الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْ حَدِّدِيهَا وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي الْأَمْرِ بِإِحْسَانِ الْقِتْلَةِ وَالذَّبْحِ وَإِحْدَادِ الشَّفْرَةِ قَوْلُهُ (وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ ثُمَّ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ضَحَّى بِهِ) هَذَا الْكَلَامُ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَتَقْدِيرُهُ فَأَضْجَعَهُ وَأَخَذَ فِي ذَبْحِهِ قَائِلًا بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ مُضَحِّيًا به ولفظه ثمهنا متأولة على ماذكرته بِلَا شَكٍّ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ إِضْجَاعِ الْغَنَمِ فِي الذبح وأنها لاتذبح قائمة ولاباركة بَلْ مُضْجَعَةً لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِهَا وَبِهَذَا جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ وَعَمَلُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ إِضْجَاعَهَا يَكُونُ عَلَى جَانِبِهَا الْأَيْسَرِ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الذَّابِحِ فِي أَخْذِ السِّكِّينِ بِالْيَمِينِ وَإِمْسَاكِ رَأْسِهَا بِالْيَسَارِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ) فِيهِ دَلِيلٌ لِاسْتِحْبَابِ قَوْلِ الْمُضَحِّي حَالَ الذَّبْحِ مَعَ التَّسْمِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ مَعَهُ اللَّهُمَّ مِنْكَ وَإِلَيْكَ تَقَبَّلْ مِنِّي فَهَذَا مُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْحَسَنِ وَجَمَاعَةٍ وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَكَرِهَ مَالِكٌ اللَّهُمَّ مِنْكَ وَإِلَيْكَ وَقَالَ هي بدعةواستدل بِهَذَا مَنْ جَوَّزَ تَضْحِيَةَ الرَّجُلِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَاشْتِرَاكَهُمْ مَعَهُ فِي الثَّوَابِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَكَرِهَهُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَزَعَمَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ أومخصوص وَغَلَّطَهُ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ النَّسْخَ وَالتَّخْصِيصَ لايثبتان بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى
(بَاب جَوَازِ الذَّبْحِ بِكُلِّ مَا أنهر الدم الاالسن والظفر
وسائرالعظام)
[1968]
قوله (قلت يارسول اللَّهِ إِنَّا لَاقُو الْعَدُوِّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مدى قال أعجل أوأرن) أَمَّا أَعْجِلْ فَهُوَ بِكَسْرِ
الْجِيمِ وَأَمَّا أَرِنْ فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَرُوِيَ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَكَسْرِ النُّونِ وَرُوِيَ أَرْنِي بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَزِيَادَةِ يَاءٍ وَكَذَا وَقَعَ هُنَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ صوابه أرن على وزن أعجل وهو بمعناه وهومن النشاط والخفة أى أعجل ذبحها لئلاتموت خَنْقًا قَالَ وَقَدْ يَكُونُ أَرِنْ عَلَى وَزْنِ أَطِعْ أَيْ أَهْلِكْهَا ذَبْحًا مِنْ أَرَانَ الْقَوْمُ إِذَا هَلَكَتْ مَوَاشِيهِمْ قَالَ وَيَكُونُ أَرْنِ عَلَى وزن أعط بمعنى أدم الحز ولاتفتر من قولهم رنوت اذاأدمت النَّظَرَ وَفِي الصَّحِيحِ أَرْنِ بِمَعْنَى أَعْجِلْ وَأَنَّ هَذَا شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي هَلْ قَالَ أَرْنِ أَوْ قَالَ أَعْجِلْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَدْ رَدَّ بَعْضُهُمْ عَلَى الْخَطَّابِيِّ قَوْلَهُ إِنَّهُ مِنْ أَرَانَ الْقَوْمَ إِذَا هَلَكَتْ مَوَاشِيهِمْ لِأَنَّ هَذَا لايتعدى وَالْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ مُتَعَدٍّ عَلَى مَا فَسَّرَهُ وَرُدَّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ إِنَّهُ أَأْرَنَ إِذْ لَا تَجْتَمِعُ هَمْزَتَانِ إِحْدَاهُمَا سَاكِنَةٌ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي هَذَا إِيرَنْ بِالْيَاءِ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى أَرْنِي بِالْيَاءِ سَيَلَانُ الدَّمِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ صَوَابُ اللفظة بالهمزة والمشهور بلاهمز وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ) أَمَّا السِّنُّ وَالظُّفُرُ فَمَنْصُوبَانِ بِالِاسْتِثْنَاءِ بِلَيْسَ وَأَمَّا أَنْهَرَهُ فَمَعْنَاهُ أَسَالَهُ وَصَبَّهُ بِكَثْرَةٍ وَهُوَ مُشَبَّهٌ بِجَرْيِ الْمَاءِ فِي النَّهَرِ يُقَالُ نَهَرَ الدَّمَ وَأَنْهَرْتُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ كُلِّهَا وَفِيهِ مَحْذُوفٌ أَيْ وَذُكِرَ اسم الله عليه أومعه وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الذَّكَاةِ مَا يقطع ويجرى الدم ولايكفى رضها ودمغها بما لايجرى الدَّمَ قَالَ الْقَاضِي وَذَكَرَ الْخُشْنِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا أَنْهَزَ بِالزَّايِ وَالنَّهْزُ بِمَعْنَى الدَّفْعِ قَالَ وَهَذَا غَرِيبٌ وَالْمَشْهُورُ بِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَذَا ذَكَرَهُ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً بِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَالْحِكْمَةُ فِي اشْتِرَاطِ الذَّبْحِ وَإِنْهَارِ الدَّمِ تَمَيُّزُ حَلَالِ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ مِنْ حَرَامِهِمَا وَتَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ لِبَقَاءِ دَمِهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِجَوَازِ الذَّبْحِ بِكُلِّ مُحَدَّدٍ يَقْطَعُ إِلَّا الظُّفُرَ وَالسِّنَّ وَسَائِرَ الْعِظَامِ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ السَّيْفُ وَالسِّكِّينُ وَالسِّنَانُ وَالْحَجَرُ وَالْخَشَبُ وَالزُّجَاجُ وَالْقَصَبُ وَالْخَزَفُ وَالنُّحَاسُ وَسَائِرُ الْأَشْيَاءِ الْمُحَدَّدَةِ فَكُلُّهَا تَحْصُلُ بِهَا الذَّكَاةُ الاالسن وَالظُّفُرَ وَالْعِظَامَ كُلَّهَا أَمَّا الظُّفْرُ فَيَدْخُلُ فِيهِ ظُفْرُ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ كُلِّ الْحَيَوَانَاتِ وَسَوَاءٌ المتصل والمنفصل الطاهر والنجس فكله لاتجوز الذَّكَاةُ بِهِ لِلْحَدِيثِ وَأَمَّا السِّنُّ فَيَدْخُلُ فِيهِ سِنُّ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ الطَّاهِرُ وَالنَّجِسُ وَالْمُتَّصِلُ وَالْمُنْفَصِلُ وَيَلْحَقُ بِهِ سَائِرُ الْعِظَامِ مِنْ كُلِّ الْحَيَوَانِ المتصل منها والمنفصل الطاهر والنجس فكله لاتجوز الذكاة
بِشَيْءٍ مِنْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَفَهِمْنَا الْعِظَامَ مِنْ بَيَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْعِلَّةَ فِي قَوْلِهِ أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ أَيْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ لِكَوْنِهِ عَظْمًا فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ عَظْمًا فَكُلُّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ العظم لاتجوز الذكاة بهوقد قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي كُلِّ مَا تَضَمَّنَهُ عَلَى مَا شَرَحْتُهُ وَبِهَذَا قَالَ النَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وأبوثور وَدَاوُدُ وَفُقَهَاءُ الْحَدِيثِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حنيفة وصاحباه لايجوز بِالسِّنِّ وَالْعَظْمِ الْمُتَّصِلَيْنِ وَيَجُوزُ بِالْمُنْفَصِلَيْنِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَاتٌ أَشْهَرُهَا جَوَازُهُ بِالْعَظْمِ دُونَ السِّنِّ كَيْفَ كَانَا وَالثَّانِيَةُ كَمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ وَالثَّالِثَةُ كَأَبِي حَنِيفَةَ والرابعة حكاها عنه بن الْمُنْذِرِ يَجُوزُ بِكُلِّ شَيْءٍ حَتَّى بِالسِّنِّ وَالظُّفُرِ وعن بن جريح جَوَازُ الذَّكَاةِ بِعَظْمِ الْحِمَارِ دُونَ الْقِرْدِ وَهَذَا مع ماقبله بَاطِلَانِ مُنَابِذَانِ لِلسُّنَّةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَمُوَافِقُوهُمْ لاتحصل الذكاة إلابقطع الحلقوم والمرئ بكمالهما ويستحب قطع الودجين ولايشترط وهذا أصح الروايتين عن أحمد وقال بن الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا قَطَعَ الحلقوم والمرئ وَالْوَدَجَيْنِ وَأَسَالَ الدَّمَ حَصَلَتِ الذَّكَاةُ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي قَطْعِ بَعْضِ هَذَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُشْتَرَطُ قطع الحلقوم والمرئ وَيُسْتَحَبُّ الْوَدَجَانِ وَقَالَ اللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وبن الْمُنْذِرِ يُشْتَرَطُ الْجَمِيعُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا قَطَعَ ثَلَاثَةً مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ أَجْزَأَهُ وَقَالَ مالك يجب قطع الحلقوم والودجين ولايشترط المرئ وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنِ اللَّيْثِ أَيْضًا وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَكْفِي قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ وَعَنْهُ اشْتِرَاطُ قَطْعِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا قَالَ اللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ وعن أبى يوسف ثلاث روايات إحدها كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِيَةُ إِنْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَاثْنَيْنِ مِنَ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ حَلَّتْ وَإِلَّا فَلَا وَالثَّالِثَةُ يشترط قطع الحلقوم والمرئ وَأَحَدِ الْوَدَجَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِنْ قَطَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَرْبَعَةِ أَكْثَرَهُ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَفِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَنْهَرَ الدَّمَ فَكُلْ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ذَبْحِ الْمَنْحُورِ وَنَحْرِ الْمَذْبُوحِ وَقَدْ جَوَّزَهُ الْعُلَمَاءُ كافة إلاداود فَمَنَعَهُمَا وَكَرِهَهُ مَالِكٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَفِي رِوَايَةٍ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إِبَاحَةُ ذَبْحِ الْمَنْحُورِ دُونَ نَحْرِ الْمَذْبُوحِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْإِبِلِ النَّحْرُ وَفِي الْغَنَمِ الذَّبْحُ وَالْبَقَرُ كالغنم عندنا وعند الجمهور وقيل يتخيربين ذَبْحِهَا وَنَحْرِهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ) مَعْنَاهُ فَلَا تَذْبَحُوا بِهِ فإنه يتنجس
بِالدَّمِ وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْعِظَامِ لِئَلَّا تَنْجُسَ لِكَوْنِهَا زَادَ إِخْوَانِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كُفَّارٌ وَقَدْ نُهِيتُمْ عن التشبيه بِالْكُفَّارِ وَهَذَا شِعَارٌ لَهُمْ قَوْلُهُ (فَأَصَبْنَا نَهْبَ ابل وغنم فندمنها بعير فرماهرجل بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ لِهَذِهِ الْإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَإِذَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا شَيْءٌ فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا) أَمَّا النَّهْبُ بِفَتْحِ النُّونِ فَهُوَ الْمَنْهُوبُ وكان هذا النهب غنيمة وقوله (فندمنها بَعِيرٌ) أَيْ شَرَدَ وَهَرَبَ نَافِرًا وَالْأَوَابِدُ النُّفُورُ وَالتَّوَحُّشُ وَهُوَ جَمْعُ آبِدَةٍ بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُخَفَّفَةِ وَيُقَالُ مِنْهُ أَبَدَتْ بِفَتْحِ الْبَاءِ تَأْبُدُ بِضَمِّهَا وَتَأْبِدُ بِكَسْرِهَا وَتَأَبَّدَتْ وَمَعْنَاهُ نَفَرَتْ مِنَ الْإِنْسِ وَتَوَحَّشَتْ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ
دَلِيلٌ لِإِبَاحَةِ عَقْرِ الْحَيَوَانِ الَّذِي يَنِدُّ وَيُعْجَزُ عن ذبحه ونحره قال أصحابنا وغيرهم الحيوانالمأكول الذى لاتحل مَيْتَتُهُ ضَرْبَانِ مَقْدُورٌ عَلَى ذَبْحِهِ وَمُتَوَحِّشٌ فَالْمَقْدُورُ عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ إِلَّا بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَةِ كَمَا سَبَقَ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْإِنْسِيِّ وَالْوَحْشِيِّ إِذَا قَدَرَ عَلَى ذَبْحِهِ بِأَنْ أَمْسَكَ الصَّيْدَ أَوْ كَانَ مُتَأَنِّسًا فَلَا يَحِلُّ إِلَّا بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَةِ وأما المتوحش كالصيد فجميع أجزائه يذبح مادام مُتَوَحِّشًا فَإِذَا رَمَاهُ بِسَهْمٍ أَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ جَارِحَةً فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْهُ وَمَاتَ بِهِ حَلَّ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا إِذَا تَوَحَّشَ إِنْسِيٌّ بِأَنَ نَدَّ بعير أو بقرة أو فرس أوشردت شَاةٌ أَوْ غَيْرُهَا فَهُوَ كَالصَّيْدِ فَيَحِلُّ بِالرَّمْيِ إِلَى غَيْرِ مَذْبَحِهِ وَبِإِرْسَالِ الْكَلْبِ وَغَيْرِهِ مِنَ الجوارح عليه وكذا لوتردى بعير أوغيره فِي بِئْرٍ وَلَمْ يُمْكِنْ قَطْعُ حُلْقُومِهِ وَمَرِيئِهِ فهو كالبعير الناد فى حله بالرمى بلاخلاف عِنْدَنَا وَفِي حِلِّهِ بِإِرْسَالِ الْكَلْبِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لايحل قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّوَحُّشِ مُجَرَّدَ الْإِفْلَاتِ بل متى تيسر لحوقه بعد ولوباستعانة بمن يمسكه ونحوذلك فليس متوحشا ولايحل حينئذ الابالذبح فِي الْمَذْبَحِ وَإِنْ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ فِي الْحَالِ جاز رميه ولايكلف الصَّبْرَ إِلَى الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْجِرَاحَةُ فِي فَخِذِهِ أَوْ خَاصِرَتِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ بَدَنِهِ فَيَحِلُّ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَمِمَّنْ قَالَ بِإِبَاحَةِ عَقْرِ النَّادِّ كَمَا ذَكَرْنَا عَلِيُّ بْنُ أبى طالب وبن مسعود وبن عمر وبن عَبَّاسٍ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حنيفة وأحمد وإسحاقوأبو ثور والمزنى وداود والجمهوروقال سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ وَمَالِكٌ لَا يَحِلُّ إِلَّا بِذَكَاةٍ فِي حَلْقِهِ كَغَيْرِهِ دَلِيلُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ رَافِعٍ الْمَذْكُورُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ تِهَامَةَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْحُلَيْفَةُ هَذِهِ مَكَانٌ مِنْ تِهَامَةَ بَيْنَ حَاذَّةَ وَذَاتِ عِرْقٍ وَلَيْسَتْ بِذِي الْحُلَيْفَةِ الَّتِي هِيَ مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُؤْتَلِفُ فِي أَسْمَاءِ الْأَمَاكِنِ لَكِنَّهُ قَالَ الْحُلَيْفَةُ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ ذِي وَالَّذِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَكَأَنَّهُ يُقَالُ بِالْوَجْهَيْنِ قَوْلُهُ (فَأَصَبْنَا غَنَمًا وَإِبِلًا فَعَجِلَ الْقَوْمُ فَأَغْلَوْا بِهَا الْقُدُورَ فَأَمَرَ بِهَا فَكُفِئَتْ) مَعْنَى كُفِئَتْ أَيْ قُلِبَتْ وَأُرِيقَ مَا فِيهَا وَإِنَّمَا أَمَرَ بِإِرَاقَتِهَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدِ انْتَهَوْا إِلَى دار الاسلام والمحل الذى لايجوز