الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول الصحابي -رضي الله تعالى عنه-: "إننا عشنا في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، ودخلنا في الإسلام على شيء من الشدة، فأينعت هذه الدنيا لنا، فصرنا نهدبها، يعني نقطفها، فمنا من مات ولم يستوف من حقه شيئاً، مصعب بن عمير مات ولديه قطعة كُفن فيها إن غطي بها رأسه بدت رجلاه، وإن غطيت رجلاه بدا رأسه، هؤلاء ما استوفوا من دنياهم شيء، وادخر ووفر لهم الأجر كامل يوم القيامة، لكن من اقتصر على المباحات الطيبات التي أحلها الله له -جل وعلا-، لا شك أن من صبر على الشدائد أفضل بخلاف من استوفى شيئاً من حقه بدنياه، لكن يبقى أن من لم يتعد الحلال ولم يتجاوزه هذا على خير -إن شاء الله تعالى-، لا سيما إذا شكر هذه النعم، والخلاف بين أهل العلم في الفقير الصابر والغني الشاكر معروف عند أهل العلم، منهم من يرجح الغني الشاكر لحديث:((ذهب أهل الدثور بالأجور)) لأن النبي عليه الصلاة والسلام أرشدهم إلى الذكر، فسمع الأغنياء هذا التوجيه فصاروا يذكرون الله -جل وعلا-، إضافة إلى ما يتصدقون به من هذه الدثور، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:((ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)) وفضل الشاكر على الصابر بهذا، ومنهم من يقول: الصابر أفضل، وقد جاء في مدح الفقر نصوص، منها أن الفقير يدخل الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، أو بمائة وعشرين عام، وفي رواية: بأربعين عاماً، وكلها مصححة عند أهل العلم، والجمع بينها أن الفقر والغنى أمور نسبية، فبين أفقر الناس وأغنى الناس كم؟ خمسمائة، فمن دون الأغنى ومن دون الأفقر بينهما مائة وعشرين وهكذا.
شيخ الإسلام يرى أن مثل هذه الأوصاف العارضة لا يفضل بها، وإنما التمايز والتفاضل إنما هو بالتقوى، إن كان الغني الشاكر أتقى لله -جل وعلا- من الفقير الصابر فهو أفضل، وإن كان الفقير الصابر أتقى لله -جل وعلا-، وأخشى له من الغني الشاكر كان أفضل، نعم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في لبس الخاتم:
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس خاتماً من ذهب، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فنبذه، وقال:((لا ألبسه أبداً)) قال: فنبذ الناس بخواتيمهم.
وحدثني عن مالك عن صدقة بن يسار أنه قال: سألت سعيد بن المسيب عن لبس الخاتم فقال: البسه، وأخبر الناس أني أفتيتك بذلك.
يقول:
باب ما جاء في لبس الخاتم:
الخاتم فيه لغات كثيرة، يعني حدود عشر لغات ذكرها العلماء، واستوفاها الحافظ ابن حجر رحمه الله، وهو ما يوضع في الأصبع، أصبع اليد، وموضعه أصبع اليد اليمنى الخنصر أو البنصر، كما جاء في الأحاديث الصحيحة.
قال: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس خاتماً من ذهب" كان النبي عليه الصلاة والسلام في أول الأمر لا يلبس الخاتم، حتى قيل له: إن فارس لا يقرؤون الكتاب إلا مختوماً فاتخذ الخاتم، اتخذ خاتماً، كان يلبس خاتماً من ذهب "ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فنبذه" لأنه إنما يلبسه من لا خلاق له، حرام على ذكور هذه الأمة حل لإناثها، "فنبذه" يعني طرحه وألقاه "وقال:((لا ألبسه أبداً)) قال: فنبذ الناس بخواتيمهم" ابتداءً به عليه الصلاة والسلام، فنبذوها ولم يأخذوها ولم يبيعوها، ولم يستفيدوا من قيمتها، لماذا؟ لأنها شيء تركوه لله -جل وعلا-، فلا يرجعون فيه، وإن كان الإنسان إذا كان عنده شيء من المحرمات مما يستفاد منه على غير هذا الوجه فبلغه الحكم له أن يبيعه، شخص كان يلبس الخاتم من ذهب ثم تاب، ماذا يقال له؟ لو باعه ما عليه شيء، لكن لو نبذه وألقاه وتركه لله -جل وعلا- وتصدق به كان أفضل وأكمل.
النبي عليه الصلاة والسلام لم يلبس الخاتم إلا بعد أن قيل له: إن فارساً لا يقرؤون الكتاب إلا إذا كان مختوماً، أخذ منه بعض أهل العلم أن الخاتم لا يشرع مطلقاً إلا لمن احتاجه، الذي احتاجه لتوثيق عقوده لا بأس أو خطاباته ومراسلاته من أمير وقاضي وشخص من أهل التجارة له معاملات واسعة، يخشى أن يزور عليه هذا محتاج يلبس الخاتم، أما من عداه فلا؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يتخذه إلا لهذا الغرض، ومنهم من يقول: إنه سنة مطلقاً كما سيأتي في كلام سعيد، وهو قول جمع من أهل العلم، ومنهم من يرى أنه شيء من العادات لا يلبس تعبداً، فإن كان جرى العرف في بلده، وأهل قريته أنهم يلبسون يلبس وإلا فلا؛ لئلا يكون شهرة بين الناس.
"فنبذ الناس خواتيمهم".
قال: "وحدثني عن مالك عن صدقة بن يسار أنه قال: سألت سعيد بن المسيب عن لبس الخاتم فقال: البسه، وأخبر الناس أني أفتيتك بذلك" يعني أحياناً يوجد في بعض الظروف، في بعض الأوقات، في بعض البلدان يكون هذا الأمر الذي هو في أصله له أصل شرعي يكون سمة وعلامة على فئة من الناس ليست هي خيار الناس، مثل تربية الشعر، تجد الشباب الذين يربون الشعر في الغالب أمورهم غير مستقيمة، وأحوالهم غير مستقيمة، وإذا سئل، قال: والله النبي عليه الصلاة والسلام يربي الشعر، لكن أنت تقتدي بالنبي عليه الصلاة والسلام وثوبك مسبل، ولحيتك محلوقة، وتقول: أقتدي بالنبي عليه الصلاة والسلام، هذه القرائن تدل على كذبك، وأنك ما اقتديت بالنبي عليه الصلاة والسلام وإنما اقتديت بفلان أو علان من المخالفين.
والخاتم من هذا النوع، قد تجد أحياناً الخاتم يلبسه من لا خلاق له، ويصير شعاراً عليهم، ويبقى أن الحكم الشرعي لا يتغير، لكن إذا كان علامة ودلالة على نوع من الجيل ليسوا هم خيار الناس، ولم يتخذوه اقتداءً بالنبي عليه الصلاة والسلام، ولا عملاً بسنته تجده يلبس تقليداً لفلان أو علان ممن لا ترضى سيرته، فيحذر منه، فتجد التحذير منه أحياناً.