المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: ما جاء في الخطبة - شرح الموطأ - عبد الكريم الخضير - جـ ٩٤

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: ما جاء في الخطبة

وشيخ الإسلام يوفق بين هذه النصوص ويجمع هذه الآراء بقوله: إن النكاح المأمور به لا يصدق على واحد منها، إنما يصدق بهما مجتمعين، المأمور به، ففي قوله:((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء} [(3) سورة النساء] هذا لا يتحقق بمجرد العقد، لا يتم الامتثال بمجرد العقد، يعني يعقد ويطلق ويقول: الحمد لله أنا برأت ذمتي من هذا الأمر، لا، لا بد أن يعقد، وأن يطأ، فالنكاح المأمور به لا يتحقق إلا بالأمرين، والنكاح المنهي عنه في سياق النهي يصدق على العقد وحده، وعلى الوطء وحده، {وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم} [(22) سورة النساء] لا يجوز أن يعقد عليها فقط، ولا يجوز أن يطأها فقط، ومن باب أولى أن لا يجمع بينهما.

يقول -رحمه الله تعالى-:

‌باب: ما جاء في الخطبة

الخطبة: هي طلب نكاح المرأة من وليها، هذه هي الخطبة، أن يتقدم الراغب في النكاح إلى ولي امرأة تناسبه فيطلبها من وليها ليتزوجها على سنة الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.

قال: "حدثني يحيى عن مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)) " الفعل خطب يخطب في البابين، في الخطب الكلامية، وفي طلب النكاح، الفعل واحد، لكن المصدر فرقوا بين الكلام وبين الرغبة في النكاح وطلبه، فقالوا بالكلام: خُطبة، وقالوا في النكاح: خِطبة للتفريق بينهم.

((لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)) هذا نهي، وفي الذي يليه.

ص: 3

"عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)) " والحديثان في البخاري، كلاهما مخرج في البخاري، وتفسير الخبرين عند الإمام مالك منصب ومنصرف على ما إذا تم الاتفاق وحدد المهر، تم الاتفاق، وركن إلى الخاطب، وحدد المهر والصداق، فيأتي شخص يتقدم لخطبتها، وعنده من الأوصاف أو الأحوال ما يجعله يقدم على الخاطب الأول، بأن يكون أجمل أو أصغر سناً أو أكثر تجارة، أو حتى أكثر ديانة، كل هذا لا يجوز له أن يتقدم، ولو كان أفضل وأكفأ من الذي تقدم الأول، ما دام الأول لا يجوز رده، ولو كان مفضولاً بالنسبة للخاطب الثاني، فلا يقول: والله أنا أولى بهذه المرأة الدينة الصينة العالمة العابدة من ذاك، يخشى عليها أن تضيع إذا تزوجت به، وأنا سبب لحفظها، ومتابعة علمها وعملها، لا يجوز له ذلك ولو غلب على ظنه ذلك؛ لأن هذا تعدي على حق أخيه المسلم، وهذا مما يورث البغضاء والشحناء بين المسلمين، وأيضاً فيه تزكية للنفس، وما يدريك أنك تكون سبباً لانحرافها ثم تنحرف أنت، والقلوب بيد الله -جل وعلا-، فإذا ركن إلى الشخص ومالوا إليه لا يجوز التقدم على خطبة من خطبها، ومنهم من يقول: إنه بمجرد الخطبة، ولو لم يترجح شيء، ما دام الشخص تقدم لا يجوز أن يتقدم غيره، حتى يرد رداً صريحاً، وهذا هو المناسب للفظ الحديث ولمعناه أيضاً، بمجرد ما يتقدم زيد إلى هذه الأسرة يخطب منها لا يجوز أن يتقدم غيره حتى يرد رداً صريحاً.

