُ إليها أقَلُّ ضَررًا، جازَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. اخْتارَه القاضي. وقدَّمه في «الفُروعِ». قال في «الرِّعايةِ الصُّغْرى»: جازَ في الأشْهَرِ. وجزَم به في «الحاوي الصَّغِيرِ» . وقال المُصَنِّفُ: لا يجوزُ. وإنْ سلَك أبْعَدَ منه أو أشَقَّ، فأُجْرَةُ المِثْلِ. قدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». وقيل: المُسَمَّى وأُجْرَةُ الزَّائدِ والمَشَقَّةِ. قال الشَّارِحُ: هو قِياسُ المَنْصوصِ.
(1) الحَزْنُ، من الأرض: ما غلظ. ومن الدواب: ما صعبت رياضته.
وَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ وَمَا دُونَهَا فِي الضَّرَرِ مِنْ جِنْسِهَا، فَإِذَا اكْتَرَى لِزَرْعِ الْحِنْطَةِ، فَلَهُ زَرْعُ الشَّعِيرِ وَنَحْوهِ، وَلَيسَ لَهُ زَرْعُ الدُّخْنِ وَنَحْوهِ. وَلَا يَمْلِكُ الْغَرْسَ وَلَا الْبِنَاءَ. وَإِنِ اكْتَرَاهَا لِأَحَدِهِمَا، لَمْ يَمْلِكِ الْآخَرَ. فَإِنِ اكْتَرَاهَا لِلْغَرْسِ، مَلَكَ الزَّرْعَ.
ــ
قوله: ولا يجُوزُ بمَن هو أكْثَرُ ضَرَرًا منه، ولا بمَن يُخَالِفُ ضَرَرُه ضَرَرَه. بلا نِزاعٍ في الجُمْلَةِ.
تنبيه: قولُه: وله أَنْ يَسْتوْفِيَ المنْفَعَةَ وما دونَها في الضَّرَرِ مِن جِنْسِها، فإذا اكْتَرَى لِزَرْعِ حِنْطَةٍ، فله زَرْعُ الشَّعِيرِ ونحوه، وليس له زَرْعُ الدُّخْنِ ونحوه. ولا يَمْلِكُ الغَرْسَ ولا البِناءَ -فإنْ فعَل، لَزِمَه أُجْرَةُ المِثْلِ- وإنِ اكْتَراها لأحَدِهما، لم يَمْلِكِ الآخَرَ، وإنِ اكْتَراها للغَرْسِ، مَلَكَ الزَّرْعَ. وهذا المذهبُ. وقال في «الرِّعايةِ»:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإنِ اكْتَراها لغَرْسٍ أو بِناءٍ، لم يَمْلِكِ الآخَرَ، فإنْ فعَل فأُجْرَةُ المِثْلِ، وله الزَّرْعُ بالمُسَمَّى. وقيل: لا زَرْعَ له مع البِناءِ.
فائدة: لو قال له: أجَرْتُكها لتَزْرَعَها أو تَغْرِسَها. لم يصِحَّ. قطَع به كثيرٌ مِنَ الأصحابِ؛ منهم المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ؛ لأنَّه لم يُعَيِّنْ أحدَهما. وقال في «الرِّعايةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الكُبْرى»: وإنْ قال: لتَزْرَعَ أو لتَغْرِسَ ما شِئْتَ. زرَع أو غرَس ما شاءَ. وقيل: لا يصِحُّ للتَّرَدُّدِ. انتهى. وإنْ قال: لتَزْرَعَها ما شِئْتَ، وتَغْرِسَها ما شِثْتَ. صحَّ. قطَع به المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، ونَصَراه، وقالا: له أنْ يَزْرَعَها كلَّها، وأنْ يغْرِسَها كلَّها. وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: وإنْ قال: لتَزْرَعَ، وتَغْرِسَ ما شِئْتَ. ولم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُبَيِّنْ قَدْرَ كلٍّ منهما، لم يصِحَّ. وقيل: يصِحُّ، وله ما شاءَ منهما. انتهى. وإنْ قال: لتَنْتَفِعَ بها ما شِئْتَ. فله الزَّرْعُ والغَرْسُ والبِناءُ، كيفَ شاءَ. قاله في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» وغيرِه. واخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، كما تقدَّم. وتقدَّم، إذا قال: إنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زَرَعْتَها كذا، فبكَذا، وإنْ زَرَعْتَها كذا، فبكَذا. عندَ قوْلِه: إنْ خِطْتَه رُومِيًّا، فبكَذا، وإنْ خِطْتَه فارِسِيًّا، فبكَذا. وتقدَّم بعضُ أحْكامِ الزَّرْعِ، والغَرْسِ، والبِناءِ، في البابِ، عندَ قوْلِه: وإجارَةُ أَرْضٍ مُعَيَّنَةٍ لزَرْعِ كذا، أو غَرْسٍ، أو بِناءٍ مَعْلومٍ. فَلْيُعاوَدْ، فإنَّ عادَةَ المُصَنِّفِين ذِكْرُه هنا.
وَإِنِ اكْتَرَى دَابَّةً لِلرُّكُوبِ، أَو الْحَمْلِ، لَمْ يَمْلِكِ الْآخَرَ. وَإِنِ اكْتَرَاهَا لِحَمْلِ الْحَدِيدِ، أَو الْقُطْنِ، لَمْ يَمْلِكْ حَمْلَ الْآخَرِ.
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فَإِنْ فَعَلَ، فَعَلَيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ.
ــ
قوله: فإنْ فعَل فعليه أُجْرَةُ المِثْلِ. يعْنِي: إذا فعَل ما لا يجوزُ فِعْلُه؛ مِن زَرْعٍ، وبِناءٍ، وغَرْسٍ، ورُكُوبٍ، وحَمْلٍ، ونحوه، فقَطَع المُصَنِّفُ أنَّ عليه أُجْرَةَ
وَإِنِ اكْتَرَاهَا لِحُمُولَةِ شَيءٍ، فَزَادَ عَلَيهِ، أَوْ إِلَى مَوْضِعٍ،
ــ
المِثْلِ، يعْنِي للجَميعِ، وهو اخْتِيارُ أبِي بَكْرٍ. قاله القاضي. واخْتارَه أيضًا ابنُ عَقِيلٍ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وجزَم به في «العُمْدَةِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» . وقدَّمه في «الفائقِ» . والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يَلْزَمُه المُسَمَّى، مع تَفاوُتِهما في أُجْرَةِ المِثْلِ. نصَّ عليه. وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» . وهو قَوْلُ الخِرَقِيِّ، والقاضِي، وغيرِهما. وكلامُ أبِي بَكْرٍ في «التَّنْبِيهِ» مُوافِقٌ لهذا. قاله في «القواعِدِ». وقال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»: وإنْ أجَرَها للزَّرْعِ، فغَرَس أو بنَى، لَزِمَه أُجْرَةُ المِثْلِ، وإنْ أجَرَها لغَرْسٍ أو بِناءٍ، لم يَمْلِكِ الآخَرَ، فإنْ فعَل، فأُجْرَةُ المِثْلِ. وإنْ أجَرَها لزَرْعِ شَعِيرٍ، لم يَزْرَعْ دُخْنًا، فإنْ فعَل، غَرِمَ أُجْرَةَ المِثْلِ للكُلِّ. وقيل: بلِ المُسَمَّى، وأُجْرَةُ المِثْلِ؛ لزِيادَةِ ضَرَرِ الأرْضِ. وقيل: هو كغَاصِبٍ. وكذا لو أجَرَه لزَرْعِ قَمْحٍ، فَزَرَع ذُرَةً ودُخْنًا. انتهى. ذكَرَه مُتَفَرِّقًا. واسْتَثْنَى المُصَنِّفُ، وتَبِعَه الشَّارِحُ، واقْتَصرَ عليه الزَّرْكَشِيُّ، مِن مَحَلِّ الخِلافِ، لو اكْتَرَى لحَمْلِ حَديدٍ، فحمَلَ قُطْنًا، أو عَكْسَه، أنَّه يَلْزَمُه أُجْرَةُ المِثْلِ، بلا نِزاعٍ.
قوله: وإِنِ اكْتَراها لحُمُولَةِ شيءٍ فزادَ عليه، أو إلى مَوْضِعٍ، فجاوَزَه، فعليه الأُجْرَةُ المذْكُورَةُ، وأُجْرَةُ المِثْلِ للزَّائِدِ. ذكَرَه الخِرَقِيُّ. وهو المذهبُ. جزَم به
فَجَاوَزَهُ، فَعَلَيهِ الْأُجْرَةُ الْمَذْكُورَةُ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ. ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ. وَقَال أَبُو بَكْرٍ: عَلَيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْجَمِيعِ.
ــ
في «المُحَرَّرِ» ، و «العُمْدَةِ» ، و «تَجْريدِ العِنايةِ» . وقطَع به الأصحابُ في الثَّانيةِ. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». وقال أبو بَكْرٍ: عليه أُجْرَةُ المِثْلِ للجَميعِ. جزَم به في «الوَجيزِ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تنبيه: ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّ أبا بَكْرٍ قاله في المَسألتَين، أعْنِي، إذا اكْتَراها لحُمُوَلةِ شيءٍ، فزادَ عليه، أو إلى مَوْضِعٍ، فجاوَزَه. والذي نقَلَه القاضي، عن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبِي بَكْرٍ، ونقَلَه الأصحابُ؛ منهم، المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفُروعِ» ، وغيرُهم، إنَّما هو في مَسْأَلَةِ مَنِ اكْتَرَى لحُمُولَةِ شيءٍ، فزادَ عليه فقط. فلذلك قال الزَّرْكَشِيُّ: ولا عِبْرَةَ بما أوْهَمَه كلامُ أبِي محمدٍ في «المُقْنِعِ» ، مِن وُجوبِ أُجْرَةِ المِثْلِ على قوْلِ أبي بَكْرٍ فيما إذا اكْتَرَى إلى مَوْضِعٍ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فجاوَزَه، ولا ما اقْتَضاه كلامُ ابنِ حَمْدانَ؛ مِن وُجوبِ ما بينَ القِيمتَين على قَوْلٍ، وأُجْرةِ المِثْلِ على قَوْلٍ آخَرَ، فإنَّ القاضيَ قال: لا يَخْتَلِفُ أصحابُنا في ذلك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد نصَّ عليه أحمدُ. انتهى. والذي يَظْهَرُ، أنَّ المُصَنِّفَ تابعَ أبا الخَطَّابِ في «الهِدايَةِ» ؛ فإنَّه ذكَرَ كلامَ أبِي بَكْرٍ بعدَ المَسْألتَين، إلَّا أنَّ كلامَه في «الهِدايَةِ» أوْضَحُ؛ فإنَّه ذكَر مَسْأَلَةَ أبِي بَكْرٍ أخِيرًا، والمُصَنِّفُ ذكَرَها أوَّلًا، فحصَل الإِيهامُ. وقال المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، والشَّارِحُ: وحكَى القاضي أنَّ قَوْلَ أبِي بَكْرٍ، في مَسْألَةِ مَنِ اكْتَرَى لحُمُولَةِ شيءٍ، فزادَ عليه، وُجوبُ أجْرِ المِثْلِ في الجميعِ، وأخَذَه مِن قوْلِه، في مَنِ اسْتَأْجَرَ أرْضًا ليَزْرَعَها شَعِيرًا فزرَعَها حِنْطَةً، فقال: عليه أُجْرَةُ المِثْلِ للجميعِ؛ لأنَّه عدَلَ عنِ المَعْقُودِ عليه إلى غيرِه، فأَشْبَهَ ما لو اسْتَأْجَرَ أرْضًا فزَرَع أُخْرَى. قالا: فجمَع القاضي بينَ مَسْأَلَةِ الخِرَقِيِّ ومَسْأَلَةِ أبِي بَكْرٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال: يُنْقَلُ قوْلُ كلِّ واحدٍ مِن إحْدَى المَسْألتَين إلى الأُخْرَى؛ لتَساويهما في أنَّ الزِّيادَةَ لا تتَمَيَّزُ، فيَكونُ في المَسْأَلةِ وَجْهان. قالا: وليس الأمْرُ كذلك، فإنَّ بينَ المَسْأَلتَين فَرْقًا ظاهِرًا. وذَكَراه. انتهيا.
وَإِنْ تَلِفَتْ، ضَمِنَ قِيمَتَهَا، إلا أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ صَاحِبِهَا، فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا، فِي أَحَدِ الْوَجْهَينِ.
ــ
قوله: وإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَ قِيمَتَها. قال المُصَنِّفُ: ظاهرُ كلامِ الخِرَقِيِّ وُجوبُ قِيمَتِها إذا تَلِفَتْ به، سواءٌ تَلِفَتْ في الزِّيادَةِ أو بعدَ ردِّها إلى المَسافَةِ، وسَواءٌ كان صاحِبُها مع المُكْتَرِي أو لم يَكُنْ. وقطَع به في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الحاوي» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهم. قال في «الفُروعِ»: ويَلْزَمُه قِيمَةُ الدَّابَّةِ إنْ تَلِفَتْ. قال الزَّرْكَشِيُّ -لمَّا قال الخِرَقِيُّ: وإنْ تَلِفَتْ، فعليه أيضًا ضَمانُها- يعْنِي، إذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَلِفَتْ في مُدَّةِ المُجاوَزَةِ. قال في «الوَجيزِ» : وإنْ تَلِفَتْ، ضَمِنَ قِيمَتَها بعدَ تَجاوُزِ المَسافَةِ. قال في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإنْ تَلِفَتْ في حالِ زِيادَةِ الطَّريقِ، فعليه كَمالُ قِيمَتِها. وقال القاضي: إنْ كان المُكْتَرِي نزَل عنها، وسلَّمَها إلى صاحبِها ليَمْسِكَها أو يسْقِيَها، فتَلِفَتْ، فلا ضَمانَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على المُكْتَرِي. وقال المُصَنِّفُ أيضًا: إذا تَلِفَتْ حال التَّعَدِّي، ولم يَكُنْ صاحِبُها مع راكِبِها، فلا خِلافَ في ضَمانِها بكَمالِ قِيمَتِها، وكذا إذا تَلِفَتْ تحتَ الرَّاكِبِ، أو تحتَ حِمْلِه وصاحِبُها معها. فأمَّا إنْ تَلِفَتْ في يَدِ صاحبِها، بعدَ نُزولِ الرَّاكِبِ عنها، فإنْ كان بسَبَبِ تعَبِها بالحَمْلِ والسَّيرِ، فهو كما لو تَلِفَتْ تحتَ الحِمْلِ والرَّاكبِ، وإنْ تَلِفَتْ بسَبَبٍ آخَرَ، فلا ضَمانَ فيها. وقطَع به في «الفُروعِ» وغيرِه. قال في «القاعِدَةِ الثَّامِنَةِ والعِشْرين»: ضَمِنَها بكَمالِ القِيمَةِ. ونصَّ عليه في الزِّيادَةِ على المُدَّةِ. وخرَّج الأصحابُ وَجْهًا بضَمانِ النِّصْفِ مِن مَسْأَلَةِ الحَدِّ.
