المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * فصل في نسبة اللفظ إلى معناه. * فصل في - شرح القويسني على السلم المنورق للأخضري - جـ ٥

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * فصل في نسبة اللفظ إلى معناه. * فصل في

‌عناصر الدرس

* فصل في نسبة اللفظ إلى معناه.

* فصل في بيان الكل والكلية والجزء والجزئية.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد.

قال الناظم رحمه الله تعالى:

- - -

فصل في: نِسْبَةِ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي

وَنِسْبَةُ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي

خَمْسَةُ أَقْسَامٍ بِلَا نُقْصَانِ

تَوَاطُؤٌ تَشَاكُكٌ تَخَالُفُ

وَالِاشْتِرَاكُ عَكْسُهُ التَّرَادُفُ

(فصلٌ في نِسْبَةِ اللفظِ إلى معناه) ونسبة معنى لفظٍ إلى معنى لفظٍ آخر، ونسبة لفظٍ إلى لفظٍ آخر ليدخل الترادف). (وَنِسْبَةِ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي) أي مع المعاني على أن اللام بمعنى مع، والمراد بالمعنى ما يعنى أي يقصد فيشمل الأفراد، ومتعلق النسبة محذوف أي لبعضها، ففي الكلام حذفٌ، أي ونسبة الأَلفاظ والمعاني بعضها لبعضٍ (خَمْسَةُ أَقْسَامٍ بِلَا نُقْصَانِ) ولا زيادة، لأن اللفظ إما كلي أو جزئي والأول إن كان معناه واحدًا، فإن كان مستويًا في أفراده فالنسبة بينه وبين أفراده (تَوَاطُؤٌ) وهو القسم الأول من الخمسة كالإنسان، فإن معناه لا يختلف في أفراده، ويسمى ذلك المعنى متواطئًا لتواطؤ أفراده أي توافقها فيه، فإن أفراد الإنسان كلها متوافقةٌ في معناه من الحيوانية والناطقية وإنما الاختلاف بينها بعوارض خارجةٍ كالبياض والسواد والطول والقِصَر، فإن كان معناه مختلفًا في أفراده كالنور فإن معناه في الشمس أقوى منه في القمر، وكالبياض فإن معناه في العاج أقوى منه في الثوب فالنسبة بينه وبين أفراده (تَشَاكُكٌ) ويقال للمعنى: مشككٌ لأن الناظر إذا نظر في الأفراد باعتبار أصل المعنى ظنه متواطئًا، وإذا نظر فيها باعتبار التفاوت ظنه مشتركًا فحصل له التشكك، ويسمى اللفظ في الأول متواطئًا كمعناه، وفي الثاني مشككًا كمعناه، وإذا نظر بين معنى اللفظٍ وبين معنى لفظٍ آخر، فإن لم يصدق أحدهما على شيءٍ مما صدق عليه الآخر فالنسبة بينهما تخالف أي تباين كالإنسان والفرس ويسمى معناهما متباينين كلفظيهما (و) اللفظ المفرد إن تعدد معناه كعينٍ للباصرة والجارية وكمِحْفَد بوزن مِنْبَر لطرف الثوب، وللقدح الذي يكال به فالنسبة بينه وبين ما له من المعاني (الاشْتِرَاكُ) لاشتراك المعنيين في اللفظ الواحد، وإن تعدد اللفظ واتحد المعنى كالإنسان والبشر فالنسبة بين اللفظين الترادف، كما قال: و (عَكْسُهُ) أي وعكس الاشتراك وهو تعدد اللفظ مع اتحاد المعنى (التَّرَادُفُ) لترادف اللفظين على المعنى الواحد.

ــ - الشرح - ــ

(فصلٌ في نسبة اللفظ إلى معناه)

هكذا في الشرح، وإن كان المشهور في المتن بـ (نِسْبَةِ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي)، وهو أولى وهو المشهور (في نسبة اللفظ إلى معناه).

ص: 1

قال الشارح: (ونسبة معنى لفظٍ إلى معنى لفظٍ آخر، ونسبة لفظٍ إلى لفظٍ آخر ليدخل الترادف). قول المصنف: (نسبة اللفظ إلى معناه). هنا النسبة عند المناطقة والنظر في هذا البحث إما أن يكون نسبة اللفظ إلى معناه، يعني: معنى اللفظ نفسه، أو يكون النظر بين معنى لفظ ومعنى لفظٍ آخر، أو يكون النظر بين لفظٍ ولفظ دون المعنى حينئذٍ القسمة من حيث الإجمال ثلاثة أقسام، وعبارة المصنف لا تفيد هذه الأقسام الثلاثة (نسبة اللفظ إلى معناه) أو (نِسْبَةِ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي) لا تفيد من حيث الظاهر إلى هذه الأقسام، ولذلك قال:(ونسبة معنى لفظٍ إلى معنى لفظٍ آخر). زاده على ما ذكره الناظم، وهذا هو التباين (ونسبة لفظٍ إلى لفظٍ آخر ليدخل الترادف)، لأن النظر هنا منه ما هو معتبرٌ بين معنى اللفظ وأفراده، هي خمسة كما ذكر (وَنِسْبَةُ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي ** خَمْسَةُ أَقْسَامٍ)، منه ما هو معتبرٌ بين معنى اللفظ وأفراده، وهذا تحته قسمان من الخمسة: التواطؤ، والتشاكك. لأن النظر هنا بين اللفظ ومعناه، بين اللفظ والمعنى نفسه لا باعتبار معنى لفظٍ آخر ولا باعتبار لفظٍ آخر، إنما النظر يكون إلى اللفظ نفسه باعتبار معناه، وهذا يدخل تحته التواطؤ والتشاكك، ومنه ما هو معتبرٌ بين معنى لفظٍ ومعنى لفظٍ آخر، وهذا هو التباين، ومنه ما هو معتبرٌ بين اللفظ ومعناه، وذلك هو الاشتراك المشترك، ومنه ما هو معتبرٌ بين لفظٍ ولفظٍ آخر وذلك هو الترادف، هذه خمسة أقسام، ولذلك قال:(خَمْسَةُ أَقْسَامٍ بِلَا نُقْصَانِ). وقول المصنف: (نِسْبَةِ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي). لا يفي إلا بقسمٍ واحد، # ..... 02.44 الذي بين اللفظ ومعناه، وهو الاشتراك.

ص: 2

وقد أخبر عنه بقوله: (خَمْسَةُ أَقْسَامٍ). حينئذٍ كيف يقال: بأن نسبة الألفاظ للمعاني، يعني: اللفظ لمعناه خمسة أقسام؟ ليس الأمر كذلك، إذًا لا بد من التقدير، أجيب بأن في كلامه اكتفاء، اكتفاء، يعني: أن يذكر شيء ويدل عليه اللفظ أو يدل عليه اللفظ على شيءٍ آخر لم يذكره، والتقدير ونسبة الألفاظ للمعاني وللألفاظ، ونسبة المعاني للمعاني والأفراد، التقدير هكذا نسبة الألفاظ للمعاني وللألفاظ، ونسبة المعاني للمعاني والأفراد، قال الشارح في قول الناظم البيت:(وَنِسْبَةُ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي). هذا توجيهٌ آخر والأول أولى أن يكون فيه اكتفاء لأن الاكتفاء موجودٌ في لسان الأعراب، (وَنِسْبَةُ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي) أي مع المعاني، يعني: مع نسبة المعاني على أن اللام بمعنى مع، كأنه قال: ونسبة الألفاظ مع نسبة المعاني. ثم نأتي إلى المعاني. نقول: والمراد بالمعنى ما يعنى أي يقصد، والذي يقصد قد يكون الأفراد وقد يكون غيره، فيشمل الأفراد حينئذٍ وعليه فيصير كلام المصنف هكذا ونسبة الألفاظ مع نسبة المعاني، ولا شك أن هذا يصدق بنسبة الألفاظ للمعاني وللألفاظ، ونسبة المعاني للمعاني، إما حقيقةً أو بمعنى الأفراد، يعني: نُعَمِّم معنى المعنى، لأن المعنى معنى اللفظ هو ما يقصد من اللفظ، والذي يقصد من اللفظ هو معناه مدلوله، وهذا شيءٌ مدركٌ بالذهن، وأما أفراده فهذا منفك إنما ما يصدق عليه قلنا: إنسان. إنسان معناه حيوان ناطق هذا معناه، والفرد زيد، وبكر، وعمرو ليس داخلاً في مفهومه، وإنما هو يصدق عليه، إذًا نُعَمِّم معنى المعنى فيشمل المعنى الذي هو مدلول اللفظ، ويشمل الأفراد على كلٍّ المراد هنا أن في عبارته قصورًا، [فيشمل الأفراد، ومتعلق النسبة محذوف أي: لبعضها، ففي الكلام حذفٌ أي (وَنِسْبَةُ الأَلْفَاظِ) والمعاني بعضها لبعضٍ]، إذًا مراده بهذا البحث أن يُنْظَر بين اللفظ ومعناه، ما العلاقة بينهما؟ أن يُنْظَر بين معنى لفظٍ ومعنى لفظٍ آخر ما العلاقة بينهما؟ أن ينظر بين لفظٍ ولفظٍ آخر، هذه ثلاثة أقسام ينطوي تحتها خمسةُ أقسام، وهذا هو المراد.