ص: 4

قد يقول قائل: والله هذا الشخص لا يناسب هذه المرأة، وليس من المصلحة أن تقترن به، وأنا أذهب إليهم من باب المشورة من أجل أن يردوه، ثم بعد ذلك يتقدم لخطبتها إذا ردوه، المسألة مسألة ديانة، انظر إن كنت ناصحاً بالفعل إن كان لا يصلح، لكن من الورع أن لا تتقدم لخطبتها، فالحديث وما جاء في معناه في هذا الباب وفي غيره من الأبواب نهى عن البيع على بيع أخيه، ونهى عن السوم على سوم أخيه، والخطبة على خطبته، كل هذا من أجل الصفاء والود والمحبة بين أفراد المجتمع المسلم، ولا شك أن هذه من أعظم ما يوغر الصدور لا سيما في باب النكاح، يعني سائر السلع تهون عند هذا الباب، فإذا ركن إلى المرأة واقتنع بها ورآها، وتقدم لخطبتها، ووقعت في قلبه؛ لأن المسألة تقع في القلب من كثرة الترداد، ترداد الشيء في النفس، يعني لو أنه بمجرد ما قيل له في مجلس مثلاً: إن فلاناً عنده بنت تناسبك، ثم قال واحد في المجلس: ويش رأيك تتنازل لي عنها؟ أنا أرغب في هذه الأسرة، أمر سهل يعني تتنازل بسرعة، بسهولة يتنازل، لكن لما تذكر له، وتمدح له، وتتردد في خاطره وذهنه، ويتحدث بها في المجالس، ويتحدث بها إليه، خلاص صعب التنازل جداً، إلا من شخص يملك نفسه ملكاً، ويقهرها على الفضيلة.

ص: 5

هنا يقول الإمام مالك: "وتفسير قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما نرى" يعني فيما نظن، وفيما يغلب على الظن "والله أعلم لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه" تميل إليه، "ويتفقان على صداق واحد معلوم" معناه أنه أجيب بصريح العبارة، أو بالقرينة القوية القريبة من الصريحة، ما دام حددوا الصداق فالمعنى أنهم وافقوا، جميع الأطراف وافقت على صداق "وقد تراضيا، فهي تشترط عليه لنفسها" الآن حدد الصداق، ركنت إليه، وحدد الصداق، ثم قالت للخاطب هذا الذي اتفقت معه على هذا الصداق قالت: أنا أشترط أن لا تخرجني من بلدي، أو لا تتزوج علي، أو أكمل الدراسة، أو أعمل بعد التخرج، في هذه المدة فيه ركون، وفيه تحديد للصداق، لكن أيضاً العقد الإيجاب والقبول ما تم، ما تم الإيجاب والقبول باعتبار وجود الشرط يوافق أو لا يوافق؟ في هذه المدة لا يجوز عند الإمام مالك، لكن يجوز فيما قبله، يعني لو ركنوا إليه ولا حدد الصداق، يجوز عندهم، لكن لفظ الحديث يشمل جميع ما يخدش في نفسية المتقدم الأول؛ لأن المعنى الذي من أجله منع هو المحافظة على سلامة القلوب بين أفراد المجتمع المسلم، وكونه يتقدم ولا يدرى هل يعطى أو يرد، إذا تقدم أحد بين يديه هذا لا شك أنه يؤثر عليه، قد يقول قائل: إنه يؤثر عليه ولو رد رداً صراحاً؛ لأن بعض الناس إذا خطب امرأة ثم ردوه رداً صريحاً قالوا: لا والله أنت لا تناسبنا ولا نناسبك، فردوه رداً صريحاً، بعضهم هذا المردود قد يكره، ويجد في نفسه شيئاً على من تقدم لخطبتها بعده، هذه الكراهية بدون حق، فلا يلتفت إليها، يعني وجودها مثل عدمها، فإذا رد رداً صريحاً لأي مسلم أن يتقدم لخطبتها.

ص: 6

"فتلك التي نهى أن يخطبها الرجل على خطبة أخيه، ولم يعن بذلك إذا خطب الرجل المرأة فلم يوافقها أمره، ولم تركن إليه" ولم تمل إليه، أن لا يخطبها أحد، لا، ليس معنى هذا أنه إذا رد الخاطب الأول أنه خلاص يمتنع منها غيره من خطبتها، ولو وقع خشية أن يقع في نفس الخاطب الأول شيء، هذا لا التفات إليه، قال:"وليس المراد إذا خطب الرجل المرأة فلم يوافقها أمره، ولم تركن إليه أن لا يخطبها أحد، فهذا باب فساد يدخل على الناس" الخطبة إذا رد الخاطب ما في خطبة أصلاً خلاص انتهت، طلب ورد وانتهى، فلا يدخل في عموم الحديث، لفظ الحديث لا يشمل هذه الصورة؛ لأنها لا تسمى خطبة، ما دام رد فليست بخطبة، الخطبة ما زالت قائمة، والمسألة فيها مداولة، وفيها احتمال، نعم الخطبة قائمة، فلا يجوز أن يخطب على خطبته، أما إذا رد فالخطبة ملغاة، لا وجود لها، ولا قيمة لها، فلا يتردد في خطبتها بعد خطبة الأول المردود، ولو تردد الناس عن خطبتها لأن فلاناً خطبها حصل من هذا ما ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- قال:"فهذا باب فساد يدخل على الناس" لأنه قد يسول إليهم أن هذا يؤثر على ذلك الخاطب، لكنه لا يجوز أن تترك هذه المرأة لأن فلاناً تقدم إليها ولم

