المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما جاء في أكل اللحم - شرح الموطأ - عبد الكريم الخضير - جـ ١٧٢

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب ما جاء في أكل اللحم

شرح: الموطأ –‌

‌ كتاب الجامع (4)

‌باب ما جاء في أكل اللحم

- باب ما جاء في لبس الخاتم - باب ما جاء في نزع المعاليق والجرس من العنق - كتاب العين: (باب الوضوء من العين - باب الرقية من العين)

الشيخ: عبد الكريم الخضير

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام مالك -رحمه الله تعالى-:

باب ما جاء في أكل اللحم:

وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "إياكم واللحم، فإن له ضراوة كضراوة الخمر".

وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أدرك جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ومعه حمال لحم، فقال: ما هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين قرمنا إلى اللحم فاشتريت بدرهم لحماً، فقال عمر: أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه عن جاره أو ابن عمه أين تذهب عنكم هذه الآية {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} [(20) سورة الأحقاف]؟

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب ما جاء في أكل اللحم:

ص: 1

اللحم، من مأكول اللحم مما أباحه الله -جل وعلا-، في حيز الطيبات التي أبيحت، مما أحله الله -جل وعلا- لعباده، ومن اللحم ما حرمه الله -جل وعلا- على عباده، فما أباحه الله عليهم من بهيمة الأنعام، والطيور غير ذات المخالب، والحيوانات غير ذات الأنياب، وغير الحمر الإنسية التي جاء النص على تحريمها، وغير ذلك مما دل الدليل على حرمته، لا إشكال في أكله كبهيمة الأنعام، والدجاج والحمام، وما أشبه ذلك، والأصل مختلف فيه بين أهل العلم هل الأصل الإباحة أو الأصل الحظر بمعنى أنك إذا وقع في يدك لحم لا تدري ما أصله، حيوان لا تدري أهو مما أحله الله، أو مما حرمه الله عليك، كل على أصله، فمن يرى أن الأصل الإباحة يقول: كل، حتى يأتي دليل المنع، ومن كان أصله المنع يقول: لا تأكل حتى تقف على دليل الإباحة، ولا شك أن الثاني أحوط، لكن كل على أصله من أهل العلم، فمنهم من يقول: الحلال ما أحله الله، ومنهم من يقول: الحرام ما حرمه الله، والسامع لمثل هذا الكلام يقول: ما بينهم خلاف، مع أن الخلاف كبير، حلال ما أحله الله، فلا تأكل حتى تجد دليل الحل، فيكون حينئذٍ الأصل المنع، والثاني يقول: الحرام ما حرمه الله، فمعنى هذا أن تأكل إذا جهلت حتى يأتي دليل المنع، وعلى هذا يكون الأصل الإباحة، ولا شك أن الإنسان مطالب بأن يطيب المطعم ليكون مستجاب الدعوة.

ص: 2

ومقتضى ذلك أن يتورع عما فيه شبهة، فالأحرى والأجدر أن يتوقف المسلم ولا يدخل جوفه إلا ما يعرف حله، هذا الأحوط، وكل على مذهبه من أهل العلم، إذا عرفنا حل هذا اللحم، لحم الإبل أو الغنم أو البقر أو غيرها مما أباحه الله -جل وعلا-، نقول: هو من الطيبات، {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] فأكله مباح، هذا هو الأصل، لكن قد يكون هذا المباح إذا اعتاده الإنسان وعود جسمه عليه فإنه حينئذٍ لا يستطيع مفارقته، ولذا يقول جمع من سلف هذه الأمة: تركنا تسعة أعشار الحلال خشية أن نقع في الحرام؛ لأن النفس إذا تعودت على الشيء وقرمت عليه، وصار فيها شيء من الإدمان على شيء من الأشياء فإنه يصعب فطامها عنه، وقد لا يتيسر في كل وقت، فقد يحتاج إليه الإنسان فيبحث عنه عن طريق الحلال فلا يجد، قد يجده في طريقٍ ملتوٍ فيه شيء من الشبهة فيقدم عليه؛ لأن نفسه تتوق إليه، وتنازعه فيه، وقد يزيد توقانه وقرمه إليه، فيسعى للحصول إليه، ولو بطريق محرم، فهم يتركون الحلال خشية أن يقعوا في الحرام، والكلام في الشبهات معروف.

