المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب جامع ما جاء في أهل القدر: - شرح الموطأ - عبد الكريم الخضير - جـ ١٨٤

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب جامع ما جاء في أهل القدر:

قال: "وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك أنه قال: كنت أسير مع عمر بن عبد العزيز فقال: ما رأيك في هؤلاء القدرية؟ " القدرية: الغلاة في نفي القدر ما رأيك فيهم؟ لا شك أنهم إذا نفوا العلم كفروا بلا شك بإجماع، فهم كفار إذا نفوا العلم "فقلت: رأيي أن تستتيبهم" يعني تقام عليهم الحجة ويستتابوا، تطلب منهم التوبة، وأن يرجعوا عن هذا القول "فإن تابوا وإلا عرضتهم على السيف" فإما أن يتوبوا، ويرجعوا عن هذا الضلال وإلا يقتلون؛ لأنهم مرتدون "فقال عمر بن عبد العزيز: "وذلك رأيي" يعني عمر بن عبد العزيز وافق أبي سهيل بن مالك عم الإمام مالك بن أنس "قال مالك: وذلك رأيي" وافق عمه، ووافق الخليفة الراشد الزاهد عمر بن عبد العزيز، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

ما هو باسم لأنه ليس مرفوع، اللهم إلا أن يقال: إن هذا مما لا يقال بالرأي، ما يمكن أن يقوله عبد الله بن الزبير برأيه، فله حكم الرفع، يعني مثلما قالت أم سلمة: فعزم الله لي فقلته، الذين احتجوا بإثبات صفة العزم اعتمدوا على كلام أم سلمة قالوا: هو موقوف، وأجيب عن ذلك بأنه لا يمكن أن يقال من قبل الرأي، نعم.

أحسن الله إليك.

‌باب جامع ما جاء في أهل القدر:

وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، ولتنكح فإنما لها ما قدر لها)).

وحدثني عن مالك عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: قال معاوية بن أبي سفيان -رضي الله تعالى عنهما- وهو على المنبر: "أيها الناس إنه لا مانع لما أعطى الله، ولا معطي لما منع الله، ولا ينفع ذا الجد منه الجد، من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين".

ثم قال معاوية -رضي الله تعالى عنه-: "سمعت هؤلاء الكلمات من رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الأعواد".

وحدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أنه كان يقول: الحمد لله الذي خلق كل شيء كما ينبغي، الذي لا يعجل شيء أناه وقدره، حسبي الله وكفى، سمع الله لمن دعا، ليس وراء الله مرمى.

وحدثني عن مالك أنه بلغه أنه كان يقال: إن أحداً لن يموت حتى يستكمل رزقه فأجملوا في الطلب.

ص: 18

يقول -رحمه الله تعالى-:

باب جامع ما جاء في أهل القدر:

ما جاء في أهل القدر، ثم ذكر حديث أبي هريرة في نهي المرأة أن تسأل طلاق ضرتها، فالمرأة التي تسأل طلاق ضرتها من أهل القدر، لماذا؟ لأنها توهمت أن هذه الضرة تأخذ شيئاً مما كتب الله لها.