فِيهِ الْأَكْلُ مِنْ مَالِ الْغَنِيمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ فَإِنَّ الْأَكْلَ مِنَ الْغَنَائِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ إِنَّمَا يُبَاحُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ الْمَالِكِيُّ إِنَّمَا أُمِرُوا بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ عُقُوبَةً لَهُمْ لِاسْتِعْجَالِهِمْ فِي السَّيْرِ وَتَرْكِهِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي أُخْرَيَاتِ الْقَوْمِ مُتَعَرِّضًا لِمَنْ يَقْصِدُهُ مِنْ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مِنْ إِرَاقَةِ الْقُدُورِ إِنَّمَا هُوَ إِتْلَافٌ لِنَفْسِ الْمَرَقِ عُقُوبَةً لَهُمْ وَأَمَّا نَفْسُ اللَّحْمِ فَلَمْ يُتْلِفُوهُ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ جُمِعَ ورد إلى المغنم ولايظن أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِإِتْلَافِهِ لِأَنَّهُ مَالٌ لِلْغَانِمِينَ وَقَدْ نَهَى عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ مَعَ أَنَّ الْجِنَايَةَ بِطَبْخِهِ لَمْ تَقَعْ من جميع مستحقى الغنيمة اذمن جُمْلَتِهِمْ أَصْحَابُ الْخُمُسِ وَمِنَ الْغَانِمِينَ مَنْ لَمْ يَطْبُخْ فَإِنْ قِيلَ فَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُمْ حَمَلُوا اللَّحْمَ إِلَى الْمَغْنَمِ قُلْنَا وَلَمْ يُنْقَلْ أَيْضًا أَنَّهُمْ أَحْرَقُوهُ وَأَتْلَفُوهُ وَإِذَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَقْلٌ صَرِيحٌ وَجَبَ تَأْوِيلُهُ عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَهَذَا بِخِلَافِ إِكْفَاءِ قُدُورِ لَحْمِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ فَإِنَّهُ أَتْلَفَ مَا فِيهَا مِنْ لَحْمٍ وَمَرَقٍ لِأَنَّهَا صَارَتْ نَجِسَةً وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيهَا إِنَّهَا رِجْسٌ أَوْ نَجَسٌ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ وَأَمَّا هَذِهِ اللُّحُومُ فكانت طاهرة منتفعا بها بلاشك فلايظن إِتْلَافُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (ثُمَّ عَدَلَ عَشْرًا مِنَ الْغَنَمِ بِجَزُورٍ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ قِيمَةَ هَذِهِ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ فَكَانَتِ الْإِبِلُ نَفِيسَةً دُونَ الْغَنَمِ بِحَيْثُ كَانَتْ قِيمَةُ البعير عشر شياه ولايكون هذا مخالفالقاعدة الشَّرْعِ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ فِي إِقَامَةِ الْبَعِيرِ مَقَامَ سَبْعِ شِيَاهٍ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْغَالِبُ فِي قِيمَةِ الشِّيَاهِ وَالْإِبِلِ الْمُعْتَدِلَةِ وَأَمَّا هَذِهِ القسمة فكانت قضية اتفق فيها ماذكرناه مِنْ نَفَاسَةِ الْإِبِلِ دُونَ الْغَنَمِ وَفِيهِ أَنَّ قسمة الغنيمة لايشترط فِيهَا قِسْمَةُ كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ قَوْلُهُ (فَنُذَكِّي بِاللِّيطِ) هُوَ بِلَامٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ طَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَهِيَ قُشُورُ الْقَصَبِ وَلِيطُ كُلِّ شَيْءٍ قُشُورُهُ وَالْوَاحِدَةُ لِيطَةٌ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ أَفَنَذْبَحُ بِالْمَرْوَةِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا هَذَا وَهَذَا فَأَجَابَهُمْ صلى الله عليه وسلم بِجَوَابٍ جَامِعٍ لِمَا سَأَلُوهُ وَلِغَيْرِهِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا فقال كل ماأنهر الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ قَوْلُهُ (فَرَمَيْنَاهُ بِالنَّبْلِ حَتَّى وَهَصْنَاهُ) هُوَ بِهَاءٍ مَفْتُوحَةٍ مُخَفَّفَةٍ ثُمَّ صَادٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثم نون