المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الدليل الثاني للمتكلمين هو دليل التركيب - شرح الحموية - عبد الرحيم السلمي - جـ ٩

[عبد الرحيم السلمي]

فهرس الكتاب

- ‌شرح الفتوى الحموية [9]

- ‌أدلة المتكلمين العقلية في نفي الصفات

- ‌معنى دليل تعدد القدماء عند المعتزلة والرد عليه

- ‌الرد على دليل تعدد القدماء بأنه مخالف للغة

- ‌الرد على دليل تعدد القدماء بأنه مخالف للشرع

- ‌الرد على دليل تعدد القدماء بأنه استعمل مصطلحات لم ترد في الكتاب والسنة

- ‌الرد على دليل تعدد القدماء بنقد مصطلح (ذات)

- ‌معنى دليل التركيب عند المتكلمين والرد عليه

- ‌الدليل الثاني للمتكلمين هو دليل التركيب

- ‌معنى دليل منع حلول الحوادث عند المتكلمين والرد عليه

- ‌معنى دليل منع حلول الحوادث والرد عليه بالجملة

- ‌المقدمات التي يتركب منها دليل منع حلول الحوادث والاستدلال به على أن الله هو الخالق

- ‌الردود على مقدمات أهل البدع في حلول الحوادث

- ‌بطلان استدلال المتكلمين بدليل التشبيه والتمثيل

- ‌نقد القواعد المخالفة للكتاب والسنة

- ‌نقد الاستخدام السيئ لقاعدة اليسر والسماحة في الشريعة

- ‌نقد قاعدة نتعاون فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه

- ‌نقد قاعدة الموازنة بين الحسنات والسيئات عند نقد الآخرين

الفصل: ‌الدليل الثاني للمتكلمين هو دليل التركيب

‌الدليل الثاني للمتكلمين هو دليل التركيب

فهو الدليل العقلي الثاني من الأدلة المسماة: قواطع عقلية، يعني: هم عندما يتكلمون يقولون: وهذا الأمر تحيله القواطع العقلية، ويقصدون بالقواطع العقلية هي هذه التي ذكرناها.

فالشبهة الثانية هي شبهة التركيب، وشبهة التركيب هي التي نفوا من أجلها الصفات الذاتية التي لا تنفك عن الله عز وجل، وهذه الشبهة تشمل المعتزلة والأشاعرة والماتريدية، لكن اختلفوا في التطبيق كما سيأتي.

حقيقة هذه الشبهة هي أنهم قالوا: إن وصف الله عز وجل بالصفات يلزم منه أن الله عز وجل مركب من مجموعة صفات، فإذا قلنا: إن لله يدين، وإن له قدماً، وإن له علماً، وإن له سمعاً، فإذاً هو إله مركب من هذه الأشياء.

يقولون: والتركيب يفتقر فيه الجزء إلى جزئه، فإذا افتقر فيه الجزء إلى جزئه دل ذلك على النقص، وهذا لا يمكن أن يكون في صفات الله عز وجل، وبناءً على هذا فلا نصف الله عز وجل بهذه الصفات التي يلزم منها تركيب الله سبحانه وتعالى من هذه الصفات.

وهم لما جاءوا إلى التطبيق على الصفات الموجودة في القرآن والسنة، فالمعتزلة نفوا جميع الصفات بدون استثناء، وقالوا: إن إثبات الصفات العقلية مثل: العلم والحياة والسمع والبصر يستلزم التركيب، وإن وصف الله بالصفات الذاتية مثل: اليدين والعينين والقدم والساق وغير ذلك من الصفات تستلزم التركيب أيضاً.

فجاء الأشاعرة وفرقوا بين الاثنين، وقالوا: لا، الصفات العقلية مثل: العلم والسمع والبصر والحياة والكلام والإرادة لا تستلزم التركيب، وأما الصفات السمعية التي هي العينان واليدان والقدم فهذه تستلزم التركيب فيجب أن ننفيها.