قوله: إلا أَنْ تكونَ في يَدِ صاحِبِها، فيَضْمَنَ نِصْفَ قِيمَتِها في أَحَدِ الوَجْهَين. وهما احْتِمالان مُطْلَقان في «الهِدايَةِ» . وأطْلَقهما في «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ؛ أحدُهما، يَضْمَنُ قِيمَتَها كلَّها. وهو المذهبُ، وهو ظاهرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، والقاضِي في «التَّعْليقِ» ، والشَّرِيفِ، وأبي الخَطَّابِ في «خِلَافَيهما» ، والشِّيرازِيِّ، وابنِ البَنَّا، والمَجْدِ. قال أبو المَعالِي في «النِّهايَةِ»: هذا المذهبُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُجَرَّدِ» للقاضي. وقدَّمه في «الخُلاصَةِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي
فَصْلٌ: وَيَلْزَمُ الْمُؤْجِرَ مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنَ النَّفْعِ، كَزِمَامِ الْجَمَلِ، وَرَحْلِهِ، وَحِزَامِهِ، والشَّدِّ عَلَيهِ، وَشَدِّ الْأَحْمَالِ
ــ
الصَّغِيرِ»، و «الشَّرْحِ» . والوَجْهُ الثَّانِي، يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِها فقط. وقال في «التَّلْخيصِ»: إنْ تَلِفَتْ بفِعْلِ اللهِ تَعالى، لم تُضْمَنْ، وإنْ تَلِفَتْ بالحَمْلِ، ففي تَكْميلِ الضَّمانِ وتَنْصِيفِه وَجْهان. واخْتار في «الرِّعايةِ» ، أنَّه إنْ زادَ في الحِملِ، ضَمِنَ نِصْفَها مُطْلَقًا، وإنْ زادَ في المَسافَةِ، ضَمِنَ الكُلَّ إنْ تَلِفَتْ حال الزِّيادَةِ، وإلَّا هَدَرٌ. وعنِ القاضي في «الشَّرْحِ الصَّغِيرِ» ، لا ضَمانَ عليه ألْبَتَّةَ. وقال القاضي أيضًا: إنْ كان المُكْتَرِي نزَل عنها، وسلَّمها لصاحبِها ليمْسِكَها أو يسْقِيَها، فتَلِفَتْ، لم يَضْمَنْ، وإنْ هلَكَتْ، والمُكْتَرِي راكِبُها، أو حِمْلُه عليها، ضَمِنَها. ووَافقَه في «المُغْنِي» ، و «الفُروعِ» على ذلك، إلَّا أنَّهما اسْتَثْنَيا ما إذا تَلِفَتْ في يَدِ مالِكِها بسَبَبِ تَعَبِها مِنَ الحَمْلِ والسَّيرِ. قال في «التَّصْحيحِ»: يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِها في أحَدِ الوَجْهَين، وفي الآخَرِ، يضْمَنُ جميعَ قِيمَتِها. وهو الصَّحيحُ إذا تَلِفَتْ بسَبَبِ تَعَبِها بالحَمْلِ والسَّيرِ. ويأْتِي نَظِيرُ ذلك إذا زادَ سَوْطًا على الحدِّ، ومسائِلُ أُخْرَى هناك، فَلْيُراجَعْ في أوَائلِ كتابِ الحُدودِ.
تنبيه: دخَل في قوْلِه: إذا اكْتَراها لحُمُولَةِ شيءٍ، فزادَ عليه. لو اكْتَراها ليَرْكَبَها وحدَه، فرَكِبَها معه آخَرُ، فتَلِفَتْ. وصرَّح به في «القواعِدِ» .
قوله: ويَلْزَمُ المُؤْجِرَ -كُلُّ- ما يَتَمَكَّنُ به مِنَ النَّفْعِ؛ كزِمامِ الجَمَلِ، ورَحْلِه، وحِزامِه، والشَّدِّ عليه، وشَدِّ الأَحْمالِ والمحامِلِ، والرَّفْعِ، والحَطِّ. وكذلك كلُّ ما يتَوَقَّفُ النَّفْعُ عليه؛ كتَوْطِئَةِ مَرْكوبٍ عادةً، والقائدِ والسَّائقِ،
وَالْمَحَامِلِ، وَالرَّفْعِ، وَالْحَطِّ، وَلُزُومِ الْبَعِيرِ لِيَنْزِلَ لِصَلَاةِ الْفَرْضِ، وَمَفَاتِيحِ الدَّارِ، وَعِمَارَتِهَا، وَمَا جَرَتْ عَادَتُهُ بِهِ.
ــ
وهذا كلُّه بلا نِزاعٍ في الجُمْلةِ. ولا يَلْزَمُ المُؤْجِرَ المَحْمِلُ والمِظَلَّةُ والوطاءُ فوقَ الرَّحْلِ، وحَبْلُ قِرانٍ بينَ المَحْمِلَين. قال في «التَّرْغيبِ»: وعِدْلٌ لقُماشٍ على مُكرٍ، إنْ كانتْ في الذِّمَّةِ. وقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: إنَّما يَلْزَمُ المُكْرِيَ ما تقدَّم ذِكْرُه، إذا كان الكِراءُ على أنْ يذْهبَ معه المُكْتَرِي، فأمَّا إنْ كان على أنْ يتَسلَّمَ الرَّاكِبُ البَهِيمَةَ ليَرْكَبَها بنَفْسِه، فكُلُّ ذلك عليه. انتهيا. قلتُ: الأَوْلَى أنْ يُرْجَعَ في ذلك إلى العُرْفِ والعادَةِ. ولعَلَّه مُرادُهم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة: أُجْرَةُ الدَّليلِ على المُكْتَرِي. على الصَّحيحِ. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». وهو ظاهِرُ ما قدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: إنْ كان اكْتَرَى منه بَهِيمَةً بعَينِها، فأُجْرَةُ الدَّليلِ على المُكْتَرِي، وإنْ كانتِ الإِجارَةُ على حَمْلِه إلى مَكانٍ مُعَيَّنٍ في الذِّمَّةِ، فهي على المُكْرِي. وجزَم به في «عُيونِ المَسائلِ» ؛ لأنَّه الْتَزَمَ أنْ يُوَصِّلَه، وجزَم به في «الرِّعايةِ الكُبْرَى» أيضًا. قلتُ: يَنْبَغِي أيضًا أنْ يُرْجَعَ في ذلك إلى العُرْفِ والعادَةِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تنبيه: مفْهومُ قوْلِه: ولُزُومِ البَعِيرِ ليَنْزِلَ لصَلاةِ الفَرْضِ. أنَّه لا يَلْزَمُه ذلك ليَنْزِلَ لسُنَّةٍ راتِبَةٍ. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقال جماعَةٌ مِنَ الأصحابِ: يَلْزَمُه أيضًا.
فوائد؛ الأُولَى، يَلْزَمُ المُؤْجِرَ أيضًا، لُزومُ البَعيرِ إذا عرَضَتْ للمُسْتَأْجِرِ حاجَةٌ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لنُزولِه، وتَبْرِيكُ البَعيرِ للشَّيخِ الضَّعيفِ، والمَرْأةِ، والسَّمِينِ، وشِبْهِهم، لرُكُوبِهم ونُزولِهم، وَيلْزَمُه ذلك أيضًا لمرَضٍ طال. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ». وقيل: لا يَلْزَمُه. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . الثَّانيةُ، لا يَلْزَمُ الرَّاكِبَ الضَّعِيفَ والمَرْأةَ المَشْيُ المُعْتادُ عندَ قُرْبِ المَنْزِلِ، وهل يَلْزَمُ غيرَهما؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، لا يَلْزَمُه. وهو ظاهرُ كلامِ كثيرٍ مِنَ الأصحابِ. وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . وهو الصَّوابُ، لِكنَّ المُروءَةَ تَقْتَضِي فِعْلَ ذلك. والثَّاني، يَلْزَمُه. قال في «الرِّعايةِ
فَأَمَّا تَفْرِيغُ البَالُوعَةِ وَالْكَنِيفِ، فَيَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ إِذَا تَسَلَّمَهَا فَارِغَةً.
ــ
الكُبْرى»: وإنْ جَرَتِ العادَةُ بالنُّزولِ فيه، والمَشْي، لَزِمَ الرَّاكِبَ القَويَّ، في الأقْيَسِ. قلتُ: ويَتَوجَّهُ أنْ يُرْجَعَ في ذلك إلى العُرْفِ. الثَّالثةُ، لو اكْتَرَى جَمَلًا ليَحُجَّ عليه، فله الرُّكوبُ إلى مَكَّةَ، ومِن مَكَّةَ إلى عرَفَةَ، والخُروجُ عليه إلى مِنًى ليالِيَ مِنًى لرَمْي الجِمارِ. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وقدَّماه، وقالا: الأَوْلَى أنَّ له ذلك. وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . وقيل: ليس له الرُّكوبُ إلى مِنًى؛ لأنَّه بعدَ التَّحَلُّلِ مِنَ الحَجِّ. وأطْلَقَهما في «الرِّعايةِ» . وأمَّا إنِ اكْتَرَى إلى مَكَّةَ فقط، فليس له الرُّكوبُ إلى الحَجِّ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ؛ لأنَّها زِيادَةٌ. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» . وتقدَّم في أوَّلِ البابِ اشْتِراطُ ذِكْرِ المَرْكُوبِ، والرَّاكبِ، والمَحْمُولِ، وأحْكامُ ذلك، فَلْيُراجَعْ.
الرَّابعةُ، قوْلُه: فأمَّا تَفْرِيغُ البالُوعَةِ والكَنِيفِ، فيَلْزَمُ المُسْتَأْجِرَ إذا تَسَلَّمها فَارِغَةً. بلا نِزاعٍ. قلتُ: يتَوَجَّهُ أنْ يُرْجَعَ في ذلك إلى العُرْفِ. وكذا تَفْرِيغُ الدَّارِ مِنَ القُمامَةِ والزِّبْلِ، ونحوهما، ويَلْزَمُ المُكْرِيَ تَسْلِيمُها مُنَظَّفةً، وتَسْلِيمُ المِفْتاحِ، وهو أمانَةٌ مع المُسْتَأْجِرِ. وعلى المُسْتَأْجِرِ البَكَرَة، والحَبْلُ، والدَّلْوُ.
فَصلٌ: وَالإجَارَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنَ الطرَّفَينِ، لَيسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهَا.
ــ
قوله: والإِجَارَةُ عَقْدٌ لازِم مِنَ الطَّرِفَين، ليس لأحَدِهما فَسْخُها، وإنْ بَدا له قبلَ تَقَضِّي المُدَّةِ، فعليه الأجْرَةُ. الإجارَةُ عَقْدٌ لازِمٌ يقْتَضِي تَمْلِيكَ المُؤْجِرِ الأُجْرَةَ، والمُسْتَأْجِرِ المَنافِعَ، فإذا فسَخَها المُسْتَأْجِرُ قبلَ انْقِضاءِ المُدَّةِ، لم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَنْفَسِخْ، ولا يجوزُ للمُؤْجِرِ التَّصَرُّفُ فيها، فإنْ تَصَرَّفَ فيها في حالِ كَوْنِ يَدِ المُسْتَأْجِرِ عليها، قبلَ انْقِضاءِ المُدَّةِ؛ مِثْلَ أنْ يَسْكُنَ المالِكُ الدَّارَ، أو يُؤجِرَها لغيرِه، لم تَنْفَسِخِ الإجارَةُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعلى المُسْتَأْجِرِ جميعُ الأُجْرَةِ، وله على المالِكِ أُجْرَةُ المِثْلِ لِما سكَن أو تصَرَّفَ فيه. قلتُ: وهو الصَّوابُ، وإليه مَيلُ المُصَنِّفِ، والشَّارِحِ. فعلى هذا، إنْ كانتْ أُجْرَةُ المِثْلِ الواجِبَةُ على المالِكِ بقَدْرِ الأُجْرَةِ المُسَمَّاةِ في العَقْدِ، لم يجِبْ على المُسْتَأْجِرِ شيءٌ، وإنْ فضَلَتْ منه فَضْلَةٌ، لَزِمَتِ المالِكَ للمُسْتَأْجِرِ. وَيحْتَمِلُ أنْ يَنْفَسِخَ العَقْدُ فيما اسْتَوْفاه المالِكُ، وهما احْتِمالان مُطْلَقان في «المُغْنِي» ،
وَإنْ بَدَا لَهُ قَبْلَ تَقَضِّي الْمُدَّةِ، فَعَلَيهِ الأُجْرَةُ.
ــ
و «الشَّرْحِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» . وأمَّا إذا تصَرَّفَ المالِكُ قبلَ تَسْلِيمِها، أو امْتنعَ منه حتى انْقَضَتِ المُدَّةُ، فإنَّ الإِجارَةَ تنْفَسِخُ، وَجْهًا واحِدًا. قاله المُصَنفُ، والشَّارِحُ. وإنْ سلَّمَها إليه في أثْناءِ المُدَّةِ، انْفَسَخَتْ فيما مضَى، وتجِبُ أُجْرَةُ الباقِي بالحِصَّةِ. وقال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»: وإنْ أبَى المُؤْجِرُ تسْلِيمَ ما أجَرَه، أو منَع مُسْتأْجِرَه الانْتِفاعَ به كلَّ المُدِّةِ، فله الفَسْخُ مجِّانًا. وقيل: بل يَبْطُلُ العَقْدُ مجَّانًا. وقيل: إنْ كانتِ المُدة مُعَينَّةً، بَطَلَ، وإلَّا فله الفَسْخُ مجَّانًا.
وَإنْ حَوَّلَهُ الْمَالِكُ قَبْلَ تَقَضِّيهَا، لَمْ تَكُنْ لَهُ أجْرَةٌ لِمَا سَكَنَ. نَصَّ عَلَيهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ لَهُ مِنَ الأُجْرَةِ بِقِسْطِهِ.
ــ
قوله: وإنْ حَوَّلَه المالِكُ قبلَ تَقَضِّيها لم يَكُنْ له أُجْرَةٌ لما سَكَن. نَصَّ عليه. وهو المذهبُ المَنْصوصُ عن أحمدَ، وعليه الأصحابُ. قاله الزَّرْكَشِيُّ وغيرُه. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. ويَحْتَمِلُ أنَّ له مِنَ الأُجْرَةِ بقِسْطِه. واخْتارَه في «الفائقِ» . ويأْتِي إذا غصَبَها مالِكُها، عندَ قوْلِه: إذا غُصِبَتِ العَينُ.
