المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: ما جاء في إفلاس الغريم - شرح الموطأ - عبد الكريم الخضير - جـ ١١٨

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: ما جاء في إفلاس الغريم

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح: الموطأ -‌

‌ كتاب البيوع (15)

الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

أحسن الله إليك.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا، واجزيه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا حي يا قيوم.

قال المصنف -رحمه الله تعالى-:

‌باب: ما جاء في إفلاس الغريم

حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أيما رجل باع مبتاع فأفلس الذي ابتاعه منه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئاً، ووجده في عينه فهو أحق به، وإن مات الذي ابتاعه فصاحب المتاع في أسوة الغرماء)).

وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أيما رجل أفلس فأدرك الرجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره)).

قال مالك -رحمه الله تعالى- في رجل باع من رجل متاع فأفلس المبتاع: فإن البائع إذا وجد شيئاً من ماله بعينه أخذه، وإن كان المشتري قد باع بعضه وفرقه فصاحب المتاع أحق به من الغرماء، لا يمنعه ما فرق المبتاع منه أن يأخذ ما وجد بعينه، فإن اقتضى من ثمن المبتاع شيئاً فأحب أن يرده، ويقبض ما وجده من متاعه ويكون فيما لم يجد أسوة الغرماء فإن ذلك له.

قال مالك: من اشترى سلعة من السلع غزلاً أو متاعاً أو بقعة من الأرض، ثم أحدث في ذلك المشتري عملاً بنى البقعة داراً، أو نسج الغزل ثوباً، ثم أفلس الذي ابتاع ذلك، فقال رب البقعة: أنا آخذ البقعة، وما فيها من البنيان إن ذلك ليس له، ولكن تقوم البقعة وما فيها مما أصلح المشتري، ثم ينظر كم ثمن البقعة، وكم ثمن البنيان من تلك القيمة ثم يكونان شريكين في ذلك لصاحب البقعة بقدر حصته، ويكون للغرماء بقدر حصة البنيان.

ص: 1

قال مالك: وتفسير ذلك أن تكون قيمة ذلك كله ألف درهم وخمسمائة درهم فتكون قيمة البقعة خمسمائة درهم، وقيمة البنيان ألف درهم، فيكون لصاحبه البقعة الثلث، ويكون للغرماء الثلثان.

قال مالك: وكذلك الغزل وغيره مما أشبهه إذا دخله هذا، ولحق المشتري دين لا وفاء له عنده هذا العمل فيه.

قال مالك: فأما ما بيع من السلع التي لم يحدث فيها المبتاع شيئاً إلا أن تلك السلعة نفقت، وارتفع ثمنها فصاحبها يرغب فيها، والغرماء يريدون إمساكها، فإن الغرماء يخيرون بين أن يعطوا رب السلعة الثمن الذي باعها به، ولا ينقصوه شيئاً، وبين أن يسلموا إليه سلعته، وإن كانت السلعة قد نقص ثمنها، فالذي باعها بالخيار إن شاء أن يأخذ سلعته، ولا تباعة له في شيء من مال غريمه فذلك له، وإن شاء أن يكون غريماً من الغرماء يحاص بحقه ولا يأخذ سلعته فذلك له.

وقال مالك في من اشترى جارية أو دابة فولدت عنده ثم أفلس المشتري، فإن الجارية أو الدابة وولدها للبائع إلا أن يرغب الغرماء في ذلك فيعطونه حقه كاملاً، ويمسكون ذلك.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: ما جاء في إفلاس الغريم