، قد يكون بعض الخطاب ممن يخشى شره، وفي هذا عوائد لبعض القبائل يسمونه تحيير، خلاص فلانة محجوزة لفلان، فلانة لا تريد فلان، أبوها لا يريد فلان، خلاص الآن محيرة ما يمكن يتقدم أحد لخطبتها، وخطر أن يؤذى أو يقتل إذا تقدم إليها، هذا لا يجوز ألبتة، هذا اعتداء محرم، لا يجوز أن تعضل النساء بمثل هذه الطريقة، وقد يكون الأب يركن إلى هذا الرجل؛ لأنه ابن أخيه أو ابن عمه، فتحجز له بالاتفاق مع والدها، لكن البنت لا ترضى بهذا، المرأة أحق بنفسها مهما كان، ولا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن على ما سيأتي.

ص: 7

قال: "وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه كان يقول في قول الله تبارك وتعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لَاّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَاّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا} [(235) سورة البقرة] ".

ص: 8

المرأة إذا توفي عنها زوجها، هي ذات زوج، وهي معروفة في بيئتها، في أقارب زوجها، في جيرانها، قد تكون متميزة، فكثير من الأقارب وبعض الجيران تحدثه نفسه أن يتزوجها بعد وفاة زوجها، في مدة الإحداد، في مدة العدة لا يجوز بحال أن يصرح لها بالخطبة {عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ} [(235) سورة البقرة] مذكور في النفس يعني، التطلع إليها مذكور في النفوس، لكن التصريح لا يجوز بحال، حرام، أما بالنسبة للتعريض والتلميح فهو جائز {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [(235) سورة البقرة] الإثم معروف {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء} [(235) سورة البقرة] تعريض {أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ} [(235) سورة البقرة] موجود في النفس أنه يريد الزواج بها {عَلِمَ اللهُ} [(235) سورة البقرة] ما خفي منكم في نفوسكم، لا يخفى على الذي يعلم السر، وما هو أخفى من السر {عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لَاّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [(235) سورة البقرة] ما ترفع سماعة التليفون وتكلم عليها تقول: أنت محجوزة، أو يصرح لها بالخطبة، التصريح لا يجوز لا سراً ولا علناً، وأما بالنسبة

، التلميح السري أيضاً يدخل في عموم الآية، والتلميح بمحضر من الناس، أو على ألا يكون سراً هذا لا بأس به، والجناح والإثم مرفوع عنه؛ لأن الاتفاق بالسر إن كان صريحاً فلا إشكال فيه، وإن كان تلميحاً فلا شك أنه يقع في نفسها الاتفاق بينها وبينه، وقد يستدرجها، وقد تستدرجه بالكلام، ويجر إلى ما هو أصرح من ذلك، ثم بعد ذلك يتم الاتفاق، وقد تجحد باقي العدة وباقي الإحداد، فيؤول الأمر إلى المحظور، {وَلَكِن لَاّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَاّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا} [(235) سورة البقرة] هذا بالنسبة لمن توفي زوجها، فما الشأن بالنسبة لمن هي في عصمة زوج، يعني بعض السفهاء قد تعجبه امرأة فلان من الناس فيتصل عليها فيقول: لي فيك رغبة، إذا توفي فلان أو طلقك فلان، هذا لا يجوز بحال، لا تصريح ولا تلميح، ووصل الحد عند بعضهم إلى التخبيب بأنه أفضل من فلان، وأنه يدفع أكثر من فلان، وأنه يقدر ويحترم النساء أكثر

ص: 9