فائدة: وكذا الحُكْمُ لو امْتنَعَ الأجِيرُ مِن تَكْميلِ العَمَلِ. قاله في «التَّلْخيصِ» وغيرِه. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما: والحُكْمُ في مَنِ اكْتَرَى دابَّةً، فامْتَنَعَ المُكْرِي مِن تَسْليمِها في بعضِ المُدَّةِ، أو أجَرَ نفْسَه أو عَبْدَه للخِدْمَةِ مُدَّةً، وامْتَنَعَ مِن إتْمامِها، أو أجَرَه نفْسَه لبِناءِ حائطٍ، أو خِياطَةِ ثَوْبٍ، أو حَفْرِ بِئْرٍ، أو حَمْلِ شيءٍ إلى مَكانٍ، وامْتَنَعَ مِن إتْمامِ العَمَلِ مع القُدْرَةِ عليه، كالحُكْمِ في العَقارِ يَمْتَنِعُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن تَسْليمِه. انتهيا. قال في «الرِّعايةِ» : وكذا الخِلافُ والتَّفْصِيلُ إنْ أبَى الأجِيرُ الخاصُّ العَمَلَ أو بعضَه، كلَّ المُدَّةِ أو بعضَها، أو أَبَى مُسْتَأْجِرُ العَبْدِ، والبَهِيمَةِ، والجِمالِ (1)، الانْتِفاعَ بهم كذلك، ولا مانِعَ مِنَ الأجيرِ والمُؤْجِرِ. انتهى. وقال في «القاعِدَةِ الخامِسَةِ والأرْبَعِين»: إذا اسْتَأْجَرَه لحِفْظِ شيءٍ مُدَّةً، فحَفِظَه في بعضِها، ثم ترَك فهل تَبْطُلُ الإجارَةُ؟ فيه وَجْهان؛ قال ابنُ المَنِّيِّ: أصَحُّهما لا تَبْطُلُ، بل يزولُ الاسْتِئْمان، ويَصِيرُ ضامِنًا. وفي مَسائلِ ابنِ مَنْصُورٍ، عن أحمدَ، إذا اسْتَأْجَرَ أجِيرًا شَهْرًا مَعْلومًا، فجاءَ إليه في نِصْفِ ذلك الشَّهْرِ، أن للمُسْتَأْجِرِ الخِيارَ. والوجْهُ الثَّاني، يَبْطُلُ العَقْدُ، فلا يَسْتَحِقُّ شيئًا مِنَ الأُجْرَةِ، بِناءً على أصْلِنا في مَنِ امْتَنَعَ مِن تَسْليمِ بعضِ المَنافِعِ المُسْتَأْجَرَةِ، أنَّه لا يَسْتَحِقُّ أُجْرَة. وبذلك أفْتَى ابنُ عَقِيلٍ في «فُنونِه» . انتهى.
(1) في الأصل، ط:«الجماد» .
وَإنْ هَرَبَ الْأَجيرُ حَتَّى انْقَضَتِ الْمُدَّةُ، انْفَسَخَتِ الإجَارَة، وَإنْ كَانتْ عَلَى عَمَلٍ، خُيِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ بَينَ الْفَسْخ وَالصَّبْرِ.
ــ
قوله: وإنْ هرَب الأجيرُ حتى انْقَضَتِ المُدَّةُ، انفَسَخَتِ الإِجَارَةُ، وإنْ كانتْ على عمَل، خُيِّرَ المسُتَأْجِرُ بينَ الفَسْخِ والصَّبْرِ. إذا هرَب الأجِيرُ، أو شرَدَتِ الدَّابَّةُ، أو أخَذَ المُؤْجِرُ العَينَ وهرَب بها، أو منَعَه اسْتِيفاءَ المَنْفَعَةِ منها مِن غيرِ هَرَبٍ، لم تَنْفَسِخِ الإجارَةُ، ويَثْبُتُ له خِيارُ الفَسخِ، فإنْ فسَخَ، فلا كلامَ، وإنْ لم يفْسَخْ، وكانتِ الإِجارَةُ على مُدَّةٍ، انْفَسَخَتْ بمُضيِّها يَوْمًا فيَوْمًا، فإنْ عادَتِ العَينُ
وَإنْ هَرَبَ الْجَمَّالُ، أَوْ مَاتَ وَتَرَكَ الْجِمَال، أنْفَقَ عَلَيهَا الْحَاكِمُ
ــ
في أثْنائِها، اسْتَوْفَى ما بَقِيَ، وإنِ انْقَضَتِ، انْفَسَخَتْ. وإنْ كانتْ على مَوْصُوفٍ في الذِّمَّةِ؛ كخِياطَةِ ثَوْبٍ ونحوه، أو حمْلٍ إلى مَوْضِع مُعَيَّنٍ، اسْتُؤْجِرَ مِن مالِه مَن يَعْمَلُه، فإنْ تعَذَّرَ، فله الفَسْخُ، فإنْ لم يفْسَخْ، فله مُطالبَتُه بالعَمَلِ. وإنْ هرَب قبلَ إكْمالِ عَملِه، ملَك المُسْتَأْجِرُ الفَسْخَ والصَّبْرَ، كمَرَضِه. قدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الفائقِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». وقيل: يَكْتَرِي عليه مَن يقومُ به، فإنْ تعَذَّرَ، فله فَسْخُها. وإنْ فرَغَتْ مُدَّتُه في هَرَبِه، فله الفَسْخُ. قدَّمه في «الفائقِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». وقيل: تَنْفَسِخُ هي. وهو الذي قطَع به المُصَنِّفُ هنا.
قوله: وإنْ هرَب الجَمَّالُ أو ماتَ وترَك الجِمال، أنْفَقَ عليها الحاكِمُ مِن مالِ
مِنْ مَالِ الْجَمَّالِ، أوْ أذِنَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي النَّفَقَةِ، فَإِذَا انْقَضَتِ الإجَارَةُ بَاعَهَا الْحَاكِمُ وَوَفَّى الْمُنْفِقَ، وَحَفِظَ بَاقِيَ ثَمَنِهَا لِصَاحِبِهِ.
ــ
الجَمَّالِ، أو أذِنَ للمُسْتَأْجرِ في النَفَقَةِ، فإذا انْقَضَتِ الإجَارَةُ، باعَها الحاكِمُ ووَفَّى المُنْفِقَ، وحَفِظَ باقيَ ثَمَنِهَا لصاحِبِه. إذا أنْفَق المُسْتَأْجِرُ على الجِمالِ، والحالةُ ما تقدَّم، بإذْنِ حاكم، رجَعَ بما أنْفَقَه، بلا نِزاعٍ، وإنْ لم يَسْتَأْذِنْه ونَوَى الرُّجوعَ، ففيه الرِّوايَتان اللَّتان في مَن قضَى دَينًا عن غيرِه بغيرِ إذْنِه، على ما تقدَّم في بابِ الضمانِ، والصَّحيحُ منهما، أنَّه يَرْجِعُ. قال في «القواعِدِ»: ومُقْتَضَى طَرِيقَةِ القاضي، أنَّه يَرْجِعُ، رِوايَةً واحِدَةً. ثم إنَّ الأكْثَرِين اعْتَبرُوا الإِشهادَ على نِيَّةِ الرُّجوعِ. وفي «المُغْنِي» وغيرِه وَجْه أنَّه لا يُعْتَبَرُ. قال في «القواعِدِ»: وهو الصحيحُ. انتهى. وحُكْمُ مَوْتِ الجَمَّالِ حُكْمُ هَرَبِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كما قال المُصَنِّفُ. وقال أبو بَكْرٍ: مَذْهبُ أحمدَ، أنَّ المَوْتَ لا يفْسَخُ الإجارَةَ، وله أنْ يَرْكَبَها، ولا يُسْرِفَ في عَلْفِها ولا يُقَصِّرَ، ويَرْجِعَ بذلك.
وَتَنْفَسِخُ الإِجَارَةُ بِتَلَفِ الْعَينِ الْمَعْقُودِ عَلَيهَا،
ــ
قوله: وتَنْفَسِخُ الإِجارَةُ، بتَلَفِ العَينِ المعْقُودِ عليها. سواءٌ تَلِفَتِ ابتداءً أو في أثْناءِ المُدَّةِ؛ فإذا تَلِفَتْ في ابْتِداءِ المُدَّةِ، انْفَسَخَتْ، وإنْ تَلِفَتْ في أثْنائِها انْفسَخَتْ أيضًا فيما بَقِيَ فقط. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: وتنْفَسِخُ أيضًا فيما مَضَى، ويُقَسَّطُ المُسَمَّى على قِيمَةِ المَنْفَعَةِ، فيَلْزَمُه بحِصَّتِه. نقَل الأَثْرَمُ في مَنِ اكْتَرَى بعِيرًا بعَينه فماتَ، أو انْهَدَمَتِ الدَّارُ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فهو عُذْرٌ، يُعْطِيه بحِسابِ ما رَكِبَ. وقيل: يَلْزَمُه بحِصَّتِه مِنَ المُسَمَّى. وقيل: لا فَسْخَ بهَدْمِ دارٍ، فيُخَيَّرُ. ويأتِي حُكْمُ الدَّارِ إذا انْهَدَمَتْ، في كلامِ المُصَنِّفِ
وَمَوْتِ الصَّبِيِّ المُرْتَضِعِ،
ــ
بعدَ هذا، وكلامُه هنا أعَمُّ. وعنه، لا تنْفَسِخُ بمَوْتِ المُرْضِعَةِ، ويجِبُ في مالِها أُجْرَةُ مَن يُرْضِعُه. اخْتارَه أبو بَكْرٍ. وأمَّا مَوْتُ المُرْتَضِعِ فتَنْفَسِخ به الإِجارَةُ، قوْلًا واحِدًا، كما جزَم به المُصَنِّفُ هنا.
وَمَوْتِ الرَّاكِبِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ،
ــ
قوله: وتَنْفَسِخُ الإِجَارَةُ بمَوْتِ الرَّاكِبِ، إذا لم يَكُنْ له مَن يَقُومُ مَقامَه في اسْتِيفَاءِ المنْفَعَةِ. هذا إحْدَى الرِّوايتَين. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَارِحُ. وجزَم به في «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الوَجيزِ» . والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ الإجارَةَ لا تنْفَسِخُ بمَوْتِ الرَّاكِبِ مُطْلَقًا. قدَّمه في «الفُروعِ». قال في «المُحَرَّرِ» وغيرِه: لا تنْفَسِخُ بالمَوْتِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المَنْصوصُ، وعليه الأصحابُ، إلَّا أبا محمدٍ.
وَانْقِلَاعِ الضِّرْسِ الَّذِي اكْتَرَى لِقَلْعِهِ، أو بُرْئِهِ، وَنَحْو هَذَا وَإنِ اكْتَرَى دَارًا فَانْهَدَمَتْ، أوْ أَرضًا لِلزَّرْعِ فَانْقَطَعَ مَاؤُهَا، انْفَسَخَتِ الْإجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْمُدَّةِ، فِي أحَدِ الْوَجْهَينِ. وَفِي الْآخَرِ، يَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ خِيَارُ الْفَسْخِ.
ــ
قوله: وإنْ أكْرَى دارًا فانْهَدَمَتْ، انْفَسَخَتِ الإِجارَةُ فيما بَقِيَ مِنَ المُدَّةِ في أحَدِ الوَجْهَين. وهو المذهبُ. صحَّحه في «المُغْني» ، و «الشَّرْحِ» ، و «التصْحيحِ» . وجزَم به ابنُ أبِي مُوسى، والشِّيرازِيُّ، وابنُ البَنَّا، وصاحِبُ «الوَجيزِ» ، وغيرُهم. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِي. وقدَّمه في «الفُروعِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الفائقِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. والوَجْهُ الثَّاني، لا تنْفَسِخُ، ويثْبُتُ للمُسْتَأْجِرِ خِيارُ الفَسْخِ. وهو رِوايَة عن أحمدَ. اخْتارَه القاضِي. قال في «التَّلْخيصِ»: لم تنْفَسِخْ، على أصَحِّ الوَجْهَين. وقيل: تنْفَسِخُ فيما بَقِيَ وفيما مَضَى. ذكَرَه في «الرِّعايةِ الكُبْرى» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: أو أرْضًا للزَّرْعِ، فانْقَطَعَ ماؤُها، انْفَسَخَتِ الإجارةُ فيما بَقِيَ مِنَ المُدَّةِ، في أحَدِ الوَجْهَين. وهو المذهبُ. صحَّحه في «المُغْني» ، و «الشَّارحِ» ، و «التَّصْحيحِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الفائقِ» ، و «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . والوَجْهُ الثَّاني، لا تنْفَسِخُ، وللمُسْتأْجِرِ خِيارُ الفَسْخِ. اخْتارَه القاضِي. وجزَم به في «التَّلْخيصِ» في مَوْضِعٍ، وقال في مَوْضِعٍ آخَرَ: لم تنْفَسِخْ على أصحِّ الوَجْهَين. وقدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرَى» .
فائدة: لو أجَرَ أرْضًا بلا ماءٍ، صحَّ؛ فإنْ أجَرَها وأطْلَقَ، فاخْتارَ المُصَنِّفُ الصِّحَّةَ، إذا كان المُسْتَأْجِرُ عالِمًا بحالِها وعدَمِ مائِها. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». وقيل: لا يصِحُّ. وجزَم به ابنُ رَزِين في «شَرْحِه» . وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . وإنْ ظنَّ المُسْتَأْجِرُ إمْكانَ تَحْصيلِ الماءِ، وأطْلَقَ الإجارَةَ، لم تصِحَّ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وإن ظنَّ وُجودَه بالأمْطارِ، أو زِيادَةِ الأنْهارِ، صحَّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كالعِلْمِ. جزم به في «المُغْنِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، وغيرِهما. وقدَّمه في «الفُروعِ» . وفي «التَّرْغِيبِ» ، و «الرِّعايةِ» وَجْهان. ومتى زرَع، فغَرِقَ، أو تَلِفَ، أو لم يَنْبُتْ، فلا خِيارَ له، وتَلْزَمُه الأجْرَةُ. نصَّ عليه. وإنْ تَعذر زَرْعُها
وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ المُكْرِي وَالْمُكْتَرِي،
ــ
لغَرَقِها، فله الخِيارُ. وكذا له الخِيارُ لقِلَّةِ ماءٍ، قبلَ زَرْعِها أو بعدَه، أو عابَتْ بغَرَقٍ يَعِيبُ به بعضُ الزَّرْعِ. واخْتارَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، أو بَرْدٍ، أو فَأْرٍ، أو عُذْرٍ، قال: فإنْ أمْضَى العَقْدَ، فله الأرْشُ، كعَيبِ الأعْيانِ، وإنْ فسَخَ، فعليه القِسْطُ قبلَ القَبْضِ، ثم أُجْرَةُ المِثْلِ إلى كَمالِه. قال: وما لم يُرْوَ مِنَ الأرْضِ، فلا أُجْرَةَ له اتّفاقًا، وإنْ قال في الإجارَةِ: مَقِيلًا ومُراعًى. أو أطْلَقَ؛ لأنَّه لا يَرِدُ على عَقْدٍ، كأرْضَ البَرِّيَّةِ.