وَنِسْبَةُ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي

خَمْسَةُ أَقْسَامٍ بِلَا نُقْصَانِ

ص: 3

[ولا زيادة، لأن اللفظ إما كلي أو جزئي والأول] الذي هو الكلي [إن كان معناه واحدًا، فإن كان مستويًا في أفراده] فالنسبة [بينه وبين أفراده (تَوَاطُؤٌ)]، قوله:(اللفظ إما كلي أو جزئي). هذا توطئة ليبين لك على المشهور أن هذه القسمة الخمسة الأقسام إنما هي للكل لا للجزء، وهذا فيه نظر، بل الصحيح أن التواطؤ والتشاكك هذا يختص بالكل، تواطؤ والتشاكك هذا يختص بالكل، وأما الباقي فهو غيرُ مختصٍ به بل يكون في الجزئي أيضًا، وله أمثلته سيأتي، إذًا الأول الذي هو الكلي [إن كان معناه واحدًا]، يعني: مدلوله واحدًا [فإن كان مستويًا في أفراده]، يعني: بدون تفاوتٍ بينها [فالنسبة بينه وبين اللفظ وبين أفراده (تَوَاطُؤٌ) وهو القسم الأول من الخمسة كالإنسان]، حينئذٍ المتواطئ هو الكلي الذي استوت أفراده في معناه من غير اختلافٍ وتفاوتٍ فيها فزيدٌ وبكرٌ وعمرو وخالدٌ كلٌّ منها إنسان، فزيدٌ حيوانٌ ناطق، وبكرٌ حيوانٌ ناطق، إذًا استوت الأفراد في معناه، أليس كذلك؟ بدون تفاوت، يعني: الحيوانية والناطقية الموجودة في زيد هي عينها موجودة في بكرٍ، وهكذا إن حصل تفاوت فإنما هو لأمورٍ خارجةٍ عنها عن الحقيقة، واضح؟ حينئذٍ يقول: حقيقة الإنسان، هذا معنى واضح، فإنسان كلي مدلوله حيوانٌ ناطق باعتبار أفراده هل الأفراد مستوية في هذا المعنى مدلول اللفظ؟ الجواب: نعم، إذا كانت مستوية لا فرق بينها ولا تفاوت ولا اختلاف حينئذٍ نقول: هذا متواطئ مأخوذ من التوافق [(تَوَاطُؤٌ) وهو القسم الأول من الخمسة كالإنسان، فإن معناه لا يختلف في أفراده]، بل هو متحد فالحيوانية الناطقية الموجودة في زيد هي بعينها بدون زيادةٍ أو نقصان في بكر، إذًا نقول: هذا تواطؤ [ويسمى ذلك المعنى متواطئًا لتواطؤ أفراده أي توافقها فيه]. توافقت، وهذا معنى التواطؤ، [فإن أفراد الإنسان كلها متوافقةٌ في معناه] معنى الإنسان [من الحيوانية والناطقية وإنما الاختلاف بينها] بين الأفراد [بعوارض خارجةٍ] والتفاوت في الأمور الخارجية عن المسمى غير معتبر هنا إنما المراد بالحقيقة فقط، حيوانٌ ناطق هذا المراد، الحيوانية الناطقية موجودةٌ في زيد وعمرو وخالد، إذًا تساوت وما عدا ذلك فلا عبرة به البتة.

ص: 4

[بعوارض خارجةٍ كالبياض والسواد والطول والقِصَر]، هذه ليست داخلةً في الماهية، بل هي من الخواص، أو من العوارض العامة كون زيدٍ طويلاً وكون عمرو قصيرًا لا نقول: تفاوتا، ليس بينهما متفاوت، إنما النظر يكون في ماذا؟ في مفهوم لفظ إنسان وهو الحيوانية الناطقية، وما عدا ذلك فالتفاوت فيه ليس بنقضٍ، هذا النوع الأول وهو: الكلي الذي استوت أفراده في معناه، عندنا كليٌّ لم تستوي أفراده في معناه بل اختلفت قوةً وضعفًا هذا نوعٌ آخر، ولذلك قال:[فإن كان معناه مختلفًا في أفراده كالنور]. مثلاً النور معلوم حينئذٍ له أفراد، لكن بعضها أقوى من بعضٍ هذا ليس بمتواطئ لأنها ليست متفقة [فإن معناه] أي النور [في الشمس أقوى منه في القمر] وهذا واضح، والبياض [كالبياض فإن معناه في العاج أقوى منه في الثوب]، وكذلك في الثلج مثلاً حينئذٍ حصل تفاوت في أفراد البياض، بعضها أكثر بياضًا من بعضٍ، إذًا حصل تفاوت في القوة والضعف، [فالنسبة بينه وبين أفراده (تَشَاكُكٌ)] بأن يكون المعنى الواحد ليس مستويًا في أفراده بل مختلف ومتفاوتٌ فيها، (ويقال للمعنى: مشككٌ) لماذا؟ (لأن الناظر إذا نظر في الأفراد باعتبار أصل المعنى ظنه متواطئًا)، يعني: يشك، الناظر المتأمل إذا وجد أبيض وأبيض وبعضه مختلف يحصل عنده تردد، لكون كلٍّ منها أبيض يظن أنه متواطئ، (وإذا نظر فيها باعتبار التفاوت ظنه مشتركًا)، ولذلك سمي مشككًا، لأن هذا المعنى يشكك الناظر هل هو من قبيل المتواطئ لاتفاقه بأصله؟ أو من قبيل المشترك لاتحاده في الأصل؟ أو للاختلاف؟ (وإذا نظر فيها باعتبار التفاوت ظنه مشتركًا، فحصل له التشكك، ويسمى اللفظ في الأول)، يعني: القسم السابق. (متواطئًا كمعناه)، يعني: المعنى يسمى متواطئًا واللفظ يسمى متواطئًا، (وفي الثاني: مشككًا كمعناه)، فالبياض يسمى مشككًا اللفظ نفسه، وكذلك معناه يسمى مشككًا، [(وإذا نظر) نعم](1) إذًا هذا القسم الثاني.

(1) سبق.

