المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ القاعدة الثانية: - شرح القواعد الأربع

[صالح الفوزان]

الفصل: ‌ القاعدة الثانية:

= مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ} [يونس: 31] ، فهم مقرون بهذا.

فليس التوحيد هو الإقرار بتوحيد الربوبية كما يقول ذلك علماء الكلام والنُّظّار في عقائدهم، فإنه يقررون بأن التوحيد هو الإقرار بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت، فيقولون:(واحد في ذاته لا قسيم له، واحد في صفاته لا شبيه له، واحد في أفعاله لا شريك له) وهذا هو توحيد الربوبية، ارجعوا إلى أي كتاب من كتب علماء الكلام تجدون لا يخرجون عن توحيد الربوبية، وهذا ليس هو التوحيد الذي بعث الله به الرسل، والإقرار بهذا وحده لا ينفع صاحبه، لأن هذا أقرّ به المشركون وصناديد الكفرة، ولم يخرجهم من الكفر، ولم يدخلهم في الإسلام، فهذا غلطٌ عظيم، فمن اعتقد هذا الاعتقاد ما زاد على اعتقاد أبي جهل وأبي لهب، فالذي عليه الآن بعض المثقّفين هو تقرير توحيد الربوبية فقط، ولا يتطرقون إلى توحيد الألوهية، وهذا غلط عظيم في مسمّى التوحيد.

وأما الشرك فيقولون: (هو أن تعتقد أن أحداً يخلق مع الله أو يرزق مع الله)، نقول: هذا ما قاله أبو جهل وأبو لهب، ما قالوا: إن أحداً يخلق مع الله، ويرزق مع الله، بل مقرّون بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت.

6-

"القاعدة الثانية": أن المشركين الذين سماهم الله مشركين =

ص: 19

.................................................................................

= وحكم عليهم بالخلود في النار، لم يشركوا في الربوبية وإنما أشركوا في الألوهية، فهم لا يقولون إن آلهتهم تخلق وترزق مع الله، وأنهم ينفعون أو يضرون أو يدبرون مع الله، وإنما اتخذوهم شفعاء، كما قال الله تعالى عنهم:{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ} [يونس: 18] ، {مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ} هم معترفون بهذا إنهم لا ينفعون ولا يضرون، وإنما اتخذوهم شفعاء، يعني: وُسطاء عند الله في قضاء حوائجهم، يذبحون لهم، وينذرون لهم، لا لأنهم يخلقون أو يرزقون أو ينفعون أو يضرون في اعتقادهم، وإنما لأنهم يتوسطون لهم عند الله، ويشفعون عند الله، هذه عقيدة المشركين.

وأنت لمّا تناقش الآن قبورياً من القبوريين يقول هذه المقالة سواءً بسواء، يقول: أنا أدري أن هذا الولي أو هذا الرجل الصالح لا يضر ولا ينفع، ولكن هو رجلٌ صالحٌ وأريد منه الشفاعة لي عند الله.

والشفاعة فيها حق وفيها باطل، الشفاعة، التي هي حق وصحيحة هي ما توفر فيها شرطان:

الشرط الأول: أن تكون بإذن الله.

الشرط الثاني: أن يكون المشفوع فيه من أهل التوحيد، أي: من عصاة الموحدين.

إن اختل شرط من الشرطين فالشفاعة باطلة، قال –تعالى-:{مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَاّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] ، {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا =

ص: 20

ودليل الشفاعة قوله –تعالى-: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس:18]، والشفاعة شفاعتان: شفاعة منفيّة وشفاعة مثبَتة:

فالشفاعة المنفيّة ما كانت تٌطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلاّ الله، والدليل: قوله –تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ} [البقرة:254] .

والشفاعة المثبَتة هي: التي تُطلب من الله، والشّافع مُكْرَمٌ بالشفاعة، والمشفوع له: من رضيَ اللهُ قوله وعمله بعد الإذن كما قال –تعالى-: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255] .

= لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] ، وهم عصاة الموحدين، أما الكفار والمشركون فما تنفعهم شفاعة الشافعين {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 18] فهؤلاء سمعوا بالشفاعة ولا عرفوا معناها، وراحوا يطلبونها من هؤلاء بدون إذن الله –عز وجل، بل طلبوها لمن هو مشركٌ بالله لا تنفعه شفاعة الشافعين، فهؤلاء يجهلون معنى الشفاعة الحقة والشفاعة الباطلة.

7-

الشفاعة لها شروط ولها قيود، ليس مطلقة.

فالشفاعة شفاعتان: شفاعة نفاها الله –جل وعلا-، وهي الشفاعة بغير إذنه –سبحانه وتعالى، فلا يشفع أحد عند الله إلا بإذنه، وأفضل الخلق وخاتم النبيين محمد –صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يشفع لأهل الموقف يوم القيامة يخرّ ساجداً بين يدي ربه ويدعوه ويحمده ويُثني عليه، ولا يزال ساجداً حتى يُقال له: "ارفع رأسك، وقل تُسمع، واشفع =

ص: 21