ص: 2

إفلاس: مصدر أفلس يفلس إفلاساً فهو مفلس، ويقال: أفلس الرجل إذا لم يكن عنده فلوس لا درهم ولا متاع، كما جاء في الحديث الصحيح:((أتدرون من المفلس؟ )) قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، يعني لا شيء عنده، ومنهم من يقول: إن أفلس يعني دخل في حيز الإفلاس، والإفلاس صار ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم ودنانير، والفَلس معروف أنه شيء يسير بالنسبة للدرهم، والدرهم شيء يسير أيضاً بالنسبة للدينار، فالفلوس هذه العملة الصغيرة وجودها مثل عدمها في كثير من الأحيان، مثل الدانق، الدانق لا يشترى به شيء، يعني شيء يسير، وهو عبارة عن سدس الدرهم، الدانق سدس الدرهم، وكذلك الفلس شيء يسير، فوجوده في حكم العدم، فالمفلس الذي لديه فلوس، وليس لديه دراهم ولا دنانير، يعني لو أن غريماً في أيامنا هذه مدين عليه ديون، ولديه مبالغ يسيرة، عنده ريالات هل يؤثر هذا في فلسه؟ لا يؤثر؛ لأن هذه الريالات لو أعطاها الغرماء ما قبلوها، ولذا يرى شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- أن له أن يتصدق بشيء منها، من هذه الدراهم، وإن كان مديناً، ومعلوم أن وفاء الديون واجب، والصدقة بالنسبة له مستحبة، لكن لما كانت هذه الصدقة لا تؤثر في هذه الديون صار أمرها يسيراً، فله أن يتصدق، يعني فقير يملك عشرات أو مئات، ثم يأتيه سائل ثم يعطيه عشرة مثلاً أو ريال أو خمسة وهو مدين بدون كثيرة، هل يلام على هذا أو لا يلام؟ ما تؤثر هي في الدين، لو أعطاها الغريم ما قبلها أصلاً.

كان شخص من أهل العلم أيضاً غريم بخمسة عشر مليون، وأدخل السجن بسببها، فوجد شخصاً كبير السن في السجن فقال له: ما الذي أجلسك هنا؟ قال مدين بعشرة آلاف، قال: هذه عشرة آلاف واطلع، كتب له شيك بعشرة آلاف وأخرجه؛ لأن عشرة آلاف بالنسبة للخمسة عشر مليون لو دفعها إلى الدائن ما قبلها، فمثل هذه الأمور التصرفات اليسيرة التي لا تؤثر في الدين ولا يقبلها الدائن لا أثر لها.

المقصود أن المفلس من أنتقل من حال إلى حال، من حال اليسر والغنى إلى حال الفقر والحاجة، وكانت ديونه أكثر من موجوداته مما يجده مما يمكن أن يقضي به.

ص: 3

إفلاس الغريم، الغريم: فعيل وهو الغارم المدين، وسمي الغريم غريماً لأن دائنه يلازمه، وجاء في قول الله -جل وعلا-:{إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [(65) سورة الفرقان] يعني ملازم للمعذبين كملازمة الغريم لغريمه، لا يفلته.

قال: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام" أحد الفقهاء السبعة من التابعين، ولذا الخبر مرسل "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((أيما رجل)) " أيما رجل مركبة من (أي) التي تنوب مناب الشرط، و (ما) المبهمة المزيدة التي لا أثر لها في الإعراب، ولذا صح جر المضاف إليه، صح دخولها بين المضاف والمضاف إليه، لا أثر لها في الإعراب ((أيما رجل)) فرجل مضاف إليه، والمضاف (أي)، ويصح أن يقال: أيما رجلٌ، فرفعه على البدلية من (أي) فالتعبير بالرجل مع أن الحديث يشمل كل مبتاع حصل له ما يحصل مما ذكر في الحديث من الإفلاس، يشمل الرجل والمرأة، لكن لما كان البيع والشراء من أعمال الرجال ومن مهامهم عبر بالرجل تعبيراً أغلبياً.

((أيما رجل باع متاعاً)) أيما رجل هذا بالنسبة للبائع؛ لأنه وصف بكونه ((باع متاعاً، فأفلس الذي ابتاعه منه)) يعني الذي اشتراه منه ((ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئاً)) بهذا القيد، وهذا القيد إنما يوجد في هذا الخبر المرسل، وهو وإن اختلف في وصله وإرساله فقد وصله عبد الرزاق، وهو في جميع الموطئات مرسل،

((ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئاً)) يعني باع قطعة أرض بمائة ألف فأفلس المشتري البائع أحق بهذه الأرض، لكن لو قدر أن صاحبها سلمه نصف القيمة خمسين ألف، مفهوم هذا الكلام أنه أسوة الغرماء، لا يستحق نزعها منه، لو قال: أنا أرد الخمسين الألف، المفهوم من هذه الجملة أنه أسوة الغرماء ولو رد.

ص: 4

((فوجده بعينه)) وجده بعينه لم يتغير فيه شيء، وجده بعينه لم يتغير فيه شيء مفهومه أنه لو وجده متغير سواء كان بنقص أو بزيادة أنه ليس بأحق به من غيره، اشترى كتاباً مجلداً تجليد عادي، فجاء المشتري ونزع الجلد، ثم أفلس هل نقول: إن صاحب الكتاب البائع أحق به؟ لأنه وجده بعينه أو وجده متغير؟ متغير، وعكس ذلك في ما لو نزع الجلد التجليد العادي وجلده تجليد فاخر، الصورة الأولى فيها نقص، والصورة الثانية فيها زيادة، أما في صورة النقص لو قبل البائع، قال: أنت نزعت الجلد، لكن أنا أقبل، هذه سلعتي بعينها، هل هذه السلعة هي عين السلعة أو غير السلعة؟

طالب: عين السلعة.

عين السلع لكنها نقصت عند المشتري، وقبل البائع هذا النقص، قبلها على نقصها، يعني قياس الأولى أن يكون أحق بها ما دام قبل، لكن إذا كانت زادت؟ يعني جلدها تجليد فاخر، وتعب عليها، وصارت قيمتها ضعف قيمتها في السابق، هنا لا يكون أحق بها.

سيأتي في كلام مالك رحمه الله أن الزيادة في السلعة إذا كانت السلعة قد زادت زيادة متصلة أو منفصلة فالأمر إلى الغرماء، إذا رضوا أن يردوها لهم ذلك، وسيأتي في كلامه -رحمه لله-.

((فهو أحق به من غيره)) هذا المال الذي ابتاعه البائع أحق به من غيره ((وإن مات الذي ابتاعه)) عرفنا أن مفهوم الجملة الأولى أنه إذا دفع إليه شيئاً من ثمنه فليس بأحق، وماذا عن .. ؟ إذا أفلس فهو أحق، إذا أفلس المبتاع ووجد المال بعينه فهو أحق به عن البائع، لكن إذا مات؟ إذا مات المبتاع ((فصاحب المتاع في أسوة الغرماء)).

أخذ بهذا الحديث الإمام مالك والإمام أحمد، وفرقوا بين الإفلاس والموت، فرقوا بين الإفلاس والموت عملاً بهذا الخبر، وهو وإن كان مرسلاً إلا أن مالك احتج بالمراسيل، وأحمد في رواية يحتج بها إذا لم يكن في الباب غيرها، ففرقوا بين الإفلاس والموت، فجعلوا في صورة الإفلاس البائع أحق بها من غيره، وفي صورة الموت الصورة الثانية صاحب المتاع فيه أسوة الغرماء.

ص: 5

وقال الكوفيون بما فيهم الحنفية، قالوا: هو أسوة الغرماء مطلقاً، فلم يعملوا بهذا الحديث، لا أقول: بالزيادات التي استقل بها المرسل حتى بما في الصحيحين: ((أيما رجل أفلس فأدرك ماله بعينه فهو أحق به من غيره)) فعندهم هو أسوة الغرماء مطلقاً، لماذا؟ لأن المال بالإيجاب والقبول انتقل من البائع إلى المشتري، والعقد الصحيح الذي تترتب عليه آثاره من انتقال الملك في العين المبيعة انتقالاً تاماً من البائع إلى المشتري يقتضي أن لا رد، ولا رجوع، يعني باستثناء الخيار والإقالة، أما إذا لزم البيع وثبت فالبيع عقد لازم، لكن الحديث المتفق عليه يرد هذا الكلام.

