الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَغْلِيظِ تَحْرِيمِ الرِّيَاءِ وَشِدَّةِ عُقُوبَتِهِ وَعَلَى الْحَثِّ عَلَى وُجُوبِ الْإِخْلَاصِ فِي الْأَعْمَالِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مخلصين له الدين وفيه أن العمومات الْوَارِدَةَ فِي فَضْلِ الْجِهَادِ إِنَّمَا هِيَ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهَ تَعَالَى بِذَلِكَ مُخْلِصًا وَكَذَلِكَ الثَّنَاءُ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَعَلَى الْمُنْفِقِينَ فِي وُجُوهِ الْخَيْرَاتِ كُلُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى مُخْلِصًا قَوْلُهُ (تَفَرَّجَ النَّاسُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَيْ تَفَرَّقُوا بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمْ
(بَاب بَيَانِ قَدْرِ ثَوَابِ مَنْ غَزَا فَغَنِمَ وَمَنْ لَمْ يَغْنَمْ)
[1906]
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُصِيبُونَ الْغَنِيمَةَ إِلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ
أَجْرِهِمْ مِنَ الْآخِرَةِ وَيَبْقَى لَهُمُ الثُّلُثُ وَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فَتَغْنَمُ وَتَسْلَمُ إِلَّا كَانُوا قَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أُجُورِهِمْ وَمَا مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيَّةٍ تُخْفِقُ وَتُصَابُ إِلَّا تَمَّ أُجُورُهُمْ قَالَ أَهْلُ اللغة الاخفاق أن يغزو فَلَا يَغْنَمُوا شَيْئًا وَكَذَلِكَ كُلُّ طَالِبِ حَاجَةٍ إِذَا لَمْ تَحْصُلْ فَقَدْ أَخْفَقَ وَمِنْهُ أَخْفَقَ الصَّائِدُ إِذَا لَمْ يَقَعْ لَهُ صَيْدٌ وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَالصَّوَابُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ أَنَّ الْغُزَاةَ إِذَا سَلِمُوا أَوْ غَنِمُوا يَكُونُ أَجْرُهُمْ أَقَلَّ مِنْ أَجْرِ مَنْ لَمْ يَسْلَمْ أَوْ سَلِمَ وَلَمْ يَغْنَمْ وَأَنَّ الْغَنِيمَةَ هِيَ فِي مُقَابَلَةِ جُزْءٍ مِنْ أَجْرِ غَزْوِهِمْ فَإِذَا حَصَلَتْ لَهُمْ فَقَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمُ الْمُتَرَتَّبَ عَلَى الْغَزْوِ وَتَكُونُ هَذِهِ الْغَنِيمَةُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَجْرِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنِ الصَّحَابَةِ كَقَوْلِهِ مِنَّا مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا أَيْ يَجْتَنِيهَا فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَأْتِ حَدِيثٌ صَرِيحٌ صَحِيحٌ يُخَالِفُ هَذَا فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَقَدِ اخْتَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ مَعْنَى هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بَعْدَ حِكَايَتِهِ فِي تَفْسِيرِهِ أَقْوَالًا فَاسِدَةً مِنْهَا قَوْلُ مَنْ زعم أن هذا الحديث ليس بصحيح ولايجوز أَنْ يَنْقُصَ ثَوَابُهُمْ بِالْغَنِيمَةِ كَمَا لَمْ يَنْقُصْ ثَوَابُ أَهْلِ بَدْرٍ وَهُمْ أَفْضَلُ الْمُجَاهِدِينَ وَهِيَ أَفْضَلُ غَنِيمَةٍ قَالَ وَزَعَمَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ أَنَّ أَبَا هَانِئٍ حُمَيْدَ بْنَ هَانِئٍ رَاوِيَةٌ مَجْهُولٌ وَرَجَّحُوا الْحَدِيثَ السَّابِقَ فِي أَنَّ الْمُجَاهِدَ يَرْجِعُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ فَرَجَّحُوهُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ لِشُهْرَتِهِ وَشُهْرَةِ رِجَالِهِ وَلِأَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهَذَا فِي مُسْلِمٍ خَاصَّةً وَهَذَا الْقَوْلٌ بَاطِلٌ مِنْ أَوْجُهٍ فَإِنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ رُجُوعُهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ وَلَمْ يَقُلْ إِنَّ الْغَنِيمَةَ تَنْقُصُ الْأَجْرَ أَمْ لَا وَلَا قَالَ أَجْرُهُ كَأَجْرِ مَنْ لَمْ يَغْنَمْ فَهُوَ مُطْلَقٌ وَهَذَا مُقَيَّدٌ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ أَبُو هَانِئٍ مَجْهُولٌ فَغَلَطٌ فَاحِشٌ بَلْ هُوَ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ رَوَى عنه الليث بن سعد وحيوة وبن وَهْبٍ وَخَلَائِقُ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَيَكْفِي فِي تَوْثِيقِهِ احْتِجَاجُ مُسْلِمٍ بِهِ فِي صَحِيحِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ أنه