قوله: ولا تَنْفَسِخُ -أَي الإِجارَةُ- بمَوْتِ المُكْرِي، ولا المُكْتَري. هذا المذهبُ مُطْلقًا في الجُمْلةِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثير منهم؛ منهم صاحِبُ «الوَجيز». وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المذهبُ المَنْصوصُ، وعليه الأصحابُ. وتقدَّم رواية، اختارَها جماعَة، أنَّها تنْفسِخُ بمَوْتِ الراكِبِ. وتقدَّم رِوايةٌ، لا تَنْفَسِخُ الإِجارَةُ بمَوْتِ المُرْضِعَةِ.
ولَا بِعُذْرٍ لأحَدِهمَا؛ مِثْلَ أَنْ يَكْتَرِيَ لِلحَجِّ فَتَضِيعَ نَفَقَتُهُ، أَوْ دُكَّانًا فيَحْتَرِقَ مَتَاعُهُ.
ــ
تنبيه: قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» : فإنْ قيلَ: كيفَ الجَمْعُ بينَ قَوْلِ المُصَنِّفِ: تَنْفَسِخُ بمَوْتِ الرَّاكِبِ. وبينَ قوْلِه بَعْدُ: لا تنْفَسِخُ بمَوْتِ المُكْرِي ولا المُكتَرِي؟ قيلَ: يجِبُ حَمْلُ قوْلِه: لا تنْفَسِخُ بمَوْتِ المُكْتَرِي (1) على أنَّه ماتَ وله وارثٌ، وهناك صرَّح بأنَّها تنْفَسِخُ إذا لم يَكُنْ له مَن يقُومُ مَقامَه. قلتُ: ويَحْتَمِلُ أنَّه قال هذا مُتابعَة للأصحابِ، وقال ذلك لأجْلِ اخْتِيارِه.
(1) في ط: «المكرى» .
وَإنْ غُصِبَتِ الْعَينُ، خُيِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ بَينَ الفَسْخِ وَمُطَالبَةِ الْغَاصِبِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَإِنْ فَسَخَ، فَعَلَيهِ أُجْرَةُ مَا مَضَى.
ــ
قوله: وإنْ غُصِبَتِ العَينُ، خُيِّرَ المسُتَأْجِرُ بينَ الفَسْخِ ومُطالبَةِ الغاصِبِ بأُجْرَةِ المِثْلِ، فإنْ فسَخ، فعليه أُجْرَةُ ما مَضَى. إذا غُصِبَتِ العَينُ فلا تَخْلُو؛ إمَّا أنْ تكونَ إِجارَتُها لعَمَلٍ أو لمُدَّةٍ؛ فإنْ كانتْ لعَمَلٍ، فلا تخْلُو؛ إمَّا أنْ تكونَ الإجارَةُ على عَينٍ مَوْصُوفةٍ في الذِّمَّةِ، أو تكونَ على عَين مُعَيَّنَةٍ. فإنْ كانتْ على عَينٍ مَوْصُوفَةٍ في الذِّمَّةِ وغُصِبَتْ، لَزِمَه بدَلُها، فإنْ تعَذَّرَ، كان له الفَسْخُ. وإنْ كانتْ على عَينٍ مُعَيَّنَةٍ، خُيِّرَ بينَ الفَسْخِ والصَّبْرِ إلى أنْ يَقْدِرَ على العَينِ المَغْصوبَةِ، فيَسْتَوْفِيَ منها. وإنْ كانتْ إلى مُدَّةٍ، فهو مُخَيَّرٌ بينَ الفَسْخِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والإمْضاءِ وأخْذِ أُجْرَةِ مِثْلِها مِن غاصبِها، إنْ ضُمِنَتْ مَنافِعُ الغَصْبِ، وإنْ لم تُضْمَنْ، انْفَسَخَ العَقْدُ. وقال في «الانْتِصارِ»: تنْفَسِخُ تلك المُدَّةَ، والأُجْرَة للمُؤْجِرِ لاسْتِيفاءِ المَنْفَعَةِ على مِلْكِه، وأنَّ مِثْلَه وَطْءُ مُزَوَّجَةٍ، [ويكونُ الفَسْخُ مُتَراخِيًا. فإذا لم يفْسَخْ حتى انْقَضَتْ مُدَّةُ الإجارَةِ، كان له الخِيارُ بينَ الفَسْخِ والرُّجوعِ بالمُسَمَّى، وبينَ البَقاءِ على العَقْدِ، ومُطالبَةِ الغاصِبِ بأُجْرَةِ المِثْلِ. فإنْ رُدَّتِ العَينُ في أثْناءِ المُدَّةِ ولم يكُنْ فسَخ، اسْتَوْفَى ما بَقِيَ منها، ويكونُ فيما مضَى من المُدَّةِ مُخَيَّرًا، كما ذكَرْنا. قاله في «المُغْني»، و «الشَّرْحِ»، وغيرِهما](1).
(1) زيادة من: ا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدتان؛ إحْداهما، لو كان الغاصِبُ هو المُؤْجِرَ، لم يَكُنْ له أُجْرَة مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، ونصَّ عليه. وقيل: حُكْمُه حُكْمُ الغاصِبِ الأجْنَبِيِّ. وهو تخْرِيجٌ في «المُحَرَّرِ» وغيرِه. وقال الزَّرْكَشِيُّ: لو أتْلَف المُسْتَأجِرُ العَينَ، ثبَت ما تقدَّم مِنَ الفَسْخِ، أو الانْفِساخِ، مع تَضْمِينِ المُسْتَأْجِرِ
قَال الْخِرَقِيُّ: فَإِنْ جَاءَ أَمْرٌ غَالِبٌ يَحْجُزُ الْمُسْتَأْجِرَ فَي مَنْفَعَةِ مَا وَقَعَ عَلَيهِ الْعَقْدُ، فَعَلَيهِ مِنَ الأُجْرَةِ بِقَدْرِ مُدَّةِ انْتِفَاعِهِ. وَمَنِ اسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِ شَيْءٍ فَمَرِضَ، أُقِيمَ مُقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُهُ، وَالأُجْرَةُ عَلَيهِ.
ــ
ما أتْلَفَ. ومِثْلُه، جَبُّ المرأَةِ زَوْجَها، تضْمَنُ، ولها الفَسْخُ. انتهى. قلت: يَحْتَمِلُ أنْ لا فَسْخَ لها. وتقام قَرِيبًا إذا حوَّلَه المالِكُ قبلَ تقَضي المُدَّةِ. وهذه المَسْأَلةُ مِن بعْضِ صُور تلك. الثَّانيةُ، لو حدَثَ خَوْفٌ عام يمْنَعُ مِن سُكْنَى المَكانِ الذي فيه العَينُ المُسْتَأْجَرَةُ، أو حُصِرَ البَلَدُ، فامْتنَعَ خُروجُ المُسْتَأْجِرِ إلى الأرْضِ، ثبَت له خِيارُ الفَسْخِ. قال الخِرَقِي: وإذا جاءَ أمْرٌ غالِبٌ يَحْجِزُ المُسْتَأجِرَ عن مَنْفعَةِ ما وقَع عليه العَقْدُ، فعليه مِنَ الأُجْرَةِ بقَدْرِ مُدَّةِ انْتِفاعِه. فكلامُه أعَمُّ مِن كلامِ المُصَنِّفِ هنا؛ لأنَّه شَمِلَ الغصْبَ وغيرَه، فلذلك اسْتَشْهَدَ به المُصَنِّفُ. فإنْ كان الخَوْفُ خاصًّا بالمُسْتَأْجِرِ، كمَن خافَ وحدَه لقُرْبِ أعْدائِه مِن المَرْضِعِ المأْجُورِ، أو حُلولِهم في طَرِيقِه، لم يَمْلِكِ الفَسْخَ. وكذا الحُكْمُ لو حُبِسَ أو مَرِضَ.
قوله: ومَنِ اسْتُؤْجِرَ لعَمَلِ شيءٍ، فمَرِضَ، أُقِيمَ مُقامَه مَن يَعْمَلُه، والأُجْرَةُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على المَرِيضِ. مُرادُه، إذا اسْتَأْجَرَه لعَمَلٍ في الذِّمَّةِ؛ كخِياطَةٍ، وبِناء، ونحوهما. ومُرادُه: إذا لم يَشْتَرِطْ عليه مُباشَرَتَه، فإنْ شرَطَ عليه مُباشَرَتَه، لم يَقُمْ غيرُه مَقامَه. وكذا لو كانتِ الإِجارَةُ على عَينِة في مُدَّةٍ أو غيرِها، فمَرِضَ، لم يَقُمْ غيرُه مَقامَه؛ لأنَّ الإجارَةَ وقَعَتْ على عَمَلِه بعَينِه، لا على شيءٍ في ذِمَّتِه. وقال المُصَنِّفُ،
وَإنْ وَجَدَ الْعَيْنَ مَعِيبَةً، أوْ حَدَثَ بِهَا عَيبٌ، فَلَهُ الْفَسْخُ، وَعَليهِ
ــ
والشَّارِحُ: لو كان العَمَلُ في الذمَّةِ، واخْتلَفَ القَصْدُ، كاسْتِئْجارِه لنَسْخِ كِتابٍ، لم يُكَلَّفِ الأجِيرُ إقامَةَ غيرِه مُقامَه، ولا يَلْزَمُ المُسْتَأْجِرَ قَبُولُ ذلك، إنْ بذلَه الأجِيرُ؛ لأنَّ الغرَضَ يَخْتَلِفُ. فإنْ تعَذَّرَ عمَلُ الأجِيرِ، فللْمُسْتَأْجِرِ الفَسْخُ. وتقدَّم التَّنْبِيهُ على ذلك أيضًا، عندَ قوْلِه: الضَّرْبُ الثَّانِي، عَقْدٌ على مَنْفَعَةٍ في الذِّمَّةِ.
قوله: وإنْ وجَد العَينَ مَعِيبَةً، أو حدَث بها عَيبٌ، فله الفَسْخُ. مُرادُه ومُرادُ
أُجْرَةُ مَا مَضَى.
ــ
غيرِه، إنْ لم يَزُلِ العَيبُ بلا ضَرَرٍ يَلْحَقُه، فإنْ زال سَرِيعًا بلا ضَرَرٍ، فلا فَسْخَ. تنبيه: ظاهرُ كلامِه، أنَّه ليس له إلَّا الفَسْخُ أو الإمْضاءُ مجَّانًا. وهو صَحيحٌ، وهو المذهبُ، أطْلَقَه الأصحابُ. وصرَّح به ابنُ عَقِيل، والمُصَنفُ، وغيرُهما. وقيل: يَمْلِكُ الإمْساكَ مع الأرْشِ. وهو تخْرِيجٌ للمُصَنفِ. وقال في «المُحَرَّرِ» ، وتَبِعَه في «الفُروعِ» وغيرِه: وقياسُ المذهبِ، له الفَسْخُ أو الإِمْساكُ مع الأرْشِ. وجزَم به في «المُنَوِّرِ» . قال ناظِمُ «المُفْرَداتِ» ، بعدَ ذِكْرِ مَسْأَلةِ عَيبِ المَبِيعِ، وأنَّه بالخِيَرَةِ:
كذاكَ مأْجُورٌ، قِياسُ المذهبِ
…
قد قاله الشَّيخان، فافْهَمْ مَطْلَبِي
فهذا مِنَ المُفْرَداتِ أيضًا. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ لم نَقُلْ بالأرْشِ، فوُرُودُ ضَعْفِه على أصْلِ أحمدَ بَيِّنٌ. وتقدَّم التَّنْبِيهُ على هذا في الخِيارِ في العَيبِ، بعد قوْلِه: ومَنِ اشْتَرى مَعِيبًا لم يعْلَمْ عَيبَه.
وَيَجُوزُ بَيعُ الْعَينِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَلَا تَنْفَسِخُ الإجَارَةُ، إلَّا أَنْ
ــ
فوائد؛ إحْداها، العَيبُ هنا ما يظْهَرُ به تَفاوُتُ الأجْرَةِ. الثِّانيةُ، لو لم يَعْلَمْ بالعَيبِ حتى فرَغَتِ المُدَّةُ، لَزِمَه الأُجْرَةُ كامِلَةً. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وخرَّج المُصَنِّفُ لُزومَ الأرْشِ. قلتُ: وهو الصَّوابُ، لا سِيَّما إذا كانَ دَلَّسَه. الثَّالثةُ، قال في «التَّرْغِيبِ»: لو احْتاجَتِ الدَّارُ تجْدِيدًا؛ فإنْ جدَّدَ المُؤجِرُ، وإلَّا كان للمُسْتَأْجِرِ (1) الفَسْخُ، ولو عمَرَ فيها المُسْتَأْجِرُ بدُونِ إذْنِه، لم يَرْجِعْ به. نصَّ عليه في غَلْقِ الدَّارِ إذا عَمِلَه السَّاكِنُ. ويَحْتَمِلُ الرُّجوعُ، بِناءً على مِثْلِه في الرَّهْنِ. قلتُ: بل أوْلَى. وحكَى في «التَّلْخيصِ» ، أنَّ المُؤجِرَ يُجْبَرُ على التَّرْميمِ بإصْلاحِ مُكَسَّر، وإقامَةِ مائلٍ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. قال الشَّيخُ تَقِي الدِّينِ: للمُسْتَأْجِرِ مُطالبَةُ المُؤْجِرِ بالعِمارةِ التي يحْتاجُ إليها المَكانُ المأْجُورُ، فإنْ كان وَقْفًا، فالعِمارَةُ واجِبَة مِن وَجْهَين؛ مِن جِهَةِ أهْلِ الوَقْفِ، ومِن جِهَةِ حقِّ المُسْتَأْجِرِ. انتهى. وليس له إجْبارُه على التَّجْديدِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: بلَى. الرَّابعَةُ، لو شرَط عليه مُدَّةَ تَعْطيلِها، أو أنْ يأْخُذَ بقَدْرِ مُدَّةِ التَّعْطيلِ بعدَ المُدَّةِ، أو شرَط عليه العِمارَةَ، أو جعْلَها أُجْرَةً، لم يصِحَّ، ومتى أنْفَقَ بإذْنٍ على الشَّرْطِ، أو بِناءٍ، رجَع بما قال المُؤْجِرُ. ذكَرَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وهو ظاهِرُ ما قدَّمه في «الفُروعِ» . وذكَر في «التَّرْغِيبِ» وغيرِه، في الإذْنِ، يرْجِعُ بما قال المُسْتَأْجِرُ، كما لو أَذِنَ له حاكِمٌ في نفَقَتِه على جِمالٍ هرَب مُؤْجِرُها. قلتُ: وهو الصَّوابُ؛ لأنَّه كالوَكِيلَ.