وقال الإمام الشافعي: هو أحق به مطلقاً في الإفلاس والموت، قول الشافعي يقابل قول الكوفيين الذين قالوا: هو أسوة الغرماء مطلقاً، والشافعي يقول: هو أحق به مطلقاً في حال الإفلاس وفي حال الموت، ما دام وجد سلعته هو أحق بها، فلم يعملوا بالجملة الشرطية في الرواية الأولى:((وإن مات الذي ابتاعه فصاحب المتاع في أسوة الغرماء)) لأنها ضعيفة، والشافعي متى يحتج بالمراسيل؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

كيف؟

طالب:. . . . . . . . .

كبار التابعين طيب، يعني بشروط أربعة، منها ما في المرسَل، ومنها ما في المرسِل، أن يكون المرسِل من كبار التابعين، وماذا عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام كبير وإلا متوسط؟ متوسط؛ لأن أباه عبد الرحمن بن الحارث له رؤية، له مجرد رؤية، وجده صحابي الذي سأل أصناف الوحي، كيف يأتيك الوحي يا رسول الله؟ في الصحيح، في البخاري، فهو من أوساط التابعين، فلا يندرج عليه شرط الإمام الشافعي، ولذا قال: هو أحق به مطلقاً في الإفلاس والموت، وكأن هذه الجملة لم يثبت عنده ما يشهد لها.

ص: 6

لو أن مفلساً اشترى، لو أن شخصاً اشترى سلعة، اشترى بيت بخمسمائة ألف ثم أفلس، وصار مديناً بمليون لصاحب هذا البيت خمسمائة، ولغرماء آخرين خمسمائة، ثم جاء صاحب البيت الذي باعه قال: أنا أحق به بالنص، قال الغرماء: نحن مستعدون ندفع لك خمسمائة ويصير البيت لنا، يعني إذا دفع الغرماء الثمن هل البائع أحق به نظراً لإطلاق الحديث وعمومه، أو ليس بأحق به لأنه إنما صار أحق به لعلة، وقد زالت هذه العلة بدفع القيمة؟ نعم؟

طالب: لعلة.

العلة هو استحق لئلا يضيع عليه ماله، وقد دفع له ماله، يستحق وإلا ما يستحق؟

طالب: ما يستحق.

هاه؟

طالب: يستحق المال. . . . . . . . .

يستحق الرجوع بعين ماله أو يسقط حقه ما دام العلة زالت؟

طالب:. . . . . . . . .

طيب إذا أصر، قال: أنا عندي النصف، أنا وجدت مالي عند رجل قد أفلس، ولا أبي إلا مالي ما أبي الثمن، يعني هل معنى الإفلاس إبطال للبيع؟ هل هو إبطال للبيع؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

إذن بالرجوع وليس إبطالاً للبيع، لكن الإمام الشافعي يقول: لا يسقط حقه، هذا حق أتاحه له الشارع فلا يسقطه تدخل غير صاحب الشأن؛ لأنه لو افترضنا أن هذا البيت باعه بخمسمائة، ووقت المطالبة هذه صار يستحق ستمائة، فقال الغرماء: نحن ندفع لك خمسمائة ونأخذ البيت، قال: لا أنا لا أريد إلا ما أتيح لي شرعاً، فأنا أحق به منكم، نعم يتصور مثل هذه المشاحة فيما إذا زادت قيمة البيت، لكن لو افترضنا العكس، أحق به من غيره، لو أن البيت بخمسمائة، والآن ما يستحق إلا ثلاثمائة، قال الغرماء: عندنا إلا بيتك، استلم بيتك، قال: أنا لا أريده، له ذلك أو ليس له ذلك؟ نعم؟

طالب: الشافعي ليس له ذلك، على مذهب الشافعي.

