الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مُقَدِّمَةُ التَّحْقِيق
الحمدُ لله منزلِ الشرائعِ والأحكام، وجاعلِ سنةَ نبيِّه صلى الله عليه وسلم مبينةً للحلال والحرام، والهادي من اتبعَ رضوانَه سُبلَ السّلام.
وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريك له، شهادةَ تحقيقِ على الدوام.
وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه، أرسلَه رحمة للأنام، وعلى آله وصحبِه الكرام.
أمّا بعد:
فإنَّ الله - جل وعلا - قد هيَّأ لهذه الأمةِ علماءَ ربَّانيين، حَفِظوا حديثَ نبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم في دواوين ألفوها في السُّنن والأحكام، والحلال والحرام، وما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال ونَفَائسِ الأحوال الداعيةِ إلى طُرق الخيرِ وسُبُل الرشاد، وما دعا إليه من مكارم الأخلاقِ ومحاسنِ الآداب.
وكان كتابُ "مصابيح السُّنة" للإمام محيي السنة، شيخِ الإسلام البَغَويِّ أجمعَ كتابٍ صُنَّف في بابه، وأضبطَ لشواردِ الأحاديث وأَوابِدها (1).
وهو الكتابُ الذي عكف عليه المتعبِّدون، واشتغل بتدريسه الأئمةُ
(1) انظر: "مشكاة المصابيح" للتبريزي (1/ 3).
المعتبرون، وأقرَّ بفضله وتقديمه الفقهاءُ المحدثون، وقال بتمييزه الموافقون والمخالفون (1).
وهو كتاب مُبَارك، وفيه عِلمٌ جَمٌّ من سُنن رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)، ناهزت أحاديثُه الخمسةَ آلاف حديث، أحسنَ الإمامُ في ترتيبها، وفاقَ ترتيبُه للكتب كثيراً من كتب الحديث المصنَّفة، فإنه وضَعَ دلائلَ الأحكام على نَهجٍ يستحسنُه الفقيهُ، فوضع الترغيبَ والترهيب على ما يقتضيه العلم، ولو فكَّر أحدٌ في تغيير بابٍ عن موضعه لم يجدْ له موضعاً أنسبَ مما اقتضى رأيُه (3).
وقد كثُرت عناية العلماءِ بهذا الكتاب الجليل، وتنوَّعت الشروحُ والتعليقاتُ والتخريجاتُ عليه، وكان من بين تلكَ الشروحِ:
- "شرح المصابيح" لعلَم الدين السَّخَاوي (ت 643 هـ).
- "الميسَّر في شرح مصابيح السنة" لشهاب الدين فضل الله التوربشتي (ت 661 هـ).
- "المفاتيح في شرح المصابيح" للحسين بن محمود الزَّيداني المُظْهِري.
- "شرح المصابيح" لابن المَلَك الحنفي.
- "التجاريح في فوائد متعلقة بأحاديث المصابيح" للفيروزأَبادي (ت 817 هـ).
- "شرح المصابيح" لابن كمال باشا (ت 940 هـ).
وقد اختصر "المصابيح" غيرُ واحدٍ من الأئمة، كان من أبرزِها: "مشكاة
(1) انظر: "كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح" لصدر الدين المناوي (1/ 5).
(2)
انظر: "الميسر في شرح المصابيح" للتوربشتي (1/ 29).
(3)
كما قال محمد بن عتيق الغرناطي (ت 646 هـ).
المصابيح" للتَّبْرِيزي، والذي شرح الإمامُ الطّيبيُّ في كتاب سماه: "الكاشف عن حقائق السُّنن"، وكذا شرحه العلامةُ ملا علي القَارِيُّ في "مِرقاة المفاتيح".
كما قام بتخريج "المصابيح" الإمامُ صدرُ الدين المَنَاويُّ (ت 803) في "كشف المناهج والتَّناقيح في تخريج أحاديث المصابيح"، ولخَّصه الحافظُ ابنُ حجر في "هداية الرواة إلى تخريج المصابيح والمشكاة".