قوله: ويَجُوزُ بَيعُ العَينِ المُسْتَأْجَرَةِ. هذا المذهبُ، نصَّ عليه في رِوايَةِ جَعْفَرِ
(1) في ط: «المؤجر» .
يَشْتَرِيَهَا الْمُسْتَأْجِرُ، فَتُفْسَخُ، عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَينِ.
ــ
ابنِ محمدٍ، وعليه الأصحابُ. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: لا يصِحُّ بَيعُها. قال في «الرِّعايَةِ» : وخُرِّجَ منْعُ البَيعِ. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وظاهِرُ كلامِه في رِوايَةِ المَيمُونِيِّ، أنَّه إذا باعَ العَينَ المُؤْجَرَةَ، ولم يُبَيِّنْ أنَّها مُسْتَأْجَرَة، أنَّ البَيعَ لا يصِحُّ. ووَجْهُه أنَّه باعَ مِلْكَه ومِلْكَ غيرِه، فهي مَسْألَةُ تفْريقِ الصَّفْقَةِ. فعلى المذهب، إذا لم يعْلَمِ المُشْتَرِي بذلك، ثم عَلِمَ، فله الفَسْخُ أو الإمْضاءُ مجَّانًا. على الصَّحيحِ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» . وقال في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ»: له الفَسْخُ أو الإمْضاءُ مع الأرْشِ. قال أحمدُ: هو عَيبٌ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وجزَم به في «الفائقِ» ، وقال: قلتُ: فلو كانتِ الأرْضُ مَشْغُولَةً ببِناءِ غيرِه، أو زَرْعِه وغِراسِه، فقال شيخُنا: يصِحُّ العَقْدُ حالًّا، وهو المُخْتارُ. انتهى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدتان، إحْداهما، مِثْلُ ذلك في الحُكْمِ لو كانتْ مَرْهُونَة. وتقدَّم ذلك في بابِه. الثَّانيةُ، لو باعَ الدارَ التي تَسْتَحِق المُعْتَدَّةُ للوَفاةِ سُكْناها، وهي حامِل، فقال المُصَنفُ: لا يصِحُّ بَيعُها، لأنَّ المُدَّةَ الباقِيَةَ إلى حينِ وَضْعِ الحَمْلِ مجْهولَةٌ. قلتُ: فيُعايىَ بها. وقال المَجْدُ: قِياسُ المذهبِ الصِّحَّةُ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. ويأْتِي ذلك أيضًا في عِدَّةِ الوَفاةِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: إلَّا أنْ يَشْتَريَها الْمُسْتَأْجِرُ، فتَنْفَسِخُ، على إحْدَى الروايَتَين. وهما وَجْهان عندَ أكثرِ الأصحابِ. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوعِبِ» ، و «الهادِي» ، و «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ؛ إحْداهما، لا تنْفَسِخُ. وهو المذهبُ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ». قال في «القاعِدَةِ الخامِسَةِ والثَّلاثِين»: وهو الصَّحيحُ، اخْتارَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، والأكْثَرون. وجزَم به في «الوَجِيزِ» . وقدَّمَه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . والرِّوايَةُ الثَّانِيَةُ، تَنْفَسِخُ. قال في «الرِّعايةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ»: انفْسَخَتِ الإجارَةُ على الأصحِّ. قال في «الخُلاصَةِ» : انفْسخَتْ في الأصحِّ. قال في «الرِّعايةِ الكُبْرى» : وعنه، تَبْطُلُ الإِجارَةُ بالشِّراءِ، ويرْجِعُ المُشْتَرِي بأُجْرَةِ ما بَقِيَ مِنَ المُدَّةِ إنْ كان الآجِرُ أخَذَه، وإلَّا سقَط مِنَ الثَّمَنِ بقَدْرِه، بشَرْطِه. انتهى. فعلى المذهبِ، لو أجَرَها لمُؤْجِرِها، صحَّ. وعلى الثَّانيةِ، لا يصِحُّ. فعلى الأُولَى، تكونُ الأُجْرَةُ باقِيَةً على المُشْتَرِي،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعليه الثَّمَنُ، ويَجْتَمِعان للبائعِ، كما لو كان المُشْتَرِي غيرَه.
فوائد؛ إحْداها، حُكْمُ ما وَرِثَه المُسْتَأْجِرُ، حُكْمُ ما اشْتَراه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقَطعُوا به. قال القاضي في «الخِلافِ»: هذا المذهبُ. وقال في «المُجَرد» : تنْفسِخُ؛ لأنَّ المِلْكَ بالإرْثِ قَهْرِيٌّ. وأيضًا فقد يَنْبَنِي على أنَّ المَنافِعَ المُسْتَأْجَرَةَ، هل تَحْدُثُ على مِلْكِ المُؤْجِرِ، ثم تنْتَقِلُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلى مِلْكِ المُسْتَأْجِرِ؟ فإن قُلْنا بذلك، فلا مَعْنًى لحُدوثِها على مِلْكِه وانْتِقالِها إليه. هذا إذا كان ثَمَّ وارِثٌ سِواه، فأمَّا إنْ لم يَكُنْ له وارِثٌ سِواه، فلا مَعْنَى لاسْتِحْقاقِ العِوَضِ على نفْسِه، إلَّا أنْ يكونَ على أبِيه دَينٌ لغيرِه، وقد ماتَ مُفْلِسًا بعدَ أنْ أسْلَفَه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأُجْرَةَ. الثَّانيةُ، لو ملَك المُسْتَأْجِرُ العَينَ بهِبَةٍ، فهو كما لو ملَكَها بالشِّراءِ. صرَّح به المجْدُ في مُسَوَّدَتِه على «الهِدايَةِ» . ذكَرَه في «القاعِدَةِ الخامِسَةِ والثَّلاثين» . الثَّالثةُ، لو وُهِبَتِ العَينُ المُسْتَعارَةُ للمُسْتَعيرِ، بطَلَتِ العارِيَّةُ. ذكَرَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ. واقْتصرَ عليه في «القواعِدِ» ؛ لأنَّه عَقْدٌ غيرُ لازِمٍ.
فَصْلٌ: وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأجِيرِ الْخَاصِّ، وَهُوَ الَّذِي يُسَلِّمُ
ــ
قوله: ولا ضَمانَ على الأجيرِ الخَاصِّ؛ وهو الذي يُسَلِّمُ نَفْسَه إلى المُسْتَأجِرِ -يعْنِي، لعَمَل مَعْلومٍ مُباحٍ- فيما يتْلَفُ بيَدِه. فقَوْلُ المُصَنفِ في حدِّه: هو الذي
نَفْسَهُ إِلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِيمَا يَتْلَفُ فِي يَدِهِ، إلَّا أنْ يَتَعَدَّى.
ــ
يُسَلِّمُ نَفْسَه إلى المُسْتَأْجِرِ. هو أحدُ الوَجْهَين. ذكَرَهما في «الرِّعايةِ الصُّغْرى» . وقطَع به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايةِ الكُبْرى» . والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ الأَجيرَ الخاصَّ؛ هو الذي يُؤْجِرُ نَفْسَه مُدَّةً مَعْلومَةً، يَسْتَحِقُّ المُسْتَأْجِرُ نفْعَها في جَميعِها، سواء سلَّم نَفْسَه إلى المُسْتَأْجِرِ أوْ لا. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الرِّعايةِ الصُّغْرى» . والذي يَظْهَرُ لي، أنَّ المَسْأْلةَ قَوْلٌ واحِدٌ، وأنَّ صاحِبَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الرِّعايةِ الصُّغْرَى» رأَى بعضَهم ذكَر العِبارَةَ الأُولَى، وذكَر بعضُهم العِبارَةَ الثَّانيةَ، فظَن أنَّهما قَوْلان. والعُذْرُ لمَن قال: هو الذي يُسَلِّمُ نَفْسَه إلى المُسْتأْجِرِ. أنَّه الواقِعُ في الغالِبِ، فأناطَ الحُكْمَ للغالِبِ، لا أنَّ الذي يُؤجِرُ نَفْسَه مُدَّةً ولم يُسَلِّمْها إلى المُسْتَأْجِرِ لا يُسَمَّى أجِيرًا خاصًّا، فإنَّ المَعنَى الذي سُمِّيَ به يشْمَلُه. إلَّا أنْ يُعْثَرَ على أحدٍ مِنَ الأصحابِ بيَّن ذلك، وذكَر عِلَّةَ كل قَوْلٍ. إذا عَلِمْتَ ذلك، فالصَّحيحُ مِن المذهبِ، أنَّه لا يضْمَنُ ما تَلِفَ بيَدِه بشَرْطِه. نصَّ عليه. قال في «الفُروعِ»: لا يضْمَنُ جِنايَتَه في المَنْصوصِ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى». قال الزَّرْكَشِيُّ: وعليه الأصحابُ، ونصَّ عليه في رِوايَةِ جماعَةٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقيل: يضْمَنُ. اخْتارَه ابنُ أبِي مُوسى في «الإرْشادِ» ، وحكَى فيه عن أحمدَ رِوايَةً بتَضْمِينِه ما تَلِفَ بأمْر خَفِيٍّ لا يُعْلَمُ إلَّا مِن جِهَتِه، كما يأْتِي في الأجيرِ المُشْتَرَكِ، وقال فيه: لا يضْمَنُ ما هلَك بغيرِ فِعْلِه، قوْلًا واحدًا، إذا كانتْ في بَيتِ المُسْتَأْجِرِ. وقال: لا فَرْقَ بينَ الأجيرِ الخاصِّ والمُشْتَركِ.
تنبيه: قولُه: إلَّا أنْ يتَعَدَّى. قال في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَررِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم: إلَّا أنْ يَتَعَمَّدَ. وقال جماعَةٌ مِنَ الأصحابِ؛ منهم ابنُ حَمْدانَ في «رِعايَتَيه» : إلَّا أنْ يَتَعمَّدَ أو يُفرِّطَ.
فائدتان؛ إحْداهما، ليس له أنْ يَسْتَنِيبَ فيما يعْمَلُه، وله فِعْلُ الصَّلَواتِ الخَمْسِ في أوْقاتِها بسُنَنِها، وصلاةُ الجُمُعَةِ، والعيدِ. الثَانيةُ، ليس له أنْ يعْمَلَ لغيرِه في مُدَّةِ المُسْتَأْجِرِ، فإنْ عَمِلَ وأضَرَّ بالمُسْتَأْجِرِ، فله قِيمَةُ ما فوَّتَه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايةِ الكُبْرَى». وقيل: يرْجِعُ بقِيمَةِ
وَيَضْمَنُ الأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَا جَنَتْ يَدُهُ؛ مِنْ تَخْرِيقِ الثَّوْبِ، وَغَلَطِهِ فِي تَفْصِيلِهِ.
ــ
ما عَمِلَه لغيرِه. وهو احْتِمالٌ في «الرِّعايةِ» . وقال القاضي: يرْجِعُ بالأُجْرَةِ التي أخَدها مِن غيرِ مُسْتَأْجرِه.
قوله: ويَضْمَنُ الأَجيرُ المُشْتَرَكُ ما جَنَتْ يَدُه؛ مِن تَخْرِيقِ الثَّوْبِ، وغَلَطِه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في تَفْصِيلِه. الأجِيرُ المُشْتَرَكُ؛ هو الذي يقَعُ العَقْدُ معه على عَملٍ مُعَيَّنٍ، فيَضْمَنُ ما جنَتْ يَدُه؛ مِن تخْريقِ الثَّوْبِ، وغلَطِه في تَفْصِيلِه، وزَلْقِ الحِمالِ، والسُّقوطِ عن دابَّتِه. وكذا الطَّبَّاخُ، والخَبَّازُ، والحائِكُ، وملَّاحُ السَّفِينَةِ، ونحوُهم. ويَضْمَنُ أيضًا ما تَلِفَ بفِعْلِه مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه في رِوايةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ابنِ مَنْصُورٍ. وجزَم به في «المُحَررِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَورِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم. وصرح به القاضي في «التَّعْليقِ» ، في أثْناءِ المَسْأَلةِ، وابنُ عَقِيلٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واخْتارَه المُصَنِّفُ وغيرُه. وقيل: لا يضْمَنُ ما لم يَتَعَدَّ. وهو تَخْرِيجٌ لأبِي الخَطَّابِ. قلتُ: والنَّفْسُ تَمِيلُ إليه. وقيل: إنْ كان عمَلُه في بَيتِ المُسْتَأْجِرِ، أو يَدُه عليه، لم يَضْمَنْ، وإلا ضَمِنَ. اخْتارَه القاضي، وأصحابُه. قاله في
وَلَا ضَمَانَ عَلَيهِ فِيمَا تَلِفَ مِنْ حِرْزِهِ، أوْ بِغَيرِ فِعْلِهِ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِيمَا عَمِلَ فِيهِ. وَعَنْهُ، يَضْمَنُ.
ــ
«الكافِي» . ونَقلَه في «القاعِدَةِ الثَّانِيَةِ والتِّسْعِين» عنِ القاضِي، واقْتصَرَ عليه، وذكَر القاضي أيضًا في تَضْمينِه ثَلاثَ رِواياتٍ؛ الضَّمانُ، وعدَمُه، والثَّالِثَةُ، لا يضْمَنُ، إذا كان غيرَ مُسْتَطاعٍ، كزَلْقٍ ونحوه. قلتُ: وهذا قَويٌّ.