إيه لكن على علة الأولى، التي هي قول الأكثر، له أن يرفض؟

طالب: لا ليس له، العلة أن يفصل ....

ثلاثمائة، ماله خمسمائة، يقول: أنا مالي في ذمتك خمسمائة، والبيت ما يستحق إلا ثلاثمائة.

طالب:. . . . . . . . .

ص: 7

لو نظرنا إلى الصيغة فهو أحق به، هل هذه تلزمه؟ كونه أحق من غيره، يعني إذا رضي أن يكون أسوة الغرماء أحد يلزمه بأن يأخذ السلعة؟ لا أحد يلزمه؛ لأن البيع لازم، نعم هو أحق بهذه السلعة إذا رضي، وأما كونه يلزم بها وقد كسدت، فمثل هذا لا يقول بها أحد.

طالب: ويش الأظهر من الأقوال، هل هو قول المالكية والحنابلة أم قول الثوري أم الشافعي؟

يعني هل هو يفرق بين الإفلاس والموت؟

طالب: نعم.

هو وجه التفريق بين الإفلاس والموت أنه في حال الإفلاس الذمة قائمة، وفي حل الموت الملك انتقل من المورث إلى الوارث، والذمة ليست قائمة، ففي هذا ضرر كبير على بقية الغرماء.

طالب:. . . . . . . . .

يعني أنت افترض إذا وجد الإفلاس فقط، أو الموت من غير إفلاس، أو اجتمع الأمران موت وإفلاس، يعني هذه القسمة ثلاثية يحتمل غيرها؟ إما إفلاس فقط، وعرفنا الحكم، أو موت فقط من غير إفلاس، مثل هذا ليس بأحق بها؛ لأن الورثة مستعدين، والدين مقدم على الإرث وعلى الوصية، فهو من عين التركة يؤخذ، إذا اجتمع الإفلاس والموت، هل يقال: إنه

؟ يعني مات ولم يورث سوى هذا البيت، وعليه ديون كثيرة، نقول: هو مفلس، والعين قائمة، فهو من هذه الحيثية يدخل في الحديث الثاني الذي ليس فيه تقييد بالموت، وكونه قد مات وانتقل المال من المورث إلى الوارث، وله غرماء آخرون، فيختلف الموت عن الإفلاس المجرد في هذه الصورة، ولذا اختلفوا، فمنهم من سوى بين الموت والإفلاس، ومنهم من فرق.

شوف الحديث الثاني، قال:

وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أيما رجل أفلس فأدرك الرجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره)).

ص: 8

((أيما رجل أفلس)) هناك في تنصيص على البيع والشراء ((أيما رجل أفلس فأدرك الرجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره)) وهذا أعم من مسألة البيع؛ لأن الأولى فيها تنصيص على البيع، وهذه يدخل فيها كل ما استولت عليه اليد قبل الإفلاس، ثم حصل الإفلاس، على أي وجه، كان سواء عارية أو هبة أو غصب أو سرقة، لكن النصوص الأخرى تبين أن هذه الأحقية في حال البيع، يعني النصوص يفسر بعضها بعضاً، وخير ما يفسر به الحديث الحديث؛ لأنه في حال الهبة، والهبة بعد القبض انتهت، صارت مال هذا المفلس وليست مالاً للمهدي في حال الغصب والسرقة هو أحق بها مطلقاً؛ لأنها ما انتقلت من يده الحكمية فهو حق مطلقاً، وعلى هذا الحديث محمول على مسألة البيع.

طالب:. . . . . . . . .

كيف؟

طالب:. . . . . . . . .

إيه لكن يفسره الحديث المفسر.

طالب:. . . . . . . . .

إيه لكن ((أيما رجل أفلس فأدرك الرجل ماله بعينه)).

طالب:. . . . . . . . .