واللحم من الأشياء، مما أباحه الله -جل وعلا-، مما يكون له ضراوة، بمعنى أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بدونه، والآن وقد وسع الله على المسلمين -ولله الحمد والمنة- تجد البيت إذا لم يكن فيه لحم ما طبخوا لا غداء ولا عشاء، ويش نطبخ على ماء؟ عندهم كل شيء إلا اللحم، ما يمكن أن يقدم الطعام بدون لحم، وإذا جاء صاحب البيت من عمله، من دوامه، من تعليمه، من تجارته إلى البيت، وقال: أين الغداء؟ قالوا: والله ما عندنا شيء اليوم، إيش ما عندكم؟ ما عندكم رز؟ ما عندكم خضار؟ قالوا: لا، ما عندنا لحم، قد يمكن أن يقدم غداء بدون لحم ما يمكن، هذا شيء اعتاده الناس، اللحم له ضراوة، وعلى المسلم أن يعود نفسه على التكيف على مثل هذه الظروف؛ لأنه لا يمكن أن تستقيم له الحياة على حال، لا تتغير ولا تتبدل، فإذا تغيرت عنده الحال شق عليه ذلك مشقة عظيمة.

ص: 3

يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب قال: "إياكم واللحم" تحذير، يعني الإدمان عليه، وكثرة تناوله، نعم يؤكل، وهو حلال، وأكله النبي عليه الصلاة والسلام، وأباحه الله على لسان نبيه، وفي كتابه -جل وعلا-، ومع ذلك التعود عليه يولد عند الآكل شيء من الإدمان بحيث لا يستطيع تركه، يقول: "فإن له ضراوة كضراوة الخمر".

يعني مثل الإدمان، مثلما نظرنا وذكرنا أن الإنسان قد يحصل له النفي المطلق، ما عندنا شيء، وهم عندهم كل شيء إلا اللحم، ويش لون نوقد النار على ماء؟ ما كأن عندهم شيء يطبخ؛ لأن ما عندهم لحم، هذا تعوده، الناس مستحيل تجلس على مائدة بدون لحم في الظروف التي نعيشها، فعلى الإنسان أن يتكيف حسب الظروف، يستعد لظروف الشدة؛ لأن الدنيا لا تدوم على حال، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

إيه.

طالب:. . . . . . . . .

اللحم الممنوع فيه كثير، وإذا كان المذكى هو المباح مما أباحه الله -جل وعلا-، فغير المباح كثير، وغير المذكى كثير.

طالب:. . . . . . . . .

على كل حال.

طالب:. . . . . . . . .

ويش الفرق؟

طالب:. . . . . . . . .

ما عندك إلا سمك وإلا جراد.

طالب:. . . . . . . . .

ما عدا الذبائح السمك والجراد، والباقي كله لا بد.

طالب:. . . . . . . . .

إيه.

طالب:. . . . . . . . .

ويش أنا قلت؟ أنا قلت هذا كله.

طالب:. . . . . . . . .

لا، لا، منضبط، كلام أهل العلم منضبط يا أخي، منضبط ما فيه إشكال، كلامهم متسع.

على كل حال يقول: "فإن له ضراوة كضراوة الخمر" تجدون بعض الأطعمة وبعض المشروبات إذا اعتادها الإنسان لا يمكن أن ينفك عنها، تجد بعض الناس اعتاد شرب البيبسي مثلاً، أو غيره من المشروبات الغازية، لا يمكن أن يخلو منه سفراً ولا حضراً، الحوار تجد بعض الناس من يجعله في جيبه، لا يستطيع بدونه، المكسرات تجد بعض الناس ما يمكن لا سفر ولا حضر، ولا ليل ولا نهار يخلو جيبه من فصفص مثلاً، تعود على هذا، كل شيء له ضراوة، لكن اللحم فيه زيادة على ما ذكرنا.

