الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
16-
القاعدة الرابعة:
أنّ مشركي زماننا أغلظ شركًا من الأوّلين، لأنّ الأوّلين يُشركون في الرخاء ويُخلصون في الشدّة، ومشركوا زماننا شركهم دائم؛ في الرخاء والشدّة.
= فدل هذا على مسائل عظيمة:
المسألة الأولى: خطر الجهل بالتوحيد، فإن من كان يجهل التوحيد حريّ أن يقع في الشرك وهو لا يدري، ومن هنا يجب تعلُّم التوحيد، وتعلم ما يضاده من الشرك حتى يكون الإنسان على بصيرة لئلا يؤتى من جهله، لا سيما إذا رأى من يفعل ذلك فحسبه حقاً بسبب جهله، ففيه: خطر الجهل، لا سيّما في أمور العقيدة.
ثانياً: في الحديث خطر التشبه بالمشركين، وأنه قد يؤدّي إلى الشرك، قال –صلى الله عليه وسلم:"من تشبه بقومٍ فهو منهم"(1) ، فلا يجوز التشبه بالمشركين.
المسألة الثالثة: أن التبرك بالأحجار والأشجار والأبنية شرك وإن سُمي بغير اسمه، لأنه طلب البركة من غير الله من الأحجار والأشجار والقبور والأضرحة، وهذا شرك وإن سموه بغير اسم الشرك.
16 -
القاعدة الربعة –وهي الأخيرة-: أن مشركي زماننا أعظم شركاً من الأولين الذي بعث إليهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم.
والسبب في ذلك واضح: أن الله –جل وعلا- أخبر أن =
_________
(1)
أخرجه أبو داود (رقم: 4031) في اللباس، باب في لبس الشهرة، وأحمد (2/50) من حديث عبد الله بن عمر –رضي الله عنه: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هذا إسناد جيِّد". "اقتضاء الصراط المستقيم"(1/236-239) .
وقال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء": (2/65) : "سنده صحيح".
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": (6/98) : "سنده حسن".
.................................................................................
المشركين الأولين يخلصون لله إذا اشتد بهم الأمر، فلا يدعون غير الله عز وجل لعلمهم أنه لا ينقذ من الشدائد إلا الله كما قال –تعالى-:{وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَاّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا} [الإسراء: 67]، وفي الآية الأخرى:{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [لقمان: 32] يعني: مخلصين له الدعاء، {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ} [لقمان: 32] ، وفي الآية الأخرى:{فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65] ، فالأولون يشركون في الرخاء، يدعون الأصنام والأحجار والأشجار. أما إذا وقعوا في شدة وأشرفوا على الهلاك فإنهم لا يدعون صنماً ولا شجراً ولا حجراً ولا أي مخلوق، وإنما يدعون الله وحده –سبحانه وتعالى، فإذا كان لا يخلِّص من الشدائد إلا الله –جل وعلا- فكيف يُدعى غيرُه في الرخاء.
أما مشركو هذا الزمان يعني: المتأخرين الذين حدث فيهم الشرك من هذه الأمة المحمدية فإن شركهم دائم في الرخاء والشدة، لا يُخلصون لله ولا في حالة الشدة، بل كلما اشتد بهم الأمر اشتد شركهم ونداؤهم للحسن والحسين وعبد القادر والرِّفاعي وغير ذلك، هذا شيء معروف، ويذكر عنهم العجائب في البحار، أنهم إذا اشتد بهم الأمر صاروا يهتفون بأسماء الأولياء والصالحين ويستغيثون بهم من دون الله عز وجل، لأن دعاة الباطل والضلال يقولون لهم: نحن ننقذكم من البحار، فإذا أصابكم شيء اهتفوا بأسمائنا ونحن ننقذكم. كما يُروى هذا عن مشايخ الطرق الصوفية، واقرءوا –وإن شئتم- "طبقات الشعراني" ففيها ما تقشعرّ منه الجلود مما يسميه كرامات الأولياء، وأنهم =
والدليل قوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65] والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
= يُنقِذون من البحار، وأنه يمد يده إلى البحر ويحمل المركب كله ويخرجه إلى البر ولا تتندَّ أكمامه، إلى غير ذلك من تُرَّهاتهم وخرافاتهم، فشركهم دائم في الرخاء والشدة، فهم أغلظ من المشركين الأولين.
وأيضاً –كما قال الشيخ في "كشف الشبهات"(1) : من وجه آخر: (أن الأولين يعبدون أناساً صالحين من الملائكة والأنبياء والأولياء، أما هؤلاء فيعبدون أناساً من أفجر الناس، وهم يعترفون بذلك، فالذين يسمونهم الأقطاب والأغواث لا يصلون، ولا يصومون ولا يتنزهون عن الزنا واللواط والفاحشة، لأنهم بزعمهم ليس عليهم تكاليف، فليس عليهم حرام ولا حلال، إنما هذا للعوام فقط. وهم يعترفون أن سادتهم لا يصلون ولا يصومون، وأنهم لا يتورّعون عن فاحشة، وابن عربي، والرفاعي، والبدوي، وغيرهم) .
17-
ساق الشيخ الدليل على أن المشركين المتأخرين أعظم وأغلظ شركاً من الأولين، لأن الأولين يخلصون في الشدة ويشركون في الرخاء، فاستدل بقوله تعالى:{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت:65] .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.
_________
(1)
انظر: "كشف الشبهات": (ص 169-170) ضمن مؤلفات الإمام المجدد/ قسم العقيدة.