طيب غصب وسرقة، المقصود أن عمومه، أن عموم الحديث هذا مفسر بما جاء في الحديث المبين.

طالب:. . . . . . . . .

هو ماله، ما له منازع فيه، هو ما خرج من يده من أجل أن ينازع فيه.

طالب:. . . . . . . . . لكن المبين لو كان ضعيفاً؟

وما يلحق به، يعني من باب أولى إذا لم يكن صفقة.

طالب:. . . . . . . . .

إيه، لكن ما دامت الاحتمالات قائمة، الاحتمالات لا بد أن تورد جميع الاحتمالات، ويتحدث عنها.

الآن الشيخ يقول: كيف نعتمد في تفسير حديث على حديث ضعيف؟ أولاً: معروف حكم الحديث الضعيف في مسألة الاحتجاج، لكن ترجيح أحد الاحتمالين الذين يحتملهما الخبر يكون بالضعيف، كما قرر ذلك ابن القيم في تحفة المودود في أحكام المولود، قرر ابن القيم أن الضعيف يرجح به، يعني إذا تساوت الاحتمالات يرجح بالضعيف.

((أيما رجل أفلس)) وتقدم الكلام فيه ((فأدرك الرجل ماله)) أيما رجل فأدرك الرجل، الرجل الثاني هو الأول وإلا لا؟ وإلا غيره؟

((أيما رجل أفلس فأدرك الرجل)) نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

الأول: ((أيما رجل أفلس)) يعني المشتري ((فأدرك الرجل)) يعني البائع فهو غيره.

ص: 9

إذا أعيدت النكرة معرفة فهل تكون عينها أو غيرها؟ نعم؟ تكون عينها أم غيرها؟ هل تكون عين الأولى أو غير الأولى؟

طالب:. . . . . . . . .

تكون إيش؟

طالب: عينها.

صحيح عينها {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [(15 - 16) سورة المزمل] فالرسول الثاني هو الأول، فإذا أعيدت النكرة معرفة كانت عينها، عين الأولى، لكن لو أعيدت نكرة، جاءني رجل فأكرمت رجلاً، فهي غيرها، وهنا عينها وإلا غيرها؟ نعم؟ غيرها بلا شك؛ لأن النكرة الأولى موصوفة، والنكرة الموصوفة تفيد ما يفيده المعرفة ((أيما رجل أفلس)) هذه نكرة موصوفة وليست نكرة مطلقة، جنس شائع أو لفظ شائع في جنسه، بدليل أننا لو قلنا: أيما رجل

طالب:. . . . . . . . .

حتى تكون موصوفة أيضاً لو قلنا: أيما رجل باع على غيره فأدرك الرجل ماله بعينه، هذه موصوفة، لكن الوصف هنا أخرجها عن شيوعها، فصارت في حكم المعرفة، فلم تكن إعادة النكرة معرفة هنا، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

كيف؟

طالب:. . . . . . . . .

إيه ما في عموم، يعني النكرة تفيد العموم، جنس شائع، لفظ شائع في جنسه رجل، إذا قلت: جاء رجل، شائع في هذا الجنس، لكن لو قلت: جاء رجل فقير، قل، قل هذا الشيوع، وقرب من التعيين والتحديد، وهذا هو الذي جعل إعادة النكرة هنا معرفة، لا تكون عينها.

((فأدرك الرجل ماله بعينه)) مال مفرد مضاف وهو يعم، سواء كان مال من جنس واحد، أو من أجناس، يعني أموال ((بعينه)) يعني لم يتغير فيه شيء، الأصل أن يكون لا تغير فيه بزيادة ولا نقصان ((فهو أحق به من غيره)).

وقلنا: إنه إذا نقص لا يخرجه هذا النقص عن كونه ماله، وكونه بعينه، لا يخرجه هذا عن كونه بعينه، أما لو زاد ما صار بعينه ((فهو أحق به من غيره)).