ص: 19

قال: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، ولتنكح فإنما لها ما قدر لها)) " هذه المرأة التي لها ضرة، امرأتان تحت رجل واحد، أو ثلاث قالت واحدة منهما: طلق فلانة، طيب لماذا؟ قالت: هي الآن آخذة نصف نصيبي، فقد يخيل لها أنها قد أخذت نصف ما كتب الله لها، كانت عنده امرأة واحدة إذا جاء بالراتب كاملاً سلمه لها، أو نفقة البيت كاملة ثم جاءت أخرى والراتب لا يستوعب بيتين، فأخذ منه شيء للبيت الثاني، فيخيل إليها أنها أخذت شيئاً مما كتب لها، هي لن تأخذ شيئاً مما كتب لها، أبداً، لن تأخذ شيئاً مما كتب لها، إنما تأخذ ما كتب لها كاملاً، ولن تموت حتى تستكمل رزقها، يعني ما أخذته الثانية ليس على حساب الأولى، يعني ليس على حساب ما قدر وكتب للأولى، قد يكون في ظاهر الأمر الإنسان يتصور أن الراتب مثلاً ثلاثة آلاف، وكاف للبيت يعني مع الاقتصاد والتدبير، فتزوج امرأة ثانية فاحتاجت إلى ألف هذه الجديدة من هذه الثلاثة فقصر في نفقة البيت الأول، وما يدريكِ أنه لو لم يتزوج لابتلي أو ابتليتِ بمرض يأخذ هذا المبلغ أو أكثر منه؟ فلن تكون هذه على حسابك، ولذا قال:((لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، ولتنكح فإنما لها ما قدر لها)) يعني المرأة حينما تقبل أو تُخطب من قبل معدد عنده امرأة أو امرأتين أو ثلاث تقول: لن أوافق على ربع زوج، تحتاج إلى زوج كامل، والواقع قد يكون ربع هذا أفضل من زوج كامل قد ضيق عليه في معيشته، أو ضيق عليه في خلقه، أو أقل في مزايا أخرى، وهذا واضح، ليس هذا يعني مصادمة لرغبات الناس، أو لما جبلوا عليه من الغيرة، لا، لكن هذا تقرير شرعي ((إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه)) من غير نظر إلى اعتبارات أخرى، لكن إذا قالت المرأة: أنها لا تريد ضرة، عندها غيرة قد توقعها في المحرمات، بسبب غيرتها الأمر إليها، يعني لا أحد يكرهها، ولا أحد يلزمها، إذا اعترفت بشرع الله، وأن هذا شرع، وأنه لا يمكن أن يعترض عليه، لكن ظروفها النفسية، أو ظروفها .. ، المسألة مسألة عرض وطلب، فعلى كل حال هذا أمر شرعي فلا يجوز للمرأة

ص: 20

أن تطلب طلاق ضرتها، وإذا تصورت أن هذه الضرة قد تأخذ شيئاً مما كتبه الله لها، فهو تصور باطل، وصارت من أهل القدر، فلن يستطيع أحد أن يأخذ شيئاً مما كتب لغيره أبداً.

ثم قال: "وحدثني عن مالك عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: قال معاوية بن أبي سفيان -رضي الله تعالى عنه - وهو على المنبر -يعني منبر المدينة-: "أيها الناس إنه لا مانع لما أعطى الله، ولا معطي لما منع" في الحديث:((اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت)) بعض الروايات: ((ولا راد لما قضيت)) "ولا ينفع ذا الجد" الحظ والنصيب، هذا لا ينفعه من الله -جل وعلا- لا حظه ولا نصيبه، "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" يعني يفهمه ما جاء عن الله وعن رسوله في جميع أبواب الدين.

ثم قال معاوية: "سمعت هؤلاء الكلمات من رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الأعواد" يعني على هذا المنبر، في منبر المدينة.

ص: 21

قال: "وحدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أنه يقال: الحمد لله الذي خلق كل شيء كما ينبغي" خلق كل شيء كما ينبغي يعني أحسن خلقه "على ما أراده الله -جل وعلا-" فخلق الله كله على ما أراد، وكله حسن، لكن الحسن نسبي، الحسن لبني آدم شيء، والحسن للطيور شيء، والحسن لكل فصيلة شيء، فخلق الله كله حسن، {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ} [(7) سورة السجدة] فكل نوع أو كل جنس أو كل فصيلة من نوع حسنها مناسب لها "الذي لا يعجل شيء أناه وقدره" يعني قدر تأخره، لا يمكن أن يعجل، يعني أنت قدر لك أن تولد في اليوم الفلاني لا يمكن أن تولد قبله بلحظة، في الساعة الفلانية، قدر لك أن تموت في اللحظة الفلانية لا يمكن أن تموت قبلها، "الذي لا يعجل شيء أناه" يعني أخره، وقدره متأخراً لا يمكن أن يعجل عن وقته، ولذا فالدعاء بمثل .. ، دعاء الإنسان أنه .. ، أو تمنيه أنه لم يوجد في هذا الوقت، إما قبله أو بعده هذا لا قيمة له، نعم يحب الخير لنفسه، ويحب أن لو وجد في عصر النبي عليه الصلاة والسلام لينصره، لكنه لا يعترض على ما قدر الله له، وما يدريك أنك قد توجد في عصر النبي عليه الصلاة والسلام وتكون من المنافقين؟ ما تدري أنت، على الإنسان أن يرضى بما كتب له، وأن يجزم أنه لا يستطيع أن يتقدم ولا يتأخر لا في الولادة ولا في الوفاة، ولا في المجيء ولا في الذهاب، ولو كان محل لو وجد صاحب محل تجاري تأخر في يوم من الأيام أخذه النوم، وما خرج إلى المحل إلا في التاسعة صباحاً، والعادة أنه يخرج في السابعة، فقيل له: فاتك، جيء بالبضاعة الفلانية وبيعت، وتقاسمها الناس، وتقاسموا أرباحها، يعني هل يستطيع أن يغير من الواقع شيء؟ أراد الله -جل وعلا- تأخرك، فلا يمكن أن تستقدم ولا تتأخر عن هذا الوقت.

"الذي لا يعجل شيء أناه، وقدره، حسبي الله وكفى" يعني كفاني في جميع أموري، والحاسب هو الكافي، حسبنا الله ونعم الوكيل، هذه خير ما يقال في الشدائد، قالها إبراهيم حينما ألقي في النار، وقالها محمد عليه الصلاة والسلام حينما قيل له: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم.

ص: 22

"سمع الله لمن دعا" يعني أجاب دعاء من دعاه، فيه إثبات السمع لله -جل وعلا-؛ لأن الإجابة من لازم السمع، الذي لا يسمع لا يمكن أن يجيب، وهذا أمر لا يختلف فيه أحد، خلافاً لمن منفى صفة السمع عن الله -جل وعلا- ادعاءاً وزعماً أنها مشابهة للمخلوق، لكن ما ثبت عن الله وعن رسوله فيما يتعلق بالله من أسماء وصفات لا بد من إثباتها كما جاءت، وهذا مذهب أئمة الإسلام قاطبة.

"سمع الله لمن دعا، ليس وراء الله مرمى" يعني ليست هناك غاية تطلب وراء الله -جل وعلا-، قد تطلب من دونه من الأسباب، لكن الغاية هو الله -جل وعلا-، والأسباب لا قيمة لها إذا لم يقدر لك ما أنت بصدد طلبه، أسباب نعم نافعة لكنها لا تستقل بالنفع، فالغاية والمرمى هو الله -جل وعلا-.

قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أنه كان يقال: إنه بلغه أنه كان يقال" هذا منقطع "إن أحداً لن يموت حتى يستكمل رزقه" وجاء فيه الحديث المرفوع عن جابر: ((لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها)) "فأجملوا في الطلب" يعني طلب الرزق، وطلب ما يرضي الرب -جل وعلا-، وما تكتسب به الحسنات، أجملوا، سددوا وقاربوا، وأجملوا في طلب ما ينفعكم من رزق الدنيا، وما يوصلكم إلى جنات النعيم في الآخرة، من غير إفراط ولا تفريط في الأمرين، على أن الهدف الأصلي، المطلوب الأسمى والأسنى هو ما يرضي الله -جل وعلا-؛ لأنه إنما خلق لتحقيق العبودية {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] هذا هو الهدف، وأما تحصيل أمر الدنيا فإنما هو من أجل تحقيق هذا الهدف، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 23