المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ كتاب القسامة - شرح الموطأ - عبد الكريم الخضير - جـ ١٦٨

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌ كتاب القسامة

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح: الموطأ -‌

‌ كتاب القسامة

باب: تبدئة أهل الدم في القسامة - باب: من تجوز قسامته في العمد من ولاة الدم - باب: القسامة في قتل الخطأ - باب: الميراث في القسامة - باب: القسامة في العبيد.

الشيخ: عبد الكريم الخضير

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

أحسن الله إليك.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين والحاضرين يا حي يا قيوم.

قال المصنف -رحمه الله تعالى-:

كتاب: القسامة

باب: تبدئة أهل الدم في القسامة

حدثني يحيى عن مالك عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره رجالاً من كبراء قومه أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم، فأتي محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل، وطرح في فقير بئر، أو عين، فأتى يهود فقال: أنتم -والله- قتلتموه، فقالوا: والله ما قتلناه، فأقبل حتى قدم على قومه، فذكر ذلك لهم، ثم أقبل هو وأخوه حويصة -وهو أكبر منه- وعبد الرحمن، فذهب محيصة ليتكلم، وهو الذي كان بخيبر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:((كبر كبر)) يريد السن، فتكلم حويصة، ثم تكلم محيصة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إما أن يدوا صاحبكم، وإما أن يؤذنوا بحرب)) فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فكتبوا: إنا -والله- ما قتلناه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن:((أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ )) فقالوا: لا، قال:((أفتحلف لكم يهود؟ )) قالوا: ليسوا بمسلمين، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده، فبعث إليهم بمائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار.

قال سهل: لقد ركضتني منها ناقة حمراء.

قال مالك رحمه الله: الفقير هو البئر.

ص: 1

قال يحيى: عن مالك عن يحيى بن سعيد عن بُشير بن يسار أنه أخبره أن عبد الله بن سهل الأنصاري ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر، فتفرقا في حوائجهما، فقُتل عبد الله بن سهل، فقدم محيصة فأتى هو وأخوه حويصة وعبد الرحمن بن سهل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب عبد الرحمن ليتكلم لمكانه من أخيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((كبر كبر)) فتكلم حويصة ومحيصة فذكرا شأن عبد الله بن سهل، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أتحلفون خمسين يميناً وتستحقون دم صاحبكم أو قاتكلم؟ )) قالوا: يا رسول الله لم نشهد ولم نحضر، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:((فتبرئكم يهود بخمسين يميناً؟ )) فقالوا: يا رسول الله كيف نقبل أيمان قوم كفار؟!

قال يحيى بن سعيد: فزعم بُشير بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وداه من عنده.

قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا، والذي سمعت ممن أرضى في القسامة، والذي اجتمعت عليه الأئمة في القديم والحديث أن يبدأ بالأيمان المدعون في القسامة فيحلفون، وأن القسامة لا تجب إلا بأحد أمرين: إما أن يقول المقتول: دمي عند فلان أو يأتي ولاة الدم بلوث من بينة، وإن لم تكن قاطعة على الذي يدعى عليه الدم، فهذا يوجب القسامة لمدعي الدم على من أدعوه عليه، ولا تجب القسامة عندنا إلا بأحد هذين الوجهين.

قال مالك: وتلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا، والذي لم يزل عليه عمل الناس أن المُبَدّئين بالقسامة أهل الدم، والذين يدعونه في العمد والخطأ.

قال مالك: وقد بدّأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارثيين في قتل صاحبهم الذي قُتل بخيبر.

قال مالك: فإن حلف المدعون استحقوا دم صاحبهم، وقتلوا من حلفوا عليه، ولا يُقتل في القسامة إلا واحد، لا يقتل فيها اثنان، يحلف من ولاة الدم خمسون رجلاً خمسين يمنياً، فإن قل عددهم، أو نكل بعضهم ردت الأيمان عليهم، إلا أن ينكل أحد من ولاة المقتول ولاة الدم الذين يجوز لهم العفو عنه، فإن نكل أحد من أولئك فلا سبيل إلى الدم إذا نكل أحد منهم.

ص: 2

قال يحيى: قال مالك: وإنما ترد الأيمان على من بقي منهم إذا نكل أحد ممن لا يجوز لهم العفو عن الدم، فإن نكل أحد من ولاة الدم الذين يجوز لهم العفو عن الدم، وإن كان واحداً فإن الأيمان لا ترد على من بقي من ولاة الدم إذا نكل أحد منهم عن الأيمان، ولكن الأيمان إذا كان ذلك ترد على المدعى عليهم، فيحلف منهم خمسون رجلاً خمسين يمنياً، فإن لم يبلغوا خمسين رجلاً ردت الأيمان على من حلف منهم، فإن لم يوجد أحد يحلف إلا الذي أدعي عليه حلف هو خمسين يميناً وبرئ.

قال يحيى: قال مالك: وإنما فرق بين القسامة في الدم والأيمان في الحقوق أن الرجل إذا داين الرجل استثبت عليه في حقه، وأن الرجل إذا أراد قتل الرجل لم يقتله في جماعة من الناس، وإنما يلتمس الخلوة، قال: فلو لم تكن القسامة إلا فيما تثبت فيه البينة، ولو عمل فيها كما يعمل في الحقوق هلكت الدماء، واجترأ الناس عليها إذا عرفوا القضاء فيها، ولكن إنما جعلت القسامة إلى ولاة المقتول يُبَدّؤون بها فيها ليكف الناس عن القتل، وليحذر القاتل أن يؤخذ في مثل ذلك بقول المقتول.

قال يحيى: وقد قال مالك في القوم يكون لهم العدد يتهمون في الدم فيرد ولاة المقتول الأيمان عليهم، وهم نفر لهم عدد: إنه يحلف كل إنسان على نفسه خمسين يميناً، ولا تقطع الأيمان عليهم بقدر عددهم، ولا يبرؤون دون أن يحلف كل إنسان عن نفسه خمسين يميناً.

قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك.

قال: والقسامة تصير إلى عصبة المقتول، وهم ولاة الدم الذين يقسمون عليه، والذين يُقتل بقسامتهم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

كتاب: القسامة

ص: 3