المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: العمل في غسل الشهيد - شرح الموطأ - عبد الكريم الخضير - جـ ٩٣

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: العمل في غسل الشهيد

"الجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث شاء، فالجبان يفر عن أبيه وأمه" يتعرض أبوه وأمه للخطر ويفر منهما، ولا يدافع عنهما، يحترق المنزل وأمه وأبوه بأمس الحاجة إليه فيهرب ويتركهم، وبإمكانه أن يسعفهم أو ينقذهم هذا جبان "فالجبان يفر عن أبيه وأمه، والجريء يقاتل عما لا يئوب به إلى رحله" عما لا يستفيد منه، الجريء يقاتل عما لا يئوب يعني لا يرجع به إلى رحله، لا يستفيد منه ألبتة، وإنما قد يستفيد منه غيره، وقد لا يستفيد منه أحد، والجريء يقاتل عما لا يئوب به إلى رحله، ولا شك أن الجرأة ممدوحة، والشجاعة ممدوحة ما لم تتعدَ الحد المشروع، كما أن جميع الخصال لها طرفا نقيض، والخير في الوسط.

"والقتل حتف من الحتوف" يعني سبب من أسباب الموت، نوع ولون من ألوان الموت:

من لم يمت بالسيف مات بغيره

تنوعت الأسباب والموت واحد

"والقتل حتف من الحتوف" يعني مما يتداوله الناس، قالوا: فلان قتل، قالوا: ما يعرض نفسه للقتل، قالوا: فلان سقط من شاهق، قال: لا يصعد شاهق، تردى في بئر قال: لا يقرب من بئر، وهكذا إلى آخره، ثم قالوا: فلان مات على فراشه، هذا ماذا يصنع؟ نعم؟ لا مفر ولا محيد {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [(49) سورة يونس].

"والشهيد من احتسب نفسه على الله" يعني نذر نفسه لله خدمة لدينه، سواءً كان بسنانه أو بلسانه أو ببدنه أو بماله "مخلصاً في ذلك لله -جل وعلا-"، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

هو يولد على الفطرة، ويولد على ما تقتضيه الفطرة وهو الوسط، يولد متوسط، فإما أن تكون المؤثرات تزيده من جانب الشجاعة أو تزيده من جانب الجبن، نعم.

أحسن الله إليك.

‌باب: العمل في غسل الشهيد

حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه غسل وكفن وصلي عليه، وكان شهيداً يرحمه الله.

وحدثني عن مالك أنه بلغه عن أهل العلم أنهم كانوا يقولون: الشهداء في سبيل الله لا يغسلون، ولا يصلى على أحد منهم، وإنهم يدفنون في الثياب التي قتلوا فيها.

قال يحيى: قال مالك رحمه الله: وتلك السنة فيمن قتل في المعترك فلم يدرك حتى مات.

ص: 3

قال: وأما من حمل منهم فعاش ما شاء الله بعد ذلك فإنه يغسل ويصلى عليه كما عمل بعمر بن الخطاب رضي الله عنه.

يقول -رحمه الله تعالى-:

باب: العمل في غسل الشهيد

في غسل الشهيد ذكرنا في درس مضى أن الشهداء منهم من تثبت له الأحكام كلها في الدنيا والآخرة، ومنهم من تثبت له أحكام الدنيا دون الآخرة، ومنهم العكس.

عمر رضي الله عنه شهيد، قتل شهيداً، ومع ذلك غسل وكفن وصلي عليه، فأحكام الدنيا لا تثبت لمثل عمر، وإن ثبتت له الشهادة في الآخرة، لماذا؟ لأنه عاش بعد طعنه، عاش فإذا عاش المقتول فإنه حينئذٍ لا يعامل في الدنيا معاملة الشهيد، ومنهم من يقول: إن القتل وإن كان شهادة في مثل الصورة التي قتل فيها عمر إلا أن المراد بالشهيد الذي جاءت به النصوص وأن له أحكام في الدنيا تخصه إنما هو من قتل في سبيل الله، في ساحة القتال، والقتال يبدأ من خروجه من منزله إلى دخوله إليه، فذهابه جهاد، ورجوعه جهاد.

قال: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب غسل وكفن وصلي عليه، وكان شهيداً يرحمه الله".

قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه عن أهل العلم أنهم كانوا يقولون: الشهداء في سبيل الله لا يغسلون، ولا يصلى على أحد منهم، وإنهم يدفنون في ثيابهم التي قتلوا فيها" هذه أحكام الشهيد في الدنيا، لا يغسلون، كما فعل بشهداء أحد، لا يغسلون ولا يصلى على أحد منهم، قد يقول قائل: حنظلة يقال له: الغسيل، غسلته الملائكة وهو شهيد، لماذا؟ لأنه كان جنباً.

"ولا يصلى على أحد منهم" النبي عليه الصلاة والسلام ثبت في الحديث الصحيح أنه في آخر حياته صلى على شهداء أحد بعد ثمان سنين، صلى عليهم كالمودع لهم، فمن يقول بأن الشهيد يصلى عليه، قال: النبي عليه الصلاة والسلام صلى على شهداء أحد وهذا ناسخ، ومنهم من يقول: لا يصلى عليه مطلقاً، وعدم الصلاة عليه محكم، يقول: إن الصلاة على شهداء أحد إنما هي صلاة لغوية مرهم ودعا لهم.

"ولا يصلى على أحد منهم، وإنهم يدفنون في ثيابهم التي قتلوا فيها" المحرم إذا مات وهو محرم يكفن في ثوبيه، والشهيد إذا مات وأثر الشهادة على ثيابه يدفن فيها.

ص: 4

"قال مالك: وتلك السنة فيمن قتل في المعترك" يعني في المعركة "فلم يدرك حتى مات" أما إذا أدرك ومكث مدة يعالج فيها ولو مات بعد ذلك فإنه لا يأخذ حكم الشهيد في الدنيا، وإن كان عند الله شهيداً، على ما قرره أهل العلم؛ لأنه مات بسبب المعركة.

قال: "وأما من حمل منهم فعاش ما شاء الله بعد ذلك فإنه يغسل ويصلى عليه كما عمل بعمر بن الخطاب" يعني لو أن شخصاً قتل في بيته، أو قتل في مسجد مثلاً وهو يصلي بالناس، كما فعل عمر ومات فوراً، يعني مفهوم كلام الإمام أنه لو مات عمر مات فوراً ما أدرك لما غسل ولا صلى عليه ولا

، ودفن في ثيابه؛ لأنه قال:"وأما من حمل منهم فعاش ما شاء الله بعد ذلك فإنه يغسل ويصلى عليه كما عمل بعمر بن الخطاب" لكن لو أن أحداً قتل في المحراب كما صنع بعمر رضي الله عنه، نعم عمر حياته كلها جهاد، لكن هناك جهاد تثبت له الأحكام الذي هو قتال العدو، والمسلم في حياته كلها جهاد، نقول: يستحق نصيب في سبيل الله المنصوص عليه في آية الزكاة؟ وإن كانت حياته كلها جهاد بالمعنى العام، لكن المراد به في هذه الأبواب بمعناه الخاص وهو قتال الأعداء؛ لأن مفهوم كلامه:"وأما من حمل منهم فعاش ما شاء الله بعد ذلك فإنه يغسل ويصلى عليه كما عمل بعمر" مفهومه أنه لو أن عمر مات فوراً في محرابه لما غسل ولا صلي عليه، وكفن في ثيابه، لكن من قال بهذا من أهل العلم؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

كما عمل بعمر بن الخطاب، هنا في أول الباب يقول: إن عمر غسل أو كفن وصلي عليه، وكان شهيداً يرحمه الله، لماذا؟ نعم لأنه عاش بعد ذلك، منصوص عليه في آخر الباب، ومفهومه أنه لو لم يعش لما غسل ولما كفن ولا ما صلي عليه، هذا مفهومه، لكن هل يوافق الإمام على هذا؟ أو أن المقتول مهما بلغ في المنزلة في الإسلام والدفاع عن الإسلام والجهاد في سبيل الله غير قتال العدو، غير قتال المعركة، قد تثبت له ما عند الله، لا يحد، قد يثبت له أكثر مما يثبت للشهداء، لكن مع ذلك أحكامه في الدنيا تختلف عن أحكام الشهداء؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

لكن هذا ليس بمعركة مهما كان.

طالب:. . . . . . . . .

المقصود أنه عاش حياة مستقرة.

طالب:. . . . . . . . .

ص: 5