إلى غيرِ ذلك من الشروحِ والتَّعاليق القيمة، ومِنْ هنا عُنينا بتلك المؤلَّفاتِ عناية خاصةً في مشروعنا "موسوعة شروح السنة النبوية" التي نسألُ الله أن يكتبَ لها القَبول والتَّمامَ، وأن يوفقنا لإصدارها كما أرادها مؤلِّفوها أنْ تخرجَ لأهل الإسلام، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه.
وقد تناولنا في تحقيقنا جملةً من الشُّروح النفيسةِ التي لم تَرَ النورَ بعد، وألفينا فيها علومًا جَمَّةَ لا يستغني عنها مَنْ تَشَرَّب لِبَانَ السنَّةِ النبوية، وحَرَصَ على أخذِها رِواية ودِرايةً.
وحسبُ المرءِ احتفاءً بجملة الشُّروح المحقَّقةِ، والتي نُخرجها إلى عالم المطبوعات لأول مرة، أنَّها تاتي بعد نشرِ شَرحٍ واحدٍ يتيمٍ لهذا الكتابِ الجليل، وهو شرحُ الإمام التُّوْرِبِشْتي، فلله الحمدُ على مَنِّه وتوفيقه.
ومن تلكَ الشروحِ الحافلةِ، شرحُ الإمامِ مُحمَّدِ بنِ عَبْد اللَّطيفِ، المعروفِ بـ (ابن المَلَك) الرُّوميِّ، والذي نقومُ بإصداره لأوَّلِ مرةٍ مقابَلاً على أربعِ نسُخ خَطِّيَّةٍ.
وقد اشتملَ هذا الشَّرْحُ على غَالبِ مادَّةِ "مَصابيح السُّنَّة" للإمام البَغَويّ رحمه الله تعالى.
وقد عُنِيَ فيه رحمه الله ببيان الألفاظِ، وحَلِّ الإشكالات، وبَثَّ فيه فِقْه الأئمَّةِ الأربعةِ، خصوصًا فقه الإمامِ أبي حنيفةَ رحمه اللهُ تعالى.
فجاء شَرحًا لطيفًا مُفيداً للقارى، قد لَخَّصَ فيه الإمامُ ابنُ المَلَك كلامَ الشّراحِ قَبْلَه؛ كالإمام البَغَويِّ والطيبيِّ والتُّوْرِبِشْتيِّ والمُظْهِرِيِّ، وأفاد ممَّا كتبه والدُه الإمامُ عبدُ اللَّطيفِ على "مَشَارق الأنوار للصَّغَاني"، فأجاد رحمه الله في التَّلخيصِ، وأَبْدَعَ في التَّقْريبِ والتَّيسيرِ وجَمعِ الفوائدِ المتناثرة في بطونِ تلكَ الشُّروح.
وقد أفادَ من هذا الشَّرحِ كثيراً العلامةُ مُلَاّ علي القَاريُّ في كتابه: "مرقاة المَفاتيح في شرح مِشْكاة المصابيح".
هذا، وقد تمَّ التقديمُ للكتاب بترجمة الإمام البغوي، وترجمة الإمام ابن المَلَك - رحمهما الله تعالى - ثم تلاه تعريف بمنهج المؤلِّف في هذا الشرح.
وتمَّ تذييلُ الكتابِ بِفِهْرسِ أطرافِ الأحاديث النبوية الشريفة التي شرحها المؤِّلفُ، ثم فِهرسٍ لعناوينِ الكُتب والأبواب.
اللهم اجعلنا ممَّنْ يَسْتَنهج كتابَكَ وسنَّةَ نبيِّكَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، واجعلْ نيتَنا خالصةً لوجهكَ الكريمِ في نشرِ السُّنةِ المُطَهَّرة، يدومُ الأجرُ فيها بعد الممات، ونبلُغُ بها منزلةً مرضيَّةً عندك، إنَّكَ وليُّ ذلك والقادرُ عليه، ولا حولَ ولا قوة إلا بك.
وصلى الله على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلهِ وأصحابِه أجمعين، والحمدُ لله ربِّ العالمين.
حَرَّرُه
نور الدين طالب
ذو الحجة/ 1432 هـ