قوله: ولا ضَمانَ عليه فيما تَلِفَ مِن حِرْزِه أو بغَيرِ فِعْلِه. مُرادُه، إذا لم يَتَعدَّ. وما قاله هو المذهبُ. قال في «الفائقِ»: ولا يضْمَنُ ما تَلِفَ بغيرِ فِعْلٍ، ولو عُدِمَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن حِرْزِه، فلا ضَمانَ في أصحِّ الرِّوايتَين. قال في «الفُروعِ»: وما تَلِفَ بغيرِ فِعْلِه ولا تعَدِّيه، لا يضْمَنُه في ظاهرِ المذهبِ. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه»: هذا المذهبُ. ونصَرَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. قال الزَّرْكَشِيُّ: هو المَشْهورُ، والمَنْصوصُ عليه في رِوايَةِ الجماعَةِ. وهو اخْتِيارُ الخِرَقِيِّ، وأبِي بَكْرٍ، والقاضي، وأصحابِه، والشَّيخَين. وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايتَين» ، وغيرِهم. وعنه، يضْمَنُ. وعنه رِوايَةٌ ثالثةٌ، إنْ كان التَّلَفُ بأمْرٍ ظاهرٍ؛ كالحَريقِ، واللُّصوصِ، ونحوهما، فلا ضَمانَ، وإنْ كان بأَمْر خَفِيٍّ، كالضَّياعِ، فعليه الضَّمانُ. وأطْلقَهُنَّ في «المُسْتَوْعِبِ» . قال في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ»: محَلُّ الرِّواياتِ، إذا لم تَكُنْ يَدُ المالِكِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على المالِ، أمَّا إنْ كانتْ يدُه على المالِ، فلا ضَمانَ بحالٍ. قوله: ولا أُجْرَةَ له فيما عَمِلَ فيه. هذا المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وهو ظاهرُ ما قطَع به الخِرَقِيُّ، وصاحِبُ «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرُهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، وغيرِهم. وقال في «المُحَررِ»: ولا أُجْرَةَ له فيما عَمِلَ فيه إلَّا ما عَمِلَه في بَيتِ رَبِّه. وقدَّمه في «الحاوي الصَّغِيرِ» ،
وَلَا ضَمَانَ عَلَى حَجَّام، وَلَا خَتَّانٍ، وَلَا بَزَّاغٍ، وَلَا طَبِيبٍ، إِذَا عُرِفَ مِنْهُمْ حِذْقُ الصَّنْعَةِ وَلَمْ تَجْنِ أيدِيِهِمْ.
ــ
و «الفائقِ» . وعنه، له أُجْرَةُ البِناءِ لا غيرُ. نصَّ عليه، في رِوايةِ ابنِ مَنْصُورٍ. وقطَع به القاضي في «التَّعْليقِ» . قاله الزَّرْكَشِيُّ. وعنه، له أُجْرَةُ البِناءِ والمَنْقُولِ، إذا عَمِلَه في بَيتِ رَبِّه. وقال ابنُ عَقِيلٍ في «الفُنونِ»: له الأجْرَةُ مُطْلَقًا. قلتُ: وهو قَويٌّ.
فائدة: لو اسْتَأْجَرَ أجِيرٌ مُشْتَرَكٌ أجِيرًا خاصًّا؛ كالخَيَّاطِ في دُكَّانٍ يَسْتَأجِرُ أجِيرًا خاصًّا، فيَسْتَقْبِلُ المُشْتَرَكُ خِياطَةَ ثوْبٍ، ثم يدْفَعُه إلى الأجيرِ الخاصِّ، فخرَقَه أو أفْسَدَه، لم يَضْمَنْه الخاصُّ، ويضْمَنُه الأجيرُ المُشْتَرَكُ لرَبِّه. قاله الأصحابُ. وإنِ اسْتَعانَ به ولم يعْمَلْ، فله الأجْرَةُ، لأجلِ ضَمانِه، لا لتَسْليمِ العَمَلِ. قاله في «الانْتِصارِ» ، في شَرِكَةِ الأبدانِ.
قوله: ولا ضَمانَ على حَجَّام، ولا خَتَّانٍ، ولا بَزَّاغٍ -وهو البَيطارُ- ولا طَبيبٍ، إذا عُرِفَ فهم حِذْقُ الصَّنْعَةِ، ولم تَجْنِ أَيدِيهم. هذا المذهبُ، وعليه الأَصحابُ، وقطَع به كثيرٌ فهم. [وقال في «الرِّعايةِ»: وقلتُ: إنْ كان أحدُهم أجِيرًا خاصًّا أو مُشْتَرَكًا، فله حُكْمُه. وكذا قال في الرَّاعِي] (1). وقال ابنُ
(1) زيادة من: ا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبِي مُوسى: إنْ ماتَتْ طِفْلَةٌ مِنَ الخِتانِ، فدِيَتُها على عاقِلَةِ خاتِنِها. قضَى بذلك عمرُ رضي الله عنه.
تنبيه: ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ وغيرِه مِنَ الأصحابِ، أنَّه لا ضَمانَ عليه، سواءٌ كان أجِيرًا خاصًّا أو مُشْتَرَكًا. وهو صحيحٌ. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. واخْتارَ ابنُ عَقِيلٍ في «الفُنونِ» ، عدَمَ الضَّمانِ في الأجيرِ المُشْتَرَكِ لا غيرُ، وقال: لأنَّه الغالِبُ مِن هؤلاءِ، وأنَه لو اسْتُؤْجِرَ لحَلْقِ رُءوسٍ يَوْمًا، فَجنَى عليها بجِراحَةٍ، لا يضْمَنُ، كجِنايَتِه في قِصارَةٍ وخِياطَةٍ ونِجارَةٍ. واخْتارَ في «الرِّعايةِ» ، أنَّ كُلًّا مِن هؤلاءِ له حُكْمُه، إنْ كان خاصًّا، فله حُكْمُه، وإنْ كان مُشْتَرَكًا، فله حُكْمُه. وكذا قال في الرَّاعِي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدتان؛ إحْداهما، يُشْترَطُ لعدَمِ الضَّمانِ في ذلك أيضًا، وفي قَطْعِ سَلْعَةٍ ونحوه، إذنُ المُكَلِّفِ أو الوَلِيِّ، فإنْ لم يأْذَنا، ضَمِنَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وقدَّمه في «الفُروعِ». واخْتارَ في «الهَدْي» (1) عَدَمَ الضَّمانِ. قال: لأنَّه مُحْسِنٌ. وقال: هذا مَوْضِعُ نظَرٍ. الثَّانيةُ، يجوزُ أنْ يَسْتَأْجِرَ طَبِيبًا، ويُقَدِّرَ ذلك بالمُدَّةِ؛ لأنَّ العَمَلَ غيرُ مَضْبُوطٍ، ويُبَيِّنُ قَدْرَ ما يأْتِي له؛ هل هو مَرَّة أو أكثرُ؟ ولا يجوزُ التَّقْديرُ بالبُرْءِ عندَ القاضي، وجوَّزَه ابنُ أبِي مُوسى. واخْتارَه المُصَنِّفُ، وقال: لكِنْ يكونُ جَعالةً لا إجارَةً. انتهى. فإنِ اسْتَأْجَرَه مُدَّةً يكْحَلُه أو يُعالِجُه فيها، فلم يَبْرَأْ، اسْتَحَقَّ الأَجْرَ، وإنْ برَأَ في أثْناءِ المُدَّةِ، انْفَسَخَتِ الإجارَةُ فيما بَقِيَ، وكذا لو ماتَ. فإنِ امْتَنَعَ المَرِيضُ مِن ذلك، مع بَقاءِ المرَضِ، اسْتَحَقَّ الطَّبِيبُ الأجْرَ بمُضِيِّ المُدَّةِ. فأمَّا إنْ شارَطَه على البُرْءِ، فهي جَعالةٌ، لا يسْتَحِقُّ شيئًا حتى يُوجَدَ البُرْءُ، وله أحْكامُ الجَعالةِ. وتقدَّم أنَّ الصَّحيحَ مِنَ
(1) في ط: «الهداية» . انظر: الفروع 4/ 452.
وَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاعِي إِذَا لَمْ يَتَعَدَّ.
ــ
المذهبِ، جَوازُ اشْتِراطِ الكُحْلِ على الطَّبِيبِ، ويدْخُلُ في الإِجارَةِ تبَعًا، كنَقْعِ البِئْرِ.
قوله: ولا ضَمانَ على الرَّاعِي، إذا لم يَتَعَدَّ. بلا نِزاعٍ. فإنْ تعَدَّى، ضَمِنَ، مثْلَ أنْ ينامَ، أو يَغْفَلَ عنها، أو يَتْرُكَها تتَباعَدُ عنه، أو تَغِيبُ عن نظَرِه وحِفْظِه،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو يُسْرِفَ في ضَرْبِها، أو يَضْرِبَها في غيرِ مَوْضِعِ، الضَّرْبِ، أو مِن غيرِ حاجَةٍ إليه، أو يَسْلُكَ بها مَوْضِعًا تتَعرَّضُ فيه للتلَفِ، وما أشْبَهَ ذلك.
فائدتان؛ إحْداهما، لو أحْضَرَ الجِلْدَ ونحوَه، مُدَّعِيًا للمَوْتِ، قُبِلَ قوْلُه في أصحِّ الرِّوايتَين. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والزَّرْكَشِيُّ، وصاحِبُ «الفائقِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وغيرُهم. وعنه، لا يُقْبَلُ قولُه إلَّا ببَيِّنةٍ تَشْهَدُ بمَوتِها. وأطْلَقهما في «المُسْتَوْعِبِ» وغيرِه. ويأْتِي قريبًا إذا ادَّعَى مَوْتَ العَبْدِ المأْجورِ، أو غيرِه، أو مرَضَه. الثَّانيةُ، يجوزُ عَقْدُ الإِجارَةِ على ماشِيَةٍ مُعَيَّنَةَ، وعلى جِنْسٍ في الذِّمَّةِ؛ فإنْ كانتِ الإِجارَةُ على مُعَيَّنَةٍ، تعَلَّقَتِ الإجارَةُ بأعْيانِها، فلا يجوزُ إبْدالُها، ويَبْطُلُ العَقْدُ فيما تَلِفَ منها، والنَّماءُ في يَدِه أمانَةٌ كأصْلِه، ولا يَلْزَمُه رَعْيُ سِخالِها. قاله الأصحابُ. ويَحْتَمِلُ أنْ لا تتَعَلَّقَ الإِجارَةُ بأعْيانِها. قاله المُصَنِّفُ وغيرُه. وإنْ عُقِدَ على مَوْصُوفَةٍ في الذِّمَّةِ، فلا بُدَّ مِن ذِكْرِ جِنْسِه، ونَوْعِه، وكِبَرِه، وصِغَرِه، وعدَدِه. وهذا المذهبُ مُطلقًا. وقال القاضي: إنْ أطْلَقَ، ولم يذْكُرْ عدَدًا، صحَّ، ويُحْمَلُ على ما جرَتْ به العادَةُ، كالمِائَةِ مِنَ الغَنمِ ونحوها. قال في «القاعِدَةِ الثَّانيةِ والثَّمانِين»: لو وقَع الاسْتِئْجارُ على رَعْي غَنَمٍ غيرِ مُعَيَّنَةٍ، كان عليه رَعْيُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سِخالِها، لأنَّ عليه أنْ يَرْعَى ما يجْرِي العُرْفُ به مع الإطْلاقِ. ذكَرَه القاضي في «المُجَرَّدِ» ، واقْتَصرَ عليه. وتقدَّم في أواخِرِ المُضارَبَةِ، هل يجوزُ رَعْيُها بجُزْءٍ مِن صُوفِها وغيرِه؟
وَإذَا حَبَسَ الصَّانِعُ الثَّوْبَ عَلَى أُجْرَتِهِ، فَتَلِفَ، ضمِنَهُ.
وَإنْ أَتْلَفَ الثَّوْبَ بَعْدَ عَمَلِهِ، خُيِّرَ مَالِكُهُ، بَينَ تَضْمِينِهِ إِيَّاهُ غَيرَ مَعْمُولٍ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَبَينَ تَضْمِينِهِ إِيَّاهُ مَعْمُولًا وَيَدْفَعُ إِلَيهِ أُجْرَتَهُ.
ــ
قوله: إذا حَبَسَ الصَّانِعُ الثَّوْبَ على أُجْرَتِه، فتَلِفَ، ضَمِنَه. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه، وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: إنْ كان صَبْغُه منه، فله حَبْسُه، وإنْ كان مِن رَبِّه، أو قَصَرَه، فوَجْهان. وقال في «المَنْثُورِ»: إنْ خاطَه، أو قَصَرَه وغزَلَه، فتَلِفَ بسَرِقَةٍ أو نارٍ، فمِن مالِكِه، ولا أُجْرَةَ له؛ لأنَّ الصَّنْعَةَ غيرُ مُتَمَيِّزَةٍ، كقَفِيزٍ مِن صُبْرَةٍ. وإنْ أفْلَسَ مُسْتَأجِرُه، ثم جاءَ بائِعُه يطْلُبُه، فللصَّانِعِ حَبْسُه.
قوله: وإنْ أتْلَفَ الثَّوْبَ بعدَ عَمَلِه، خُيِّرَ مالِكُه بينَ تضْمِينِه إيَّاه غيرَ مَعْمولٍ، ولا أُجْرَةَ له، وبينَ تَضْمِينِه إيَّاه مَعْمُولًا، ويَدْفَعُ إليه أُجْرَتَه. وهذا بلا خِلافٍ. ويُقَدَّمُ قوْلُ ربِّه في صِفَتِه مَعْمُولًا. ذكَرَه ابنُ رَزِينٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فوائد؛ إحْداها، مثْلُ هذه المَسْألةِ، لو وجَب عليه ضَمانُ المَتاعِ المَحْمُولِ، فصاحِبُه مُخَيَّر بينَ تَضْمِينِه قِيمَتَه في المَوْضِعِ الذي سلَّمَه إليه، ولا أُجْرَةَ له، وبينَ تَضْمِينِه إيَّاه في المَوْضِعِ الذي أفْسَدَه، ويُعْطِيه الأَجْرَ إلى ذلك المَكانِ. قاله القاضي وغيرُه. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». وقدَّمه في «الفُروعِ». وقال أبو الخَطَّابِ: يَلْزَمُه قِيمَتُه مَوْضِعَ تَلَفِه، وله أُجْرَتُه إليه. الثَّانيةُ، مثْلُ المَسْألةِ في الحُكْمِ أيضًا، لو عَمِلَه على غيرِ صِفةِ ما شرَطَه عليه، مثْلَ أنْ يدْفَعَ إليه غَزْلًا ليَنْسِجَ له عَشَرَةَ أذْرُعٍ في عَرْضِ ذِراعٍ، فيَنْسِجَه زائدًا في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الطُّولِ والعَرْضِ. قدَّمه في «الفُروعِ» . وقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: له المُسَمَّى إنْ زادَ الطُّولُ وحدَه، ولم يضُرَّ الأصْلَ، وإنْ جاءَ به زائدًا في العَرْضِ وحدَه، أو فيهما، ففيه وَجْهان. وأمَّا إذا جاءَ به ناقِصًا في الطُّولِ والعَرْضِ، أو في أحَدِهما، فقيل: لا أُجْرَةَ له، وعليه ضَمانُ نقْصِ الغَزْلِ. وقيل: له حِصَّتُه مِنَ المُسَمَّى. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ». وقال المُصَنِّفُ:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويَحتَمِلُ إنْ جاءَ به ناقِصًا في العَرضِ، فلا شيءَ له، وإنْ جاءَ به ناقِصًا في الطول، فله بحِصَّتِه مِنَ المُسَمَّى. الثَّالثةُ، لو دفَع القَصَّارُ الثَّوْبَ إلى غيرِ مالِكِه خَطَأ، ضَمِنَه. قال أحمدُ: يَضْمَنُ القَصَّارُ، ولا يسَعُ المَدْفوعَ إليه لُبْسُه، إذا عَلِمَ أنه ليس
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
له، ويرُدُّه إلى القَصَّارِ، ويُطالِبُه بثَوْبِه، فإنْ لم يغلَمِ المدفوعُ إليه حتى قطَعَه، غَرِمَ أرشَ القَطْعِ. على الصحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به المُصَنفُ، والشَّارِحُ، وابنُ حَمدانَ، والسامَريُّ، وغيرُهم. وقدمه في «الفُروعِ» . وعنه، لا يضْمَنُ. وقدَّمه في «القاعِدَةِ الخامسةِ والتسْعِين (1)» ، ومال إليه. قال: وبعضُ الأصحابِ حمَل رِوايةَ ضَمانِ القَصَّارِ على أنَّه كان أجِيرًا مُشْتَرَكًا، ورِوايَةَ عدَمِ ضَمانِه على أنَّه أجير خاص. وأشارَ إلى ذلك القاضي في «المُجَرَّدِ» . انتهى. وإنْ تَلِفَ عند المَدفوعِ إليه، ضَمِنَه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» . وعنه،
(1) في النسخ: «السبعين» .