ص: 4

يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب أدرك جابر بن عبد الله ومعه حمال لحم" حمال لحم يعني ما يحمله الحامل، يحمل بيده شيء من اللحم، وكان الناس يخفون اللحم عند حمله من محل بيعه إلى البيت لقلته، فتجدهم يخفونه عن الناس، هذا جابر رضي الله عنه معه حمال لحم، يعني ما يحمل، "فقال: ما هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين قرمنا إلى اللحم" يعني اشتدت شهوتنا إليه، اشتدت شهوتنا إلى اللحم، "فاشتريت بدرهم لحماً" يعني ما كان عندهم ما يحفظ به اللحم، لو اشترى أكثر من ذلك يفسد، فاشتريت بدرهم لحماً، اللهم إلا أن يقدد ويجفف، يحفظ بهذه الطريقة "فاشتريت بدرهم لحماً، فقال عمر: أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه عن جاره أو ابن عمه" نعم ليكون مثله في عدم شراء اللحم، كانت بطونهم خاوية لقلة ذات اليد في الصدر الأول، في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وأبي بكر، وأول خلافة عمر قبل أن تفتح الفتوح وتكثر، وتوسع الدنيا على الناس، كان النبي عليه الصلاة والسلام يربط الحجر على بطنه، بعض الناس لا يتصور معنى ربط الحجر على بطنه، يمشي الإنسان وببطنه حجر؟ ما يمكن، لا لا يمكن، يريدون بذلك أن يعتدل الظهر؛ لأن البطن إذا خلا انحنى الظهر، حتى قال القائل: كنا نظن أن الأرجل تحمل البطون، فوجدنا العكس، البطن هو الذي يحمل الأرجل؛ لأنه إذا فرغ البطن انحنى الظهر ثم برك خلاص؛ لأنه إذا انحنى الإنسان قرب من الأرض، كان سقوطه وجلوسه في الأرض أكثر، إذا انحنى الظهر، يعني نمثل بمثل هذا، ترون كثيراً من الأحوال لو مدينا شوي سقط على وجهه؟ نعم، لكن لو استقام يمكن يسقط؟ ما يمكن يسقط، يعني كلامهم كنا نظن أن الأرجل تحمل البطون، فإذا البطون تحمل الأرجل، ويش الكلام هذا؟ اللي يسمعه لأول مرة يقول: ويش هو؟ هذا الكلام ما هو بصحيح، ويش جاب البطون؟ يمشي على بطنه! لا، إذا وجد البطن استقام الظهر، وإذا استقام الظهر اعتدل المشي، وأمن السقوط، ولذا يربطون الحجارة على بطونهم، والحجارة ليست حجارة من النوع الثقيل، يوجد حجارة مثل اللوح يربطونها على البطن بحيث يستقيم.

ص: 5

"أو ابن عمه، أين تذهب عنكم هذه الآية {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} [(20) سورة الأحقاف] " يعني التوسع في أمور الدنيا لا شك أن له ضريبة، يعني الإنسان في مقابل ما يعمله من الأعمال الصالحة يستحق الأجر العظيم عند الله -جل وعلا-، وبقدر ما يعطى من النعم، منها ما هو مكافئة لهذا العمل الصالح

{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} [(20) سورة الأحقاف] ولذا جاء في الحديث الصحيح على ما تقدم: ((لتسألن عن هذا النعيم)) ويش هذا النعيم؟ أقراص شعير ولحم، وأخرجهم من بيوتهم الجوع، فكيف بمن يعيش هذه الحالة وهذه الحياة طيلة عمره، منذ ولد إلى أن مات؟! يعني جيلنا مثلاً لا أذكر أننا احتجنا شيئاً فلم نجده ولله الحمد، بينما الجيل الذي قبلنا يذكرون بعض الشيء، والله أعلم في المستقبل ماذا سيكون؟ لكن الإنسان عاش الآن خمسين ستين سبعين سنة ما احتاج، لا شك أن هذا النعيم له ضريبة، والشدة لها أيضاً ضريبة، تدخر الأعمال الصالحة كاملة، يعني ما يستعجل شيئاً من حياته، ولذا يقول الصحابي في مصعب بن عمير، ماذا يقول؟ هاه؟

طالب:. . . . . . . . .

إيه نبي من أول الحديث، من أول الحديث، معروف وإلا ما هو بمعروف؟

طالب:. . . . . . . . .

لا ما ينفع، اللي ما هو محفوظ ما هو معروف.

ص: 6