والمعتزلة والأشاعرة بينهم صراع كبير في هذه الصفات السبع التي أثبتها الأشاعرة، وهي: العلم، والحياة، والقدرة، والإرادة، والكلام، والسمع، والبصر، فالمعتزلة ينفون هذه الصفات جميعاً، ويقولون إنها تستلزم تعدد القدماء، فيرد عليهم الأشاعرة فيقولون: لا تستلزم تعدد القدماء، وإنما هي صفات من لوازم الموصوف وهو الله سبحانه وتعالى، فلابد أن يكون حياً، ولابد أن يكون عالماً، ولابد أن يكون قديراً، ولابد أن يكون بصيراً، وهكذا.

وكلام الأشاعرة في ردهم على المعتزلة حول هذه الصفات رد صحيح، حتى إن عندهم ردوداً لطيفة جداً يقولون: إن الواقع والحياة فيها مسموعات ومبصرات ومقدورات ومرادات، فإما أن تثبتوا الصفات لوجود أثرها، أو تنفوا الأثر، فإذا نفيتم القدرة يلزمكم نفي المقدور، وإلا فكيف حصل هذا المقدور؟ ويستدلون بوجود المقدور على وجود القدرة، وبوجود المعلوم على وجود العلم، وبوجود المراد على وجود الإرادة، وبوجود المسموع على وجود السمع، وبوجود المبصرات على وجود صفة البصر وهكذا، فيستدلون بالمحدثات المخلوقات على وجود مقتضياتها من الصفات.

والنقاش مع الأشاعرة في إثبات الصفات التي ينفونها سهل جداً، نقول: إن وجود الرحمات في الأرض، رحمة المحتاج والفقير والمسكين يدل على صفة الرحمة، قالوا: لا يدل عليها، قلنا: وكذلك المقدور لا يدل على القدرة من الناحية الجدلية، فقالوا: بل يدل عليها، ففرقوا بين المتماثلات، فبين لهم أهل السنة والجماعة أنهم منحرفون في هذه المسألة، قالوا: كيف تفرقون بين الأمور المتماثلة؟ هذا من جهة الاستدلال العقلي المجرد، وأما من جهة النصوص الشرعية فهم لا يرجعون إليها أصلاً؛ لأنهم لا يعتقدون أنها مصدر مستقل في تلقي العقائد.

نعود إلى مسألة التركيب، فالمعتزلة يعممون هذا الدليل الذي هو التركيب على جميع الصفات، فينفون به صفات المعاني العقلية التي سبق أن ذكرناها، وينفون به أيضاً الصفات الذاتية التي سبق أن ذكرناها، بينما الأشاعرة يميزون ويقولون: الصفات العقلية التي يسمونها صفات المعاني ليست داخلة في التركيب، ولا تستلزم التركيب، بينما الصفات الذاتية تستلزم التركيب.

وللرد على هؤلاء نقول: أولاً: بالنسبة للمصطلحات سبق أن تحدثنا عنها، وقلنا: هذا مصطلح جديد يتضمن معاني جديدة مخالفة للنصوص الشرعية فلا نقبله من جهة اللفظ، ولا نقبل جميع معانيه.

ثانياً: أن وصف الله عز وجل بهذه الصفات لا يستلزم التركيب؛ لأنكم إذا كنتم تعتقدون أنها تستلزم التركيب فهذا باطل وخطير في مجال العقائد، وهذا لا يقول به أهل السنة، فهذه الصفات لا أول لها، كما أن الله عز وجل لا أول له، وهي ليست ذوات مستقلة، بل هي صفات لموصوف واحد وهو الله سبحانه وتعالى.

وإن كنتم تقصدون بالتركيب من حيث الفهم أن صفة اليد ليست هي صفة الساق وليست هي صفة العينين، فهذا لا إشكال فيه من جهة المعنى، وتسميتك له تركيباً باطل، فالتسميات التي يطلقها الناس لا تغير الحقائق، فالحقائق أنها صفات لموصوف واحد وصف الله بها نفسه وهي صحيحة وحقيقة ولا إشكال فيها، فإذا سميتها تركيباً نقول: إن أردت بها أن أحداً ركبه فهذا باطل، فإن الله عز وجل متقدس متنزه عن هذا المعنى الباطل، وإن كنت تعني أن بعضها يختلف عن بعض فهذا معنى صحيح.

فإذا جاء أحد مثلاً وسمى الربا فوائد، هل يصبح فوائد؟ لا يصبح فوائد، بل هو ربا محرم، وإذا جاء أحد وسمى

ص: 9