وَإذَا ضَرَبَ الْمُسْتأجِرُ الدَّابَّةَ بِقدرِ الْعَادَةِ، أو كَبَحَها، أَو الرَّائِضُ الدَّابَّةَ، لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِف بِهِ. وَكَذَلِكَ الْمُعَلِّمُ إِذَا ضَرَبَ الصَّبِيَّ، أَو الزَّوج امرَأَتَهُ فِي النشُوزِ.
ــ
لا يضْمَنُه، كعَجْزِه عن دَفْعِه لمَرَض ونحوه. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الشّرح» .
قوله: وإذا ضرَب المُسْتَأجِرُ الدَّابَّةَ بقَدْرِ العادَةِ أو كبَحَها -أي، جذَبَها- لتَقِفَ -أو الرَّائِضُ الدَّابَّةَ- وهو الذي يُعَلمُها السَّيرَ -لم يَضْمَنْ ما تَلِفَ به. هذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المذهبُ، نص عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقطَع به في «المُغْنِي» ، و «الشّرح» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: يَضْمَنُ. ويأتِي في كلامَ المُصَنفِ، في آخِرِ كتابِ الدِّياتِ: لو أدَّبَ وَلَدَه،
وَإنْ قَال: أذِنْتَ لِي فِي تَفْصِيلهِ قَبَاءً. قَال: بَلْ قَمِيصًا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْخَيَّاطِ. نَصَّ عَلَيهِ.
ــ
أو امرأتَه في النُّشوزِ، أو المُعَلِّمُ صَبِيَّه، أو السُّلْطانُ رَعِيته، ولم يُسْرِفْ، فأفْضَى إلى تَلَفِه.
قوله: وإنْ قال: أذِنْتَ ليَ في تَفْصِيله قَباءً. قال: بل قَميصًا. فالقَوْلُ قَوْلُ الخَيَّاطِ، نَصَّ عليه. لِئَلَّا يَغْرَمَ نقْصَه مجَّانًا بمُجَرَّدِ قَوْلِ رِّبه، بخِلافِ الوَكِيلِ. وهذا المذهبُ. قال في «التَّلْخيصِ»: القَوْلُ قولُ الأجيرِ، في أصحِّ الروايتَين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «الشّرحِ» ، و «الفائقِ» ، و «شَرحِ ابنِ رَزِين» ، وغيرهم. وعنه، القَوْلُ قَوْلُ المالِكِ. اخْتارَه المُصَنِّفُ. قاله في «الفُروعِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولم أرَه، وظاهِرُ «الفُروعِ» إطْلاقُ الخِلافِ. وعنه، القَوْلُ قولُ مَن يَشْهدُ له الحالُ؛ مثْلَ أن يكونَ التَّفْصِيلُ لا يَلْبَسُه المالِكُ، أو يَلْبَسُه. قلتُ: وهو قَويٌّ. وقيل: بالتحالُفِ. فعلى المذهبِ، له أجْرَةُ مثْلِه. وعلى الثانيةِ، لا أجْرَةَ له.
فوائد؛ الأولَى، لو قال: إنْ كان الثوْبُ يَكْفِيني، فاقْطَعه وفَصلْه. فقال: يَكْفِيك. ففَصَّلَه، فلم يَكْفِه، ضَمِنَه. ولو قال: انْظُر، هل يَكْفِيني قَمِيصًا؟
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقال: نعم. فقال: اقْطَعه. فقطَعَه، فلم يَكْفِه، لم يَضْمَنْه. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشرحِ» ، و «الحاوي» . الثَّانيةُ، لو ادَّعَى مرَضَ العَبْدِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو إباقَه، أو شُرودَ الدَّابَّةِ، أو مَوْتَها، بعدَ فَراغِ المُدَّةِ أو فيها، أو تلفَ المحمُولِ، قُبِلَ قوْلُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدمه في «الفُروعِ» ، وقدَّمه في «الرِّعايَةِ» ، في إباقِ العَبْدِ. وعنه، القَوْلُ قَوْلُ رَبِّه. وقطَع به في «المُغْنِي» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيما إذا ادَّعَى مرَضَ العَبْدِ وجاءَ به صَحِيحًا، وقطَع به في «الرِّعايَةِ» ، وفي «التَّزغيبِ» ، في دَعْواه التَّلَفَ في المُدَّةِ، رِوايَتان، مِن دَعوَى راعٍ تَلَفَ الشَّاةِ. واخْتارَ في «المُبْهِجِ» ، لا تُقْبَلُ دعوَى هرَبِ العَبْدِ أوَّلَ المُدَّةِ. وفي «التّرغيبِ» ، تُقْبَلُ، وأنَّ فيه بعدَها رِوايتَين. وتقدَّم قرِيبًا لو أخضَرَ الجِلْدَ مُدَّعِيًا المَوْتَ. الثَّالثةُ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَسْتَحِقُّ في المَحمولِ أجْرَةُ حَملِه. ذكَرَه في «التبصِرَةِ» . الرَّابعةُ، لو اخْتَلَفا في قَدرِ الأجْرَةِ، فحُكْمُه حُكْمُ اخْتِلافِهم في قَدرِ الثَّمَنِ في البَيعِ. نصَّ عليه. وكذا لو اخْتَلَفا في قَدرِ مُدَّةِ الإجارَةِ -كالبَيعِ- كقَوْلِه: أجَزتُك سنَةً بدِينارٍ. قال: بل سَنَتَين بدِينارَين. وعلى القَوْلِ بالتَّحالُفِ، إنْ كان بعدَ فَراغِ المُدَّةِ، فعليه أجْرَةُ المِثْلِ، لتَعذر رَدِّه المَنْفَعَةَ، وفي أثْنائِها بالقِسْطِ.
فصلٌ: وَتَجِبُ الأجْرَةُ بِنَفْس الْعَقْدِ، إِلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى تأخِيرِها.
ــ
قوله: وتَجِبُ الأجْرَةُ بنَفْسِ العَقْدِ. هذا المذهبُ، سواء كانتْ إجارَةَ عَين، أو في الذِّمةِ، فيَجُوزُ له الوَطْءُ، إذا كانتِ الأجْرَةُ أمَة. قال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ فيه قبلَ القَبْضِ رِوايَة. يعني، بعدَمِ الجَوازِ.
فائدة: تُسْتَحَقُّ الأجْرَةُ كامِلَة بتَسْليمِ العَينِ، أو بفَراغِ العَمَلِ الذي بيَدِ المُسْتأجِرِ، أو بَذْلِها. على الصّحيحِ مِنَ المذهبِ، على ما يأتِي في كلامِ المُصَنِّفِ قرِيبا. وعنه، تُسْتَحَقُّ الأجْرَةُ بقَدرِ ما سَكَنَ. وحمَلَه القاضي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على تركِها لعُذْرٍ، ومِثْلُه تَركُه تَتِمَّةَ عَمَلِه. وفيه في «الانْتِصارِ» ، كقَوْلِ القاضي. انتهى. وله الطَّلَبُ بالتَّسْليمِ، ولا تَسْتَقِرُّ الأجْرَةُ إلَّا بمُضِيِّ المدَّةِ، بلا نِزاع. ولو بذَلَ تَسْلِيمَ العَينِ، وكانتِ الإِجارَةُ على عَمَل في الذِّمَّةِ، فقال الأصحابُ: إذا مضَتْ مُدَّة يُمكِنُ الاسْتيفاءُ فيها، اسْتَقَرَّتْ عليه الأجْرَةُ. نقَلَه المُصَنِّفُ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والشَّارِحُ، وغيرُهما. واخْتارَ المُصَنِّفُ، لا أجْرَةَ عليه، فقال في «المُغْنِي» (1): هذا أصحُّ عندِي. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» .
قوله: إلَّا أنْ يَتَّفِقا على تأخيرِ بها. يجوزُ تأجيلُ الأجْرَةِ مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشّرح» ، و «الوَجيزِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرُهم مِنَ الأصحابِ. وقيل: يجوزُ تأجِيلُها إذا لم تَكُنْ نَفْعًا في الذِّمَّةِ. وقيل: يجوزُ قَبْضُها في المَجْلِسِ أيضًا. فعلى المذْهبِ، تكونُ الأجْرَةُ في الذِّمَّةِ غيرَ مُؤجَّلَةٍ، بل ثابِتَةً في الحالِ، وإنْ تَأخرَتِ المُطالبَةُ بها. صرَّح به القاضي في «تَعلِيقِه» ، في الجِناياتِ، فقال: الدينُ في الذِّمَّةِ غيرُ مُؤجَّل، بل ثابِتٌ في الحالِ، وإنْ تأخَّرَتِ المُطالبَةُ به. وحمَل الزَّركَشِيُّ كلامَ الخِرَقِيِّ في الإجارَةِ عليه، وقدَّرَ له تقْدِيرًا. قلتُ: ظاهرُ كلامِ كثير مِنَ الأصحابِ، خِلافُ ذلك، كالمُصَنِّفِ هنا، والخِرَقِيِّ، وغيرِهم. [ولا يَلْزَمُ مِن كَوْنِ القاضي ذكَر ذلك، أنْ يكونَ مُتَّفَقًا عليه بينَ الأصحابِ، فإنَّ المَسْألَةَ مُحتَمِلةٌ لِما قاله القاضي، ولِما هو ظاهرُ كلامِ غيرِه، فنَقولُ: السَّبَبُ وُجِدَ، والوُجوبُ مَحَلُّه انْتِهاءُ الأجَلِ. والله أعلمُ](2).
(1) انظر: المغني 8/ 20.
(2)
زيادة من: ا.
وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ أجْرَةِ الْعَمَلِ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى يَتَسَلَّمَهُ.
ــ
فائدة: لو أجَّلَها فَماتَ المُسْتأجِرُ، لم تحِل الأجْرَةُ، وإنْ قُلْنا بحُلُولِ الدين بالمَوْتِ؛ لأنَّ حِلَّها مع تأخيرِ اسْتِيفاءِ المَنْفَعَةِ ظُلْم. قاله الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وقال أيضًا: ليس لناظِرِ الوَقْفِ ونحوه تَعجِيلُها كلِّها إلَّا لحاجَةٍ، ولو شرَطَه، لم يَجُزْ؛ لأنَّ المَوْقُوفَ عليه يأخُذُ ما لا يَسْتَحِقُّه الآنَ، كما يُفَرِّقُون في الأرضِ المحتَكَرَةِ إذا بِيعَتْ ووُرِثَتْ، فإنَّ الحِكْرَ مِنَ الانْتِقالِ، يَلْزَمُ المُشْتَرِيَ والوارِثَ، وليس لهم أخْذُه مِنَ البائعِ، وتركُه في أصحِّ قَوْلِهم.
قوله: ولا يجِبُ تَسْلِيمُ أجْرَةِ العَمَلِ في الذِّمَّةِ حتى يتَسَلَّمَه. إذا اسْتُؤجِرَ على عَمَل، مُلِكَتِ الأجْرَةُ بالعَقْدِ أيضًا، لكِنْ لا يَسْتَحِقُّ تَسَلُّمَها إلَّا بفَراغِ العَمَلِ وتَسْلِيمِه لمالِكِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، على ما تقدَّم قرِيبًا. وقطَع به الخِرَقِيُّ، وصاحِبُ «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرُهم. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال القاضي في «تَعلِيقِه» : يجِبُ دَفْعُ الأجْرَةِ إلى الأجيرِ، إذا شرَع في العَمَلِ؛ لأَنه قد سلَّم نفْسَه لاسْتِيفاءِ المَنْفَعَةِ، فهو كتسْليمِ الدَّارِ المُؤجَرَةِ. قال في «القاعِدَةِ الثَّامِنَةِ والأربَعِين»: ولعَلَّه يخُصُّ ذلك بالأجيرِ الخاصِّ؛ لأنَّ مَنافِعَه تَتْلَفُ تحتَ يَدِ المُسْتأجِرِ، فهو شَبِيهٌ بتَسْليمِ العَقارِ. وقال ابنُ أبي مُوسى: مَنِ اسْتُؤجِرَ لعَمَل، استَحَقَّ الأجْرَ عندَ إيفاءِ العَمَلِ، فإنِ اسْتُؤجِرَ في كلِّ يَوْم بأجْر مَعلُوم، فله أجْرُ كل يَوْم عندَ تَمامِه. وحمَلَه الزَّركَشِيُّ على العُرفِ، وكذا قال في «القواعِدِ». وقال: وقد يُحمَلُ على ما إذا كانتِ المُدّةُ مُطْلَقةً غيرَ مُعَيَنةٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كاسْتِئْجارِه كل يَومٍ بكذا، فإنه يصِحُّ، ويَثْبُتُ له الخِيارُ في أجْرِ كلِّ يَوْمٍ، فتَجِبُ له الأجْرَةُ فيه؛ لأنه غيرُ مُلْتَزِم بالعَمَلِ فيما بعدَه، ولأنَّ مُدَّتَه لا تَنْتَهِي، فلا يُمكِنُ تأخِيرُ إعطائِه إلى تَمامِها، أو على أن المُدَّةَ المُعَينَّةً إذا عيَّن لكُلِّ يَوْم فيها قِسْطًا مِنَ الأجْرَةِ، فهي إجاراتٌ مُتَعَددَة. انتهى. وقال الزَّركشِيُّ، بعدَ حَملِ كلامِه على العرفِ: أصلُ المَسْألَةِ ما فيه خِلاف بينَ الأصحابِ. انتهى. وقال أبو الخَطابِ: تُملَكُ بالعَقْدِ، وتَسْتَحِقُّ التَّسْلِيمَ، وتَسْتَقِر بمُضِيِّ المُدَّةِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة: إذا انْقَضَتِ المُدَّةُ، رفَع المُسْتأجرُ يدَه عنِ المَأجُورِ، ولم يَلْزَمه الرَّدُّ. على المذهبِ، مُطْلَقًا. ولو تَلِفَ بعدَ تَمَكُّنِه مِن رَدهِ، لم يَضْمَنْه. جزَم به في «التَّلْخيصِ» ، في بابِ الوَدِيعَةِ، وجزَم به في «الحاوي الصَّغِيرِ» . وقدَّمه في
وَإذَا انْقَضَتِ الإجَارَةُ وَفِي الْأرضِ غِرَاسٌ أوْ بِنَاءٌ لَمْ يُشْتَرَطْ قَلْعُهُ عِنْدَ انْقِضَائِها، خُيِّرَ الْمَالِكُ بَينَ أخذِهِ بِالْقِيمَةِ، أو تَركِهِ بِالأجْرَةِ، أو قَلْعِهِ وَضَمَانِ نَقْصِهِ. وإنْ شُرِطَ قَلْعُهُ لَزِمَ ذَلِكَ، وَلَم تَجِبْ تَسْويَةُ الْأرضِ إلا بِشَرطٍ.