ص: 5

القسم الأول والثاني: التواطؤ والتشاكك، كلاهما كليَّان معنًى مشترك بين أفراد، إن استوت الأفراد فهو التواطؤ، إن اختلفت فهو المشكك هذا باعتبار لفظٍ واحدٍ، وإذا نظر بين معنى اللفظ وبين معنى لفظٍ آخر، في السابق التواطؤ والتشاكك بين اللفظ ومعناه هو لا باعتبار معنى لفظٍ آخر، هنا قسمٌ ثاني (بين معنى اللفظٍ وبين معنى لفظٍ آخر، فإن لم يصدق أحدهما على شيءٍ مما صدق عليه الآخر فالنسبة بينهما تخالف أي تباين) معلوم التباين أن يكون بينهما تخافٌ في اللفظ والمعنى، فيصدق اللفظ الأول على ما لا يصدق عليه اللفظ الثاني والعكس بالعكس، (كالإنسان والفرس) الإنسان يصدق على زيد، والفرس يصدق على الفرس، حينئذٍ بينهما تباين في اللفظ وفي المعنى هذا يسمى ماذا؟ يسمى تخالف وتباين، (ويسمى معناهما متباينين كلفظيهما) فالوصف يكون للمعنى ويكون للفظ [واللفظ المفرد إن تعدد معناه كعينٍ للباصرة والجارية وكمِحْفَد بوزن مِنْبَر لطرف الثوب، وللقدح الذي يكال به فالنسبة بينه وبين ما له من المعاني

(الاشْتِرَاكُ)] المشترك المراد به هنا المشترك اللفظي، والذي مر معنا في حد الكلي المشترك المعنوي وهنا المشترك اللفظي ما اتحد لفظه وتعدد وضعه ومعناه، اللفظ واحد والمعنى متعدد كما ذكر الشارح هنا، عين لفظ عين هذا يصدق على الباصرة العين، ويصدق على الجاسوس، ويصدق على الذهب، ويصدق على الجارية، ويصدق على ..

ص: 6

أوصلها في القاموس إلى ثلاثين معنى، كلها يصدق عليها أنها عين لكنها باعتبار اللفظ شيءٌ واحد، فالشمس عين، والجارية عين، والباصرة عين، صدق عليه لفظ عين، إذًا اللفظ متحد، لكن المعاني مختلفة فالشمس سميت عين والشمس غير الباصرة هي متباينة، وكذلك الباصرة ليست هي الجارية وهكذا، إذًا المعاني مختلفة، والوضع متعدد بمعنى أن الشمس عينٌ، إذًا وضع اللفظ عين ليدل على معنى شمس، ووضع مرةً أخرى لفظ عين ليدل على لفظ الجارية، أو معنى الجارية، ووضع مرةً ثالثة، باعتبار المعاني تعدد الوضع بخلاف المشترك المعنوي، فالتعدد واحدٌ مرة واحدة ولم يتعدد فالوضع الوضع، الوَضع وُضع مرةً واحدة ولم يتعدد بخلاف الاشتراك اللفظي فهو متعددٌ من حيث الوضع، فإذا قيل بأن لفظ عين له من حيث المدلول ثلاثون معنًى حينئذٍ وضع ثلاثين مرة، أليس كذلك؟ وضع ثلاثين مرة، لماذا؟ لأنه وإن اتحد لفظه إلا أن معناه مختلف، فلما اختلف المعنى احتجنا إلى أن يكون لكل معنًى وضعٌ خاص بخلاف كلمة رجل فإنها لما اتحد المعنى ودلت على أفرادٍ متعددة وصدق على كل فردٍ منها أنه رجل والمعنى واحد، إذًا احتجنا إلى وضعٍ واحد وفرقٌ بين النوعين، إذًا واللفظ المفرد إن اتحد لفظه وتعدد معناه، كلفظ عين وضع للباصرة العين الباصرة التي تبصر بها، وللجارية ولغيرها، ومحفد بوزن منبر لطرف الثوب، وللقدح الذي يكال به، فحينئذٍ النسبة بينه وما له من المعاني الاشتراك ويسمى مشتركًا، [لاشتراك المعنيين في اللفظ الواحد] التسمية واضحة، [وإن تعدد اللفظ واتحد المعنى] هناك اتحد اللفظ وتعدد المعنى عكس السابق، [وإن تعدد اللفظ واتحد المعنى كالإنسان والبشر فالنسبة بين اللفظين الترادف]، إذًا الترادف ما هو؟ ما تعدد لفظه واتحد معناه بمعنى أن زيد ما يصدق عليه لفظ زيد هو إنسان وهو كذلك بشر، إذًا اللفظان متباينان إلا أن مصدقهما واحد، هذا يسمى ماذا؟ يسمى ترادفًا الإنسان والبشر، فإنهما متتابعان متواردان على معنى واحد وهو الحيوان الناطق.

[فالنسبة بين اللفظين الترادف كما قال: و (عَكْسُهُ التَّرَادُفُ)]، و (عَكْسُهُ) هذا معطوف على ما قبله من حذف العاطف، و (عَكْسُهُ)، يعني: وعكسه، كما قال الشارح هنا قال:[أي: وعكس]. انظر الشارح قد يذكرون المقدر ولا ينصون عليه، [أي: وعكس الاشتراك] ماذا صنع هنا؟ فسر لك الضمير، حذف الضمير وأتى بمرجعه وهو: الاشتراك، ثم قال:[وعكس]. جاء بالواو ليدل على أن هذا معطوفٌ على ما قبله، وليس كما يفيده الظاهر أن عكسه الاشتراك أنه خبر مقدم، والاشتراك هذا مبتدأ مؤخر هذا قد يفهم لكن ليس بواردٍ، وإنما هو معطوفٌ على ما قد سبق بحذف العاطف [أي: وعكس الاشتراك وهو تعدد اللفظ]، كالإنسان والبشر [مع اتحاد المعنى (التَّرَادُفُ)] هذا عطف بيان، أو بدل من عكس، يعني: خلافه، لماذا سمي ترادفًا؟ [لترادف اللفظين على المعنى الواحد] الترادف والتتابع والتوارد في الاستعمال على المعنى الواحد، ولذلك سمي مترادفًا، إذًا هذه خمسة أقسام: تواطؤ، تشاكك. وهذا باعتبار اللفظ ومعناه.

الثالث: التباين، وهذا باعتبار ماذا؟ تباري [لفظٍ](1) معنى لفظٍ مع معنى لفظٍ آخر.

(1) سبق.

ص: 7

والاشتراك باعتبار ماذا؟ تعدد المعنى واتحاد اللفظ.

وعكسه الترادف باعتبار ماذا؟ تعدد اللفظ مع اتحاد المعنى.

قلنا: هي داخلةٌ تحت الثلاثة، ما اعتبر بين اللفظ ومعناه الاشتراك خاصةً، ما اعتبر بين معنى لفظٍ ومعنى لفظٍ آخر هو شيءٌ واحد وهو التباين، ما اعتبر بين لفظٍ ولفظٍ آخر هو شيءٌ واحد وهو الترادف، الذي يدخل تحته أمران هو ما كان بين اللفظ ومعناه التواطؤ والتشاكك.

- - -

وَاللَّفْظُ إِمَّا طَلَبٌ أَوْ خَبَرُ

وَأَوَّلٌ ثَلاثَةٌ سَتُذْكَرُ

أَمْرٌ مَعَ اسْتِعْلَا وَعَكْسُهُ دُعَا

وَفِي التَّسَاوِي فَالْتِمَاسٌ وَقَعَا

(وَاللَّفْظُ) أي المستعمل (إِمَّا طَلَبٌ) إن أفاد الطلب كاضرب ولا تقم، (أَوْ خَبَرُ) إن احتمل الصدق والكذب كزيدٌ قائمٌ. (وَأَوَّلٌ) مبتدأٌ، والمسوغٌ له إرادة التفصيل (ثَلاثَةٌ) خبره (سَتُذْكَرُ) في البيت عقبه، والتقسيم لطلب الفعل دون طلب الترك كما يفيده قوله:(أَمْرٌ) وهو ما دلّ على طلب الفعل بذاته كاضرب (مَعَ اسْتِعْلَا) أي مع إظهار الطالب العلو على المطلوب منه (وَعَكْسُهُ) أي طلب الفعل لا مع استعلا بل مع خضوع، وإظهار الطالب الانخفاض عن المطلوب منه (دُعَا) أي يسمى بذلك في الاصطلاح، (وَ) الطلب (فِي) حال (التَّسَاوِي فَالْتِمَاسٌ) بزيادة الفاء في الخبر، أي يسمى بذلك عند إظهار الطالب المساواة للمطلوب منه، (وَقَعَا) أي ثبت، وهذا التقسيم الذي مشى عليه الناظم طريقةٌ لبعضهم. والراجح تسمية الكل أمرًا أو الغرض من التقسيم هنا بيان الخبر لأن المنطقي لا يبحث إلا عن الخبر، ولا بحث له عن الطلب بأقسامه، ولما ذكر الكلي والجزئي استطرد فذكر ما يشاركهما في المادة وهو الكلّ والكليّة والجزء والجزئيّة فقال:

ــ - الشرح - ــ

ثم قال:

وَاللَّفْظُ إِمَّا طَلَبٌ أَوْ خَبَرُ

وَأَوَّلٌ ثَلاثَةٌ سَتُذْكَرُ

أَمْرٌ مَعَ اسْتِعْلَا وَعَكْسُهُ دُعَا

وَفِي التَّسَاوِي فَالْتِمَاسٌ وَقَعَا

قيل: هذا من باب الاستطراد، لأن لا حاجة له في المنطق، (وَاللَّفْظُ) أي: المعهود، وهو مستعمل لفظ يشمل المهمل والمستعمل، والمراد به هنا المستعمل، [(وَاللَّفْظُ) أي المستعمل]، (إِمَّا طَلَبٌ أَوْ خَبَرُ)، يعني: ينقسم إلى قسمين إما طلب ومتى هذا؟ إذا أفاد الطلب، [إن أفاد الطلب] إما طلب فعلٍ كقوله: اضرب. أو طلب تركٍ كقوله: لا تقم. فقوله (إِمَّا طَلَبٌ). يشمل النوعين [إن أفاد الطلب كاضرب ولا تقم، (أَوْ خَبَرُ) إن احتمل الصدق والكذب كزيدٌ قائمٌ] زيد قائمٌ يحتمل الصدق والكذب، حينئذٍ نقول: هذا يسمى خبرًا، وسيأتي بحثه في موضعه، إذًا اللفظ إما طلبٌ وإما خبرٌ.

(وَأَوَّلٌ) الذي هو الطلب، [مبتدأٌ والمسوغٌ له إرادة التفصيل (ثَلاثَةٌ)] هذا خبر مبتدأ أولٌ (ثَلاثَةٌ)، مبتدأ وخبر [(سَتُذْكَرُ) في البيت عقبه، والتقسيم لطلب الفعل دون طلب الترك] لأنه قال:

أَمْرٌ مَعَ اسْتِعْلَا وَعَكْسُهُ دُعَا

وَفِي التَّسَاوِي فَالْتِمَاسٌ وَقَعَا

ص: 8

هذا إنما التقسيم لماذا؟ لطلب الفعل لا لطلب الترك، يعني: طلب الترك هذا نهي، وهو قال:(أَمْرٌ مَعَ اسْتِعْلَا). إذًا المراد بالطلب هنا المقسم أو المنقسم هو طلب الفعل كما يفيده قوله: (أَمْرٌ). وهو ما دل على طلب الفعل بذاته، يعني: بصيغته بدون واسطة، ليخرج ما دل على الطلب بالواسطة كقوله:{لِيُنفِقْ} [الطلاق: 7]. (كاضرب) حال كون الأمر (مَعَ اسْتِعْلَا)، حينئذٍ هو طلب ليس مطلق طلب وإنما [(مَعَ اسْتِعْلَا) أي مع إظهار الطالب العلو على المطلوب منه] فهو طلب العلو، سواءٌ كان الطالب عاليًا في نفسه أو لا، يعني: ولو كان مدعيًا، إذًا الأمر يكون أمرًا ويسمى الفعل فعل الطلب إذا كان مع استعلاء، بأن يكون من أعلى إلى أدنى، وهذا تقسيمٌ يعني: حادث ليس دالاً عليه لسان العرب. [(وَعَكْسُهُ) أي: طلب الفعل لا (مَعَ اسْتِعْلَا) بل مع خضوع]، يعني: طلب علو أو خضوع، (وإظهار الطالب الانخفاض عن المطلوب منه)، وهذا يسمى [(دُعَا) أي يسمى بذلك في الاصطلاح، والطلب في حال التساوي التماس (فَالْتِمَاسٌ)] الفاء هذه [زائدة في الخبر أي يسمى بذلك عند إظهار الطالب المساواة للمطلوب منه، (وَقَعَا) أي: ثبت] والألف للإطلاق، إذًا طلب الفعل إيجاد الفعل، إن كان من أعلى إلى أدنى يسمى أمرًا، إن كان من أدنى إلى أعلى يسمى دعاء، إن كان من مساوٍ لمساوٍ يسمى التماسًا، وهذا لا يدل عليه لسان العرب، وإنما هو تقسيم اصطلاحي، التقسيم الاصطلاحي يعني: لا يسلم له، ولذلك في صيغة الأمر عند الأصوليين يختلفون، هل الأمر ما دل على الطلب مع الاستعلاء أو مع العلو أو لا يشترط فيه ذا ولا ذاك؟ والصحيح أنه لا يشترط فيه ذا ولا ذاك، فالأمر ما دل على الطلب ولا يشترط فيه لا استعلاء ولا علو.

وليس عند جل الأذكياء

شرط علوٍ فيه واستعلاء

هذا المرجح عند الأصوليين، ولذلك قال هنا الشارح:[وهذا التقسيم الذي مشى عليه الناظم طريقةٌ لبعضهم]. يعني: بعض المناطقة، أو كذلك بعض البيانيين، يعني: اصطلاح، وأما لسان العرب فليس فيه ذلك، وإنما دخل ذلك على النحاة في قولهم إذا قال الداعي: ربنا اغفر لنا. قالوا: أدبًا لا يقال: اغفر. هذا أمر تأمر ربك؟ قالوا: لا. إذًا نقول: هذا دعاء، نسميه دعاء ولا بأس به يكون من باب التأدب فقط، وأما أنه بالفعل ينقسم في لغة العرب إلى أمر بمعنى استعلاء، ودعاء والتماس نقول: هذا اصطلاح لا وجود له البتة، (والراجح) قال الشارح:[والراجح تسمية الكل أمرًا]. وهو كذلك هذا الصحيح أن الكل يسمى أمر، فالدعاء أمر هذا في حقيقته اللغوية، والالتماس أمرٌ، لأن صيغة افعل نطقت بها العرب ولم تمييز بين ذا وذاك ولم تشترط فيه استعلاء ولا غيره، [والغرض من التقسيم هنا بيان الخبر] لأنه سيبحث في الخبر فيما سيأتي [لأن المنطقي لا يبحث إلا عن الخبر]، وأما الطلب بأنواعه الثلاثة هذا استطراد لا حاجة إليه، وإنما البحث في الخبر.

مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ لِذَاتِهِ جَرَى

بَيْنَهُمُ قَضِيَّةً وَخَبَرَا

كما سيأتي، [ولا بحث له عن الطلب بأقسامه]، [ولما ذكر الكلي والجزئي استطرد فذكر ما يشاركهما في المادة] يعني في اللفظ، [وهو الكلّ والكليّة والجزء والجزئيّة] عندنا ستة ألفاظ.

ص: 9

ثلاثة مبدوءةٌ بحرف الكاف: كلي، وكل، وكلية.

وثلاثةٌ مبدوءةٌ بحرف الجيم: جزء، وجزئية، وجزئي.

كم؟ ستة، مر معنا الكلي والجزئي.

فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ الكُلِّيُّ

كَأَسَدٍ وَعَكْسُهُ الجُزْئِِيُّ

إذًا كلي عرفنا معناه، بقي ماذا؟ الكل والكلية، ثلاثة ألفاظ: كلي، وكل، وكليةٌ. فرق بين الكلي والكلية.