ص: 10

"قال مالك في رجل باع من رجل متاعاً فأفلس المبتاع فإن البائع إذا وجد شيئاً من ماله بعينه أخذه" بالنص، "وإن كان المشتري قد باع بعضه وفرقه، فصاحب المتاع أحق به من الغرماء" باع عليه عشر نسخ من كتاب، ثم أفلس، فلما جاء صاحب الكتب البائع قال: والله بعت خمس نسخ، هذه الخمس الباقية هي عين ماله، لا يخرجه كونه تصرف في بعضها عن كونها عين ماله "وإن كان المشتري قد باع بعضه وفرقه فصاحب المتاع أحق به من الغرماء، لا يمنعه ما فرق المبتاع منه، وأن يأخذ ما وجد بعينه، فإن اقتضى من ثمن المبتاع شيئاً، فأحب أن يرده ويقبض ما وجد من متاعه، ويكون فيما لم يجد أسوة الغرماء فإن ذلك له" يقول: "لا يمنعه ما فرق المبتاع منه أن يأخذ ما وجد بعينه، فإن اقتضى من ثمن المبتاع شيئاً" يعني افترض أنه اشترى عشر نسخ من كتاب، النسخة بمائة، هذا ألف، قال: خذ مائتين مقدم مثلاً، فلما جاءه بعد الإفلاس، قال: أنا بعت خمس نسخ، قال: خلاص ننزل نسختين، ويبقى في ذمتك ثلاثمائة "يكون فيها أسوة الغرماء، ويكون فيما لم يجد أسوة الغرماء فذلك له" لأن ما وجده هو ماله بعينه.

"قال مالك: ومن اشترى سلعة من السلع غزلاً" صوف أو شعر أو وبر أو غيرها "غزلاً أو متاعاً أو بقعة من الأرض، ثم أحدث في ذلك المشتري عملاً، بنى البقعة داراً، أو نسج الغزل ثوباً، ثم أفلس الذي ابتاع ذلك"، أفلس، نسج الغزل ثوباً، وبنى البقعة داراً "ثم أفلس الذي ابتاع ذلك، فقال رب البقعة: أنا آخذ البقعة وما فيها من البنيان أن ذلك ليس له" لماذا؟ لأن المتاع ليس بعينه، تغيرت عينه.

"أن ذلك ليس له، ولكن تقوم البقعة وما فيها مما أصلح المشتري، ثم ينظر كم ثمن البقعة؟ " المؤلف قدرها بخمسمائة "وكم ثمن البنيان؟ " قدره بألف "من تلك القيمة، ثم يكونان شريكين في ذلك، لصاحب البقعة بقدر حصته، ويكون للغرماء بقدر حصة البنيان".

ص: 11

"قال مالك: وتفسير ذلك أن تكون قيمة ذلك كله ألف درهم وخمسمائة درهم، فتكون قيمة البقعة خمسمائة درهم، وقيمة البنيان ألف درهم، فيكون لصاحبه البقعة الثلث، ويكون للغرماء الثلثان" هذا ظاهر، أحياناً -وقد حصل- يكون لشخص بقعة أرض في مخطط، ويكون لآخر بقعة، فيشتبه على أحدهما هذه بهذه، فيبني أرض صاحبه، وقع خطأ، لما طبق المخطط وجد أن الأرض ليست له، بعد أن بناها وشيدها، ماذا نقول؟ هل نقول مثل رأي الإمام مالك تقوم البقعة ويقوم البنيان، أو تقوم البقعة ويحصل تبادل بينه وبين الآخر ببقعته؟ أو تباع عليه وتشترى منه بقعته؟ أما إذا تعمد وقصد أن يعمر بقعة غيره أرض غيره يقول: أعمر وإذا انتهينا من العمارة ما هو بـ (إن شاء الله) مخسرنا؛ لأنها قد تكون هذه البقعة متميزة، إما كونها على شارعين، أو شوارعها أفسح، أو أقرب إلى المسجد، المقصود أن لها ميزة وهو يرغب في هذه الميزة، فيقول: نعمر هذه الأرض ولا نختلف بعدين إن شاء الله، مثل هذا ليس لعرق ظالم حق؛ لأنه ظالم غاصب، هذا غاصب، أما بالنسبة إذا حصل منه هذا خطأ فالصلح.