ــ
«الفُروعِ» ؛ لأنَّ الإِذْنَ في الانْتِفاعِ انْتَهى دُونَ الإِذْنِ في الحِفْظِ، ومُؤنته كمُودَعٍ. وقال القاضي في «التّعليقِ»: يَلْزَمُه رَدُّه بالطَّلَب، كعارِيَّةٍ، لا مُؤنَةُ العَينِ، وقال: أوْمَأ إليه. وقال في «الرعايةِ» : يَلْزَمُه ردُّه مع القُدرَةِ بطَلَبِه. وقيل: مُطْلَقًا، ويَضْمَنُه مع إمكانِه. قال: ومُؤنته على ربِّه. وقيل: عليه. قال في «التبصِرَةِ» : يَلْزَمُه ردُّه بالشّرطِ، ويَلْزَمُ المُسْتَعِيرَ مُؤنَةُ البَهيمَةِ عادَةً مُدَّةَ كوْنِها في يَدِه. ويأتِي حُكْمُ مُؤنَةِ ردها، في كلامِ المُصَنفِ في العارِيةِ.
قوله: وإذا انْقَضَتِ الإِجارَةُ، وفي الأرضِ غِراس أو بِناء لم يُشْتَرَطْ قَلْعُه عندَ انقِضائِها، خُيِّرَ المالِكُ بينَ أخْذِه بالقِيمَةِ، أو تركِه بالأجْرَةِ، أو قَلْعِه وضَمانِ نَقْصه. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ مِن حيثُ الجُملَةُ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرحِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. قال في «التَّلْخيصِ»: إذا اخْتارَ المالِكُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القَلْعَ وضَمانَ النَقْصِ، فالقَلْعُ على المُسْتأجرِ، وليس عليه تَسْويَةُ الأرضِ؛ لأنَ المُؤجِرَ دخَل على ذلك. ولم يذْكر جماعَةَ مِنَ الأصحابِ أخْذَه بالقِيمَةِ؛ منهم صاحِبُ «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التلْخيصِ» ، وزاد، كما في عارِيَّةٍ مُؤقَتَةٍ. وقال في «الفائقِ»: قلتُ: فلو كانتِ الأرضُ وَقْفًا، لم يَجُزِ التَّمَلكُ إلا بشَرطِ واقِفٍ، أو رِضا مُسْتَحِقِّ الرَّيْعِ. وقال في «الفُروع»: ولم يُفَرِّقِ الأصحابُ بينَ كَوْنِ المُسْتَأجِرِ وقَف ما بَناه أوْ لا، مع أنهم ذكَرُوا اسْتِئْجارَ دار يجْعَلُها مَسْجِدًا؛ فإنْ لم تُتْرَكْ بالأجْرَةِ، فيَتَوجهُ أنْ لا يبطُلَ الوَقْفُ مُطْلَقا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ في مَنِ احتَكَرَ أرضًا بنَى فيها مَسْجِدًا، أو بِناءً وقَفَه عليه: متى فرَغَتِ المُدَّةُ وانْهدَمَ البِناءُ، زال حُكْمُ الوَقْفِ، وأخَذُوا أرضَهم فانْتفَعُوا بها، وما دامَ البِناءُ قائمًا فيها، فعليه أجْرَةُ المِثْلِ، كوَقْفِ عُلْو رَبْعٍ أو دارٍ مَسْجِدًا، فإنَّ وَقْفَ عُلْو ذلك لا يُسْقِطُ حقَّ مُلَّاكِ السُّفْلِ، كذا وَقْف البِناءِ لا يُسقِطُ حقَّ مُلَّاكِ الأرضِ. وذكَر في «الفُنونِ» مَعناه. قلتُ: وهو الصَّوابُ، ولا يسَعُ النَّاسَ إلا ذلك.
تنبيهان؛ أحدُهما، محَلُّ الخِلافِ في هذه المَسْألَةِ، إذا لم يَقْلَعه المالِكُ. على الصَّحيحِ، ولم يَشْتَرِطْ أبو الخَطَّابِ ذلك. قال في «القاعِدَةِ السَّابعَةِ والسَّبْعِين»: فلعَلَّه جعَل الخِيَرَةَ لمالِكِ الأرضِ دُونَ مالِكِ الغِراسِ والبِناءِ، فإذا اخْتارَ المُسْتأجِرُ القَلْعَ، كان له ذلك، وَيلزَمُه تَسْويَةُ الحَفْرِ. صرَّح به المُصَنِّفُ في «الكافِي»
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وغيرِه، والشَّارِحُ، وغيرُهما. الثَّاني، يأتِي في بابِ الشُّفْعَةِ، كيفَ يُقَوَّمُ الغِراسُ والبِنَاءُ، إذا أُخِذَ مِن رَبِّه، بعدَ قَوْلِه: وإنْ قاسَم المُشْتَرِي وَكِيلَ الشَّفيعِ.
فوائد؛ إحداها، لو شرَطَ في الإجارَةِ بَقاءَ الغِراسِ، فهو كإطْلاقِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. اخْتارَه القاضي وغيرُه. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرح» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ». وقيل: يَبْطُلُ. وهو احتِمال للمُصَنِّفِ. وقال في «الفائقِ» : قلتُ: فلو حُكِمَ ببَقائِه بعدَ المُدَّةِ قَسْرًا بأُجْرةِ مِثْلِه، لم يُصادِفْ مَحَلًّا. الثانيةُ، لو غرَسَ، أو بَنَى مُشْتَرٍ، ثم فُسِخَ البَيعُ بعَيب، كان لرَبِّ الأرضِ الأخْذُ بالقِيمَةِ، والقَلْعُ وضَمانُ النَّقْصِ، وتَركُه بالأجْرَةِ. على
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصحيحِ مِنَ المذهبِ. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. قال في «المُحَرَّرِ» ، و «الرعايَةِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم: له أخْذُه بقِيمَتِه، أو قَلْعُه وضمانُ نَقْصِه. وقال الحَلْوانِيُّ: ليس له قَلْعُه. وقيل: ليس له قَلْعُه، ولا أخْذُه بقِيمَتِه. وتقدَّم إذا غرَس المَحجُورُ عليه، أو بنَى، ثم أخِذَتِ الأرضُ، وحُكْمُه، في بابه في كلامِ المُصَنِّفِ. وأمَّا البَيعُ بعَقْدٍ فاسِدٍ، إذا غرَس فيه المُشْتَرِي، أو
وَإنْ كَانَ فِيها زَرعٌ بَقَاؤهُ بِتَفْرِيطِ الْمُسْتَأجِرِ، فَلِلْمَالِكِ أخْذُهُ بِالْقِيمَةِ، وَتَركُهُ بِالأجْرَةِ. وَإنْ كَانَ بِغَيرِ تَفْرِيطٍ، لَزِمَ تركُهُ بِالأجْرَةِ.
ــ
بَنَى، فالصحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ حُكْمَه حُكْمُ المُسْتَعِيرِ إذا غرَس أو بَنَى، على ما يأتِي في بابِه. ذكَرَه القاضي في «المُجَرَّدِ» ، وابنُ عَقِيل في «الفُصولِ» ، والمُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، في الشُّروطِ في الرَّهْنِ، لتَضَمُّنِه إذنا. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقال صاحِبُ «المُحَرَّرِ»: لا أجْرَةَ. ويأتِي في بابِ الغَصبِ، إذا غرَس المُشْتَرِي مِنَ الغاصِبِ، وهو لا يعلمَ بعدُ، أحكامَ غرسِ الغاصبِ. ويأتي أيضًا بعدَ ذلك، في كلام المُصَنِّفِ: إذا اشْتَرَى أرضًا فغَرَسَ فيها، ثم خرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً. مُسْتَوْفًى في المَكانين. وقال القاضي في «المُجَرَّدِ»: لو غارَسَه على أنَّ الأرضَ والغِراسَ بينَهما، فله أيضًا تَبْقِيَتُه بالأجْرَةِ. قال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ في الفاسِدِ وَجْه، كغَضبٍ؛ لأنَّهم ألْحَقُوه به في الضَّمانِ.
الثَّالثةُ، قوْلُه: وإنْ شرَط قَلْعَه، لَزِمَه ذلك. بلا نِزاع. لكِنْ لا يجِبُ على صاحِبِ الأرضِ غَرامَةُ نَقْصِ الغِراسِ والبِناءِ، ولا على المُسْتأجِرِ تَسْويَةُ الحَفْرِ، ولا إصلاحُ الأرضِ إلَّا بشَرطٍ.
قوله: وإنْ كانَ فيها زَرعٌ، بقَاؤه بتَفْرِيطِ المُسْتَأجِرِ، فللمالِكِ أخْذُه بالقِيمَةِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال في «الرِّعايةِ» : وقيل: بنَفَقَتِه (1).
أو تركِه بالأجْرَةِ. وهذا بلا نِزاع. وقال في «الرعايةِ» : قلتُ: وقَلْعُه مجَّانًا. انتهى. فهو كزَرعِ الغاصِبِ. قاله الأصحابُ. نقَلَه في «القواعِد» . لكِنْ لو أرادَ المُسْتَأجرُ قَطْعَ زَرعِه في الحالِ، وتَفْرِيغَ الأرضِ، فله ذلك مِن غيرِ إلْزام له به. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرحِ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «القواعِدِ» . وهو المذهبُ بلا رَيبٍ. وقال القاضي، وابنُ عَقِيل: يَلزَمُه ذلك. قال في «القواعِدِ» : وليس بجارٍ على قَواعِدِ المذهبِ.
قوله: وإنْ كانَ بغيرِ تَفْرِيط، لَزِمَه تَركُه بالأجْرَةِ. يعنِي، له أجْرَةُ مِثْلِه لِما زادَ، بلا نِزاعٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة: لو اكْتَرَى أرضًا لَزْرعِ مُدَّةً لا يَكْمُلُ فيها، وشرَطَ قَلْعَه بعدَها، صح، وإنْ شرَطَ بَقاءَه ليدرَكَ، فسدَتْ، بلا نِزاع فيهما. وإنْ سَكَتَ فسَدَتْ أيضًا،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايةِ الكُبْرَى». وقيل: يصِح. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرحِ». وقال في «الرِّعايةِ الكُبْرَى»: يَحتَمِلُ أنَّه إنْ أمكَنَ أنْ يَنْتَفِعَ بها في زَرع، ضرَرُه كضَرَرِ الزرعِ المَشْروطِ أو دُونَه، صحَّ العَقْدُ، وإلَّا فلا. انتهى. وهو في «المُغْنِي» ، و «الشّرحِ» . فعلى المذهبِ، لو زرَعَ فيما شُرِطَ بَقاؤه ليدرَكَ، لَزِمَه أجْرَةُ
وَإذَا تَسَلَّمَ الْعَينَ فِي الإجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، حَتَّى انْقَضَتِ الْمُدَّةُ، فَعَلَيهِ أجْرَةُ الْمِثْلِ، سَكَنَ أوْ لَمْ يَسْكُنْ.
ــ
المِثْلِ. وعلى القَوْلِ بالصِّحَّةِ فيما إذا سَكَتَ، لو انْقَضَتِ المُدةُ والزرعُ باقٍ، فقيل: حُكْمُه حُكمُ زَرعٍ، بَقاؤه بتَفْريطِ المُسْتأجَرِ، على ما تقدم. وقدمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، فقال: وقيلَ: إنْ سَكَتَ، صحَّ العَقْدُ، فإذا فرَضَتِ المُدةُ والزرعُ باقٍ، فهو كمُفَرِّطٍ. وقيل: لا. انتهى. وقيل: حُكْمُه حُكمُ زَرعٍ، بَقاؤه بعدَ فَراغِ المُدةِ مِن غيرِ تَفْريطٍ. على ما تقدم. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الشرح» ، و «الفُروع» .
قوله: وإذا تَسَلَّمَ العَينَ في الإجارَةِ الفَاسِدَةِ، حتى انْقَضَتِ المُدَّةُ، فعليه أجْرَةُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المِثْلِ، سَكَنَ أو لم يَسْكُنْ. هذا المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ». وقيل: لا أُجْرَةَ عليه، إنْ لم يَنْتَفِعْ. وهو رِوايَة عن أحمدَ. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». وقال القاضي في «التَّعْليقِ»: يجبُ المُسَمَّى في نِكاحٍ فاسِدٍ، فيَجِبُ أنْ نقولَ مِثْلَه في الإجارَةِ، وعلى أنَّ القَصْدَ فيها العِوَضُ، فاعتِبارُها في الأَعْيانِ أوْلَى. وقال في «الرَّوْضَةِ»: هل يجِبُ المُسَمَّى في الإِجارَةِ الفاسِدَةِ، أمْ أُجْرَةُ المِثْلِ، وهي الصَّحِيحَةُ؟ فيه رِوايَتان.
وَإذَا اكْتَرَى بِدَرَاهِمَ، وَأَعْطَاهُ عَنْها دَنَانِيرَ، ثُمَّ انْفَسَخَ الْعَقْدُ، رَجَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالدَّرَاهِمَ.
ــ
فائدة: ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه لا يَلْزَمُه أُجْرَةٌ، إذا لم يتَسَلَّمْها، ولو بذَلَها له المالِكُ. وهو صحيحٌ، ولا خِلافَ فيه.
قوله: وإنِ اكْتَرَى بدَراهِمَ، وأَعْطَاه عنها دَنانِيرَ، ثم انْفَسَخَ العَقْدُ، رجَع المُسْتأْجرُ بالدَّرَاهِمِ. لا أعلمُ فيه خِلافًا. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِير» ، و «الفائقِ» ، وغيرُهم مِنَ الأصحابِ. وتقَدَّم نَظِيرُ ذلك.