وثلاثة: جزءٌ، وجزئي، وجزئية. مر معنا الجزئي وهو عكس الكلي، بقي الجزء والجزئية، فقال الناظم:

- - -

فَصْلٌ فِي بَيَانِ الكُلِّ وَالكُلِّيَّةِ وَالجُزْءِ وَالجُزْئِيّةِ

الكُلُّ حُكْمُنَا عَلَى المَجْمُوعِ

كَكُلُّ ذَاكَ لَيْسَ ذَا وُقُوعِ

وَحَيْثُمَا لِكُلِّ فَرْدٍ حُكِمَا

فَإِنَّهُ كُلِّيَّةٌ قَدْ عُلِمَا

وَالحُكْمُ لِلْبَعْضِ هُوَ الجُزْئِيَّةْ

وَالجُزْءُ مَعْرِفَتُهُ جَلِيَّةْ

ص: 10

(فَصْلٌ فِي بَيَانِ الكُلِّ وَالكُلِّيَّةِ وَالجُزْءِ وَالجُزْئِيّةِ)، (الكُلُّ حُكْمُنَا عَلَى المَجْمُوعِ) أي على جملة الأفراد من حيث كونها مجموعةً بحيث لا يستقل فردٌ منها بالحكم كقولنا: كل بني تميم يحملون الصخرة العظيمة، أي هيئتهم المجتمعة من الأفراد لا كل فردٍ منهم على حدته، ومنه قوله تعالى:{وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 17]) فإنه حَكَم بالحمل على الهيئة المركبة من كل من الثمانية مجتمعين لا على كلٍّ منهم باستقلاله، ومثل المصنف الحكم على المجموع بقوله:(كَكُلُّ ذَاكَ لَيْسَ ذَا وُقُوع) وهو معنى الحديث المروي من قوله: صلى الله عليه وسلم «كل ذلك لم يكن» . حين قال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ وكون الحديث من باب الكل يقتضي أن يكون المقصود نفي القصر والنسيان مجتمعين لا نفي كلٍّ حدته، وهذا تأويل مرجوح، والراجح أن المقصود نفي كلٍّ من القصر والنسيان على حدته، فيكون سلبًا كليًّا، لأن السؤال بأم عن أحد الأمرين لطلب التعيين، فجوابه: إما بالتعيين، وإما بنفي كل منهما لا بنفي اجتماعهما، لأن السائل لم يعتقد الاجتماع وإنما اعتقد ثبوت واحد منهما، ولأنه قد روي أن ذا اليدين قال له: بل بعض ذلك قد كان. وهذا إنما يناقض نفي كل منهما لا نفي اجتماعهما لما تقرر من أن الموجبة الجزئية إنما تناقض السالبة الكلية، ولأن القاعدة الغالبة أن كُلاً إذا تقدمت على النفي كان الكلام من عموم السلب، وكلٌّ متقدمة هنا في قوله صلى الله عليه وسلم «كل ذلك لم يكن» . فيكون السلب عامًا لكل فردٍ بحسب الظن لا بحسب الواقع فلا كذب، وحينئذٍ تمثيل المصنف بالكل بهذا المثال غير صحيح (وَحَيْثُمَا لِكُلِّ) أي على كل (فَرْدٍ حُكِمَا فَإِنَّهُ) أي الحكم أو القضية، وذَكَّر الضمير) (لتأولها بالقول)(كُلِّيَّةٌ قَدْ عُلِمَا) نحو {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} ، ولا إله إلا الله (وَالحُكْمُ لِلْبَعْضِ) أي عليه (هُوَ الجُزْئِيَّةْ) نحو بعض الإنسان كاتب، وليس بعض الإنسان بكاتبٍ

(وَالجُزْءُ مَعْرِفَتُهُ جَلِيَّهْ) أي ظاهرة فهو ما تركب منه ومن غيره كلٌّ كالحيوان فهو جزء بالنسبة للإنسان لتركبه منه ومن الناطق، ويسمى ذلك جزءًا طبيعيًّا، وكالسقف بالنسبة إلى البيت لتركبه منه ومن الجدْرِان، ويسمى ذلك جزءًا ماديًّا.

ــ - الشرح - ــ

(فَصْلٌ فِي بَيَانِ الكُلِّ وَالكُلِّيَّةِ وَالجُزْءِ وَالجُزْئِيّةِ)

الكُلُّ حُكْمُنَا عَلَى المَجْمُوعِ

كَكُلُّ ذَاكَ لَيْسَ ذَا وُقُوعِ

وَحَيْثُمَا لِكُلِّ فَرْدٍ حُكِمَا

فَإِنَّهُ كُلِّيَّةٌ قَدْ عُلِمَا

وَالحُكْمُ لِلْبَعْضِ هُوَ الجُزْئِيَّةْ

وَالجُزْءُ مَعْرِفَتُهُ جَلِيَّةْ

يعني: واضحة.

(فَصْلٌ فِي بَيَانِ الكُلِّ وَالكُلِّيَّةِ وَالجُزْءِ وَالجُزْئِيّةِ)

ص: 11

(الكُلُّ) بأل وهذا خلاف المشهور، يعني: على غير القياس، لأن لفظ كل لا يدخل عليه أل على القياس، لأنه ملازم للإضافة وما كان ملازم للإضافة لا يدخل عليه أل، لكن لما كانت هذه الكتب مترجمة عن لغة اليونان حينئذٍ حصل فيه شيء من الخلل، ولذلك تقول: ماهية. ماهية هذه نسبة إلى قول: ما هي؟ ما هي ما اسم استفهام، وهي ضمير، فركبوا منها ماهيةٌ، كذلك الما صدق، الما صدقُ، الما صدقِ، بعضهم يضبطها هكذا وكذا أصلها ما صدقَ على كذا، ما صدق عليه، يعني: الذي صدق على كذا، يعني: حمل على كذا، فركبوا منها هذه الكلمة وهي أعجمية في الأصل يعني.

ص: 12

(الكُلُّ حُكْمُنَا عَلَى المَجْمُوعِ) أي على جملة الأفراد، الكل في الاصطلاح: ما تركب من جزأين فصاعدًا، وضابطه هنا عند المناطقة كلامه قد لا يتضح أن الحكم عليه بالمحمول إنما يقع على مجموعه لا على جميعه، يعني: عندنا موضوع وعندنا محمول، عرفنا الموضوع هو: المحكوم عليه، والمحمول هو: المحكوم به، حينئذٍ قد يحكم بماذا؟ بالمحمول على بعض أفراد الموضوع، لكن في الجملة على المجموع لا على الجميع، وقد يحكم على الجميع، إن كان الحكم بالمحمول يتبع مجموع الموضوع الذي هو محكوم عليه سمي كُلاً، حينئذٍ توقف الحكم على المجموع كما مثل هنا بقوله:[كل بني تميم يحملون الصخرة العظيمة]، [كل بني تميم] هذا كل لماذا؟ لأن المراد هنا ليس فرد واحد من بني تميم يحمل الصخرة، وإنما أراد مجموع، يعني: أفراد متعددة، حينئذٍ لا يصدق الحكم الذي هو [يحملون الصخرة العظيمة] على فردٍ فَردٍ من أفراد الموضوع، يعني: لا يتبعه، هذا يسمى ماذا؟ يسمى كُلاً، أن الحكم عليه بالمحمول إنما يقع على مجموعه لا على جميعه، فرق بين المجموع والجميع، إذا قيل: الجميع، حينئذٍ لا تترك فردًا من أفراد الموضوع، وقيل: على المجموع، ولذلك إذا قيل: أعطي الطلاب هذا المال. مائة ريال إذا قلت لك: أعطي مجموع الطلاب مائة ريال. أعطيت خمسة وهم عشرون وتركت الباقي، امتثل أو لا؟ امتثل، لماذا؟ لأن الكلام هنا حكمه على المجموع، فإذا أعطى مجموعة من الطلاب أقله ثلاث حينئذٍ نقول: صدق امتثل. لو قيل: أعطي جميع الطلاب. حينئذٍ يجب أن يُعْطِي كل طالبٍ طالب، فإذا تبع الحكم البعض دون الجميع فهو الكل، وإذا تبع الحكم كل فردٍ فَردٍ من أفراد الموضوع فهو الكلية، ولذلك قال:(وَالكُلِّيَّةِ)، (وَحَيْثُمَا لِكُلِّ فَرْدٍ حُكِمَا ** فَإِنَّهُ كُلِّيَّةٌ)، فإذا فُهِم لفظ الكلية فُهِم لفظ الكل، الكلية يتبع الحكم كل فردٍ فَردٍ من أفراد الموضوع بخلاف الكل، إذًا أن الحكم عليه في الكل بالمحمول إنما يقع على مجموعه لا على جميعه، ولذلك قال هنا الشارح:[أي: على جملة الأفراد].