لو قال صاحب الأرض: نقدر أنا مني الأرض وأنت منك العمار، هات فواتيرك كم كلفك العمار، وقيمة الأرض معروفة، ونكون شركاء في هذه العمارة، هل لمن عمرها أن يعترض؟ له أن يعترض؟ ليس له أن يعترض، لكن لو طلب الذي عمرها أن يقدر العمارة، وتقدر الأرض ويكون شريك لصاحب الأرض، وصاحب الأرض لا يريد، يلزم وإلا ما يلزم؟ لا يلزم؛ لأنه معتدٍ عليه.

"قال مالك: وكذلك الغزل وغيره مما أشبهه إذا دخله هذا، ولحق المشتري دين، لا وفاء له عنده، وهذا العمل فيه".

ص: 12

"قال مالك: فأما ما بيع من السلع التي لم يحدث فيها المبتاع شيئاً إلا أن تلك السلعة نفقت، وارتفع ثمنها، فصاحبها يرغب فيها، والغرماء يريدون إمساكها، فإن الغرماء يخيرون بين أن يعطوا رب السلعة الثمن الذي باعها به، ولا ينقصه شيئاً، وبين أن يسلموا إليه سلعته" الآن هذه زيادة في ثمن السلعة، هذه السلعة نفقت، ارتفع ثمنها، عشرة الكتب بدل من ألف ريال صارت تسوى ألفين، وله غرماء آخرون، قالوا: لا، نحن أحق بهذه السلعة، ندفع له الألف، إن رضوا أن يدفعوا له قيمة السلعة، يقول الإمام مالك:"فإن الغرماء يخيرون بين أن يعطوا رب السلعة الثمن الذي باعها به، ولا ينقصه شيئاً، وبين أن يسلموا إليه سلعته، وإن كانت السلعة قد نقص ثمنها فالذي باعها بالخيار" إذا كان الذي باعها صاحب السلعة الأول يريدها ولو نقصت الأمر لا يعدوه؛ لأنها عين متاعه الذي باعه "فالذي باعها بالخيار إن شاء أن يأخذ السلعة، ولا تباعة له في شيء من مال غريمه" يعني العشر النسخ بدل ما اشتراها بألف صارت تسوى خمسمائة، إذا قال البائع: أنا أقبل السلعة، أقبل العشرة النسخ بألف، هل يقال: لا، تغيرت السلعة؟ لا، هو أحق بها من غيره، لكن لا تباعة له، ما يقول: أنا أخذها بخمس وأطالبكم بالزيادة.

"ولا تباعة له في شيء من مال غريمه فذلك له، وإن شاء أن يكون غريماً من الغرماء يحاص بحقه ولا يأخذ سلعته فذلك له" إن أراد أن يكون أسوة الغرماء، يعني نزلت قيمة السلعة عشر نسخ بخمسمائة، وقال: أنا لا أريدها عن ألف، إنما تباع بخمسمائة، ويأتي نصيبي مثل غيري، بالمحاصة "فذلك له".

"وقال مالك فيمن اشترى جارية أو دابة فولدت عنده" هناك في الأول نماء متصل، وهنا نماء منفصل، فهل حكم المنفصل هو حكم المتصل أو يختلف؟

"قال مالك: فيمن اشترى جارية أو دابة فولدت عنده، ثم أفلس المشتري فإن الجارية أو الدابة وولدها للبائع إلا أن يرغب الغرماء في ذلك، فيعطونه حقاً كاملاً، ويمسكون ذلك" يعني مثلما تقدم في النماء المتصل، هذا هو المنفصل الأخير، والمتقدم هو المتصل، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

وهو معسر؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 13