الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
اعلم - أرشدك الله لطاعته-: أن
الحنيفيّة ملّة إبراهيم:
أن تعبد الله مخلصاً له الدين، كما قال –تعالى-:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِِ} [الذاريات:56] .
= يتب ولم يستغفر فهذه علامة الشقاء. وقد يقنط من رحمة الله ويأتيه الشيطان ويقول له: ليس لك توبة.
هذه الأمور الثلاث: إذا أُعطي شكر، وإذا ابتُلي صبر، وإذا أذنب استغفر هي عنوان السعادة، من وُفِّق لها نال السعادة، ومن حُرم منها – أو من بعضها- فإنه شقي.
2-
"اعلم أرشدك الله" هذا دعاء من الشيخ –رحمه الله، وهكذا ينبغي للمعلم أ، يدعو للمتعلم.
وطاعة الله معناها: امتثال أوامره واجتناب نواهيه.
"أن الحنيفية ملة إبراهيم" الله –جل وعلا- أمر نبينا باتباع ملة إبراهيم، قال تعالى:{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 123] .
والحنيفية: ملة الحنيف وهو ملة إبراهيم – عليه الصلاة والسلام، والحنيف هو: المقبل على الله المعرض عما سواه، هذا هو الحنيف: المقبل على الله بقلبه وأعماله ونياته ومقاصده كلها لله، المعرِض عما سواه، والله أمرنا باتباع ملة إبراهيم:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] .
وملة إبراهيم: "أن تعبد الله مخلصاً له الدين" هذه الحنيفية، ما قال:"أن تعبد الله" فقط، بل قال:"مخلصاً له الدين" يعني: وتجتنب الشرك، لأن العبادة إذا خالطها الشرك بطلت، فلا تكون =
.................................................................................
= عبادة إلا إذا كانت سالمةٌ من الشرك الأكبر والأصغر.
"كما قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء} [البينة: 5] " جمع حنيف، وهو: المخلص لله عز وجل.
وهذه العبادة أمر الله بها جميع الخلق كما قال – تعالى- {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِِ} [الذاريات:56]، ومعنى يعبدون: يفردوني بالعبادة، فالحكمة من خلق الخلق: أنهم يعبدون الله عز وجل مخلصين له الدين، منهم من امتثل ومنهم من لم يمتثل، لكن الحكمة من خلقهم هي هذه، فالذي يعبد غير الله مخالف للحكمة من خلق الخلق، ومخالف للأمر والشرع.
وإبراهيم هو: أبو الأنبياء الذين جاءوا من بعده، فكلهم من ذريته، ولهذا قال – جل وعلا- {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} [العنكبوت: 261] ، فكلهم من بني إسرائيل –حفيد إبراهيم عليه السلام، إلا محمداً –صلى الله عليه وسلم فإنه من ذرية إسماعيل، فكل الأنبياء من بعد إبراهيم من أبناء إبراهيم –عليه الصلاة والسلام، تكريماً له.
وجعله الله إماماً للناس –يعني: قدوة-: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124] يعني: قدوة، {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل: 120] يعني: إماماً يقتدى به. وبذلك أمر الله جميع الخلق كما قال –تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِِ} [الذاريات:56] ، فإبراهيم دعا الناس إلى عبادة الله عز وجل كغيره من النبيين، كل الأنبياء دعوا الناس إلى عبادة الله وترك عبادة ما سواه كما قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] .=
3-
فإذا عرفت أنّ الله خلقك لعبادته فاعلم: أنّ العبادة لا تسمّى عبادة إلا مع التوحيد، كما أنّ الصلاة لا تسمّى صلاة إلا مع الطهارة، فإذا دخل الشرك في العبادة فسدتْ كالحدَث إذا دخل في الطهارة.
= وأما الشرائع التي هي الأوامر والنواهي والحلال والحرام فهذه تختلف باختلاف الأمم حسب الحاجات، يشرع الله شريعة ثم ينسخها بشريعة أخرى إلى أن جاءت شريعة الإسلام فنسخت جميع الشرائع وبقيت هي إلى أن تقوم الساعة، أما أصل دين الأنبياء – وهو التوحيد- فهو لم ينسخ ولن يُنسخ، دينهم واحد وهو دين الإسلام بمعنى: الإخلاص لله بالتوحيد. أما الشرائع فقد تختلف، وتُنسخ، لكن التوحيد والعقيدة من آدم إلى آخر الأنبياء، كلهم يدعون إلى التوحيد وإلى عبادة الله، وعبادة الله: طاعته في كل وقت بما أمر به من الشرائع، فإذا نسخت صار العمل بالناسخ هو العبادة، والعمل بالمنسوخ ليس عبادة الله.