ص: 13

لا على كل الأفراد [جملة الأفراد]، يعني: مجموعة من الأفراد، من أي حيثية؟ [من حيث كونها] أي هذه المجموعة من الأفراد [مجموعةً]، [من حيث كونها] أي الأفراد [مجموعةً بحيث لا يستقل فردٌ منها بالحكم] لا يستقل ليس لا ينتقل، [لا يستقل فردٌ منها] من هذه الأفراد [بالحكم، كقولنا: كل بني تميم يحملون الصخرة العظيمة] لو جاء واحد من بني تميم ما يحمل الصخرة العظيمة، فالحكم لا يتبعه فردًا واحد وإنما يتبع المجموع، [أي: هيئتهم المجتمعة من الأفراد لا كل فردٍ منهم على حدته، ومنه قوله تعالى:{وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 17]] {ثَمَانِيَةٌ} حملة العرش مجموعها ثمانية، هل يستقل واحد منهم بحمل العرش؟ الجواب: لا، من أين أخذنا هذا؟ لأن الحكم وهو الحمل هنا مرتبٌ على ثمانية، فدل على أن واحد منهم لا يستقل بالحكم، بل سبعة منهم لا يستقلون بالحكم، [فإنه حَكَم بالحمل على الهيئة المركبة من كل من الثمانية مجتمعين لا على كلٍّ منهم باستقلاله]، حينئذٍ {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} هذا حكم على المجموع لا على الجميع، بدليل ماذا؟ بدليل أن الحكم وهو حمل العرش هنا لا يستقل به واحد من الثمانية، وهذا الذي يضبط لك أن القضية هنا من قبيل الكل لا من الكلية، فحينئذٍ لا يستقل واحد من الملائكة بحمل العرش دون غير، بل لا بد من الهيئة المجتمعة وهم الثمانية.

والكلية هي: الحكم على كل فردٍ من أفراد الموضوع الداخلة تحت العنوان، كقولك: كل إنسان حيوان. كل إنسان، هذا موضوع وكلية له أفراد حيوان، إذًا كل فردٍ من أفراد الإنسان يصدق عليه أنه حيوان، هل على المجموع الأفراد أنه حيوان يصدق؟ لا، وإنما كل فرد، فإذا تبع الحكم كل فردٍ فَردٍ على حدة فهو كلية، وإذا تبع الهيئة المجتمعة لا على كل فرد فهو كل، ولذلك ذكر الأصوليون أن العام من قبيل الكلية.

مدلوله كلية إن حكم

ص: 14

حينئذٍ {اقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] المشركين هذا لفظٌ عام، والحكم هو: القتل. حينئذٍ كل فردٍ من أفراد لفظ المشركين يصدق عليه أنه يجب قتله هذا بشرطه، {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] كل فردٍ من أفراد لفظ المؤمنين أو المؤمنون - وهو حكاية - نقول: ثبت له الحكم وهو الفلاح، وأطلق هنا فيعم الفلاح في الدنيا والآخرة، إذًا العام هذا من قبيل الكلية، إذًا الكل لا يتبع الحكم فيه كل فرد من أفراه، هذا الضابط انتبه لهذا لا يتبع الحكم فيه كل فردٍ من أفراده بل على الهيئة المجتمعة، والكلية يتبع الحكم فيها كل فرد من أفرادها، ومنه اللفظ العام الذي يذكره الأصوليون، الناظم هنا أتى بمثالٍ على أنه من قبيل الكل، وقد أخطأ إذ هو من قبيل الكلية، ولذلك قال:(كَكُلُّ ذَاكَ لَيْسَ ذَا وُقُوعِ). قال الشارح هنا: [ومثل المصنف الحكم على المجموع] لا على الجميع [بقوله: (كَكُلُّ)]. كقولك أو كقول ذا اليدين، كل ذاك ليس ذا وقوع [وهو معنى الحديث المروي من قوله: صلى الله عليه وسلم «كل ذلك لم يكن» . حين قال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت؟] قال: النبي صلى الله عليه وسلم «كل ذلك لم يكن» . ما هو المشار إليه؟ هل هو المجموع أو كل فردٍ؟ الناظم يرى أنه المجموع، يعني: لم يقع لا القصر ولا النسيان، قال: لو حملناه. يعني: هو سلك مسلك الأدب في ظنه، أننا لو حملناه على الكلية حينئذٍ يصدق بالبعض، حينئذٍ «كل ذلك لم يكن، لم أقصر ولم أنسَ» ، قال: بل نسيت. إذًا حصل أو وقع واحد من المنفي، قال: لو حملناه على الكلية للزم وقوع واحدٍ منهما، وقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم وقوع ذلك كله حينئذٍ يوهم إيقاع النبي صلى الله عليه وسلم في الكذب وليس الأمر كذلك. وهذا غير مسلم له، لماذا؟ لأنه من قبيل دلالة الاقتضاء، يعني: كل ذلك لم يكن في ظني، ومن تكلم باعتبار ظنه ولو خالف الواقع لا يسمى كذبًا لا في الشرع ولا في اللغة، إذًا هنا [لا في الشرع، في الشرع لا يسمى كذبًا، وأما في اللغة فيه كلام]، هنا قال:[وكون الحديث من باب الكل يقتضي] ماذا؟ [أن يكون المقصود] من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل ذلك لم يكن» . [نفي القصر والنسيان مجتمعين لا نفي كلٍّ حدته]، لو قلت: نفي كلٍّ على حدته.

ص: 15

حينئذٍ لم أنسى ولم تقصر الصلاة، هذا لو نفي على كل، [وهذا تأويل مرجوح] حينئذٍ على قول الناظم هنا يكون من باب الحكم على المجموع، لماذا؟ لأن المنفي في نفس الأمر ثبوت أحدهما وهو: النسيان، فلو كان من باب الكلية لكن الخبر غير موافقٍ للواقع وهو غير لائق به صلى الله عليه وسلم هذا توجيه كلام المصنف، وهذا تأويل مرجوح، [والراجح أن المقصود نفي كلٍّ من القصر والنسيان على حدته] هذا مراد النبي صلى الله عليه وسلم «كل ذلك لم يكن» يعني: لم أقصر ولم أنسى، فنفى كلاً منهما على حدته، حينئذٍ يكون من باب الكلية، إذا تبع الحكم كل فردٍ فرد حينئذٍ صار من باب الكلية، [فيكون سلبًا كليًّا، لأن السؤال بأم عن أحد الأمرين لطلب التعيين، فجوابه: إما بالتعيين، وإما بنفي كل منهما]، يعني: ما الذي يدل على أنه من قبيل الكلية لا من قبيل الكل؟ عندنا أدلة.

أولاً: أن سؤاله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ هذا سؤال ذي اليدين، وهو عربي قُحٌّ، حينئذٍ استعمل أم، وأم تكون لطلب التعين، إذًا أعتقد السائل أن واحد منهما قد وقع، أليس كذلك؟ أقصرت الصلاة أم نسيت؟ أَزَيْدٌ عِنْدَكَ أَمْ عَمْرٌ؟ أنا أعلم أن واحد منهم عندك، لكن من هو زيد أم عمرو؟ حينئذٍ يأتي التعين تقول: زيد. أو تقول: عمرو. ولا تقل: نعم، أو لا، لماذا؟ لأن السؤال بأم في لسان العرب ومنهم هذا الصحابي السؤال بأم إنما يكون لطلب التعين، فدل على أن السائل أعتقد وقوع واحد من الأمرين، حينئذٍ الجواب يكون بالتعيين قال هنا:[لأن السؤال بأم]. في لسان العرب [عن أحد الأمرين لطلب التعيين فجوابه إما بالتعيين] تعيين واحد منهما [وإما بنفي كل منهما] أَعِنْدَكَ زَيْدٌ أَمْ عَمْرٌ؟ لا زيد ولا عمر هذا نفي الكل، أو إثبات واحد منهما زيدٌ، أَعِنْدَكَ زَيْدٌ أَمْ عَمْرٌ؟ عمرو، إذًا إما التعين وإما نفي الكل، [وإما بنفي كل منهما لا بنفي اجتماعهما، لأن السائل لم يعتقد الاجتماع]، بدليل أنه أعتقد وقوع واحد من الأمرين هذا الأول، [وإنما اعتقد ثبوت واحد منهما] هذا الدليل الأول، وهو كونه سأل السائل بأم وهي لطلب التعيين، فدل على أنه اعتقد وقوع واحد من الأمرين: إما قصر الصلاة، وإما النسيان. واضح هذا؟

ص: 16

الأمر الثاني الذي يدل على أنه من قبيل الكلية [أنه قد روي أن ذا اليدين قال له: بل بعض ذلك قد كان. وهذا إنما يناقض نفي كل منهما لا نفي اجتماعهما لما تقرر من أن الموجبة الجزئية إنما تناقض السالبة] قوله: بل بعض ذاك قد كان. هذه موجبة جزئية وهو مقابل لما نفاه النبي صلى الله عليه وسلم، حينئذٍ سيأتي معنا تناقض هناك أن نقيض السالب الكلية موجبة جزئية، فدل بقوله: بل بعض ذاك قد كان. أن قوله صلى الله عليه وسلم: «كل ذلك لم يكن» . أنه من قبيل السالبة الكلية، وهذا يدل على أن بعض مسائل المنطق متكررة في الطباع لأنها أمر معلومة، ولذلك لو قلت: ما جاء أحد من الطلاب. قلت: بل بعض الطلاب قد حضر. إذًا السالبة لم يحضر أحد من الطلاب هذه سالبة كلية، كيف أنقضها؟ بل بعض الطلاب قد حضر «كل ذلك لم يكن» . لا القصر ولا النسيان، بل بعض ذلك قد كان، إذًا فهم الصحابي أن قوله صلى الله عليه وسلم:«كل ذلك لم يكن» . سالبةٌ كلية وفهم الصحابة مقدم على فهم الأخضري، [ولأن القاعدة] الأمر الثالث [القاعدة الغالبة أن كُلاً]، يعني: لفظ كل، [إذا تقدمت على النفي كان الكلام من عموم السلب] عندنا أمران: سلب العموم، وعموم السلب.

سلب العموم ضابطه إذا تقدم حرف النفي على لفظة كل أو على لفظ كل، ما كل، هذا يسمى ماذا؟ سلب العموم، متى؟ يجتمع معنا حرف نفي ولفظ كل، إذا تقدم حرف النفي على لفظة كل فهو سلب العموم، حينئذٍ يكون هذا النوع سلب العموم إذا تقدم حرف النفي على لفظة كل يكون من الكل المجموعي، إذا تقدم حرف النفي على لفظ كل فهو من الكل المجموعي، يعني: من الضوابط، كيف تميز بين النوعين؟ تقول: إذا اجتمع لفظ كل مع حرف النفي، إذا تقدم حرف النفي على لفظ كل فهو من الكل المجموعي، فلا يقع الحكم حينئذٍ على الموضوعي إلا مجموعًا على الهيئة المجتمعة، ولا يتبع كل فردٍ من أفراده، كقول الشاعر:

ما كل ما يتمنى المرء يُدركه

تجري الرياح بما لا تشتهِي السفن

ما كل، إذًا تقدم حرف النفي في على لفظ كل، ما كل ما يتمنى المرء يدركه، هل هذا مسلم لكل الأفراد أو لبعضها ما كل ما يتمنى المرء يدركه قد يتمنى الإنسان الشيء ويدركه، إذًا بعض ما يتمناه الإنسان يدركه، إذًا الحكم هنا على البعض لا على الجميع، على المجموع لا على الجميع، هنا تقدم حرف النفي على لفظ كل فهو من سلب العموم، فلا يتبع الحكم كل فردٍ فَردٍ بعينه، بل على المجموع، ولذلك قولهم: ما كل بيضاء شحمة. ما كل حرف نفي ولفظ كل، تقدم حرف النفي على لفظ، ما كل بيضاء شحمة مع أن الشحمة هي بيضاء أو البيضاء قد تكون شحمة، إذًا النفي هنا للبعض لا للكل.

النوع الثاني: عموم السلب، وهو عكس السابق إذا تقدم لفظ كل على حرف النفي، فهو من الكلية، فالحكم بالمحمول على الموضوع شاملٌ لكل فردٍ فَردٍ.

قد أصبحت أُم الْخِيَار تدعي

عليَّ ذنبًا كله لم أصنعِ

ص: 17

يعني: كل ما ادعته لم أصنع منه شيئًا البتة، هنا قال: كله لم أصنعِ. قدم لفظ كلّ على لفظ أو على حرف النفي وهو لم، حينئذٍ يكون من عموم السلب أي أنه لم يصنع شيئًا واحدًا مما ادعت عليه، إذًا كل ذلك لم يكن، هل هو من سلب العموم أو من عموم السلب؟ من عموم السلب، إذًا من قبيل الكلية، لماذا؟ لأن هذه القاعدة قررها البيانيون، وهي قاعدة أغلبية نعم قاعدة أغلبية منقوضة في بعض المواضع، لكنها قاعدة أغلبية، إذًا [كل ذلك لم] تقدم لفظ كل على لم، الغالب أن لفظ كل إذا تقدم على حرف النفي فهو من عموم السلب، حينئذٍ هذا مختص بالكلية وهنا النص قد تقدم على ذلك، ولذلك قال:[ولأن القاعدة الغالبة]. ليست مطردة [أن كُلاً] يعني: لفظ كل، [إذا تقدمت على النفي] كقول: كل ذلك لم أصنعي، كله لم أصنعي. [كان الكلام من عموم السلب] وهو من قبيل الكلية لا من قبيل الكل، [وكلٌّ]، أو لفظ [كُل متقدمة هنا في قوله: صلى الله عليه وسلم «كل ذلك لم يكن» . فيكون السلب عامًا لكل فردٍ بحسب الظن]، فنفى النبي صلى الله عليه وسلم وقوع الأمرين على حدة كل واحد على حدة، يعني: كأنه قال: لم أقصر لم تقصر الصلاة ولم أنسى. حينئذٍ هل هذا كذبٌ أم لا؟ نقول: لا ليس بكذب. لماذا؟ لأن التقدير كل ذلك لم يكن في ظني، لا بد من التقدير، وهذا ما يسمى بدلالة اقتضاء عند الأصوليين، إذًا في ظني هو المحذوف، الناظم لم يعتبر قوله: في ظني. فحينئذٍ لا بد من توجيه الخبر، والصواب أن يقال: أنه من قبيل دلالة الاقتضاء التي يدل اللفظ على محذوفٍ لا بد من تقديره لأنه ينافي الشرع وهو النبي صلى الله عليه وسلم لا يقع في الكذب البتة، لولا أن نقدر لقلنا: هذا محتمل. والصحيح أن الذي ذكره الشارح هنا هو الموجه، [فيكون السلب عامًا لكل فردٍ بحسب الظن لا بحسب الواقع فلا كذب] الذي فر منه الناظم وجعل الحديث من قبيل الكلي لا من قبيل الكلية، [وحينئذٍ تمثيل المصنف بالكلي بهذا المثال غير صحيح]، والمثال الذي ذكره الشارح {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ} [الحاقة: 17] أصح.