3-
"فإذا عرفت أن الله خلقك لعبادته" يعني: إذا عرفت من هذه الآية {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وأنت من الإنس، داخلٌ في هذه الآية، وعرفت أن الله ما خلقك عبثاً، أو خلقك لتأكل وتشرب فقط، تعيش في هذه الدنيا وتسْرح وتمرح، لم يخلقك لهذا، خلقك الله لعبادته، وإنما سخر لك هذه الموجودات من أجل أن تستعين بها على عبادته لأنك لا تستطيع أن تعيش إلا بهذه الأشياء، ولا تتوصل إلى عبادة الله إلا بهذه الأشياء، سخرها الله لك لأجل أن تعبده، ليس من أجل أن تفرح بها وتسرح وتمرح وتفسُق وتفجر تأكل وتشرب ما اشتهيت، هذا شأن البهائم، أما الآدميون فالله جل وعلا خالقهم لغاية عظيمة وحكمة عظيمة وهي =
.................................................................................
= العبادة، قال –تعالى-:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ} [الذاريات: 56-57] ، الله ما خلقك لتكتسب له، أن تحترف وتجمع له مالاً، كما يفعل بنو آدم بعضهم لبعض يجعلون عُمّالاً يجمعون لهم المكاسب، لا، الله غنيّ عن هذا، والله غني عن العالمين، ولهذا قال:{مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ} [الذاريات: 57] الله –جل وعلا- يُطعِم ولا يُطعَم، غني عن الطعام، وغني –جل وعلا- بذاته، وليس هو في حاجة إلى عبادته، لو كفرت ما نقصت ملك الله، ولكن أنت الذي بحاجة إليه، أنت الذي بحاجة إلى العبادة، فمن رحمته: أنه أمرك بعبادته من أجل مصلحتك، لأنك إذا عبدته فإنه سبحانه وتعالى يكرمك بالجزاء والثواب، فالعبادة سببٌ لإكرام الله لك في الدنيا والآخرة، فمن الذي يستفيد من العبادة؟ المستفيد من العبادة هو العابد نفسه، أما الله –جل وعلا- فإنه غنيّ عن خلقه.
قال: "فاعلم: أن العبادة لا تُسمى عبادة إلا مع التوحيد، كما أن الصلاة لا تسمّى صلاة إلا مع الطهارة".
إذا عرفت أن الله خلقك لعبادته فإن العبادة لا تكون صحيحة يرضاها الله سبحانه وتعالى إلا إذا توفّر فيها شرطان، إذا اختل شرطٌ من الشرطين بطلت:
الشرط الأول: أن تكون خالصة لوجه الله، ليس فيها شرك. فإن خالطها شركٌ بطلت، مثل الطهارة إذا خالطها حدث بطلت، كذلك إذا عبدت الله ثم أشركت به بطلت عبادتك. هذا الشرط الأول.
الشرط الثاني: المتابعة للرسول –صلى الله عليه وسلم، فأي عبادة لم يأت بها الرسول فإنها باطلة ومرفوضة، لأنها بدعة وخرافة، ولهذا يقول –صلى الله عليه وسلم: =
..................................................................................
= "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"(1)، وفي رواية:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"(2) ، فلا بد أن تكون العبادة موافقة لما جاء به الرسول –صلى الله عليه وسلم، لا باستحسانات الناس ونيّاتهم ومقاصدهم ما دام أنها لم يدل عليها دليل من الشرع فهي بدعة ولا تنفع صاحبها بل تضره لأنها معصية، وإن زعم أنه تقرب بها إلى الله –عز وجل.
فلا بد في العبادة من هذين الشرطين: الإخلاص، والمتابعة للرسول –صلى الله عليه وسلم حتى تكون عبادة صحيحة نافعة لصاحبها، فإن دخلها شرك بطلت، وإذا صارت مبتدَعة ليس عليها دليل فهي باطلة أيضاً، بدون هذين الشرطين لا فائدة من العبادة، لأنها على غير ما شرع الله سبحانه وتعالى، والله لا يقبل إلا ما شرع في كتابه أو على لسان رسوله –صلى الله عليه وسلم.
فلا هناك أحد من الخلق يجب اتباعه إلا الرسول –صلى الله عليه وسلم، أما ما عدا الرسول فإنه يتبع ويطاع إذا اتبع الرسول، أما إذا خالف الرسول فلا طاعة، يقول الله –تعالى-:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء: 59]، وأولوا الأمر هم: الأمراء والعلماء، فإذا أطاعوا الله وجبت طاعتهم واتباعهم، أما إذا خالفوا أمر الله فإنها لا تجوز طاعتهم ولا اتباعهم فيما خالفوا فيه، لأنه ليس هناك أحدٌ يطاع استقلالاً من الخلق إلا رسول الله –صلى الله عليه وسلم، وما عداه فإنه يطاع ويُتّبع إذا أطاع الرسول –صلى الله عليه وسلم واتبع الرسول، هذه هي العبادة الصحيحة.
_________
(1)
أخرجه مسلم (رقم: 1718) في الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، من حديث عائشة –رضي الله عنها.
(2)
أخرجه البخاري (رقم: 2697) في الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، ومسلم (رقم: 1718) ، من حديث عائشة –رضي الله عنها.