وَحَيْثُمَا لِكُلِّ فَرْدٍ حُكِمَا

فَإِنَّهُ كُلِّيَّةٌ قَدْ عُلِمَا

ص: 18

(وَحَيْثُمَا لِكُلِّ) اللام هنا بمعنى على، [أي على كل (فَرْدٍ حُكِمَا)] بمعنى أن الحكم يتبع كل فردٍ فَردٍ [(فَإِنَّهُ) أي الحكم]، المفهوم من قوله:(حُكِمَا). هذا من {اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ} [المائدة: 8]، (فَإِنَّهُ) أين مرجع الضمير؟ [الحكم] أين هو الحكم؟ مأخوذ من قوله:(حُكِمَا). هذا فعل ورجع إليه الضمير، لكن رجع إليه باعتبار المصدر {اعْدِلُواْ هُوَ} أي العدل المفهوم من {اعْدِلُواْ} ، (حُكِمَا) هو [(فَإِنَّهُ) أي الحكم أو القضية] يعني الجملة، (وذَكَّر الضمير)(فَإِنَّهُ)(لتأولها بالقول)، لأن القضية مؤنث (فَإِنَّهُ) أي القضية. ولم يقل: فإنها. لأن القضية قولٌ فذَكَّره باعتبار القول، (كُلِّيَّةٌ قَدْ عُلِمَا) الألف للإطلاق و (حُكِمَا) كذلك الألف للإطلاق نحو ماذا؟ ({كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ})

[العنكبوت: 57] هذه كلية {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} نفس هذا كليٌّ شائع في عدد في أفراد له وجود في الخارج، {ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} هذا حكمٌ، هل يتبع الحكم وهو ذوق الموت كل فرد من أفراد النفس؟ الجواب: نعم، إذًا هو كلية، وهذا يفيدك في باب العام.

مدلوله كلية قد حَكما

عليه في التركيب من تكلما

[ولا إله إلا الله] مثل بمثالين {كُلُّ نَفْسٍ} هذه الكلية الموجبة ولا إله إلا الله كلية سالبة، وهذه فيها بحث كبير يأتينا في مقام التوحيد إن شاء الله تعالى، لا إله إلا الله هل هي سالبة كلية؟ إلى آخره.

(وَالحُكْمُ لِلْبَعْضِ) هنا الاختصار قد يخل ببعض المفاهيم، (وَالحُكْمُ لِلْبَعْضِ هُوَ الجُزْئِيَّةْ)، يعني: الحكم على البعض، فاللام هنا بمعنى على، (هُوَ الجُزْئِيَّةْ) نحو ماذا؟ [بعض الإنسان كاتب] سيأتينا هناك السور الكلي والسور الجزئي، بعض هذا سور جزئي [بعض الإنسان] الإنسان هذا كليٌّ أضيف إلى أو سورت القضية بسورٍ جزئي [بعض الإنسان كاتبٌ)، يعني: بالفعل، وأما كاتبٌ بالقوة فهذا مشتركٌ ليس بعض الإنسان، كل إنسان هو قابل للكتاب، بعض الإنسان ضاحكٌ، يعني: بالفعل، وأما كونه قابلاً فهذا مشترك، إذًا [بعض الإنسان كاتبٌ] هذه جزئية لأنها مُسَوَّرَة بسور جزئي، لأن الحكم فيه على بعض أفراد الموضوع،] وليس بعض الإنسان بكاتبٍ] بالفعل أم بالقوة فنعم، [ليس بعض] دخل عليه حرف السلب، إذًا هذه جزئية سالبة، كما أن الكلية نوعان: موجبة، وسالبة. كذلك الجزئية نوعان: موجبة، وسالبة.

[(وَالجُزْءُ مَعْرِفَتُهُ جَلِيَّهْ) أي ظاهرة فهو ما تركب منه ومن غيره كلٌّ]، كالمسامير بالنسبة للكرسي، الكرسي هذا كل، يسمى ماذا؟ يسمى كلاً، لأن لا يسمى الجزء الذي تألف منه الكرسي كرسي، الكل له أجزاء كما أن الكلي له أفراد صحيح؟ الكل له أجزاء، ولذلك مر معنا قليل الآن أن الكل ما تركب من جزأين فصاعدًا، إذًا لا بد من أجزاء ولذلك نقول:[الجزء](1)

(1) سبق.

ص: 19

الكلي له أفراد، والكل له أجزاء، واضح؟ الكلي له أفراد يصح الإخبار بلفظ الكلي عن كل فردٍ فَردٍ على جهة الاستقلال، فتقول: الإنسان كلي، له أفراد زيد وعمرو وخالد، هل يصح أن تخبر عن زيد بكونه إنسانًا صح أو لا؟ زيدٌ إنسان، عمرو إنسان، خالدٌ إنسان نقول: هذا صح. إذًا يسمى كليًّا، وهذا الذي يذكره النحاة هناك في المتون، الكلمة اسم وفعل وحرف، نقول: هذا التقسيم من تقسيم الكل إلى جزئياته، ما الضابط؟ أنه يصح الإخبار باسم المقسوم الذي هو الكلمة عن كل جزء من أجزائه بأن تجعل القسم الذي هم الاسم مبتدأ، وتجعل الاسم المقسوم خبرًا، الاسم كلمة، الحرف كلمة، الفعل كلمة، إن صح إذًا الكلمة هذا كلي، حينئذٍ يكون التقسيم من تقسيم الكلي إلى جزئياته، يأتي في بعض كتب النحاة: وأقسامه. الكلام ثلاثة اسمٌ، وفعلٌ، وحرفٌ. الاسم كلامٌ، الحرف كلامٌ، الفعل كلامٌ، لا يصح، إذا لم يصح الإخبار بالقسم عن الاسم المقسوم، حينئذٍ نقول: هذا من تقسيم الكل إلى أجزائه، فالتقسيم نوعان: كلي إلى جزئياته، وكل إلى أجزائه. حينئذٍ نقول: الكلام اسمٌ، وفعلٌ، وحرف. هذا يذكره بعض النحاة، وابن أجروم على هذا، وأقسامه ثلاثة: اسمٌ، وفعلٌ، وحرف، حينئذٍ لا يصح أن يقال: الاسم كلامٌ، ولا الفعل كلامٌ. وإنما نقول: مجموع الاسم والفعل والحرف كلام، لأنه يتألف من اسمين، أو من فعل واسمٍ، هنا قال ماذا؟ قال:[ما تركب منه ومن غيره كلٌّ]. قالوا: كالمسامير بالنسبة للكرسي. فالكرسي مثلاً مؤلف من ثلاثة أشياء: خشب، ومسامير، وهيئة. لا يصح أن يقال عن المسامير بأنها كرسي، وإن كانت جزء من الكرسي، ولا يصح أن يقال بأن الخشب كرسي، وإن كان جزء من الكرسي، حينئذٍ لا بد من ذكر المجموع كله، فهذا جزءٌ ولا يصح الإخبار بالكل عن الجزء على جهة الإنفراد [كالحيوان فهو جزء بالنسبة للإنسان لتركبه منه ومن الناطق، ويسمى ذلك جزءًا طبيعيًّا]- إن كان معقولاً – [وكالسقف بالنسبة إلى البيت لتركبه منه ومن الجدْرِان] أو [الجدُرِان، ويسمى ذلك جزءًا ماديًّا] يعني الجزء قد يكون معقولاً وقد يكون محسوسًا، إن كان جزءًا بالنسبة لـ .. مر معنى أن الحيوان جزء الماهية، جزء ماذا مثل المسامير؟ لا، وإنما هو جزء معقول، يعني: ليس بمحسوس، المسامير جزء من الكرسي، لكنها جزء مادي محسوس، إذًا الجزء قد يكون معقولاً، وهذا إذا كان في المعاني كـ: الجنس، والفصل. وقد يكون جزءًا ماديًّا، يعني: محسوسًا، إذًًا بين لك في هذا الفصل أربعة ألفاظ: الكل، والكلية، والجزء، والجزئية. بالإضافة إلى الكلي والجزئي، والله أعلم.

وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 20